إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع . فصل في ذكر من حدث وروى عن رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم من أصحابه رضى اللَّه تعالى عنهم بمكة والمدينة
وغيرهما من البلدان التي غزا إليها وحلها بعرفة ومنى غير ذلك
اعلم أنه آمن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الجن والإنس خلائق
حدثوا عنه، ورووا ما وعوه، وسمعوه، فسمع منه الجن القرآن وهو يقرأ بأصحابه
بعكاظ وجاءوه فسألوه عن أشياء، ومكث معهم أيضا في ليلة شهدها عبد اللَّه بن
مسعود، فأسلم منهم طائفة من جن نصيبين.
إسلام الجن، وإنذارهم قومهم
فقد ثبت بكتاب اللَّه تعالى، وحديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
قال اللَّه تعالى:
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى
قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً
أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى
الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ
__________
[ (1) ] وهذا الحديث، الآفة فيه، الكلبي، وهو متهم، وضعفه أكثر أهل العلم.
(9/70)
يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ
وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ
أَلِيمٍ* وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي
الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ
مُبِينٍ [ (1) ] اختلف أئمة التفسير في سبب صرف الجن إلى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم، قيل: وصرفوا إليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشهب، وقيل:
صرفوا إليه لينذرهم، وأمر عليه السّلام أن يقرأ عليهم القرآن، وإليه ذهب
قتادة. وقيل:
مروا به وهو يقرأ القرآن بنخلة [ (2) ] ، لما عاد من الطائف [ (3) ] .
واختلف أيضا في المكان الّذي سمعوا فيه قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم، قيل:
بالحجون [ (4) ] ، وهو قول ابن مسعود وقتادة، وقيل ببطن نخل [ (5) ] ، وهو
قول ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما.
واختلف من أي بلدهم، فقيل: هم جن نصيبين- قرية باليمن- لا مدينة نصيبين
التي بالجزيرة- قاله ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما وقيل: من أهل
نينوى [ (6) ] ، قاله قتادة. وقيل: من جزيرة الموصل، قاله عكرمة، وقيل: من
أهل حيران، قاله مجاهد، واختلف في عدتهم.
فقيل: كانوا سبعة، قاله ابن مسعود، وزر بن حبيش، ومجاهد، ورواه عكرمة بن
عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما.
وقيل: كانوا تسعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنهما.
وقيل: كانوا اثنى عشر، وهو مروى عن عكرمة، ويرد بقوله تعالى: وَإِذْ
صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ والنفر لا يطلق على الكثير، فإن
النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة.
__________
[ (1) ] الأحقاف 29- 32
[ (2) ] نخلة: اسم موضع
[ (3) ] الطائف: مسيرة يوم للطالع من مكة، ونصف يوم للهابط إلى مكة.
[ (4) ] الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.
[ (5) ] بطن نخل: قريبة من المدينة على طريق البصرة.
[ (6) ] نينوى: قرية يونس بن متى عليه السّلام بالموصل.
(9/71)
وذكر السهيليّ في (التفسير) أنهم كانوا
يهودا، لذلك قالوا: مِنْ بَعْدِ مُوسى ولم يقولوا: «من بعد عيسى» ذكره ابن
سلام، وكانوا سبعة، وقد ذكروا بأسمائهم في التفاسير والمسندات، وهم: شاصر،
وآصر، ومنشى، وماشى، والأحقب، وهؤلاء الخمسة ذكرهم ابن دريد، ووجدت في خبر
ذكره، أن منهم آخر يقال له: سرق، وفي خبر آخر: أن منهم عمرو بن [جابر] [
(1) ]] فَلَمَّا حَضَرُوهُ، أي حضروا استماعه، قالوا: أنصتوا، قال
__________
[ (1) ] مطموس بالأصل، واستدركناه من كتب السيرة.
قال الحافظ ابن كثير في (التفسير) : كانوا سبعة نفر: ثلاثة من أهل حران،
وأربعة من أهل نصيبين، وكانت أسماؤهم: حسي، وحسبي، ومنسي، وساصر، وناصر،
والأردوبيان، والأحتم. وذكر أبو حمزة الثمالي أن هذا الحي من الجن كان يقال
لهم بنو الشيصبان وكانوا أكثر الجن عددا، وأشرفهم نسبا، وهم كانوا عامة
جنود إبليس.
وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنه:
كانوا تسعة أحدهم زوبعة أتوه من أصل نخلة وتقدم عنهم أنهم كانوا خمسة عشر.
وفي رواية أنهم كانوا اثنى عشر ألفا فلعل هذا الاختلاف دليل تكرر وفادتهم
عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومما يدل على ذلك ما قاله البخاري في صحيحه
حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا ابن وهب حدثنا عمر وهو ابن محمد قال إن سالما
حدثه عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: ما سمعت عمر
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول لشيء قط إني لأظنه هكذا إلا كما يظن،
بينما عمر ابن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه جالس إذا مر به رجل جميل
فقال لقد أخطأ ظني أو أن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم، عليّ
بالرجل، فدعى له فقال له: ذلك فقال: ما رأيت كاليوم أستقبل به رجل مسلم
قال: فأنى أعزم عليك إلا ما أخبرتنى قال كنت كاهنكم في الجاهلية فما أعجب
ما جاءتك به جنيتك قال بينما أنا يوما في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع
فقالت:
ألم تر الجن وإبلاسها ... ويأسها من بعد إنكاسها
ولحقوها بالقلاص وأحلاسها
قال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ
جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول يا
جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إله إلا اللَّه قال: فوثب القوم فقلت: لا
أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى يا جليح أمر نجيح برجل فصيح يقول لا
إله إلا اللَّه فقمت فما نشبنا إن قيل هذا نبي. هذا سياق البخاري.
(9/72)
بعضهم لبعض: اسكتوا كي نستمع إلى قراءته،
فَلَمَّا قَضى، أي فرغ من التلاوة، وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ،
انصرفوا إليهم محذرين عذاب اللَّه إن لم يؤمنوا.
واختلف هل أنذروا قومهم من قبل أنفسهم؟ أم جعلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم رسلا إلى قومهم؟ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً
أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى يعنى القرآن، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ
يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [ (1) ] .
قال عطاء: كان دينهم اليهودية، ولذلك قالوا: إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً
أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى، يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ [ (2) ]
، يعنون محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو دليل على أنه بعث إلى الجن، كما
بعث إلى الإنس، قال مقاتل: ولم يبعث اللَّه نبيا إلى الجن والإنس قبله.
قال ابن عبد البر: ولا يختلفون أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم رسول إلى
الإنس والجن، نذيرا، وبشيرا، هذا مما فضل به على الأنبياء، أنه بعث إلى
الخلق كافة، الجن والإنس، وغيره لم يرسل إلا بلسان قومه، ودليل ذلك ما نطق
به القرآن الكريم من دعائهم إلى الإيمان، بقوله في مواضع من كتابه: يا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [ (3) ] وقال ابن عباس رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنهما:
فاستجاب لهم من قومهم سبعين رجلا من الجن، ثم رجعوا إلى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم، فوافوه بالبطحاء، فقرأ عليهم القرآن، وأمرهم، ونهاهم.
__________
[ () ] وقد رواه البيهقي من حديث ابن وهب بنحوه ثم قال: وظاهر هذه الرواية
يوهم أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بنفسه سمع الصارخ صرخ من العجل
الّذي ذبح وكذلك هو صريح في رواية ضعيفة عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنه وسائر الروايات تدل على أن هذا الكاهن هو الّذي أخبر بذلك عن رؤيته
وسماعه واللَّه أعلم، (تفسير ابن كثير) : 4/ 180.
[ (1) ] الأحقاف: 30.
[ (2) ] الأحقاف: 30.
[ (3) ] الرحمن: 33.
(9/73)
وقال أبو حنيفة [رحمه اللَّه] : ليس لمؤمن
الجن ثواب إلا النجاة من النار، لقوله تعالى: وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ
أَلِيمٍ [ (1) ] . وقال الحسن: ثوابهم أن يجاروا من النار، يقال لهم: كونوا
ترابا مثل البهائم. وقال مالك وابن أبى ليلى: إن كان عليهم العقاب في
الإساءة، وجب أن يكون لهم الثواب في الإحسان مثل الإنس. وقال جويبر عن
الضحاك: الجن يدخلون الجنة، ويأكلون، ويشربون.
وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ [ (2)
] أي لا يعجز اللَّه في الأرض ولن يعجزه هربا، وليس له من دونه أولياء، أي
أنصار يمنعونه من عذاب اللَّه أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، أي الذين لا
يجيبون الرسل.
وقال تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ
فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ
فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً* وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ
رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً* وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ
سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ
الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً* وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ
الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً*
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً*
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً
وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ
يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً* وَأَنَّا لا نَدْرِي
أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ
رَشَداً* وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا
طَرائِقَ قِدَداً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي
الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً* وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى
آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً*
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ
فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً* وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا
لِجَهَنَّمَ حَطَباً
[ (3) ] .
أي قل يا محمد لأمتك: أوحى إلى على لسان جبريل، أنه استمع إليك نفر من
الجن، ولم يكن صلّى اللَّه عليه وسلّم عالما به قبل أن يوحى إليه.
__________
[ (1) ] الأحقاف: 31.
[ (2) ] الأحقاف: 32.
[ (3) ] الجن: 1- 15.
(9/74)
قال ابن عباس وغيره: وظاهر القرآن يدل على
أنه يراهم، [لقوله] اسْتَمِعْ، ولقوله: يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ: وقال
عكرمة:
السورة التي كان يقرؤها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ
ما لَمْ يَعْلَمْ* كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ
اسْتَغْنى * إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى *
عَبْداً إِذا صَلَّى* أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى * أَوْ أَمَرَ
بِالتَّقْوى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ
بِأَنَّ اللَّهَ يَرى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً
بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ* فَلْيَدْعُ نادِيَهُ*
سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ* كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [ (1) ]
.
وقد خرج البخاري ومسلم، من حديث [أبى] عوانه، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: ما قرأ رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم على الجن ولا أراهم، انطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين
خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا
شيئا حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم
وبين خبر السماء.
فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر
السماء وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء
حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين
خبر السماء، فانصرف أولئك [النفر] الذين توجهوا إلى نحو تهامة، إلى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ، وهو يصلى
بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا واللَّه
الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم قالوا: إِنَّا
سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ
نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً، فأنزل اللَّه
__________
[ (1) ] العلق: 1- 19.
(9/75)
عز وجل على نبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ
أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [ (1) ] وإنما أوحى إليه قول الجن
[ (2) ] .
قال البيهقي: وهذا الّذي حكاه عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنهما، إنما [هو] أول ما سمعت الجن قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم وعلمت بحاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم كما حكاه، ثم
أتاه داعي الجن مرة أخرى، فذهب معه، وقرأ عليهم القرآن، كما حكاه عبد
اللَّه بن مسعود، ورأى آثارهم وآثار نيرانهم، وعبد اللَّه بن مسعود رضى
اللَّه تبارك وتعالى عنه، حفظ القصتين جميعا فرواهما.
أما القصة الأولى: فذكر البيهقي من طريق أبى بكر بن أبى شيبة، حديث سفيان
عن عاصم، عن زر، عن عبد اللَّه قال: [هبطوا] على رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوا قالوا: أنصتوا، قالوا:
صه، وكانوا سبعة، أحدهم زوبعة، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَإِذْ صَرَفْنا
إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا
حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ
مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ
بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يا قَوْمَنا أَجِيبُوا.
__________
[ (1) ] الجن: 1.
[ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 321، كتاب الأذان، باب (105) الجهر بقراءة صلاة
الفجر، حديث رقم (773) .
وذكره أيضا في: 8/ 865، كتاب التفسير، باب (1) سورة قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ،
حديث رقم (4921) .
وذكره في مسلم: 4/ 411، كتاب الصلاة، باب (33) في (السنن) ، حديث رقم (149)
.
وذكره الترمذي: 5/ 3980، كتاب تفسير القرآن، باب (69) ومن سورة الجن، حديث
رقم (3323) ، قال أبو عيسى الترمذي: وبهذا الإسناد عن ابن عباس، قال قول
الجن لقومهم:
لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً
[الجن: 19] قال: لما رأوه يصلى وأصحابه يصلون بصلاته فيسجدون بسجوده، قال:
فعجبوا من طواعية أصحابه له، قالوا لقومهم:
لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
(9/76)
داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ
لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لا
يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ
مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (1) ] .
وخرجه الحاكم وصححه، وذكر ما خرجه البخاري ومسلم، من حديث أبى قدامة، عبيد
اللَّه بن سعيد قال: حدثنا أبو أسامة عن مسعر، عن معن، قال: سمعت أبى قال:
سألت مسروقا: من آذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجن ليلة
استمعوا القرآن؟ قال: حدثني أبوك- يعنى عبد اللَّه- أنه آذنت به الشجرة،
ذكره البخاري في كتاب المبعث، وذكره مسلم في كتاب الصلاة، ولفظه: حدثني
أبوك- يعنى ابن مسعود- أنه آذنته بهم شجرة [ (2) ] . قال البيهقي:
وأما القصة الأخرى: فذكر حديث مسلم من طريق عامر الشعبي، قال: سألت علقمة:
هل كان ابن مسعود شهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن؟
فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم ذات ليلة، ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب،
فقلنا: استطير [ (3) ] أو اغتيل [ (4) ] ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم،
فلما أصبحنا، إذ هو جاء من قبل حراء، [قال] : فقلنا: يا رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم،
فقال:
أتانى داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، قال: فانطلق بنا، فأرانا
آثارهم، وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم اللَّه عليه
يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم، فقال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلا تستنجوا بهما، فإنّهما طعام إخوانكم [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 228، باب ذكر إسلام الجن وما ظهر في ذلك من
آيات المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، والآيات: 29- 32، من سورة الأحقاف.
[ (2) ] سبق تخريج أحاديث البخاري ومسلم والترمذي.
[ (3) ] استطير: طارت به الجن.
[ (4) ] اغتيل: قتل سرا.
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 228- 229، واللفظ لمسلم كما قال.
(9/77)
وفي لفظ له قال: قال الشعبي: وسألوه الزاد
وكان من جن الجزيرة- إلى آخر الحديث، من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد
اللَّه. وقد خرجه الترمذي من طريق الشعبي.
قال البيهقي: والأحاديث الصحاح، تدل على أن عبد اللَّه بن مسعود لم يكن مع
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن، وإنما كان معه حين انطلق به
وبغيره، يريهم آثار الجن وآثار نيرانهم.
وقد خرج مسلم من حديث أبى معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال:
لم أكن ليلة الجن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ووددت أنى كنت
معه.
ذكره في كتاب الصلاة [ (1) ] .
قال البيهقي: وقد روى من أوجه أخر، أنه كان معه ليلتئذ، فذكر من طريق الليث
بن سعد قال: حدثني يونس بن زيد، عن ابن شهاب قال:
أخبرنى أبو عثمان بن سنة الخزاعي- وكان رجلا من أهل الشام- أنه سمع عبد
اللَّه ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: إن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم قال لأصحابه وهو بمكة: من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر
الجن فليفعل، فلم يحضر منهم أحد غيري، فانطلقنا، حتى إذا [كنا] بأعلى مكة،
خط لي برجله خطا، ثم أمرنى أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى قام، فافتتح القرآن،
فغشيته، أسودة كثيرة، حالت بيني وبينه، حتى ما أسمع صوته، ثم انطلقوا
وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين، حتى بقي منهم رهط، وفرغ رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم مع الفجر، فانطلق فبرز، ثم أتانى فقال: ما فعل
الرهط؟
فقلت: هم أولئك يا رسول اللَّه
فأخذ عظما وروثا، فأعطاهم إياه زادا، ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو بروث [
(2) ] .
قال البيهقي: يحتمل قوله في الحديث الصحيح، ما صحبه منا أحد، أراد به في
حال ذهابه لقراءة القرآن عليهم، إلا أنه ما روى في هذا الحديث، من إعلام
أصحابه بخروجه إليهم، يخالف ما روى في الحديث الصحيح من
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 415، كتاب الصلاة، باب (33) الجهر
بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، حديث رقم (125) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 230.
(9/78)
فقدانهم إياه، حتى قيل: اغتيل، استطير، إلا
أن يكون المراد بمن فقده غير، الّذي علم بخروجه [ (1) ] .
وذكر البيهقي أيضا: من طريق موسى بن على بن رباح، عن أبيه، عن عبد اللَّه
بن مسعود قال: استتبعني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن نفرا
من الجن خمسة عشر، بنى إخوة، وبنى عم، يأتوننى الليلة، فأقرأ عليهم القرآن،
فانطلقت معه إلى المكان الّذي أراد، فخط خطا وأجلسنى فيه، وقال لي: لا تخرج
من هذا، فبت فيه، حتى أتانى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع السحر،
في يده عظم حائل، وروثة، وحممة، فقال لي: إذا ذهبت إلى الخلاء فلا [تستنج]
بشيء من هؤلاء،
قال: فلما أصبحت قلت: لأعلمن حيث كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
قال:
فذهبت فرأيت موضع مبرك ستين بعيرا [ (1) ] .
وذكر أيضا من طريق يزيد بن هارون، قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبى عثمان
النهدي، أن ابن مسعود أبصر زطا في بعض الطريق، فقال:
ما هؤلاء؟ فقالوا: هؤلاء الزط، قال: ما رأيت شبههم إلا الجن ليلة الجن،
وكانوا مستنفرين يتبع بعضهم بعضا [ (1) ] .
ومن طريق أبى الجوزاء، عن عبد اللَّه [بن مسعود] قال: انطلقت مع رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن حتى إذا أتى الحجون، فخط لي خطا
ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه، فقال سيد لهم يقال له: وردان: إني أنا أرحلهم
عنك، فقال:
إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ [ (2) ] .
ومن طريق المسعودي، عن قتادة، عن أبى المليح الهذلي، أنه كتب إلى أبى عبيدة
بن عبد اللَّه بن مسعود: أين قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على
الجن؟
فكتب إليه أنه قرأ عليهم بشعب يقال له: الحجون [ (3) ] .
وخرج البخاري من حديث يحيى بن سعيد، قال: أخبرنى جدي عن أبى هريرة رضى
اللَّه تبارك وتعالى عنه: أنه كان يحمل مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 229- 230 مختصرا.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 231، 232، باب إسلام الجن وما ظهر في ذلك من
آيات المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، والآية رقم: 22، من سورة الجن.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 232- 233.
(9/79)
إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها
فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة. فقال: ابغني حجارا استنفض بها، ولا
تأتنى بعظم ولا بروثة.
فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا
فرغ مشيت معه فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه
أتانى وفد جن نصبين- ونعم الجن- فسألوني الزاد، فدعوت اللَّه لهم أن لا
يمروا بعظم ولا بروثة إلى وجدوا عليها طعما. [حديث رقم:
(3860) ، باب ذكر الجن من كتاب مناقب الأنصار] .
وخرج الترمذي من حديث زهير بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد
اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم [على] أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها،
فسكتوا، فقال: قرأتها على الجن ليلة الجن، وكانوا أحسن مردودا منكم، كنت
كلما أتيت على قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا:
لا بشيء من [نعمك] ربنا نكذب، فلك الحمد، قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا
نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد.
قال ابن حنبل: كان زهير بن محمد هو الّذي وقع بالشام ليس هو الّذي يروى عنه
بالعراق، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه، يعنى لما يروون عنه من المناكير. وسمعت
محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير،
وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة [ (1) ] .
قلت: وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة، ففي بعضها لما قرأ رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم الرحمن على الناس سكتوا، فلم يقولوا شيئا، فقال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: للجن كانوا أحسن جوابا منكم، لما قرأت
عليهم: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا: لا بشيء من آلائك
ربنا نكذب [ (2) ] .
وفي بعضها قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سورة الرحمن حتى ختمها،
ثم قال: ما لي أراكم سكوتا، للجن كانوا أحسن منكم ردا، لما قرأت عليهم هذه
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 372، 373، كتاب تفسير القرآن، باب (55) ، حديث
رقم (3291) .
[ (2) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 289، مقدمة تفسير سورة الرحمن.
(9/80)
الآية من مرة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ إلا أن قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب [فلك الحمد] .
[وخرج الحاكم من حديث مسلم [ (1) ] بن قتيبة، قال: حدثني [عمرو بن سنان،
حدثني] [ (2) ] سلام أبو عيسى، حدثنا صفوان بن المعطل السلمي قال:
خرجنا حجاجا فلما كنا بالعرج، إذ نحن بحية تضطرب، فلم تلبث أن ماتت، فأخرج
رجل منا خرقة من عيبة [ (3) ] له، فلفها فيها وغيبها في الأرض فدفنها، ثم
قدمنا مكة فأتينا إلى المسجد الحرام، إذ وقف علينا شخص فقال: أيكم صاحب
عمرو بن جابر؟ فقلنا: ما نعرف عمرو بن جابر، قال: أيكم صاحب الجان؟ قالوا:
هذا، قال: [جزاك اللَّه خيرا] أما أنه [قد كان آخر التسعة موتا، الذين أتوا
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستمعون القرآن] .
وأما الصحابة رضوان اللَّه عليهم
قال ابن سيده: صحبه صحبة، وصاحبه عاشره، والصاحب المعاشر، قال: والجمع
أصحاب، وأصاحيب، وصحبان، وصحاب، وصحابة، وأكثر الناس على الكسر دون الهاء،
وعلى الفتح معها، قال: فأما الصحبة والصحب، فاسمان للجمع، قالوا: وقال في
النساء: هن صواحب يوسف، وصواحبات يوسف [ (4) ] . انتهى. وفي (النهاية) لابن
الأثير: الصحابة بالفتح، جمع صاحب ولم يجمع فاعلة على فعال إلا هنا [ (5) ]
.
__________
[ (1) ] في (المستدرك) : «سالم بن قتيبة» .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (3) ] في (المستدرك) : «عيبته له»
[ (4) ] (لسان العرب) : 1/ 520.
[ (5) ] قال الإمام العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور
الإفريقي المصري: صحبه يصحبه صحبة بالضم وصحابة، بالفتح، وصاحبه: عاشره،
والصحب: جمع الصاحب مثل راكب وركب. والأصحاب: جماعة الصحب، مثل فرخ وأفراخ،
والصاحب المعاشر، لا يتعدى تعدى الفعل، أعنى أنك لا تقول: زيد صاحب عمرا،
لأنهم إنما استعملوه استعمال الأسماء. -
(9/81)
واعلم ان الصاحب اسم شريف، والصحبة خطة
رفيعة، سمى اللَّه تعالى بها نفسه على لسان نبيه فقال: اللَّهمّ أنت الصاحب
في السفر [ (1) ] .
وسمى اللَّه سبحانه بها رسوله، فقال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى
[ (2) ] [ (3) ] يعنى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم أفضل الأصحاب، وخير من صحب، وأصحابه خير أمة أخرجت
للناس: وأصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجملة على قسمين:
قسم يقال لهم المهاجرون، وقسم يقال لهم: الأنصار، وقسمان: السابقون
الأولون، والتابعون لهم بإحسان.
فالمهاجرون أقسام: الذين أسلموا قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم دار الأرقم وفي دار الأرقم، والذين أسلموا بعد ذلك، والذين عذبوا في
اللَّه، والذين هاجروا إلى الحبشة.
ومن جهة أخرى، الصحابة قسمان: من أسلم قبل الفتح، ومن أسلم بعد الفتح، ومن
شهد بدرا، وبيعة الرضوان، ومن لم يشهدهما، ثم الذين أسلموا بعد الفتح، منهم
الطلقاء، ومنهم المؤلفة [قلوبهم] ، ومنهم الوفود.
وقد قال الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ- رحمه اللَّه-:
توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون ستون ألفا، ثلاثون ألف
بالمدينة، وثلاثون ألفا في غيرها.
وقال الحافظ أبو زرعة، عبيد اللَّه بن عبد الكريم الرازيّ- رحمه اللَّه-:
توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد رآه وسمع منه زيادة عن مائة
ألف.
وقال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابورىّ، روى
عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعة آلاف صحابى.
__________
[ () ] وقال الجوهري: الصحابة بالفتح الأصحاب، وهو في الأصل مصدر، وجمع
الأصحاب الأصاحيب، ويقال صاحب وأصحاب، كما يقال: شاهد وأشهاد، وناصر وأنصار
(لسان العرب) :
1/ 519، 520 مختصرا.
[ (1) ] (النهاية) : 3/ 12.
[ (2) ] سبق تخريجه في أذكار السفر.
[ (3) ] النجم: 2.
(9/82)
قال كاتبه [عفى اللَّه عنه] : قد أفرد
النقلة أسماء الصحابة رضى اللَّه عنهم، في مصنفات على حدة، كأبى عبد اللَّه
محمد بن إسماعيل البخاري، في أول (تاريخه الكبير) ، وأبى بكر أحمد بن أبى
خيثمة زهير بن حرب، والحافظ أبى عبد اللَّه محمد ابن إسحاق بن يسار،
والحافظ أبى نعيم أحمد الأصفهاني، والحافظ أبى عمر يوسف بن عبد اللَّه بن
عبد البر، والعلامة عز الدين أبى الحسن على بن محمد بن الأثير، وغيرهم، وقد
أفرد الفقيه الحافظ أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم أسماءهم في جزء،
جمعه من كتاب الإمام بقي بن مخلد، وذكر ما روى كل واحد منهم من الأحاديث
[هو كتاب (أسماء الصحابة الرواة ومروياتهم) ، وقابله مع كتاب (تلقيح فهوم
أهل الأثر) لابن الجوزي] [ (1) ] .
[قال ابن سعد [ (2) ] : قال محمد بن عمر الأسلمي وغيره: إنما قلّت الرواية
عن الأكابر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنهم هلكوا قبل
أن يحتاج إليهم، وإنما كثرت عن عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنهما، لأنهما [أفتيا] وقضيا بين الناس، وكل أصحاب رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانوا أئمة يقتدى بهم، ويحفظ عنهم، ويستفتون
فيفتون، وسمعوا أحاديث فأدوها] .
[وكان الأكابر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أقل حديثا من
غيرهم، مثل أبى بكر، وعثمان، وطلحة، والزبير وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن
بن عوف، وأبى عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبى بن كعب،
وسعد بن عبادة، وعبادة بن الصامت، وأسيد بن حضير، ومعاذ بن جبل، ونظرائهم،
[لم] يأت عنهم من كثرة الحديث مثل ما جاء عن الأحداث من أصحاب رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم، مثل جابر بن عبد اللَّه، وأبى سعيد الخدريّ وأبى
هريرة، وعبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه
__________
[ (1) ] زيادة للبيان.
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 334 وما بعدها، ذكر من كان يفتى بالمدينة
ويقتدى به من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، على عهد رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبعد ذلك وإلى من انتهى علمهم 2/ 350 وما
بعدها، باب أهل العلم والفتوى من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
وما بين الحاصرتين سقط في (ج) ، واستدركناه من (خ) .
(9/83)
ابن عمرو بن العاص، وعبد اللَّه بن عباس،
ورافع بن خديج وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، ونظرائهم كل [واحد] من
هؤلاء، كان يعد من فقهاء أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانوا
يلزمون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع غيرهم من نظرائهم وأحدث
منهم، مثل: عقبة بن عامر الجهنيّ، وزيد بن خالد الجهنيّ، وعمران بن الحصين،
والنعمان بن بشير، ومعاوية بن أبى سفيان، وسهل بن سعيد الساعدي، وعبد
اللَّه بن يزيد الخطميّ، ومسلمة بن مخلد الزرقيّ، وربيعة بن كعب الأسدي،
وهند وأسماء ابني حارثة الأسلميين، وكانا يخدمان رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم ويلزمانه] [ (1) ] .
[فكان أكثر الرواية والعلم في هؤلاء ونظرائهم، من أصحاب رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم، لأنهم بقوا وطالت أعمارهم، فاحتاج الناس إليهم، ورضى
كثير من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبله وبعده بعلمهم، لم
يؤثر عنه شيء، ولم يحتج إليه، لكثرة أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم] .
[وقد شهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تبوكا- وهي آخر غزوة
غزاها- من المسلمين ثلاثون ألف رجل، وذلك سوى من قد أسلم وأقام من بلاده
وموضعه لم يغزو، فكانوا عندنا أكثر مما غزا معه تبوكا، قال: فمنهم من حفظ
عنه ما حدث به عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن أفتى برأيه،
ومنهم من لم يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا، ولعله أكثر
له صحبة ومجالسة وسماعا، من الّذي حدث عنه] .
[ولكنا حملنا الأمر في ذلكم منهم على التوقي في الحديث، أو على أنه لم يحتج
إليه لكثرة أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلى الاشتغال
بالعبادة، والأسفار في الجهاد في سبيل اللَّه حتى مضوا، ولم يحفظ عنهم عن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا، وليس كلهم كان يلزم رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمنهم من أقام وقومه، وشهد معه المشاهد كلها، وإن
منهم من قدم عليه فرآه، ثم انصرف إلى بلاد قومه، ومنهم كان يقدم عليه
الفينة بعد الفينة من منزله بالحجاز وغير ذلك] .
[وخرج ابن عساكر من طريق ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، [عن الزهري] عن
عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
__________
[ (1) ] انظر التعليق السابق.
(9/84)
احفظوني في أصحابى، فمن حفظنى في أصحابى
رافقني على حوضي، ومن لم يحفظني فيهم لم يرد على حوضي، ولم يرنى إلا من
بعيد] .
[وعن سفيان الثوري في قوله تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى
عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [ (1) ] قال: هم أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه
وسلّم] [ (2) ] .
أما المهاجرون
قال ابن سيده: الهجرة، الخروج من أرض الى أرض. وهاجر، خرج من أرض إلى أخرى.
وهاجر أرضه وقومه، باعدهم. أما المهاجرون الذين ذهبوا مع رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم، مشتق منه. وقد أثنى اللَّه [تعالى] في القرآن على
المهاجرين:
فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ [ (3) ] .
وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ
حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [ (4) ] .
وقال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ
وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ* يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ
وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ* خالِدِينَ فِيها
أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 11/ 539، حديث رقم (32526) ، وعزاه إلى ابن عساكر
وقال وورد عن ابن عمر وسنده حسن.
[ (2) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 381.
[ (3) ] البقرة: 218.
[ (4) ] الأنفال: 74.
[ (5) ] التوبة: 20- 22.
(9/85)
وقال تعالى: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا
مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ [ (1) ] .
وذكر سنيد قال: حدثنا حجاج عن شعبة، عن عمر بن مرثد، عن أبى البختري، عن
أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما نزلت: إِذا جاءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (2) ] قرأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم حتى ختمها، وقال الناس خير، وقال: وأنا وأصحابى خير، وقال: لا هجرة
بعد الفتح، ولكن جهاد ونية،
فقال له مروان بن الحكم: كذبت، وعنده زيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وهما
قاعدان معه على السرير- فقال أبو سعيد: لو [شاء هذان] لحدثاك ولكن هذا يخاف
أن تنزعه عن عرافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة، فرفع مروان عليه
ليضربه، فلما رأيا ذلك قالا:
صدق [ (3) ]
وخرج قاسم بن أصبغ، من حديث عبد الوارث قال: حدثنا بهز بن حكيم بن معاوية
القشيري، عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
يقول: ألا إنكم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على اللَّه [ (4) ] .
ولأحمد بن حنبل من حديث سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه
تبارك وتعالى [عنهما] ، في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ قال: [هم الذين هاجروا مع محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى
المدينة قال أبو نعيم: مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] .
__________
[ (1) ] الحشر: 8.
[ (2) ] النصر: 1.
[ (3) ]
(تفسير ابن كثير) : 4/ 601 وعزاه للمسند وقال ابن كثير: تفرد به أحمد،
الّذي أنكره مروان على أبى سعيد ليس بمنكر فتقدم من رواية ابن عباس أن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوم الفتح: لا هجرة ولكن جهاد ونية ولكن
إذا استنفرتم فانفروا. أخرجه البخاري ومسلم.
[ (4) ] (مسند أحمد) : 5/ 623، حديث رقم (19525) ، عن بهز بن حكيم، عن أبيه
عن جده.
[ (5) ] (مسند أحمد) : 1/ 450، حديث رقم (2459) وما بين الحاصرتين زيادة من
(المسند) .
(9/86)
ذكر هجرة الذين هاجروا مع رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة
قال ابن عبد البر: وأكثر الرواة عن سماك يقولون: أنهم الذين هاجروا من مكة
الى المدينة، والمعنى واحد، لأنهم هاجروا بأمره، وإن لم يكونوا هاجروا معه
في سفر واحد، وإنما أشار عليهم ابن عباس بالذكر، لأنهم الذين قاتلوا من
خالفهم على الدين حتى وصلوا إليه، ولذلك قال أبو هريرة، ومجاهد والحسن،
وعكرمة، خير الناس الذين يقاتلونهم حتى يدخلوهم في الدين طوعا وكرها، وإذا
كان ذلك كذلك، فمعلوم أن المهاجرين الأولين والأنصار في ذلك سواء.
وذكر محمد بن إسحاق السراج في (تاريخه) قال: حدثنا أبو كريب، حدثنا محمد بن
عبيد، وأبو أسامة، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن عامر الشعبي قال: المهاجرون
الأولون، هم الذين بايعوا بيعة الرضوان.
قال: وحدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبى، عن أبى هلال عن قتادة قال: قلت
لسعيد بن المسيب لم سموا المهاجرين الأولين؟ قال: من صلّى مع رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلتين جميعا، فهو من المهاجرين الأولين [ (1) ]
.
قال [أبو] عمر: قول الشعبي وسعيد بن المسيب يعطى أن معنى قولهم: المهاجرين
الأولين كمعنى قول اللَّه تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ
الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ [ (2) ] لأنهم صلوا القبلتين جميعا، وبايعوا
بيعة الرضوان.
وخرج قاسم بن أصبغ، من حديث أبى حازم: عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قال: خير الناس
الذين يجيئون بهم في السلاسل يدخلون في الإسلام.
وعن مجاهد أنه قال: كانوا خير الناس على الشرط الّذي ذكره اللَّه تعالى:
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ [ (3) ] .
وجاء عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال:
من سره أن يكون من تلك الأمم، فليؤد شرط اللَّه فيها.
__________
[ (1) ] (تفسير ابن كثير) : 2/ 398.
[ (2) ] التوبة: 100.
[ (3) ] آل عمران: 109.
(9/87)
وقال هيثم: حدثنا منصور عن الحسن، قال فرق
بين المهاجرين الأولين وسائر المهاجرين، فتح مكة.
وأما السابقون الأولون
فقد أثنى اللَّه [تعالى] عليهم بقوله [تعالى] : وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها
أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ (1) ] .
__________
[ (1) ] التوبة: 100، قال الحافظ الذهبي في (سير الأعلام) : السابقون
الأولون هم: خديجة بنت خويلد، على بن أبى طالب، أبو بكر الصديق، زيد بن
حارثة النبوي، ثم عثمان، والزبير، وسعد بن أبى وقاص، وطلحة بن عبيد اللَّه،
وعبد الرحمن بن عوف، ثم أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة بن عبد الأسد،
والأرقم بن أبى الأرقم بن أسد بن عبد اللَّه بن عمر، المخزوميان، وعثمان بن
مظعون الجمحيّ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب المطلبي، وسعيد بن زيد بن عمرو
بن نفيل العدوي، وأسماء بنت الصديق، وخباب بن الأرت الخزاعي، حليف بنى
زهرة، وعمير بن أبى وقاص، أخو سعد، وعبد اللَّه بن مسعود الهذلي، من حلفاء
بنى زهرة، ومسعود بن ربيعة القارئ من البدريين، وسليط بن عمرو بن عبد شمس
العامرىّ، وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة المخزوميّ، وامرأته أسماء بنت
سلامة التميمة، وخنيس بن حذافة السهمىّ، وعامر بن ربيعة العنزىّ، حليف آل
الخطاب، وعبد اللَّه بن جحش ابن رئاب الأسديّ، حليف بنى أمية، وجعفر بن أبى
طالب الهاشميّ، وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث الجمحيّ، وامرأته
فاطمة بنت المجلل العامرية، وأخوه خطاب، وامرأته فكيهة بنت يسار، وأخوهما
معمر ابن الحارث، والسائب ولد عثمان بن مظعون، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف
الزهرىّ، وامرأته رملة بنت أبى عوف السهمية، والنحام نعيم بن عبد اللَّه
العدوىّ، وعامر بن فهيرة، مولى الصديق، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية،
وامرأته أميمة بنت خلف الخزاعية، وحاطب بن عمرو العامرىّ، وأبو حذيفة بن
عتبة بن ربيعة العبشمىّ، وواقد بن عبد اللَّه بن عبد مناف التميميّ
اليربوعىّ، حليف بنى عدىّ، وخالد، وعامر، وعاقل، وإياس، بنو البكير بن عبد
يا ليل الليثىّ، حلفاء بنى عدىّ، وعمار بن ياسر بن عامر العنسيّ بنون، حليف
بنى مخزوم، وصهيب بن سنان بن مالك النمرىّ، الرومىّ
(9/88)
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه:
حدثنا هيثم، [قال] : حدثنا أشعب [قال] : أخبرنا إسرائيل عن ابن سيرين، في
قوله عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ قال: هم الذين صلوا القبلتين،
وهو قول محمد بن الحنفية، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين، وحدثنا هيثم عن
إسماعيل ومطرف، عن الشعبي، قال: هم الذين بايعوا بيعة الرضوان.
وقال أبو الزبير: عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاء عبد لحاطب
بن أبى بلتعه، يشتكي سيده، فقال: [يا] رسول اللَّه- ليدخلن حاطب النار!
فقال له: كذبت، لا يدخلها أحد شهد بدرا والحديبيّة [ (1) ] ، وقال تعالى:
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ [ (2) ] ، ومن رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه لم يسخط عليه أبدا.
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: كنا بالحديبية
أربعة عشر مائة، فبايعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعمر بن
الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة
[فبايعناه] ، غير الجد ابن قيس اختبأ تحت بطن [بعيره] [ (3) ] .
وخرج الحارث بن أبى أسامة، من حديث الليث بن سعد، عن أبى الزبير، عن جابر،
عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يدخل النار أحد ممن بايع
تحت الشجرة.
__________
[ () ] المنشأ وولاؤه لعبد اللَّه بن جدعان، وأبو ذر جندب بن جنادة
الغفاريّ، وأبو نجيح عمرو بن عبسة السلمىّ البجليّ، لكنهما رجعا إلى
بلادهما.
فهؤلاء الخمسون من السابقين الأولين. وبعدهم أسلم: أسد اللَّه حمزة بن عبد
المطلب، والفاروق عمر بن الخطاب، عز الدين، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم
أجمعين.
[ (1) ] المستدرك: 3/ 340، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (5308) ، وقال:
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
على شرط مسلم.
[ (2) ] الفتح: 18.
[ (3) ] (تفسير التحرير والتنوير) : 26/ 174.
(9/89)
وخرج الإمام أحمد من حديث سفيان، عن عمرو،
قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: كنا يوم
الحديبيّة ألف و [أربعمائة] ، فقال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم: أنتم اليوم خير أهل الأرض [ (1) ] .
وخرج البخاري من حديث شعبة، عن الأعمش، قال سمعت ذكوان يحدث عن أبى سعيد
الخدريّ، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم يقول: لا تسبوا أصحابى، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ
مد أحدهم ولا نصيفه [ (2) ] . وخرجه أبو داود أيضا [ (3) ] .
وقال محمد بن كعب القرظي، وعطاء بن يسار، في قوله [تعالى] :
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، قالا:
أهل بدر.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 323، حديث رقم (14409) بسياقة أتم.
[ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 562، كتاب المغازي، باب (36) من باب غزوة
الحديبيّة، حديث رقم (4145) ، (مسند أحمد) : 4/ 245، حديث رقم (13901) ،
(دلائل البيهقي) : 5/ 235 وفي رواية مسلم: لا تسبوا أحدا من أصحابى، وأخرجه
البخاري أيضا في فضائل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب
تحريم سب الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
[ (3) ] أخرجه أبو داود في (السنن) ، باب النهى عن سب أصحاب رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4658) ، وأخرجه الترمذي في المناقب، باب
فيمن سب أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3860) .
والمد: ربع الصاع، والنصيف: نصف المد، والتقدير، ما بلغ هذا القدر اليسير
من فضلهم ولا نصفه. (جامع الأصول) : 8/ 553.
(9/90)
وأما الذين أسلموا إلى أن خرج رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم من دار الأرقم بن أبى الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن
عبد اللَّه ابن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ [ (1) ]
فذكر سعيد بن أبى مريم قال: [حدثني] عطاء بن خالد قال:
حدثني عبد اللَّه بن عثمان بن الأرقم، عن جده الأرقم رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه، وكان بدريا، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في داره
عند الصفا، حتى تكاملوا أربعين رجلا مسلمين، وكان آخرهم إسلاما عمر بن
الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فلما كانوا أربعين رجلا خرجوا.
وقال سيف بن سهل بن يوسف عن أبيه قال: قال عثمان بن مظعون [ (2) ] : أول
وصية أوصانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، مقتل الحارث بن أبى هالة،
ونحن أربعون ليس بمكة أحد على مثل ما نحن عليه، فقال: أوصيكم بتقوى اللَّه،
فإن تقوى اللَّه خير ما عمل به الناس، وخير عاقبة، وبتقوى اللَّه أصيب خير
منازل الدنيا والآخرة، والتقوى رأس كل حكم، وجماع كل أمر، وباب كل خير، وفي
تقوى اللَّه عصمة من كل سوء، ونجاة من كل شبهة، لا ترضون إلا بعمل، ولا
تسخطوا إلا [بعلم، فإن الرضا والسخط يدعوان]
__________
[ (1) ] قال ابن السكن: أمه تماضر بنت حذيم السهمية، ويقال: بنت عبد الحارث
الخزاعية، كان من السابقين الأوليين، قيل: أسلم بعد عشرة، وقال البخاري: له
صحبة، وذكره ابن إسحاق وموسى ابن عقبة فيمن شهد بدرا.
وكانت داره على الصفا، وهي الدار التي كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم يجلس فيها قبل الإسلام، وكان قد حبسها، لكن أجناده بعد ذلك باعوها
لأبى جعفر المنصور. (الإصابة) : 1/ 43- 44 مختصرا.
[ (2) ] هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحيّ، قال
ابن إسحاق: أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب،
الهجرة الأولى في جماعة، فلما بلغهم أن قريشا أسلمت رجعوا.
وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين، وأول من دفن بالبقيع بعد شهوده بدرا
في السنة الثانية من الهجرة. (الإصابة) : 4/ 461- 462- ترجمة رقم (5457)
مختصرا.
(9/91)
إلى العمل، وإن العمل [بالعلم] ليس كالعمل
بالجهل، وقولوا آمنا باللَّه ثم استقيموا، فإن اللَّه [تعالى] إذا أراد
أمرا أصابه، وإذا كره أمرا [أخره] ، ولا تستعجلوا الأقدار فيصرعكم البلاء،
واصبروا يتوكل اللَّه تعالى بحفظكم، ويخلفني فيكم.
وقال الزبير بن بكار: ودار الخيزران، هي دار الأرقم بن عبد مناف [بن أسد بن
عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ] .
وقال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: وكانت خديجة رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنها، أول من آمن باللَّه ورسوله، وصدق بما جاء به.
قال: ثم إن جبريل عليه السّلام، أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
حين افترضت عليه الصلاة، فهمز له بعقبه من ناحية الوادي، فانفجرت له عين من
ماء، فتوضأ جبريل، ومحمد، عليهما السّلام، ثم صلّى ركعتين، وسجد أربع،
سجدات.
ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد أقر اللَّه عينه، وطابت
نفسه، وجاءه ما يحب من اللَّه، فأخذ بيد خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنها، حتى أتى بها العين، فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم ركع ركعتين، وأربع
سجدات، هو وخديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، ثم كان هو وخديجة يصليان
سرا.
قال: ثم إن على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، جاء بعد ذلك بيوم
فوجدهما [يصليان] فقال: ما هذا؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
دين اللَّه الّذي اصطفى لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى اللَّه وحده لا
شريك له، وإلى عبادته، وكفر باللات والعزى، فقال على: هذا أمر لم أسمعه قبل
اليوم، فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب، وكره رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم أن يفشي سره قبل أن يستعلن أمره، قال له: يا على، [إذا] لم تسلم
فأكتم، فمكث على تلك الليلة، ثم إن اللَّه تعالى أودع في قلبه الإسلام،
فأصبح غاديا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاءه فقال له:
تشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له،
(9/92)
وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد
ففعل عليّ،
وأسلم على خوف من أبى طالب وكتم إسلامه [ (1) ] .
وأسلم زيد بن حارثة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (2) ] فمكثا قريبا من
شهر يختلف عليّ إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان مما أنعم
اللَّه على عليّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه كان في حجر رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الإسلام.
قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن أبى الأشعث الكندي، حدثني إسماعيل بن إياس بن
عفيف عن أبيه عن جده عفيف، أنه قال: كنت امرأ تاجرا، فقدمت منى أيام الحج،
وكان العباس [بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه] امرأ تاجرا،
فأتيته أبتاع منه وأبيعه، فبينما نحن [كذلك] إذ خرج رجل من خباء يصلى، فقام
تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلى، وخرج غلام فقام يصلى معه، [فقلت:
يا عباس]-! ما هذا الدين؟
إن هذا الدين ما ندري ما هو؟ فقال: محمد بن عبد اللَّه يزعم أن اللَّه
أرسله، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت
به وهذا الغلام ابن عمه، عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه آمن
به، قال: عفيف: فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت أكون معه ثانيا.
وخرج الإمام أحمد في (المسند) ، من حديث حجاج بن دينار، عن محمد بن ذكوان،
عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم فقلت يا رسول اللَّه، من معك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد
الحديث [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 83- 85 مختصرا.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 2/ 87.
[ (3) ] (مسند أحمد) 5/ 521، 522، حديث رقم (18940) ، وفيه: «حر وعبد: أبو
بكر وبلال» وحديث رقم (18941) وفيه: أن تكون حر وعبد يعنى أبا بكر وبلالا
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما.
(9/93)
و [في] لفظ الحاكم [ (1) ] ، من حديث ابن
وهب، أخبرنى معاوية بن صالح، [قال:] حدثنا أبو يحيى [وضمرة] بن حبيب، وأبو
طلحة، عن أبى أمامه الباهلي قال: حدثني عمرو بن عبسة رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو نازل بعكاظ
فقلت: يا رسول اللَّه! من اتبعك على هذا الأمر؟ [قال] اتبعنى عليه رجلان:
حر وعبد، أبو بكر وبلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما،
قال: فأسلمت عند ذلك [ (2) ] .
قال ابن إسحاق: ثم إن أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، لقي رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد، من تركك
آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا؟ فقال: بلى، إني رسول اللَّه
ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته، وأدعوك إلى اللَّه بالحق، فو اللَّه [إني] للحق
أدعوك يا أبا بكر، إلى اللَّه وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة
على طاعته،
فقرأ عليه القرآن، فلم يقر ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد
وآمن بحق الإسلام، ورجع وهو مؤمن مصدق.
قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن الحصين التميمي،
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا
كانت [فيه] عنده كبوة [ (3) ] ، ونظرة [وتردد] ، إلا ما كان من أبى بكر، ما
عكم عنه حين ذكرته [له] ، وما تردد فيه [ (4) ] .
__________
[ (1) ]
(المستدرك) : 1/ 453، كتاب صلاة التطوع، حديث رقم (1162) ، وفيه: «فقلت يا
رسول اللَّه هل من دعوة أقرب من أخرى، أو ساعة تبقى أو ينبغي ذكرها؟ قال:
«نعم»
إن أقرب ما يكون الرب من العبد جوف الليل الآخر فان استطعت ممن يذكر اللَّه
في هذه الليلة فكن، وقال في آخره:
هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
[ (2) ] (المستدرك) : 3/ 714، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر عمرو بن عبسة
السلمي- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- حديث رقم (6582) ، حيث ذكر له ترجمة
وافية، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (3) ] الكبوة: التأخر وعدم الإجابة.
[ (4) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 91، ذكر من أسلم من الصحابة بدعوة أبى بكر
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، عكم: أي
تردد.
(9/94)
وقال إسرائيل عن أبى إسحاق، عن أبى ميسرة،
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا برز، سمع من يناديه: يا
محمد، فإذا سمع الصوت فانطلق هاربا، فأسر ذلك إلى أبى بكر رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه، وكان نديما له في الجاهلية.
قال يونس بن بكير، عن إسحاق: كان أول من تبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم خديجة بنت خويلد زوجته، ثم كان أول ذكر آمن به على بن أبى طالب رضى
اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، ثم أبو
بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فلما أسلم أبو بكر رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه، أظهر إسلامه، و [دعا] إلى اللَّه ورسوله، وكان أبو بكر
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه رجلا مانعا لقومه، محببا سهلا، وكان أنسب قريش
[لقريش] ، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا، ذا خلق
ومعروف، وكان قومه يأتونه ويألفونه، لغير واحد من الأمر، لعلمه، وتجارته،
وحسن مجالسته، فجعل [يدعو] إلى الإسلام، ممن يثق به من قومه، ممن يغشاه
ويجلس إليه، فأسلم على يديه فيما بلغني:
الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعد، وعبد
الرحمن بن عوف.
فانطلقوا حتى أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومعهم أبو بكر،
فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق الإسلام، وبما [وعدهم]
اللَّه من الكرامة، فآمنوا، وأصبحوا مقرين بحق الإسلام، وكانوا هؤلاء
الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، [دخلوا] وصدقوا رسول اللَّه [صلّى
اللَّه عليه وسلّم] ، وآمنوا بما جاء من عند اللَّه تبارك و [تعالى] .
وخرج البخاري من حديث وبرة [بن عبد الرحمن] ، عن همام قال:
سمعت عمارا يقول: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما معه إلا
خمسة أعبد،
(9/95)
وامرأتان، وأبو بكر [ (1) ] . [وذكر ابن
أبى شيبة أن عمار بن ياسر أول من بنى مسجدا صلّى فيه] [ (2) ] .
وخرج مسلم من حديث شداد بن عمار، ويحيى بن أبى كثير، عن أبى أمامة، عن عمرو
بن عبسة، قال أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أول ما بعث وهو
بمكة، وهو حينئذ مستخفى، فقلت: ما أنت؟ قال: أنا نبي، قلت: وما رسول
اللَّه؟ قال: رسول اللَّه، قلت: آللَّه أرسلك؟ قال: نعم، قلت: بم أرسلك؟
قال بأن تعبد اللَّه، وتكسر الأوثان، وتوصل الأرحام، قال: قلت:
نعم ما أرسلك به، فمن تبعك على هذا؟ قال: حر وعبد، - يعنى أبا بكر وبلال
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: وكان عمرو يقول: لقد رأيتني أنا وربع
أو رابع، قال: فأسلمت، قلت، فأتبعك يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكن ألحق
بقومك، فإذا أخبرت أنى قد خرجت فاتبعنى [ (3) ] .
وخرج البخاري من حديث أبى أسامه [قال] : حدثنا هاشم بن هاشم، عن سعيد بن
المسيب قال: سمعت، سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: ما
أسلم أحد إلا في اليوم الّذي أسلمت فيه، ولكن مكثت سبعة أيام وإني لثلث
الإسلام [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) 7/ 21، كتاب فضائل صحابة رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم، باب (5) ، في قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لو كنت
متخذا خليلا حديث رقم (3757) ، (3758) . وأخرجه أيضا في كتاب مناقب
الأنصار، باب (30) إسلام أبى بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث
رقم (3857) .
[ (2) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 7/ 251، حديث رقم (35772) ولفظه: كان أول من
أفشى القرآن من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن مسعود، وأول من
بنى مسجدا صلّى فيه عمار بن ياسر، وأول من أذن بلال، وأول من رمى بسهم في
سبيل اللَّه سعد بن مالك، وأول من قتل بين المسلمين مهجع، وأول من عدا به
فرسه في سبيل اللَّه المقداد، وأول من أدوا الصدقة من قبل أنفسهم بنو عذرة،
وأول حي التقوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جهينة.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 362- 366 كتاب صلاة المسافرين، باب (52) ،
إسلام عمرو بن عبسة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (832) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 104، كتاب فضائل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم، باب رقم (15) ، في مناقب سعد بن أبى وقاص، حديث رقم (3727) ،
وفي كتاب مناقب الأنصار، باب (31) ، إسلام سعد ابن أبى وقاص رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3858) .
(9/96)
وقال يحيى بن أبى بكير: حدثنا زائدة عن
عاصم، عن زر، عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال:
أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر،
وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم [
(1) ] .
[وللبخاريّ] من حديث سفيان، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس:
سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في مسجد الكوفة، يقول: واللَّه لقد
رأيتني وإن عمر لموثقي وأخته على الإسلام، قبل أن يسلم عمر رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه [ (2) ] .
وخرج أبو داود من حديث عاصم عن زر، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه [قال] : كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبى معيط
بمكة، فأتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وأبو بكر] وقد فرا من
المشركين، فقالا: يا غلام! عندك لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست بساقيكما،
فقالا:
هل عندك من جذعه لم ينز عليها الفحل [بعد] ؟ قلت: نعم، فأتيتهما بها،
فاعتقلها أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأخذ رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم الضرع، فدعا [بعد] فحفل الضرع، وأتاه أبو بكر بصخرة
منقعرة فحلب فيها، ثم شرب هو وأبو بكر، ثم سقاني، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص
فلما كان بعد، أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت، علمني من هذا
القول الطيب- يعنى القرآن
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 677، حديث رقم (3822) من مسند عبد اللَّه بن
مسعود، ولفظه: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب وبلال، والمقداد، فأما رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمنعه اللَّه بعمه أبى طالب، وأما أبو بكر
فمنعه اللَّه بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدرع الحديد،
وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال،
فإنه هانت عليه نفسه في اللَّه، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، وأخذوا
يطوفون به شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد.
[ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 223، كتاب مناقب الأنصار، باب (34) إسلام سعيد
بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3862) ، باب (35) إسلام عمر
بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3867) وكتاب الإكراه،
باب (1) من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، حديث رقم (6942) .
(9/97)
- فقال إنك غلام معلم، فأخذت من فيه سبعين
سورة، ما ينازعني فيها أحد [ (1) ] .
[وفي مصنف [ابن] أبى شيبة، عن القاسم بن عبد الرحمن قال:
كان أول من أفشى القرآن بمكة من فىّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (2) ] .
وقال الواقدي: حدثني جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير، عن محمد ابن عبد
اللَّه بن عمرو بن عثمان قال: كان أول إسلام خالد بن سعيد بن العاصي قديما،
وكان أول إخوته أسلم، وكان [بدؤ] إسلامه أنه رأى في النوم أنه وقف به على
شفير النار، كأن أباه يدفعه منها ويرى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم آخذ بحقويه لا يقع، ففزع من نومه.
فقال: أحلف باللَّه أن هذه لرؤيا حق فلقى أبا بكر بن أبى قحافة، فذكر له
ذلك، فقال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أريد بك خيرا، هذا رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاتبعه، فإنك ستتبعه، وتدخل معه في الإسلام
والإسلام يحجزك أن تدخل فيها، وأبوك واقع فيها.
فلقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأجياد، فقال: يا محمد! إلى ما
تدعو؟ فقال:
أدعو إلى اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وتخلع ما كنت
عليه من عبادة حجر لا يضر ولا ينفع، ولا يدرى من عبده، ممن لم يعبده.
قال خالد: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أنك رسول اللَّه، فسر
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإسلامه، وأرسل إلى من بقي من ولده ممن
لم يسلم ورافعا مولاه فوجده فأتوا به أباه أبا أحيحة فأنبه وبكته وضربه
بصريمة في يده حتى كسرها على رأسه، ثم قال: اتبعت محمدا وأنت ترى خلاف قومه
وما جاء به من عيب آلهتم وعيبه من مضى آبائهم.
فقال خالد: قد صدق واللَّه واتبعته فغضب أبوه أبو أحيحة ونال منه وشتمه، ثم
قال: اذهب يا لكع حيث شئت واللَّه لأمنعك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإن
اللَّه عز وجل يرزقني ما أعيش به فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 2/ 50، حديث رقم (4398) .
[ (2) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 7/ 251، كتاب الأوائل، حديث رقم (35772) .
(9/98)
أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به فانصرف
خالد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان يكرمه ويكون معه [ (1) ]
.
قال ابن إسحاق: ثم انطلق أبو عبيدة بن الحارث [ (2) ] ، وأبو سلمة بن عبد
الأسد- واسمه عبد اللَّه- والأرقم بن أبى الأرقم المخزوميّ، وأبو عبيدة ابن
الجراح، وعثمان بن مظعون الجمحيّ، حتى أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم فأسلموا [ (3) ] .
قال: ثم أسلم أناس من قبائل العرب، منهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أخو
بنى عدي [ (4) ] ، وامرأته فاطمة بنت الخطاب [ (5) ] ، أخت عمر بن الخطاب [
(6) ] ، وأسماء بنت أبى بكر [ (7) ] ، وعائشة بنت أبى بكر [ (8) ] ، وهي
صغيرة، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 277- 278، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر مناقب خالد
بن سعيد بن العاص، حديث رقم (5082) ، وقد حذفه الحافظ الذهبي من (التلخيص)
لضعفه، (الاستيعاب) : 2/ 423- 424، ترجمة رقم (599) وما بين الحاصرتين
تصويب منه.
[ (2) ] هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة
بن كعب بن لؤيّ.
[ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 91، 92.
[ (4) ] هو سعيد بن عمرو بن نفيل العدوىّ أبو الأعور، أحد العشرة، له ترجمة
في (تهذيب التهذيب) :
4/ 30، ترجمة رقم (53) .
[ (5) ] هي فاطمة بنت الخطاب بنت نفيل القرشية العدوية أخت عمر بن الخطاب،
أسلمت قديما هي وزوجها سعيد بن المسيب بن عمرو بن نفيل، لها ترجمة في
(الإصابة) : 8/ 62، رقم (11590) .
[ (6) ] هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بتحتانيتين، ابن
عبد اللَّه بن قرط بن رزاح، بمهملة ومعجمة وآخره مهملة، ابن عدي بن كعب بن
لؤيّ بن غالب القرشيّ العدوىّ أبو حفص أمير المؤمنين، له ترجمة في
(الإصابة) : 4/ 588، رقم (5740) .
[ (7) ] هي أسماء بنت عبد اللَّه بن عثمان التيمية، والدة عبد اللَّه بن
الزبير بن العوام التيمية، وهي بنت أبى بكر الصديق، لها ترجمة في (الإصابة)
: 7/ 468، ترجمة رقم (10798) .
[ (8) ] سبقت لها ترجمة مفصلة في أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم.
(9/99)
وقدامة بن مظعون [ (1) ] ، وعبد اللَّه بن
مظعون [ (2) ] الجمحيان، وخباب بن الأرت [ (3) ] حليف بنى زهرة، وعمير بن
أبى وقاص [ (4) ] ، وعبد اللَّه بن [مسعود] [ (5) ] حليف بنى زهرة [ (6) ]
، ومسعود بن القاري [ (7) ] ، وسليط بن عمرو [ (8) ] ، أخو بنى عامر بن
لؤيّ، وعياش بن أبى ربيعة المخزوميّ [ (9) ] ، وامرأته أسماء بنت سلامة [
(10) ] ، وحنيش بن حذافة السهمىّ [ (11) ] ، وعامر بن ربيعة [ (12) ] ،
حليف بنى عدىّ بن كعب، وعبد اللَّه بن جحش [ (13) ] الأسدي، وأبو أحمد بن
جحش [ (14) ] ، وجعفر بن أبى طالب [ (15) ] ، وامرأته أسماء بنت عميس [
(16) ] ، وحاطب ابن الحارث الجمحيّ [ (17) ] ، وامرأته أسماء بنت المجلل [
(18) ] ، الخطاب بن [ (19) ]
__________
[ (1) ] هو قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي أخو
عثمان بن مظعون يكنى أبا عمرو، أحد السابقين الأولين، هاجر الهجرتين وشهد
بدرا، له ترجمة في (الإصابة) : 5/ 423، ترجمة رقم (7093) .
[ (2) ] ترجمته في (الإصابة) : 4/ 239، وهو شقيق الّذي قبله، ترجمة رقم
(4967) .
[ (3) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 258، ترجمة رقم (2212) .
[ (4) ] لم أجد له ترجمة.
[ (5) ] زيادة للسياق.
[ (6) ] ترجمته في (الإصابة) : 4/ 233، ترجمة رقم (4957) .
[ (7) ] ترجمة في (الإصابة) : 6/ 101، ترجمة رقم (9760) وهو مسعود بن عمرو
القاري، بالتشديد بغير همز من القارة.
[ (8) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 162، ترجمة رقم (3424) .
[ (9) ] ويلقب ذا الراحمين ترجمته في (الإصابة) : 4/ 750، ترجمة رقم
(10795) .
[ (10) ] ترجمتها في (الإصابة) : 7/ 484- 485 ترجمة رقم (10795) .
[ (11) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 345، 2346، ترجمة رقم (2296) .
[ (12) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 2579، ترجمة رقم (3384) .
[ (13) ] ترجمته في (الإصابة) : 4/ 35- 37، ترجمة رقم (4586) .
[ (14) ] اسمه بغير إضافة، وقبل عبد اللَّه ترجمته في (الإصابة) : 7/ 706،
ترجمة رقم (9492) .
[ (15) ] ترجمته في (الإصابة) : 1/ 458، 488، ترجمة رقم (1168) .
[ (16) ] ترجمتها في (الإصابة) : 7/ 489، 491، ترجمة رقم (10803) .
[ (17) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 6، ترجمة رقم (1541) .
[ (18) ] لم أجد لها ترجمة.
[ (19) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 280، ترجمة رقم (2380) .
(9/100)
الحارث [ (1) ] ، وامرأته فكيهة بنت يسار [
(2) ] ، ومعمر بن الحارث بن معمر الجحمي [ (3) ] ، والسائب بن عثمان مظعون
[ (4) ] ، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري [ (5) ] ، وامرأته رملة بنت
أبى عوف بن صبيرة [ (6) ] ، [والنحام] واسمه نعيم ابن عبد اللَّه، أخو بنى
عدىّ بن كعب [ (7) ] ، وعامر بن فهيرة، مولى أبى بكر [ (8) ] ، وخالد بن
سعيد العاصي [ (9) ] ، وامرأته أميمة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة [بن
سبيع بن حليفة بن سعد بن مليح بن عمرو] من خزاعة [ (10) ] ، وحاطب بن عبد
شمس [ (11) ] أخو بنى عامر بن لؤيّ، وأبو حذيفة ابن عتبة بن ربيعة [ (12) ]
وواقد بن عبد اللَّه التميميّ، حليف بن عدىّ بن كعب، خالد بن البكير، وإياس
بن البكير، وعمار بن ياسر حليف بنى مخزوم
__________
[ (1) ] ترجمتها في (الإصابة) : 8/ 267، ترجمة رقم (61631) .
[ (2) ] ترجمته في (الإصابة) : 6/ 186، ترجمة رقم (8151) .
[ (3) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 224، ترجمة رقم (3070) .
[ (4) ] ترجمته في (الإصابة) : 6/ 131، ترجمة رقم (8030) .
[ (5) ] ترجمته في (الإصابة) : 6/ 131، ترجمة رقم (11188) .
[ (6) ] ترجمته في (الإصابة) : 7/ 655، ترجمة رقم (8782) .
[ (7) ] ترجمته في (الاستيعاب) : 2/ 796، 797، ترجمة رقم (1338) .
[ (8) ] (ترجمته في (الإصابة) : 2/ 236، ترجمة رقم (2169) .
[ (9) ] ترجمتها في (الإصابة) : 7/ 527، ترجمة رقم (10906) ، قال الحافظ
(الإصابة) : ذكرها أبو عمر فيمن اسمها أميمة فصحف، وكذا ذكرها ابن مندة،
لكن قال: أميمة بنت خالد فصحف اسم أبيها أيضا. والصواب أمينة بنون بدل
الميم الثانية، وقيل فيها: همينة بهاء بدل الهمزة، وقد مضت على الصواب:
أميمة بنت خالد الخزاعية، كذا سمى ابن مندة أباها. قال ابن الأثير: وهم
فيه، والصواب خلف كما تقدم. انظر أيضا (الاستيعاب) : 4/ 1790- 1791، ترجمة
رقم (3240) .
[ (10) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 26- 27، ترجمة رقم (1543) .
[ (11) ] اسمه مهشم وقيل هشيم ترجمته في (الإصابة) 7/ 87، ترجمة رقم (9748)
.
[ (12) ] ترجمته في (الإصابة) : 6/ 549، ترجمة رقم (9103) .
(9/101)
وصهيب بن سنان، وزاد غيره: وعامر بن
البكير، وغافل بن البكير [ (1) ] ، وإياس بن البكير [ (2) ] وعمار بن ياسر
[ (3) ] حليف بنى مخزوم وصهيب بن سنان [ (4) ] وزاد غيره: وقال ابن إسحاق [
(5) ] : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء، حتى فشا ذكر
الإسلام بمكة، وتحدث به، فلما أسلم هؤلاء وفشا أمرهم، أعظمت ذلك قريش،
وغضبت له، وأظهروا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم البغي والحسد، وشخص
له منهم رجال، فبدءوه وأصحابه بالعداوة، منهم أبو جهل بن هشام، وأبو لهب،
وذكر أسماءهم.
قال: حدثني رجل من أسلم- وكان واعية- أن أبا جهل بن هشام، اعترض رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند الصفا، فآذاه وشتمه، ونال منه ما يكره
من العيب لدينه، فذكر ذلك لحمزة بن عبد المطلب، فأقبل نحوه، حتى إذا قام
على رأسه، رفع القوس فضربه به ضربة، فشجه شجة منكرة، وقامت رجال من قريش من
بنى [المخزوم] إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال ما نراك يا حمزة إلا قد
صبأت، فقال: وما يمنعني وقد استبان لي منه، أنا أشهد أنه رسول اللَّه، وأن
الّذي يقوله حق، فو اللَّه [لا أنزع] ، فامنعوني إن كنتم صادقين.
فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإنّي واللَّه قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا
فلما أسلم حمزة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عرفت قريش أن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم قد عز وامتنع، فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولون به، وذكر
الخبر ثم قال:
وكان حمزة ممن أعز اللَّه الدين به [ (6) ] .
وقال: أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده، قال: قال لنا عمر ابن الخطاب
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أتحبون أن أعلمكم كيف كان إسلامي؟
قلنا: نعم، قال: كنت من أشد الناس على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
فبينا أنا في يوم حار
__________
[ (1) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 227، ترجمة رقم (2150) .
[ (2) ] ترجمته في (الاستيعاب) : 1/ 124، ترجمة رقم (122) .
[ (3) ] ترجمته في (الاستيعاب) : 3/ 1135، ترجمة رقم (1863) .
[ (4) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 449، 452، ترجمة رقم (4108) .
[ (5) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 97، وما بعدها، مباداة رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم قومه وما كان منهم.
[ (6) ] (المرجع السابق) : 128- 129، إسلام حمزة رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنه.
(9/102)
شديد الحر بالهاجرة، في بعض طرق مكة، إذا
لقيني رجل من قريش فقال:
أين تريد يا ابن الخطاب؟ فقلت: أري [كذا وكذا] ، قال عجبا لك يا ابن
الخطاب؟ أنت تزعم أنك كذلك، وقد أدخل عليك الأمر في بيتك قال: قلت:
وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت، قال: فرجعت مغضبا حتى قرعت الباب وكان رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أسلم الرجل والرجلان، ممن لا شيء له،
ضمهما إلى الرجل الّذي في يديه السعة، لأنه من فضل طعامه، وقد كان ضم إلى
زوج أختى رجلين، فلما قرعت البيت، قيل: من هذا؟ قلت: عمر بن الخطاب،
فبادروا فاختفوا منى، وقد كانوا يقرءون في صحيفة بين أيديهم، تركوها أو
دسوها، فقامت أختى تفتح الباب فقلت: يا عدوة نفسها أصبوت؟ وضربتها بشيء في
يدي على رأسها، فسال الدم، فلما رأت الدم بكت وقالت يا ابن الخطاب، ما كنت
فاعلا فافعل، فقد صبوت.
قال: ودخلت حتى جلست على السرير، فنظرت إلى الصحيفة وسط البيت، فقلت: ما
هذا؟ فتناولتها، فإذا فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* فلما
مررت باسم من أسماء اللَّه [ذعرت] منه، فألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي
فتناولتها، فإذا فيها: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* هُوَ الْأَوَّلُ
وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* هُوَ
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ
مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ
أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* لَهُ مُلْكُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ* يُولِجُ
اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ
بِذاتِ الصُّدُورِ فقرأتها حتى بلغت: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [ (1) ] ، فقلت أشهد أن لا
إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فخرجوا متبادرين وكبروا
وقالوا:
أبشر يا ابن الخطاب فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا يوم
الاثنين فقال: اللَّهمّ أعز دينك
__________
[ (1) ] الحديد: 1- 7.
(9/103)
بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل بن هشام
وإما عمر بن الخطاب [ (1) ] ، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم.
فلما عرفوا الصدق منى قالوا: في بيت بأسفل الصفا، فخرجت حتى قرعت البيت
عليهم، فقالوا: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وقد علموا من شدتي على رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما يعلمون بإسلامي- فما اجترأ أحد بفتح
الباب حتى قال: افتح له إن يرد اللَّه به خيرا بهذه، فقال: خلوا عنه، ثم
أخذ بمجامع قميصي، ثم جذبني إليه، ثم قال: أسلم يا ابن الخطاب، اللَّهمّ
اهده.
فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وان محمدا عبده ورسوله، فكبر المسلمون
تكبيرة سمعت بفجاج مكة، وكانوا مستخفين، فلم أشأ أن أرى رجلا يضرب، فيضرب
إلا رأيته، ولا يصيبني من ذلك شيء فخرجت حتى جئت خالي- وكان شريفا- فقرعت
عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب، فخرج إليّ فقلت: قد علمت أنى
صبوت؟ قال: أوقد فعلت؟ قلت نعم، قال: لا تفعل، فقلت: قد فعلت، فدخل وأجاف
الباب دوني.
فقلت: ما هذا شيء فذهبت إلى رجل من عظماء قريش، فناديته، فخرج إلي فقلت:
مثل مقالتي لخالي، وقال مثل ما قال، ودخل وأجاف الباب دوني.
فقلت في نفسي ما هذا شيء إن المسلمين يضربون وأنا لا أضرب، فقال رجل: أتحب
ان يعلم بإسلامك؟ قلت نعم، قال: فإذا جلس الناس في الحجر، فأت فلان- لرجل
لا يكتم السر- فقل له فيما بينك وبينه: إني صبوت فإنه قل ما يكتم السر.
قال: فجئت، وقد اجتمع الناس في الحجر، فقلت فيما بيني وبينه إني قد صبوت،
قال: أو فعلت؟ [قلت] نعم، قال: فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطاب قد صبأ،
فبادروا إليّ أولئك الناس، فما زلت أضربهم ويضربونني، واجتمع على الناس،
قال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: عمر بن الخطاب قد صبأ.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) 2/ 226، حديث رقم (5663) ، (سنن الترمذي) : 5/ 576،
كتاب المناقب، باب (18) في مناقب عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه، حديث رقم (3681) .
(9/104)
فقام على الحجر، وأشار بكمه هكذا، ألا إني
قد أجرت ابن أختى، فتكشّفوا عنى، فكنت لا أشاء أن أرى رجلا من المسلمين
يضرب ويضرب إلا رأيته، فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني، فأتيت خالي فقلت:
جوارك عليك ردّ، فقل ما شئت، فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز اللَّه الإسلام.
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: كان إسلام عمر بن الخطاب بعد خروج من خرج
من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أرض الحبشة، قال.
حدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عامر بن
ربيعة، عن أمه ليلى قالت: كان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه،
من أشد الناس علينا في إسلامنا.
فلما تهيأنا للخروج من أرض الحبشة، جاءني عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه، وأنا على بعير نريد أن نتوجه- فقال: أين تريدين يا أم عبد
اللَّه؟ فقلت: آذيتمونا في ديننا، فنذهب في أرض اللَّه، حيث لا نؤذى في
عبادة اللَّه، فقال صحبكم اللَّه، ثم ذهب فجاء زوجي عامر بن ربيعة، وأخبرته
بما رأيت من رقة عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال [ترحبين]
يسلم؟ فقلت نعم، قال: واللَّه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب وهذا من شدته
على المسلمين، ثم رزقه اللَّه الإسلام.
قال ابن إسحاق: والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلا وإحدى عشر امرأة [ (1) ]
.
وأما المستضعفون الذين عذبوا في اللَّه
فإنّهم كانوا قوما لا عشائر لهم ولا منعة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء
أنصاف النهار ليرجعوا إلى دينهم، وفيهم نزلت: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ
__________
[ (1) ] ذكر البزار في إسلام عمر أنه قال: فلما أخذت الصحيفة فإذا فيها:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فجعلت أفكر: من أي شيء اشتق؟ ثم قرأت
فيها سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وجعلت أفكر وأفكر حتى
بلغت: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن
محمدا عبده ورسوله وذلك إن كانت وردت رواية أن ما في الصحيفة من سورة
الحديد. (سيرة ابن هشام) :
2/ 190.
(9/105)
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
وَما مِنْ [حِسابِكَ] عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ
مِنَ الظَّالِمِينَ [ (1) ] وهم: عمار بن ياسر [ (2) ] بن عامر بن مالك [بن
كنانة بن قيس بن الحصين بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن مالك بن عبس
بن زيد] أحد بنى عبس، أخى مر بن مالك بن أدد بن زيد أبو اليقظان رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه، وأبوه ياسر، وأمه سمية، [بنت سليم من لخم] ، وأخوه عبد
اللَّه ابن ياسر.
قال الواقدي: عن عبد اللَّه بن أبى عبيدة، عن أبيه قال: قال عمار بن ياسر:
لقيت صهيب بن سنان، على باب الأرقم بن أبى الأرقم، والنبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم فيها، فقلت له: ما تريد؟ فقال: ما تريد أنت؟ قلت: أريد [أن] أدخل على
محمد فأسمع كلامه، قال: وأنا أريد ذلك، قال: فدخلنا، فعرض علينا الإسلام،
فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا ذاك، حتى أمسينا، ثم خرجنا مستخفين، فكان إسلام
عمار وصهيب بعد إسلام بضع وثلاثين رجلا.
حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن أبى شيبة أبو بكر، حدثنا جرير بن عبد الحميد
الضبيّ، عن منصور عن مجاهد، فقال: أول من أظهر الإسلام سبعة رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنهم، وسمية أم عمار.
قال: فأما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمنعه عمه، وأما أبو بكر رضى
اللَّه تبارك وتعالى عنه فمنعه قومه، وأما الآخرون فلبسوا الدروع الحديد ثم
صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ، فأعطوهم كل ما سألوا، فجاء
إلى كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فألقوهم فيه ثم حملوا
بجوانبه إلا بلال، فجعلوا في عنقه، ثم أمروا صبيانهم يشتدون به بين أخشبى
مكة وجعل يقول: أحد أحد، وجاء أبو جهل إلى سمية، فطعنها في قبلها، فكانت
أول شهيدة في في الإسلام لأنها أغلظت له في القول فأغضبته، وقيل: أو قتيل
الحارث بن أبى هالة ابن خديجة.
__________
[ (1) ] الأنعام: 52.
[ (2) ] زيادة للنسب.
(9/106)
قال الواقدي: عن عثمان بن محمد، عن الحارث
بن الفضل، عن محمد بن كعب القرظي قال: أخبرنى من رأى عمار بن ياسر متجردا
في سراويل، قال ونظرت إلى ظهره، فإذا فيه خط، قلت: ما هذا قال: هذا مما
كانت قريش تعذبني به في رمضاء مكة.
وحدثني عثمان بن محمد في إسناده قال: كان عمار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه
يعذب حتى لا يدرى ما يقول، وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدرى ما يقول،
وبلال، وعمار، وابن فهيرة، وقوم من المسلمين، وفيهم نزلت: وَالَّذِينَ
هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي
الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا
يَعْلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. [ (1) ]
ويقال نزلت في أبى سلمة بن عبد الأسد وبلال [أول] من أذن في الإسلام،
وعثمان بن مظعون وكانا أول من قدم المدينة.
قال: وحدثنا محمد بن حاتم المروزي، حدثنا هيثم عن حصين، عن أبى مالك في
قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [
(2) ] قال هو عمار.
وحدثنا أبو صالح الفراء الأنطاكي، حدثنا أبو إسحاق الفرازي، عن عبد اللَّه
بن المبارك، عن معمر عن عبد الكريم، عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر
قال: لما أخذ المشركون عمارا فعذبوه، لم يتركوه حتى سب رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم قال: ما وراءك يا عمار؟ [قال] : شر واللَّه، ما تركني المشركون
حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال وكيف تجدك؟ قال: مطمئن بالإيمان، قال:
فإن عادوا فعد، ونزلت فيه: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمانِ.
وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده عن أبى صالح عن أم هانئ أن عمار بن
ياسر، وأباه ياسر، وأخاه عبد اللَّه بن ياسر، وسمية أم عمار كانوا يعذبون
في اللَّه، فمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أصبروا آل
ياسر،
__________
[ (1) ] النحل: 41- 42.
[ (2) ] النحل: 106.
(9/107)
فإن موعدكم الجنة، فمات ياسر في العذاب،
وأغلظت سمية لأبى جهل، فطعنها في قبلها فماتت، وزمن عبد اللَّه فسقط.
وخباب بن الأرت [ (1) ] بن جندلة بن سعد بن خزيمة من بنى سعد بن زيد مناة
بن تميم [حليف بنى زهرة ويقال: إنه من البحرين فأنبط، وأنه أسود ويقال هو
خباب بن الأرت بن حدار بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد] ، وقع عليه رسا فصار
إلى أم أنمار فأعتقته، وكان به رنة إذا تكلم فسمى الأرت، وكان قينا بمكة،
فأسلم سادس ستة من بنى مظعون، وأبى سلمة، وجماعة قبل دخول رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم دار الأرقم، فعذب في اللَّه، وجعلوا يلصقون ظهره بالأرض
على الرضف، حتى ذهب ماء متنه.
وقال مجاهد عن الشعبي، دخل خباب بن الأرت على عمر بن الخطاب رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه، فأجلسه على متكأة، وقال: [ما على الأرض] أحد أحق بهذا
المجلس منك، إلا رجل واحد، فقال: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال بلال، قال:
ما هو بحق منى، إن بلالا كان له من المشركين من يمنعه اللَّه به، ولم يكن
لي أحد، لقد رأيتني يوما وقد أوقدوا لي نارا، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل
رجله على صدري، فما اتقيت الأرض إلا بظهرى، ثم كشف خباب عن ظهره، فإذا هو
قد برص.
وقال هشام بن الكلبي، عن أبى صالح: كان خبابا قينا، وكان قد أسلم، فكان
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يألفه ويأتيه، فأخبرت بذلك مولاته،
فكانت تأخذ الحديدة قد أحمتها، فتضعها على رأسه، فشكى ذلك إلى رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال:
اللَّهمّ انصر خبابا،
فشتت مولاته- وهي أم أنمار- فكانت تعوى مع الكلاب، فقيل لها: اكتوى، فكان
خباب يأخذ الحديدة وقد أحماها، فيكوى بها رأسها.
__________
[ (1) ] هو خباب بن الأرت من بنى سعد بن زيد مناة حليف لبني زهرة كنيته:
أبو يحيى وقد قيل: أبو عبد اللَّه مولى ثابت بن الأرت بن أم أنمار الخزاعية
مات بالكوفة منصرف على من صفين سنة سبع وثلاثين وهو ابن خمسين سنة، وصلّى
عليه على بن أبى طالب، وقيل: إنه مات سنة تسع عشرة بالمدينة وصلى عليه عمر
بن الخطاب، والأول أصح.
(تاريخ الصحابة) : 88 ترجمة (363) ، (الثقات) : 3/ 106، (الإصابة) : 1/
416.
(9/108)
وذكر الواقدي أن الّذي كان يعذب خبابا حين
أسلم، عتبة بن أبى وقاص، ويقال: الأسود بن عبد يغوث، قال: وهو الثبت، [توفى
بالكوفة سنة سبع وثلاثين، منصرف على من صفين إلى الكوفة، وهو أول من توفى]
من الصحابة.
وصهيب بن سنان بن مالك [ (1) ] بن عمرو بن نفيل بن عقيل بن عامر بن جندلة
بن خزيمة بن كعب بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط، [ويقال:
إن [أمه امرأة] من تميم، يقال لها: سلمى بنت الحارث] ، أسلم مع عمار في دار
الأرقم.
قال: يزيد بن رومان، عن عروة: كان صهيب من المستضعفين من المؤمنين الذين
يهزءون، فقال صهيب: نحن جلساء نبي اللَّه، آمنا وكفرتم، وصدقناه وكذبتموه،
ولا خسيسة مع الإسلام، ولا عز مع الشرك، فعذبوه وضربوه، وجعلوا يقولون:
أنتم الذين منّ اللَّه عليهم من بيننا [توفى سنة ثمان وثلاثين] .
وبلال بن رباح [ (2) ] [مولى أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان أسود
مولدا من مواليد بنى جمح] كان أبوه رباح حبشيا [سبيا] وكان ابنه
__________
[ (1) ] هو صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن
خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن مناة بن النمر بن قاسط بن هنب بن
أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن عدنان، كنيته أبو يحيى،
مولى عبد اللَّه بن جدعان التميمي، وقد قيل حليف ابن جدعان من سبى الموصل
أصله من الجزيرة، أمه سلمى بنت قعيد. مات في شوال ستة ثمان وثلاثين في
خلافة على بن أبى طالب، عليه السّلام ودفن بالبقيع وكان له يوم مات سبعون
سنة.
ومن أولاده عمرة وعمارة. (تاريخ الصحابة) : 136، 137، ترجمة رقم (671) ،
(الإصابة) :
2/ 195.
[ (2) ] هو بلال بن رباح مؤذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أعتقه
أبو بكر وكان تربه، وكان له ولاؤه، كنيته أبو عمرو. ويقال أبو عبد اللَّه.
وقد قيل أبو عبد الكريم.
أمه حمامة. قيل لأبى بكر بعد موت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن كنت
أعتقتني للَّه فدعني أذهب حيث شئت، وإن كنت أعتقتنى لنفسك فأمسكنى، قال أبو
بكر: اذهب حيث شئت، فذهب إلى الشام فسكنها مؤثرا الجهاد على الأذان، إلى أن
مات سنة عشرين، ويقال: إن قبره بدمشق، وسمعت أهل فلسطين يقولون: إن قبره
بعمواس، وقد قيل: قبره بداريا، وامرأة بلال هند الخولانية. وكان-
(9/109)
بلال من مولدي السراة، وكانت أمه حمامة
سبية، تلقب بسكينة، وأسلم قديما في أول ما دعي رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم، ويقال: إنه كان الثالث في الإسلام، وكان لأمية ابن خلف، وكان
أمية بن خلف يخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيلقيه على ظهره، ثم يأمر
بالصخرة العظيمة، فتوضع على صدره، ويقول:
واللَّه لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد، فيقول: أحد أحد، ويضع أمية بن
خلف في عنقه حبلا، ويأمر الصبيان فيجرونه، فمر به أبو بكر رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه، وهو يعذبه، فقال له: يا أمية! أما تتقى اللَّه في هذا المسكين؟
فقال: أنت أفسدته، فأنقذه.
وكان بلالا تربا لأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأحد من دعاه أبو
بكر إلى الإسلام، فقال أبو بكر: عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، وهو على
دينك، فأعطيك إياه ثمنا لبلال، قال: قد قبلت، فأعطاه ذلك الغلام، وأخذ
بلالا فأعتقه.
وقال معمر عن قتادة: إن عمرو بن العاص قال: مررت ببلال وهو يعذب، ولو أنه
بضعة لحم وضعت لنضجت، وهو [يقول] : أنا كافر باللات والعزى، وأمية يغاظ
عليه، فيزيده عذابا فيقبل عليه، فيدعث حلقه، فيغشى عليه، ثم يفيق.
وذكر الواقدي أن حسان بن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
حججت، أو قال: اعتمرت، فرأيت بلالا في حبل طويل، يمده الصبيان، معه عامر بن
فهيرة وهو يقول: أحد أحد، أنا كافر باللات، والعزى، وهبل، وإساف، ونائلة،
فأضجعه أمية في الرمضاء. وقتل بلال أمية بن خلف يوم بدر، فقال أبو بكر:
هنيئا زادك الرحمن عزا ... لقد أدركت ثأرك يا بلال
[توفى سنة عشرين، وقيل غير ذلك، وكانت وفاته بدمشق] .
__________
[ () ] لبلال يوم مات بضع وستون سنة، (طبقات ابن سعد) : 3/ 232، 7/ 385،
(حلية الأولياء) :
1/ 147، (تاريخ الصحابة) : 42، 43 ترجمة (106) ، (الإصابة) : 1/ 165.
(9/110)
وعامر بن فهيرة، [يقال: إنه من عنز بن
وائل، وأنه عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد
اللَّه بن الحارث بن رفيدة بن عنز بن وائل العنزي وقيل في نسبه غير ذلك [
(1) ] .
أسلم عامر قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دار الأرقم، وكان
من المستضعفين، فكان يعذب ليرجع عن دينه، حتى اشتراه أبو بكر رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه، وأعتقه، وكان حسن الإسلام، وكان يرعى الغنم، واستشهد
ببئر معونة.
قال ابن إسحاق: عن هشام بن عروة عن أبيه، أن عامر بن الطفيل قال يومئذ: من
رجل لما طعنته رفع حتى رأيت السماء دونه، رواه البكاري عن ابن إسحاق،
وفي رواية يونس بن بكير عنه بهذا الإسناد، أن عامر بن الطفيل قدم المدينة
بعد ذلك، وقال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: من رجل يا محمد لما طعنته
رفع إلى السماء؟ فقال: هو عامر بن فهيرة.
وروى عبد الرزاق وابن المبارك، أن عامر بن فهيرة التمس في القتلى يومئذ
ففقد، فيرون الملائكة قد رفعته أو دفنته.
__________
[ (1) ] وعنز بسكون النون أخو بكر بن وائل حليف بنى عدىّ، ثم الخطاب والد
عمر، منهم من ينسبه إلى مذحج.
وكان أحد السابقين الأولين، وهاجر إلى الحبشة، ومعه امرأته ليلى بنت أبى
خيثمة، ثم هاجر إلى المدينة أيضا، وشهد بدرا وما بعدها، وله رواية عن النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم من طريق أبيه عبد اللَّه، ومن طريق عبد اللَّه بن
عمر، وعبد اللَّه بن الزبير، وأبى أسامة بن سهل، وغيرهم.
وذلك في الصحيحين وغيرهما، وكان صاحب عمر لما قدم الجابية، واستخلفه عثمان
على المدينة لما حج.
وقال ابن سعد: كان الخطاب قد تبنى عامرا، فكان يقال: عامر بن الخطاب حتى
نزلت:
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ، [الأحزاب: 5] .
وقال يحي بن سعد الأنصاري، عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة: قام عمر بن
ربيعة يصلى من الليل، وذلك حين نشب الناس في الطعن على عثمان، فنام فأتاه
آت فقال له: قم فاسأل اللَّه أن يعيذك من الفتنة. فقام فصلى ثم اشتكى فما
خرج بعد إلا بجنازته. أخرجه في الموطأ.
قال مصعب الزبيري: مات سنة اثنين وثلاثين، كذا قال أبو عبيدة، ثم ذكره في
سنة سبع وثلاثين، وقال: أظن هذا أثبت. وقال الواقدي: كان مؤتة بعد قتل
عثمان بأيام. وقيل: في وفاته غير ذلك. (الإصابة) : 3/ 579- 580، ترجمة رقم
(4384) .
(9/111)
وأبو فكيهة أفلح، وقيل: يسار كان عبدا
لصفوان بن أمية الجمحيّ، فأسلم حين أسلم بلال [ (1) ] ، فمر به أبو بكر رضى
اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد أخذه أمية بن خلف فربط في رجله حبلا، وأمر به
فجر، ثم ألقاه في الرمضاء، ومر به جعل، فقال له أمية: أليس هذا ربك؟ قال:
اللَّه ربى خالقي، وخالقك، وخالق هذا الجعل، فغلظ عليه وجعل يخنقه، ومعه
أخوه أبى ابن خلف يقول: زده عذابا، حتى يأتيه محمد فيخلصه بسحره، ولم يزل
على تلك الحال حتى ظنوا أنه قد مات، ثم أفاق فمر به أبو بكر رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه، فاشتراه فأعتقه.
وقال ابن عبد البر: كانوا يعذبونه، وإنه إنما كان لهم، فأخرجوه يوما مقيدا،
نصف النهار إلى الرمضاء، ووضعوا على صدره صخرة حتى [دلع] لسانه، وقيل: قد
مات، ثم أفاق، وقتل يوم بدر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وجارية بنى المؤمل بن حبيب بن تميم بن عبد اللَّه بن قرظ بن رازح ابن عدىّ،
ويقال لها لبيبة، أسلمت [ (2) ] قبل إسلام عمر بن الخطاب، رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه كان عمر يعذبها حتى تفتر، فيدعها ثم يقول: أما أنى أعتذر إليك،
ما أدعوك الا مسلمة، فتقول: كذلك يعذبك اللَّه إن لم تسلم.
وذكر الواقدي: أن حسان بن ثابت قال: قدمت مكة معتمرا، والنبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم يدعو الناس، وأصحابه يؤذون ويعذبون، فوقعت على عمر وهو مؤتزر،
يخنق جارية بنى عمرو بن المؤمل حتى تسترخي في يده، فأقول: قد ماتت ثم
__________
[ (1) ] أبو فكيهة أفلح أو يسار، هو أبو فكيهة الجهمى، مولى صفوان بن أمية،
وقيل مولى ابن عبد الدار أسلم قديما فربط أمية بن خلف في رجله حبلا فجره
حتى ألقاه في الرمضاء وجعل يخنقه، فجاء أخوه أبىّ بن خلف فقال: زده، فلم
يزل على ذلك حتى ظن أنه مات، فمر أبو بكر الصديق فاشتراه فأعتقه، واسمه
يسار، وقد تقدم في التحتانية، وقيل اسمه أفلح بن يسار، وقال عمر بن شبة كان
ينسب للأشعريين (الإصابة) : 232- 323، ترجمة (10391) .
[ (2) ] هي زنيرة الروميّة، كانت من السابقات في الإسلام فعذبها المشركون
على إسلامها فاحتملت عذابهم بصبر ورباطة جأش ولم تصبأ عن دينها ثم اشتراها
أبو بكر الصديق فأعتقها.
(أعلام النساء) : 2/ 39.
(9/112)
يخلى عنها، ثم يثب على زنيرة، فيفعل بها
مثل ذلك، [قال: وكان أبو جهل يقول:] لا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمدا، فلو
كان أمر محمد خيرا وحقا، ما سبقونا إليه، أفتسبقنا زنيرة إلى رشد وهي كما
ترون؟ وكانت زنيرة قد عميت، فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى، بك ما
ترين، فقالت هي، ولا تبصره: وما يدرى اللات والعزى من يعبدهما ممن لا
يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء، وربى قادر على أن يرد على بصرى، فأصبحت
من تلك الليلة، وقد ردّ اللَّه عليها بصرها، فقالت قريش: هذا من سحر محمد،
فاشترى أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه جارية بنى المؤمل، وزنيرة
وأعتقهما، ويقال: أن زنيرة لبني مخزوم، وكان أبو جهل يعذبها.
وكانت النهدية مولدة لبني نهد بن زيد فصارت لامرأة من بنى عبد الدار
وأسلمت، فكانت تعذبها وتقول: واللَّه لا أقلعت عنك أو يعتقك بعض صباتك،
فأتاها أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعتقها، وكان معها طحين،
ويقال: نوى لمولاتها يوم أعتقها، فردته عليها.
وكانت أم عبيس [ (1) ] بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أمة لبني
زهرة، وكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها، فابتاعها أبو بكر رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه فأعتقها.
__________
[ (1) ] أم عبيس: هي أحد من كان يعذبه المشركون ممن سبق إلى الإسلام. قال
أبو بشر الدولابي عن الشعبي: أسلمت وهي زوج كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد
شمس، ولدت له عبيسا فكنيت به.
وروى يونس بن بكير في (زيادات المغازي) لابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن
أبيه- أن أبا بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أعتق ممن يعذب في
اللَّه سبعة، وهم:
بلال، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، وجارية ابنة المؤمل، والنهدية، وابنتها، وأم
عبيس.
وأخرج محمد بن عثمان بن أبى شيبة في تاريخه، عن منجاب بن الحارث، عن
إبراهيم بن يوسف بن زياد البكائي، عن ابن إسحاق، عن حميد، عن أنس: قال:
قالت أم هانئ بنت أبى طالب: أعتق أبو بكر بلالا، وأعتق معه ستة، منهم أم
عبيس.
وأخرجه أبو نعيم، وأبو موسى، من طريقه. وقال الزبير بن بكار: كانت فتاة
لبني تيم ابن مرة، فأسلمت أول الإسلام، وكانت ممن استضعفه المشركون
يعذبونها، فاشتراها أبو بكر فأعتقها، وكنيت بابنها عبيس بن كريز.
(9/113)
قال الواقدي عن ابن أبى حبيبة، عن داود بن
الحصين، عن أبى غطفان، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] أنه
قال له: هل كان المشركون يبلغون من المسلمين من العذاب ما يعذرون به من ترك
دينهم؟
قال: نعم، إن كانوا ليضربون أحدهم، ويجيعونه ويعطشونه، ويضربونه حتى ما
يقدر أن يقعد، فيعطهم ما سألوه من الفتنة، ويقولون له: اللات والعزى إلهك
من دون اللَّه؟ فيقول: نعم، حتى إن الجعل ليمر، فيقولون:
إن هذا الجعل إلا إلهك من دون اللَّه؟ فيقول: نعم، افتداء منهم بما يبذلون
من جهده، فإذا أفاق رجع إلى التوحيد.
وقال الكلبي: عذب قوم لا عشائر لهم ولا مانع منهم، فبعضهم ارتد، وبعضهم
أقام على الإسلام، وبعضهم أعطى ما أريد منهم من غير اعتقاد منه للكفر، وكان
قوم من الأشراف قد أسلموا، ثم فتنوا، منهم سلمة بن هشام بن المغيرة،
والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعياش بن أبى ربيعة، وهشام بن العاص السهمي.
قالوا: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس في المسجد، جلس
إليه المستضعفون من أصحابه: عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وأبو فكيهة، وعامر
بن فهيرة، وأشباههم من المسلمين، فيقول بعض قريش لبعض [ما هو] ولا جلساؤه
كما ترون قد من اللَّه عليهم من بيننا، فأنزل اللَّه [عز وجل] : أَلَيْسَ
اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [ (1) ] ونزل فيهم: وَلا تَطْرُدِ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ
عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (2)
] ونزل فيهم:
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا
لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ [ (3) ] ونزل
__________
[ (1) ] الأنعام: 53.
[ (2) ] الأنعام: 52.
[ (3) ] النحل: 42.
(9/114)
فيهم: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ
هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ
مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [ (1) ] وكان مجاهد يقول: يعنى الذين
تكلموا بما تكلموا به وهم مكرهون.
قال [الواقدي] : عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: كان أبو جهل يأتى
الرجل الشريف إذا أسلم، فيقول له: أتترك دين أبيك وتقيل رأيه، وتضع شرفه؟
وإن كان تاجرا قال له: ستكسد تجارتك، ويهلك مالك، وإن كان ضعيفا أغرى به
حتى يعذب، فأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه فهاجروا إلى
الحبشة.
وأما المهاجرون إلى الحبشة
[ (2) ] فإنه خرجت طائفة أولى، ثم خرجت طائفة بعدها، فكانت الأولى اثنى عشر
رجلا وأربع نسوة، وقيل: أحد عشر وامرأتان، وقيل: كانوا عشر رجال وأربع
نسوة، وأميرهم عثمان بن مظعون، وأنكر الزهري ذلك وقال: لم يكن لهم أمير.
قال قتادة: أول من هاجر إلى اللَّه بأهله عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه [ (3) ] .
__________
[ (1) ] النحل: 110.
[ (2) ] قال ابن إسحاق: فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما
يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية، بمكانه من اللَّه ومن عمه
أبى طالب، وأنه لا يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: لو خرجتم
إلى أرض الحبشة فإن ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل اللَّه
لكم فرجا مما أنتم، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم إلى أرض الحبشة، مخافة الفتنة، وفرارا إلى اللَّه
بدينهم، فكانت أول هجرة كانت في الإسلام.
أوائل المهاجرين إلى الحبشة: وكان أول من خرج من المسلمين من بنى أمية بن
عبد شمس ابن عبد مناف بن قصىّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن
فهر: عثمان بن عفان ابن أبى العاص بن أمية، معه امرأته رقية بنت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. -
[ (3) ] راجع التعليق السابق.
(9/115)
قال: سمعت النضر بن أنس يقول: سمعت أبا
حمزة- يعنى أنسا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، يقول: خرج عثمان بن عفان،
ومعه رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أرض الحبشة، فأبطأ
على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهم، فقدمت امرأة من قريش فقالت:
يا محمد! قد رأيت ختنك ومعه امرأته، قال:
على أي حال رأيتينهما؟ قالت: رأيته قد حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة
وهو يسوقها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صحبهم اللَّه، إن
عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط.
وذكر الواقدي أن الهجرة الثانية إلى الحبشة كانت سنة خمس من المبعث.
وخرج أبو داود الطيالسي، عن خديج بن معاوية، عن أبى إسحاق أن عن عبد اللَّه
بن عتبة، عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بعثنا
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى النجاشي [ (1) ] ونحن ثمانون رجلا،
معنا جعفر بن أبى طالب، وعثمان بن عفان، فذكره.
__________
[ (1) ] اسم لكل ملك يلي الحبشة، كما أن كسرى اسم لمن ملك الفرس، وخاقان
اسم لملك الترك كائنا من كان، وبطليموس اسم لمن ملك اليونان. واسم هذا
النجاشي أصحمة بن أبحر، وتفسيره: عطية.
(9/116)
وأما من أسلم قبل
الفتح
فقد قال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ
وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ
بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [ (1) ] .
__________
[ (1) ] الحديد: 10، قوله تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ
قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أي لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله وذلك أن قبل
فتح مكة كان الحال شديدا فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون وأما بعد الفتح
فإنه ظهر الإسلام ظهورا عظيما ودخل الناس في دين اللَّه أفواجا، ولهذا قال
تعالى: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ
وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى والجمهور على أن المراد
بالفتح هاهنا فتح مكة، وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا صلح
الحديبيّة، وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد
الملك حدثنا زهير حدثنا حميد الطويل عن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد
وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن تستطيلون علينا بأيام
سبقتمونا بها فبلغنا أن ذلك ذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال:
«دعوا لي أصحابى فو الّذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا
ما بلغتم أعمالهم» ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان
بين صلح الحديبيّة وفتح مكة وكانت هذه أعمالهم» وكانت هذه المشاجرة بينهما
في بنى جذيمة الذين بعث إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن
الوليد بعد الفتح فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا
فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم فخالفه عبد الرحمن بن عوف، وعبد اللَّه
بن عمر وغيرهما فاختصمهم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك.
والّذي في الصحيح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال «لا تسبوا
أصحابى فو الّذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم
ولا نصيفه»
وروى بن جرير وابن أبى حاتم من حديث ابن وهب أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن
أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدريّ خرجنا مع رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم عام الحديبيّة حتى إذا كنا بعسفان قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم:
يوشك أن يأتى قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم فقلنا: من هم يا رسول اللَّه
أقريش؟ قال: لا، ولكن أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوبا، فقلنا أهم خير منا
يا رسول اللَّه؟ قال: لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم
ولا نصيفه، إلا أن هذه الآية فضلت ما بيننا وبين-
(9/117)
وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] ، من
حديث شعبة عن الأعمش، سمعت ذكوان يحدث عن أبى سعيد الخدريّ رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسبوا
أصحابى فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. ذكره
البخاري في مناقب أبى بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وذكره مسلم [ (3) ] في آخر المناقب من طريق الأعمش، عن أبى صالح عن أبى
سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد، وبين عبد الرحمن بن عوف
__________
[ () ] الناس: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ
وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ
بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
وهذا الحديث غريب بهذا السياق والّذي في الصحيحين من رواية جماعة عن عطاء
ابن يسار عن أبى سعيد وقد ذكر الخوارج: تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم
مع صيامهم، يرمقون من الدين كما يمرق السهم من الرّميّة، والحديث الّذي في
الصحيح: المؤمن القوى خير وأحب إلى اللَّه من المؤمن الضعيف وفي كل خير،
وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب آخر لمدح الأول دون الآخر، فيتوهم متوهم
ذمه، فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه مع تفضيل الأول عليه، لهذا قال:
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أي فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من
قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول
وإخلاصه التام، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق. (تفسير ابن كثير) 4/
328- 329 مختصرا.
[ (1) ] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو كنت متخذا خليلا.
ومسلم في فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم
حديث رقم (2541) وأبو داود في السنة، باب النهى عن سبب أصحاب النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4658) والترمذي في المناقب، باب فيمن سب
أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3860) ، والمدّ: ربع الصاع،
والنصيف نصف المد، والتقدير: ما بلغ هذا القدر اليسير من فضلهم ولا نصفهم.
(جامع الأصول) 8/ 552- 553 باب في فضائل الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنهم ومناقبهم، حديث رقم (6361) ، و (6362) .
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ] راجع التعليق السابق.
(9/118)
شيء، فسبه خالد، فقال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم: لا تسبوا أحدا من أصحابى فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد
ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.
وخرج مسلم [ (1) ] من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى
هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم: لا تسبوا أصحابى، فو الّذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد
ذهبا، ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه.
كذا وقع في كتاب مسلم في هذا الحديث، عن أبى معاوية عن الأعمش، عن أبى
صالح، عن أبى هريرة، ولعله وهم من مسلم، أو ممن كتب عنه وإنما الحديث عن
أبى سعيد الخدريّ، وهكذا هو في مسند ابن أبى شيبة، وفي كتاب الترمذي
وغيرهما، ويدل على الوهم في ذلك قول مسلم بعد ما أورده من رواية وكيع،
ومعاذ، وشعبه عن الأعمش، بإسناد جرير وأبى معاوية، [و] إنما تدل هذه
الإحالة على أمر متفق، لا مختلف.
وخرجه أبو داود [ (2) ] الترمذي [ (3) ] ، من حديث أبى معاوية، عن الأعمش،
عن أبى صالح، عن أبى سعيد قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا
تسبوا أصحابى، فو الّذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك
مد أحدهم ولا نصيفه،
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: نصيفه، يعنى نصف المد.
وقال أبو بكر محمد بن أبى نصر الحميدي في كتابه، بعد ذكره حديث الأعمش:
رواه أبو بكر البرقاني في كتابه (المخرج على الصحيح) ، من حديث أبى بكر بن
عياش عن الأعمش، وفيه: لا تسبوا أصحابى، دعوا لي أصحابى، فإن أحدكم لو أنفق
كل يوم مثل أحد ذهبا لم يبلغ مدّ أحدهم،
قال أبو بكر البرقاني: قوله: كل يوم، حسن مليح.
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] سبق تخريجه.
(9/119)
وقال سعيد بن منصور المكيّ في كتابه
(الزهد) : حدثني سفيان عن زيد بن أسلم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم: يأتى قوم من ها هنا- وأشار بيده نحو اليمين- تحتقرون أعمالكم
عند أعمالهم، قالوا: فنحن خير أم هم؟ قال:
بل أنتم، لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، فضلت
هذه الآية بيننا وبين الناس: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ
قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ
أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا [وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] .
حديث مرسل.
وقال أبو عمر بن عبد البرّ: فضّل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جماعة
من أصحابه بفضائل، وسمهم بها، وذكرهم فيها، ولم يأت عنه أنه فضّل منهم واحد
على صاحبه بعينه من وجه يصح، ولكنه ذكر من فضائلهم، ما يستدل به على
مواضعهم ومنازلهم من الفضل، والدين، [و] العلم.
وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم أحلم وأكرم معاشرة، وأعلم بمحاسن الأخلاق، من
أن يواجه فاضلا منهم، بأن غيره أفضل منه، فيجد من ذلك في نفسه، بل فضل
السابقين منهم، وأهل الاختصاص به، على من لم ينل منازلهم، فقال لهم: لو
أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه، وهذا معنى قول
اللَّه تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ
وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ
بَعْدُ وَقاتَلُوا
ومحال أن يستوي من قاتله صلّى اللَّه عليه وسلّم، مع من قاتل عنه.
وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لبعض من لم يشهد بدرا وقد رآه
يمشى بين يدي أبى بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: تمشى بين يدي من هو خير
منك؟!
لأنه كان أعلمهما، ذلك في الجملة، لمن شهد بدرا والحديبيّة، ولكل طبقة منهم
منزلة معروفة، وحال موصوفة، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
(9/120)
وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان [ (1)
] تحت الشجرة بالحديبية
فخرج الإمام أحمد من حديث هشام، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: كان عدة
أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو أربعة عشر، أحد العددين.
ومن حديث سفيان قال: حدثنا أبو إسحاق، حدثنا البراء بن عازب قال: كنا- يعنى
أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- نتحدث أن عدة أهل بدر ثلاثمائة
وبضعة عشر، كعدد أصحاب طالوت الذين جازوا، وما جاز معه النهر إلا مؤمن.
__________
[ (1) ] سبب البيعة ونصها: قال ابن إسحاق: فحدثني عبد اللَّه بن أبى بكر أن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: حين بلغه أن عثمان قد قتل: لا
نبرح حتى نناجز القوم، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس
يقولون: بايعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الموت، وكان جابر
بن عبد اللَّه يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يبايعنا على
الموت، ولكن بايعنا على أن لا نفر.
فبايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، ولم يتخلف عنه أحد من
المسلمين حضرها، إلا الجد ابن قيس، أخو بنى سلمة، فكان جابر بن عبد اللَّه
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: واللَّه لكأنّي انظر إليه لاصقا بإبط
ناقته. قد خبأ إليها، يستتر بها من الناس ثم أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم أن الّذي ذكر من أمر عثمان باطل.
قال ابن هشام: فذكر وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن الشعبي: أن أول من
بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيعة الرضوان: أبو سنان الأسدي.
قال ابن هشام: وحدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له، عن ابن أبى مليكة عن
ابن أبى عمر: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بايع لعثمان، فضرب
بإحدى يديه على الآخرى.
ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بنى عامر بن لؤيّ، إلى رسول اللَّه وقالوا
له: ائت محمدا فصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فو
اللَّه لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا. فأتاه سهيل بن عمرو،
فلما رآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقبلا، قال: قد أراد القوم
الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم، تكلم فأطال الكلام، وتراجعا، ثم تم بينهم الصلح.
(9/121)
وقال ابن إسحاق [ (1) ] : جميع من شهد بدرا
من المسلمين، من المهاجرين والأنصار، ثلاثمائة رجل، وأربعة عشر رجلا: من
المهاجرين ثلاثة وثمانون، ومن الأوس أحد وستون، ومن الخزرج مائة وسبعون.
وقال ابن جريج: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كنا
بالحديبية أربعة عشر مائة.... الحديث.
وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: كم كانوا الذين شهدوا بيعة الرضوان، قال:
أربع عشر مائة، قال: رحم اللَّه جابرا، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة.
ولأحمد بن حنبل [ (2) ] من حديث سفيان، عن عمرو قال: سمعت جابر ابن عبد
اللَّه يقول: كنا يوم الحديبيّة أنا وأربع عشر مائة، فقال [لنا] رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنتم اليوم خير أهل الأرض.
وقال معقل بن يسار، وعبد اللَّه بن أبى أوفى- وكانا ممن شهد البيعة تحت
الشجرة- كانوا ألفا [وأربعمائة] .
وخرج
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 261، عدد من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار.
وقال القسطلاني: وكان عدة من خرج معه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثمائة
وخمسة، وثمانية لم يحضروها، وإنما ضرب لهم بسهمهم وأجرهم، فكانوا كمن
حضرها، وهم: عثمان ابن عفان، تخلف بسبب مرض زوجته رقية بنت رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعيد ابن زيد، كانا في
مهمة استطلاعية تتعلق بالعير، وأبو لبابة استخلفه صلّى اللَّه عليه وسلّم
على المدينة، وعاصم بن عدي على أهل العالية، والحارث بن حاطب على بنى عمرو
ابن عوف، والحارث بن الصمة وقع أثناء الطريق فرد، وخوات بن جبير أصابه حجر
في ساقه فرد من الصفراء. (المواهب اللدنية) : 1/ 349.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 244، حديث رقم (13901) ، (14409) ، كلاهما من
مسند جابر بن عبد اللَّه، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(9/122)
البخاري [ (1) ] في آخر الجهاد من حديث
هيثم، أنبأنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبى عبد الرحمن- وكان عثمانيا فقال
لابن عطية- وكان علويا-: إني لا أعلم ما الّذي جرأ صاحبك على الدماء، سمعته
يقول: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والزبير فقال: ائتوا روضة
كذا، وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا، فأتينا الروضة فقلنا: الكتاب؟
فقالت: لم يعطني، قلنا لتخرجنه أو لأجردنك، فأخرجت من حجزتها، فأرسل الى
حاطب فقال: لا تعجل، واللَّه ما كفرت، ولا ازددت للإسلام إلا حبا، ولم يكن
أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع اللَّه به عن أهله وماله، ولم يكن لي
أحد، فأحببت أن أتخذ عندهم يدا. فصدقه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: دعني أضرب عنقه، فإنه قد نافق،
فقال: وما يدريك لعل اللَّه أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد
غفرت لكم، فهذا الّذي جرّأه.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 234، كتاب الجهاد والسير، باب (195) إذا اضطر
الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة، والمؤمنات إذا عصين اللَّه، وتجريدهن،
حديث رقم (3081) .
قوله: «باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة، والمؤمنات إذا
عصين اللَّه، وتجريدهن» أورد فيه حديث في قصة المرأة التي كتب معها حاطب
إلى أهل مكة، ومناسبته للترجمة ظاهرة في رؤية الشعر، من قوله في الرواية
الأخرى «فأخرجته من عقاصها» وهي ذوائبها المضفورة، وفي التجريد من قول علي
«لأجردنك» وقد تقدم في «باب الجاسوس» من وجه آخر عن على، ويأتى شرحه في
تفسير سورة الممتحنة. وقوله في الإسناد «عن أبي عبد الرحمن» هو السلمي.
وقوله «وكان عثمانيا» أي يقدم عثمان على عليّ في الفضل، وقوله «فقال لابن
عطية» هو حبان بكسر المهملة وبالموحدة.
وقوله «وكان علويا» أي يقدم عليا في الفضل على عثمان وهو مذهب مشهور لجماعة
من أهل السنة بالكوفة. قال ابن الأثير: ليس في الحديث بيان هل كانت المرأة
مسلمة أو ذمية، لكن لما استوى حكمها في تحريم النظر لغير حاجة شملهما
الدليل. وقال ابن التين: إن كانت مشركة لم توافق الترجمة، وأجيب بأنها كانت
ذات عهد فحكمها حكم أهل الذمة.
(9/123)
وخرجه [ (1) ] في كتاب استتابه المرتدين
بأبسط من هذا، لفظه: فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت ما الّذي جرأ
صاحبك على الدماء- يعني
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 375، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين
وقتالهم، باب (9) ما جاء في المتأولين، حديث رقم (6939) .
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن يقطع
له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب لأن حاطبا دخل فيمن أوجب اللَّه لهم
الجنة ووقع منه ما وقع.
وفيه تعقب على من تأول أن المراد بقوله: «اعملوا ما شئتم أنهم حفظوا من
الوقوع في شيء من الذنوب.
وفيه الرد على من كفر مسلما بارتكاب الذنب، وعلى من جزم بتخليده في النار،
وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذب.
وفيه من وقع منه الخطأ لا ينبغي له أن يجحده بل يعترف ويعتذر لئلا يجمع بين
ذنبين.
وفيه جواز التشديد في استخلاص الحق والتهديد بما لا يفعله المهدد تخويفا
لمن يستخرج منه الحق.
وفيه هتك ستر الجاسوس، وقد استدل به من يرى قتله من المالكية لاستئذان عمر
في قتله ولم يردّه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك إلا لكونه من أهل
بدر، ومنهم من قيده بأن يتكرر ذلك منه، والمعروف عن مالك يجتهد فيه الإمام،
وقد نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمه وقال الشافعية
والأكثر: يعزر، وإن كان من أهل الهيئات يعفى عنه.
وفيه العفو عن زلة ذوى الهيئة. وأجاب الطبري عن قصة حاطب واحتجاج من احتج
بأنه إنما صفح عنه لما أطلعه اللَّه عليه من صدقه في اعتذاره فلا يكون غيره
كذلك.
قال القرطبي وهو ظن خطأ لأن أحكام اللَّه في عباده إنما تجرى على ما ظهر
منهم، وقد أخبر اللَّه تعالى نبيه عن المنافقين الذين كانوا بحضرته ولم يبح
له قتلهم مع ذلك لإظهارهم الإسلام، وكذلك الحكم في كل من أظهر الإسلام تجرى
عليه أحكام الإسلام.
وفيه من أعلام النبوة اطلاع اللَّه نبيه على قصة حاطب مع المرأة كما تقدم
بيانه من الروايات في ذلك.
وفيه إشارة الكبير على الإمام بما يظهر له من الرأى العائد نفعه على
المسلمين ويتخير الإمام في ذلك. وفيه جواز العفو عن العاصي. -
(9/124)
عليا- قال: ما هو لا أبا لك؟ قال: شيء
سمعته يقول، قال: ما هو؟ قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
والزبير وأبا مرثد- وكلنا فارس- قال:
انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ- قال أبو سلمة: هكذا قال أبو عوانة خاخ- فإن
امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبى بلتعة إلى المشركين فأتوني بها. فانطلقنا
على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
تسير على بعير لها، وكان إلى أهل مكة بمسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم إليهم. فقلنا: أين الكتاب الّذي معك؟ قالت: ما معى كتاب. فأنخنا بها
بعيرها، فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا. فقال صاحباي ما نرى معها كتابا،
قال فقلت: لقد علمنا ما كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم حلف
على: والّذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك. فأهوت إلى حجزتها- وهي
محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة، فأتوا بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم فقال عمر: يا رسول اللَّه، قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني
فأضرب عنقه.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟
قال: يا رسول اللَّه، وما لي أن لا أكون مؤمنا باللَّه ورسوله، ولكنى أردت
أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها أهلي ومالي، وليس
__________
[ () ] وفيه أن العاصي لا حرمة له وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر
إليها مؤمنة كانت أو كافرة ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها عليّ
بتجريدها. قاله ابن بطال.
وفيه جواز غفران جميع الذنوب الجائزة الوقوع عمن شاء اللَّه خلافا لمن أبى
ذلك من أهل البدع، وقد استشكلت إقامة الحد على مسطح بقذف عائشة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها كما تقدم مع أنه من أهل بدر فلم يسامح بما ارتكبه من
الكبيرة وسومح حاطب، وعلل بكونه من أهل بدر، والجواب ما تقدم في «باب فضل
من شهد بدرا» أن محل العفو عن البدري في الأمور التي لا حد فيها.
وفيه جواز غفران ما تأخر من الذنوب ويدل على ذلك الدعاء به في عدة أخبار.
وفيه تأدب عمر، وأنه لا ينبغي إقامة الحد والتأديب بحضرة الإمام إلا بعد
استئذانه وفيه منقبة لعمر ولأهل بدر كلهم.
وفيه البكاء عند السرور ويحتمل أن يكون عمر بكى حينئذ لما لحقه من الخشوع
والندم على ما قاله في حق حاطب.
(9/125)
من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من
يدفع اللَّه به عن أهله وماله. قال: صدق، لا تقولوا له إلا خيرا. قال فعاد
عمر فقال: يا رسول اللَّه، قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فلأضرب
عنقه قال: أو ليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل اللَّه اطلع عليهم فقال:
اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكن الجنة،
فاغرورقت عيناه فقال: ورسوله أعلم، وهو مما أتفقا على إخراجه.
ولمسلم [ (1) ] من حديث الليث عن أبى الزبير، عن جابر، أن عبدا لحاطب جاء
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يشكو] حاطبا، فقال: يا رسول اللَّه!
ليدخلن حاطب النار، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، لا
يدخلها، فإنه شهد بدرا والحديبيّة.
وخرجه النسائي أيضا، ولمسلم [ (2) ] من حديث ابن جريج، أخبرنى أبو الزبير
أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول:
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 290، كتاب فضائل الصحابة، باب (36) من
فضائل أهل بدر، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وقصة حاطب بن أبى بلتعة،
حديث رقم (162) . وفيه فضيلة أهل بدر، والحديبيّة، وفضيلة حاطب لكونه منهم.
وفيه أن لفظة الكذب هي الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمدا كان أو سهوا،
كان الإخبار عن ماض، أو مستقبل، وخصته المعتزلة بالعمد، وهذا يرد عليهم،
وسبقت المسألة في كتاب الإيمان، وقال بعض أهل اللغة: لا يستعمل الكذب إلا
في الإخبار عن الماضي، بخلاف ما هو مستقبل، وهذا الحديث يرد عليهم، واللَّه
تبارك وتعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (2) ]
(مسلم بشرح النووي) : 16/ 290، كتاب فضائل الصحابة، باب (37) من فضائل
أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، حديث رقم
(163) .
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يدخل النار إن شاء اللَّه من أصحاب الشجرة
أحد من الذين بايعوا تحتها» ،
وقال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعا، كما صرح به في الحديث الّذي
قبله- حديث حاطب- وإنما
قال: إن شاء اللَّه
للتبرك، لا للشك، وأما قول حفصة: بلى، وانتهار النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم لها فقالت: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فقال النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم: وقد قال تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي-
(9/126)
أخبرتنى أم مبشر، أنها سمعت رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول عن حفصة: لا يدخل النار إن شاء اللَّه من
أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها، قالت: بلى يا رسول اللَّه!
فانتهرها، فقالت حفصة: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [كانَ عَلى رَبِّكَ
حَتْماً مَقْضِيًّا [ (1) ] ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد قال
اللَّه عز وجل: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ
فِيها جِثِيًّا [ (2) ] ، وخرجه [ (3) ] أبو بكر بن أبى شيبة والترمذي [
(4) ] بمعناه.
[وقال أبو بكر بن أبى شيبة [ (5) ] : حدثنا وكيع، حدثنا إسماعيل بن أبى
خالد عن الشعبي قال: أول من بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيعة
الرضوان، أبو سنان الأسدي] .
__________
[ () ] الَّذِينَ اتَّقَوْا، فيه دليل للمناظرة والاعتراض، والجواب على وجه
الاسترشاد وهو مقصود حفصة، لا أنها أرادت رد مقالته صلّى اللَّه عليه
وسلّم.
والصحيح أن المراد بالورود في الآية: المرور على الصراط وهو جسر منصوب على
جهنم، فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون. (شرح النووي) .
[ (1) ] مريم: 71.
[ (2) ] مريم: 72.
[ (3) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 400- 401، كتاب الفضائل، باب (51) ما جاء
في أهل بدر من الفضل، حديث رقم (32335) ، (32336) ، (32337) ، (32338) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 652، كتاب المناقب، باب (58) في فضل من بايع
تحت الشجرة، حديث رقم (3860) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[ (5) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 7/ 250، كتاب الأوائل، حديث رقم (35758) .
(9/127)
وأما رفقاؤه النجباء
[فعلى [ (1) ] ، وأبناؤه [ (2) ] ، جعفر، أبو بكر [ (3) ] ، عثمان [ (4) ]
، عمر [ (5) ] ، أبو ذر [ (6) ] ، المقداد [ (7) ] ، وعمار بن ياسر، وبلال
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
__________
[ (1) ] هو: على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو الحسن
القرشي، الهاشمي ابن عم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أمه فاطمة بنت أسد
بن هشام، مولده قبل البعثة بعشر سنين، على الصحيح.
وفاته: قتل في ليلة السابع عشر من شهر رمضان سنة (40) ، رابع الخلفاء
الراشدين وزوج فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ووالد الحسن
والحسين، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم (أسماء الصحابة الرواة) : 44، ترجمة
رقم (10) ، (الإصابة) : 4/ 269، (تهذيب التهذيب) : 7/ 334، (الأعلام) : 4/
295.
[ (2) ] هما الحسن والحسين وقد سبقت لهما ترجمة وافية في أبناء بنات رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (3) ] سبقت له ترجمة في أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (4) ] سبقت له ترجمة في أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (5) ] سبقت له ترجمة في أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (6) ] هو أبو ذر جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن سفار بن مليل
بن ضمرة بن بكر ابن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة الغفاريّ هاجر إلى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو أول من حيّا رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلّم تحية الإسلام. (تاريخ الصحابة) : 60، ترجمة رقم (194) ،
(الإصابة) : 4/ 62، (الثقات) : 3/ 55، (الطبقات ابن سعد) : 4/ 219.
[ (7) ] هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود
بن سعد بن بهراء ابن لؤيّ بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بن أبى أهون بن فائش
بن دريم بن القين بن أهود بن بهراء ابن الحاف، مات آخر سنة ثلاثة وثلاثين،
وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة، وصلّى عليه عثمان بن عفان وكان له يوم
مات نحو سبعين سنة، وكان فارس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر.
(الاستيعاب) : 4/ 1480- 1483، ترجمة رقم (2561) .
(9/128)
وسلمان [ (1) ] ، وحذيفة [ (2) ] ، وعبد
اللَّه بن مسعود [ (3) ] ،
__________
[ (1) ] هو سلمان بن الإسلام وسلمان الخير وسلمان الفارسي، أبو عبد اللَّه،
مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم توفى سنة (35) ، وكان قد سمع بأن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سيبعث فخرج في طلب ذلك، فأسر وبيع
بالمدينة فاشتغل بالرق، حتى كان أول مشاهده الخندق، وشهد فتوح العراق، وولى
المدائن، وقال ابن عبد البر: يقال: إنه شهد بدرا، وكان عالما زاهدا، وروى
عنه أنس، وكعب بن عجرة وغيرهم، (الإصابة) : 3/ 141، (أسماء الصحابة الرواة)
: 74 ترجمة (54) .
[ (2) ] حذيفة بن اليمان، يكنى أبا عبد اللَّه، واسم اليمان حسيل بن جابر،
واليمان لقب، وهو حذيفة بن حسل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث
بن مازن بن قطيعة ابن عبس العبسيّ القطيعي، من بنى عبس بن بغيض بن ريث بن
غطفان، حليف لبني عبد الأشهل من الأنصار.
وأمه امرأة من الأنصار من الأوس من بنى عبد الأشهل، واسمها الرباب بنت كعب
بن عدي بن عبد الأشهل، وإنما قيل لأبيه: حسيل اليمان، لأنه من ولد اليمان
جروة ابن الحارث ابن قطيعة بن عبس، وكان جروة بن الحارث أيضا يقال له:
اليمان، لأنه أصاب في قومه دما فهرب إلى المدينة، فخالف بنى عبد الأشهل،
فسماه قومه اليمان، لأنه حالف اليمانية.
شهد حذيفة وأبوه حسيل وأخوه صفوان أحدا، وقتل أباه يومئذ بعض المسلمين وهو
يحسبه من المشركين.
كان حذيفة من كبار أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو الّذي
بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الخندق ينظر إلى قريش، فجاءه
بخبر رحيلهم، وكان عمر بن الخطب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يسأله عن
المنافقين، وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم، وكان عمر ينظر إليه عند موت من مات منهم، فإن لم يشهد جنازته حذيفة
لم يشهدها عمر، وكان حذيفة يقول: خيرنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
بين الهجرة والنصرة. فاخترت النصرة، وهو حليف للأنصار لبني عبد الأشهل.
وشهد حذيفة نهاوند فلما، قتل النعمان بن مقرن أخذ الراية، وكان فتح همذان
والري والدينور على يد حذيفة، وكانت فتوحه كلها سنة اثنتين وعشرين.
ومات حذيفة سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان في أول خلافة على رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنهم، وقيل: توفى سنة خمس وثلاثين، والأول أصح، وكان موته بعد
أن أتى نعى عثمان إلى الكوفة ولم يدرك الجمل.
وقتل صفوان وسعيد ابنا حذيفة بصفين، وكانا قد بايعا عليا بوصية أبيهما
إياهما بذلك. سئل حذيفة أي الفتن أشد؟ قال: أن يعرض عليك الخير والشر فلا
تدري أيهما تركت.
وقال حذيفة: لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها.
[ (3) ] هو عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن سمع بن فار بن مخزوم بن
(9/129)
وأما أهل الفتيا من أصحابه رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهم
[قال ابن سيده: أفتاه في الأمر، أبانه له والفتيا، والفتوى: ما أفتى به
الفقيه] .
روى: عكرمة بن خالد، عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى [عنهما]
، أنه سئل عن من كان يفتى زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال:
أبو بكر وعمر، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، لا أعلم غيرهما.
وقال القاسم بن محمد: كان أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، يفتون على عهد رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وروى موسى بن ميسرة، عن محمد بن سهيل بن أبى خيثمة، عن أبيه قال: كان الذين
يفتون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثلاثة من المهاجرين،
عمر، عثمان، وعلى، رضى اللَّه تبارك وتعالى تعالى عنهم، وثلاثة من الأنصار:
أبى بن كعب [ (1) ] ،
__________
[ () ] بن تيم بن سعد بن هذيل أبو عبد الرحمن الهذلي، حليف بنى زهرة، توفى
سنة (32) ، وقيل:
(33) ،
قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أول الإسلام: إنك غلام معلم،
وقال هو: لقد رأيتني سادس ستة وما على الأرض مسلم غيرنا، وكان يقول أخذت من
في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبعين سورة.
وهو أول من جهر بالقرآن بمكة، (أسماء الصحابة الرواة) : 42، ترجمة (8) ،
(تاريخ الصحابة) : 148، ترجمة (716) .
[ (1) ] هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك
النجار أبو المنذر أبو الطفيل، سيد القراء، سيد المسلمين، الأنصاري،
النجاري، الخزرجي، المعاوي، مات سنة-
(9/130)
ومعاذ بن جبل [ (1) ] ، وزيد بن ثابت [ (2)
] ، رضي اللَّه تعالى عنهم، ذكره ابن [سعد في (الطبقات) ] .
صاهلة بن الحارث [وذكر أبو محمد بن حزم أن كل من روى عنه ولو مسألة واحدة
فأكثر من الصحابة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، لم يبلغوا مائة وأربعين،
منهم سبعة مكثرون، وثلاثة عشر متوسطون، وسائرهم مقلون جدا، لا يجتمع من
جميع فتياهم كلهم، إلا جزء صغير، لا يبلغ عشرة أوراق، إلى عمر، وعلى، وعبد
اللَّه، ومعاذ، وأبى الدرداء، وزيد بن ثابت، فشاممت هؤلاء الستة، فوجدت
علمهم انتهى إلى عليّ، وعبد اللَّه] .
[وعن زهير بن معاوية، أخبرنا جابر، عن عامر قال: كان هؤلاء الأمة بعد نبيها
صلّى اللَّه عليه وسلّم ستة: عمر، وعبد اللَّه، وزيد بن ثابت، فإذا قال عمر
قولا وقال هذان قولا، كان قولهما لقوله تبعا- وعليّ، وأبى بن كعب، وأبو
__________
[ () ] [22] في خلافة عمر، وقيل بقي إلى خلافة عثمان، كان من أصحاب العقبة
الثانية وشهد بدرا والمشاهد، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن
اللَّه قد أمرنى أن أقرأ عليك" وكان عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يسميه
سيد المسلمين وهو أول من كتب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، (أسماء
الصحابة الرواة) : 45، ترجمة (25) .
[ (1) ] هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن
أدى بن على بن أسد بن ساردة، أبو عبد الرحمن، الخزرجي، الأنصاري، ثم
الجشمي، توفى في طاعون عمواس سنة (18) ، وله (38) سنة، وقيل غير ذلك وهو
صاحبي مشهور بالعلم من صحابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وروى عنه
من الصحابة عمر وابنه عبد اللَّه وأنس بن مالك وغيرهم، (أسماء الصحابة
الرواة) 55، ترجمة (27) ، (الإصابة) : 6/ 136، (الاستيعاب) : 3/ 1402،
(الثقات) : 3/ 368.
[ (2) ] هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد، استصغر يوم
بدر، ويقال: أنه شهد أحدا، وكانت معه راية بنى النجار يوم تبوك، وكتب الوحي
للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان من علماء الصحابة وكان هو الّذي قسم
غنائم اليرموك، وهو الّذي جمع القرآن في عهد أبى بكر،
ثبت ذلك في الصحيح، عن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم: إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا عليّ أو ينقصوا،
فتعلم السريانية فتعلمتها في (17) يوم، مات سنة (142) ، وقيل غير ذلك،
(الإصابة) : 2/ 594.
(9/131)
موسى الأشعري [ (1) ] ، فإذا قال عليّ
قولا، وقال هذان قولا، كان قولهما لقوله تبعا] .
[وعن مطرف [ (2) ] قال: حدثني عامر عن مسروق، قال: كان أصحاب الفتوى من
أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عمر، وعلى، وابن مسعود، وزيد،
وأبيّ بن كعب، وأبو موسى الأشعري.]
[وعن عامر الشعبي [ (3) ] قال: قضاة هذه الأمة أربعة: عمر، وعلى، وزيد،
وأبو موسى الأشعري، ووصاة هذه الأمة أربعة: عمرو بن
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن قيس بن سليم بن حصار بن حرب بن عامر بن غنم بن
بكر بن عامر بن عزب ابن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر، توفى سنة (42
أو 44) وله (63) ، هو صحابى مشهور كان حسن الصوت بالقرآن وله رواية صلّى
اللَّه عليه وسلّم كثيرة (أسماء الصحابة الرواة) : 46، ترجمة (13) ،
(الإصابة) : 4/ 119، (الاستيعاب) : 4/ 1762. (تجريد أسماء الصحابة) :
2/ 206، (الأنساب) 1/ 266، (تهذيب التهذيب) : 12/ 251.
[ (2) ] (مجمع الزوائد) : 9/ 312.
[ (3) ] (المستدرك) : 3/ 527، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر مناقب أبى موسى
عبد اللَّه بن قيس الأشعري، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (5959)
، ولفظه: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد الأحمسي، أخبرنا الحسين بن عبيد
اللَّه، أخبرنا أبو غسان، حدثنا عباد، عن الشيباني، سمعت الشعبي يقول:
القضاء في ستة نفر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثلاثة
بالمدينة، وثلاثة بالكوفة: فبالمدينة: عمر، وأبىّ، وزيد بن ثابت، وبالكوفة:
على، وعبد اللَّه، وأبو موسى.
قال الشيباني: فقلت للشعبى: أبو موسى يضاف إليهم؟ قال: كان أحد الفقهاء.
فحدثنيه أبو عبد اللَّه محمد بن العباس بن أحمد. حذفه الذهبي من (التلخيص)
.
وحديث رقم (5960) ولفظه: حدثنا مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق قال:
انتهى علم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى هؤلاء النفر: عمر بن
الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وعبد اللَّه بن مسعود، وأبىّ بن كعب ومعاذ بن
جبل، وزيد بن ثابت، وأبى الدرداء، وأبى موسى الأشعري. -
(9/132)
العاص [ (1) ] ، ومعاوية بن أبى سفيان [
(2) ] ، والمغيرة بن شعبة [ (3) ] ، وزياد [ (4) ]] .
[وعن زياد بن مينا، كان ابن عباس [ (5) ] ، ابن عمر [ (6) ] ، أبو سعيد
__________
[ () ] قال مسروق: القضاة أربعة: عمر، وعلى، وزيد بن ثابت، وأبو موسى
الأشعري، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. هذا الحديث سكت عنه الذهبي في
التلخيص.
[ (1) ] ذكرناه باستفاضة سابقا.
[ (2) ] هو معاوية بن أبى سفيان صخر بن أمية بن عبد شمس، روى عن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن أبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنهما، ولاه عمر بن الخطاب الشام فأقره عثمان مدة ولايته ثم ولى الخلافة،
قال ابن أسد: كان أميرا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة وقال يحيي ابن بكير عن
الليث: توفى في رجب سنة (60) ، وقيل مات وله (86) سنة على خلاف بين
المؤرخين، (تهذيب التهذيب) : 10/ 186، (الإصابة) : 6/ 151.
[ (3) ] هو المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب، أبو عبد اللَّه
وقيل: أبو عيسى الثقفي، توفى بالكوفة سنة (50) ، قال ابن الأثير: أسلم عام
الخندق وشهد الحديبيّة وله في صلحها كلام مع عروة بن مسعود، وكان موصوفا
بالدهاء، (أسماء الصحابة الرواة) : 58 ترجمة (31) ، (الإصابة) : 6/ 131،
(الثقات) : 3/ 382 (الاستيعاب) : 4/ 1445 (تهذيب التهذيب) : 10/ 262.
[ (4) ] لعله زياد بن حنظلة التيمي، حليف بنى عدي، قال أبو عمر: بعثه رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الزبرقان ابن بدر، وقيس بن عاصم
ليتعاونا على قتل مسيلمة، ثم عاش زياد إلى أن شهد مع عليّ مشاهده، وذكر سيف
في (الفتوح) ، عن أبى الزهراء القشيري، عن رجال من بنى قشير قالوا: لما خرج
هرقل من الرها كان أول من أنبح كلابها زياد بن حنظلة، وكان من الصحابة،
(الإصابة) : 2/ 583.
[ (5) ] سبقت له ترجمة وافية.
[ (6) ] هو عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن غالب العدوي كنيته أبو
عبد الرحمن عرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد وهو ابن
(14) سنة فلم يجزه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يره بلغ، وعرض
عليه يوم الخندق وهو ابن (15) سنة فأجازه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم ومات سنة (72) بمكة وهو ابن (87) ، ودفن بفخ وكان ابن عمر يصفر
لحيته، (الإصابة) : 4/ 181، (الثقات) : 3/ 209، (تهذيب التهذيب) : 5/ 278.
-
(9/133)
الخدريّ [ (1) ] ، أبو هريرة [ (2) ] ، عبد
اللَّه بن عمرو بن العاص [ (3) ] ، جابر بن عبد اللَّه [ (4) ] ، رافع بن
خديج [ (5) ] ، وسلمة بن
__________
[ (1) ] هو سعد بن مالك بن سنان بن الحارث بن الخزرج الخدريّ الأنصاري،
توفى سنة (74) كان من الحفاظ لحديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
المكثرين، ومن العلماء الفضلاء العقلاء، روى عن أبى سعيد قال: «عرضت على
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الخندق وأنا ابن ثلاث عشرة، فجعل
أبى يأخذ بيدي ويقول يا رسول اللَّه إنه عبل العظام [أي ضخم العظام] ،
فردني. (أسماء الصحابة الرواة) : 42، ترجمة (7) ، (الإصابة) : 7/ 84.
[ (2) ] سبقت له ترجمة.
[ (3) ] هو عبد اللَّه بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن
عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤيّ أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن القرشي توفى
سنة (63) تقريبا أسلم قبل أبيه وكان من فضلاء الصحابة عالما بالقرآن والكتب
المتقدمة، وكان من أشهر حفاظهم.
(الإصابة) : 4/ 111، (أسماء الصحابة الرواة) : 42، ترجمة (9) ، (تهذيب
التهذيب) :
5/ 337 (الثقات) : 3/ 211.
[ (4) ] هو جابر بن عبد اللَّه بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن
سلمة أبو عبد اللَّه. وقيل:
أبو عبد الرحمن الأنصاري السلمي، أمه نسيبة بنت عقبة بن عدي بن سنان، شهد
العقبة الثانية مع أبيه وهو صبي، توفى سنة (74) تقريبا وعمره (93) سنة، ومن
فضائله قال: استغفر لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة البعير
خمسا وعشرين مرة، يعنى بقوله: ليلة البعير، أنه باع رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم بعيرا واشترط ظهره إلى المدينة وكان في غزوة لهم. (أسماء
الصحابة الرواة) : 41، ترجمة (6) ، (الإصابة) : 1/ 222، (تهذيب التهذيب) :
2/ 42.
[ (5) ] هو رافع بن خديج بن عدي بن يزيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن
الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، أبو عبد اللَّه، أبو خديج، الأنصاري،
الأوسي، الحارثي، أمه حليمة بنت مسعود بن سنان، عرض نفسه يوم بدر على النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرضه لصغره، ثم أجازه يوم أحد فشهد أحدا وأصيب
بها، ثم الخندق وأكثر المشاهد، وشهد صفين مع عليّ، واستوطن بالمدينة، وكان
عريف قومه إلى أن مات بها وصلّى عليه ابن عمر. توفى سنة (74) ، وله (68) ،
(أسماء الصحابة الرواة) : 67، ترجمة (43) ، (الإصابة) : 2/ 186. -
(9/134)
الأكوع [ (1) ] ، وأبو واقد الليثي [ (2) ]
، وعبد اللَّه بن بحينة [ (3) ] ، مع أشباه لهم، من أصحاب رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم، يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم من لدن توفى عثمان إلى أن توفوا، والذين صارت إليهم الفتوى
منهم: ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو هريرة، وجابر بن عبد
اللَّه] .
[وقال أبو محمد [بن] حزم: وقد غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
هوازن بحنين، في اثنى عشر ألفا، كلهم يقع عليه اسم الصحبة، ثم غزا تبوك في
أكثر من ذلك، ووفد عليه وفود جميع قبائل العرب، وكلهم صاحب، وعددهم بلا شك
يبلغ أزيد من ثلاثين ألف إنسان، ووفد عليه أيضا وفود الجن فأسلموا، وصح لهم
اسم الصحبة، وأخذوا عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، القرآن وشرائع الإسلام،
وكل من ذكرنا ممن لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذ عنه، فكل
امرئ منهم إنسهم وجنهم، فبلا شك أنه أفتى أهله وجيرانه وقومه، هذا أمر يعلم
ضرورة] .
__________
[ (1) ] هو سلمة بن الأكوع، أول مشاهده الحديبيّة، وكان من الشجعان، ويسبق
الفرس عدوا بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند الشجرة على الموت،
روى عنه ابنه إياس وغيره، مات سنة (74) وله (80) سنة، وذلك في آخر خلافة
معاوية كما قال ابن سعد، (الإصابة) : 3/ 151، (تهذيب التهذيب) : 4/ 133.
[ (2) ] هو الحارث بن عوف، وقيل: عوف بن الحارث بن أسيد بن جابر بن عبد
مناة بن أشجع ابن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن على بن كنانة، أبو
واقد الليثي الكناني، توفى سنة (68) ، وله (75) أو (85) سنة، وقيل: إنه شهد
بدرا وقيل: لم يشهدها، وكان معه لواء بنى ضمرة وبنى ليث وبنى سعيد بن بكر
بن عبد مناة يوم الفتح وقيل: إنه من مسلمة الفتح، والصحيح أنه شهد الفتح
مسلما، يعد في أهل المدينة، وشهد اليرموك، وجاور بمكة سنة، ومات بها، ودفن
في مقبرة المهاجرين بفخ سنة ثمان وستين. (أسماء الصحابة الرواة) : 113
ترجمة (109) ، (الإصابة) 7/ 455.
[ (3) ] هو عبد اللَّه ابن بحينة وهي أمه بحينة بنت الحارث بن عبد المطلب
بن عبد مناف، ويكنى أبا محمد، وأبوه مالك بن القشب الأزدي، ممن أزد شنوءة،
كان حليفا لبني المطلب بن عبد مناف وكان ابن بحينة ناسكا فاضلا صائم الدهر
ومات في عهد معاوية، (الاستيعاب) :
3/ 871.
(9/135)
[ثم لم ترو الفتيا في العبادات والأحكام،
إلا عن مائة ونيف وثلاثين [أو] أربعين منهم فقط، من رجل وامرأة، بعد
[التدقيق] الشديد، قال المكثرون فيما روى عنهم من الفتيا: عائشة أم
المؤمنين، عمر بن الخطاب، ابنه عبد اللَّه، على بن أبى طالب، عبد اللَّه بن
العباس، عبد اللَّه بن مسعود زيد بن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم،
فهم سبعة فقط، يمكن أن يجمع من في كل واحد منهم سفر ضخم] .
[وقد جمع أبو محمد بن موسى بن أمير المؤمنين المأمورية، في عبد اللَّه بن
العباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، في عشرين كتابا، وأبو بكر المذكور،
أحد الأئمة في العلم والحديث] .
[والمتوسطون منهم في ما روى عنهم من الفتيا: أم سلمة [ (1) ] أم المؤمنين،
أنس بن مالك [ (2) ] ، أبو سعيد الخدريّ، أبو هريرة، عثمان بن عفان، عبد
اللَّه بن عمرو بن العاص، عبد اللَّه بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وسعد
بن أبى وقاص [ (3) ] ،
و
__________
[ (1) ] سبقت لها ترجمته في أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (2) ] سبقت لها ترجمة وافية.
[ (3) ] سعد بن أبى وقاص، واسم أبى وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة
بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤيّ. الأمير أبو إسحاق القرشيّ الزهرىّ المكىّ.
أحد العشرة، وأحد السابقين الأولين، وأحد من شهد بدرا والحديبيّة، وأحد
الستة أهل الشورى.
روى جملة صالحة من الحديث، وله في «الصحيحين» خمسة عشر حديثا، وانفرد له
البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثا.
عن سعيد بن المسيب، سمعت سعدا يقول: ما أسلم أحد في اليوم الّذي أسلمت،
ولقد مكثت سبع ليالي وإني لثلث الإسلام.
عن قيس قال: قال سعد بن مالك: ما جمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
أبويه لأحد قبلي، ولقد رأيته ليقول لي: يا سعد، ارم، فداك أبى وأمى! وإني
لأول المسلمين رمى المشركين بسهم. ولقد رأيتني مع رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق السمر، حتى إن أحدنا ليضع كما
تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تعزرنى على الإسلام، لقد خبت إذن وضل سعيي. -
(9/136)
سلمان الفارسي [ (1) ] ، وجابر بن عبد
اللَّه، ومعاذ بن جبل، وأبو بكر الصديق، فهم ثلاثة عشر فقط، رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنهم، يمكن أن يجمع من في كل امرئ منهم جزء صغير، ويضاف إليهم
أيضا: طلحة [ (2) ] ، الزبير [ (3) ] ، عبد الرحمن بن
__________
[ () ] قال ابن المسيب: كان جيد الرمي، سمعته يقول: جمع لي رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم أبويه يوم أحد.
عن أبى عثمان أن سعدا قال: نزلت هذه الآية فىّ: وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ
بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما. [العنكبوت: 8] .
قال: كنت برا بأمي، فلما أسلمت، قالت: يا سعد! ما هذا الدين الّذي قد
أحدثت؟
لتدعن دينك هذا، أو لا آكل، ولا أشرب حتى أموت، فتعيّر بى، فيقال: يا قاتل
أمه، قلت:
لا تفعلي يا أمه، إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يوما لا تأكل ولا تشرب
وليلة، وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه! تعلمين واللَّه لو
كان لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني، إن شئت فكلي أو لا تأكلى،
فلما رأت ذلك، أكلت.
ومن مناقب سعد أن فتح العراق كان على يديه، وهو كان مقدم الجيوش يوم وقعة
القادسية، ونصر اللَّه دينه، ونزل سعد بالمدائن، ثم كان أمير الناس يوم
جلولاء، فكان النصر على يده، واستأصل اللَّه الأكاسرة.
قال خليفة بن خياط: وفي سنة خمس عشرة وقعة القادسية، وعلى المسلمين سعد،
وفي سنة إحدى وعشرين شكا أهل الكوفة سعدا أميرهم إلى عمر، فعزله.
قال الزهرىّ: لما استخلف عثمان، عزل عن الكوفة المغيرة، وأمّر عليها سعدا.
النعمان ابن راشد عن الزهري، عن عامر بن سعد قال: كان سعد آخر المهاجرين
وفاة.
قال المدائنيّ، وأبو عبيدة، وجماعة: توفى سنة خمس وخمسين.
وقع له في (مسند بقي بن مخلد) مائتان وسبعون حديثا، فمن ذاك في الصحيح
ثمانية وثلاثون حديثا. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 15- 16، ترجمة رقم
(5) .
[ (1) ] سبقت ترجمته.
[ (2) ] هو طلحة بن عبد اللَّه بن عثمان بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرة بن
كعب بن لؤيّ من الستة الأوائل في الإسلام توفى سنة خمس وخمسين، هو أحد
العشرة المبشرين بالجنة (سير أعلام النبلاء) : 1/ 24.
[ (3) ] هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي،
قتل بعد منصرفه يوم
(9/137)
عوف [ (1) ] ، عمران بن الحصين [ (2) ] ،
أبو بكرة [ (3) ] ، عبادة بن الصامت [ (4) ] ، معاوية ابن أبى سفيان] .
__________
[ () ] الجمل في جمادى الأول سنة (36) ، وله (66 أو 67) ، وهو أحد العشرة
المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى، (أسماء الصحابة الرواة) : 95
ترجمة (82) ، (الإصابة) :
3/ 5، (تهذيب التهذيب) : 3/ 318، (المصباح المضيء) : 1/ 114.
[ (1) ] هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة
القرشيّ الزهرىّ توفى سنة (31) ، بالمدينة من مشاهير الصحابة وأحد العشرة
المبشرين بالجنة وأحد الستة أهل الشورى الذين أوصى إليهم عمر بعده وأحد
الثمانية الذين أسلموا على يدي أبى بكر الصديق وشهد بدرا وأحدا والمشاهد
كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصلّى خلفه رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم.
(أسماء الصحابة الرواة) : 72، ترجمة (51) .
[ (2) ] هو عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن حذيفة بن جهمة بن
غاضرة بن حبشة ابن كعب الخزاعىّ الكعبيّ، توفى سنة (52 أو 53) ، روى عن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عدة أحاديث، وكان إسلامه عام خيبر،
وغزا عدة غزوات، وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح، وكان مجاب الدعوة، ولم
يشهد الفتنة. (أسماء الصحابة الرواة) : 52 ترجمة (21) ، (الإصابة) :
5/ 26، (تهذيب التهذيب) : 8/ 125، (الاستيعاب) : 3/ 1208.
[ (3) ] هو نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن عوف بن ثقيف الثقفيّ، توفى
سنة (51 أو 52) ، هو ممن نزل يوم الطائف إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم من حصن الطائف في بكرة [الفتى من الإبل] وكنى أبا بكرة وأعتقه رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو معدود من مواليه، أبو بكرة يقول: أنى من
إخوانكم في الدين، وأنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإن أبى
الناس إلا أن ينسبونى، فأنا نفيع بن مسروح.
(أسماء الصحابة الرواة) : 59 ترجمة (32) ، (الإصابة) : 7/ 22، (تهذيب
التهذيب) :
12/ 46.
[ (4) ] عبادة بن الصامت بن قيس بن صرم بن فهر بن قيس بن ثعلبة بن غنم بن
سالم بن عوف بن عمر بن عوف بن الخزرج أبو الوليد الأنصاري، الخزرجي. أمه:
قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن العجلان، توفى سنة 34 بالرملة، ومن مناقبه:
نزل فيه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ [المائدة: 51] لما تبرأ من حلفه مع بنى-
(9/138)
[والباقون منهم رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهم مقلون في الفتيا جدا، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان،
والزيادة اليسيرة على ذلك فقط، يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط
بعد التقصي والبحث: أبو الدرداء [ (1) ] ، أبو اليسر [ (2) ] ، أبو سلمة
المخزومي [ (3) ] ، أبو عبيدة ابن الجراح [ (4) ] ، سعيد
__________
[ () ] قينقاع لما خانوا المسلمين في غزوة الخندق. (أسماء الصحابة الرواة)
: 51، ترجمة (20) ، (الإصابة) : 4/ 27، (تهذيب التهذيب) : 5/ 111،
(الاستيعاب) : 2/ 807.
[ (1) ] هو عويمر بن عامر بن مالك بن زيد بن قيس بن عامر بن على بن عدىّ بن
كعب بن الخزرج ولقبه أبو الدرداء، توفى قبل مقتل عثمان بسنتين، تأخر إسلامه
قليلا كان آخر أهل داره إسلاما، وحسن إسلامه وكان فقيها عاقلا حكيما، آخى
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بينه وبين سلمان الفارسي
وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «عويمر حكيم أمتى» ،
شهد ما بعد أحد من المشاهد، (أسماء الصحابة الرواة) : 52، ترجمة (22)
(الإصابة) : 7/ 58.
[ (2) ] هو كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة
الأنصاري السلمي، أمه نسيبة بنت الأزهر من بنى سلمة أيضا، توفى بالمدينة
سنة (55) ، شهد العقبة وبدرا، وكان عظيم الغناء يوم بدر وغيره، وهو الّذي
أسر العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو الّذي انتزع
راية المشركين يوم بدر وكانت بيد أبى عزيز بن عمير، ثم شهد المشاهد مع رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم شهد صفين مع على بن أبى طالب، رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه. (أسماء الصحابة الرواة) : 153 ترجمة رقم: (174) ،
(الإصابة) :
7/ 218.
[ (3) ] هو أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم
بن يقظة بن مرة بن كعب أخو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة،
وزوج أم المؤمنين أم سلمة قبل أن يتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم، بعد وفاة أبى سلمة، مات سنة أربع وقيل سنة ثلاث، (سير أعلام
النبلاء) : 1/ 150.
[ (4) ] هو عامر بن عبد اللَّه بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبّة بن
الحارث بن فهر بن مالك ابن النضر القرشي الفهري، وقيل: اسمه عبد اللَّه بن
عامر والأول أصح أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، توفى في طاعون عمواس
سنة (18) ، وقيل: سنة (25) أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وشهد بدرا وأحدا
وسائر المشاهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهاجر إلى الحبشة-
(9/139)
بن زيد [ (1) ] ، الحسن، الحسين ابنا عليّ،
والنعمان بن بشير [ (2) ] ، وأبو مسعود [ (3) ] ، وأبىّ بن كعب [ (4) ] ،
وأبو أيوب [ (5) ] ، وأبو طلحة [ (6) ] ، وأبو ذر [ (7) ] ، وأم عطية [ (8)
] ، وصفية أم المؤمنين، وحفصة أم المؤمنين،
__________
[ () ] الهجرة الثانية، (أسماء الصحابة الرواة) : 139 ترجمة (148) ،
(الإصابة) : 7/ 128، (تهذيب التهذيب) : 12/ 159.
[ (1) ] هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن قرط بن
رزاح بن عدي بن كعب ابن لؤيّ بن غالب، أبو الأعور القرشيّ العدوىّ، أحد
العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن السابقين الأولين البدريين، ومن الذين رضى
اللَّه تبارك وتعالى عنهم ورضوا عنه.
شهد المشاهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وشهد حصار دمشق
وفتحها، فؤلاه عليها أبو عبيدة بن الجراح، فهو أول من عمل نيابة دمشق من
هذه الأمة.
توفى سنة (50) وقيل غير ذلك بالعقيق، وقيل بالكوفة، وصلّى عليه المغيرة بن
شعبة وعاش (73) وكان إسلامه قبل دخول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دار
الأرقم.
روى عنه بعض الصحابة مثل: ابن عمر، وعمر بن حريث، وأبو الطفيل، ومن كبار
التابعين: أبو عثمان النهدي، وابن المسيب، وقيس بن أبى حازم. وغيرهم.
قال ابن حجر في (الإصابة) : وذكر عروة وابن إسحاق وغيرهم في (المغازي) أن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرب له بسهمه يوم بدر لأنه كان غائبا
بالشام. (أسماء الصحابة الرواة) :
82، ترجمة رقم (64) ، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 124- 143، ترجمة رقم (6) .
[ (2) ] هو النعمان بن بشير بن سعيد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك الأغر
بن ثعلبة بن كعب، أبو عبد اللَّه الأنصاريّ، الخزرجي ولد بعد الهجرة بأربعة
عشر شهرا، وكان أول مولود في الإسلام من الأنصار وهو صحابىّ مشهور، ولا
يصحح بعض أهل الحديث سماعة، وكان شاعرا كريما جوادا، أمه عمرة بنت روحة،
أخت عبد اللَّه بن رواحة، توفى سنة (65) .
(أسماء الصحابة الرواة) : 62، ترجمة (36) ، (الثقات) : 3/ 409.
[ (3) ] هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة (يسيرة) أبو مسعود الأنصاري
البدري، توفى سنة (41 أو 42) ، وهو المعروف بالبدريّ لأنه سكن أو نزل ماء
بدر وشهد العقبة ولم يشهد بدرا عند أكثر أهل السير وقيل: شهدها ثم أورد له
حديثا في الأحق بالإمامة. (أسماء الصحابة الرواة) : 63 ترجمة (37)
(الإصابة) : 7/ 276، (تهذيب التهذيب) : 12/ 159. -
(9/140)
__________
[ () ] (3) هو أبىّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن
مالك بن النجار أبو المنذر، أبو الطفيل، سيد القراء، سيد المسلمين،
الأنصاريّ، النجارىّ، الخزرجىّ، المعاويّ، من فضائله: كان من أصحاب العقبة
الثانية، وشهد بدرا والمشاهد، روى عنه من الصحابة عمر وكان يسأله عن
النوازل، ويتحاكم إليه في المعضلات، وأبو أيوب، وعباده بن الصامت، وسهل بن
سعد، وأبو موسى، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس، وسليمان بن صرد، وغيرهم، أمه
صهيلة بنت الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد، مات سنة (22) ، في خلفة عمرو،
وقيل: بقي إلى خلافة عثمان. (أسماء الصحابة الرواة) : 54، ترجمة رقم (25) .
(الثقات) : 3/ 5.
[ (4) ] هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن
النجار بن الخزرج أبو أيوب الأنصاري، معروف باسمه وكنيته، أمه هند بنت سعيد
بن عمرو، من بنى الحارث ابن الخزرج من السابقين، نزل عليه رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم حين قدم المدينة ومات في زمن معاوية سنة (52) ، وقال لهم
إذا أنا مت فقدموني في بلاد العدو ما استطعتم ثم ادفنوني فمات وكان
المسلمون على حصار القسطنطينية فقدموه حتى دفن إلى جانب حائط القسطنطينية،
(تاريخ الصحابة) : 86 ترجمة (350) ، (الإصابة) : 2/ 234- 235، ترجمة رقم
(2165) .
[ (5) ] هو زيد بن سهيل بن الأسود بن حرام أبو طلحة الأنصاريّ النجارىّ،
توفى سنة (34) وله (70) سنة، وهو عقبىّ بدريّ نقيب آخى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم بينه وبين أبى عبيدة بن الجراح وشهد المشاهد كلها مع
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان من الرماة المذكورين وكان له يوم
أحد مقام مشهود وكان يقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنفسه وكان
صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «صوت أبى طلحة في الجيش خير من مائة رجل» ،
أمه عبادة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار،
قتل يوم حنين عشرين رجلا وأخذ أسلابهم. وكان لا يخض. كانت تحته أم سلمة بنت
ملحان، وعقبة منها، اختلف في وفاته فقيل: توفى سنة (31) ، وقيل: (34) ، وهو
بن (70) سنة، وصلّى عليه عثمان بن عفان، وروى حماد بن سلمة عن ثابت
البناني، وعلى بن زيد، عن أنس أن أبا طلحة سرد الصوم بعد رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم (40) سنة، وأنه ركب البحر فمات فدفن في جزيرة. وقال
المدائني: مات أبو طلحة سنة (51) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 110، ترجمة
(104) ، (الإصابة) : 7/ 231، (الاستيعاب) : 4/ 1697- 1699.
[ (6) ] سبقت له ترجمة.
(9/141)
وأم حبيبة أم المؤمنين، وأسامة بن زيد [
(1) ] ، وجعفر بن أبى طالب [ (2) ] ، والبراء بن عازب [ (3) ] ، وقرظة بن
كعب [ (4) ] ، وأبو عبد اللَّه البصري [ (5) ] ، ونافع [ (6) ] أخوه لأمه،
والمقداد بن الأسود [ (7) ] ، وأبو السائل بن بعكك [ (8) ] ،
__________
[ () ] (7) هي نسيبة بنت الحارث وقيل بنت كعب الأنصارية، وأنكره عمر لأن
نسيبة بنت كعب أم عمارة، روت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن
عمر، وروى عنه أنس وغيره، وحديثها في غسل آنية رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم مشهور في الصحيح، وكان جماعة من علماء التابعين يأخذون ذلك
الحكم، (أسماء الصحابة الرواة) : 93 ترجمة (79) ، (الإصابة) : 8/ 259.
[ (8) ] سبقت لهن ترجمة في أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (1) ] هو أسامة بن زيد بن شرحبيل بن امرئ القيس بن عوف بن كنانة بن بكر
أمه أم أيمن حاضنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم توفى في آخر خلافة
معاوية،
روى ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن أسامة بن زيد
لأحب إليّ أو من أحب الناس إليّ وأنا أرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به
خبرا» ، (أسماء الصحابة الرواة) : 60 ترجمة (33) ، (الإصابة) : 1/ 29،
(تهذيب التهذيب) : 10/ 208.
[ (2) ] هو جعفر بن أبى طالب بن هاشم ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم وأحد السابقين الأولين إلى الإسلام،
وقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشبهت خلقي وخلقي» ،
وقالت عائشة «لما أتت وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم الحزن، توفى سنة (89) وله (40) سنة، (الإصابة) : 1/ 485.
[ (3) ] هو البراء بن عازب بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري
توفى سنة (72) ، رده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن بدر، استصغره.
وأول مشاهده أحد وقيل: الخندق وغزا مع رسول اللَّه (14) غزوة وهو الّذي
افتتح الري سنة (24) صلحا أو عنوة، نزل الكوفة وابتنى له دارا، (أسماء
الصحابة الرواة) : 46 ترجمة (14) ، (الإصابة) : 1/ 147.
[ (4) ] قرظة بن كعب بن ثعلبة بن عمرو بن كعب بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن
الخزرج بن الحارث الأنصاري الخزرجي له صحبة سكن الكوفة كنيته أبو عمرو،
حديثه عند الشعبي، مات في خلافة على بن أبى طالب.
[ (5) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (6) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
(9/142)
والجارود العبديّ [ (1) ] ، وليلى بنت قائف
[ (2) ] ، وأبو محذورة [ (3) ] ، وأبو شريح الكعبي [ (4) ] ، وأبو برزة
الأسلمي [ (5) ] ، وأسماء بنت أبى بكر [ (6) ] ، وأم شريك [ (7) ] ،
__________
[ () ] (7) هو المقداد بن عمرو الأسود الكندي بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن
عامر بن مطرود شهرته:
المقداد بن الأسود الكندي، توفى سنة (33) ، في خلافة عثمان وله (70) سنة،
أسلم قديما وتزوج ابنة عم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهاجر الهجرتين
وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم (أسماء
الصحابة الرواة) : 89، ترجمة (749) ، (الثقات) : 3/ 371، (الإصابة) :
6/ 133، (تهذيب التهذيب) : 10/ 285
[ (8) ] هو أبو السنابل بن بعكك بموحدة ثم مهملة ثم كافين بوزن بوزن جعفر
بن الحارث بن عميلة بفتح أوله ابن السباق بن عبد الدار القرشيّ البدريّ
اسمه صبّة، قال البغوي: سكن الكوفة، قال البخاري: لا أعلم أنه عاش بعد رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. (الإصابة) : 7/ 190.
[ (1) ] الجارود بن عمرو بن المعلّى العبديّ، وقيل عنه أسماء كثيرة، وفد
على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سنة (10) من وفد عبد القيس فأسلم
وكان نصرانيا ففرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإسلامه فأكرمه
وقرّبه، روى عنه من الصحابة: عبد اللَّه بن عمرو بن العاص. (أسماء الصحابة
الرواة) : 247 ترجمة (347) ، (الإصابة) : 1/ 226، (تهذيب التهذيب) : 2/ 53.
[ (2) ] هي ليلى بنت قائف الثقفية، ذكر أنها قالت: كنت ممن شهد غسل أم
كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأول ما أعطانى من كفنها
الحقو، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت في الإذخر إدراجا.
(أسماء الصحابة الرواة) : 539 ترجمة (985) ، (الإصابة) : 8/ 182، (تهذيب
التهذيب) : 2/ 53.
[ (3) ] هو أبو محذورة المؤذن الجمحيّ كان مؤذن الرسول صلّى اللَّه عليه
وسلّم وكان رسول اللَّه قد سمعه يحكى الأذان فأعجبه صوته فأمر أن يؤتى به
فأسلم يومئذ وأمره بالأذان بمكة منصرفه من حنين، وقال الكلبي: لم يهاجر أبو
محذورة، بل أقام بمكة إلا أن مات بعد موت سمرة بن جندب، وقال غيره مات سنة
(59) ، وقيل سنة (79) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 161 ترجمة (188) ،
(الإصابة) : 7/ 172.
[ (4) ] هو أبو شريح الخزاعىّ الكعبيّ توفى سنة (68) ، أسلم قبل فتح مكة
وكان يحمل أحد ألوية بنى كعب بن خزاعة يوم الفتح من عقلاء الرجال وكان يقول
إذا رأيتموني أبلغ من أنكحته أو
(9/143)
والحولاء [ (1) ] بنت تويت، وأسيد بن
الحضير [ (2) ] ، والضحاك بن قيس [ (3) ] ، وحبيب ابن مسلمة [ (4) ] ، و
[حبيب بن أوس] [ (5) ] ، وحذيفة بن اليمان [ (6) ] ، وثمامة بن أثال [ (7)
]
__________
[ () ] أنكحت إليه إلى السلطان فاعلموا أنى مجنون، ومن وجد لأبى شريح سمنا
أو لبنا أو جداية فهو له حل فليأكله وليشربه، (أسماء الصحابة الرواة) :
(122) .
[ (5) ] هو أبو برزة الأسلمي قال الواقدي: زعم ولده أن اسمه عبد اللَّه وهو
نضلة بن عبيد اللَّه بن الحارث بن حبال بن أنس بن خزيمة بن مالك نزل البصرة
وله بها دار وسار إلى خراسان فنزل مرو وعاد إلى البصرة (أسماء الصحابة
الرواة) : 121 ترجمة (121) ، (الإصابة) :
6/ 237، (تهذيب التهذيب) : 2/ 20.
[ (6) ] هي بنت أبى بكر الصديق أسلمت قديما بمكة وتزوجها الزبير بن العوام
وهاجرت وهي حامل بولده عبد اللَّه وعاشت إلى أن ولى ابنها الخلافة ثم إلى
أن قتل وماتت بعده بقليل، وكانت تلقب بذات النطاقين، وسماها بذلك رسول
اللَّه. (أسماء الصحابة الرواة) : 78 ترجمة 58، (أعلام النساء) : 1/ 36
[ (7) ] هي أم شريك الأنصارية: من ربات البر والإحسان والثراء وكان ينزل
عليها الضيفان فتنفق عليهم ابتغاء وجه اللَّه تعالى ومرضاته وتزوجها رسول
اللَّه وقال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار ثم قال: إني أكره غيرتهن فلم
يدخل بها، لها ترجمة في أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
(أعلام النساء/ 296) .
[ (1) ] هي الحولاء بنت تويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية
الأسدية، ذكرها ابن سعد وقال أسلمت وبايعت، وقالت عائشة: إن الحولاء بنت
تويت مرت بها وعندها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: هذه
الحولاء بنت تويت يزعمون أنها لا تنام الليل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم: خذوا من العمل ما تطيقون، (الإصابة) : 7/ 592.
[ (2) ] هو أسيد بن الحضير بن سماك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل
الأنصاري الأشهلي توفى سنة (20) ، وقيل: في إمارة عمر، شهد العقبة الثانية
وكان نقيبا لبني عبد الأشهل، وشهد أحدا، وكان ممن ثبت يومها، وجرح حينئذ
سبع جراحات، وقال أبو هريرة: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال:
«نعم الرجل أسيد بن الحضير» ، (أسماء الصحابة الرواة) : 130 ترجمة (133) ،
(سير أعلام النبلاء) : 1/ 299.
(9/144)
__________
[ () ] (3) هو الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب القرشيّ الفهرىّ، ولد قبل وفاة
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسبع سنين كان على شرطة معاوية وله في
الحروب معه بلاء عظيم، وسيّره معاوية على جيش فعبر جسر منبج وصار إلى الرقة
ومضى منها فأغار على سواد العراق وأقام بهيت ثم عاد ثم استعمله معاوية على
الكوفة بعد زياد سنة (53) ، ثم عزله سنة (57) ، (أسماء الصحابة الرواة) :
471 ترجمة (831) ، (تهذيب التهذيب) : 4/ 394 ترجمة (791) .
[ (4) ] هو حبيب بن مسلمة بن مالك بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن
شيبان بن محارب بن فهر أبو عبد الرحمن الفهرىّ الحجازىّ، وقيل أبو سلمة
القرشي الفهري، ويقال له: حبيب الرمي وحبيب الروم لكثرة جهاده فيهم، وقال
بن سعد عن الواقدي: كان له يوم توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم اثنتا عشر
سنة وقال ابن معين: أهل الشام يثبتون صحبته، وأهل المدينة ينكرونها، وقال
سعيد بن عبد العزيز كان مجاب الدعوة، وقال ابن حبيب: هو حبيب بن مسلمة، هو
الّذي فتح أرمينية فمات بها سنة (42) ، ولم يبلغ (50) سنة. (أسماء الصحابة
الرواة) : 182 ترجمة (227) ، (الإصابة) : 2/ 24، (الثقات) : 3/ 81، (تهذيب
التهذيب) : 2/ 167.
[ (5) ] هو حبيب بن أوس ويقال ابن أبى أوس الثقفي المصري، روى عن أبى أيوب
وعمرو بن العاص الثقفي، ذكره ابن يونس، فيمن شهد فتح مصر فدل على أن له
إدراكا، ولم يبق من ثقيف في حجة الوداع أحد إلا وقد أسلم وشهدها، فيكون هذا
صحابيا. (تهذيب التهذيب) :
2/ 155، (الثقات) : 4/ 139، (الإصابة) : 2/ 15.
[ (6) ] سبقت ترجمته.
[ (7) ] هو ثمامة بن أثال بن النعمان بن سلمة بن عتبة بن ثعلبة بن يربوع بن
ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة الحنفىّ، أبو أمامة اليمامىّ، حديثه في البخاريّ
من طريق سعيد المقبري، عن أبى هريرة، قال: بعث النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له: ثمامة ابن أثال،
فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال:
أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال:
أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه.
وذكر أيضا ابن إسحاق أن ثمامة ثبت على إسلامه لما ارتد أهل اليمامة، وارتحل
هو ومن أطاعه من قومه، فلحقوا بالعلاء الحضرميّ، فقاتل معه المرتدين من أهل
البحرين، فلما
(9/145)
وعمار بن ياسر [ (1) ] ، وعمر بن الغادية
السلمي [ (2) ] ، وأم الدرداء الكبرى [ (3) ] ، والضحاك بن حذيفة المازني [
(4) ] ، والحكم بن عمرو الغفاريّ [ (5) ] ، ووابصة بن معبد الأسدي [ (6) ]
، وعبد اللَّه بن جعفر [ (7) ] ، وعوف بن مالك [ (8) ] ، وعبيد اللَّه بن
__________
[ () ] ظفروا اشترى ثمامة حلة كانت لكبيرهم، فرآها عليه ناس من بنى قيس بن
ثعلبة. فظنوا أنه هو الّذي قتله وسلبه فقتلوه. (الإصابة) : 1/ 411.
[ (1) ] هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن
الوذيم ... المذحجي أبو اليقظان: العنسيّ. حليف بنى مخزوم، قتل مع على
بصفين سنة (37) وله (93 سنة) .
وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام ... وأمه سمية وهي أول من استشهد في
سبيل اللَّه عز وجل وأبوه وأمه من السابقين، وكان إسلام عمار بعد بضعة
وثلاثين وهو ممن عذب في اللَّه، وقال عمار: لقيت صهيب بن سنان على باب دار
الأرقم ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها فقلت ما تريد؟ فقال: ما
تريد أنت؟ قلت أريد أن أدخل على محمد وأسمع منه كلامه. فقال: وأنا أريد ذلك
فدخلنا عليه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا. وهو من مشاهير الصحابة.
(الإصابة) : 4/ 373، (الاستيعاب) : 3/ 1135، (أسماء الصحابة الرواة) : 73،
ترجمة رقم 52.
[ (2) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (3) ] هي خيرة بنت أبى حدرة الأسلمي هي زوج أبى الدرداء، توفيت في خلافة
عثمان بالشام قبل وفاة أبى الدرداء بسنتين، كانت من فضلى النساء وعقلائهن
وذوات الرأى فيهن مع العبادة والنسك، (أسماء الصحابة الرواة) : (223) ترجمة
(302) ، (الإصابة) : 8/ 73.
[ (4) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (5) ] هو الحكم بن عمرو بن مجدع بن حزيم بن الحارث بن ثعلبة الغفاريّ،
توفى في القيد سنة (45) ، صحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى توفى ثم
سكن البصرة واستعمله زياد بن أبيه على خرسان على غير قصد منه لولايته إنما
أرسل زياد يستدعى الحكم فمضى الرسول غلطا منه وأحضر الحكم ابن عمرو فلما
رآه زياد قال: هذا من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستعمله
عليه، (أسماء الصحابة الرواة) : 445 ترجمة (775) .
[ (6) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
(9/146)
__________
[ () ] (7) هو عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم
الهاشمي، أبو محمد، وأبو جعفر وهي أشهر. وحكى المرزباني أنه كان يكنى أبا
هاشم.
أمه أسماء بنت عميس الخثعمية أخت ميمونة بنت الحارث لأمها، ولد بأرض الحبشة
لما هاجر أبواه إليها، وهو أول من ولد بها من المسلمين، وحفظ عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم.
وقال ابن حبان: كان يقال له: قطب السخاء، وكان له عند موت النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، وقال يعقوب بن سفيان: كان أحد أمراء عليّ يوم
صفين، وأخباره في الكرم كثيرة شهيرة. مات سنة ثمانين عام الجحاف، وهو سيل
كان ببطن جحف الحاج، وذهب بالإبل، وعليها الحمولة، وصلّى عليه أبان بن
عثمان وهو أمير المدينة حينئذ لعبد الملك بن مروان، هذا هو المشهور.
وقال الواقدي: مات سنة تسعين، وكان له يوم مات تسعون سنة، وكذا رأيته في
(ذيل الذيل) لأبى جعفر الطبري، وقال المدائني: مات عبد اللَّه بن جعفر سنة
أربع أو خمس وثمانين وهو ابن ثمانين قلت: وهو غلط أيضا. وقال خليفة: مات
سنة اثنتين. وقيل سنة أربع وثمانين.
وقال ابن البرقي ومصعب: في سنة سبع وثمانين، فهذا يمكن أن يصح معه قول
الواقدي: إنه مات وله تسعون سنة، فيكون مولده قبل الهجرة بثلاث.
وأخرج ابن أبى الدنيا والخرائطى بسند حسن إلى محمد بن سيرين، أن دهقانا من
أهل السواد كلم ابن جعفر في أن يكلم عليا في حاجة، فكلمه فيها، فقضاها،
فبعث إليه الدهقان أربعين ألفا، فقالوا: أرسل بها الدهقان فردها، وقال إنا
لا نبيع معروفا.
وأخرج الدار قطنى في الأفراد، من طريق هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين،
قال:
جلب رجل من التجار سكرا إلى المدينة فكسد عليه، فبلغ عبد اللَّه بن جعفر،
فأمر قهرمانه أن يشتريه وينهبه الناس. (الإصابة) : 4/ 40- 44، (أسماء
الصحابة الرواة) : 109، ترجمة (103) .
[ (8) ] هو عوف بن مالك بن أبى عوف الأشجعي، مختلف في كنيته. قيل: أبو عبد
الرحمن.
وقيل: أبو محمد. وقيل: غير ذلك.
قال الواقدي أسلم عام خيبر، ونزل حمص، وقال غيره: شهد الفتح وكانت معه راية
أشجع، وسكن دمشق. وقال ابن سعد: آخى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بينه
وبين أبى الدرداء. -
(9/147)
سلام [ (1) ] ، وعمر بن عبسة [ (2) ] ،
وعتاب بن أسيد [ (3) ] ، وعثمان بن أبى العاص [ (4) ] ، وعبد اللَّه بن
سرجس [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن رواحة [ (6) ] ، وعقيل بن
__________
[ () ] روى أبو عبيد في كتاب (الأموال) ، من طريق مجالد عن الشعبي، عن سويد
بن غفلة، قال: لما قدم عمر الشام قام إليه رجل من أهل الكتاب، فقال: إن
رجلا من المسلمين صنع بى ما ترى، وهو مشجوع مضروب. فغضب عمر غضبا شديدا
وقال لصهيب: انطلق فانظر من صاحبه فائتنى به، فانطلق فإذا هو عوف بن مالك.
فقال: إن أمير المؤمنين قد غضب عليك غضبا شديدا فأت معاذ بن جبل فكلمه،
فإنّي أخاف أن يعجل عليك. فلما قضى عمر الصلاة قال: أجئت بالرجل؟ قال: نعم،
فقام معاذ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه عوف بن مالك، فاسمع منه ولا تجعل
عليه. فقال له عمر: مالك ولهذا؟ قال: رأيته يسوق بامرأة مسلمة على حمار
فنخس بها لتصرع فلم تصرع، فدفعها فصرعت فغشيها أو أكب عليها. قال: فلتأتني
المرأة فلتصدق ما قلت، فأتاها عوف، فقال له أبوها وزوجها: ما أردت إلى هذا،
فضحتنا فقالت المرأة: واللَّه لأذهبنّ معه. فقالا: فنحن نذهب عنك، فأتيا
عمر فأخبراه بمثل قول عوف، فأمر عمر باليهودي فصلب، وقال: ما على هذا
صالحناكم. قال سويد: فذلك اليهودي أول مصلوب رأيته في الإسلام.
قال الواقدي والعسكري وغيرهما: مات سنة ثلاث وسبعين في خلافة عبد الملك.
(الإصابة) :
4/ 472- 473. (أسماء الصحابة الرواة) : 70 ترجمة (48) . (الثقات) : 3/ 319.
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن سلام بن الحارث، من ذرية يوسف عليه السّلام، توفى
سنة (43) ، كان إسلامه لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة
مهاجرا وروى عنه ابناه يوسف ومحمد، وأنس بن مالك، زرارة بن أوفى، كان اسمه
في الجهالية الحصين فسماه رسول اللَّه حين أسلم عبد اللَّه وله موقفا حميد
في نصح الناس يوم مقتل عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. (أسماء
الصحابة الرواة) : 110، ترجمة (105) ، (الإصابة) : 4/ 118- 120.
[ (2) ] هو عمرو بن عبسة بن خالد بن عامر بن غاضرة بن امرئ القيس السلمىّ
البجليّ القيسيّ أسلم قديما أول الإسلام كان يقال هو رابع الإسلام، وكان
قدومه المدينة بعد مضى بدر وأحد والخندق، (أسماء الصحابة الرواة) : 96
ترجمة (84) ، (تهذيب التهذيب) : 8/ 699.
[ (3) ] هو عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد الرحمن بن عبد مناف
القرشي ولاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وهو ابن (18) سنة حين
خرج إلى حنين وتوفى في يوم توفى أبو بكر الصديق
(9/148)
أبى طالب [ (1) ] ، وعائذ بن عمرو [ (2) ]
، وأبو قتادة [ (3) ] ، وعبد اللَّه بن معمر العدوي [ (4) ] ، وعمير بن سعد
[ (5) ] ، وعبد اللَّه ابن أبى بكر [ (6) ] الصديق، وعبد
__________
[ () ] ولم يعلم أحدهما بموت الآخر لأن هذا مات بمكة وذاك مات بالمدينة،
(تاريخ الصحابة الرواة) :
96 ترجمة (84) ، (الثقات) : 3/ 269.
[ (4) ] هو عثمان بن أبى العاص بن بشر بن عبد دهمان بن عبد اللَّه بن همام
بن أبان بن سيار بن مالك بن حطيط، أبو عبد اللَّه الثقفي، وفد على رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في وفد ثقيف فأسلم واستعمله رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم على الطائف ولم يزل على الطائف حياة رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم وخلافة أبى بكر، وسنتين من خلافة عمر واستعمله عمر
سنة (15) ، على البحرين وعمان فسار إلى عمان ووجه أخاه الحكم إلى البحرين
وسار هو إلى توج فافتتحها ومصرها وقتل ملكها «شهرك» سنة (21) . (أسماء
الصحابة الرواة) : 104 ترجمة (95) .
[ (5) ] هو عبد اللَّه بن سرجس المزني، حليف بنى مخزوم، له صحبة سكن
البصرة، وقال:
رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأكلت معه خبزا ولحما أو قال:
ثريدا فقلت له: غفر اللَّه لك يا رسول اللَّه قال: ولك، قال: قلت لعبد
اللَّه بن سرجس أستغفر لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نعم
وتلى هذه الآية وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ، (تاريخ الصحابة الرواة) : 131 ترجمة (136) ، (الثقات) :
3/ 230، (تلقيح الفهوم) : 368.
[ (6) ] هو عبد اللَّه بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ
القيس الأكبر بن مالك الأنصاري الخزرجي، استشهد في مؤتة في جمادى سنة (8) ،
كان ممن شهد العقبة وكان نقيب بنى الحارث بن الخزرج وشهد بدرا، وأحدا،
والخندق، والحديبيّة، وعمرة القضاء، والمشاهد كلها، مع رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم إلا الفتح وما بعده، فإنه كان قد قتل قبله وهو أحد
الأمراء في غزوة مؤتة، (أسماء الصحابة الرواة) : 498 ترجمة (886) .
[ (1) ] هو عقيل بن أبى طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب، أبو يزيد القرشيّ،
الهاشميّ، أخو عليّ ابن أبى طالب وجعفر، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، كان
سريع الجواب المسكت، وله فيه أشياء حسنة، وكان أعلم قريش بالنسب، وأعلمهم
بيأمها، ولكنه كان مبغضا إليهم لأنه كان يعد مساويهم، تأخر إسلامه عام
الفتح، وقيل: أسلم بعد الحديبيّة، وهاجر في أول سنة ثمان، وكان أسر يوم بدر
ففداه عمه العباس. ووقع ذكره في الصحيح في مواضع. توفى في
(9/149)
__________
[ () ] خلافة معاوية، وقيل: أول خلافة يزيد. (أسماء الصحابة الرواة) : 207،
ترجمة (273) .
(الثقات) : 3/ 259.
[ (2) ] هو عائذ بن عمرو بن هلال بن عبيد بن يزيد أبو هبيرة المزنيّ. كان
ممن بيعة الرضوان، تحت الشجرة وكان من صالحي الصحابة، سكن البصرة وابتنى
بها دارا، وتوفى في إمارة عبيد اللَّه ابن زياد أيام يزيد بن معاوية وأوصى
عليه أبو برزة الأسلمي لئلا يصلى عليه ابن زياد روى عنه: الحسن. ومعاوية بن
قرة. وعاصم الأحول. وغيرهم. وزاد ابن حجر فيمن روى عنه: ابنه حشرج، وأبو
جمرة الضبيّ، وغيرهم. وقال ابن حجر في (الإصابة) : كان ممن بايع تحت الشجرة
ثبت ذلك في البخاري، وله عند مسلم في الصحيح حديثان غير هذا.
روى البغوي من طريق أسماء بن عبيد: كان بن عمرو لا يخرج من داره ولا غيره
فسئل فقال: لأن أصب طستى في حجرتي أحب إليّ من أن أصبّه في طريق المسلمين.
(أسماء الصحابة الرواة) : 176، ترجمة (217) ، (الإصابة) : 3/ 609.
[ (3) ] هو الحارث بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن عبيد بن غنم بن كعب بن سلمة
بن سعد وقيل:
اسمه النعمان وقيل: عمرو أبو قتادة الأنصاري. الخزرجي. السلمي. أمه: كبشة
بنت مطهر بن حرام بن سواد بن غنم. وفاته: قيل توفى سنة (54) بالمدينة. وقيل
بالكوفة في خلافة على وقيل توفى سنة (40) . اختلف في شهوده بدرا، قال ابن
سعد: شهد أحدا وما بعدها. وقال أبو أحمد الحاكم: يقال: كان بدريا
وقال إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
خير فرساننا أبو قتادة.
وقال أبو نضرة، عن أبى سعيد: أخبرنى من هو خير منى أبو قتادة. (أسماء
الصحابة الرواة) : 53، ترجمة (23) ، (الإصابة) :
7/ 327- 329.
[ (4) ] لم أجد له ترجمة في بين يدي من مراجع.
[ (5) ] هو عمير بن سعد بن فهد ويقال عمير بن جودان، روى عنه محمد بن سيرين
وابنه أشعث، ولكن ليست له صحبة وحديثه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم مرسل عند أكثرهم ومنهم من يصحح صحبته قال الحافظ في (الإصابة) : عمير
بن سعد عامل عمر على حمص. استدركه يحيى بن عبد الوهاب بن مندة على جده،
ووهم فيه، فإن جده ذكره فقال: عمير بن سعد وهو الصحيح.
(الإصابة) : 5/ 308، (أسماء الصحابة الرواة) : 405 ترجمة (687) . (التاريخ
الكبير) :
6/ 536، (الجرح والتعديل) 6/ 675.
(9/150)
الرحمن بن أبى بكر الصديق [ (1) ] ، وعاتكة
بنت زيد بن عمر [ (2) ] ، وعبد الرحمن ابن عوف الزهري [ (3) ] ، وسعد بن
معاذ [ (4) ] ، وأبو منيب [ (5) ] ، وسعد بن
__________
[ () ] (6) هو عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما
بن عمرو بن كعب بن لؤيّ القرشي التيمي، توفى سنة (11) ، أول خلافة أبيه،
كان قديم الإسلام لم يسمع له بمشهد إلا شهوده الفتح، وحنينا، والطائف، وهو
الّذي كان يأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأباه بأخبار الناس
والطعام في غار ثور في الهجرة، (أسماء الصحابة الرواة) : 446 ترجمة (777) .
[ (1) ] هو عبد الرحمن بن عبد اللَّه [أبو بكر الصديق] بن عثمان القرشي
التيمي، توفى ودفن بمكة سنة (53) ، صحابى مشهور له أخبار كثيرة في المغازي
والسير.
[ (2) ] هي عاتكة بنت زيد بن نفيل القرشية، تزوجها أكثر من صحابى، واستشهد
ولها منزلة بين قومها. (أعلام النساء) : 3/ 201.
[ (3) ] هو عبد الرحمن بن عبد عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن
كلاب بن مرة أبو محمد.
القرشيّ الزهرىّ. أمه: الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث.
من مشاهير الصحابة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى
الذين أوصى إليهم عمر بعده، وأحد الثمانية الذين أسلموا على يد أبى بكر
الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وشهد بدرا، وأحدا والمشاهد كلها مع
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وصلى خلفه رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم، ومناقبه كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، توفى سنة (31) بالمدينة.
(أسماء الصحابة الرواة) : 72، ترجمة (51) ، (التاريخ الكبير) : 5/ 239،
(التاريخ الصغير) : 1/ 50، (شذرات الذهب) : 1/ 25، 38، 62.
[ (4) ] هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن مالك بن أوس الأنصاريّ
الأشهليّ، شهد بدرا، ورمى بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرا، حتى حكم في
بنى قريظة، ومات، وقال المنافقون لما خرجت جنازته: ما أخفها
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن الملائكة حملته،
وقيل: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: اهتز عرش الرحمن لموت
سعد بن معاذ، (الإصابة) : 3/ 84- 86.
[ (5) ] هو أبو منيب الكلبي ذكره البخاري في الكنى، وأخرج له من طريق بقية
بن الوليد عن مسلمة ابن زياد، قال: رأيت أربعة نفر من أصحاب النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم منهم روح بن يسار وأبو منيب الكلبي، يلبسون العمائم
ويرخون من خلفهم [وثيابهم] إلى الكعبين. وأخرجه ابن مندة من طريق بقية،
قال: حدثني مسلمة بن زياد. (الإصابة) : 7/ 390.
(9/151)
عبادة [ (1) ] ، وقيس بن سعد [ (2) ] ،
وعبد الرحمن ابن سهل [ (3) ] ، وسمرة بن جندب [ (4) ] ، وسهل بن سعد
الساعدي [ (5) ] ، ومعاوية بن مقرن [ (6) ] ، والسويد بن المقرن [ (7) ] ،
ومعاوية بن الأرقم [ (8) ] ، وجرير بن عبد اللَّه.
__________
[ (1) ] هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبى خزيمة بن أبى الخزرج بن
ساعدة بن كعب السعدىّ الأنصاريّ توفى سنة (11) ، وقيل غير ذلك بالشام،
قتلته الجن شهد بدرا، كان صاحب راية الأنصار في المشاهد كلها، وكان غيورا
شديد الغيرة وإياه
أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله: «إن سعد غيورا وإني لأغير
من سعدا واللَّه أغير منا وغيرة اللَّه أن تأتى محارمه» . (أسماء الصحابة
الرواة) : 119 ترجمة (119) . (الثقات) : 3/ 148، (التاريخ الكبير) :
1/ 25، (الجرح والتعديل) : 4/ 382، (الإصابة) : 3/ 65.
[ (2) ] هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبى خزيمة بن الخزرج
بن ساعدة بن كعب الساعدىّ الأنصاريّ، توفى سنة (59) كان من فضلاء الصحابة
وأحد دهاة العرب وكرمائهم، وكان من ذوى الرأى الصائب والمكيدة في الحرب مع
النجدة والشجاعة وكان شريف قومه غير مدافع ومن بيت سيادتهم، (أسماء الصحابة
الرواة) : 133 ترجمة 139، (الإصابة) :
5/ 473، (تهذيب التهذيب) : 8/ 395.
[ (3) ] هو عبد الرحمن بن سهل الأنصاري، شهد أحد، والخندق، والمشاهد، وهو
الّذي نهش فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عمارة بن حزم، فرقاه رقية عند
آل عروة بن حزم، (الإصابة) : 4/ 312.
[ (4) ] هو سمرة بن جندب بن هلال بن جريج بن مرة بن فزارة أبو سليمان توفى
سنة (58) سكن البصرة قدمت به أمه المدينة بعد موت أبيه فتزوجها رجل من
الأنصار وكان في حجره إلى أن صار غلاما وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم يعرض غلمان الأنصار كل سنة فمر به غلام فأجازه في البعث وعرض عليه
سمرة بعده فرده، فقال سمرة: لقد أجزت هذا ورددتني ولو صار عنه لصرعته قال:
فدونكه، فصارعه فصرعه سمرة، فأجازه من البعث، قيل: أجازه يوم أحد، (أسماء
الصحابة الرواة) : 61 ترجمة (35) .
[ (5) ] هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن الخزرج الأنصاري الساعدي، توفى
سنة (88) ، شهد قضاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المتلاعنين
وأنه فرق بينهما وكان اسمه حزنا فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
سهلا، (أسماء الصحابة الرواة) : 50 ترجمة (19) ، (الإصابة) : 3/ 200،
(تهذيب التهذيب) : 4/ 252.
(9/152)
البجلي [ (1) ] ، وجابر بن سمرة [ (2) ] ،
و [جويرية] أم المؤمنين [ (3) ] ، وحسان بن ثابت [ (4) ] ، وحبيب بن عدىّ [
(5) ] ، وقدامة بن مظعون [ (6) ] ، وعثمان بن مظعون [ (7) ] ،
__________
[ () ] (6) هو معاوية بن سويد بن مقرن المزني، أبو أسيد الكوفي، وهو مشهور
من التابعين وحديثه عن أبيه، وعن البراء بن عازب في صحيح مسلم وغيره،
(الإصابة) : 6/ 155.
[ (7) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (8) ] هو معاوية بن الحكم السلمىّ كان يسكن في بنى سليم وينزل المدينة،
له صحبة، ويعد من أهل الحجاز سكن المدينة، وروى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم حديثا، قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) :
ثبت ذكره وحديثه في صحيح مسلم من طريق عطاء بن يسار عنه قال: صليت خلف رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعطس رجل من القوم في صلاته فقلت: يرحمك
اللَّه. الحديث. ثم ذكر له عدة أحاديث أخرى يمكنك مراجعتها من موضعها
بالإصابة. (أسماء الصحابة الرواة) : 143 ترجمة (155) ، (الإصابة) : 6/ 148.
[ (1) ] هو جرير بن عبد اللَّه بن جابر بن السليل بن مالك بن خزيمة البجلي
وقيل اليمنى، توفى سنة (51) ، أسلم قبل وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
وكان حسن الصورة، قال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: جرير
يوسف هذه الأمة وهو سيد قومه،
وقابل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأكرمه وقال: «إذا أتاكم كريم
قومه فأكرموه» ،
وكان له في الحروب بالعراق القادسية وغيرها أثر عظيم.
وقال ابن حجر في (التهذيب) : روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن عمر،
ومعاوية. وعنه أولاده المنذر وعبيد اللَّه وأيوب وغبراهيم وابن ابنه أبو
زرعة بن عمر وأنس وأبو وائل.. وغيرهم، (أسماء الصحابة الرواة) : 63، ترجمة
(38) ، (الإصابة) : 1/ 475، (تهذيب التهذيب) :
2/ 63.
[ (2) ] هو جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير بن صعصعة العامرىّ
السوائىّ، حليف بنى زهرة، توفى أيام المختار سنة (66) ، له صحبة، وروى شريك
عن سماك بن جابر بن سمرة ابن جندب قال: جالست رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم أكثر من مائة مرة، وفي الصحيح عنه قال: صليت مع النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم أكثر من ألفى مرة، (أسماء الصحابة الرواة) : 57 ترجمة (29) ،
(الإصابة) :
1/ 178.
[ (3) ] هي جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار بن حبيب بن جذيمة بن المصطلق بن
حارثة، توفيت سنة (50) ، سباها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم
المريسيع وهي غزوة بنى المصطلق ولما تزوجها رسول
(9/153)
وميمونة أم المؤمنين [ (1) ] ، ومالك بن
الحويرث [ (2) ] ، وأبو أمامة الباهلي [ (3) ] ، ومحمد بن مسلمة [ (4) ] ،
وخباب بن الأرت [ (5) ] ، وخالد بن الوليد [ (6) ] ، وضمرة بن
__________
[ () ] اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حجبها وقسم لها، وكان اسمها برد
فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جويرية وروت عن رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم، (أسماء الصحابة) : 195 ترجمة (259) (الإصابة) : 7/
565.
[ (4) ] هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد بن عدىّ
الأنصاريّ الخزرجىّ النجارىّ توفى قبل الأربعين وهو صحابى مشهور،
وقد جاء في الصحيحين عن البراء أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال
لحسان: «اهجهم أو هاجهم وجبريل معك. (أسماء الصحابة الرواة) : 465 ترجمة
(819) ، (الإصابة) : 2/ 62.
[ (5) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (6) ] هو قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشيّ الجمحيّ
كان أحد السابقين الأولين هاجر الهجرتين، وشهد بدرا، له صحبة، ويكنى أبا
عمرو، أسلم قديما، وكانت تحته صفية بنت الخطاب، أخت عمر بن الخطاب، مات سنة
(36) ، في خلافة على، وله (68) سنة، (الإصابة) : 5/ 423.
[ (7) ] هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن كعب بن لؤيّ القرشيّ الحجمىّ،
توفى في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو أول رجل مات من المهاجرين
بالمدينة بعد شهوده بدرا سنة (2) وهو أول من دفن بالبقيع هو صحابى مشهور
أسلم قديما وهاجر الهجرتين وأوذى في اللَّه أذى شديدا بعد أن كان في جوار
الوليد بن المغيرة. (أسماء الصحابة الرواة) : 233 ترجمة (233) (الإصابة) :
4/ 461.
[ (1) ] هي ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية أم المؤمنين رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنها، وكان اسمها برة فغيره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
وأسماها ميمونة توفيت بسرف سنة (51) تقريبا، روت عن النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم أحاديث كثيرة منها في الصحيحين والمتفق عليه، (أسماء الصحابة الرواة)
: 68 ترجمة (44) ، (الإصابة) : 8/ 126، (أعلام النساء) : 5/ 138.
[ (2) ] هو مالك بن الحويرث بن أشيم بن زياد الليثي أبو سليمان، توفى سنة
(64) ، هو من أهل البصرة قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في شبيبة من
قومه فعلمهم الصلاة وأمرهم بتعليم قومه إذا رجعوا إليهم، (أسماء الصحابة
الرواة) : 203 ترجمة (267) ، (الإصابة) : 5/ 719.
[ (3) ] هو صدى بن عجلان بن الحارث وقيل: عجلان بن وهب أبى أمامة الباهلىّ
السهمىّ توفى سنة (81) ، سكن مصر ثم انتقل منها، فسكن حمص من الشام، ومات
بها وكان من المكثرين في الرواية وأكثر حديثه عند الشاميين، (أسماء الصحابة
الرواة) : 48 ترجمة (17) ، (الإصابة) :
7/ 19.
(9/154)
بن مسلمة [ (1) ] ، وخباب بن الأرت [ (2) ]
، وخالد بن الوليد [ (3) ] ، وضمرة بن الفيض [ (4) ] ، وطارق بن شهاب [ (5)
] ، وضهير بن رافع [ (6) ] ، ورافع بن خديج [ (7) ] ، وفاطمة بنت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (8) ] .
__________
[ () ] (4) هو محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدىّ الأنصاريّ الأوسيّ
الحارثىّ، توفى سنة (46) وله (77) سنة، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا تبوك ومات بالمدينة ولم يستوطن
غيرها، واستخلفه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض غزواته واستعمله عمر
على صدقات جهينة (أسماء الصحابة الرواة) : 134 ترجمة (140) ، (الإصابة) :
6/ 33.
[ (5) ] سبقت ترجمته.
[ (6) ] هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن مخزوم القرشيّ
المخزوميّ، توفى سنة (21) ، في خلافه عمر، وكان إليه الأعنة: وهي أن يكون
على مقدم الخيول في الحرب، ولا يصح له غزو مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
قبل فتح مكة وروى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (أسماء الصحابة
الرواة) :
127 ترجمة (130) ، (الإصابة) : 02/ 98.
[ (1) ] ذكره بن قانع في الصحابة وهو ضمرة بن فياض الجهنيّ حليف بنى سواد
من الأنصار، (الإصابة) : 3/ 492.
[ (2) ] هو طارق بن شهاب بن عبد شمس بن سلمة بن هلال بن عوف بن جسم بن عمرو
بن لؤيّ ابن رحم البجلي الأحمسي، توفى سنة (82) أو (83) أو (84) ، رأى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو رجل لم يسمع منه شيئا. (أسماء الصحابة
الرواة) : 415 ترجمة رقم (709) .
[ (3) ] هو ظهير بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو
بن مالك الأنصاري الأوسي الحارثي، وقيل: شهد العقبة الأولى وشهد بدرا،
وقيل: لم يشهدها وشهد أحد وما بعدها وهو عم رافع بن خديج ووالد أسيد بن
ظهير، (أسماء الصحابة الرواة) : 332 ترجمة (5173) ، (الإصابة) : 3/ 304.
[ (4) ] هو رافع بن خديج بن عدي بن يزيد بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن
مالك بن الأوشي الأنصاري، توفى سنة (74) ، عرض نفسه يوم بدر على رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرده لصغره ثم
(9/155)
[فاطمة بنت قيس [ (1) ] ، هشام بن الحكيم
بن حزام [ (2) ] ، أبو حكيم بن حزام [ (3) ] ، شرحبيل بن السمط [ (4) ] ،
أم سليم [ (5) ] ، دحية بن خليفة الكلبي [ (6) ] ، ثابت
__________
[ () ] أجازه يوم أحد فشهد أحدا وأصيب بها، ثم الخندق وأكثر المشاهد، وشهد
صفين مع على واستوطن المدينة وكان عريف قومه إلى أن مات بها وصلى عليه ابن
عمر، (أسماء الصحابة الرواة) : 67 ترجمة (43) ، (الإصابة) : 2/ 436.
[ (5) ] هي الزهراء بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وزوج على كرم
اللَّه وجه وأم الحسنين (الإصابة) : 8/ 53.
[ (1) ] فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية. أخت الضحاك بن قيس. تقدم
نسبها في ترجمته، وكانت أسن منه. قال أبو عمر: كانت من المهاجرات الأول،
وكانت ذات جمال وعقل، وكانت عند أبى بكر بن حفص المخزوميّ فطلقها فتزوجت
بعده بعده أسامة بن زيد.
قلت: وخبرها بذلك في الصحيح لما طلبت النفقة من وكيل زوجها، فقال النبي
صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: اعتدّى عند أم شريك، ثم قال: عند ابن أم
مكتوم، فلما خطبت أشار عليها بأسامة ابن زيد، وهي قصة مشهورة، وهي التي روت
قصة الجساسة بطولها فانفردت بها مطولة.
رواها عنها الشعبي لما قدمت الكوفة على أخيها، وهو أميرها، وقد وقفت على
بعضها من حديث جابر وغيره. وقيل: إنها أكبر من الضحاك بعشر سنين، قاله أبو
عمر. قال: وفي بيتها اجتمع أهل الشورى لما قتل عمر. قال ابن سعد: أمها
أميمة بنت ربيعة، من بنى كنانة.
(الإصابة) : 8/ 69، (طبقات ابن سعد) : 8/ 200.
[ (2) ] هو هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصىّ
القرشيّ الأسديّ، ثبت ذكره في الصحيح من رواية الزهري عن عروة عن المسور،
وعبد الرحمن بن عبد القاري، عن عمر، سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان
على غير ما أقرأنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم، وفيه أنه أحضره
لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستقرأهما فصوبهما، وقال: نزل
القرآن على سبعة أحرف.... الحديث بطوله.
قال ابن سعد: كان مهيبا. وقال الزهري: كان يأمر بالمعروف في رجال معه. وقال
مصعب الزبيري: كان له فضل. وقال ابن وهب، عن مالك: لم يكن يتخذ أخلاء ولا
له ولد.
وقد روى عنه أيضا جبير بن نفير، وقتادة السلمي وغيرهما ومات قبل أبيه بمدة
طويلة، قال أبو نعيم: استشهد بأجنادين، أسلم يوم الفتح (أسماء الصحابة
الرواة) : 205 ترجمة (270) ، (الإصابة) : 6/ 538- 539.
(9/156)
__________
[ () ] (3) هو حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، أخو خديجة أم المؤمنين
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها وولد حكيم بن حزام. ذكره ابن الأثير في
الصحابة. (الإصابة) : 2/ 210، ترجمة رقم (2090) .
[ (4) ] هو شرحبيل بن السمط بن الأسود، أو الأعور، أو شرحبيل بن جبلة بن
عدي بن ربيعة ابن معاوية الكندي، أبو يزيد.
قال البخاري: له صحبة، وتبعه أبو أحمد الحاكم. وأما ابن السكن فقال: زعم
البخاري أن له صحبة، ثم قال: يقال: إنه وفد على رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم، ثم شهد القادسية، ثم نزل حمص فقسمها منازل.
وذكره البغوي وابن حبان في الصحابة ثم أعاده في التابعين، زاد البغوي: سكن
الشام، وجدته في كتاب محمد بن إسماعيل، ولم أر له حديثا.
وقال ابن سعد: جاهلى إسلامي، وفد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلم،
وشهد القادسية، وافتتح حمص.
وقال ابن السكن: ليس في شيء من الروايات ما يدل على صحبته إلا حديثه من
رواية يحيى بن حمزة عن نصر بن علقمة، عن كثير بن مرة، عن أبى هريرة وابن
السمط، قالا:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يزال من أمتى عصابة قوامة على
الحق ... الحديث. وقال البغوي:
ذكر في الصحابة، ولم يذكر له حديث أسنده عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وذكر له سيف بسنده أن سعد بن أبى وقاص استعمل شرحبيل بن السمط بن شرحبيل
وكان شابا، وكان قاتل في الردة، وغلب الأشعث على الشرق، وكان أبوه قدم
الشام مع أبى عبيدة، وشهد اليرموك، وكان شرحبيل من فرسان أهل القادسية.
وله رواية عن عمر، وكعب بن مرة وعبادة وغيرهم وقال ابن سعد: شهد القادسية
وافتتح حمص، وله ذكر في البخاري في صلاة الخوف.
وذكر خليفة أنه كان عاملا على حمص نحوا من عشرين سنة، وقال أبو عامر
الهوزني:
حضرت مع حبيب بن مسلمة جنازة شرحبيل. وقال أبو داود: مات بصفين: وقال يزيد
بن عبد ربه: مات سنة أربعين. وقال غيره: سنة اثنتين وأربعين وقال صاحب
(تاريخ حمص) :
سنة ست وثلاثين.
(9/157)
__________
[ () ] قلت: وهو غلط، فإنه ثبت أنه شهد صفين، وكانت سنة سبع وثلاثين، وذكره
ابن حبان في الصحابة، وقال: كان عاملا على حمص، ومات بها، (الإصابة) : 3/
329- 331، (الاستيعاب) : 699، (طبقات ابن سعد) : 7/ 155، (تهذيب التهذيب) :
4/ 283.
[ (5) ] هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية،
وهي أم أنس خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، اشتهرت بكنيتها.
واختلف في اسمها، فقيل سهلة، وقيل رميلة، وقيل رميثة، وقيل مليكة، وقيل
الغميصاء أو الرميصاء تزوجت مالك بن النضر في الجاهلية، فولدت أنسا في
الجاهلية، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، فغضب مالك وخرج إلى
الشام فمات بها، فتزوجت بعده أبا طلحة، فروينا في مسند أحمد بعلو في
(الغيلانيات) ، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، وإسماعيل بن عبد اللَّه بن
أبى طلحة، عن أنس بن مالك- أن أبا طلحة أم سليم- يعنى قبل أن يسلم، فقالت:
يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الّذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى. قلت:
أفلا تستحي تعبد شجرة! أن أسلمت فإنّي لا أريد منك صداقا غيره.
قال: حتى انظر في أمرى، فذهب ثم جاء، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن
محمدا رسول اللَّه، فقالت: يا أنس، زوج أبا طلحة، فزوجها وبه: خطب ابو طلحة
أم سليم- وكانت أم سليم تقول: لا أتزوج حتى يبلغ أنس ويجلس في المجالس،
فيقول: جزى اللَّه أمى عنى خيرا، لقد أحسنت ولايتي. فقال لها أبو طلحة: فقد
جلس انس وتكلم، فتزوجها.
قلت: والجواب عن دخوله بنت أم حرام وأختها أنهما كانتا في دار واحدة وأنت
تغزو مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولها قصص مشهورة، منها ما
أخرجه ابن سعد بسند صحيح أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة:
يا رسول اللَّه، هذه أم سليم معها خنجر، فقالت:
اتخذته إن دنا منى أحد من المشركين بقرت بطنه.
ومنها قصتها المخرجة في الصحيح لما مات ولدها ابن أبى طلحة، فقالت لما دخل:
لا يذكر أحد ذلك لأبى طلحة قبلي، فلما جاء وسأل عن ولده قالت: هو أسكن ما
كان، فظن أنه عوفي، وقام فأكل ثم تزينت له وتطيبت فنام معها، وأصاب منها،
فلما أصبح قالت له:
احتسب ولدك،
فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: بارك اللَّه لكما في
ليلتكما،
فجاءت بولد وهو عبد اللَّه بن ابى طلحة، فأنجب وزرق أولادا، قرأ القرآن
منهم عشرة كملا.
(9/158)
__________
[ () ] وفي الصحيح أيضا عن أنس- أن أن سليم لما قدم النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم قالت: يا رسول اللَّه، هذا أنس يخدمك، وكان حينئذا بن عشر سنين، فخدم
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ قدم المدينة حتى مات، فاشتهر بخادم النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وروت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عدة أحاديث، روى ابنها أنس، وابن
عباس، وزيد بن ثابت، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون. (أسماء الصحابة
الرواة) : 142 ترجمة (153) ، (الإصابة) : 8/ 227/ 230 ترجمة رقم (12073) .
[ (6) ] هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن
الخزرج، بفتح المعجمة وسكون الزاى ثم جيم، ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر
ابن عوف الكلبي.
صحابى مشهور، أول مشاهدة الخندق وقيل أحد، ولم يشهد بدرا، وكان يضرب به
المثل في حسن الصورة، وكان جبريل عليه السلام ينزل في صورته، جاء ذلك من
حديث أم سلمة، ومن حديث عائشة. وروى النسائي بإسناد صحيح، عن يحيى بن معمر،
عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: كان جبرائيل يأتى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم في صورة دحية الكلبي.
وروى الطبراني من حديث عقير بن معدان، عن قتادة، عن أنس- أن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم قال: كان جبرائيل يأتيني على صورة دحية الكلبي
مكان دحية رجلا جميلا.
وروى العجليّ في تاريخه عن عوانة بن الحكم، قال: أجمل الناس من كان جبرائيل
ينزل على صورته. قال ابن قتيبة في غريب الحديث: فأما حديث ابن عباس: كان
دحية إذا قدم المدينة لم تبق معصر غلا خرجت تنظر غليه، فالمعنى بالمعصر
العاتق.
وقد روى الترمذي من حديث المغيرة ان دحية أهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم خفين فلبسهما،
وروى أحمد من طريق الشعبي عن دحية، قال: قلت: يا رسول اللَّه، ألا أحمل لك
حمارا على فرس فينتج لك بغلا فتركبها؟ قال: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون.
وقال ابن سعد أخبرنا وكيع، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد،
قال:
بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دحية سرية وحده، وقد شهد دحية
اليرموك، وكان على كردوس، وقد نزل دمشق وسكن المرة، وعاش إلى خلافة معاوية.
(الإصابة) : 2/ 284/ 286 ترجمة رقم (2392) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 184.
(9/159)
ابن قيس ابن الشماسى [ (1) ] ، ثوبان [ (2)
] مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، سرف بن المغيرة ابن شعبة [ (3)
] ، يزيد بن الحصيب الأسلمي [ (4) ] ، رويفع بن ثابت [ (5) ] أبو حميد [
(6) ] ،
__________
[ (1) ] هو ثابت بن قيس بن زهير بن مالك أبو عبد الرحمن أبو محمد الأنصاري
الخزرجي، قتل شهيدا يوم اليمامة في خلافة أبى بكر، كان خطيب الأنصار، وخطيب
الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، شهد أحدا وما بعدها. (أسماء الصحابة
الرواة) : 374 ترجمة (613) ، (الإصابة) : 1/ 203.
[ (2) ] صحابى مشهور يقال: أنه من العرب حكمي من حكم بنى سعد بن حمير وقيل
من السراة اشتراه، ثم أعتقه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخدمه إلى
أن مات، (الإصابة) : 1/ 413.
[ (3) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (4) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (5) ] هو رويفع بن ثابت بن السكن بن عدي بن حارثة من بنى مالك بن النجار،
نزل مصر، وولاه معاوية على طرابلس سنة ست وأربعين، فغزا إفريقية.
وروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعنه بشر بن عبيد اللَّه الحضرميّ،
وحنش الصنعاني، وأبو الخير، وآخرون.
وقال ابن البرقي: توفى ببرقة وهو أمير عليها، وقال ابن يونس: مات سنة ست
وخمسين، وهو أمير عليها من قبل مسلمة بن مخلد، (الإصابة) : 2/ 501، ترجمة
رقم:
(2701) ، (الاستيعاب) : 2/ 504، ترجمة رقم: (788) .
[ (6) ] هو أبو حميد الساعدي الصحابي المشهور، اسمه عبد الرحمن بن سعد،
ويقال عبد الرحمن بن عمرو بن سعد، وقيل المنذر بن سعد بن المنذر، وقيل: اسم
جده مالك، وقيل: هو عمرو ابن سعد بن المنذر بن سعد بن خالد بن ثعلبة بن
عمرو، ويقال: إنه عم سهل بن سعد، أو عم العباس بن سهل بن سعد.
روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عدة أحاديث، وله ذكر معه في الصحيحين.
روى عنه ولد ولده سعيد بن المنذر بن أبى حميد، وجابر الصحابي، وعباس بن سهل
بن سعد، وعبد الملك بن سعيد بن سويد، وعمرو بن سليم، وعروة، ومحمد بن عمرو
بن عطاء وغيرهم.
قال خليفة وابن سعد وغيرهما: شهد أحدا وما بعده. وقال الواقدي: توفى في آخر
خلافة معاوية أو أول خلافة يزيد بن معاوية، (الإصابة) : 7/ 94- 95، ترجمة
رقم: (9787) .
(9/160)
وفضالة بن عبيد [ (1) ] ، رجل يعرف بأبي
محمد- روينا عنه- وحرب بن الوثن [ (2) ] ، وزينب بنت أم سلمة [ (3) ] ،
وعقبة بن مسعود [ (4) ] ، وبلال المؤذن [ (5) ] ،
__________
[ (1) ] هو فضالة بن عبيد بن ناقذ بن قيس بن صهيب بن الأصرم بن جحجبى ابن
كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، أبو محمد
قال ابن السكن: أمه عقبة بنت محمد بن عقبة بن الجلاح الأنصارية، أسلم
قديما، ولم يشهد بدرا، وشهد أحدا فما بعدها، وشهد فتح مصر والشام قبلها، ثم
سكن الشام، وولى الغزو، وولاه معاوية قضاء دمشق بعد أبى الدرداء، قاله خالد
بن يزيد بن أبى مالك، عن أبيه، قال: وكان ذلك بمشورة من أبى الدرداء، روى
عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعن عمر، وأبى الدرداء.
روى عنه ثمامة بن شفى، وحيش بن عبد اللَّه الصنعاني، وعليّ بن رباح، وأبو
على الجنبي، ومحمد بن كعب القرضي وغيرهم.
قال مكحول، عن ابن محيريز: كان ممن بايع تحت الشجرة، وقال ابن حبان: مات في
خلافة معاوية، وكان معاوية ممن حمل سريره، وكان معاوية استخلفه على دمشق في
سفرة سافرها، وأرخ المدائني وفاته سنة ثلاث وخمسين، وكذا قال ابن السكن،
وقال: مات بدمشق لأن معاوية كان جعله قاضيا عليها، وبنى له بها دارا، وقيل
مات بعد ذلك، وقال هارون الحمال، وابن أبى حاتم: مات وسط إمرة معاوية، وقال
أبو عمر: قيل مات سنة تسع وستين، والأول أصح، وذكر ابن الكلبي أن أباه كان
شاعرا، وله ذكر في حرب الأوس والخزرج وكان يسبق الخيل، ويضرب الحجر بالحجر
بالرحلة فيورى النار. (الاستيعاب) : 1263.
(تهذيب التهذيب) : 8/ 241، (أسماء الصحابة الرواة) : 80 ترجمة (62) .
[ (2) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (3) ] هي زينب بنت أبى سلمة عبد اللَّه بن عبد الأسد بن عمرو بن مخزوم
القرشية المخزومية ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أمها أم سلمة
بنت أبى أمية. يقال: ولدت بأرض الحبشة، وتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
أمها، وهي ترضعها.
وفي مسند البزار ما يدل على أن أم سلمة وضعتها بعد قتل أبى سلمة، فخطبها
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتزوجها، وكانت ترضع زينب. وقصتها في ذلك
مطولة، وكان اسمها برة، فغيره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. أسنده ابن أبى
خيثمة، من طريق محمد بن عمرو بن عطاء، عنها، وذكر مثله في زينب بنت جحش،
أصله في مسلم في حق زينب هذه وفي حق جويرية بنت الحارث.
(9/161)
ومكرز [ (1) ] ، وعرفه بن الحارث [ (2) ] ،
وسيار بن روح [ (3) ] ، وروح بن سيار، وسعيد بن المعلى [ (4) ] ، والعباس
بن عبد المطلب [ (5) ] ، ولبيد بن أرطاة [ (6) ] ، وصهيب بن سنان [ (7) ] ،
وأم أيمن [ (8) ] ، وأم يوسف [ (9) ] ، وماعز الغامدي [ (10) ]] .
__________
[ () ] وقد حفظت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وروت عنه، وعن أزواجه:
أمها، وعائشة وأم حبيبة، وغيرهن.
روى عنها ابنها أبو عبيدة بن عبد اللَّه بن زمعة، ومحمد بن عطاء، وعراك بن
مالك، وحميد بن نافع، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وزين
العابدين على بن الحسين، وآخرون.
قال ابن سعد: كانت أسماء بنت أبى بكر أرضعتها، فكانت أخت أولاد الزبير،
وقال بكر ابن عبد اللَّه المزني: أخبرنى أبو رافع، يعنى الصائغ، قال: كنت
إذا ذكرت امرأة فقيهة بالمدينة ذكرت زينب بنت أبى سلمة.
وقال سليمان التيمي، عن أبى رافع: غضبت على امرأتي، فقالت زينب بنت أبى
سلمة وهي يومئذ أفقه امرأة بالمدينة.... فذكر قصة، وذكرها العجليّ في ثقات
التابعين كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، وأظن أنها لم تحفظ، وروينا في
(القطعيات) ، من طريق عطاف بن خالد، عن أمه، عن زينب بنت أبى سلمة، قالت:
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل يغتسل تقول أمى: ادخلى
عليه، فإذا دخلت نضح في وجهي من الماء، ويقول: ارجعي. قالت: فرأيت زينب وهي
عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شيء. وفي رواية ذكرها أبو عمر: فلم يزل ماء
الشباب في وجهها حتى كبرت وعمرت، وذكرها ابن سعد فيمن لم يرو عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم شيئا وروى عن أزواجه، (الطبقات) : 8/ 338، (أسماء
الصحابة الرواة) : 194 ترجمة (250) ، (الإصابة) : 7/ 675- 676، ترجمة رقم
(11235) .
[ (4) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (5) ] سبقت له ترجمة.
[ (1) ] هو مكرز بن حفص بن الأخيف، بالخاء المعجمة والياء المثناة، ابن
علقمة بن عبد الحارث بن منقذ بن عمرو بن بغيض بن عامر بن لؤيّ القرشيّ
العامرىّ، ذكره ابن حبان في الصحابة، وقال: يقال له صحبة، ولم أراه لغيره،
وله ذكر في المغازي عند ابن إسحاق والواقدي: أنه هو الّذي أقبل لافتداء
سهيل بن عمرو يوم بدر.
(9/162)
__________
[ () ] وذكره المرزباني في معجم الشعراء، ووصفه بأنه جاهلى، ومعناه أنه لم
يسلم وإلا فقد ذكر هو أنه أدرك الإسلام، وقدم المدينة بعد الهجرة لما أسر
سهيل بن عمرو يوم بدر فافتداه، وذكر له الزبير بن بكار قصة افتدائه سهيل بن
عمرو، وأنه قدم المدينة، فقال: اجعلوا القيد في رجلي مكان رجليه حتى يبعث
إليكم بالفداء، وله ذكر في صلح الحديبيّة في البخاري، (الإصابة) : 6/ 206-
207، ترجمة رقم: (8199) .
[ (2) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (3) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (4) ] هو رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن عدي بن زيد بن، ثعلبة
الأنصاريّ الخزرجىّ ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق وغيرهما فيمن استشهد
ببدر، وقتله عكرمة بن أبى جهل.
ووهم ابن شهاب في نسبه، فقال: إنه من الأوس، ثم من بنى زريق: وبنو زريق من
الخزرج لا من الأوس والمقتول ببدر من الخزرج. (الإصابة) : 2/ 445 ترجمة رقم
(2547) .
[ (5) ] هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشيّ الهاشميّ.
عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أبو الفضل. أمه نتيلة بنت جناب بن
كلب.
ولد قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسنتين، وضاع وهو صغير، فنذرت
أمه إن وجدته أن تكسو البيت الحرير، فوجدته فكست البيت الحرير، فهي أول من
كساه ذلك، وكان إليه في الجاهلية السقاية والعمارة، وحضر بيعة العقبة مع
الأنصار قبل أن يسلم، وشهد بدرا مع المشركين مكرها، فأسر فافتدى نفسه،
وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبى طالب، ورجع إلى مكة، فيقال:
إنه أسلم، وكتم قومه ذلك، وصار يكتب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
بالأخبار، ثم هاجر قبل الفتح بقليل، وشهد الفتح، وثبت يوم حنين،
وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أذى العباس فقد آذاني، فإنما عم
الرجل صنو أبيه، أخرجه الترمذي في قصة.
وقد حدث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأحاديث، روى عنه أولاده وعامر بن
سعد، والأحنف بن قيس، وعبد اللَّه بن الحارث، وغيرهم.
وقال ابن المسيب، عن سعد: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأقبل
العباس، فقال: هذا العباس أجود قريش كفأ وأوصلها. أخرجه النسائي.
(9/163)
__________
[ () ] وأخرج البغوي في ترجمة أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بسند له
إلى الشعبي، عن أبى هياج، عن أبى سفيان بن الحارث، عن أبيه، قال: كان
العباس أعظم الناس عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والصحابة
يعترفون للعباس بفضله ويشاورونه، ويأخذون رأيه، ومات بالمدينة في رجب أو
رمضان سنة اثنتين وثلاثين، وكان طويلا جميلا أبيض. (الإصابة) : 3/ 631-
632، ترجمة رقم: 4510 (أسماء الصحابة الرواة) : 97 ترجمة (85) ، (الثقات)
3/ 288، (المصباح المضيء) : 2/ 55، (الجرح والتعديل) : 6/ 210، (التاريخ
الصغير) :
1/ 15، 99، 70، (التاريخ الكبير) : 7/ 2 (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) :
1/ 38.
[ (6) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (7) ] هو صهيب بن سنان بن مالك. ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل. ويقال:
طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن
زيد مناة بن النمر ابن قاسط النمري، أبو يحيى.
وأمه من بنى مالك بن عمرو بن تميم، وهو الرومي. قيل له ذلك لأن الروم سبوه
صغيرا.
قال ابن سعد: وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى، وكانت منازلهم على
دجلة من جهة الموصل، فنشأ صهيب بالروم، فصار ألكن، ثم اشتراه رجل من كلب
فباعه بمكة فاشتراه عبد اللَّه بن جدعان التميمي فأعتقه. ويقال: بل هرب من
الروم فقدم مكة، فحالف ابن جدعان.
وروى ابن سعد أنه أسلم هو وعمار، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في
دار الأرقم. ونقل الوزير أبو القاسم المغربي أنه كان اسمه عميرة فسماه
الروم صهيبا، وقال: وكانت أخته أميمة تنشده في المواسم، وكذلك عماه: لبيد،
وزحر، ابنا مالك.
وزعم عمارة بن وثيمة أن اسمه عبد الملك. ونقل البغوي أنه كان أحمر شديد
الصهوبة تشوبها حمرة، وكان كثير شعر الرأس يخضب بالحناء، وكان من
المستضعفين ممن يعذب في اللَّه، وهاجر إلى المدينة مع على بن أبى طالب في
آخر من هاجر في تلك السنة فقدما في نصف ربيع الأول وشهد بدرا والمشاهد
بعدها.
وروى ابن عدي من طريق يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب عن آبائه عن
صهيب، قال: صحبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يبعث، ويقال:
إنه لما هاجر تبعه نفر من
(9/164)
__________
[ () ] المشركين، فسئل، فقال: يا معشر قريش، إني من أرماكم ولا تصلون إلى
حتى أرميكم بكل سهم معى، ثم أضربكم بسيفي، فإن كنتم تريدون ما لي دللتكم
عليه، فرضوا فعاهدهم ودلهم فرجعوا فأخذوا ماله، فلما جاء إلى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم قال له: ربح البيع، فأنزل اللَّه عز وجل: وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [البقرة: 207]
.
ورواه ابن سعد أيضا من وجه آخر عن أبى عثمان النهدي، ورواه الكلبي في
تفسيره، عن أبى صالح، عن ابن عباس. وله طريق أخرى.
وروى ابن عدي من حديث أنس، والطبراني من حديث أم هانئ، ومن حديث أبى أمامة
عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: السباق أربعة: أنا سابق العرب،
وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبشة، وسلمان سابق الفرس.
وروى ابن عيينة في تفسيره، وابن سعد من طريق منصور عن مجاهد: أول من أظهر
إسلامه سبعة، فذكره فيهم.
وروى ابن سعد من طريق عمر بن الحكم، قال: كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا
يدرى ما يقول، وكذا صهيب وأبو فائد، وعامر بن فهيرة وقوم، وفيهم نزلت هذه
الآية: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا
. [النحل: 110] .
وروى البغوي من طريق زيد بن أسلم، عن أبيه: خرجت مع عمر حتى دخلت على صهيب
بالعالية، فلما رآه صهيب، قال: يا ناس، يا ناس. فقال عمر: ما له يدعو
الناس! قلت: إنما يدعو غلامه يحنس. فقال له: يا صهيب، ما فيك شيء أعيبه إلا
ثلاث خصال:
أراك تنسب عربيا ولسانك أعجمى، وتكنى باسم نبي، وتبذر مالك، قال: أما
تبذيرى مالي فما أنفقه إلى في حق، وأما كنيتي فكنانيها النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم، وأما انتمائى إلى العرب فإن الروم سبتني صغيرا، فأخذت لسانهم.
ولما مات عمر أوصى أن يصلى عليه صهيب، وأن يصلى بالناس إلى أن يجتمع
المسلمون على إمام. رواه البخاري في تاريخه.
وروى الحميدي والطبرانىّ من حديث صهيب من طريق الستة عنه، قال: لم يشد رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مشهدا قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط
إلا كنت حاضرها، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزاة إلا كنت
فيها عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا
(9/165)
__________
[ () ] كنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم بيني وبين العدو قط، حتى توفى.
ومات صهيب سنة ثمان وثلاثين. وقيل سنة تسع، وروى عنه أولاده: حبيب، وحمزة،
وسعد، وصالح، وصيفي، وعباد، وعثمان، ومحمد، وحفيده زياد بن صيفي.
وروى عنه أيضا جابر الصحابي، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبى ليلى،
وآخرون.
قال الواقدي: حدثني أبو حذيفة- رجل من ولد صهيب عن أبيه عن جده قال: مات
صهيب في شوال سنة ثمان وثلاثين وهو ابن سبعين. (أسماء الصحابة الرواة) :
103 ترجمة (93) ، (الإصابة) : 3/ 449- 452، ترجمة رقم: 4108، (الثقات) : 3/
194، (حلية الأولياء) : 1/ 372.
[ (8) ] هي أم أيمن، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وحاضنته. قال
أبو عمر: اسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن
النعمان، وكنا يقال لها أم الظباء.
وقال ابن أبى خيثمة: حدثنا سليمان بن أبى شيخ، قال: أم أيمن اسمها بركة
وكانت أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم يقول: أم أيمن أمى بعد أمى.
وقال أبو نعيم: قيل: كانت لأخت خديجة، فوهبتها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه
وسلّم، وقال ابن سعد: قالوا: كان ورثها عن أمه، فأعتق رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم أم أيمن حين تزوج خديجة، وتزوج عبيد بن زيد، من بنى
الحارث بن الخزرج، أم أيمن، فولدت له أيمن فصحب النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم، فاستشهد يوم خيبر، وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لرسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، فأعتقه وزوجه أم أيمن بعد النبوة، فولدت له
أسامة.
ثم أسند عن الواقديّ، عن طريق شيخ من بنى سعد بن بكر، قال: كان رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وآله وسلم يقول لأم أيمن: يا أمه. وكان إذا نظر إليها
بقول هذه بقية أهل بيتي.
وقال ابن سعد: أخبرنا أبو أمامة عن جرير بن حازم: سمعت عثمان بن القاسم
يقول: لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف ودون الروحاء فعطشت وليس معها ماء
وهي صائمة، فأجهدها العطش، فدلى عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض،
فأخذته فشربته حتى رويت، فكانت تقول: ما أصابنى بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت
للعطش بالصوم في الهواجر، فما عطشت.
(9/166)
__________
[ () ] وأخرجه ابن السكن، من طريق هشام بن حسان، عن عثمان بنحوه، وقال في
روايته:
خرجت مهاجرة من مكة إلى المدينة وهي ماشية ليس معها زاد، وقال فيه: فلما
غابت الشمس إذا أنا بإناء معلق عند رأسي، وقالت فيه: ولقد كنت بعد ذلك أصوم
في اليوم الحار، ثم أطوف في الشمس كي أعطش فما عطشت بعد.
أخبرنا عبد اللَّه بن موسى، أخبرنا فضيل بن مرزوق، عن سفيان بن عيينة، قال:
كانت أم أيمن تلطف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقدم عليه، فقال: من سره
أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن، فتزوجها زيد بن حارثة.
وأخرج البغوي، وابن السكن، من طريق سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن أم
أيمن- وكانت حاضنة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم قال لبعض أهله: إياك والخمر ... الحديث. قال ابن السكن: هذا
مرسل.
وأخرج البخاري في تاريخه، ومسلم، وابن السكن، من طريق الزهري، قال: كان من
شأن أم أيمن أنها كانت وصيفة لعبد اللَّه بن عبد المطلب والد النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم بعد ما توفى أبوه كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر، ثم أنكحها
زيد بن حارثة- لفظ ابن السكن.
وأخرج أحمد، والبخاري أيضا، وابن سعد، من طريق سليمان التيمي عن أنس- أن
الرجل كان يجعل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم النخلات حتى فتحت عليه
قريظة والنضير، فجعل يرد بعد ذلك، فكلمني أهلي أن أسأله الّذي كانوا أعطوه
أو بعضه، وكان أعطاه لأم أيمن، فسألته فأعطانيه، فجاءت أم أيمن فجعلت تلوح
بالثوب وتقول: كلا واللَّه لا يعطيكهن، وقد أعطانيهن، فقال النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم: لك كذا وكذا. وتقول: كلا حتى أعطاها، حسبته قال: عشرة
أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله.
وأخرج ابن السكن، من طريق عبد الملك بن حصين، عن نافع بن عطاء، عن الوليد
بن عبد الرحمن، عن أم أيمن، قالت: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم
فخارة يبول فيها بالليل، فكنت إذا أصبحت صببتها، فنمت ليلة وأنا عطشانة،
فغلطت فشربتها، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنك لا
تشتكين بطنك بعد هذا. (الإصابة) : 7/ 531- 532، ترجمة رقم: (10916) ، 8/
169- 171، ترجمة رقم: 11898، (الاستيعاب) :
4/ 1925.
(9/167)
[وذكر ابن سعد، عن عبد الرحمن بن القاسم،
عن أبيه، أن أبا بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، كان إذا نزل به
أمر يريد فيه مشورة أهل الرأى وأهل الفقه، [دعا] رجلا من المهاجرين
والأنصار، [و] دعا عمر، وعثمان وعليا، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل،
وأبىّ بن كعب، وزيد بن ثابت، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وكل هؤلاء كان
يفتى في خلافة أبى بكر، وإنما تصير فتوى الناس إلى هؤلاء، فمضى أبو بكر
ذلك، ثم ولى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكان [يدعو] هؤلاء النفر،
وكانت الفتوى تصير إليهم وهو خليفة، إلى عثمان، وأبىّ وزيد] .
__________
[ () ] (9) قال الحافظ ابن حجر: أم يوسف التي شربت بول النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم، تقدم ذكرها في بركة في الباء الموحدة من أسماء النساء، ثم قال:
أن كل منهما كانت تكنى أم أيمن، وتسمى بركة ويتأيد ذلك بأن قصة البول وردت
من طريق أخرى مروية لأم أيمن، [فاللَّه تعالى أعلم أي ذلك كان] . (الإصابة)
: 7/ 531، ترجمة بركة الحبشة رقم: (10914) ، 8/ 325، ترجمة أم يوسف رقم:
(12303) .
[ (10) ] هو ماعز بن مالك الأسلمي، قال ابن حبان: له صحبة، وهو الّذي رجم
في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثبت ذكره في الصحيحين وغيرهما من حديث
أبى هريرة وزيد بن خالد وغيرهما، وجاء ذكره في حديث أبى بكر الصديق وأبى
ذر، وجابر بن سمرة، وبريدة بن الحصيب، وابن عباس، ونعيم بن هزال، وأبى سعيد
الخدريّ، ونصر الأسلمي وأبى برزة:
سماه بعضهم، وأبهمه بعضهم، وفي بعض طرقه
أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتى
لأجزأت عنهم.
وفي صحيح أبى عوانة وابن حبان وغيرهما من طريق أبى زبير، عن جابر أن النبي
صلّى اللَّه عليه وآله وسلم لما رجم ماعز بن مالك قال: لقد رأيته يتحضحض في
أنهار الجنة.
ويقال:
إن اسمه عريب، وماعز لقب،
وفي حديث بريدة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: استغفروا لماعز،
(الإصابة) : 5/ 705، ترجمة رقم (7593) ، (الاستيعاب) :
4/ 1345.
(9/168)
[وعن عبد اللَّه بن دينار الأسلمي عن أبيه، قال: كان عمر رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه يستشير في خلافته إذا حزبه الأمر أهل الشورى [من] الأنصار: معاذ
بن جبل، وأبىّ بن كعب، وزيد بن ثابت.]
[وعن مسروق قال: شاممت أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوجدت
علمهم انتهى إلى ستة] . |