إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المشركين في محاربتهم
خرج البخاري [ (4) ] من حديث خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو في قبة يوم بدر: أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إن
__________
[ (1) ] زيادة من الأصل.
[ (2) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) .
[ (3) ] (فتح الباري) 6/ 317- 318، كتاب الجزية والموادعة، باب (1) الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، حديث رقم (3160) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 8/ 796، كتاب التفسير، باب (5) قوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ حديث رقم (4875) ، قال الحافظ في (الفتح) : هذا الحديث من مرسلات ابن عباس لأنه لم يحضر القصة، وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما نزلت سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ جعلت أقول: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يثب في الدرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فكأن ابن عباس حمل ذلك عن عمر، وكأن عكرمة حمله عن ابن عباس عن عمر، وقد أخرج مسلم من طريق سماك بن الوليد عن ابن عباس: حدثني عمر ببعضه.
وأخرجه في كتاب المغازي، باب (4) قول اللَّه تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً-

(9/272)


تشأ لا تعبد بعد اليوم. فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك- وهو يثب في الدرع، فخرج وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. ذكره في كتاب التفسير وفي غزوة بدر في [المغازي] بألفاظ متقاربة.
وخرجه مسلم من طرق مطولا [ (1) ] . وخرجه الترمذي كذلك والنسائي عن أبى إسحاق، عن أبى عبيدة، عن عبد اللَّه قال: لما التقينا يوم بدر فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلى فما رأيت ناشدا ينشد حقا له أشد من مناشدة محمد لربه وهو يقول اللَّهمّ إني أنشدك وعدك وعهدك، اللَّهمّ إني أسألك ما وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض.
وخرج البخاري من حديث عبيدة ووكيع عن إسماعيل بن أبى خالد سمعت عبد اللَّه بن أبى أوفى يقول: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأحزاب فقال:
في كتاب الجهاد [ (2) ] ، من حديث إسماعيل بن أبى خالد أنه سمع عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، يقول: دعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب على المشركين فقال: اللَّهمّ منزل الكتاب، سريع الحساب، اللَّهمّ اهزم الأحزاب اللَّهمّ اهزمهم وزلزلهم وفي كتاب الدعاء [ (3) ] .
__________
[ () ] لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ* إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ [الأنفال 9- 13] ، حديث رقم (3953) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 291- 292، كتاب الجهاد والسير، باب (7) استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو حديث رقم (1743) ، مختصرا، ومطولا في باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم، حديث رقم (1763) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 131، كتاب الجهاد، باب (98) الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، حديث رقم (2933) .
[ (3) ]
(فتح الباري) : 11/ 231، (كتاب الدعوات) باب (58) ، الدعاء على المشركين، وقال ابن مسعود قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف. وقال: اللَّهمّ عليك بأبي جهل.

(9/273)


وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث خالد بن عبد اللَّه عن إسماعيل بن أبى خالد عن عبد اللَّه بن أبى أوفى قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مثله ومن حديث وكيع بن الجراح عن إسماعيل مثل حديث خالد، غير أنه قال: هازم الأحزاب. ولم يذكر قوله: اللَّهمّ. ومن حديث ابن عيينة عن إسماعيل بهذا الإسناد وزاد ابن أبى عمر في روايته: [مجرى السحاب] .
وذكره أبو عبد اللَّه البخاري [ (2) ] في كتاب التوحيد من حديث سعفان بن عبد اللَّه عن إسماعيل بن أبى خالد عن عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب اللَّهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب وزلزلهم. وخرجه النسائي.
وخرجه البخاري [ (3) ] في كتاب الجهاد من حديث عبد اللَّه عن إسماعيل ابن أبى خالد أنه سمع عبد اللَّه بن أبى أوفى يقول: دعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب على المشركين فقال: [اللَّهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اللَّهمّ اهزمهم] .
وخرج النسائي في الجهاد من حديث معاذ بن هشام قال حدثني أبو قتادة، عن أبى بردة، عن عبد اللَّه بن قيس أن أباه حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خاف قوما قال: [اللَّهمّ إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم] ، وخرجه في كتاب (عمل اليوم والليلة) .
__________
[ () ] وقال ابن عمر: دعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة وقال: اللَّهمّ العن فلانا وفلانا، حتى أنزل اللَّه عز وجل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، حديث رقم (6392) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 291، (كتاب الجهاد والسير) ، باب (7) استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو، حديث رقم (21) ، (22) ، (23) ، ذكر في الباب دعاه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند لقاء العدو وقد اتفقوا على استحبابه.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «اللَّهمّ اهزمهم وزلزلهم»
أي أزعجهم وحركهم بالشدائد، قال أهل اللغة: الزلزال والزلزلة الشدائد التي تحرك الناس.
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] سبق تخريجه.

(9/274)


وقال الواقدي حدثني كثير بن زيد، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن جابر بن عبد اللَّه قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأحزاب في مسجد الأحزاب، يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيبت له بين الظهر والعصر يوم الأربعاء، قال: فعرفنا السرور في وجهه، قال جابر:
فما نزل بى أمر غائظ مهم إلا تحينت تلك الساعة من ذلك اليوم فأدعو اللَّه عز وجل فأعرف الإجابة.
وخرجه البخاري في الأدب المفرد به بمثله، وخرجه أحمد [ (1) ] أيضا في الجهاد، وقال الواقدي: وكان بن أبى ذئب يحدث عن رجل من بنى سلمة، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجبل الّذي عليه المسجد، فدعا ورفع يديه مدا، ثم جاءه مرة أخرى فصلى ودعا.

فصل في ذكر شعار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حروبه
خرج أبو داود [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، عن الحجاج عن قتادة عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان شعار المهاجرين: عبد اللَّه، وشعار الأنصار: عبد الرحمن.
والنسائي [ (3) ] من حديث عبد الرحمن بن مهدي، عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: كنا مع أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو أول من أمّره علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان شعارنا: أمت أمت، وخرجه أبو داود [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 469- 471، حديث رقم (18628) ، (18635) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 73، كتاب الجهاد، باب (78) في الرجل ينادى الشعار حديث رقم (2595) .
[ (3) ] لم أجده في (السنن) ولعله في (الكبرى) .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 3/ 73- 74 كتاب الجهاد، باب (78) في الرجل ينادى بالشعار، حديث رقم (2596) ولفظه: «غزونا مع أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، زمن النبي

(9/275)


ولأبى داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] من حديث أبى إسحاق، عن المهلب بن أبي صفرة قال أخبرني من سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن بيتم فليكن شعاركم: حم لا ينصرون. وخرجه النسائي [ (3) ] وابن الجارود.
وقال الواقدي [ (4) ] : فحدثني ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: جعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شعار المهاجرين يوم بدر: يا بنى عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بنى عبد اللَّه، وشعار الأوس: يا بني عبيد اللَّه، وفي يوم أحد: أمت أمت، وفي بنى النضير: أمت أمت، وفي المريسيع: أمت أمت، وفي الخندق: حم لا ينصرون، وفي قريظة والغابة لم يسم أحدا، وفي حنين: يا منصور أمت، وفي الفتح شعار المهاجرين: بنى عبد الرحمن، ويجعل شعار الخزرج: بنى عبد اللَّه، والأوس: بنى عبد اللَّه، وفي خيبر: بنى عبد الرحمن للمهاجرين، وللخزرج: بنى عبد اللَّه، وللأوس: بنى عبيد اللَّه، وفي الطائف لم يسم أحدا.
__________
[ () ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان شعارنا: أمت أمت» ، وأخرجه الدارميّ في السير، باب الشعار، حديث رقم (2455) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 637، حديث رقم: (16063) ، من حديث عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: «كان شعارنا ليلة بيتنا في هوازن مع أبى بكر الصديق أمّره علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمت أمت، وقتلت بيدي ليلتئذ سبعة أهل أبيات» .
[ (1) ] المرجع السابق من طريق أخرى وبسياقه مختلفة حديث رقم (2597) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 170، كتاب الجهاد، باب (11) ما جاء في الشعار، حديث رقم (1682) ، ونسبه المنذري للنسائى، قال المنذري: ووقع عند غيرهما «يا منصور أمت، أمت» . قيل: هو أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر، بعد الأمر بالإماتة، مع حصول الغرض بالشعار، فإنّهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها، لأجل ظلمة الليل فيعرف بها الرجل وقفاءه. (معالم السنن) .
[ (3) ] لم أجده في (السنن) ولعله في (الكبرى) .
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 8، 71- 72.

(9/276)


فصل في ذكر المغازي التي قاتل فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
قال الواقدي: وكان ما قاتل صلّى اللَّه عليه وسلّم تسعا: بدر القتال، يوم أحد، المريسيع، الخندق، قريظة، خيبر، الفتح، وحنين، والطائف قال: ويقال:
قد قاتل في بني النضير ولكن اللَّه جعلها له خاصة، وقاتل في غزوة تبوك، ووادي القرى منصرفة من خيبر، وقتل بعض أصحابه، وقاتل في الغابة حتى قتل محرز بن فضل، وقتل من العدو ستة.
قال الواقدي في وقعة أحد: ورمى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عن قوسه حتى صارت شظايا، فأخذها قتادة بن النعمان وكانت عنده. وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته. قال قتادة بن النعمان: فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: أي رسول اللَّه، إن تحتى امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني. فأخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فردها فأبصرت وعادت كما كانت، فلم تضرب عليه ساعة من ليل ولا نهار، وكان يقول بعد أن أسن: هي واللَّه أقوى عينىّ! وكانت أحسنهما.
وباشر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القتال، فرمى بالنبل حتى فنيت نبله وتكسرت سية قوسه، وقبل ذلك انقطع وتره، وبقيت في يده قطعة تكون شبرا في سية القوس، وأخذ القوس عكاشة بن محصن يوتره له، فقال: يا رسول اللَّه، لا يبلغ الوتر.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مده، يبلغ!
قال عكاشة: فو الّذي بعثه بالحق، لمددته حتى بلغ وطويت منه ليتين أو ثلاثة على سية القوس. ثم أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قوسه، فما زال يرمى القوم، وأبو طلحة أمامهم يستره مترسا عنه، حتى نظرت إلى قوسه قد تحطمت، فأخذها قتادة بن النعمان.
قال الواقدي [ (1) ] : حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: لما كان يوم أحد أقبل أبيّ بن خلف يركض فرسه، حتى إذا دنا من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اعترض له ناس من أصحابه ليقتلوه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استأخروا عنه!
فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحربته في يده فرماه بها بين سابغة البيضة
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 250.

(9/277)


والدرع فطعنه هناك، فوقع أبي عن فرسه وكسر ضلع من أضلاعه واحتملوه فمات بالطريق، ونزلت فيه وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (1) ] .
فحدثني يونس بن محمد الظفري. عن عاصم بن عمر، عن عبد اللَّه ابن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: كان أبى بن خلف قدم في فداء ابنه، وكان أسر يوم بدر، فقال: يا محمد، إن عندي فرسا لي أجلها فرقا من ذرة كل يوم، أقتلك عليها. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل- أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه ويقال قال ذلك بمكة فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمته بالمدينة فقال: أنا أقتله عليا إن شاء اللَّه.
قالوا وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القتال لا يلتفت وراءه، وكان يقول لأصحابه: إني أن يأتى أبىّ بن خلف من خلفي، فإذا رأيتموه فآذنونى به، فإذا بأبىّ يركض على فرسه، وقد رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعرفه، جعل فجعل يصيح بأعلى صوته: يا محمد، لا نجوت إن نجوت! فقال القوم: يا رسول اللَّه، ما كنت صانعا حين يغشاك؟ فقد جاءك، وإن شئت عطف عليه بعضنا فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
ودنا أبيّ فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم انتقض بأصحابه كما ينتقض البعير، فتطايرنا عنه تطاير الشعارير، ولم يكن أحد يشبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جد الجد. ثم أخذ الحربة فطعنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحربة في عنقه وهو على فرسه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويقول له أصحابه: أبا عامر، واللَّه ما بك بأس، ولو كان هذا الّذي بك بعين أحدنا ما ضرّه. فقال واللات والعزى لو كان هذا الّذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون! أليس قال: لأقتلنك؟ فاحتملوه وشغلهم ذلك عن طلب رسول اللَّه
__________
[ (1) ] الأنفال: 17.

(9/278)


صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعظم أصحابه في الشّعب. ويقال: تناول الحربة من الزبير بن العوام.
وكان ابن عمر يقول: مات أبىّ بن خلف ببطن رابغ، فإنّي لأسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل، إذ نار تأجج، فهبتها، وإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش! وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، هذا أبىّ بن خلف. فقلت: ألا سحقا! ويقال مات بسرف.
ويقال لما تناول الحربة من الزبير حمل أبىّ على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليضربه، فاستقبله مصعب بن عمير يحول بنفسه دون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فضرب مصعب ابن عمير وجهه، وأبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجة بين سابغة البيضة والدرع فطعنه هناك، فوقع وهو يخور [ (1) ] .

فصل في ذكر ما كان للنّبيّ عليه السلام من الغنيمة
خرج أبو داود [ (2) ] من حديث سفيان عن مطرف، عن الشعبي، قال:
كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم سهم يدعي الصفيّ، إن شاء عبدا، وإن شاء أمة، وإن شاء فرسا، يختاره قبل الخمس.
ومن حديث ابن عون قال: سألت محمدا عن سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والصفي، قال: كان يضرب له بسهم من المسلمين وإن لم يشهد، والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء.
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 250- 252، (طبقات ابن سعد) : 1/ 64.
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 397- 398، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (21) ما جاء في سهم الصفىّ، حديث رقم (2991) ، قال المنذري: هذا حديث مرسل.

(9/279)


ومن حديث سعيد- يعنى ابن بشير- عن قتادة، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاءه، فكانت صفية من ذلك السهم، وكان إذا لم يغز بنفسه ضرب له بسهمه ولم يخير.
ومن حديث سفيان عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان صفية من الصفي [ (1) ] .
ولأبي بكر بن أبي شيبة [ (2) ] من حديث وكيع قال: أنبأنا قرة بن خالد، عن أبي العلاء يزيد بن عبد اللَّه بن الشخير قال: كنا جلوسا بهذا المسجد بالبصرة فأتى أعرابيّ معه قطعة أديم أو قطعة جراب فقال: هذا كتاب كتبه لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذته فقرأته على القوم فإذا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول اللَّه لبني زهير، إنكم إن أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم الخمس من المغنم، ثم سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والصفي، فأنتم آمنون بأمان اللَّه وأمان رسول اللَّه قال: قلنا للأعرابي: من أين سمعت هذا؟ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، سمعته يقول: صوم شهر الصبر يعني رمضان أو ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر،
ثم أخذ الكتاب وانطلق مسرعا ثم قال ألا أراكم تخافون أن أكذب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، واللَّه لا أحدثكم اليوم حديثا.
وخرجه أبو محمد بن الجارود من حديث وكيع عن قرة بن خالد بنحوه إلى قوله: وأمان رسوله، وبعد هذا قال: قلنا له: هل سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول شيئا؟ قال سمعته يقول صوم شهر الصبر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، يذهبن وحر الصدر.
قال: ثم أخذ الكتاب وانصاع مسرعا.
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) 3/ 398،: كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (21) ما جاء في سهم الصفي، حديث رقم (2994) .
[ (2) ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 76- 77، حديث رقم (20213) ، وحديث رقم (20216) ، وأخرجه أيضا الإمام الحافظ البيهقي في (السنن الكبرى) 6/ 303، كتاب قسمة الفيء والغنية، باب سهم الصفي، (مجموعة الوثائق السياسة في العهد النبوي والخلافة الرشيدة) :
208- 209، وثيقة رقم 233.

(9/280)


وحدثني قدامة بن موسى، عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزام، قال: كتب إليّ عمر بن عبد العزيز في خلافته أن افحص لي عن الكتيبة [أكانت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر أم كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالصة] ، قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فسألت عمرة بنت عبد الرحمن فقالت:
إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما صالح بني أبي الحقيق جزّأ النطاة، والشق، والكتيبة، خمسة أجزاء، وكانت الكتيبة جزء منها، ثم جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمس بعرات، وأعلم في بعرة منها فجعلها للَّه. ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اجعل سهمك في الكتيبة،
فكان أول من خرج منها الّذي فيه مكتوب على الكتيبة، فكانت الكتيبة خمس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت السهمان أغفالا ليس عليها علامات، فكانت فوضى للمسلمين على ثمانية عشر سهما، قال أبو بكر: فكتبت إلى عمر ابن عبد العزيز بذلك.
وحدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن أبي مالك، عن حزام بن سعد بن محيصة، قال: لما خرج سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان الشق والنطاة أربعة الأخماس للمسلمين فوضى.
وحدثني عبد اللَّه بن عون، عن أبي مالك الحميري، عن سعيد بن المسيب، وحدثني محمد، عن الزهري، قال: الكتيبة خمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يطعم من أطعم في الكتيبة وينفق على أهله منها.
قال ابن واقد: والثبت عندنا أنها خمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يطعم من الشق والنطاة أحدا، وجعلها سهمانا للمسلمين، وكانت الكتيبة التي أطعم فيها.
وكانت الكتيبة تخرص ثمانية آلاف وسق تمر، وكان لليهود نصفها أربعة آلاف، كان يزرع في الكتيبة شعير، وكان يحصد منها ثلاثة آلاف صاع، فكان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم نصفه، ألف وخمسمائة صاع شعير، وكان يكون فيها نوى فربما اجتمع ألف صاع، فيكون لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نصفه، فكل هذا قد أعطى منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين من الشعير، والتمر، والنوى ثلاث مائة وسق شعير.

(9/281)


أطعم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا تمرا وعشرين وسقا شعيرا. وللعباس بن عبد المطلب مائه وسق، ولفاطمة وعليّ عليهما السلام من الشعير والتمر ثلاث مائة وسق، والشعير من ذلك خمس وثمانين وسق، لفاطمة من ذلك مائتا وسق. ولأسامة بن زيد مائة وخمسون، منها أربعون شعير، وخمسون وسقا نوى، ولأم رمثة بنت عمر بنت هاشم بن المطلب خمسة أو ساق شعير، وللمقداد بن عمر خمسة عشر وسقا شعيرا.
وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمته عن أمها، قالت: بعن طعمة المقداد بن عمرو من خيبر خمسة عشر وسقا شعيرا من معاوية بن أبى سفيان بمائة ألف درهم.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى محمد رسول اللَّه لأبى بكر بن أبى قحافة مائة وسق، ولعقيل بن أبى طالب مائة وأربعين، ولبني جعفر بن أبى طالب خمسين وسقا، ولربيعة بن الحارث مائة وسق، ولأبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مائة وسق، وللصلت بن مخرمة بن المطلب ثلاثين وسقا، ولأبى نبقة خمسين وسقا، ولركانة بن عبد يزيد خمسين وسقا، وللقاسم بن مخرمة بن المطلب خمسين وسقا، ومسطح بن أثاثة بن عباد وأخته هند ثلاثين وسقا، ولصفية بنت عبد المطلب أربعين وسقا، ولبحينة بنت الحارث بن عبد المطلب ثلاثين وسقا، ولضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أربعين وسقا، وللحصين، وخديجة، وهند بنت عبيدة بن الحارث مائة وسق، ولأم الحكم بنت الزبير بن عبد اللَّه ثلاثين وسقا، ولأم هانئ بنت أبى طالب أربعين وسقا، ولجمانة بنت أبى طالب ثلاثين وسقا، ولأم طالب بنت أبى طالب ثلاثين وسقا، ولقيس بن مخرمة بن المطلب خمسين وسقا، ولأبى أرقم خمسين وسقا، ولعبد الرحمن بن أبى بكر أربعين وسقا، ولأبى بصرة أربعين وسقا، ولابن أبى حبيش ثلاثين وسقا، ولعبد اللَّه بن وهب وابنيه خمسين وسقا، لابنيه أربعين وسقا، ولنميلة الكلبي من بنى ليث خمسين وسقا، ولأم حبيبة بنت جحش ثلاثين وسقا، ولملكان بن عبدة ثلاثين وسقا، ولمحيصة بن مسعود ثلاثين وسقا، وأوصى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للرهاويين بطعمة من خمس

(9/282)


خيبر بجادّ مائة وسق، وللداريين بجادّ مائة وسق،
وهم عشرة من الداريين قدموا من الشام إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأوصى لهم بطعمة مائة وسق: هانئ بن حبيب، والفاكه ابن النعمان، وجبلة بن مالك، وأبو هند بن برّ، وأخوه الطيب بن برّ، سماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه، وتميم بن أوس، ونعيم ابن أوس، ويزيد بن قيس، وعزيز بن مالك، سماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد الرحمن، وأخوه مرة بن مالك، وأوصى للأشعريين بجادّ مائة وسق [ (1) ] .
قال الواقدي: حدثني معمر، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة قال: لم يوص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا بثلاثة أشياء، للداريين بجادّ مائة وسق، وللأشعريين بجادّ مائة وسق، وللرهاويين بجادّ مائة وسق، وأن ينفذ جيش أسامة بن زيد، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقد له إلى مقتل أبيه، وألا يترك بجزيرة العرب دينان.
قالوا: ثم استشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل عليه السلام في قسم خمس خيبر، فأشار عليه أن يقسمه في بنى هاشم وبني عبد المطلب وبني عبد يغوث
وحدثني معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: قال جبير ابن مطعم: لما قسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سهم ذوى القربى بخيبر من بني هاشم وبني المطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى دخلنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه، هؤلاء إخواننا من بنى المطلب لا ننكر فضلهم لمكانك الّذي وضعك اللَّه به منهم، أفرأيت إخواننا من بني المطلب، إنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، أعطيتهم وتركتنا. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن بني المطلب لم يفارقوني في الجاهلية والإسلام، ودخلنا معا في الشّعب، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد! وشبك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أصابعه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) 2/ 692- 695.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 695- 696، (فتح الباري) 6/ 300، كتاب فرض الخمس، باب (17) ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطى بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبني المطلب وبنى هاشم من خمس خيبر. قال عمر بن عبد العزيز: لم يعمهم بذلك ولم يخص-

(9/283)


__________
[ () ] قريبا دون من أحوج إليه، وإن كان الّذي أعطى لما يشكو إليه من الحاجة، ولما مستهم في جنبه من قومهم وحلفائهم، حديث رقم (3140) ولفظه: عن عقيل عن بن شهاب عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه، أعطيت بنى عبد المطلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة،
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما بنى المطلب وبنى هاشم شيء واحد.
قال الليث حدثني يونس وزاد: قال جبير: ولم يقسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل.
وقال ابن إسحاق: عبد شمس وهاشم والمطلب إخوة. وأمهم عاتكة بنت مرة. وكان نوفل أخاهم لأبيهم. وأخرجه البخاري أيضا في كتاب المنقاب، باب (2) مناقب قريش، حديث رقم (3502) ، وأخرجه في كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر حديث رقم (4229) ، وفي حديث حجة للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوى القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من قريش، وعن عمر بن عبد العزيز: هم بنو هاشم خاصة، وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين، وهذا الحديث يدل لإلحاق بنى المطلب بهم، وقيل هم قريش كلها لكن يعطى الإمام منهم من يراه، بهذا قال أصبغ، وهذا الحديث حجة عليه.
وفيه توهين قول من قال إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما أعطاهم بعلة الحاجة إذ لو أعطاهم بعلة الحاجة لم يخص قوما دون قوم، والحديث ظاهر في أنه أعطاهم بسبب النصرة وما أصابهم بسبب الإسلام من بقية قومهم الذين لم يسلموا، والملخص أن الآية نصت على استحقاق قربى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي متحققة في بنى عبد شمس لأنه شقيق، وفي بنى نوفل إذا لم تعتبر قرابة الأم.
واختلف الشافعية في سبب إخراجهم فقيل: العلة القرابة مع النصرة فلذلك دخل بنو هاشم وبنو عبد المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها، وقيل:
الاستحقاق بالقرابة، ووجد ببني شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بنى هاشم وحاربوهم.
والثالث أن القربى عام مخصوص وبينته السنة. قال ابن بطال: وفيه رد لقول الشافعيّ إن خمس الخمس يقسم بين ذوى القربى لا يفضل غنى على فقير، وأنه يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال الحافظ: ولا حجة فيه لما ذكر لا إثباتا ونفيا، وأما الأول فليس في الحديث إلا أنه قسم خمس الخمس بين بنى هاشم والمطلب ولم يتعرض لتفضيل ولا عدمه، وإذا لم يتعرض فالأصل في القسمة إذا أطلقت التسوية والتعميم، فالحديث إذا حجة للشافعي لا عليه.

(9/284)


خرجه البخاري [ (1) ] من حديث عقيل، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم، ومن حديث يحيى بن بكير عن الليث عن يونس، عن ابن شهاب، وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث يونس وابن إسحاق عن ابن شهاب، وخرجه النسائي كذلك،
قال الواقدي: [ (3) ] وكان عبد المطلب بن ربيعة ابن الحارث يحدث قال: اجتمع العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث فقالا: لو بعثنا هذين الغلامين- لي وللفضل بن عباس- إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلماه فأمّرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدى الناس، وأصابا ما يصيبون من المنفعة.
فبعث بى والفضل فخرجنا حتى جئنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسبقناه وانصرف إلينا من الظهر وقد وقفنا له عند حجرة زينب، فأخذ بمناكبها فقال: أخرجا ما تسران فلما دخلا عليه فكلماه فقالا: يا رسول اللَّه جئناك لتؤمّرنا على هذه الصدقات فنودي ما يودي الناس، ونصيب ما يصبون من المنفعة، فسكت ورفع رأسه إلى سقف البيت، ثم أقبل علينا فقال: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس. ادع لي محمية بن جزء الزبيدي وأبا سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب.
فقال لمحمية: زوج هذا ابنتك- للفضل.
وقال لأبى سفيان: زوج هذا ابنتك- لعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث.
وقال لمحمية: أصدق عنهما مما عندك من الخمس. فكان ابن عباس يقول:
قد دعانا عمر إلى أن ينكح فيه أيامانا، ويخدم منه عائلنا، ويقضى منه غارمنا، فأبينا عليه إلا أن يسلمه كله، وأبى ذلك علينا.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 70، كتاب المغازي، باب (58) السرية التي قبل نجد، حديث رقم (4338) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 179- 180، كتاب الجهاد، حديث رقم (2744) . وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب (12) الأنفال، حديث رقم (1749) ، وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) في الجهاد.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 696- 697.

(9/285)


قلت: خرجه مسلم من حديث جويرية، عن مالك عن الزهري، أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أخبره قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا واللَّه لو بعثنا هذين الغلامين «قالا لي والفضل بن عباس» إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلماه فأمّرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدى الناس، وأصابا مما يصيب الناس، قال: فبينما هما في ذلك، جاء على بن أبى طالب، فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال على بن أبى طالب: لا تفعلا، فو اللَّه ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: واللَّه ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فو اللَّه لقد نلت صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فما نفسناه عليك، قال على:
أرسلوهما، فانطلقا.
واضطجع على، قال: فلما صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: أخرجا ما تصرران، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ هند زينب بنت جحش، قال: فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول اللَّه أنت أبر الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح، فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدى إليك كما يؤدى الناس، ونصيب كما يصيبون.
قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه، قال: ثم قال: أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية- وكان على الخمس- ونوفل ابن الحارث بن عبد المطلب، قال فجاءاه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك- فضل بن العباس- فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك- لي- فأنكحنى، وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا. قال الزهري ولم يسمه لي [ (1) ] .
__________
[ (1) ]
قوله: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد»
دليل على أنها محرمة، سواء كانت بسبب العمل، أو بسبب الفقر والمسكنة وغيرهما من الأسباب الثمانية [وهي المذكورة في الآية رقم (60) من سورة التوبة، وهي قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها

(9/286)


وخرجه أيضا من حديث يونس بن زيد عن ابن شهاب عن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أخبره أن أتاه ربيعة بن الحارث وعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة والفضل بن عباس ائتيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وساق الحديث بنحو حديث مالك إلا ألفاظ متعددة [ (1) ] .
قال الواقدي: حدثني مصعب بن ثابت، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير أن أبا بكر وعمرو وعليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم جعلوا هذين السهمين على اليتامى والمساكين. وقال بعضهم: في السلاح والعدة في سبيل اللَّه، وكانت تلك الأطعمة تؤخذ بصاع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حياته، وفي خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، حتى كان يحيى بن الحكم فزاد في الصاع سدس المد، فأعطى الناس بالصاع الّذي زاد، ثم كان أبان بن عثمان فزاد فيه فأعطاهم بذلك، وكان من مات من المطعمين أو قتل في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإنه يرثه تلك الطعمة من ورث ماله، فلما ولي عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قبض طعمة كل من مات ولم يورثه، فقبض طعمة زيد ابن حارثة، وقبض طعمة جعفر بن أبي طالب، وكلمه فيه علي بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأبى، وقبض طعمة صفية بنت عبد المطلب، فكلمه الزبير في ذلك حتى غالظه فأبى عليه
__________
[ () ] وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] ، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وجوز بعض أصحابنا لبني هاشم ولبني المطلب العمل عليها بسهم العامل، لأنه إجارة، وهذا ضعيف أو باطل وهذا الحديث صريح في رده.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إنما هي أوساخ الناس» تنبيه على العلة في تحريمها على بنى هاشم، وبنى المطلب، وأنها لكرامتهم تنزيهم عن الأوساخ، ومعنى أوساخ الناس: أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم، كما قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة:
103] ، فهي كغسالة الأوساخ. (شرح النووي) .
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (168) .

(9/287)


بردّه، فلما ألح عليه قال: أعطيك بعضه. فقال الزبير لا واللَّه، لا تخلف تمرة واحدة تحبسها عني! فأبى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه تسليمه كله إليه. فقال الزبير: لا آخذه إلا جميعا! فأبى عمر وأبى أن يردّ على المهاجرين.
وقبض طعمة فاطمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها فكلم فيها. فأبى أن يفعل. وكان يجيز لأزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنعنا، فماتت زينب بنت جحش في خلافته فخلى بين ورثتها وبين تلك الطعمة، وأجاز ما صنعن فيه من بيع أو هبة، وورث ذلك كل من ورثهن ولم يفعل بغيرهن. وأبى أن يجيز بيع من باع تلك الطعمة، وقال: هذا شيء لا يعرف، إذا مات المطعم بطل حقه فكيف يجوز بيعه؟ إلا أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإنه أجاز ما صنعن، فلما ولي عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كلم في تلك الطعمة فرد على أسامة ولم يرد على غيره. فكلمه الزبير في طعمة صفية أمّه فأبى أن يرده وقال: أنا حاضرك حين تكلم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وعمر يأبى عليك يقول: «خذ بعضه» ، فأنا أعطيك بعضه الّذي عرض عليك عمر، أنا أعطيك الثلثين وأحتبس الثلث، فقال الزبير: لا واللَّه، لا تمرة واحدة حتى تسلمه كله أو تحتبسه.
قال الواقدي: حدثني شعيب بن طلحة بن عبد اللَّه بن عبد بن الرحمن ابن أبى بكر، عن أبيه، قال: لما توفي أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان ولده وورثته يأخذون طعمته من خيبر مائة وسق في خلافة عمر وعثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وورثت امرأته أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية [وحبيبة] بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير، فلم يزل جاريا عليهنّ حتى كان زمن بن عبد الملك أو بعده فقطع.
قال أبو عبد اللَّه: سألت إبراهيم بن جعفر عمّن أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمس خيبر فقال: لا تسأل عنه أحدا أبدا أعلم مني، كان من أعطى منه طعمة جرت عليه حتى يموت، ثم يرثه من ورثته يبيعون، ويطعمون، ويهبون،

(9/288)


كان هذا على عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي اللَّه تعالى عنهم. قلت:
ممن سمعت ذلك؟ قال من أبي وغيره من قومي.
قال أبو عبد اللَّه: فذكرت لعبد الرحمن بن عبد العزيز هذا الحديث فقال: أخبرني من أثق به أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان يقبض تلك الطعمة إذا مات الميت [في حياة] أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وغيرهن، ثم يقول:
توفيت زينب بنت جحش في سنة عشرين في خلافة عمر فقبض طعمتها، وكلم فأبى أن يعطيها الورثة. وقال: إنما كانت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم طعمة ما كان المرء حيا، فإذا مات فلا حق لورثته. قال: فكان الأمر على ذلك في خلافة عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى توفي، ثم ولى عثمان. وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أطعم زيد بن حارثة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه طعمة من خيبر لم يكن له بها كتاب، فلما توفي زيد جعلها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأسامة بن زيد. قلت: وفأن بعض من يروي يقول كلهم أسامة بن زيد عمر وعثمان في طعمة أبيه فأبى، قال:
ما كان إلا كما أخبرتك. قال أبو عبد اللَّه: هذا الأمر [ (1) ] .
[وقال: أبو زيد عمر بن محمد بن يحيى عن الواقدي عن صالح، عن جعفر، عن المسور بن رفاعة، عن ابن كعب قال: أو صدقة في الإسلام وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمواله، قال: فقلت: لابن كعب يقولون صدقة عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أول، فقال: على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأوصى إن أصيب قاموا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقبضها رسول اللَّه فتصدق بها فهذا قبل ما تصدق عمر إنما تصدق عمر يسمع حين رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر سنة سبع من الهجرة واللَّه أعلم [ (2) ]] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 697- 699.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط.

(9/289)