إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر طعام رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم
[اعلم] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكل على مائدة وعلى الأرض،
وكانت له قصعة كبيرة، وأكل خبز الشعير، وائتدم بالخل، وأكل القثاء
والدّباء، والسمن والأقط والحيس، والزيد واللحم والقديد، والشواء ولحم
الدجاج، ولحم الحبارى، وأكل الخبيص والهريسة، وعاف أكل الضّب واجتنب ما
تؤذى رائحته، وأكل الجمار والتمر، والقنّب والرطب والبطيخ، وكان يحب
الحلواء والعسل، وجمع بين إدامين، ولم يأكل متكئا ولا صدقة.
[فأما المائدة]
فقد خرج البخاري من حديث الحسن بن مهران قال: سمعت فرقدا صاحب النبي صلى
اللَّه عليه وسلم يقول: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأكلت على
مائدته.
ومن حديث قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه قال: ما علمت النبي صلى اللَّه عليه
وسلم أكل على سكرّجة قطّ، ولا خبز له مرقّق قط، ولا أكل على خوان، قيل
لقتادة:
فعلى م كانوا يأكلون؟ قال: على السّفر. ذكره في الأطعمة [ (1) ] .
وخرّج ابن حيّان من حديث سليم الأعور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى
اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجلس على الأرض
ويأكل على الأرض [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرقق والأكل
على الخوان والسّفرة، حديث رقم (5386) ، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه
عليه وسلم وأصحابه يأكلون. حديث رقم (5415) ، 11/ 329، كتاب الرقاق باب
(16) فضل الفقر، حديث رقم (6450) .
[ (2) ] (أخلاق النبي) : 64، 197، (كنز العمال) : حديث رقم (18482) .
(7/262)
[وأما القصعة
والجفنة]
فخرج ابن حيّان من حديث عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، حدثنا محمد بن عبد
الرحمن الحمصي قال: سمعت عبد اللَّه بن بشير المازني يقول: كانت للنّبيّ
صلى اللَّه عليه وسلم قصعة يقال لها: الغرّاء، يحملها أربعة رجال [ (1) ] .
ومن حديث يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن عبد الرحمن عن عبد اللَّه بن أنس
رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جفنة لها أربع
حلق [ (2) ] .
[قال مؤلفه] عفى اللَّه عنه: سيأتي ذكر القصعة الغراء في ذكر المعجزات، عند
ذكر إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بما يفتح اللَّه عليه لأمته، إن شاء
اللَّه تعالى.
[وأما أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يشبع من طعام]
فخرج البخاري في كتاب الأطعمة من حديث محمد بن فضيل عن أبيه عن أبى حازم
رضى اللَّه عنه قال: ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض [ (3) ] .
وخرج مسلم من حديث يزيد بن كيسان عن أبى حازم، عن أبى هريرة رضى اللَّه
تعالى عنه قال: والّذي نفسي بيده [وقال ابن عباد: والّذي نفس أبى هريرة
بيده] ، ما أشبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا
من خبز
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] (كنز العمال) : حديث رقم (18594) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 646، كتاب الأطعمة، باب (1) قوله اللَّه تعالى:
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ، وقوله: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ
ما كَسَبْتُمْ.
وقوله: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، حديث رقم (5374) . والّذي يظهر أن سبب عدم شبعهم
غالبا كان بسبب قلة الشيء عندهم، على أنهم كانوا قد يجدون.
ولكن يؤثرون على أنفسهم (فتح الباري) .
(7/263)
حنطة حتى فارق الدنيا [ (1) ] .
وخرّج في (الشمائل) من حديث قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن النبي
صلى اللَّه عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف
قال عبد اللَّه بن عبد الرحمن: قال بعضهم: هو كثرة الأيدي [ (2) ] .
[وقال مالك بن دينار: سألت رجلا من أهل البادية ما الضّفف؟ قال:
تناوله مع الناس] [ (3) ] .
[وخرّج البخاري] [ (4) ] من حديث ابن أبى ذؤيب عن سعيد المقبري، عن أبى
هريرة رضى اللَّه عنه أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه. فأبى أن
يأكل وقال: خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا، ولم
يأكل من خبز الشعير. ذكره في [كتاب] [ (4) ] الأطعمة، في باب: ما كان النبي
صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون [ (5) ] .
[وخرّج الترمذي] [ (4) ] من حديث هلال بن حبّاب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى
اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيت الليالي
المتتابعات طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم الشعير. قال: هذا
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 318، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم
(2976) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 318- 319، حديث رقم (377) .
[ (3) ] العبارة التي بين الحاصرتين ذكرها عقب الحديث رقم (73) من (الشمائل
المحمدية) : 79، من حديث جعفر بن سليمان الضّبعىّ، عن مالك بن دينار قال:
ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من خبز قط ولا لحم إلا على ضفف.
[ (4) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى
اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5414) ، قوله: «فدعوه فأبى أن
يأكل» ، ليس هذا من ترك إجابة الدعوة، لأنه في الوليمة، لا في كل الطعام
وكأن أبا هريرة رضى اللَّه عنه استحضر حينئذ ما كان النبي صلى اللَّه عليه
وسلم فيه من شدة العيش. فزهد في أكل الشاه، ولذلك قال: «خرج ولم يشبع من
خبز الشعير» (فتح الباري) .
(7/264)
حديث حسن صحيح [ (1) ] .
[وخرّج] [ (2) ] البخاري من حديث هشام الدستوائى، عن قتادة عن أنس رضى
اللَّه عنه، أنه مشى إلى النبي بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودىّ، وأخذ منه شعيرا لأهله، ولقد
سمعته يقول ما أمسى عند آل محمد صاع بر، ولا صاع حب، وإن عنده لتسع نسوة.
ذكره البخاري في كتاب البيوع، في باب شراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم
بالنسيئة [ (3) ] . [وخرّجه] الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (4) ] .
[وخرّج البخاري] [ (2) ] من حديث همام بن يحى، حدثنا قتادة قال: كنّا نأتي
أنس بن مالك رضى اللَّه عنه وخبازه قائم فقال: كلوا، فما أعلم النبي صلى
اللَّه عليه وسلم رأى رغيفا مرّققا حتى لحق باللَّه، ولا رأى شاة سميطا
بعينه قط، ذكره في الرقاق في باب: كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم
وأصحابه، وتخليهم من الدنيا [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 501، كتاب الزهد، باب (38) ما جاء في معيشة
النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأهله، حديث رقم (2360) .
[ (2) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 379، كتاب البيوع، باب (14) شراء النبي صلى
اللَّه عليه وسلم بالنسيئة، حديث رقم (2069) ، 5/ 175، كتاب الرهن، باب (1)
في الرهن في الحضر، وقوله اللَّه عز وجل: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ
وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة: 283] ، حديث رقم
(2508) . والإهالة: ما أذيب من الشحم والألية، وسنخة: أي متغيرة الريح.
(فتح الباري) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 3/ 519- 520، كتاب البيوع، باب (7) ما جاء في
الرخصة في الشراء إلى أجل، حديث رقم (1215) ، وأخرجه النسائي في (السنن) :
7/ 332- 333، كتاب البيوع، باب (59) الرهن في الحضر، حديث رقم (6424) .
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 815، كتاب الرهون، باب (1) حدثنا أبو بكر
بن أبى شيبة، حديث رقم (2436) ، (2437) ، (2439) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي
صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6457) .
(7/265)
[وخرّجه] [ (1) ] بهذا الإسناد في كتاب
الأطعمة، في باب شاة مسموطة [ (2) ] ، [وذكره] [ (3) ] في الأطعمة أيضا في
باب الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة، ولفظه: ما أكل رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة حتى لقي اللَّه [ (4) ] .
[وخرج البخاري] والنسائي من حديث عبد الوارث، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن
قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه قال: لم يأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على
خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرقّقا حتى مات. ذكره البخاري في باب فضل الفقر
[ (5) ] ، وذكره النسائىّ في كتاب الوليمة [ (6) ] .
[وخرّجه] من حديث أبى حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم النّقىّ؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم النقىّ من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، [قال:] فقلت: هل كانت
لكم في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه،
قال: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما
طار، وما بقي ثرّيناه فأكلناه. ذكره في الأطعمة.
وكرره [ (7) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرقّق
والأكل على الخوان والسفرة، حديث رقم (5385) .
[ (3) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (4) ] (المرجع السابق) : باب (26) شاة مسموطة والكتف والجنب، حديث رقم
(5421) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 329، كتاب الرقاق، باب (16) ، فضل الفقر، حديث
رقم (6450) .
[ (6) ] لعله في (الكبرى) .
[ (7) ] (فتح الباري) : 9/ 685، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى
اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5413) .
(7/266)
[وخرّجه] من حديث جرير، عن منصور، عن
إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم
المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض. ذكره في الأطعمة [ (1) ] وفي
الرقاق [ (2) ] .
[وخرّجه] مسلم من حديث الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه
عنها. قالت: ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من
خبز حتى مضى لسبيله [ (3) ] .
ومن حديث أبى إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود عن عائشة
رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض
[ (4) ] .
وللبخاريّ [ (5) ] ومسلم [ (6) ] من حديث سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن
أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم
من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق اللَّه تعالى [وقال ابن كثير: أخبرنا
سفيان، حدثنا عبد الرحمن بن عابس بهذا] [ (7) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى
اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5416) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي
صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6454) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 315، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (21)
.
[ (4) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (22) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 689، كتاب الأطعمة، باب (27) ما كان السلف
يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره، حديث رقم (5423) ، وفي
باب (36) المرق. حديث رقم (5438) ، وفي كتاب الأيمان والنذور، باب (22)
وإذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز، وما يكون فيه الأدم، حديث رقم (6687)
.
[ (6) ] أخرجه مسلم في الزهد، وقال فيه: «من خبز وزيت» .
[ (7) ] زيادة للسياق من البخاري.
(7/267)
ولمسلم، قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه
عليه وسلم، من خبز مرقوق ثلاث. وله من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت
عائشة رضى اللَّه عنها: ما شبع آل محمد من خبز البرّ ثلاثا حتى مضى لسبيله
[ (1) ] .
وللبخاريّ من حديث مسعود بن كدام، عن هلال عن عروة عن عائشة رضى اللَّه
عنها قالت: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر [ (2) ] .
وخرّجه مسلم ولفظه: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر [ (3)
] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 315، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (24)
.
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي
صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6455) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 316، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم
(2971) .
(7/268)
وأما ائتدامه صلى اللَّه عليه وسلم بالخلّ
فخرج ابن حيّان من حديث ياسين بن معاذ، عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه
عنهما قال: كان أحبّ الصباغ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخلّ [
(1) ] .
وللترمذي من حديث أبى بكر بن عيّاش، عن أبى حمزة الثمالي، عن الشعبي، عن أم
هانئ بنت أبى طالب رضى اللَّه عنها قالت: دخل عليّ النبيّ صلى اللَّه عليه
وسلم فقال: [هل عندكم] شيء؟ فقلت: لا، إلّا [كسر يابسة] وخلّ، فقال:
[قربيه] ، فما أفقر بيت من أدم فيه خلّ.
[قال أبو عيسى] هذا حديث حسن غريب من حديث أم هانئ، لا نعرفه إلا من هذا
الوجه. وأبو حمزة الثمالي اسمه ثابت بن أبى صفية، وأم هانئ ماتت بعد عليّ
رضى اللَّه عنه بزمان [ (2) ] .
ولمسلم من حديث أبى عوانة عن أبى [بشر] عن أبى سفيان عن جابر ابن عبد
اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سأل أهله
الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خلّ، فدعا به، فجعل يأكل به [ويقول] : نعم
الأدم الخل، نعم الأدم الخل [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 212، وإسناده ضعيف، قاله العراقي. قال الزبيدي:
ورواه كذلك أبو نعيم في الطب، والمراد به ما يصبغ الخبر. فيكون إداما له،
وقد ورد: نعم الإدام الخل. (إتحاف السادة المتقين) :
8/ 240، (كنز العمال) . حديث رقم (18166) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 246، كتاب الأطعمة، باب (35) ما جاء في الخل،
حديث رقم (1841) ، وما بين الحاصرتين تصويبات منه.
ثم قال أبو عيسى بعد قوله: وأم هانئ ماتت بعد عليّ بن أبى طالب بزمان:
وسألت محمدا عن هذا الحديث، قال: لا أعرف للشعبىّ سماعا من أم هانئ، فقلت
أبو حمزة كيف هو عندك؟ فقال أحمد ابن حنبل: تكلم فيه، وهو عندي مقارب
الحديث.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل
والتأدم به، حديث
(7/269)
ومن حديث إسماعيل بن علية، عن المثنى بن
سعيد قال: حدثني طلحة ابن نافع أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه
عنهما يقول: [أخذ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى
منزله فأخرج إليه فلق من خبز فقال: هل من أدم؟ قالوا: إلا شيء من خل، قال:
فإن الخلّ نعم الأدم.
قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من [نبي] ، اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم، وقال طلحة: ما زلت أحبّ الخل منذ سمعتها من جابر [رضى اللَّه عنه] [
(1) ] .
ومن حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا حجاج بن أبى زينب قال:
حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه
عنهما قال: كنت جالسا في داري، فمر بى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم،
فأشار إليّ
__________
[ () ] رقم (2052) .
وفي الحديث فضيلة الخل، وأنه سمى أدما، وأنه أدم فاضل جيد. قال أهل اللغة:
الإدام بكسر الهمزة: ما يؤتدم به، يقال: أدم الخبز يأدمه بكسر الدال، وجمع
الإدام أدم بضم الهمزة والدال ككتاب وكتب.
وفيه استحباب الحديث على الأكل تأنيسا للآكلين. وأما معنى الحديث، فقال
الخطّابى والقاضي عياض: معناه مدح الاقتصار في المأكل، ومنع النفس عن ملاذّ
الأطعمة، تقديره ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعزّ وجوده،
ولا تتأنقوا في الشهوات، فإنّها مفسدة للدين، مقسمة للبدن.
هذا كلام الخطّابى ومن تابعه، والصواب الّذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل
نفسه، وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر، واللَّه
تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 169-
170، باب (40) في الخل، حديث رقم (3820) ، (3821) كلاهما عن جابر.
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل
والتأدم به، حديث رقم (167) .
وأما قول جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم، فهو كقول أنس رضى اللَّه عنه ما زلت أحب الدباء، وهذا مما يؤيد ما
قلناه في معنى الحديث أنه مدح للخل نفسه، وقد ذكرنا مرات أن تأويل الراويّ
إذ لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه، والعمل به عند جماهير العلماء من
الفقهاء والأصوليين، وهذا كذلك، بل تأويل الراويّ هنا هو ظاهر اللفظ،
فيتعين اعتماده. واللَّه تعالى أعلم (شرح النووي على صحيح مسلم) .
(7/270)
فقمت إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا، حتى أتى
بعض حجر نسائه، فدخل ثم أذن لي، فدخلت الحجاب عليها، فقال: هل من غداء؟
فقالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقرص، فوضعن على شيء، فأخذ رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه، وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يدىّ، ثم
أخذ الثالث فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يدي، ثم قال: هل
من أدم؟ فقالوا: لا، إلا شيء من خلّ، قال: هاتوه، فنعم الأدم هو [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 251- 252، كتاب الأشربة، باب (3) فضيلة
الخل والتأدم به، حديث رقم (169) .
(7/271)
وأما أكله القثّاء
فخرج البخاري من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر رضى
اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء [ (1)
] . وخرجه مسلم بهذا السند ولفظه: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
يأكل القثاء بالرطب [ (2) ] .
وخرجه أبو داود [بمثله] سواء [ (3) ] .
وللترمذي من حديث محمد بن إسحاق، عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن
الربيع بنت معوّذ قالت: بعثني معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجرى من
قثاء زغب، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب القثاء، فأتيته بها، وعنده
حلية قد قدمت عليه من البحرين، فملأ يده منها فأعطانيه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 704، كتاب الأطعمة، باب (39) القثاء بالرطب،
حديث رقم (5440) ، باب (45) القثاء، حديث رقم (5447) ، باب (47) جمع
اللونين أو الطعامين بمرّة، حديث رقم (5449) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 238- 239. كتاب الأشربة، باب (23) أكل
القثاء بالرطب، حديث رقم (243) ، وفيه جواز أكلهما معا، وأكل الطعامين معا،
والتوسع في الأطعمة، ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا، وما نقل عن بعض
السلف من خلاف ذلك فمحول على كراهة اعتياد التوسع والترفه والإكثار منه
لغير مصلحة دينية، واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 176، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين
لونين في الأكل، حديث رقم (3835) .
[ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 167- 168، ما جاء في فاكهة رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (203) ، وهو حديث ضعيف تفرد به الترمذي، وحديث
رقم (204) وجاء في (سنن الترمذي) : 4/ 247، كتاب الأطعمة، باب (37) ما جاء
في أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (1844) : حدثنا إبراهيم ابن سعد عن أبيه،
عن عبد اللَّه بن جعفر قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل القثاء
بالرطب. قال أبو عيسى:
هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن سعد..
(7/272)
ولابن حيّان من حديث يحى بن هشام، حدثنا
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه
عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب، والقثاء بالبلح [ (1) ] .
__________
[ () ] والقناع: الطبق يؤكل فيه. و «أجرى من قثاء» : أجر جمع جرو، وهو
الصغير من القثاء ومن كل شيء من الفاكهة و «زغب» : الزغب من القثاء: التي
يعلوها الوبر، وهو الشعيرات الصغيرة التي يعلوها مثل زغب الوبر، والزغب هو
الشعيرات الصغيرة التي تعلو النسيج، فإذا كبرت القثاء تساقط زغبها وأصبحت
ملساء. و «حلية» أي ذهبا.
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 215- 216.
(7/273)
وأما أكله الدّبّاء
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث ابن عون قال: كنت غلاما أمشى مع رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم، فدخل عليّ غلام له خياط، فأتاه بقصعة فيها طعام،
وعليه دبّاء، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء، فلما
رأيت ذلك جعلت أجمعه بين يديه، فأقبل الغلام على عمله. قال أنس رضى اللَّه
عنه: لا أرى إلا حبّ الدباء بعد ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
صنع ما صنع. ترجم عليه باب: من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل [هو] على عمله.
وخرّجه في باب [المرق] ، وفي باب القديد وخرّجه مسلم من حديث أبى أسامة، عن
سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس رضى اللَّه عنه قال: دعي رسول اللَّه
رجل فانطلقت معه، فجيء بمرقة فيها دبّاء، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم يأكل من ذلك الدبّاء ويعجبه [قال] ، فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه
ولا أطعمه، فقال أنس رضى اللَّه عنه:
فما زلت بعد يعجبني الدباء [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 655، كتاب الأطعمة، باب (4) من تتبع حوالي
القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية، حديث رقم (5379) ، باب (35) من
أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على عمله، حديث رقم (5435) ، وهو الحديث
المذكور في الباب، باب (36) المرق، حديث رقم (5436) ، باب (37) القديد،
حديث رقم (37) باب (38) من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، حديث
رقم (5439) ، وقال في آخره «وقال ثمامة عن أنس: فجعلت أجمع الدبّاء بين
يديه» .
الدّبّاء- بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة- هو القرع، وقيل: خاص
بالمستدير منه، وهو اليقطين أيضا، واحده دباة ودبة.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 235، كتاب الأشربة، باب (21) جواز أكل
المرق، واستحباب أكل اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا، وإن كانوا
ضيفانا، وإذا لم يكره ذلك صاحب الطعام، حديث رقم (144) ، (145) ، كلاهما عن
أنس لكن بسياقتين مختلفتين.
(7/274)
ومن حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن
ثابت البناني وعاصم الأحول عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن رجلا خياطا دعي
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكره، وزاد ثابت: فسمعت أنسا يقول: فما
صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء إلا صنع [ (1) ] .
وخرّجه مالك في الموطّأ، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة قال: أنه سمع
أنس بن مالك رضى اللَّه عنه يقول: إن خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس رضى اللَّه عنه: فذهبت مع رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرّب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء،
قال أنس رضى اللَّه عنه:
فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب
الدباء بعد ذلك اليوم [ (2) ] .
قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت
بهذا الإسناد، وزاد بعضهم فيه ذكر القديد.
وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن حكيم بن
جابر عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته، وعنده هذه
الدباء، فقلت: أي شيء هذا؟ قال: هذا القرع نكثر به طعامنا.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ، آخر أحاديث الباب بدون رقم، وفي هذه الأحاديث من
الفوائد: إجابة الدعوة، وإباحة كسب الخياط، وإباحة المرق، وفضيلة أكل
الدبّاء، وأنه يستحب أن يحب الدبّاء، وكذلك كل شيء كان رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم يحبه، وأنه يحرص على تحصيل ذلك، وأنه يستحب لأهل المائدة
إيثار بعضهم بعضا إذا لم يكرهه صاحب الطعام.
وأما تتبع الدباء من حوالي الصحفة، فيحتمل وجهين: أحدهما من حوالي جانبه
وناحيته من الصحفة، لا من حوالي جميع جوانبها، وإنما نهى عن ذلك لئلا
يتقذره جليسه، ورسول اللَّه* لا يتقذره أحد، بل يتبركون بآثاره صلى اللَّه
عليه وسلم، فقد كانوا يتبركون ببصاقه صلى اللَّه عليه وسلم ونخامته،
ويدلكون بذلك وجوههم، وشرب بعضهم بوله، وبعضهم دمه، وغير ذلك مما هو معروف
من عظيم اعتنائهم بآثاره صلى اللَّه عليه وسلم. (شرح النووي على صحيح مسلم)
.
[ (2) ] (موطأ مالك) : 372، كتاب النكاح، حديث رقم (1150) .
(7/275)
وخرجه النسائي ولفظه: فرأيت عنده دباء
مقطع، فقلت: ما هذا؟ قال:
نكثر به طعامنا [ (1) ] .
[وخرجه الترمذي] من حديث الليث عن معاوية بن صالح عن أبى طالوت قال: دخلت
على أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، وهو يأكل القرع وهو يقول: يا لك شجرة! ما
أحبك [إلا] لحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إياك. وفي الباب عن حكيم
بن جابر عن أبيه قال: حديث غريب من هذا الوجه [ (2) ] .
[قال] ابن عبد البر: ومن صريح الإيمان حب ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى إلى قول أنس رضى اللَّه عنه:
فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم؟.
__________
[ (1) ] وخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 146- 147، كتاب الأطعمة، باب (22)
في أكل الدباء، حديث رقم (3782) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 250، 251، كتاب الأطعمة، باب (42) ما جاء في
أكل الدباء، حديث رقم (1849) ، حديث رقم (1850) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث
حسن صحيح، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أنس،
وروى أنه رأى الدباء بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له:
ما هذا؟ قال:
هذا الدباء نكثر به طعامنا، وفي بعض النسخ: «ما أحبك إليّ» .
(7/276)
وأما الضّبّ
فخرّج البخاري من حديث شعبه، حدثنا جعفر بن إياس قال: سمعت سعيد بن جبير،
عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي
صلى اللَّه عليه وسلم أقطا، وسمنا [وأضبا] ، فأكل النبي صلى اللَّه عليه
وسلم من الأقط والسمن، وترك الأضبّ تقذرا. قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما:
فأكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولو كان حراما ما أكل
على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وخرجه أبو داود بهذا الإسناد وقال: إن خالته أهدت إلى رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
ذكره البخاري في كتاب الهبة [ (3) ] . [وخرجه] مسلم من حديث شعبة عن أبى
أشتر، عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: أهدت
خالتي أم حفيد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الحديث بنحوه [ (4) ]
.
[وخرجه] البخاري أيضا في كتاب الأطعمة [ (5) ] وفي كتاب الاعتصام، من
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 254، كتاب الهبة، وفضلها والتحريض عليها باب (7)
قبول الهدية، حديث رقم (2575) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 153، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل الضب،
حديث رقم (3793) ، حديث رقم (3794) ، وحديث رقم (3795) .
[ (3) ] سبق تخريجه.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 103- 109، كتاب الصيد والذبائح، باب (7)
إباحة الضب، حديث رقم (1945) ، حديث رقم (1947) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 679، كتاب الأطعمة، باب (14) الشواء، حديث رقم
(5400) ، باب (16) الأقط، حديث رقم (5402) .
(7/277)
حديث أبى عوان عن أبى بشر [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 407، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (24)
الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة، وتفسيرها، وقد أخبر النبي
صلى اللَّه عليه وسلم أمر الخيل وغيرها، ثم سئل عن الحمر فدلهم على قوله
تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
وسئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الضّبّ فقال: لا آكله ولا أحرمه، وأكل
على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الضّب.
فاستدل ابن عباس بأنه ليس بحرام، حديث رقم (7358) .
وأخرجه النسائي في (السنن) : 7/ 224- 227، كتاب الصيد، باب (26) الضب، من
حديث رقم (4325) إلى حديث رقم (4333) .
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1078- 1080، كتاب الصيد، باب (16) الضب،
من حديث رقم (3238) ، إلى حديث رقم (3242) .
وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) : 687- 688، ما جاء في أكل الضب، من حديث
رقم (1761) ، إلى حديث رقم (1763) .
وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 122- 124، باب (9) ، ما قالوا في أكل
الضب، من حديث رقم (24331) إلى حديث رقم (24353) .
قال الخطّابى: وقد اختلف الناس في أكل الضب، فرخّص فيه جماعة من أهل العلم،
وروى ذلك عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عنه، وإليه ذهب مالك بن أنس،
والأوزاعي، والشافعيّ، وكرهه قوم روى ذلك عن على رضى اللَّه عنه، وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه، وقد روى في النهى عن لحم الضب حديث ليس إسناده بذلك،
ذكره أبو داود في هذا الباب. (معالم السنن) .
(7/278)
وأما أكله الحيس
فقد خرّج أبو داود من حديث عمرو بن سعيد، عن رجل من أهل البصرة، عن عكرمة،
عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز الثريد من الحيس [ (1) ] . [قال أبو
داود:
وهو ضعيف] [ (2) ] .
وخرجه ابن حيّان ولفظه: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم الثريد من التمر ومن الحيس [ (3) ] .
وخرج النسائي من حديث ابن الأحوص، عن طلحة بن يحى [بن طلحة] عن مجاهد، عن
عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
[يوما] فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال صلى اللَّه عليه وسلم: فإنّي
صائم، ثم مرّ بى بعد ذلك وقد أهدى لنا حيس، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس،
قلت: يا رسول اللَّه! إني أهدى لنا حيس فخبأت لك منه، قال:
أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم، وأكل منه ثم قال: أما مثل صوم المتطوع
مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 147، كتاب الأطعمة، باب (23) حديث رقم (3783)
.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 193، 201، 211، (اتحاف السادة المتقين) : 8/ 239،
وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7117)
وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
(7/279)
شاء حبسها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (سنن النسائي) : 4/ 506- 508، كتاب الصيام، باب (67) النية في
الصيام والاختلاف على طلحة بن يحى بن طلحة في خبر عائشة حديث رقم (2321) ،
حديث رقم (2322) ، حديث رقم (2323) ، وحديث رقم (2324) ، وحديث رقم (2325)
، وحديث رقم (2327) ، وحديث رقم (2329) بسياقات مختلفة عن عائشة رضى اللَّه
عنها.
و (مسلم بشرح النووي) : 7/ 282- 283، كتاب الصيام، باب (32) جواز النافلة
بنية من النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نفلا من غير عذر، حديث رقم
(169) ، حديث رقم (190) .
و (سنن الترمذي) : 4/ 111، كتاب الصوم، باب (35) صيام المتطوع بغير نية،
حديث رقم (734) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
و (سنن أبى داود) : 2/ 824- 825، كتاب الصوم، باب (72) الرخصة في [النية في
الصيام] ، حديث رقم (2455) .
(7/280)
وأما أكله الثّفل
فقد خرّج الحاكم من حديث عباد بن العوام، عن حميد، عن أنس رضى اللَّه عنه
قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يعجبه الثفل، قال: فسمعت أبا محمد
يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الثّفل هو الثريد [ (1) ] .
ومن حديث المبارك بن سعيد، عن عمر بن سعيد، عن عكرمة عن ابن عباس رضى
اللَّه عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
الثريد.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فإن عمر بن سعيد هذا، هو
أخو سفيان والمبارك ابنا سعيد [ (2) ] .
وخرّج ابن حيّان من حديث المبارك هذا، عن عمر، عن عكرمة قال:
صنع سعيد بن جبير طعاما ثم أرسل إلى ابن عباس: ائتني أنت ومن أحببت من
مواليك، فجاء وجئنا معه، فقال له: ائتنا، فإنه كان أحب الطعام إلى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز [ (3) ] .
وللترمذي من حديث العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن [أبى] سيبويه أبى
الهذيل، حدثنا عبيد اللَّه بن عكراش عن أبيه عكراش [بن ذؤيب] قال: بعثني
بنو مرة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم،
فقدمت [عليه] المدينة، فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار، ثم أخذ بيدي،
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7116) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7117) ، وقال الذهبي
في (التلخيص) :
صحيح.
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 193، 201، 211، (سنن أبى داود) : 4/ 147، كتاب
الأطعمة، باب (23) في أكل الثريد، حديث رقم (3783) قال أبو داود: وهو ضعيف.
(7/281)
فانطلق بى إلى بيت أم سلمة، فقال: هل من
طعام؟ فأتتنا بجفنة كثيرة الثريد والوذر [ (1) ] ، وأقبلنا نأكل منها، فحطت
بيدي من نواحيها، وأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بين يديه، فقبض
[بيده اليسرى على يدي اليمنى] ثم قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه
طعام واحد، ثم أتينا بطبق فيه ألوان من الرطب أو من التمر- شك عبيد اللَّه-
قال: فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في
الطبق وقال: [يا عكراش!] كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد، ثم أتينا بماء،
فغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يديه، ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه
ورأسه وقال: يا عكراش، هذا الوضوء مما غيّرت النار.
قال أبو عيسى: [هذا] حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد
تفرّد العلاء بهذا الحديث، ولا يعرف لعكراش عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم
غير هذا الحديث [ (2) ] .
[ومن حديث] زيد بن ثابت رضى اللَّه عنه، لم يدخل منزل النبي صلى اللَّه
عليه وسلم هدية، أول هدية دخلت بها عليه، قصعة مثرودة خبزا وسمنا ولبنا،
فأضعها بين يديه فقلت: يا رسول اللَّه! أرسلت بهذه القصعة أمى، فقال:
بارك اللَّه فيك، ودعا أصحابه فأكلوا،
فلم أرم البيت حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة، على رأس غلام مغطاة، فوضعت على
باب أبى أيوب، وأكشف غطاءها لأنظر إليها، فرأيت عراق لحم، فدخل بها على
رسول اللَّه
__________
[ (1) ] الوذر: قطع اللحم التي لا عظم فيها، والواحدة: وذرة.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 249- 250، كتاب الأطعمة، باب (41) ما جاء في
التسمية في الطعام، حديث رقم (1848) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/
1089، 1090 كتاب الأطعمة، باب (11) الأكل مما يليك، حديث رقم (3274) .
(7/282)
صلى اللَّه عليه وسلم فقال زيد: فلقد كنّا
بنى البخار ما من ليلة إلا على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منا
الثلاثة والأربعة، يختلفون الطعام يتناوبون بينهم، حتى تحرك رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم من بيت أبى أيوب، وكان مقامه فيه سبعة أشهر، وما كانت
تخطئه جفنة سعد بن عبادة، وجفنة أسعد بن زرارة كل ليلة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 237.
(7/283)
وأما أكله اللحم
فقد اتفقا على حديث الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه أنه رأى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده، فدعى إلى الصلاة،
فألقاها والسكين التي كان يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ [ (1) ] . وفي
لفظ: أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة يأكل منها،
ثم صلى ولم يتوضأ [ (2) ] . وفي لفظ آخر: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم يأكل ذراعا يحتز منها، فدعى إلى الصلاة، فقام فطرح السكين وصلى
ولم يتوضأ [ (3) ] .
[وخرّج مسلم] من حديث بكير بن الأشج عن كريب، عن ميمونة رضى اللَّه عنها
قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل عندها كتفا، ثم صلى ولم يتوضأ [
(4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 683، كتاب الأطعمة، باب (20) قطع اللحم بالسكين،
حديث رقم (5408) ، باب (58) إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه، حديث رقم
(5462) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 411، كتاب الوضوء، باب (50) من لم يتوضأ من لحم
الشاة والسويق، حديث رقم (208) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 688- 689، باب (26) شاة مسموطة والكتف والجنب،
حديث رقم (5422) .
وأخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب (43) إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده
ما يأكل، حديث رقم (675) ، وفي كتاب الجهاد والسير، باب (92) ، ما يذكر في
السكين، حديث رقم (2923) ، وفي كتاب الأطعمة، باب (18) النهش وانتشال
اللحم، حديث رقم (5404) ، (5405) بسياقات مختلفة.
وأخرج مسلم ما اتفق مع البخاري فيه من أحاديث الباب في: (صحيح مسلم) : كتاب
الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (91) ، (92) ، (93) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 285، كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما
مسته النار، حديث رقم (356) .
(7/284)
[وله] من حديث سعيد بن أبى هلال، عن عبد
اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن أبى عطفان، عن أبى رافع قال: أشهد
لقد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة، ثم صلى ولم
يتوضأ [ (1) ] .
[ولأبى داود] من حديث [مسعر] عن أبى [صخرة] جامع بن شداد، عن المغيرة بن
عبد اللَّه، عن المغيرة بن شعبة رضى اللَّه عنه قال: ضفت [ (2) ] النبي صلى
اللَّه عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنب فشوى، وأخذ الشفرة فجل يحزّ [لي] بها
منه، فجاء بلال فآذنه بالصلاة [قال] : فألقى الشفرة وقال: ماله! تربت يداه
[ (3) ] ، وقام يصلى [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (357) .
[ (2) ] أي كنت ضيفا عليه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] قوله: «تربت يداه» : كلمة يقولها العرب عند اللوم والتأنيب، ومعناه
الدعاء عليه بالفقر والعدم، وهم يطلقونها في كلامهم، وهم لا يريدون وقوع
الأمر، ولما كثر ذلك في كلامهم ودام استعمالهم له في خطابهم صار عندهم
بمعنى اللغو، كقولهم: لا واللَّه، وبلى واللَّه، وذلك من لغو اليمين الّذي
لا اعتبار به ولا كفارة فيه، ويقال: ترب الرجل إذا افتقر، وأترب إذا
استغنى، ومثل هذا
قوله صلى اللَّه عليه وسلم:
فعليك بذات الدين تربت يداك.
(معالم السنن) .
وفي الخبر دليل على أن الأمر بالوضوء مما غيرت النار استحباب لا أمر إيجاب،
وفيه جواز قطع اللحم بالسكين، وقد جاء النهى عنه في بعض الأحاديث، ورويت
الكراهة فيه والأمر النهى، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك كراهية زي العجم
واستعمال عاداتهم في الأكل، [ولا سيما أنهم يقطعون باليد اليمنى ويأكلون
باليد اليسرى، وذلك منهيّ عنه في شرع ديننا وسنة نبينا صلى اللَّه عليه
وسلم] .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 1/ 131- 132، كتاب الطهارة، باب (75) ترك الوضوء
مما مست النار، حديث رقم (188) ، وزاد في آخره: وكان شاربى وفي فقصه لي على
سواك، أو قال: أقصه لك على سواك.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ، ما جاء في
أي اللحم كان أحبّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1837)
، قال: وفي الباب عن ابن مسعود، وعائشة، وعبد اللَّه بن جعفر، وأبى عبيدة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأبو حيان اسمه يحى ابن سعيد بن حيان،
وأبو زرعة بن عمرو بن جرير اسمه هرم.
وأخرجه النسائي في (السنن) : 1/ 116، كتاب الطهارة، باب (123) ترك الوضوء
مما
(7/285)
[وخرج الحاكم] من حديث ابن علية، عن عبد
الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن عثمان بن أبى سليمان، عن
صفوان بن أمية قال: كنت آكل مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وآخذ اللحم من
العظم [بيدي] فقال:
[يا صفوان، قلت: لبيك] قال: أذن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ.
[خرّجه] الحاكم وقال: حديث صحيح [ (1) ] .
[ومن] حديث زهير عن ابن إسحاق عن سعد بن عياض، عن عبد اللَّه ابن مسعود رضى
اللَّه عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عراق
الشاة. [قال: صحيح] الإسناد، وقال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه
الذراع [ (2) ] .
[وخرّج] من حديث سفيان، حدثنا مسعر قال: سمعت رجلا من تيم يقول: سمعت عبد
اللَّه بن جعفر رضى اللَّه عنه يقول: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم، فأنى بلحم، فجعل القوم يلقمون اللحم، فقال صلى اللَّه عليه وسلم:
أطيب اللحم لحم الظهر [ (3) ] .
[ومن] حديث خالد بن عبد اللَّه عن أبى حيان، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة رضى
اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم، فرفعت إليه
الذراع،
__________
[ () ] غيرت النار، حديث رقم (182) ، (183) وانفرد به النسائي.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 164- 165، كتاب الطهارة وسننها، باب (16)
الرخصة في [ترك الوضوء مما مسّته النار، حديث رقم (488) ، (491) ، (493) .
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ما جاء في أي
اللحم كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1837) ،
(1838) ، (سنن أبى داود) : 4/ 146، كتاب الأطعمة، باب (21) في أكل اللحم،
حديث رقم (378) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 124، حديث رقم (7097) بسياقة أخرى، وحديث رقم
(7099) بسياقة وطريق أخرى.
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ما جاء في أي
اللحم كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1837) .
(7/286)
وكانت تعجبه [فنهس منها] [ (1) ] .
[وللترمذي] من حديث أبان بن يزيد، عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أبى عبيد
قال: طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قدرا، وكان يعجبه الذراع، فناولته
الذراع ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا
رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسي بيده لو سكت لناولتنى
الذراع ما دعوت [ (2) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) ، (الشمائل المحمدية) : 140، حديث
رقم (168) ، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهم من حديث أبى زرعة عن
أبى هريرة.
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 141، حديث رقم (170) ، وهو حديث صحيح لغيره،
وتفرد به الترمذي، وفي سنده ضعف، فرجاله ثقات غير شهر بن حوشب، فهو ضعيف،
وقال عنه الحافظ: صدوق كثير الإرسال والأوهام، وللحديث شواهد لصحة هذه
القصة:
فقد أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 144، حديث رقم (507) وفيه:
«فقال: وأبيك لو سكت ما زلت أناول منها ذراعا ما دعوت به» ، فقال سالم: أما
هذه فلا سمعت
عبد اللَّه بن عمر يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه
تبارك وتعالى نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، 3/ 322- 323، حديث رقم (10328) ، 4/
535- 536، حديث رقم (15537) .
وأبو نعيم في (دلائل النبوة) : 2/ 436، الفصل الثالث والعشرون، ذكر الأخبار
التي أخرجتها أسلافنا في جملة دلائله صلى اللَّه عليه وسلم: قصة أذرع
وأكتاف الشاة، حديث رقم (346) .
وتفرد أبو نعيم بالحديث رقم (347) من حديث محمد بن سيرين عن أبى هريرة رضى
اللَّه عنه قال: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه من الشاة إلا
الكتف، وذبح ذات يوم شاة فقال: يا غلام ائتني بالكتف فأتاه بها، ثم قال له
أيضا، فأتاه بها، ثم قال له أيضا، فأتاه بها، ثم قال: يا رسول اللَّه! ذبحت
شاة واحدة، وقد أتيتك بثلاثة أكتاف، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم: لو سكتّ لجئت بها ما دعوت.
قال الشيخ: ووجه الدلالة من هذا الإخبار إعلامه صلى اللَّه عليه وسلم
فضيلته بأن اللَّه تعالى يعطيه إذا سأل ما لم تجر العادة به، تفضيلا له
وتخصيصا، ليكون ذلك آية له في نفسه، ورفعة له في مرتبته، وإبانة له في
الكرامة عن الخليفة، أن لو التمس أذرعا لكان اللَّه تعالى يجيبه إلى
مسألته.
وأخرجه أبو محمد عبد اللَّه الدارميّ في (السنن) : 1/ 22. وبهذه الطرق نجد
أن قصة الذراع صحيحة، والحمد للَّه تعالى.
(7/287)
[] من حديث طالوت بن عباد، حدثنا سعيد بن
راشد حدثنا محمد بن سيرين، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: إن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف [ (1) ] .
[وخرّج] الحاكم من حديث عبدان قال: [أنبأنا] [ (2) ] الفضل بن موسى قال: إن
النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، أتوا بيت أبى
أيوب، فلما أكلوا وشبعوا، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: خبز، ولحم، وتمر
[وبسر] [ (3) ] ورطب إذا أصبتم مثل هذا، فضربتم بأيديكم فكلوا باسم اللَّه،
وبركة اللَّه [ (4) ] .
قال:
هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (3) ] .
ومن حديث مسدّد، حدثنا يحى بن سليم المكيّ، حدثنا إسماعيل بن كثير، عن عاصم
بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وافد بنى المنتفق إلى رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم، فقدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم نصادفه
في منزله، وصادفنا عائشة [أم المؤمنين] فأمرت لنا بحريرة، فصنعت لنا،
وأتتنا بقناع- والقناع الطبق فيه تمر- ثم جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم فقال: هل أصبتم شيئا أو آمر لكم بشيء؟ فقلنا: نعم يا رسول اللَّه،
فبينما نحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس، قال: فدفع الراعي
غنمه إلى المراح، ومعه سخلة [تنفر] [ (3) ] ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم: ما ولدت يا فلان؟ قال [ (3) ] : [بهمة] قال صلى اللَّه عليه
وسلم: فاذبح لنا مكانها شاة [ثم أقبل علينا] [ (3) ] فقال: لا تحسبن أنّا
من أجلكم ذبحناها، لنا غنم مائة ولا نريد أن تزيد، فإذا [ولد الراعي بهمة
ذبحنا مكانها] شاة، [قال] [ (1) ] قلت: يا رسول اللَّه، إن لي امرأة [فذكر
من طول
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق وما بين الحاصرتين مطموس بالأصلين بقدر
كلمتين.
[ (2) ] في (ج) : «أخبرنا» ، وما أثبتناه من (المستدرك) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] (المستدرك) : 4/ 120، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7084) ، وقال الذهبي
في (التلخيص) :
صحيح.
(7/288)
لسانها وبذائها، فقال: طلقها، فقلت:] [ (1)
] إن لي منها ولدا، قال: فمرها يقول عظها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا
تضرب ظعينتك كضرب أمتك، قال: قلت: يا رسول اللَّه أخبرنى عن الوضوء، قال:
أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . [ولم يخرجاه] .
ومن حديث عفان بن مسلم، حدثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي
عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: لما قتل أبى.. فذكر الحديث
بطوله، وقال فيه: قلت لامرأتى: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيئنا
اليوم نصف النهار، فلا تؤذى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا تكلميه،
قال: فدخل وفرشت له فراشا ووسادة، فوضع رأسه ونام، فقلت لمولى لي: اذبح هذا
العناق، وهي داجن سمينة، والوحا والعجل، افرغ قبل أن يستيقظ رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم، وأنا معك، فلم نزل فيها حتى فرغنا منها وهو نائم،
فقلت له: إن رسول اللَّه إذا استيقظ يدعو بالطهور، وإني أخاف إذا فرغ أن
يقوم فلا يفرغن من وضوئه حتى نضع العناق بين يديه، فلما قام [قال:] [ (3) ]
يا جابر ائتني بطهور، فلم يفرغ من وضوئه [ (4) ] حتى وضعت العناق بين يديه،
فنظر إليّ وقال: كأنك قد علمت حبنا اللحم [ (5) ] ، أدع لي أبا بكر، ثم دعا
حوارييه الذين معه، فدخلوا، فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده
وقال: بسم اللَّه، كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، وفضل منها لحم كثير. وذكر باقي
الحديث.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] ، [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 123، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7094) ، وقال الذهبي
في (التلخيص) :
صحيح، وما بين الحاصرتين زيادة من (المستدرك) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (4) ] كذا في (ج) ، وفي (المستدرك) : «من طهوره» .
[ (5) ] في (المستدرك) : «كأنك عملت حيسا بلحم» ، وما أثبتناه من (ج) ، وهو
أجود للسياق.
(7/289)
[وله] من حديث حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن
دينار، عن جابر رضى اللَّه عنه قال: أمرنى أبى بحريرة فصنعت، ثم أمرنى
فحملتها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا هو في منزله، فقال: ما
هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ قلت:
لا يا رسول اللَّه، ولكنها حريرة أمر بها أبى فصنعت، ثم أمرنى فحملتها
إليك، ثم رجعت إلى أبى فقال: هل رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟
قلت: نعم، قال: فما قال لك؟ قلت: قال لي: ألحم هذا يا جابر؟ قال أبى: عسى
أن يكون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اشتهى اللحم، فقام إلى داجن له
فذبحها وشواها، ثم أمرنى بحملها إليه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم: جزى اللَّه الأنصار عنّا خيرا، ولا سيما عبد اللَّه بن عمرو بن حرام،
وسعد بن عبادة.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
وله من حديث على بن عاصم، حدثنا عبيد اللَّه بن أبى بكر بن أنس قال: سمعت
أنسا رضى اللَّه يقول: أنفجت أرنبا بالبقيع، فاشتددنا في إثرها، فكنت فيمن
اشتدّ، فسبقتهم إليها فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فأمر بها فذبحت ثم
شويت، فأخذ عجزها فأرسل به معى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما
هذا؟ قلت: عجز أرنب، بعث بها أبو طلحة إليك، فقبله منى.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 123- 124، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7096) ، قال
الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 124- 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7099) ، قال
الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (4) ] (المستدرك) : 4/ 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7100) ، وقال الذهبي
في (التلخيص) : صحيح.
(7/290)
وأما أكله القلقاس
فقال الدولابي [ (1) ] : أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم
القلقاس فأكله وأعجبه وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض، فقال صلى اللَّه
عليه وسلم، إن شحمة الأرض لطيبة.
وأما أكله القديد
فخرّج البخاري من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، أنه سمع
أنسا رضى اللَّه عنه يقول: إن خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
لطعام صنعه له، فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام،
فقرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء
وقديد.. الحديث، وترجم عليه باب: من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة
شيئا، [وذكره] في باب من يتبع حوالي القصعة مع صاحبه، [وذكره] في البيوع في
باب: الخياط، [وذكره] في الأطعمة في باب: القديد، [وخرجه] مسلم وأبو داود
بنحوه أو قريبا منه [ (1) ] .
__________
[ (1) ] هو أبو بشر، محمد بن أحمد بن حماد أبو سعيد الدّولابى، نسبة إلى
الدّولاب-[وهي قرية من أعمال الري، وبالأهواز قرية يقال لها: الدولاب]-
مولى الأنصار، ويعرف بالوراق، أحد الأئمة من حفاظ الحديث، وله تصانيف حسنة
في التاريخ وغير ذلك وروى عنه جماعة كثيرة منهم الطبراني، وأبو حاتم بن
حبان البستي، توفى وهو قاصد الحج بين مكة والمدينة في ذي القعدة سنة (310)
، له ترجمة في (البداية والنهاية) : 11/ 165، (سير الأعلام) : 14/ 309،
(الوافي بالوفيات) : 2/ 36، (ميزان الاعتدال) : 4/ 459، (وفيات الأعيان) :
4/ 352- 353، (شذرات الذهب) 2/ 260.
(7/291)
[وخرّج] ابن حيّان من حديث الحسن بن واقد
قال: أخبرنا أبو الزبير عن جابر رضى اللَّه عنه قال: أكلنا القديد مع رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [وقد] أورد مالك رضى اللَّه تعالى عنه هذا
الحديث كما تقدم أولا [ (1) ] .
[قال] ابن عبد البر: هكذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته [و] زاد العقبي
وابن بكير في حديث مالك هذا الحديث عن إسحاق عن أنس رضى اللَّه عنه، ذكر
القديد فقالا: بطعام فيه دباء وقديد [و] تابعهما على ذلك قوم، منهم أبو
نعيم.
وأمّا أكله المنّ
فخرج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون فقال: أخبرنا سفيان- يعنى ابن
حسين- عن على بن زيد، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: أهدى الأكيدر لرسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرّة من منّ، فلما انصرف رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم من الصلاة، مرّ على القوم، فجعل يعطى كل رجل منهم قطعة،
وأعطى جابرا رضى اللَّه عنه قطعة، ثم إنه رجع إليه فأعطاه قطعة أخرى، فقال:
إنك قد أعطيتنى مرة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم هذه لبنات عبد اللَّه [ (2)
] .
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 3/ 571، حديث رقم (11815) .
(7/292)
وأما أكله الجبنة
فخرج الإمام أحمد من حديث شريك عن جابر، عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه
عنهما قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في غزاة، فقال صلى اللَّه
عليه وسلم: أين صنعت هذه؟ قالوا: بفارس، ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة، فقال
صلى اللَّه عليه وسلم:
اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم اللَّه تعالى وكلوا [ (1) ]-[ذكره شريك
مرة أخرى فزاد فيه-: يضربونها بالعصى] [ (2) ] .
ومن حديث وكيع، حدثنا إسرائيل عن جابر عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه
عنهما قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بجبنة فجعل أصحابه يضربونها
بالعصيّ، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا السكين، واذكروا اسم
اللَّه تعالى وكلوا [ (3) ] .
[قال] الواقدي: وأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة بتبوك،
فقالوا: يا رسول اللَّه! إن هذا طعام تصنعه فارس، وإنا نخشى أن يكون فيه
ميتة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا فيه السكين واذكروا اسم
اللَّه تعالى [ (4) ] .
[وخرج] أبو داود من حديث إبراهيم بن عيينة، عن عمرو بن منصور، عن الشعبي عن
ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في
تبوك فدعى بسكين، فسمّى وقطع [ (5) ] .
[قال:] الخطّابى: إن ما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم
__________
[ (1) ] مسند أحمد) : 1/ 498، حديث رقم (2750) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 1/ 387، حديث رقم (2081) .
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1019.
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 169، كتاب الأطعمة، باب (39) أكل الجبن، حديث
رقم (3819) .
(7/293)
من الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها
بالأنافح [ (1) ] ، وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن، فأباحه
النبي صلى اللَّه عليه وسلم على ظاهر الحال، ولم يمتنع من أكله، من أجل
مشاركة الكفار المسلمين فيه [ (2) ] .
[قال مؤلفه] عفى اللَّه عنه: في دعوى أبى سليمان [ (3) ] رحمه اللَّه، أن
من المسلمين من كان يشارك المشركين في عمل الجبن، يتوقف على النقل، ولم يكن
إذ ذاك بفارس ولا بالشام أحد من المسلمين، فتأمله.
[وقد] خرج هذا الحديث أبو حاتم البستي، [وقال] أبو حاتم الرازيّ:
الشعبي لم يسمع من ابن عمر رضى اللَّه عنهما. [وقال] غير واحد: إنه سمع
عليه [] إبراهيم بن عيينة، أخو سفيان بن عيينة [ (4) ] .
وأما أكله الشواء
فقد تقدم حديث أبى رافع: أشهد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
بطن الشاة [ (5) ] . [و] حديث المغيرة: ضفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم
فأمر بجنب فشوى [ (6) ] .
__________
[ (1) ] الأنافح: جمع إنفحة، وهي جزء في معدة الحيوان ذي الكرش، وهي شيء
يستخرج، ويعصر في صوفة مبتلة في اللبن، فيغلظ كالجبن، وينفحة: لغة فيها-
(لسان العرب) : 2/ 624 مختصرا.
[ (2) ] (معالم السنن) : 4/ 169، [على هامش سنن أبى داود] .
[ (3) ] هو الخطّابى، صاحب (معالم السنن) . شرح (سنن أبى داود) .
[ (4) ] (علل الحديث لابن أبى حاتم) : 2/ 6، علل أخبار الأطعمة، حديث رقم
(1488) .
[ (5) ] سبق تخريجه.
[ (6) ] (الشمائل المحمدية) : 139، حديث رقم (167) وهو حديث صحيح الإسناد،
وللترمذي في (السنن) : 4/ 240، كتاب الأطعمة، باب (27) ما جاء في أكل
الشواء حديث رقم (1829) من حديث أم المؤمنين أم سلمة رضى اللَّه تعالى
عنها.
(7/294)
[و] حديث أنس رضى اللَّه عنه: أنفجت [ (1)
] أرنبا، وفيه: فذبحت ثم شويت [ (2) ] .
[وخرّج] الترمذي من حديث ابن لهيعة عن سليمان بن زياد، عن عبد اللَّه بن
الحارث قال: أكلنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شواء في المسجد [
(3) ] .
وأما أكله الدّجاج
فخرج البخاري من حديث سفيان، عن أيوب عن أبى قلابة عن زهدم الجرمي، عن أبى
موسى [الأشعري] رضى اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل
دجاجا، لم يذكر غير هذا. ذكره بطوله في باب:
لا تحلفوا بآبائكم، في كتاب: الخمس [ (4) ] . [و] ذكره مسلم من
__________
[ (1) ] أنفجت: أثرت.
[ (2) ] أخرجه البخاري في الهبة، والذبائح، ومسلم في الصيد، والترمذي في
الأطعمة، والنسائي في الصيد.
ووقع في (الهداية) للحنفية: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل من الأرنب
حين أهدى إليه مشويا، وأمر أصحابه بالأكل منه. (فتح الباري) : 9/ 826، كتاب
الذبائح والصيد، باب (32) الأرنب، تعليقا على الحديث رقم (5535) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 138- 139، حديث رقم (166) ، وهو ضعيف
الإسناد، في إسناده عبد اللَّه بن لهيعة وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات،
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1100، كتاب الأطعمة، باب (29) الشواء،
حديث رقم (3311) ، قال في (الزوائد) : في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.
وخرج أبو داود في (السنن) : 4/ 152، كتاب الأطعمة، باب (27) في أكل الأرنب،
(حديث رقم (3791) عن أنس قال: كنت غلاما حزوّرا [مراهقا حاذقا] فصدت أرنبا
فشويتها، فبعث معى أبو طلحة بعجزها إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأتيته
بها فقبلها.
[ (4) ] هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب (15) ومن الدليل
على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبي صلى اللَّه عليه وسلم
برضاعة فيهم ... ، حديث رقم (3133) ، وفيه: «فأتى
(7/295)
طرق.
[وخرجه] الدارميّ بهذا السند، ولفظه: قال: كنا عند أبى موسى رضى اللَّه
عنه، فقدم طعامه لحم دجاج، وفي القوم رجل من بنى تيم اللَّه أحمر فلم يدن،
فقال له أبو موسى رضى اللَّه عنه: أدن، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم يأكل منه [ (1) ] . [وفي] رواية عن أبى موسى رضى اللَّه عنه: أنه
ذكر الدجاج فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكله [ (2) ] .
__________
[ () ] ذكر دجاجة وعنده رجل من بنى تيم اللَّه أحمر كأنه من الموالي، فدعاه
للطعام «، وفي كتاب المغازي، باب (75) قدوم الأشعريين وأهل اليمن، حديث رقم
(4385) ، وفيه: «وإنا لجلوس عنده وهو يتغدّى دجاجا» ، وفي كتاب الذبائح
والصيد، باب (26) لحم الدجاج، حديث رقم (5517) ، وفيه: «رأيت النبي صلى
اللَّه عليه وسلم يأكل دجاجا» ، وحديث رقم (5518) ، وفيه: «فأتى صلى اللَّه
عليه وسلم بطعام فيه لحم دجاج» ، وفي كتاب الأيمان والنذور، باب (4) لا
تحلفوا بآبائكم، حديث رقم (6646) ، وفيه:
«فقرّب إليه صلى اللَّه عليه وسلم طعام فيه لحم دجاج» ، وفي باب (21)
الكفارة قبل الحنث وبعده، حديث رقم (6721) ، وفيه: «وقدّم من طعامه لحم
دجاج» ، وفي كتاب التوحيد، باب (56) قول اللَّه تعالى:
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ
بِقَدَرٍ ... ، حديث رقم (7555) ، وفيه:
«فقريب إليه الطعام فيه لحم دجاج» .
وأخرجه مسلم من طرق: عن القاسم بن عاصم، عن زهدم الجرمي، وعن أبى قلابة
والقاسم التميمي عن زهدم الجرمي، وعن مطر الوراق عن زهدم الجرمي، (مسلم
بشرح النووي) :
11/ 121- 123، كتاب الأيمان، باب (3) ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا
منها وأن يأتى الّذي هو خيرا ويكفر عن يمينه، حديث رقم (9) وما بعده [بدون
أرقام] . وزهدم الجرمي: هو بزاى مفتوحة ثم هاء ساكنة، ثم دال مهملة مفتوحة.
وفي الحديث إباحة لحم الدجاج وملاذّ الأطعمة، ويقع اسم الدّجاج على الذكور
والإناث، وهو بكسر الدال وفتحها. (مسلم بشرح النووي) .
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 102، باب في أكل الدجاج.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 2/ 103.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 239، كتاب الأطعمة، باب (25) ما جاء في أكل
الدجاج، حديث رقم (1826) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد روى هذا الحديث
من غير وجه عن زهدم، ولا نعرفه إلا من حديث زهدم، وأبو العوّام هو عمران
القطان وحديث رقم (1827) ، قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، وقد روى أبو
داود السختياني هذا الحديث حسن صحيح، وقد روى السختياني هذا الحديث أيضا عن
القاسم التميمي وعن أبى قلابة عن زهدم.
(7/296)
وأما أكله لحم
الحبارى
فخرج أبو داود والترمذي، من حديث بريّة بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده رضى
اللَّه عنه قال: أكلت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الحبارى [ (1) ] .
[ويروى] عن بريّة هذا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدلى، فعبد الرحمن هذا
يروى عن بويه بن عمر، وجعفر بن سليمان [و] عبد السلام بن حرب [و] سفيان بن
عيينة [و] أبو بكر بن عياش رحمهم اللَّه. [ويروى] عنه الفضل ابن سهل الأعرج
[و] أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، [و] يعقوب [و] عنه الفسوي [و]
جماعة. [قال] ابن عدي: روى عن الثقات أحاديث مناكير، ولم أر له حديثا منكرا
يحكم من أجله على ضعفه [ (2) ] .
[و] بريّة [قال] البخاري: إسناده مجهول [ (3) ] .
[وخرج] النسائي في فضائل عليّ رضى اللَّه عنه، من كتابه
__________
[ () ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 536، حديث رقم (19025) ، 5/
540، حديث رقم (19060) ، 5/ 555، حديث رقم (19142) .
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 155، كتاب الأطعمة، باب (29) في أكل لحم
الحبارى، حديث رقم (3797) ، (سنن الترمذي) : 4/ 239، كتاب الأطعمة، باب
(26) ما جاء في أكل الحبارى، حديث رقم (1828) .
والحبارى- بضم الحاء بعدها باء موحدة مفتوحة- طائر كبير العنق، رمادي
اللون، لحمه بين الدجاج والبط، وهو من أشدّ الطير طيرانا.
[ (2) ] وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 2/ 64، في ترجمة برية بن عمر بن
سفينة أبو عبد اللَّه مدني، اسمه إبراهيم، وبرية لقب غلب عليه. له ترجمة
في: (الكامل لابن عدي) : 2/ 64 ترجمة رقم (53/ 296) ، (الثقات) : 6/ 119،
(تهذيب التهذيب) : 1/ 379- 380، ترجمة رقم (799) .
[ (3) ] (تاريخ البخاري) : 2/ 149، ترجمة رقم (2011) .
(7/297)
(المجتبى) [ (1) ] ، حدثنا زكريا بن حيي،
حدثنا الحسن بن حماد قال: أخبرنا مهر بن عبد الملك، عن موسى بن عمر، عن
السّدىّ، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه
وسلم كان عنده طائر فقال: اللَّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معى من هذا
الطير، فجاء أبو بكر رضى اللَّه عنه فردّه، وجاء عمر رضى اللَّه عنه فردّه،
ثم جاء عليّ رضى اللَّه عنه فأذن له.
[وكان هذا] الطائر حبارى، أهدى إلى النبي [ (2) ] .
وأما أكله الخبيص
فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم، عن محمد بن حمزة بن عبد اللَّه بن
سلام، عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم
كان في بعض أصحابه، إذ أقبل عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه يقود بعيرا عليه
غرارتان، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما معك؟ قال: دقيق وعسل
وسمن، فقال له:
أنخ، فأناخ، فدعا النبي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببرمة عظيمة، فجعل فيها
من ذلك الدقيق والسمن والعسل، ثم أنضجه، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم
وأكلوا، ثم قال لهم: كلوا، فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس.
[قال] الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] .
[وقال] : محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام هذا، يروى عنه معمر
بن راشد، والوليد بن مسلم، وعبد اللَّه بن سالم الحمصي.
[قال] أبو حاتم: لا بأس به، له حديث واحد، يعنى حديث الخبيص
__________
[ (1) ] هو (سنن النسائي) [الصغرى] .
[ (2) ] لم أجده.
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 122- 123، حديث رقم (7093) ، قال الذهبي في
(التلخيص) : صحيح.
(7/298)
هذا، [و] خرّج له ابن ماجة، [و] وقد روى
هذا الحديث عن محمد بن حمزة، الوليد بن مسلم، عنه محمد بن عبد العزيز بن
الرمليّ وفلان، أخرجا له في الصحيحين.
وأما أكله الهريس
قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وادي القرى، أهدى
له بنو عريض اليهودي هريسا، فأكلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [
(1) ] .
وأطعمهم أربعين وسقا، فهي جارية عليهم، تقول امرأة من يهود: لهذا الّذي صنع
بهم محمد، خير مما ورثوه من آبائهم، لأن هذا لا يزال جاريا عليهم إلى يوم
القيامة [ (2) ] .
وقال البلاذريّ: وقيل لأم أيوب: أي الطعام كان أحب إلى رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: ما رأيته أمر بطعام يصنع له بعينه، ولا رأيته ذمّ
طعاما قط، ولكن أبا أيوب أخبرنى أنه تعشّى معه ليلة في قصعة أرسل بها سعد
بن عبادة، فيها طفشيل. فرآه ينهكها نهكا لم يره ينهكه غيره، فكنا نعملها
له، وكنا نعمل له الهريس فنراه يعجبه، وكان يحضره عشاءه الخمسة إلى الستة
إلى العشرة، يعنى مدة مقامه في منزل أبى أيوب [ (3) ] .
قال: وروى أن أسعد بن زرارة كان يتخذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
الهريس ليلة
__________
[ (1) ] إلى هنا سقط من النسخة (خ) ، واستدركناه من النسخة (ج) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1006.
وأخرج أبو داود في (السنن) : 1/ 60، كتاب الطهارة، باب (38) سؤر الهرة،
وفيه: عن أم صالح بن دينار- «أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة رضى
اللَّه عنها فوجدتها تصلى، فأشارت إليها أن ضعيها» .
[ (3) ] سبق تخريج هذا الخبر.
(7/299)
وليلة لا، فإذا كانت الليلة التي يتوقعها
فيها قال: هل جاءت قصعة أسعد؟
فقال: نعم، فيقول: هلمّوا، فيعلم أنها تعجبه [ (1) ] .
وأما أكله الزنجبيل
فخرج الحاكم من حديث شعبة قال: أخبرنى على بن زيد قال: سمعت أبا المتوكل
يحدث عن أبى سعيد الخدريّ قال: أهدى ملك الهند إلى رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم جرّة فيها زنجبيل، فأطعم أصحابه قطعة قطعة، وأطعمنى منها قطعة.
قال الحاكم [رحمه اللَّه تعالى] : لم أخرج [من أول هذا الكتاب إلى هنا لعلى
بن زيد بن جدعان [القرشيّ] حرفا واحدا ولم أحفظ في أكل رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم [الزنجبيل سواه] فخرجته [ (2) ] .
__________
[ (1) ] سبق تخريج هذا الخبر.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 150، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7190) وما بين
الحاصرتين زيادة للسياق منه، قال الذهبي في (التلخيص) : هذا مما ضعّفوا به
عمرا، تركه أحمد. [وعمرو هذا هو عمرو بن حكام آخر رواة هذا الحديث قبل
شعبة] .
(7/300)
وأما تقزّزه أكل الضبّ وغيره
فخرج البخاري من حديث عبد العزيز بن مسلم، أخبرنا عبد اللَّه بن دينار
[قال] : سمعت ابن عمر يقول: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: الضبّ لست
آكله ولا أحرّمه [ (1) ] .
وخرجه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر، عن عبد اللَّه بن دينار، أنه سمع ابن
عمر يقول: سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن الضبّ فقال: لست بآكله
ولا محرمه [ (2) ] .
وأخرجه الترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] من حديث مالك، عن عبد اللَّه بن
دينار عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل عن أكل الضب فقال: لا
آكله ولا أحرمه. وقال النسائي: سئل وهو على المنبر عن الضب.
وقال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 827، كتاب الذبائح والصيد، باب (33) الضب، حديث
رقم (5536) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 103- 104، كتاب الصيد والذبائح، باب (7)
إباحة الضب، حديث رقم (1943) .
[ (3) ] (سنن الترمذي: 4/ 221- 222، كتاب الأطعمة، باب (3) ما جاء في أكل
الضب، حديث رقم (1790) ، ثم قال: وفي الباب عن عمر، وأبى سعيد، وابن عباس،
وثابت بن وديعة، وجابر، وعبد الرحمن بن حسنة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في أكل الضب، فرخّص
فيه بعض أهل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وغيرهم، وكرهه بعضهم،
ويروى عن ابن عباس أنه قال: أكل الضّبّ على مائدة النبي صلى اللَّه عليه
وسلم وإنما تركه صلى اللَّه عليه وسلم تقذّرا.
[ (4) ] (سنن النسائي) : 7/ 224، كتاب الصيد، باب (26) الضب، حديث رقم
(4325) ، وفيه: «لا آكله ولا أحرمه» ، وحديث رقم (4326) ، وفيه «لست بآكله
ولا محرمه» .
[ (5) ] راجع التعليق السابق.
(7/301)
وخرجه مسلم من حديث الليث، عن نافع عن ابن
عمر قال: سأل رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أكل الضب فقال: لا
آكله ولا أحرّمه [ (1) ] .
ومن حديث عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر قال: سأل رجل رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم وهو على المنبر عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه [
(2) ] .
وذكره من عدة طرق عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث الليث عن نافع، غير أن في
حديث أيوب عن نافع: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضبّ فلم يأكله
ولم يحرمه.
وفي حديث أسامة [ (3) ] [عن نافع قال: قام رجل في المسجد، ورسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم على المنبر] [ (4) ] .
[وخرّج ابن حبان في (صحيحة) من حديث أبى خيثمة، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش
عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن حسنة قال:
غزونا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فنزلنا أرضا كثيرة الضباب ونحن
مرملون، فأصبناها فكانت القدور تغلي بها، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم:
ما هذا؟ فقلنا: ضبابا أصبناها، فقال: إن أمة من بنى إسرائيل مسخت، وأنا
أخشى أن تكون
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 104، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة
الضب، حديث رقم (40) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (41) .
[ (3) ] (المرجع السابق) .
[ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (خ) .
وأخرجه ابن حبان في (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 71- 72، كتاب
الأطعمة، باب (2) ما يجوز أكله وما لا يجوز، ذكر الإباحة للمرء أكل الضّباب
إذا لم يتقذّرها، حديث رقم (5264) ، وفيه: «كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من
طعامي، وحديث رقم (5265) ، وفيه: «لست بآكله ولا محرمه» .
(7/302)
هذه، فأمرنا فكفأناها، وإنّا لجياع] [ (1)
] .
وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد، عن أيوب، عن ابن عمر رضى
اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذات يوم: ليت عندنا
خبزة بيضاء، من برّه سمراء، مليئة بسمن فنأكلها، فقام رجل فعملها، ثم جاء
بها، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: فيم كان سمنك؟ قال: في عكة ضب،
فعافه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولم يأكلها [ (2) ] .
وقال حدثنا مضر بن محمد، سمعت يحى بن معين يقول: أيوب الّذي روى عنه حسين
بن واقد عن نافع، عن ابن عمر «ليت لنا خبزة بيضاء» ، ليس هو أيوب
السجستاني.
ولمسلم من حديث شعبة، عن توبة العنبري، سمع الشعبي، سمع ابن عمر، أن النبي
صلى اللَّه عليه وسلم كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد، وأتوا بلحم ضب،
فنادت امرأة من نساء النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه لحم ضب، فقال رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 73، كتاب الأطعمة، باب (2)
ما يجوز أكله وما لا يجوز، ذكر الإباحة للمرء أكل الضّباب، إذا لم يتقذرها،
حديث رقم (5266) ، ثم قال أبو حاتم:
الأمر بإكفاء القدور التي فيها الضباب أمر قصد به الزجر عن أكل الضباب،
والعلة المضمرة هي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يعافها لا أن أكلها
محرم وما بين الحاصرتين سقط في (خ) .
وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 122، كتاب الأطعمة، باب (9) ، ما
قالوا في أكل الضب، حديث رقم (24331) ، وأخرجه أبو جعفر الطحاوي في (مشكل
الآثار) : 4/ 278، والإمام أحمد في (المسند) : 1/ 644، حديث رقم (3692) ،
1/ 682، حديث رقم (3915) ، حيث قال في كلا الحديثين: قال.. وذكر عنده
القردة والخنازير، قال مسعر: آراه قال: والخنازير إنه مما مسخ، فقال النبي
صلى اللَّه عليه وسلم إن اللَّه لم يمسخ شيئا فيدع له نسلا أو عاقبة، وقد
كانت القردة أو الخنازير قبل ذلك.
[ (2) ] (شرح معاني الآثار) : 4/ 169.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 105، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة
الضب، حديث رقم (1944) .
(7/303)
وللبخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث
شعبة، عن توبة العنبري قال: قال لي الشعبي: أرأيت حديث الحسن عن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم، وقاعدت ابن عمر قريبا من سنتين، أو سنة ونصف، فلم أسمعه
روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غير هذا، قال:
كان ناس من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيهم سعد، فذهبوا يأكلون من
لحم، فنادتهم امرأة من [بعض] من أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه لحم
ضبّ، فأمسكوا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كلوا أو أطعموا،
فإنه حلال، أو قال: لا بأس به- شك فيه- ولكنه ليس من طعامي. اللفظ
للبخاريّ، ذكره في باب خبر الواحد،
وانتهى منه مسلم إلى قوله: فيهم سعد، ثم قال بمثل حديث عبيد اللَّه بن معاذ
قال: أخبرنا أبى [قال] : حدثنا شعبة عن توبة.
وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] وأبى داود [ (5) ] ، من حديث مالك عن ابن
شهاب، عن أبى أمامة بن سهل، عن عبد اللَّه بن عباس، عن خالد بن الوليد رضى
اللَّه عنهما، أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيت مأمونة،
فأتى بضب محنوذ، فأهوى إليه بيده، فقال بعض النسوة: أخبروا رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم بما يريد أن يأكل، قالوا: هو ضب يا رسول اللَّه، فرفع
يده، فقلت: أحرام هو يا
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 302، كتاب أخبار الآحاد، باب (6) خبر المرأة
الواحدة، حديث رقم (7267) ،
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي»
أي ليس من المألوف له، فلذلك ترك أكله لا لكونه حراما.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 105، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة
الضب، حديث رقم (1944) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 827، كتاب الذبائح والصيد، باب (33) الضب، حديث
رقم (5537) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 105- 106، كتاب الصيد والذبائح، باب (7)
إباحة الضب، حديث رقم (1945) .
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 153- 154، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل
الضب، حديث رقم (3794) .
والمحنوذ: المشوي، ويقال: هو ما شوى بالرضف، وهي الحجارة المحماة، ومن هذا
قوله تعالى:
جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [هود: 69] .
(7/304)
رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض
قومي فأجدنى أعافه، قال خالد:
فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر.
وقال أبو داود عن مالك بهذا الإسناد نحوه، إلا أنه قال: «فقال بعض النسوة
اللاتي في بيت ميمونة» ،
وقال مسلم عن مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد اللَّه
بن عباس قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم بيت ميمونة» ، فأتى بضبّ محنوذ فأهوى إليه رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة:
أخبروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فرفع رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده، فقلت:
أحرام هو يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض
قومي فأجدنى أعافه. قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه ينظر.
وذكره البخاري [ (1) ] في كتاب الأطعمة في باب الشواء، من حديث معمر عن
الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن ابن عباس عن خالد بن الوليد قال: أتى
النبي صلى اللَّه عليه وسلم بضب مشوىّ، فأهوى إليه ليأكل، فقيل [له] : إنه
ضبّ، فأمسك يده، قال خالد: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنه لا يكون بأرض قومي
فأجدنى أعافه، فأكل خالد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر.
وأخرجاه أيضا من حديث يونس عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، فذكره البخاري
في كتاب الأطعمة، وذكره مسلم في كتاب الصيد والذبائح، ولفظه: أن عبد اللَّه
بن عباس أخبره أن خالد بن الوليد- الّذي يقال له: سيف اللَّه- أخبره أنه
دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند ميمونة زوج
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 177، كتاب الأطعمة، باب (14) الشواء وقول اللَّه
تعالى: جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، أي مشوى، حديث رقم (5400) ، قوله تعالى:
جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، كذا في الأصل، وهو سبق قلم، والتلاوة: فَما لَبِثَ
أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، أي محنوذ وهو المشوي، مثل قتيل في مقتول،
ونضيج في منضوج.
(7/305)
النبي صلى اللَّه عليه وسلم- وهي خالته،
وخالة ابن عباس- فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها صفية بنت الحارث من
نجد، فقدّمت الضب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان قلّ ما يقدم
[يده] لطعام حتى يحدّث به ويسمّى له، فأهوى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم بما قدّمتنّ له، [قلن] : هو الضّب يا رسول اللَّه، فرفع
[رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] يده، فقال خالد: أحرام الضبّ يا رسول
اللَّه؟ قال: لا، ولكنه لم [يكن] بأرض قومي فأجدنى أعافه، قال خالد:
فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر إليّ فلم ينهني [
(1) ] .
وقال البخاري: «ورسول اللَّه ينظر إليّ» ولم يقل: «فلم ينهني» ، وترجم عليه
باب: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل حتى يسمّى له فيعلم ما هو [
(2) ] .
وذكره مسلم من حديث صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل، عن
ابن عباس، أنه أخبره أن خالد بن الوليد أخبره أنه دخل مع رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم على ميمونة بنت الحارث- وهي خالته- فقدم إلى رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم بضب جاءت به أم حفيد بنت الحارث من نجد، وكانت تحت
رجل من بنى جعفر، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل شيئا حتى
يعلم ما هو. ثم ذكر بمثل حديث يونس، وزاد في آخر الحديث: وحدثنيه ابن الأصم
عن ميمونة، وكان في حجرها [ (3) ] .
وذكره أيضا من حديث معمر عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 106، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة
الضب، حديث رقم (1946) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 667، كتاب الأطعمة، باب (10) ما كان النبي صلى
اللَّه عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو، حديث رقم (5391) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 106- 107، كتاب الصيد والذبائح، باب (7)
إباحة الضب، حديث رقم (45) .
(7/306)
ابن عباس قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه
وسلم ونحن في بيت ميمونة بضبين مشويين، بمثل حديثهم، ولم يذكر يزيد بن
الأصم عن ميمونة [ (1) ] .
وذكره من حديث الليث بن سعد قال: حدثني خالد بن يزيد، حدثني سعيد بن أبى
هلال، عن ابن المنكدر، أن أبا أمامة أخبره عن ابن عباس قال: أتى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [وهو في بيت ميمونة] وعنده خالد بن الوليد
بلحم ضب، فذكره بمعنى حديث الزهري [ (2) ] .
وذكره من حديث على بن مسهر، عن الشيباني، عن زيد بن الأصم قال: دعانا عروس
بالمدينة، فقرب إلينا ثلاثة عشر ضبا، فآكل، وتارك، فلقيت ابن عباس من الغد،
فأخبرته، فأكثر القوم حوله، حتى قال بعضهم:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرمه،
فقال ابن عباس:
بئس ما قلتم، ما بعث اللَّه نبيا إلا محلّلا ومحرما، إن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم بينما هو عند ميمونة، وعنده الفضل بن عباس، وخالد بن
الوليد، وامرأة أخرى، إذ قرّب إليهم خوان عليه لحم، فلما أراد النبي صلى
اللَّه عليه وسلم أن يأكل، قالت له ميمونة: إنه لحم ضب، فكفّ يده وقال: هذا
لحم لم آكله قط، وقال لهم:
كلوا، فأكل منه الفضل، وخالد بن الوليد، والمرأة. قالت ميمونة: لا آكل من
شيء إلا شيئا يأكل منه رسول اللَّه [ (3) ] .
وذكر من حديث عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر
بن عبد اللَّه يقول: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضب، فأبى أن
يأكل
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1945) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق [بدون رقم] ،
وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 108، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة
الضب، حديث رقم (1948) .
(7/307)
منه، وقال: لا أدرى لعله من القرون التي
مسخت [ (1) ] .
ومن حديث أنس أبى عدىّ، عن داود، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد قال: قال رجل:
يا رسول اللَّه! إنا بأرض مضبّة، فما تأمرنا أو [فما] تفتينا؟
قال: ذكر لي أن أمة من بنى إسرائيل مسخت، فلم يأمر، ولم ينه [ (2) ] .
قال أبو سعيد: فلما كان بعد ذلك، قال عمر رضى اللَّه عنه: إن اللَّه عزّ
وجلّ لينفع به غير واحد، وإنه لطعام عامة هذه الرعاء، ولو كان عندي لطعمته،
إنما عافه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
وروى عن سعيد بن جبير أنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ألطف
الناس، وكان لا يشرب من شراك الإداوة، ولا يأكل من لحم الجلالات. وروى أن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يأكل قاذورة، ولا يأكل الدجاج حتى
يعلف.
والقاذورة هنا: الّذي يتقذّر، فكأنه كان يجتنب ما يرعى النجاسة حتى يعلف
الطّاهر. ويقال: القاذورة: ويراد به الفعل القبيح، ومنه قوله عليه السلام:
من أتى من هذه القاذورات شيئا [فليستتر] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1949) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1951) .
[ (3) ] (تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر) : 4/ 57،
من حديق زيد بن أسلم رضى اللَّه عنه.
(7/308)
وأما اجتنابه ما
تؤذى رائحته
فخرج مسلم من حديث شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن أبى أيوب
الأنصاري رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا
أتى بطعام أكل منه، وبعث بفضلة إليّ، وأنه بعث إليّ يوما بفضلة لم يأكل
منها لأن فيها ثوما، فسألته: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنى أكرهه من أجل ريحه،
قال: فإنّي أكره ما كرهت [ (1) ] . وخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح [
(2) ] .
ولأبى داود [ (3) ] وأحمد [ (4) ] ، من حديث بقية عن بجير، عن خالد عن أبى
زياد خيار بن سلمة، أنه سأل عائشة رضى اللَّه عنها عن البصل فقالت: إن آخر
طعام أكله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعام فيه بصل.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 252، كتاب الأشربة، باب (31) إباحة أكل
الثوم، وأنه ينبغي لمن أراد خطاب الكبار تركه، وكذا ما في معناه، حديث رقم
(2053) .
وفي هذا الحديث تصريح بإباحة الثوم، وهو مجمع عليه، لكن يكره لمن أراد حضور
المسجد، أو حضور جمع في غير المسجد، أو مخاطبة الكبار، ويلحق بالثوم كل ما
له رائحة كريهة، وأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وكان صلى
اللَّه عليه وسلم يترك الثوم دائما، لأنه يتوقع مجيء الملائكة والوحي كل
ساعة.
قوله: «كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بطعام أكل منه وبعث بفضله»
، قال العلماء: في هذا يستحب للآكل والشارب أن يفضل مما يأكل ويشرب فضلة
ليواسى بها من بعده، ولا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، وكذا إذا كان في
الطعام قلة، ولهم إليه حاجة، ويتأكد هذا في حق الضيف، لا سيما إن كانت عادة
أهل الطعام أن يخرجوا كل ما عندهم، ويتنظر عيالهم الفضلة، كما يفعله كثير
من الناس، ونقلوا أن السلف كانوا يستحبون إفضال هذه الفضلة المذكورة، وهذا
الحديث أصل ذلك كله. (مسلم بشرح النووي) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 230، كتاب الأطعمة، باب (13) ما جاء في كراهية
أكل الثوم والبصل، حديث رقم (1807) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (41) في أكل الثوم،
حديث رقم (3829) .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 130، حديث رقم (24064) .
(7/309)
ولمسلم من حديث ابن علية، عن الجرير عن أبى
نضرة، عن أبى سعيد الخدريّ قال: لم يغد أن فتحت خيبر، فوقعنا أصحاب رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في تلك البقلة الثوم، والناس جياع، فأكلنا
منها أكل شديدا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم الريح، فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا [يغشانا] في
المسجد، فقال الناس: حرّمت، حرّمت، فبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلم
فقال: يا أيها الناس، إنه ليس بى تحريم ما أحلّ اللَّه، ولكنها شجرة أكره
ريحها [ (1) ] .
وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث ابن وهب، عن يونس عن ابن
شهاب، زعم عطاء أن جابر بن عبد اللَّه، زعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم
قال: من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته،
وأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها
ريحا، فسأل، فأخبرنا بما فيه من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان
معه، فلما [رآه] كره أكلها، قال: كل، فإنّي أناجى من لا تناجي. اللفظ
للبخاريّ. وخرّجه أبو داود [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 54، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (17)
نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها، حديث رقم (76) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 431، كتاب الأذان، باب (160) ما جاء في الثوم
والبصل والكرات، حديث رقم (855) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 53، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب (17)
نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها، حديث رقم (73) .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 170- 171، كتاب الأطعمة، باب (41) في أكل
الثوم، حديث رقم (3822) . وفيه: «وإنه أتى ببدر» بدلا من: «أوتى بقدر» عند
الشيخين.
قال الخطّابى: قوله: «أتى ببدر» يريد الطبق، وسمى الطبق بدرا لاستدارته،
ومنه سمى القمر قبل كماله بدرا، وذلك لاستدارته وحسن اتساقه.
وقوله: «فليعتزل مسجدنا» إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له، وليس هذا من
باب الأعذار التي تبيح للمرء التخلف عن الجماعة كالمطر، والريح العاصف
ونحوهما من الأمور. (معالم السنن) .
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 229 كتاب الأطعمة، باب (13) ما جاء في
كراهية أكل الثوم والبصل، حديث رقم (1806) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(7/310)
وأما أكله الجمّار
فخرج البخاري من حديث عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبى حدثنا الأعمش قال حدثني
مجاهد عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه قال: بينا نحن عند النبي صلى
اللَّه عليه وسلم جلوس؟ إذ أتى بجمار نخلة، فقال النبي صلى اللَّه عليه
وسلم إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم، فظننت أنه يعنى النخلة فأردت أن
أقول هي النخلة يا رسول اللَّه، فالتفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم
فسكتّ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم هي النخلة [ (1) ] .
وأما حبّه الحلواء والعسل
فخرّج البخاري من حديث هشام، عن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها
قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب الحلواء والعسل. وهو مما اتفقا
على إخراجه ذكره البخاري هكذا في الأشربة [ (2) ] ، وفي الأطعمة [ (3) ] .
وخرّجه
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 710، كتاب الأطعمة، باب (42) أكل الجمّار، حديث
رقم (5444) ، (فتح الباري) : 4/ 509- 510، كتاب البيوع، باب (94) بيع
الجمار وأكله، حديث رقم (2209) ، والجمّار بضم الجيم وتشديد الميم: هو قلب
النخلة، وهو معروف.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 96، كتاب الأشربة، باب (15) شراب الحلواء
والعسل، حديث رقم (5614) ، وفيه: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه
الحلواء والعسل، والحلواء بالمد في رواية المستملي، ولغيره بالقصر، وهما
لغتان، قال الخطّابى: هي ما يعقد من العسل ونحوه، وقال ابن التين عن
الداوديّ: هي النقيع الحلو، وعليه تبويب البخاري: «شراء الحلواء» ، كذا
قال، وإنما هو نوع منها، والّذي قاله الخطّابى هو مقتضى العرف. (فتح
الباري) .
وقال ابن بطال: الحلوى كل شيء حلو، وهو كما قال، لكن استقر العرف على تسمية
ما لا يشرب من أنواع الحلو حلوى، ولأنواع ما يشرب مشروب ونقيع أو نحو ذلك،
ولا يلزم مما قال اختصاص الحلوى بالمشروب. (فتح الباري) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 695، كتاب الأطعمة، باب (32) الحلوى والعسل،
حديث رقم (5431) ، وفيه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحب الحلوى
والعسل.
(7/311)
الإمام أحمد [ (1) ] ، وفيه قصّة [ (2) ] .
وأما أكله التمر
فخرج البخاري ومسلم من حديث مسعر بن كدام، عن هلال، عن عروة عن عائشة رضى
اللَّه عنها قالت: ما أكل آل محمد [صلى اللَّه عليه وسلم] أكلتين في يوم
واحد إلا وإحداهما تمر [ (3) ] .
__________
[ () ] «الحلوى» كذا لأبى ذر مقصور، ولغيره ممدود، وهما لغتان، قال ابن
ولاد: هي عند الأصمعي بالقصر- تكتب بالياء- وعند الفراء بالمد- تكتب
بالألف- وقيل: تمد وتقصر، وقال الليث: الأكثر على المد، وهو كل حلو يؤكل،
وقالى الخطّابى: اسم الحلوى لا يقع إلا على ما دخلته الصنعة. وفي المخصص
لابن سيده: هي ما عولج من الطعام بحلاوة، وقد تطلق على الفاكهة.
قال ابن بطال: الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى:
كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وفيه تقوية لقول من قال: المراد به المستلذ من
المباحات. ودخل في معنى هذا الحديث كل ما يشابه الحلوى والعسل من أنواع
المآكل اللذيذة.
وقال الخطّابىّ وتبعه ابن التين: لم يكن حبه صلى اللَّه عليه وسلم لها على
معنى كثرة التشهي لها، وشدة نزاع النفس إليها وإنما كان ينال منها إذا
أحضرت إليه نيلا صالحا، فيعلم بذلك أنها تعجبه.
ويؤخذ منه جواز اتخاذ الأطعمة من أنواع شتى، وكان بعض أهل الورع يكره ذلك
ولا يرخص أن يأكل من الحلاوة إلا ما كان حلوه بطبعه كالتمر والعسل، وهذا
الحديث يرد عليه.
وإنما تورع عن ذلك من السلف من آثر تأخير تناول الطيبات إلى الآخرة، مع
القدرة على ذلك في الدنيا، تواضعا لا شحا.
ووقع في كتاب (فقه اللغة للثعالبي) : أن حلوى النبي صلى اللَّه عليه وسلم
التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم، وهو تمر يعجن بلبن. (فتح
الباري) .
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 88، حديث رقم (33795) .
[ (2) ] وهي قصة المغافير، ذكرها المفسرون عند تفسيرهم لقول اللَّه تعالى:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي
مَرْضاتَ أَزْواجِكَ. وحتى قوله تعالى: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ
أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ
قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً [التحريم: 1-
5] .
[ (3) ] سبق تخريجه. وأخرجه الدارميّ في (السنن) : 2/ 107، باب في الحلواء
والعسل.
(7/312)
ولهما من حديث وهيب، حدثنا منصور بن أمية،
عن عائشة [رضى اللَّه عنها] : توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين شبعنا
من الأسودين: التمر والماء، وفي لفظ للبخاريّ: توفى النبي صلى اللَّه عليه
وسلم وقد شبعنا من الأسودين: التمر والماء. ولهما من حديث يزيد بن رومان،
عن عروة عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أنها تقول: واللَّه يا ابن أختى،
ثلاثة أهله في شهرين، وما [أوقد] في أبيات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم نار، قلت: يا خالة! فما كان [يعيشكم؟] قالت:
الأسودين، التمر والماء، إلا أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
جيران من الأنصار، وكانت لهم منايح، وكانوا يمنحون رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم من ألبانها فيسقينا. وقال البخاري: كانت لهم منايح، وكانوا
يمنحون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا [ (1) ] .
ولهما في لفظ آخر قالت: إن كنا آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد بنار، إن هو
إلا التمر والماء، ولفظ مسلم: إن كنا لنمكث، ولم يذكر آل محمد. وزاد أبو
كريب في حديثه، عن ابن نمير عن هشام بن عروة بهذا الإسناد، إلا أن يأتينا
اللحيم. وفي لفظ للبخاريّ قالت: كان يأتى علينا الشهر ما نوقد نارا، إنما
هو التمر والماء، إلا أن نؤتى باللحيم [ (2) ] .
ولأبى داود من حديث محمد بن أبى يحيى، عن يزيد الأعور، عن يوسف بن عبد
اللَّه بن سلام قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم آخذ كسرة من خبز
شعير، فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه. وفي لفظ: رأيت النبي صلى اللَّه
عليه وسلم وضع تمرة على كسرة فقال: هذه إدام هذه [ (3) ] .
وله من حديث الوليد بن مزيد قال: سمعت ابن جابر قال: حدثنا سليم
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] سبق تخريجه وهو في (صحيح مسلم) : كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم
(26) والّذي يليه.
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (42) في التمر، حديث
رقم (3830) ، ونسبه المنذري للترمذي أيضا.
(7/313)
ابن عامر، عن ابني بسر السّلميّين قالا:
دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقدّمنا إليه تمرا وزبدا،
وكان يحب التمر والزبد [ (1) ] .
ولمسلم من حديث حفص بن غياث، عن مصعب بن سليم قال: حدثنا أنس بن مالك رضى
اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا [ (2) ]
.
وخرّجه الدارميّ عن مصعب قال: سمعت أنس بن مالك يقول: أهدى إلى النبي صلى
اللَّه عليه وسلم التمر، فأخذ يهديه. وقال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم يأكل تمرا مقعيا من الجوع. قال: يهديه، يعنى يهدى هاهنا، وهاهنا
[ (3) ] .
ولمسلم من حديث ابن عيينة، عن مصعب بن سليم، عن أنس قال: أتى رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم بتمر، فجعل يقسمه وهو [محتفز] ، يأكل منها أكلا
ذريعا.
وفي رواية زهير: أكلا حثيثا [ (4) ] .
ولأبى داود من حديث همام، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس قال:
أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتمر عتيق، فجعل يفتشه يخرج منه
السوس [ (5) ] . وفي لفظ: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يؤتى بالتمر
فيه الدود.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3837) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) :
2/ 1106- 1107، كتاب الأطعمة، باب (43) التمر بالزبد، حديث رقم (3334) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 239، كتاب الأشربة، باب (24) استحباب
تواضع الآكل وصفة قعوده، حديث رقم (148) ، قوله صلى اللَّه عليه وسلم:
«مقعيا» ، أي جالسا على أليتيه ناصبا ساقيه.
[ (3) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 104، باب في التمر.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 239- 240، كتاب الأشربة، باب (24)
استحباب تواضع الآكل، وصفة قعوده، حديث رقم (149) ، قوله: «أكلا ذريعا
وحثيثا هما بمعنى أي مستعجلا صلى اللَّه عليه وسلم لاستيفازه لشغل آخر،
فأسرع في الأكل، وكان استعجاله ليقضى حاجته منه، ويرد الجوعة، ثم يذهب في
ذلك الشغل.
وقوله: «فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقسمه» أي يفرقه على من يراه أهلا
لذلك، وهذا التمر كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وتبرع بتفريقه
صلى اللَّه عليه وسلم فلهذا كان يأكل منه، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح
النووي) .
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 174، كتاب الأطعمة، باب (43) في التفتيش في
التمر المسوّس عند الأكل، حديث رقم (3832) .
(7/314)
فذكر معناه [ (1) ] .
وللحاكم من حديث طلحة بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:
كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يسمى التمر واللبن الأطيبان [ (2) ] . قال:
هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (3) ] .
ولابن حيّان من حديث ياسين الزيات عن عطاء، عن ابن عباس قال:
كان أحب التمر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العجوة [ (4) ] .
ومن حديث عبيد بن القاسم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الطعام مما يليه، حتى إذا جاء التمر
جالت يده [ (5) ] .
ومن حديث شعبة، عن يزيد بن [جهيم] قال: سمعت عبد اللَّه بن بسير يقول: دخل
علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأتاه أبى بتمر وسويق، فجعل يأكل
التمر ويلقى النوى على ظهر إصبعيه ثم يلقيه، يعنى السبابة والوسطى.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3833) ، وهو حديث مرسل، وأخرج ابن
ماجة في (السنن) :
2/ 1106، كتاب الأطعمة، باب (42) تفتيش التمر، حديث رقم (3333) .
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 283، كتاب الصداق، باب الأكل متكئا.
وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 124- 125، حديث رقم (143) ، وأخرجه الإمام
أحمد في (المسند) : 4/ 61، حديث رقم (12688) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 119، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7081) ، قال الذهبي
في (التلخيص) :
طلحة بن زيد ضعيف.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (4) ] (أخلاق النبي) : 204، (كنز العمال) : حديث رقم (18217) ، (إتحاف
السادة المتقين) :
8/ 240، وسنده ضعيف.
[ (5) ] (الكامل في الضعفاء) : 5/ 349، ترجمة عبيد بن القاسم الأسدي، رقم
(539/ 1507) ، وفيه:
«جالت يده في الإناء» وعبيد بن القاسم الأسدي الكوفي، يقال: أنه ابن أخت
سفيان الثوري، ضعفوه، وقالوا: متروك وكذاب، ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 7/
67.
(7/315)
وأمّا أكله العنب
فروى أبو الجارود عن حبيب بن يسار، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال:
رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل العنب خرطا [ (1) ] .
وأمّا أكله الرّطب والبطيخ
فخرّج أبو داود من حديث أبى أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن
عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل
البطيخ بالرطب ويقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا [ (2) ] .
وخرّج الدارميّ من حديث الحسن بن عرفة، أخبرنا يعقوب بن الوليد،
__________
[ (1) ] يقال: خرط العنقود خرطا إذا وضعه في فمه، وأخذ حبّه، وخرج عرجونه
عاريا. وفي رواية ذكرها ابن الأثير: خرصا، بالصاد بدل الطاء، أي من غير
عدد.
قال العراقي: رواه ابن عدي في (الكامل) من حديث العباس، والعقيلي في
(الضعفاء) من حديث ابن عباس هكذا مختصرا، وكلاهما ضعيف.
وكذا رواه الطبراني في (الكبير) ، هو والعقيلي في (الضعفاء) من طريق داود
بن عبد الجبار، عن ابن الجارود، عن حبيب بن يسار، عن ابن عباس رفعه: «كان
يأكل العنب خرطا» .
قال العقيلي: داود ليس بثقة، ولا يتابع عليه، وأخرجه البيهقي في (الشعب) من
طريقتين ثم قال: ليس فيه إسناد قوى، وأورده ابن الجوزي في (الموضوعات) ولم
يصب، بل هو ضعيف. (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 238، (شعب الإيمان) : 5/
106، باب في المطاعم والمشارب، حديث رقم (5967) ، (الموضوعات) 2/ 288، باب
كيف يؤكل العنب.
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين
لونين في الأكل، حديث رقم (3836) .
فيه إثبات الطب والعلاج، ومقابلة الشيء الضار بالشيء المضاد له في طبعه على
مذهب الطب والعلاج، وفيه إباحة التوسع من الأطعمة، والنيل من الملاذ
المباحة، (معالم السنن) .
(7/316)
عن أبى حازم، عن سهل بن سعدان، أن النبي
صلى اللَّه عليه وسلم [كان] يأكل البطيخ بالرطب [ (1) ] .
ومن حديث وهيب عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن نبي اللَّه [صلى
اللَّه عليه وسلم] كان يعجبه [الجمع] بين البطيخ والرطب [ (1) ] .
وخرّج الحاكم من حديث مطر الوراق، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه أن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأخذ الرطب بيمينه، والبطيخ بيساره، فيأكل
الرطب والبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه. قال: هذا تفرد به يوسف بن عطية عن
مطر، ولم يحتجّا به، وإنما يعرف هذا المتن بغير هذا اللفظ، من حديث عائشة
رضى اللَّه عنها [ (2) ] . وخرجه ابن حيان أيضا من طريق مطر [ (3) ] .
وخرّج الترمذي في (الشمائل) من حديث جرير، عن حميد، عن أنس قال: رأيت رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجمع بين الخربز والرطب [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 103، باب من لم ير بأسا أن يجمع بين الشيئين،
وفيه: «القثاء بالرطب» ، لكن أخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 246- 247، كتاب
الأطعمة، باب (36) ما جاء في أكل البطيخ بالرطب، حديث رقم (1843) ، وقال
أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه، عن
النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسل، ولم يذكر فيه عائشة رضى اللَّه عنها وقد
روى يزيد ابن رومان عن عروة عن عائشة هذا الحديث.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 134، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7137) ، قال الذهبي
في (التلخيص) :
تفرد به يوسف [وهو واه] .
وأخرجه الحميدي في (المسند) : 1/ 124، حديث رقم (255) .
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 215- 216.
[ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 165، حديث رقم (200) ، والخربز: بكسر الخاء
هو البطيخ، وقيل: هو معرب عن الفارسية، والمراد النوع الأصفر [الشّمام كما
يسميه أهل مصر، وأجوده ما كان من الإسماعيلية إحدى محافظات مصر] فإن فيه
برودة يعدّلها الرطب.
والحديث أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 606، حديث رقم (12041)
، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 215، 217، من طريقي عبد اللَّه بن أبى بكر
العنقى، ومسلم بن إبراهيم.
وبالجملة فهو حديث صحيح الإسناد، ورجال إسناده ثقات.
(7/317)
وخرج الخطيب من طريق حسان بن سياه، حدثني
ثابت البناني عن أنس قال: قالت عائشة: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم: إذا جاء الرطب فهنئينى [ (1) ] .
وخرّج ابن حيّان من حديث إسرائيل الأعور، عن أنس قال: كنت إذا قدمت إلى
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رطبا، أكل الرطب وترك المذنب. ومن حديث
القرارى، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم
يحب أن يفطر على رطبات في زمان الرطب، وعلى التمر إذا لم يكن رطب، ويجعلهن
وترا، ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (تاريخ بغداد) : 5/ 107، في ترجمة أحمد بن محمد الضبعي الأحول،
برقم (2513) .
[ (2) ] وفي ختام هذه الفقرة نذكر ما أورده ابن القيم عن البطيخ والرطب،
قال.. بعد أن ذكر
حديث أبى داود والترمذي، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان يأكل
البطيخ بالرطب، يقول: نكسر حرّ هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحرّ هذا-:
وفي البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد، والمراد به
الأخضر، وهو بارد رطب، وفيه جلاء، وهو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء
والخيار، وهو سريع الاستحالة إلى أي خلط كان صادفه في المعدة، وإذا كان
آكله محرورا انتفع به جدا، وإن كان مبرودا دفع ضرره بيسير من الزنجبيل
ونحوه، وينبغي أكله قبل الطعام ويتبع به، وإلا غثّى وقيّأ.
ثم ذكر حديث أنس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يفطر على رطبات
قبل أن يصلى، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء
[رواه أبو داود برقم (2356) ، والترمذي برقم (696) ، وأحمد برقم (12265) .
ثم قال: طبع الرطب طبع المياه، حار رطب يقوى المعدة الباردة ويوافقها،
ويزيد في الباه، ويخصب البدن، ويوافق أصحاب الأفرجة الباردة، ويغذو غذاء
كثيرا، وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل المدينة وغيرها من البلاد التي هو
فاكهتهم فيها، وأنفعها للبدن، وإن كان لم يعتده يسرع التعفن في جسده،
ويتولد عنه دم ليس بمحمود، ويحدث في إكثاره من صداع وسوداء، ويؤذى أسنانه.
وفي فطر النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الصوم عليه، أو على التمر أو على
الماء، تدبير لطيف جدا، فإن الصوم يخلى المعدة من الغذاء، فلا تجد الكبد
فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شيء وصولا إلى
الكبد، وأحبه إليها، ولا سيما إذا كان رطبا، فيشتد قبولها له، فتنتفع به هي
والقوى، فإن لم يكن فالتمر لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن فحسوات الماء تطفى
لهيب المعدة، وحرارة الصوم، فتنتبه المعدة بعده للطعام، وتأخذه بشهوة (زاد
المعاد) : 4/ 286- 287، 4/ 312- 313.
(7/318)
وأمّا أكله الزّيت
فخرج مسلم من حديث ابن قسيط، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لقد
مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد
مرتين [ (1) ] .
وأمّا أكله السمك
فخرج البخاري من حديث ابن جريج، أخبرنى عمرو أنه سمع جابرا يقول: غزونا جيش
الخبط، وأمّر أبو عبيدة بن الجراح، فجعنا جوعا شديدا، فألقى البحر حوتا
ميتا لم نر مثله، يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما
من عظامه فمر الراكب تحته.
[زاد في] المغازي:
أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: فقال أبو عبيدة: كلوا فلما قدمنا
المدينة، ذكرنا ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: كلوا رزقا
أخرجه اللَّه، أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم بعضه فأكله [ (2) ] . [وفي
رواية ابن السكن: «فأتاه بعضهم بعضو منه فأكله» ] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 317، كتاب الزهد والرقائق حديث رقم
(2974) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 97- 98، كتاب المغازي، باب (66) غزوة سيف البحر،
وهم يتلقون عيرا لقريش، وأميرهم أبو عبيدة، حديث رقم (4360) ، حديث رقم
(4361) ، وحديث رقم (4362) ، وهو الحديث المذكور في الباب.
[ (3) ] زيادة للسياق من (فتح الباري) ، قال عياض: وهو الوجه. وفي الحديث
من الفوائد: مشروعية المواساة بين الجيش عند وقوع المجاعة، وأن الاجتماع
على الطعام يستدعى البركة فيه.
قال أهل اللغة: العنبر سمكة بحرية كبيرة، يتخذ من جلدها الترسة، ويقال: إن
العنبر المشموم رجيع هذه الدابة. وقال ابن سيناء: بل المشموم يخرج من
البحر، وإنما يؤخذ من أجواف السمك الّذي يبتلعه.
ونقل الماوردي عن الشافعيّ قال: سمعت من يقول: رأيت العنبر نابتا في البحر
ملتويا مثل عنق
(7/319)
ولفظ مسلم: فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟
قال: فأرسلنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منه فأكله [ (1) ] .
ذكره البخاري في الصيد والذبائح، وفي كتاب المغازي وفيه قصة [ (2) ] .
وكرّراه من طرق.
__________
[ () ] الشاة، وفي البحر دابة تأكله، وهو سمّ لها، فيقتلها، فيقذفها، فيخرج
العنبر من بطنها.
وقال الأزهري: العنبر سمكة تكون بالبحر الأعظم، يبلغ طولها خمسين ذراعا،
يقال لها: بالة، وليست بعربية.
وأخرجه البخاري أيضا في: كتاب الذبائح والصيد، باب (12) قول اللَّه تعالى:
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ، وقال عمر: صيده: ما اصطيد،
وطعامه: ما رمي به، وقال أبو بكر رضى اللَّه عنه:
الطافي في حلال، وقال ابن عباس رضى اللَّه عنه: طعامه ميتته، إلا ما قذرت
منها، حديث رقم (5493) ، وحديث رقم (5494) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 90، كتاب الصيد والذبائح، باب (4) ،
إباحة ميتات البحر، حديث رقم (1935) .
وأخرج أبو داود في (السنن) : 4/ 165- 166، كتاب الأطعمة، باب (36) في أكل
الطافي من السمك، حديث رقم (3815) : «ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه، وما
مات فيه وطفا فلا تأكلوه» .
جزر عنه: أي تقلص عنه ماء البحر وقت الجزر عنه، وقد ثبت عن غير واحد من
الصحابة أنه أباح الطافي من السمك، ثبت ذلك عن أبى بكر الصديق، وأبى أيوب
الأنصاري رضى اللَّه عنهما. وإليه ذهب عطاء بن أبى رباح، ومكحول، وإبراهيم
النخعي، وبه قال مالك، والشافعيّ، وأبو ثور، وروى عن جابر وابن عباس رضى
اللَّه عنه أنهما كرها الطافي من السمك، وإليه ذهب جابر بن زيد وطاووس، وبه
قال أبو حنيفة وأصحابه، (معالم السنن) .
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1081، كتاب الصيد، باب (18) الطافي من صيد
البحر، حديث رقم (3246) ، وحديث رقم (3247) .
وأخرجه الواقدي مختصرا جدا في (المغازي) ، في سرية الخبط، أميرها أبو عبيدة
رضى اللَّه عنه:
7/ 776- 777.
[ (2) ] تراجع هذه القصة في كتاب المغازي من (فتح الباري) ، شرح الحديث رقم
(4360) ، والحديث رقم (4361) ، وقد أمسكنا عن ذكرها خشية الإطالة.
قال ابن القيم: أصناف السمك كثيرة، وأجوده ما لذّ طعمه، وطاب ريحه، وتوسط
مقداره، وكان رقيق القشر، ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه، وكان في ماء عذب
جار على الحصباء، ويتغذى بالنبات لا الأقذار.
(7/320)
وأمّا أكله البيض
فذكر الواقدي أن علبة بن زيد الحارثي، جاء في غزوة ذات الرقاع [ (1) ]
بثلاث بيضات فقال: يا رسول اللَّه! وجدت هذه البيضات في مفحص نعام، فقال
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات،
فوثبت فعملتهن، ثم جئت بالبيض في قصعة، وجعلت أطلب خبزا ولا أجده، قال:
فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير
خبز، قال جابر: فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمسك يده، وأنا أظن
أنه قد انتهى إلى حاجته، والبيض في القصعة كما هو، ثم قام رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم، وأكل منه عامة أصحابنا، ثم رحنا مبردين [ (2) ] .
__________
[ () ] وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء، وكان يأوى إلى الأماكن
الصخرية، ثم الرملية، والمياه الجارية العذبة التي لا قذر فيها، ولا حمأة،
الكثيرة الاضطراب والتموج، المكشوفة للشمس والرياح.
والسمك البحريّ فاضل، محمود، لطيف، والطري منه بارد رطب، عسر الهضم، يولد
بلغما كثيرا، إلا البحري وما جرى مجراه، فإنه يولد خلطا محمودا، وهو يخصب
البدن، ويزيد في المنى، ويصلح الأفرجة الحارة.
وأما المالح، فأجوده ما كان قريب العهد بالتملح، وهو حار يابس، وكلما تقادم
عهده ازداد حرّه ويابسه. (زاد المعاد) : 4/ 325- 326.
[ (1) ] قال الواقدي: فإنما سميت ذات الرقاع، لأنه جبل فيه بقع حمر وسود
وبيض، وزاد السهيليّ: سميت ذات الرقاع لأنهم رقعوا راياتهم، ويقال: ذات
الرقاع شجرة بذلك الموضع، وكانت ليلة السبت لعشر خلون من المحرم على رأس
سبعة وأربعين شهرا، وقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صرار [اسم بئر]
يوم الأحد لخمس بقين من المحرم، وغاب خمس عشرة ليلة.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 399، غزوة ذات الرقاع.
(7/321)
|