إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي كان يختم به
تقدم حديث البخاري عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لن يقرءوا كتابا إذا لم يكن مختوما، فاتخذ خاتما من فضة، ونقشه: محمد رسول اللَّه [ (1) ] .
وقال ابن بطال: عن المهلب، كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يختم به، وبه كان يختم الكتب إلى البلدان، وأخرجه يونس عن الزهري، قال: حدثني أنس أن معاذا بعث إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخاتم من اليمن من ورق فصّه حبشىّ، كتب عليه: محمد رسول اللَّه، فكان يتختم به، ويختم أبو بكر، وعمر، وعثمان، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ست سنين من إمارته، فبينما هو على رأس بئر اريس سقط منه، فبرحت، فلم يوجد [ (2) ] .
وخرج الترمذي في (الشمائل) من حديث أبى عوانة، عن أبى بشر، عن نافع، عن ابن عمر، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اتخذ خاتما من فضة، فكان يختم به ولا يلبسه [ (3) ] .
__________
[ () ] ابن أبى سفيان بعد عام الفتح، وكتب له أيضا الزبير بن العوام، والمغيرة بن شعبة، وشرحبيل ابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وجهيم بن الصلت، وعبد اللَّه بن رواحة، ومحمد بن مسلمة، وعبد اللَّه بن سعد ابن أبى سرح، وحنظلة بن الربيع الأسيدي، والعلاء بن الحضرميّ- ذكر معمر بن شبة في كتاب الكتاب له، فجميعهم ثلاثة وعشرون. (المصباح المضيء) : 1/ 27- 28، باب ذكر من كتب له صلّى اللَّه عليه وسلّم من الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
[ (1) ] سبق تخريج أحاديث خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي كان يلبسه ويختم به كتبه ورسائله إلى الملوك والرؤساء، وكان نقشه محمد رسول اللَّه، في الجزء السابع من (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا:
7/ 34 وما بعدها في شأن فص خاتمه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسبب اتخاذه، فليراجع هناك.
[ (2) ] سبق تخريجه وشرحه.
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 88، باب (2) ما جاء في ذكر خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (89) ، وهو حديث صحيح، قال أبو عيسى: أبو بشر اسمه جعفر بن أبى وحشية، وأخرجه

(9/335)


وذكر البخاري في (التاريخ) من حديث إياس بن الحارث بن معيقيب عن جده معيقيب، قال: كان خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديد ملوىّ عليه فضة، فربما كان في يده، وإن معيقيب يلي خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .
__________
[ () ] أيضا النسائي في (السنن) : كتاب الزينة، باب نزع الخاتم عند دخول الخلاء، حديث رقم (5218) ، وفي باب طرح الخاتم وترك لبسه، حديث رقم (5292) ، عن قتيبة بتمامه وإسناده صحيح، ورجاله رجال الشيخين، وأبو عوانة هو الوضاح بن عبد اللَّه اليشكري.
[ (1) ] (التاريخ الكبير للبخاريّ) : 8/ 52- 53، حديث رقم (2123) ، وفيه: «وكان المعيقيب على خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» .

(9/336)


فصل في ذكر ما كان يختم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتبه
اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يختم كتبه بطين، ثم يطبع بالخاتم في الطين.
قال: ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استكتب عبد اللَّه بن الأرقم، وكان يجيب عنه الملوك، وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك- فيكتب، ويأمره أن يطينه ويختمه، وما يقرأه لأمانته عنده.
قال: إذا أردت أن تجعل على الكتاب طين، فأطن الكتاب، فتقول:
قد طنته، أطينه طينا، وهو كتاب مطين، فإذا أعدت الطين على الكتاب مرة بعد مرة، قلت: طينته بالتشديد تطيينا، فهو مطيّن.
ويقال [للذي] يجعل فيها الطين: مطينة بالكسر، والجمع مطاين [ (1) ] .
واقتدى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك الخلفاء، فوضع معاوية بن أبى سفيان ديوان الخاتم، واستعمل عليه عبد اللَّه بن محصن الحميري، فهو أول من أحدثه، وكان طين الختم في الدولة العباسية يجلب من سيراف، وهو طين أحمر، وقيل: لم تزل الكتب منشورة غير معنونة، حتى كانت قصة المسلمين. وقيل: أول من ختم الكتاب سليمان عليه السّلام، وأول من كتبها بالعربية قسّ بن ساعدة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] قال في (اللسان) والطينة: قطعة من الطين يختم بها الصك ونحوه وطنت الكتاب طينا:
جعلت عليه طينا لأختمه به. وطان: الكتاب طينا وطينه: ختمه بالطين، هذا هو المعروف وقال يعقوب: وسمعت من يقول أطن الكتاب أي اختمه وطينته خاتمه الّذي يطين به.
(لسان العرب) : 13/ 270.
[ (2) ] هو قس بن ساعدة الإيادي، سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.

(9/337)


فصل في ذكر صاحب خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
اعلم أن الّذي كان على خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي كان يختم به معيقيب ابن أبى فاطمة، مولى سعيد بن العاص، وقيل: هو دوسيّ حليف لآل سعيد ابن العاص: أسلم قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وقدم المدينة في السفينتين. وقيل: قبل ذلك، وكان على خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستعمله أبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على بيت المال. وكان قد نزل به داء الجذام، فعولج حتى وقف، ومات سنة أربعين وقيل: قبل ذلك [ (1) ] .
__________
[ (1) ] هو معيقيب بن أبى فاطمة مولى سعيد بن العاص، ويزعمون أنه دوسيّ حليف لآل سعيد ابن العاص، أسلم قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة، وقدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة في السفينتين.
وكان على خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، واستعمله ابو بكر وعمر على بيت المال. ونزل به داء الجذام فعولج منه بأمر عمر بالحنظل فتوقف أمره. وهو قليل الحديث- قاله ابن عبد البر. فقلت:
روينا عنه في الصحيحين حديثا ليس له فيهما غيره عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن معيقيب
عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الرجل يسوى التراب حيث يسجد قال: إن كنت فاعلا فواحدة.
قال ابن عبد البر: عن أبى راشد مولى معيقيب قال: قلت لمعيقيب: ما لي لا أسمعك تحدث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كما يحدث غيرك؟ فقال: أما واللَّه إني لمن أقدمهم صحبة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولكن كثرة الصمت خير من كثرة الكلام.
توفى في آخر خلافة عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقيل: بل توفى سنة أربعين في آخر خلافة على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
قال السهيليّ: ذكره عمر بن شبة في كتاب (الكتّاب) له. وقال عبد الكريم الحلبي:
معيقيب ابن أبى فاطمة الدوسيّ، ذكره ابن عساكر وابن الأثير وشيخنا الدمياطيّ واللَّه سبحانه وتعالى أعلم له ترجمة في (المصباح المضيء) : 1/ 186، ترجمة رقم (41) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 116، (طبقات خليفة) : 13 و 123، (تاريخ خليفة) : 199- 202،

(9/338)