إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الأكل
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وإذا أتى بالباكورة من التمر دعا اللَّه بالبركة، ويأكل بثلاثة أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها، ويأكل مما يليه، ولا يأكل متكئا، ولا يذم طعاما، ويسمى اللَّه إذا أكل، ويحمده إذا فرغ.

وأمّا قبوله الهدية وامتناعه من أكل الصدقة
فخرج البخاري في آخر كتاب الجهاد، من حديث شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، أن الحسن بن على رضى اللَّه عنهما، أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم [بالفارسية] كخ كخ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة [ (1) ] . وذكره في كتاب الزكاة ولفظه: أما [شعرت] أنا لا نأكل الصدقة [ (2) ] ؟
وخرّجه مسلم في آخر كتاب الزكاة بهذا السند ولفظه: ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة [ (3) ] ؟ وفي لفظ آخر له: إنا لا تحل لنا الصدقة [ (4) ] .
وللبخاريّ من حديث إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد عن أبى
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 226، كتاب الجهاد والسير، باب (188) من تكلم بالفارسية والرطانة، وقول اللَّه عزّ وجلّ: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ [الروم: 22] . وقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: 4] ، حديث رقم (3072) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (المرجع السابق) : كتاب الزكاة، باب (60) ما يذكر في صدقه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1491) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 181، كتاب الزكاة، حديث رقم (161) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم.

(7/322)


هريرة قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يؤتى بالتمر عند صرام النخل، فيجيء هذا بتمره، وهذا [من] تمره، حتى يصير عنده كوما من تمر، فجعل الحسن والحسين [رضى اللَّه عنهما] يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة، فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخرجها من فيه وقال: أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة [ (1) ] ؟.
وأخرجاه أيضا من حديث معمر، عن همّام بن منبه، عن أبى هريرة [ (2) ] .
وخرّج البخاري في كتاب اللقطة، في باب: إذا وجد تمرة في الطريق، من حديث معمر، عن همام، عن أبى هريرة، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها [ (3) ] .
وخرّجه مسلم في الزكاة ولفظه: عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكر أحاديث منها، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي أو في بيتي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها [ (4) ] . ومن حديث ابن وهب قال: أخبرنى عمرو أن أبا يونس مولى أبى هريرة
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 447، كتاب الزكاة، باب (57) أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك الصبى فيمسّ من تمر الصدقة؟ حديث رقم (1485) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعلى آله، وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب دون غيرهم، حديث رقم (163) ، وأخرجه البخاري في كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (3432) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 5/ 108، كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (3432) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، حديث رقم (163) .

(7/323)


حدثه، عن أبى هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال مثله، ولم يقل: أو في بيتي [ (1) ] .
وخرّج البخاري في كتاب اللقطة، من حديث سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن أنس قال: مرّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم بتمرة في الطريق فقال: لولا أنى أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (2) ] .
وذكره في البيوع، ولفظه: مرّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم بتمرة مسقوطة فقال: لولا أن يكون صدقة لأكلتها [ (3) ] . وقال همام: عن أبى هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال:
أجد تمرة ساقطة على فراشي.. هكذا، ذكر هذا متصلا بحديث أنس، وترجم عليه باب: ما يتنزه عن الشبهات [ (3) ] .
وخرجه مسلم من طرق، بعضها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (4) ] .
وبعضها قال: حدثنا أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرّ بتمرة بالطريق فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (4) ] .
وبعضها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها [ (4) ] .
[ولأبى داود] من حدث حماد عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال:
إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يمر بالتمرة [العائرة] ، فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (162) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 108، كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (2431) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 368، كتاب البيوع، باب (4) ما يتنزه من الشبهات، حديث رقم (2055) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، حديث رقم (164) ، وحديث رقم (165) ، وحديث رقم (166) .

(7/324)


تكون من الصدقة [ (1) ] .
ومن حديث خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس [بن مالك، رضى اللَّه عنه، قالا] : إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أنى أخاف أن تكون [صدقة] لأكلتها [ (2) ] .
ولأبى داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] ، من حديث شعبة عن الحكم، عن ابن أبى رافع، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فقال لأبى رافع: اصحبنى كيما تصيب منها. فقال: حتى آتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأسأله، فانطلق إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فسأله، فقال: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم وقال أبو داود: فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأبو رافع: مولى النبي صلى اللَّه عليه وسلم اسمه أسلم، وابن أبى رافع: هو عبيد اللَّه بن أبى رافع، كاتب على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه.
وخرّجه النسائي من حديث يحيى، عن شعبة ولفظه: إن الصدقة لا تحل
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 299، كتاب الزكاة، باب (29) الصدقة على بنى هاشم، حديث رقم (1651) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
«العائرة» : هي الساقطة على وجه الأرض، لا يعرف من صاحبها، ومن هذا قيل عار الفرس إذا انفلت على صاحبه فذهب على وجهه ولا يدفع. وهذا أصل في الورع، وفي أن كل ما لا يستبينه الإنسان من شيء طلقا لنفسه فإنه يجتنبه ويتركه.
وفيه دليل على أن التمرة ونحوها من الطعام إذا وجدها الإنسان ملقاة في طريق ونحوها أن له أخذها وأكلها إن شاء، وإنها ليست من جملة اللقطة التي حكمها الاستيناء بها والتعريف لها.
(معالم السنن) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1652) ، وما بين الحاصرتين في (خ) ، (ج) : «من الصدقة» ، وصوبناه من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 12/ 298، كتاب الزكاة، باب (29) . الصدقة على بنى هاشم، حديث رقم (1650) ، واللفظ للترمذي.
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 3/ 46، كتاب الزكاة، باب (25) ، ما جاء في كراهية الصدقة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وأهل بيته ومواليه، حديث رقم (657) .

(7/325)


لنا، وإن مولى القوم منهم [ (1) ] .
وذكره [البخاري] في كتاب قبول الهدية من حديث إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، فإن قيل: هدية: ضرب بيده فأكل معهم [ (2) ] .
وخرّجه مسلم في كتاب الزكاة ولفظه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية أكل منها، وإن قيل: صدقة لم يأكل منها [ (3) ] .
وخرّجه النسائي من حديث عبد الواحد [بن] واصل، أخبرنا بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بشيء سأل عنه، أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة لم يأكل، وإن قيل هديه بسط يده [ (4) ] .
وخرّج البخاري من حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم تصدّق به على بريرة فقال: هو عليها صدقة ولنا هدية.
ذكره في كتاب الزكاة [ (5) ] ، وفي كتاب الهبة [ (6) ] . وخرّجه أبو داود
__________
[ (1) ] (سنن النسائي) : 5/ 112، كتاب الزكاة، باب (97) مولى القوم منهم، حديث رقم (2611) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (175) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 190، كتاب الزكاة، باب (53) قبول النبي صلى اللَّه عليه وسلم الهدية ورده الصدقة، حديث رقم (175) .
[ (4) ] (سنن النسائي) : 5/ 112، كتاب الزكاة، باب (98) الصدقة لا تحل للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2612) ، ولفظه: «كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بشيء سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة لم يأكل، وإن قيل هديه بسط يده» وهو من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وبسط يده يعنى أكل.
[ (5) ] (فتح الباري) : 3/ 454، كتاب الصدقة، باب (62) إذا تحولت الصدقة، حديث رقم (1495) .
[ (6) ] (المرجع السابق) : 5/ 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (2577) .

(7/326)


بمثله [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] ولفظه: قال: أهدت بريرة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحما تصدّق به عليها، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية.
وخرّجاه وفيه قصة.
ولمسلم [ (3) ] من حديث الليث، عن ابن شهاب، أن عبيد بن السباق قال: إن جويرية زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخل عليها فقال: هل من طعام؟ قالت: لا واللَّه يا رسول اللَّه! ما عندنا طعام إلا عظم من شاة أعطيته مولاتي من الصدقة، فقال: قرّبيه، فقد بلغت محلّها.
وللبخاريّ ومسلم من حديث خالد، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على عائشة فقال: هل عندكم شيء؟ فقالت: لا، إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة، من الشاة التي بعث بها من الصدقة، فقال: إنها قد بلغت محلها. ذكره البخاري في باب: إذا تحولت الصدقة في كتاب الهبة، وفي كتاب الزكاة [ (4) ] ، وألفاظ طرق مسلم متقاربة.
وخرّج الإمام أحمد من حديث عيسى بن يونس قال: أخبرنا هشام ابن عروة عن أبيه، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 301، كتاب الزكاة، باب (30) الفقير يهدى للغنى من الصدقة، حديث رقم (1655) . وبريرة: مولاة أم المؤمنين عائشة رضى اللَّه عنها.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 188، كتاب الزكاة، باب (52) إباحة الهدية للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، ولبني هاشم، وبنى المطلب، وإن كان المهدي ملكها بطريق الصدقة، إذا قبضها المتصدّق عليه زال عنها صفة الصدقة، وحلت لكل أحد ممن كانت الصدقة محرمة عليه، حديث رقم (1074) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1073) .
[ (4) ] سبق تخريجه.

(7/327)


[وقال ابن سعد: أخبرنا شبابة بن سواد، ومالك بن إسماعيل وعبد اللَّه بن صالح قال: حدثنا إسرائيل عن ثوير، عن أبيه، قال مالك وعبد اللَّه بن صالح، عن على رضى اللَّه عنه قال: [ (1) ] أهدى كسرى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منهم] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 131، حديث رقم (24070) .
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 389، ذكر قبول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الهدية وتركه الصدقة، وما بين الحاصرتين من (خ) وليس في (ج) .

(7/328)


وأمّا ما يقوله عند الباكورة
فخرج الدارميّ من حديث نعيم بن حماد، عن عبد العزيز بن محمد عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بالباكورة بأول الثمرة قال: اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمرتنا، وفي مدّنا، وفي صاعنا، واجعل بركة مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان [ (1) ] .
ولأبى داود من حديث جرير بن حازم، عن يونس الأبلي، عن ابن شهاب، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى [بالباكور] قال بعضهم: بالباكورة، قبّلها ووضعها على عينيه [ (2) ] .
وفي لفظ: كان إذا أتى بالباكورة من الفاكهة، وضعها على عينيه ثم أكل منها وقال: اللَّهمّ كما أطعمتنا أولها، فأطعمنا آخرها، وبارك لنا فيها.
ومن حديث عبد العزيز بن محمد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بالباكورة قبّلها ووضعها على عينيه،
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 106- 107، باب في الباكورة.
[ (2) ]
هذا الحديث أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب (85) فضل المدينة ودعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها، حديث رقم (1373) : عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا أخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدّنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك، وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وأنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه، قال: ثم يدعو أصغر وليد فيعطيه ذلك الثمر.

(7/329)


وأعطاها أصغر من يحضر من الولدان [ (1) ] .
وخرّجه ابن حيّان من حديث الدّراوردى، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بالباكورة من التمر قال: اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا، ومدّنا، وصاعنا، واجعل مع البركة بركة، ثم يعطيه أصغر من حضره من الولدان [ (2) ] .
وخرّج الترمذي في (الشمائل) ، من حديث مالك، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا أخذه قال: اللَّهمّ بارك لنا في ثمارنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وفي مدّنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة، ومثله معه، قال: ثم يدعو أصغر وليد يراه، فيعطيه ذلك الثمر [ (3) ] .
__________
[ (1) ] وأخرجه من طرق وبسياقات مختلفة كل من: النسائي في (عمل اليوم والليلة) : 108، باب ما يقول إذا دعي بأول الثمر فأخذه، والترمذي في (السنن) : 5/ 472، كتاب الدعوات، باب (54) ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر، حديث رقم (3454) ، والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) :
3/ 389، ترجمة محمد بن يعقوب التميمي رقم (1503) ، 9/ 185- 186، ترجمة سفيان بن محمد المصيصي رقم (4766) ، 14/ 217، ترجمة يحيى بن محمد حيكان النيسابورىّ رقم (7508) .
[ (2) ] (أخلاق النبي) : 235، وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1105، كتاب الأطعمة، باب (39) إذا أتى بأول الثمرة حديث رقم (3329) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 166- 167، باب (30) ما جاء في فاكهة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (202) ، قوله: «ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر» فيه بيان ما كان عليه صلى اللَّه عليه وسلم من مكارم الأخلاق وكمال الشفقة والرحمة، وملاطفة الكبار والصغار، وخص بهذا الصغير لكونه أرغب فيه وأكثر تطلعا إليه وحرصا عليه.

(7/330)


وأمّا أكله بثلاث أصابع ولعقها
فخرّج مسلم من حديث أبى معاوية، عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن ابن سعد، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها [ (1) ] .
ومن حديث زهير بن حرب، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلعق أصابعه الثلاث من الطعام. ولم يذكر محمد بن أبى حاتم عن ابن مهدي الثلاث [ (2) ] .
ومن حديث ابن نمير أخبرنا هشام، عن عبد الرحمن بن سعد، أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وعبد اللَّه بن كعب [بن مالك أو عبد اللَّه بن كعب] [ (3) ] ، أخبره عن أبيه كعب، أنه حدّثهم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها [ (4) ] .
[و] رواه أبو بكر الشافعيّ من حديث عمرو بن عثمان قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى داود، حدثنا ابن أبى جريج، عن هشام بن عروة، عن محمد بن كعب بن عجرة، عن أبيه كعب [رضى اللَّه عنه] قال:
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 216، كتب الأشربة، باب (18) استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قل لعقها، حديث بدون رقم بين رقمي (131) ، (132) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (131) ، ثم قال في آخره: وقال ابن أبى شيبة في روايته: عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه.
[ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم 132.

(7/331)


رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث، الإبهام، والتي تليها، والوسطى، ثم رأيته يلعق الوسطى، والتي تليها، ثم الإبهام.
وللإمام أحمد من حديث أبى معاوية، أخبرنا هشام بن عروة، عن عبد الرحمن بن سعد، عن [أبىّ بن] [ (1) ] كعب بن مالك، عن أبيه [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها [ (2) ] .
وخرّجه الترمذي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن سعد عن ابن كعب عن أبيه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يلعق أصابعه ثلاثا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 522، حديث رقم (26626) ، ونحوه باختلاف يسير من طريق أخرى، حديث رقم (26627) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 123، حديث رقم (138) ، وقال أبو عيسى: وروى غير محمد بن بشّار هذا الحديث، قال: كان يلعق أصابعه الثلاث، وقد أشار الترمذي إلى شذوذ لفظه «ثلاثا» والمحفوظ «الثلاث» ، وفارق بين اللفظين.
وأخرجه الترمذي في (الشمائل) أيضا، حديث رقم (139) عن أنس قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث.
وحديث رقم (142) عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 228، كتاب الأطعمة، باب (11) ما جاء في اللقمة تسقط، حديث رقم (1803) .
وأبو داود في (السنن) : 4/ 183- 184، كتاب الأطعمة باب (50) في اللقمة تسقط، حديث رقم (3845) ، عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث وقال:
«إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان» وأمرنا أن نسلت الصحفة، وقال: «إن أحدكم لا يدرى في أي طعامه يبارك له» .
قال الشيخ: سلت الصحفة تتبّع ما يبقى فيها من الطعام ومسحها بالأصبع ونحوه. وقد بين النبي صلى اللَّه عليه وسلم العلة في لعق الأصابع وسلت الصحفة، وهو
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فإنه لا يدرى في أي طعامه يبارك له فيه» .
يقول: لعل البركة فيما لعق بالأصابع والصحفة من لطخ ذلك الطعام، وقد أفسدت عقولهم

(7/332)


ولمسلم من حديث بهز قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث [ (1) ] .
__________
[ () ] الترفة، وغيّر طباعهم الشبع والتخمة، وزعموا أن لعق بالأصابع مستقبح أو مستقذر، كأنهم لم يعلموا أن الّذي علق بالأصابع أو الصحفة جزء من أجزاء الطعام الّذي أكلوه وازدردوه، فإذا لم يكن سائر أجزائه المأكولة مستقذرة لم يكن هذا الجزء اليسير منه الباقي في الصحفة واللاصق بالأصابع مستقذرا كذلك.
وإذا ثبت هذا فليس بعده شيء أكثر من مسه أصابعه بباطن شفتيه، وها ما لا يعلم عاقل به بأسا، إذا كان الماس والممسوس جميعا طاهرين نظيفين، وقد يتمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه، فيدلك أسنانه وباطن فمه، فلم ير أحد ممن يعقل أنه قذارة أو سوء أدب، فكذلك لا فرق بينهما في منظر حسّ ولا مخبر عقل. (معالم السنن) .
وأخرج أبو داود أيضا في كتاب الأطعمة من (السنن) ، باب (52) في المنديل، حديث رقم (3847) ، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إذا أكل أحدكم فلا يمسحن يده بالمنديل حتى يلعقها أو يلعقها» ، وهذا الحديث أخرجه البخاري في الأطعمة، باب لعق الأصابع، ومسلم في الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع، وابن ماجة في الأطعمة، باب لعق الأصابع، وليس في حديثهم ذكر المنديل.
ولأبى داود أيضا في كاب الأطعمة من (السنن) : في ذات الباب، حديث رقم (3848) عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها.
[ (1) ]
(مسلم بشرح النووي) : 13/ 219، كتاب الأشربة، باب (18) استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها، حديث رقم (136) ، وتمامه: «وقال إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت القصعة، قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» .

(7/333)


وأمّا أكله مما يليه
فخرّج ابن حيان من حديث أبى رجاء، عن عبد الحكم، قال: رآني عبد اللَّه بن جعفر، وأنا غلام، وأنا آكل من ها هنا، فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل لم تعد يده ما بين يديه [ (1) ] .

وأمّا أنه لا يأكل متكئا
فخرّج البخاري من حديث مسعر، عن على بن الأقمر، سمعت أبا جحيفة يقول: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا آكل متكئا [ (2) ] . وخرّجه أبو داود بهذا الإسناد مثله سواء [ (3) ] .
وللبخاريّ من حديث جرير عن منصور، عن على بن الأقمر، عن أبى جحيفة قال: [كنت عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم] فقال لرجل عنده: لا آكل وأنا متكئ [ (4) ] .
وللنسائى من حديث شريك، عن على بن الأقمر، عن أبى جحيفة قال:
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 654، كتاب الأطعمة، باب (3) الأكل مما يليه، حديث رقم (3577) ، (5378) من طرق وبسياقات مختلفة. (أخلاق النبي) : 192، (كنز العمال) ، حديث رقم (18175) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 675، كتاب الأطعمة، باب (13) الأكل متكئا، حديث رقم (5398) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 140- 141، كتاب الأطعمة، باب (17) ما جاء في الأكل متكئا، حديث رقم (3769) . قال الخطابي: فالمتكئ هو الّذي أوكى مقعدته وشدّها بالقعود على الوطاء الّذي تحته، والمعنى: أنى إذا أكلت لم أقعد متمكنا على الأوطئة والوسائد، فعل من يريد أن يستكثر من الأطعمة ويتوسع في الألوان، ولكنى آكل علقة، وآخذ من الطعام بلغه، فيكون قعودي مستوفزا له. (معالم السنن) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 9/ 675، كتاب الأطعمة، باب (13) الأكل متكئا، حديث رقم (5399) .

(7/334)


قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئا.
وله من حديث الزهري، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث أن اللَّه أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة، ومعه جبريل، فقال له الملك: إن اللَّه يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا، فالتفت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير، فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا، بل أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا [ (1) ] .
وخرّجه عبد الرزاق بنحوه، وقال: عن معمر، عن يحيى بن أبى كثير، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد.
وقال حماد: عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد اللَّه بن عمرو، عن أبيه قال: ما رئي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل متكئا، ولا يطأ عقبه رجلان [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) في شرح الحديث السابق.
وأخرج الترمذي في (الشمائل) : 119 باب رقم (22) ، ما جاء في تكأة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (133) . عن أبى جحيفة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئا، وأخرجه في (السنن) 240- 241، كتاب الأطعمة، باب (28) ما جاء في كراهية الأكل متكئا، حديث رقم (1830) ، قال: وفي الباب عن عليّ وعبد اللَّه بن عمرو، وعبد اللَّه بن عباس.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث عليّ بن الأقمر، وروى زكريا ابن أبى زائدة وسفيان الثوري وابن سعيد، وغير واحد، عن عليّ بن الأقمر هذا الحديث، وروى شعبة عن سفيان الثوري هذا الحديث عن عليّ بن الأقمر.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1086، كتاب الأطعمة، باب (6) الأكل متكئا، حديث رقم (3262) .
وأخرجه الحميدي في (المسند) : 2/ 386، حديث رقم (832) و 395، حديث رقم (892) والدارميّ في (السنن) : 2/ 106، باب في الأكل متكئا.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 49، باب ما روى عنه في قوله صلى للَّه عليه وسلم: أما أن فلا آكل متكئا، وللبيهقي في (شعب الإيمان) : 5/ 106، باب في المطاعم والمشارب، الأكل متكئا، حديث رقم (5969) ، (مسند أحمد) : 5/ 398، حديث رقم (18279) ، 400، حديث رقم (18291) .
[ (2) ] (شعب الإيمان) : 5/ 107، حديث رقم (5972) .

(7/335)


وأمّا أنه لم يذم طعاما
فخرّج البخاري [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث الأعمش، عن أبى حازم، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: ما عاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، إذا اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه. ذكره في كتاب الأطعمة، وذكره البخاري أيضا في المناقب بهذا الإسناد، غير أنه قال: وإلا تركه.
وخرّجه مسلم أيضا ولفظه: قال: ما عاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله، وإن كرهه تركه [ (3) ] . وفي رواية قال: ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاب طعاما قط، كان إذا اشتهاه أكله، وإن لم يشتهه سكت [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 83، كتاب الأطعمة، باب (21) ما عاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم طعاما، حديث رقم (5409) قوله: «ما عاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم طعاما» أي مباحا، أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه، وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الخلقة كره، وإن كان من جهة الصنعة لم يكره، قال:
لأن صنعة اللَّه لا تعاب، وصنعة الآدميين تعاب.
قال الحافظ ابن حجر: والّذي يظهر التعميم، فإن فيه كسر قلب الصانع. قال النووي: من آداب الطعام المتأكدة أن لا يعاب، كقوله: مالح، حامض، قليل الملح، غليظ، رقيق، غير ناضج، ونحو ذلك.
قوله: «وإن كرهه تركه» ، يعنى مثل ما وقع له في الضب، ووقع في رواية أبى يحيى: «وإن لم يشنهه سكت» ، أي عن عيبه، قال ابن بطال: هذا من حسن الأدب، لأن المرء قد لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره، وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب.
(المرجع السابق) : 6/ 702، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3563) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 137، كتاب الأطعمة، باب (14) باب في كراهية ذم الطعام، حديث رقم (3763) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 269، كتاب الأشربة، باب (35) لا يعيب الطعام، حديث رقم (178) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (188) .

(7/336)


وللترمذي [ (1) ] من حديث عمر بن عبد اللَّه مولى عفرة قال:
حدثني إبراهيم بن محمد، من ولد على بن أبى طالب، عن على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يذم ذواقا ولا يمدحه.
__________
[ (1) ] الحديث الّذي في (سنن الترمذي) : 4/ 331، كتاب البر والصلة، باب (84) ما جاء في ترك العيب للنعمة، حديث رقم (2031) ، عن الأعمش، عن أبى حازم عن أبى هريرة قال: «ما عاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهاه أكله وإلا تركه» . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأبو حازم هو الأشجعيّ الكوفيّ، واسمه سلمان مولى عزّة الأشجعية.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1085، كتاب الأطعمة، باب (4) النهى أن يعاب الطعام، حديث رقم (3259) .

(7/337)


وأمّا التسمية إذا أكل وحمد اللَّه بعد فراغه من الأكل
فخرّج البخاري والنسائي من حديث سفيان، عن ثور، عن خالد بن معدان، عن أبى أمامة رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال:
الحمد للَّه كثيرا طيبا مباركا فيه، غير مكفىّ ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربنا [ (1) ] .
وقال البخاري: كان إذا فرغ من طعامه، ومرة إذا رفع مائدته قال: الحمد للَّه الّذي كفانا وأروانا، غيّر مكفئ، ولا مكفور. وقال مرة: لك الحمد ربنا غير مكفىّ، ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربنا [ (2) ] . وخرجه أبو داود وقال: إذا رفعت المائدة [ (3) ] ، وخرّجه النسائي [ (4) ] .
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عبد اللَّه بن عامر الأسلمي، عن أبى عبيد حاجب سليمان، عن نعيم بن سلامة، عن رجل من بنى سليم، وكانت له صحبة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: اللَّهمّ لك الحمد، أطعمت، وأسقيت، وأشبعت، وأوريت، فلك الحمد غير مكفور،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 723، كتاب الأطعمة، باب (54) ، ما يقول إذا فرغ من طعامه، حديث رقم (5458) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5459) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 186- 187، كتاب الأطعمة، باب (53) ، ما يقول الرجل إذا طعم، حديث رقم (3849) .
قوله: «غير مكفىّ ولا مودّع ولا مستغنى عنه ربنا»
معناه: إن اللَّه سبحانه هو المطعم والكافي، وهو غير مطعم ولا مكفىّ، كما قال سبحانه: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ [الأنعام: 14] .
وقوله: «مودع» ،
أي غير متروك الطلب إليه، والرغبة فيما عنده، ومنه قوله سبحانه: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [الضحى: 3] ، أي ما تركك ولا أهانك.
[ (4) ] أخرجه النسائي في (السنن الكبرى) : كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا شبع من الطعام.
حديث رقم (283) ، (284) . [هامش (الشمائل) ] : 160.

(7/338)


ولا مودع، ولا مودع، ولا مستغنى عنك [ (1) ] .
ولأبى داود والنسائي من حديث سفيان، عن أبى هاشم إسماعيل بن كثير، عن إسماعيل بن رباح، عن رباح بن عبيدة، عن أبى سعيد الخدريّ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد للَّه الّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 335، حديث رقم (21664) ، 6/ 341، حديث رقم (21696) ، 6/ 350، حديث رقم (21753) ، 6/ 358، حديث رقم (21798) ، كلهم من حديث أبى أمامة الباهلي رضى اللَّه تعالى عنه.
وأخرجه الترمذي (في السنن) : 5/ 473، كتاب الدعوات، باب (56) ما يقول إذا فرغ الطعام، حديث رقم (3456) ، قوله: «غير مودّع ... » ينصب على أنه حال من الحمد، ومودّع اسم مفعول من التوديع: أي غير متروك، أو حال من الطعام، يعنى لا يكون آخر طعامنا من اللَّه، وغير مستغنى عنه، أي هو محتاج إليه، و «ربّنا» روي بالرفع والنصب والجر:
* فالرفع: على تقدير هو ربّنا، وأنت ربّنا اسمع حمدنا ودعانا، أو على أنه مبتدأ خبره غير بالرفع وتقدم عليه.
* والنصب: على أنه منادى حذف منه ياء النداء، أو على المدح أو الاختصاص.
* والجر: على أنه بدل من اللَّه، أو على أنه بدل من الضمير في عنه.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 286، كتاب الصداق، باب ما يقول إذا فرغ من الطعام.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1092- 1093، كتاب الأطعمة، باب (16) ما يقال إذا فرغ من الطعام، حديث رقم (3284) .
وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 159- 160، باب (28) ما جاء في قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل الطعام وبعد ما يفرغ منه، حديث رقم (193) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 187، كتاب الأطعمة، باب (53) ما يقول الرجل إذا طعم، حديث رقم (3850) .
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 474، كتاب الدعوات، باب (56) ما يقول إذا فرغ من الطعام، حديث رقم (3457) .
وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل) : 159، باب ما جاء في قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل الطعام وبعد ما يفرغ منه، حديث رقم (192) وهو حديث إسناده ضعيف، فإن إسماعيل بن رباح مجهول لا يعرف، وباقي رجال الإسناد ثقات، أبو هاشم هو الرماني يحيى بن دينار، وقد اضطرب الرواة في إسناد هذا الحديث مما يشعر بضعفه، فهو لا يصح مرفوعا ولا موقوفا وإن كان قد حسنه الحافظ.

(7/339)


وخرّجه أبو بكر بن أبى شيبة، أخبرنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن رباح، عن عبيدة، عن مولى لأبى سعيد، عن أبى سعيد قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل طعاما قال مثله.
وإسناد هذا الحديث مضطرب كما ترى [ (1) ] .
ولأبى داود والنسائي من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سعيد بن أبى أيوب، عن أبى عقيل القرشيّ، عن أبى عبد الرحمن الجبليّ، عن أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد للَّه الّذي أطعم، وسقى، وسوّغه، وجعل له مخرجا [ (2) ] .
وللنّسائى من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سعد عن عكرمة ابن عمرو، عن أبى هبيرة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن من خدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول إذا قرب إليه طعاما قال: بسم اللَّه، فإذا فرغ من طعامه قال: اللَّهمّ أطعمت، وسقيت، وأرويت، وهديت، وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت.
ومن حديث زهير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: [دعي] رجل من الأنصار من أهل قباء- يعنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم- فانطلقنا
__________
[ (1) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ 138، باب (26) في التسمية على الطعام، حديث رقم (24494) ، ورقم (24497) من حديث عبد اللَّه بن إدريس، عن حصين، عن إسماعيل بن أبى سعيد، بمثله، وحديث رقم (24498) ، من حديث محمد بن فضيل عن حصين، عن حصين، عن إسماعيل بن أبى سعيد بمثله.
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 177- 178، كتاب الأطعمة، باب (53) ما يقول الرجل إذا طعم، حديث رقم (3851) ، ونسبه المنذري للنسائى، قوله: «سوّغه» ، جعله سائغا، سهل المدخل في الحلق.

(7/340)


معه، فلما طعم وغسل يده أو يديه قال: الحمد للَّه الّذي يطعم ولا يطعم، منّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد للَّه غير مودع ولا مكافئ ولا منكور ولا مستغنى عنه، الحمد للَّه الّذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسى من العرى، وهدى من الضلالة، وبصّر من العمى، وفضّل على كثير من خلقه تفضيلا، الحمد للَّه رب العالمين [ (1) ] .
__________
[ (1) ] لم أجدهما في (السنن) ، ولعلهما في (الكبرى) .

(7/341)


وأمّا ما يقوله إذا أكل عند أحد
فخرّج أبو داود من حديث معمر، عن ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخبز وزيت، فأكل، ثم قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة [ (1) ] .
وخرّج النسائي وقاسم بن أصبغ من حديث وكيع، عن هشام عن يحيى ابن أبى كثير، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أفطر عند أهل بيت قال: أفطر عندكم الصائمون.
وخرّج مسلم من حديث شعبة، عن يزيد بن خمير، عن عبد اللَّه بن بسر، قال: نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على أبى [قال:] [ (2) ] فقربنا إليه طعاما ووطبة فأكل منها، ثم أتى بتمر، وكان يأكله ويلقى النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى، [قال شعبة:] [ (2) ] هو ظنّى وهو فيه إن شاء اللَّه تعالى، إلقاء النوى بين [الإصبعين] [ (2) ] ثم أتى بشراب فشربه، ثم ناوله الّذي عن يمينه، [قال:] [ (2) ] فقال أبى وأخذ بلجام دابته: أدع اللَّه عزّ وجلّ لنا، فقال:
اللَّهمّ بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 189، كتاب الأطعمة، باب (55) ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده، حديث رقم (3854) .
[ (2) ] زيادات للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 237- 238، كتاب الأشربة، باب (22) استحباب وضع النوى خارج التمر، واستحباب دعاء الضيف لأهل الطعام وطلب الدعاء من الضيف الصالح وإجابته لذلك، حديث رقم (146) .
والوطئة بالهمزة أو بالباء عند أهل اللغة طعام يتّخذ من التمر كالحيس. وفي الحديث من الفوائد أن الشراب ونحوه يدار على اليمين، وفيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل، ودعاء الضيف

(7/342)


ذكره الترمذي بهذا الإسناد في كتاب الدعاء، ولم يقل فيه: ووطئه، وقال: حديث حسن صحيح [ (1) ] . وذكره أبو داود وقال في الإسناد: عن عبد اللَّه بن بسر من بنى سليم، وقال في الحديث: فقدم إليه طعاما، فذكر حيسا أتاه به [ (2) ] .
وذكره ابن أبى شيبة عن شعبة بهذا الإسناد وقال: جاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم فنزل على أبى، فأتاه بطعام سويق وحيس، فأكل، وأتاه بشراب، فشرب، وناوله من عن يمينه، وكان إذا أكل التمر ألقى النوى هكذا، وأشار بإصبعيه على ظهرهما، فلما ركب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قام أبى فأخذ بلجامه فقال: يا رسول اللَّه، ادع لنا.. الحديث مثله [ (3) ] .
وخرّج عبد الرزاق من حديث [معمر] ، عن ثابت البناني، عن أنس أو غيره، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة اللَّه، ولم يسمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى سلّم ثلاثا ولم يسمعه، فرجع، وأتبعه سعد فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بأبي أنت وأمى، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم أدخله البيت، فقرب له زبيبا، فأكل منه نبي اللَّه، فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون.
__________
[ () ] بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة، وقد جمع صلى اللَّه عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والآخرة، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) .
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 530، كتاب الدعوات، باب (118) في دعاء الضيف، حديث رقم (3576) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 115، كتاب الأشربة، باب (2) في النفخ في الشراب والتنفس فيه، حديث رقم (3729) .
[ (3) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 112، باب (165) دعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم للرجل الّذي نزل به، حديث رقم (29868) .

(7/343)


وأمّا أكله باليمين
فخرّج الحاكم من حديث يحيى بن زكريا بن أبى زائدة قال: أخبرنا أبو أيوب، عبد اللَّه بن على الإفريقي، عن عاصم بن بهدلة، عن المسيب بن رافع، عن حارثة بن وهب الخزاعي [ (1) ] قال: حدثتني حفصة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل يساره لما سوى ذلك.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة، حدثنا عاصم بن بهدلة، عن سواء الخزاعي، عن حفصة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه اضطجع على يده اليمنى، وكانت يمينه لأكله وشرابه ووضوئه وثيابه، وأخذه وعطائه، وكان يجعل [شماله] لما سوى ذلك [ (3) ] .

وأمّا أنه كان لا يأكل من الهدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها
فخرّج البزار من حديث سعيد بن محمد يمنى الجرمي، [قال:] حدثنا يحيى بن واضح- هو أبو نميلة- أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبى بكر، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن ابن الحويكة،
__________
[ (1) ] في (المستدرك) : «جارية بنت وهب الخزاعي» .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 122، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7019) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : في سنده مجهول.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 408، حديث رقم (25922) ، 7/ 409، حديث رقم (25925) ، وزاد في الحديث الأول: «وكان يصوم الاثنين والخميس» وزاد في الحديث الثاني: «وكان صوم ثلاثة أيام من كل شهر: الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى. وكلا الحديثين من حيث أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عن الجميع.

(7/344)


عن عمار بن ياسر [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل من هدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها، للشاة التي أهديت بخيبر [ (1) ] .
قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمار إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وخرّجه الطبراني في الكبير من حديث سعيد أيضا به مثله، وصرّح في روايته بتحديث عبد اللَّه بن أبى بكر لمحمد بن إسحاق، وسعيد ابن محمد الجرمي، من رجال الصحيحين، وأبو نميلة يحيى بن واضح مخرّج له في الصحيح، وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث، ومحمد بن عبد الرحمن أخرج له مسلم، ويزيد بن الحوتكيّة [ (2) ] من رجال النسائي، وهو قوى، لكن حمد بن عبد الرحمن لم أر له رواية عنه سوى هذه، وما أظنه أدركه، فينظر.
[وقال البكري: وروى محمد بن عبد الرحمن، وحكيم بن جبير، أنهما سمعا رجلا من بنى تميم يقال له ابن الحوتكيّة يقول: قدمنا على عمر بن الخطاب فقال لنفر عنده: أيكم حضر رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] ونحن بالقاحة [ (3) ] إذ أهدى الأعرابي إليه الأرنب، فقال قائل: أنا أحدثكم، كنت معه بالقاحة [ (3) ] فأهدى أعرابى أرنبا، وكان لا يأكل هدية بعد الشاة المسمومة حتى يأكل صاحبها منها، فقال للأعرابى: كل] [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 7/ 106، حديث رقم (18187) ، وعزاه إلى الطبراني عن عمار بن ياسر.
[ (2) ] هو يزيد بن الحوتكية التميمي الكوفي، روى عن عمر وعمار وأبى ذر وأبى الدرداء وأبىّ بن كعب.
وعنه موسى بن طلحة بن عبيد اللَّه، قال يعقوب بن شيبة: وكان ابن الحوتكية أحد أخوال موسى بن طلحة بن عبيد اللَّه، وأكثر ما يأتى غير مسمى.
قال أبو حاتم الرازيّ: لا أعلم أحدا سماه غير حجاج بن أرطاة عن عثمان بن موهب، عن موسى ابن طلحة، وذكره ابن حبان في الثقات، له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 11/ 281، ترجمة رقم (519) .
[ (3) ] القاحة مدينة على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل. (معجم البلدان) : 4/ 329، موضع رقم (9348) .
[ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) .

(7/345)