إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر من حجم رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلّم
قال ابن سيده: الحجم: المصّ. يقال: حجم الصبى ثدي أمه إذا مصه.
والحجام: المصاص. قال الأزهري: يقال للحاجم حجّام لامتصاصه فم المحجمة. وقد
حجم يحجم حجما، وحاجم حجوم وفتق أحجم [ (1) ] .
وقد ورد [أنه كان ل] [ (2) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اثنان،
هما: أبو طيبة مولى بنى حارثة، واسمه نافع، وقيل: ميسرة، لم يشهد بدرا [
(3) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن الأثير: المحجم بالكسر، الآلة التي يجمع فيها دم الحجامة
عند المصّ، قال:
والمحجم أيضا مشرط الحجام، ومنه الحديث: لعقة عسل أو شرطة محجم. وحرفته
وفعله الحجامة، والحجم: فعل، وهو الحجام. واحتجم: طلب الحجامة، هو محجوم.
وفي حديث الصوم: أفطر الحاجم والمحجوم. قال ابن الأثير: معناه: أنها تعرضا
للإفطار، أما المحجوم فللضعف الّذي يلحقه، وأما الحاجم فلم يأمن أن يصل إلى
حلقه شيء من الدم فيبلعه أو من طعمه.
قال: وقيل: هذا على سبيل الدعاء عليهما، أي بطل أجرهما صارا مفطرين، كقوله:
من صام الدهر فلا صام ولا أفطر.
وقولهم: أفرغ من حجّام ساباط، لأنه كانت تمر به الجيوش فيحجمهم نسيئة من
الكساد، حتى يرجعوا. فضرب به المثل. (لسان العرب) : 12/ 166- 117.
[ (2) ] زيادة يقتضيها السياق.
[ (3) ] هو أبو طيبة الحجام، مولى الأنصار، من بنى حارثة، وقيل: من بنى
بياضة، يقال: اسمه دينار. حكاه ابن عبد البر، ولا يصح، فقد ذكر الحاكم أبو
أحمد أن دينار الحجام آخر. تابعي، وأخرج ابن مندة حديثا لدينار الحجام عن
أبى طيبة، ويقال: اسمه ميسرة.
ذكر البغوي في (معجم الصحابة) عن أحمد بن عبيد أبى طيبة- أنه سأله عن اسم
جده أبى طيبة؟ فقال: ميسرة، ويقال اسمه نافع. قال العسكري: قيل اسمه نافع،
ولا يصح، ولا يعرف اسمه.
قال الحافظ: كذا قال، ووقع مسمى كذلك في مسند محيصة بن مسعود من (مسند
أحمد) ، ثم من طريق أبى حبيب، عن أبى عقير الأنصاري، عن محمد بن سهل بن أبى
خيثمة، عن
(10/43)
وأبو هند عبد اللَّه، مولى فروة بن عمرو
البياضي، تخلف عن بدر، وشهد ما بعدها [ (1) ] .
__________
[ () ] محيصة- أنه له غلام حجام يقال له نافع أبو طيبة، فسأل النبي صلى
اللَّه عليه وسلّم عن خراجه، فقال:
أعلفه الناضح ... الحديث.
وقد أخرجه أحمد وغيره من حديث الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن أبى عقير
الأنصاري، عن محمد بن سهل بن أبى خيثمة، عن محيّصة بن مسعود- أنه كان له
غلام حجام يقال له نافع أبو طيبة.
وقد ثبت ذكره في الصحيحين أنه حجم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من حديث أنس
وجابر وغيرهما.
وأخرج ابن أبى خيثمة بسند ضعيف عن جابر، قال: خرج علينا أبو طيبة لثمان
عشرة خلون من رمضان، فقال له: أين كنت؟ قال: حجمت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلّم.
وأخرج ابن السكن بسند آخر ضعيف من حديث ابن عباس: كذا جلوسا بباب النبي صلى
اللَّه عليه وسلّم، فخرج علينا أبو طيبة بشيء في ثوبه، فقلنا: ما هذا معك
يا أبا طيبة؟ قال: حجمت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأعطانى أجرى.
[ (1) ] هو أبو هند الحجام، مولى بنى بياضة.
قال ابن السكن: يقال اسمه عبد اللَّه. وقال ابن مندة: يقال اسمه يسار،
ويقال سالم، قال: وقال ابن إسحاق: هو مولى فروة بن عمرو البياضي من
الأنصار.
وروى عنه ابن عباس، وجابر، وأبو عميرة، ووقع في موطأ ابن وهب: حجم رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أبو هند يسار. وقال ابن إسحاق في (المغازي)
أيضا: لما انتهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم رجوعه من بدر إلى عرق
الظبية استقبله أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي بحيس أي بزق مملوء حيسا،
كان قد تخلف عن بدر، وشهد المشاهد بعدها.
وأخرج ابن مندة، من طريق شعيب بن أبى حمزة، عن الزهري، يقال: كان جابر يحدث
أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم احتجم على كاهله من أجل الشاة التي
أكلها، حجمه أبو هند مولى بنى بياضة بالقرن.
وأخرج أبو نعيم، من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن
أبى هريرة: أن أبا هند حجم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في اليافوخ من وجع
كان به، وقل: إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة، كذا قال حماد بن
سلمة، وخالفه الدراوَرْديّ، فرواه عن محمد
(10/44)
خرج البخاري من حديث محمد بن مقاتل، أخبرنا
عبد اللَّه، أخبرنا حميد الطويل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه
سئل عن أجر الحجام، فقال: احتجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، حجمه
أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام، وكلهم مواليه فخففوا عنه، وقال: إن أمثل
ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري، وقال: لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من
العذرة، وعليكم بالقسط.
ذكره في كتاب الطب، وترجم عليه باب الحجامة من الداء [ (1) ] . وأخرجه أيضا
من حديث مالك، عن حميد عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
حجم أبو طيبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأمر له بصاع من تمر، وأمر
أهله أن يخففوا من خراجه. ذكره في كتاب البيوع، باب ذكر الحجام [ (2) ] .
__________
[ () ] ابن عمرو، عن أبى سلمة، عن هند، قال: حجمت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلّم في اليافوخ، فقال: إن كان في شيء من الدواء خير فهو في هذه
الحجامة، يا بنى بياضة، أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه.
أخرجه ابن جريح، والحاكم أبو أحمد عنه،
وذكر الحاكم في الإكليل أنه حلق رأس رسول اللَّه في عمرة الجعرانة.
وأخرج ابن السكن، والطبراني، من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة- أن أبا
هند مولى بنى بياضة كان حجاما يحجم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: من
سره أن ينظر إلى من صور اللَّه الإيمان في قلبه فلينظر إلى أبى هند. وقال:
أنكحوه وأنكحوا إليه، وسنده إلى الزهري ضعيف.
وأخرجه الحاكم أبو أحمد مختصرا،
وزاد: ونزلت: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثى. [الحجرات: 13] .
وذكر الواقدي في كتاب الردة عن زرعة بن عبد اللَّه بن زياد بن لبيد- أن أبا
بكر الصديق أرسل أبا هند مولى بنى بياضة إلى زياد بن لبيد عامل كندة
وحضرموت يخبره باستخلافه بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 185، كتاب الطب، باب (13) الحجامة من الداء،
حديث رقم (5696) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 407، كتاب البيوع، باب (39) ذكر الحجام، حديث
رقم (2102) .
(10/45)
وله من حديث سفيان، عن حميد الطويل، عن أنس
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: حجم أبو طيبة النبي صلى اللَّه عليه
وسلّم فأمر له بصاع أو صاعين من طعام، وكلم مواليه فخفف من غلته وضريبته.
ذكر في كتاب الإجارة، ترجم عليه باب ضريبة العبد [ (1) ] .
وخرجه مسلم [ (2) ] من حديث إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس، وخرج
البخاري من حديث شعبة، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه، قال: دعا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم غلاما حجاما فحجمه، وأمر
له بصاع أو صاعين أو مد أو مدّين، وكلم فيه، فخفف من ضريبته، وقال مسلم:
بصاع أو مدّ، أو مدّين. ترجم عليه البخاري في باب من كلم موالي العبد أن
يخففوا عنه من خراجه [ (3) ] .
وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث وهيب، قال: حدثنا طاووس، عن
أبيه عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلّم احتجم وأعطى الحجام أجره واستعط. ذكره البخاري في
الإجارة، ومسلم في البيوع.
ولمسلم [ (6) ] من حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن عاصم، عن الشعبي،
عن ابن عباس قال: حجم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عبد لبني بياضة، فأعطاه
النبي
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 577، كتاب الإجارة، باب (17) ضريبة العبد وتعاهد
ضرائب الإماء حديث رقم (2277) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 502، كتاب المساقاة، باب (11) حل أجرة
الحجامة، حديث رقم (64) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 579، كتاب الإجارة، باب (19) من كلم موالي العبد
أن يخففوا عنه من خراجه، حديث رقم (2278) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2278) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 502، كتاب المساقاة، باب (11) حل أجرة
الحجامة، حديث رقم (65) .
[ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (66) .
(10/46)
صلى اللَّه عليه وسلّم أجره، وكلم سيده
فخفف عنه من ضريبته، ولو كان سحتا لم يعطه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.
وخرجه البخاري [ (1) ] من حديث يزيد بن زريع، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن
عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: احتجم رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلّم وأعطى الحجام أجره، ولو علم كراهية لم يعطه.
وخرجه الخطيب [ (2) ] من حديث محمد بن فضل عن الأعمش، عن نافع، عن ابن عمر
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دعا
أبا طيبة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فحجمه، وسأله عن خراجه فقال: ثلاثة
آصع، فوضع عنه صاعين وأعطاه أجره صاعا.
وذكر ابن أيمن من حديث ابن جريح، عن أبى الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: احتجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلّم وأعطاه أجره، وكان خراجه صاعين كل يوم، فأوصى سيده فوضع عنه صاعا [
(3) ] .
وخرج الحاكم [ (4) ] من حديث أسيد بن موسى قال: أنبانا جماد بن سلمة عن أبى
هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلّم قال: يا
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 578، كتاب الإجارة، باب (18) خراج الحجام، حديث
رقم (2279) .
[ (2) ] (تاريخ بغداد) : 13/ 95، في ترجمة محمود بن محمد الواسطي رقم
(7079) بسياقة أخرى.
[ (3) ] راجع التعليقات السابقة ففيها كفاية.
[ (4) ] (المستدرك) : 2/ 178، كتاب النكاح، حديث رقم (2693) ، قال الحافظ
الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.
وأبو هند الحجام قيل: اسمه عبد اللَّه، ويقال: اسمه يسار، ذكره ابن وهب في
(موطإه) في حجامة المحرم، وقال ابن مندة: سالم بن أبى سالم الحجام يقال له:
أبو هند.
وقيل: اسم أبى هند سنان. روى عنه أبو الجحاف.
قال ابن إسحاق: هو مولى فروة بن عمرو البياضي، تخلف أبو هند عن بدر، ثم شهد
المشاهد كلها.
وكان يحجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال فيه النبي صلى اللَّه
عليه وسلّم: إنما أبو هند امرؤ من
(10/47)
بنى بياضة أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه،
قال: وكان حجاما.
قال الحاكم:
هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
فصل في ذكر حلق شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
اعلم أن المحفوظ من هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه لم يحلق
رأسه المقدم إلا في عمرة أو حجة.
وأول عمرة اعتمرها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعد الهجرة عمرة
الحديبيّة وهي التي صده المشركون فيها عن البيت، فقاضاهم، ثم نحر هديه
وحلق.
قال الواقدي: وحدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى
صعصعة، عن الحارث بن عبد اللَّه، عن أم عمارة، قالت: فأنا انظر إلى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين فرغ عن نحر البدن، فدخل قبة له من أدم
حمراء، فيها الحلاق فحلق رأسه، فأنظر إليه قد أخرجه رأسه من قبته وهو يقول:
رحم اللَّه المحلقين. قيل: يا رسول اللَّه، والمقصرين! قال: رحم اللَّه
المحلقين- ثلاثا- ثم قال والمقصرين [ (1) ] .
وحدثني إبراهيم بن يزيد، عن أبى الزبير، عن جابر، قال وأنا انظر إليه حين
حلق رأسه، ورمى بشعره على شجره كانت إلى جنبه من سمره خضراء [ (1) ] .
__________
[ () ] الأنصار، فأنكحوه وأنكحوا إليه يا بنى بياضة. (الاستيعاب) : 4/
1772، ترجمة رقم (2309) .
قال الإمام النووي في (شرح مسلم) : وفي هذه الأحاديث إباحة التداوي، وإباحة
الأجرة على المعالجة بالتطبب، وفيها الشفاعة إلى أصحاب الحقوق، والديون، في
أن يخففوا منها.
وفيها جواز مخارجة العبد برضاه ورضا سيده. (مسلم بشرح النووي) : 10/ 502.
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 615- 616.
(10/48)
قالت أم عمارة: فجعل الناس يأخذون الشعر من
فوق الشجرة، فيتحاصّون فيه، وجعلت أزاحم حتى أخذت طاقات من شعر، فكانت
عندها حتى ماتت تغسل للمريض.
قال: وحلق يومئذ ناس، وقصّر آخرون. قالت أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه
وسلّم: وقصّرت يومئذ أطراف شعرى. وكانت أم عمارة تقول: قصرت يومئذ- بمقص
معى- الشعر وما شدّ.
[قال الواقدي] ، حدثني خراش بن هنيد، عن أبيه، قال: كان الّذي حلق خراش بن
أمية [ (1) ] ، يعنى ابن الفضل الكعبي الخزاعي، وهو الّذي بعث به رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة، وعقروا جمله، وشهد الحديبة وما
بعدها، ومات آخر خلافة معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
ثم اعتمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عمرة القضية، فطاف بالبيت،
وسعى بين الصفا والمروة.
وقال الواقدي: حدثني حزام بن هشام- عن أبيه، أن خراش بن أمية حلق رأس رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عند المروة [ (1) ] .
وقال الواقدي: حدثني حزام بن هشام، عن أبيه، أن خراش بن أمية حلق رأس رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عند المروة [ (1) ] .
وحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن يحى بن حبان، أن الّذي حلقه معمر بن
عبد اللَّه العدوي. ويقال فيه: معتمر بن أبى معتمر بن أبى معمر أحد شيوخ
بنى عدي، أسلم قديما، وهاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة، وتأخرت هجرته إلى
المدينة، وعاش عمرا طويلا، وله أحاديث منها: لا يحتكر إلا خاطئ.
ولما اعتمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الجعرانة، وأحرم، ودخل
مكة، وطاف بالبيت ماشيا، ثم سعى بين الصفا والمروة على راحلته، حتى انتهى
إلى المروة من الطواف السابع، وحلق رأسه عند المروة.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 737.
(10/49)
قال والواقدي: حلقه أبو هند، عبد بنى
بياضة، ويقال: حلقه خراش ابن أمية [ (1) ] .
وأبو هند هذا هو الحجام المذكور آنفا.
ولما كانت حجة الوداع حلق رأسه بمنى. قال الواقدي: لما نحر رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلّم الهدى، دعا الحلاق، وحضر المسلمون يطلبون من شعر رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأعطى الحلاق شق رأسه الأيمن، ثم أعطاه أبا
طلحة الأنصاري. وكلمه خالد بن الوليد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في
ناصيته حين حلق، فدفعها إليه، وكان يجعلها في مقدم قلنسوته [ (2) ] ، [فلا
يلقى جمعا إلا فضّه، فقال أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كنت
انظر إلى خالد بن الوليد، وما نلقى منه في أحد، وفي الخندق وفي الحديبيّة،
وفي كل موطن لاقانا، ثم نظرت إليه يوم النحر يقدم إلى رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلّم بدنة، وهي تعتب في العقل، ثم نظرت إليه ورسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلّم يحلق رأسه، وهو يقول: يا رسول اللَّه، نا صيتك! لا تؤثر
بها على أحدا فداك أبى وأمى! فأنظر إليه أخذ ناصية رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلّم، فكان يضعها على عينية وفيه] [ (3) ] .
[قال: وسألت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: من أين هذا الشعر الّذي
عندكن؟ قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما حلق رأسه في حجمته
فرّق شعره في الناس، فأصابنا ما أصاب الناس. فلما حلق رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلّم رأسه أخذ من شاربه وعارضيه، وقلم أظفاره، وأمر بشعره
وأظفاره أن يدفنا، وقصر
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 959.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 3/ 1108- 1109.
[ (3) ] ما يبن الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق من (المرجع السابق) .
وفي ترجمة معمر بن نضلة، قال يعقوب بن محمد الزهري: حدثني محمد بن إبراهيم
مولى بنى زهرة، عن ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبى حبيب، عن عبد الرحمن مولى
معمر بن نضلة، قال: قمت على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ومعى
موسى لأحلق رأسه، فقال: يا معمر، مكنك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
من شحمة أذنيه. قلت: ذلك من منن اللَّه عليّ. قال: أجل فحلقت رأسه
(الإصابة) : 16/ 190، ترجمة رقم (8160) .
(10/50)
قوم من أصحابه وحلق آخرون، فقال رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: رحم اللَّه المحلقين! ثلاثا، كل ذلك يقال:
المقصرين يا رسول اللَّه! فقال: والمقصرين! في الرابعة] [ (1) ] .
فصل في ذكر من طبخ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
اعلم أنه جاء عن جماعة، أنهم طبخوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم،
فمنهم أبو عبيدة مولاه [ (2) ] ، ويقال: خادمه.
خرج أبو عيسى الترمذي في (الشمائل) [ (1) ] ، من حديث قتادة، عن شهر بن
حوشب، عن أبى عبيدة، قال: طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم قدرا، وقد
كان يعجبه الذراع، فناولته الذراع، ثم قال ناولني الذراع، فناولته، ثم قال:
ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي
نفسه بيده لو سكت لناولتنى الذراع ما دعوت.
وسلمى بنت عميس [ (3) ] أخت أسماء بنت عميس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما.
خرج أبو يعلى، وأبو عيسى في (الشمائل) [ (4) ] ، من حديث الفضيل بن
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 141، باب (26) ما جاء في إدام رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (170) ، وهو حديث صحيح لغيره، وقد تفرد به
الترمذي، وفي سنده ضعف، وله شواهد.
[ (2) ] هو أبو عبيد مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ذكره الحاكم
أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه، وأخرج حديثه الترمذي في (الشمائل) ، والدارميّ
من طريق شهر بن حوشب عنه. قال: طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم قدرا،
وكان يعجبه الذراع ... الحديث ورجاله رجال الصحيح إلا شهر بن حوشب. قال
البغوي: له صحبة، حدثني عباس، عن يحى بن معين، قال: أبو عبيد الّذي روى عنه
شهر هو من الصحابة. (الإصابة) : 7/ 269، ترجمة رقم (10224) .
[ (3) ] هي سلمى بنت عميس الخثعمية، أخت أسماء، وهي إحدى الأخوات التي قال
فيهن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم:
الأخوات مؤمنات. كانت تحت حمزة، فولدت له أمة اللَّه بنت حمزة، ثم خلف
عليها بعد قتل حمزة شداد بن الهاد الليثي، فولدت له عبد اللَّه وعبد
الرحمن.
(10/51)
سليمان قال: أنبأنا عبد اللَّه بن على، عن
جدته سلمى قالت: أن الحسن بن عليّ، وابن عباس، وابن جعفر أتوها فقالوا لها:
أصنعى لنا طعاما مما كان يعجب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ويحسن
أكله، فقالت: يا بنى إنك لا تشتهيه اليوم، قال:
بل اصنعيه لنا وصبّت عليه شيئا من زيت، ودقت الفلفل والتوابل، فقربته إليهم
فقال: هذا مما كان يعجب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويحسن أكله. اللفظ
لأبى يعلى، وأبى رافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وخرج مسلم والنسائي من حديث عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبى هلال، عن عبد
اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن أبى غطفان، عن أبىّ رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه. قال: أشهد لقد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلّم بطن الشاة، ثم صلى ولم يتوضأ. هذا لفظ مسلم [ (1) ] .
__________
[ () ] وأخرج ابن مندة من طريق عبد اللَّه بن المبارك، عن جرير بن حازم، عن
محمد بن عبد اللَّه بن أبى يعقوب، وأبى فزارة، جميعا عن عبد اللَّه بن
شداد، قال: كانت بنت حمزة أختى من أمى، وكانت أمنا سلمى بنت عميس.
وقال ابن سعد: زوجها حمزة، وكانت أسلمت قديما مع أختها أسماء فولدت لحمزة
ابنته عمارة، وهي التي اختصم فيها على وجعفر وزيد بن حارثة ثم بانت سلمى من
حمزة، فتزوجها شداد، فولدت له عبد اللَّه، فقضى بها النبي صلى اللَّه عليه
وسلّم لجعفر، وقال: الخالة بمنزلة الأم. وكانت أسماء تحت جعفر، فتعين أن
أمها سلمى، وقد بالغ ابن الأثير في الرد على من زعم أن أسماء كانت تحت
حمزة. لها ترجمة في (الإصابة) : 7/ 706- 707، ترجمة رقم (11317) ،
(الاستيعاب) : 4/ 1816، ترجمة رقم (3381) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 209.
[ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 148، باب (26) ما جاء في إدام رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (179) ، وهو حديث ضعيف تفرد به الترمذي.
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 285، كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما
مسته النار، حديث رقم (357) . قال الإمام النووي: أما غطفان، بفتح الغين
المعجمة، والطاء المهملة، فهو ابن طريف المري المدني. قال الحاكم أبو أحمد:
لا يعرف اسمه. قال: ويقال في كنيته أيضا: أبو مالك.
(10/52)
ولفظ النسائي: عن أبى رافع رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه قال: كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بطن
الشاة، وقد توضأ للصلاة، فيأكل منه ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضا [ (1) ] .
وخرج النسائي من حديث أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: طبخت
لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم شاة، فقال: ناولني الذراع، فناولته
الذراع، قال:
ناولني الذراع، فناولته الذراع، قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه!
إنما للشاة ذراعان، قال: والّذي نفسي بيده، ولو سكت لناولتني الذراع ما
دعوت [ (2) ] .
فصل في ذكر مواشط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
قال ابن سيده: مشط شعره يمشطه ويمشطه مشطا: رجّله، والمشاطة: ما سقط منه
عند المشط. وقد أمتشط، وامتشطت المرأة، ومشطتها الماشطة مشطا. والماشطة
التي تحسن المشط وحرفتها المشاطة.
والمشاطة الجارية التي تحسن المشاطة [ (3) ] .
__________
[ () ] وأما أبو رافع. فهو مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، واسمه
أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل:
هرمز، وقيل: ثابت.
وقوله: بطن الشاة، يعنى الكبد وما معه من حشوها، وفي الكلام حذف تقديره:
أشوى بطن الشاة، فيأكل منه ثم يصلى ولا يتوضأ، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم
بشرح النووي) .
[ (1) ] (سنن النسائي) : 1/ 116، كتاب الطهارة، باب (123) ترك الوضوء مما
غيرت النار، حديث رقم (183) .
[ (2) ] وأخرجه الدارميّ في (السنن) من حديث قتادة عن شهر بن حوشب، عن أبى
عبيد، وفيه:
والّذي نفسي بيده أن لو سكت لأعطيت أذرعا ما دعوت به. (سنن الدارميّ) : 1/
22، باب ما أكرم به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في بركه طعامه.
[ (3) ] (لسان العرب) : 7/ 402- 403.
(10/53)
وذكر ابن فتحون أن أم زفر كانت ماشطة خديجة
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها وأنها كانت تأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلّم فيكرمها، ويقول: أنها كانت تأتينا أيام خديجة رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنها [ (1) ] .
وأم سليم، سهلة، وقيل: زميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، وقيل: الغميصاء،
أو والرميصاء، بنت ملحان بن خالد، بن زيد بن حرام ابن جندب الأنصارية، وهي
أم أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، خادم رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلّم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] هي أم زفر: ماشطة خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها.
ذكر عبد الغنى بن سعيد في (المبهمات) : أنها المرأة التي قال النبي صلى
اللَّه عليه وسلّم فيها: أنها كانت تغشانا في زمن خديجة رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنها.
فروى من طريق الزبير بن بكار، عن سليمان بن عبد اللَّه بن سليم، أخبرنى شيخ
من أهل مكة، قال: هي زفر ماشطة خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- يعنى
العجوز التي قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: إنها كانت تغشانا في زمن
خديجة.
قال الحافظ في (الإصابة) : ومضى في جثامة من أسماء النساء من طريق أبى
عاصم، عن أبى عامر الخزاز، عن ابن مليكة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنها، ما يقتضي أنه كان اسمها جثامة المزنية، فغيره النبي صلى اللَّه عليه
وسلّم، فقال: بل أنت حضانة، وفي رواية: حسانة، فكونها مزنية واسمها حضانة،
يقوى أنها غير الحبشية. (الإصابة) : 8/ 211- 212، ترجمة رقم (12027) .
[ (2) ] تزوجت مالك بن النضير في الجاهلية.
هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية.
تقدم نسبها في ترجمة أخيها حرام بن ملحان، وهي أم أنس خادم رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلّم، اشتهرت بكنيتها.
واختلف في اسمها، فقيل سهلة، وقيل رميلة، وقيل رميثة، وقيل مليكة، وقيل
الغميصاء أو الرميصاء تزوجت مالك بن النضر في الجاهلية، فولدت أنسا في
الجاهلية، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، فغضب مالك وخرج إلى
الشام فمات بها، فتزوجت بعده أبا طلحة، فروينا في (مسند أحمد) بعلو
(الغيلانيات) ، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، وإسماعيل بن عبد اللَّه بن
أبى طلحة، عن أنس بن مالك- أن أبا طلحة
(10/54)
__________
[ () ] خطب أم سليم- يعنى قبل أن يسلم، فقالت: يا أبا طلحة، ألست تعلم أن
إلهك الّذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى. قلت: أفلا تستحي تعبد شجرة! إن
أسلمت فإنّي لا أريد منك صداقا غيره.
قال: حتى انظر في أمرى، فذهب ثم جاء، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن
محمدا رسول اللَّه، فقالت: يا أنس، زوج أبا طلحة، فزوجها.
ولهذا الحديث طرق متعددة. وقال ابن سعد: أخبرنا خالد بن مخلد، حدثني محمد
بن موسى، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك، قال:
خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إني قد آمنت بهذا الرجل، وشهدت بأنه رسول
اللَّه، فإن تابعتنى تزوجتك.
قال: فأنا على ما أنت عليه، فتزوجت أم سليم، كان صداقها الإسلام.
وبه: خطب أبو طلحة أم سليم- وكانت أم سليم تقول: لا أتزوج حتى يبلغ أنس
ويجلس في المجالس، فيقول: جزى اللَّه أمى عنى خيرا، لقد أحسنت ولايتى. فقال
لها أبو طلحة:
فقد جلس أنس وتكلم، فتزوجها.
قلت: والجواب عن دخوله بيت أم حرام وأختها أنهما كانتا في دار واحدة، وكانت
تغزو مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ولها قصص مشهورة، منها ما
أخرجه ابن سعد بسند صحيح أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة:
يا رسول اللَّه، هذه أم سليم معها خنجر، فقالت:
اتخذته إن دنا أحد من المشركين بقرت بطنه.
ومنها قصتها المخرجة في (الصحيح) لما مات ولدها ابن أبى طلحة، فقالت لما
دخل:
لا يذكر أحد لأبى طلحة قبلي، فلما جاء وسأل عن ولده قالت: هو أسكن ما كان،
فظن أنه عوفي، وقام فأكل ثم تزينت له وتطيبت فنام معها، وأصاب منها فلما
أصبح قالت له: احتسب ولدك، فذكر ذلك للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم فقال:
بارك اللَّه لكما في ليلتكما،
فجاءت بولد وهو عبد اللَّه بن أبى طلحة، فأنجب ورزق أولادا، قرأ القرآن
منهم عشرة كملا.
وفي الصحيح أيضا عن أنس- أن أم سليم لما قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم
قالت: يا رسول اللَّه، هذا أنس يخدمك، وكان حينئذ ابن عشر سنين، فخدم النبي
صلى اللَّه عليه وسلّم منذ قدم المدينة حتى مات، فاشتهر بخادم النبي صلى
اللَّه عليه وسلّم.
وروت عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عدة أحاديث، وروى عنها ابنها أنس،
وابن عباس، وزيد بن ثابت، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون.
(10/55)
ذكر ابن إسحاق [ (1) ] ، والواقدي، وسياقة
الواقدي عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال انصرفنا مع رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلّم من خيبر، وهو يريد وادي القرى، ومعه أم سليم بنت
ملحان، وكان بعض القوم يريد أن يسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
صفية حتى مرّ بها، فألقى عليها رداءه ثم عرض عليها الإسلام، فقال: أن تكوني
على دينك لم نكرهك، فإن اخترت اللَّه ورسوله اتخذتك لنفسي. قالت:
بل أختار اللَّه ورسوله، قال: فأعتقها فتزوجها، وجعل عتقها مهرها.
فلما كان بالصهباء، قال لأم سليم: انظري صاحبتك هذه، فأمشطيها، وأراد أن
يعرّس بها هناك، فقامت أم سليم- قال أنس: وليس معنا فساطيط ولا سرادقات-
فأخذت كساءين وعباءتين فسترت بهما عليها إلى شجرة فمشطتها وعطرتها، وأعرس
بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هناك [ (2) ] ... وذكر بقية الخبر [
(3) ] .
__________
[ (1) ] (السيرة النبويّة) : 4/ 307، قصة صفية رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنها.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 707- 708.
[ (3) ]
وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما خرج من خيبر وكان رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلّم لما خرج من خيبر، وقرب بعيرها وقد سترها النبي صلى
اللَّه عليه وسلّم بشوبه، أدنى فخذه لتضع رجلها عليه، فأبت ووضعت ركبتها
على فخذه، فلما بلغ ثبارا أراد أن يعرس بها هناك، فأبت عليه حتى وجد في
نفسه، خرج بلغ الصهباء فمال إلى دومة هناك فطاوعته، فقال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلّم: ما حملك على ما صنعت حين أردت أن أنزل بثبار- وثبار على
ستة أميال والصهباء على اثنى عشر ميلا- قالت: يا رسول خفت عليك قرب اليهود،
فلما بعدت أمنت. فزادها عند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خيرا وعلم أنها قد
صدقته، ودخلت عليه مساء تلك الليلة، وأولم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلّم يومئذ عليها بالحيس والسويق والتمر، كان قصاعهم الأنطاع قد بسطت،
فرئي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يأكل معهم على تلك الأنطاع. قالوا:
وبات أبو أيوب الأنصاري قريبا من قبته آخذا بقائم السيف حتى أصبح، فلما خرج
رسول اللَّه بكرة فكبر أبو أيوب فقال: مالك يا أبا أيوب؟ فقال: يا رسول
اللَّه، دخلت بهذه الجارية وكنت قد قتلت أباها وإخوتها وعمومتها وزوجها
وعامة عشيرتها، فخفت أن تغتالك. فضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
وقال له معروفا.
(10/56)
|