إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر ما كان يقوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا
خرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا قال: اللَّهمّ أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل.
وخرجه أبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] بهذا السند ولفظهما: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا قال: اللَّهمّ أنت عضدي وأنت نصيرى، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل،
وذكر أبو داود وأبو بكر البزار هذا الحديث [وقال] : لا يعلم رواه عن قتادة عن أنس إلا المثنى بن سعيد.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 30 حديث رقم (12498) ، ولفظه: إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن اللَّه عز وجل يقول: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي قال وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا قال: اللَّهمّ ... فذكره.
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 97، كتاب الجهاد باب (99) ما يدعى عند اللقاء حديث رقم (2623) ، قوله: أحول، معناه أحتال، قال ابن الأنباري: الحول معناه في كلام العرب الحيلة، يقال: ما للرجل حولة وما له محالة، قال: ومنه قولك: لا حول ولا قوة إلا باللَّه. أي لا حيلة في دفع سوء، ولا قوة في درك خير إلا باللَّه، وفيه وجه آخر وهو أن يكون معناه المنع والدفع، من قولك: حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر، يقول: لا أمنع ولا أدفع إلا بك. (معالم السنن) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 534، كتاب الدعوات باب (122) في الدعاء إذا غزا حديث رقم (3584) ، وأخرجه النسائي في (الكبرى) ، و (عمل اليوم والليلة) : 188، باب الاستنصار عند اللقاء.

(9/267)


فصل في ذكر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد غزوة ورّى بغيرها
خرج البخاري [ (1) ] من حديث ابن شهاب قال: أخبرنى عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان قائد كعب من بنيه- قال: سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريد غزوة إلا ورّى بغيرها. حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل غزو عدو كثير، فجلّى للمسلمين أمره ليتأهّبوا أهبة عدوهم وأخبرهم بوجهه الّذي يريد.
وخرجه مسلم [ (2) ] من حديث ابن شهاب. وذكراه مطويا في كتاب التوبة.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 139- 140 كتاب الجهاد والسير، باب (103) من أراد غزوة فوري بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس، حديث رقم (2947) ، (2948) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 94، كتاب التوبة، باب (9) حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، حديث رقم (2769) .

(9/268)


فصل في وقت إغارة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
خرج البخاري [ (1) ] من حديث حميد الطويل عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى خيبر ليلا- وكان إذا أتى قوما بليل لم يقربهم حتى يصبح- فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمد واللَّه، محمد والخميس. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.
ذكره في كتاب الصلاة في باب ما يحقن بالأذان من الدماء. وذكره في كتاب المغازي، ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى خيبر ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغزهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 593- 594 كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر حديث رقم (4197) ، قوله: «أتى خيبر ليلا» أي قرب منها، وذكر ابن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم، قال: فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر، فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم، فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر.
قوله: «لم يغز بهم حتى يصبح» كذا للكثر من الإغارة، ولأبى ذر عن المستملي «لم يقربهم»
بفتح أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الموحدة، فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار، قال: فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب.
وحكى الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصده لهم، فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدا. حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك، وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين.
قوله: «بمساحيهم»
بمهملتين جمع مسحاة وهي من آلات الحرث
«ومكاتلهم»
جمع مكتل وهو القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره. وعند أحمد من حديث أبى طلحة في نحو هذه القصة «حتى إذا كان عند السحر وذهب ذو الزرع إلى زرعه وذو الضرع إلى ضرعه أغار عليهم.
يؤخذ من هذا الحديث التفاؤل، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما رأى آلات الهدم أخذ منه أن مدينتهم ستخرب، ويحتمل أن يكون
قال «خربت خيبر»
بطريق الوحي. ويؤيده قوله بعد ذلك:
«إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» . (فتح الباري) مختصرا.

(9/269)


رأوه قالوا: محمد واللَّه والجيش فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، وذكره في غزوة خيبر من حديث محمد بن سيرين وثابت البناني، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وخرجه مسلم [ (1) ] من طرق متعددة.
وخرج مسلم [ (2) ] وابن أبى خيثمة من حديث يحيى بن سعيد، عن حماد ابن سلمة قال: أنبأنا ثابت، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار، فسمع رجلا يقول اللَّه أكبر اللَّه أكبر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خرجت من النار فنظروا فإذا هو راعى معزى.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 405، كتاب الجهاد، باب (43) غزوة خيبر، حديث رقم (1865) ،
قوله: «اللَّه أكبر خربت خيبر»
فيه استحباب التكبير عند اللقاء، قال القاضي: قيل:
تفاءل بخرابها بما رآه في أيديهم من آلات الخراب من الفؤوس والمساحي وغيرها، وقيل أخذه من اسمها، والأصح أنه أعلمه اللَّه تعالى بذلك.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم «إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين»
الساحة الفناء وأصلها الفضاء بين المنازل، ففيه جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن في الأمور المحققة، وقد جاء لهذا نظائر كثيرة كما
في فتح مكة أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يطعن في الأصنام ويقول: جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد،
وقوله: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
قال العلماء: يكره من ذلك ما كان على ضرب الأمثال في المحاورات والمزح ولغو الحديث فيكره في كل ذلك تعظيم لكتاب اللَّه تعالى. (شرح النووي) مختصرا.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 326، كتاب الصلاة، باب (6) الإمساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان، حديث رقم 382
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «خرجت من النار»
أي بالتوحيد، واحتج به في أن الأذان مشروع للمنفرد، وهذا هو الصحيح المشهور في مذهبنا ومذهب غيرنا.
وفي الحديث دليل على أن الأذان يمنع الإغارة على أهل ذلك الموضع فإنه دليل على أسلمهم، وفيه أن النطق بالشهادتين يكون إسلاما وإن لم يكن باستدعاء ذلك منه وهذا هو الصواب.
(شرح النووي) : مختصرا.

(9/270)


وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث عفان فذكره وقال: حديث حسن صحيح وخرجه النسائي [ (2) ] من حديث عبد الأعلى عن سعيد، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وخرج قاسم بن أصبغ من حديث ابن إسحاق عن حميد، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزي قوما لم يغز عليهم حتى يصبح، فذكره.

فصل في ذكر الوقت الّذي كان يقاتل فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
خرج الإمام مسلم [ (3) ] من حديث الليث، عن أبى الزبير، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال لم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى فإذا حضره ذلك أقام حتى تنسلخ.
وخرج من حديث موسى بن عقبة عن أبى النضر، عن عبد اللَّه بن معقل، عن أبى أوفى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب ان ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس، وخرج أبو داود [ (4) ] والنسائي من حديث حماد قال أنبأنا أبو عمران الجونى عن علقمة بن عبد اللَّه المزني، عن معقل
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 102 كتاب السير، باب (3) في البيات والغارات، حديث رقم (1550) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 1/ 293، كتاب المواقيت، باب (26) التغليس في السفر، حديث رقم (546) ولفظه: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم خيبر صلاة الصبح بغلس وهو قريب منهم، فأغار عليهم وقال: اللَّه أكبر خربت خيبر مرتين، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 4/ 287، حديث رقم (14173) ، 306، حديث رقم (12303) ، وفي الأصل: «خرجه الإمام مسلم» .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 3/ 113، كتاب الجهاد، باب (111) في أي وقت يستحب اللقاء، حديث رقم (2655) ، وأخرجه الترمذي في السير، باب الساعة التي يستحب فيها القتال، حديث رقم (1612) ، ونسبه المنذر للنسائى.

(9/271)


ابن يسار، أن النعمان- يعنى ابن مقرن-، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [كان] [ (1) ] إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، [وتهب الرياح وينزل النصر] [ (2) ] .
وخرجه البخاري [ (3) ] من طريق المعتمر بن سليمان قال أنبأنا [سعيد] ابن عبيد اللَّه، قال النعمان: ربما أشهدك اللَّه مثلها مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يندمك ولم يخزك ولكنى شهدت القتال مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح، وتحضر الصلوات.