إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع [المجلد
الثاني عشر]
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
وأما ذهاب الحمى عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بدعاء علّمها رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرّج أبو بكر بن أبي الدنيا من حديث إسحاق بن أبي إسرائيل قال:
حدثنا منصور بن حمزة عن ولد أنس بن مالك، عن جده أنس بن مالك قال: دخل رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-
وهي موعوكة، فقال: ما لي أراك هكذا؟!، قالت: بأبي وأمي، هذه الحمى، وسبتها،
فقال: لا تسبيها [فإنّها مأمورة] ولكن إن شئت أعلمك كلمات إذا تلوتهن
أذهبها اللَّه- تعالى- عنك، قالت: فعلمني.
قال: قولي: اللَّهمّ ارحم جلدي الرقيق، وعظمي الدقيق، من شدة الحريق، يا أم
ملدم إن كنت آمنت باللَّه العظيم فلا تصدعي الرأس، ولا تنتني الفم، ولا
تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، وتحولي عني إلى من اتخذ مع اللَّه إلها آخر.
قال: فقالتها، فذهب عنها [ (1) ] .
وأما قيء من اغتاب وهو صائم لحماً عبيطاً بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم فكان ذلك من أعلام النبوة
فخرّج البيهقي [ (2) ] وأحمد [ (3) ] من حديث محمد بن عبد الملك الدقيقي
قال:
حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سليمان التيمي قال: سمعت رجلا يحدث في مجلس
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 169، باب ما جاء في تعليمه صلّى اللَّه عليه
وسلم عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- دعاء الحمى فقالته فذهبت.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 186- 187، باب ما جاء في المرأتين اللتين
اغتابنا وهما صائمتان، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة، ودلالة صدق القرآن،
وفيه حديث الصبي الّذي كان يجن، فدعا له، فخرج من جوفه جرو أسود.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 6/ 599- 600، حديث رقم (23141) ، من حديث عبيد مولى
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
(12/3)
أبي عثمان النهدي، عن عبيد مولى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم وأن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول
اللَّه إن هاهنا امرأتين صامتا، وإنهما قد كادتا تموتان من العطش قال:
فأعرض عنه أو سكت، ثم عاد قال: أراه قال بالهاجرة فقال: يا نبي اللَّه
إنهما واللَّه قد ماتتا أو كادتا تموتان، فقال: ادعهما، فجاءتا، قال: فجيء
بقدح أو عس فقال لإحداهما: قيئى، فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف
القدح ثم قال: قيئي، فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما عبيطا، وغيره حتى ملأت
القدح، ثم إن هاتين المرأتين صامتا عما أحل اللَّه لهما، وأفطرتا على ما
حرم عليهما. فجلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان لحوم الناس، قال
البيهقي: كذا قال عبيد وهو الصحيح.
وخرّج أيضا من حديث مسدد بن مسهر قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن عثمان بن غياث
قال: حدثني رجل أظنه في حلقة أبي عثمان، عن سعد مولى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم أنهم أمروا بصيام، فجاء رجل في بعض النهار، فقال: يا رسول
اللَّه! فلانة، وفلانة قد بلغتا الجهد، فأعرض عنه- مرتين أو ثلاثا، فقال:
ادعهما، فجاءتا بعس أو قدح- لا أدري أيهما، قال، فقال لإحداهما: قيئي،
فقاءت لحما عبيطا ودما، وقال للأخرى: [ (1) ] قيئي مثل ذلك فقال: إن هاتين
صامتا عما أحل لهما، وأفطرتا على ما حرم عليهما، أتت إحداهما الأخرى، فلم
يريا إلا [ (2) ] يأكلان لحوم الناس حتى امتلأت أجوافهما قيحا، كذلك قال
سعد، والأول أصح.
__________
[ (1) ] كذا في (الأصل) وفي (دلائل البيهقي) : «وقال للأخرى مثل ذلك» .
[ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقي) «فلم يزالا يأكلان»
(12/4)
وأما سماع الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم
أصوات المقبورين
فخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الصمد: حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز
عن أنس قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نخل لأبي طلحة
يتبرز لحاجته، قال: وبلال يمشي وراءه يكرم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن
يمشي إلى جنبه، فمر نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقبر، فقام حتى قام
إليه بلال، فقال: ويحك يا بلال! هل تسمع ما أسمع؟ قال: ما أسمع شيئا!! قال:
إن صاحب القبر يعذب، قال: فسأل عنه فوجده يهوديا.
وخرّج من حديث فليح عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك قال:
أخبرني من لا أتهم من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فبينما رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وبلال يمشيان بالبقيع إذ قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: يا بلال هل تسمع ما أسمع؟ قال: واللَّه يا رسول
اللَّه ما أسمعه!! قال: ألا تسمع؟ أهل هذه القبور يعذبون؟ يعني قبور أهل
الجاهلية [ (2) ] .
وخرّج من حديث أبي معاوية، حدثنا الأعمشي عن أبي سفيان عن جابر، عن أمّ
مبشر قال: دخل علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا في حائط من
حوائط بني النجار فيه قبور منهم قد ماتوا في الجاهلية، فسمعهم يعذبون، فخرج
وهو يقول استعيذوا باللَّه من عذاب القبر.
قال: قالت يا رسول اللَّه، وإنهم ليعذبون في قبورهم؟ فقال: نعم عذابا تسمعه
البهائم [ (3) ] .
وخرّج أبو نعيم من حديث عبد الملك بن إبراهيم بن جبر، عن رباح بن صالح بن
عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم خرج
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 621، حديث رقم (12121) ، من مسند أنس بن مالك-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 155- 156، حديث رقم (13308) ، من مسند أنس بن
مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 505، حديث رقم (26504) ، من حديث أم مبشر، امرأة
زيد بن حارثة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها.
(12/5)
من جوف الليل يدعو بالبقيع ومعه أبو رافع،
فدعا بما شاء اللَّه، ثم انصرف مقبلا، فمر على قبر فقال: أف ... أف ... أف،
ثلاثا!! فقال أبو رافع: يا نبي اللَّه بأبي وأمي ما معك أحد غيري فمني
أففت؟ فقال: لا، ولكني أففت من صاحب هذا القبر الّذي سئل علي فشك في.
وأما سماعه صلّى اللَّه عليه وسلم أطيط السماء
فخرّج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي أحمد الزبير: حدثنا إسرائيل عن إبراهيم
ابن المهاجر عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إني أرى ما لا ترون، واسمع ما
لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك
واضع جبهته ساجدا للَّه، واللَّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم
كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجنم إلى الصعدات تجأرون إلى
اللَّه، لوددت أني كنت شجرة تعضد. [والّذي عن أبي ذرّ موقوف] .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، ويروي من غير هذا الوجه: أن أبا ذر
قال: لوددت أني شجره تعضد.
وخرّجه أبو بكر بن أبي شيبة: من حديث عبيد اللَّه بن موسى قال حدثنا
إسماعيل فذكره [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 481- 482، كتاب الزهد، باب (9) في
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا» ،
حديث رقم (2312) ،
قوله: «أطت» ،
الأطيط: صوت الأقتاب، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها، والمعنى: أن كثرة ما
في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة،
وإن لم يكن ثم أطيط. «الصعدات» ، جمع صعيد، وهو التراب، والمراد: الطرق مثل
طريق وطرق وطرفات، و «تجأرون» ، الجؤار: الصياح والضجة، يعنى تستغيثون، و
«تعضد» عضدت الشجرة ونحوه: إذا قطعته. (جامع الأصول) :
4/ 13- 14، شرح غريب الحديث رقم (1985)
[ (2) ] هو متن حديث أبي نعيم.
(12/6)
وخرّج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد الوهاب
بن عطاء قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن صفوان بن محرز، عن
حكيم بن حزام، قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أصحابه إذ
قال لهم: تسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء، قال: إني لأسمع أطيط
السماء، ولا تلام أن تئط وما فيها موضع شبر ألا وعليه ملك ساجد أو قائم.
قال كاتبه: قد خرّج البخاري طرفا من هذا الحديث، فخرّج في كتاب الأيمان
[والنذور] [ (2) ] من حديث هشام عن همام، عن أبي هريرة- رضي اللَّه
__________
[ (1) ]
(دلائل أبي نعيم) : 442، سماعه ما لا يسمع الناس، ورؤيته ما لا يرون، حديث
رقم (360) ، وأخرجه من حديث أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عن اللَّه بن موسى،
حدثنا إسرائيل عن إبراهيم ابن المهاجر، عن مسروق، عن أبي ذر، وذكره بنحو
حديث الترمذي وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1402، كتاب الزهد، باب (19)
الحزن والبكاء، حديث رقم (4190) . وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 544،
كتاب التفسير، باب (76) تفسير سورة: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ، حديث رقم
(3883) ، ولفظه: قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً حتى
ختامها، ثم قال: إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون ... » الحديث.
ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد سكت عنه الحافظ
الذهبي في (التلخيص) ، وعن إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي، قال
يحيى ابن سعيد: لم يكن بالقوى، وقال أحمد: لا بأس به، وروى عباس عن يحيى:
ضعيف.. وقال ابن عدي: يكتب حديثه في الضعفاء، (ميزان الاعتدال) : 1/ 67،
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 219، حديث رقم (21005) ، من حديث أبي
ذر الغفاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 643، كتاب الأيمان والنذور، باب (3) كيف كانت
يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ حديث رقم (6637) ، قوله: «باب كيف كانت
يمين النبي» ؟ أي التي كان يواظب على القسم بها أو تكثر، وجملة ما ذكر في
الباب أربعة ألفاظ: أحدها: والّذي نفسي بيده، وكذا نفس محمد بيده، فبعضها
مصدر بلفظ لا، وبعضها بلفظ أما، وبعضها بلفظ أيم. ثانيا: لا ومقلب القلوب
ثالثا: واللَّه، رابعها: ورب الكعبة، وأما قوله: «لاها اللَّه إذا» فيؤخذ
منه مشروعيته من تقريره لا من لفظه والأول أكثرها ورودا، وفي سياق الثاني
إشعار بكثرته أيضا،
وقد وقع في حديث رفاعة بن.
(12/7)
تبارك وتعالى عنه- قال: قال أبو القاسم:
والّذي نفس محمد بيده- لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا.
وخرّجه في الرقاق [ (1) ] من حديث يحيي بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن
ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة كان يقول: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا.
__________
[ () ] عرابة عند ابن ماجة والطبراني: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
إذا حلف قال: والّذي نفسي بيده» ،
ولابن أبي شيبة من طريق عاصم بن شميخ، عن أبي سعيد: «كان النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم إذا اجتهد في اليمين قال: لا والّذي نفسي بيده»
ولابن ماجة من وجه آخر في هذا الحديث: «كانت يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم التي يحلف بها أشهد عند اللَّه، والّذي نفسي بيده»
ودل ما سوى الثالث من الأربعة، على أن النهى عن الحلف بغير اللَّه لا يراد
به اختصاص لفظ الجلالة بذلك، بل يتناول كل اسم وصفة تختص به سبحانه وتعالى.
وقد جزم ابن حزم، وهو ظاهر كلام المالكية والحنفية بأن جميع الأسماء
الواردة في القرآن والسنة الصحيحة، وكذا الصفات صريح في اليمين تنعقد به،
وتجب لمخالفته الكفارة، وهو وجه غريب عند الشافعية، وعندهم وجه أغرب منه،
أنه ليس في شيء من ذلك صريح إلا لفظ الجلالة، وأحاديث الباب ترده، والمشهور
عندهم وعند الحنابلة أنها ثلاثة أقسام: أحدها: ما يختص به كالرحمن. ورب
العالمين، وخالق الخلق، فهو صريح فتنعقد به اليمين، سواء قصد اللَّه أو
أطلق، ثانيهما: ما يطلق عليه، وقد يقال لغيرة، ولكن بقيد، كالرب، والحق،
فتنعقد به اليمين، وإلا أن قصد به غير اللَّه. ثالثها: ما يطلق على السواء،
كالحيّ، والموجود، والمؤمن، فإن نوى غير اللَّه أو أطلق فليس بيمين، وإن
نوى به اللَّه انعقد على الصحيح، وإذا تقرر هذا، فمثل «والّذي نفسي بيده»
ينصرف عند الإطلاق للَّه جزما، فإن نوى به غيره كملك الموت مثلا، لم يخرج
عن الصراحة على الصحيح، وفيه وجه عن بعض الشافعية وغيرهم، ويلتحق به
«والّذي فلق الحبة، ومقلب القلوب» وأما مثل «والّذي أعبده، أو أسجد له، أو
أصلى له» فصريح جزما. (فتح الباري) .
[ (1) ]
(فتح الباري) : 11/ 387، كتاب الرقاق، باب (27) قول النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا لبكيتم كثيرا» حديث رقم (6485) ،
قال الحافظ: والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة اللَّه وانتقامه ممن يعصيه،
والأهوال التي تقع عند النزع، والموت، وفي القبر، ويوم القيامة. ومناسبة
كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة، والمراد به التخويف، وقد
(12/8)
وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث مالك بن أنس
وعبد اللَّه بن نمير وأبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم،
لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا.
__________
[ () ] جاء لهذا الحديث سبب
أخرجه سنيد في (تفسيره) بسنده، والطبراني عن أبي عمر: «خرج رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المسجد، فإذا بقوم يتحدثون ويضحكون، فقال:
والّذي نفسي بيده
«فذكر هذا الحديث، وعن الحسن البصري:» من علم يحكم أن الموت مورده،
والقيامة موعده، والوقوف بين يدي اللَّه- تعالى- مشهده، فحق أن يطول في
الدنيا حزنه «قال الكرماني: في هذا الحديث من صناعة البديع مقابلة الضحك
بالبكاء، والقلة بالكثرة، ومطابقة كل منهما.
[ (1) ]
(مسلم بشرح النووي) : 15/ 120- 121، كتاب الفضائل، باب (37) توقيره صلّى
اللَّه عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به
تكليف، حديث رقم (2359) ، من حديث موسى بن أنس، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- قال: بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن أصحابه
شيء، فخطب فقال: عرضت على الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو
تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا،
قال: فما أتى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم أشد منه، قال:
غطوا رءوسهم ولهم حنين، قال: فقام عمر، فقال: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام
دينا، وبمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم نبيا، قال: فقاوم ذاك الرجل فقال: من
أبي؟ قال: أبوك فلان، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا
عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. قال الإمام النووي: مقصود
أحاديث الباب أنه صلّى اللَّه عليه وسلم نهاهم عن إكثار السؤال، والابتداء
بالسؤال عما لا يقع، وكره ذلك لمعان منها: أنه ربما كان سببا لتحريم شيء
على المسلمين فيلحقهم به المشقة ومنها: أنه ربما كان في الجواب ما يكره
السائل ويسوؤه، ولهذا أنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، وكما صرح به
الحديث في سبب نزولها. ومنها: أنهم ربما أحفوه بالمسألة، وألحفوه المشقة
والأذى، فيكون ذلك سببا لهلاكهم. قال الخطابي وغيره: هذا الحديث فيمن سأل
تكلفا، أو تعنتا فيما لا حاجة به إليه، فأما من سأل لضرورة: بأن وقعت له
مسألة فسأله عنها فلا إثم عليه ولا عتب، لقوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ قال صاحب (التحرير) وغيره: فيه دليل على أن من عمل ما فيه إضرارا
بغيره كان آثما.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: عرضت على الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير
والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
«فيه أن الجنة والنار مخلوقتان، ومعنى الحديث: لم أر خيرا أكثر مما رأيته
اليوم في الجنة، ولا شرا أكثر مما رأيته
(12/9)
ومنها أن خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه [ (1) ]
__________
[ () ] في النار، ولو رأيتم ما رأيت، وعلمتم ما علمت مما رأيته اليوم وقبل
اليوم، لأشفقتم إشفاقا بليغا، ولقل ضحككم، وكثر بكاؤكم، وفيه دليل على أنه
لا كراهة في استعمال لفظة «لو» في مثل هذا.
واللَّه تعالى أعلم. قوله: «غطوا رءوسهم ولهم خنين» هو بالخاء المعجمة،
هكذا هو في معظم النسخ، ولمعظم الرواة، ولبعضهم بالحاء المهملة، وممن ذكر
الوجهين: القاضي، وصاحب التحرير) ، وآخرون. قالوا: ومعناه بالمعجمة صوت
البكاء، وهو نوع من البكاء دون الانتحاب، قالوا: وأصل الحنين خروج الصوت من
الأنف، كالحنين بالمهملة من الفم. وقال الخليل: هو صوت فيه غنة. وقال
الأصمعي: إذا تردد بكاؤه، فصار في كونه عنه فهو حنين.
وقال أبو زيد: الحنين مثل الخنين، وهو شديد البكاء (شرح النووي) .
[ (1) ] هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن
يقظة بن كعب، سيف اللَّه تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد، والسيد
الإمام، الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان القرشي المخزومي
المكيّ، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث. هاجر مسلما في صفر سنة
ثمان، ثم سار غازيا، فشهد غزوة مؤتة، واستشهد أمراء رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم الثلاثة:
مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وبقي الجيش بلا أمير
فتأمر عليهم في الحال خالد، وأخذ الراية وحمل على العدو، فكان النصر.
وسماه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سيف اللَّه، فقال: «إن خالد سيف سله
اللَّه على المشركين» ،
وشهد الفتح وحنينا، وتأمر في أيام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
واحتبس أدراعه ولأمته في سبيل اللَّه، وحارب أهل الردة ومسيلمة الكذاب،
وغزا العراق، واستظهر، ثم اخترق البرية السماوية، بحيث إنه قطع المفازة من
حد العراق إلى أول الشام في خمس ليال في عسكر معه، وشهد حروب الشام، ولم
يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء، ومناقبه غزيرة، أمره الصديق
على سائر أمراء الأجناد، حاصر دمشق فافتتحها هو وأبو عبيدة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما. توفى رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بحمص سنة إحدى
وعشرين، ومشهده على باب حمص عليه جلالة، له أحاديث قليلة: وقال خليفة: ولى
عمر أبا عبيدة على الشام، فاستعمل يزيد على فلسطين، وشرحبيل على الأردن،
وخالد بن الوليد على دمشق، وحبيب بن مسلمة على حمص. وقال سحيم: مات
بالمدينة، قلت: الصحيح موته بحمص، وله مشهد يزار، وله في (الصحيحين)
حديثان، وفي (مسند بقي) واحد وسبعون.
(تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 40، ترجمة رقم (84) .
(12/10)
لم يقاتل إلا ونصره اللَّه ببركة شعر رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنه لم يؤذه السم
فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق سعيد بن منصور قال: حدثنا هشام حدثنا الحميد
بن جعفر، عن أبيه، أن خالد بن الوليد، فقد قلنسوة له يوم اليرموك فقال:
اطلبوها، فوجدوها فإذا هي قلنسوة خلقة، فقال خالد: اعتمر رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره، قال: فسبقتهم إلى
ناصيته، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر.
وخرج من حديث سعيد بن عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل ابن أبي
خالد عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت خالد بن الوليد أتى بسم، فقال:
ما هذا، قالوا: سم، قال: بسم اللَّه، وازدرده.
ومن حديث يعقوب بن الوليد حيث كان هناك، أتى بسم ساعة واحدة، فجعله على
كفه، ثم ألقاه في فيه، وقال: بسم اللَّه، فلم يضره شيئا.
ومن حديث يحيى بن زكريا عن أبي زائدة، عن يونس بن إسحاق، عن أبى السفر قال:
نزل خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه الحيرة على [امرأة من] [
(2) ] المرازية، فقالوا: احذر السمّ لا يسقيكه الأعاجم، فقال: ائتوني به،
فأتى بشيء منه فأخذه بيده، ثم اقتمحه، وقال: بسم اللَّه، فلم يضره شيئا [
(3) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 444- 445، باب شعر الرسول الموجود في قلنسوة
خالد، حديث رقم (367) . وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 338- 339، كتاب
معرفة الصحابة، ذكر مناقب خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حديث
رقم (5299) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : منقطع. وأخرجه البيهقي في
(دلائل النبوة) : 6/ 249، باب ما جاء في قلنسوة خالد ابن الوليد واستنصاره
بما جعل فيها من شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] (في الأصل) : «على أم بني» وما أثبتناه من (دلائل أبى نعيم) .
[ (3) ] (دلائل أبى نعيم) : 445، باب عدم تأثير السم في خالد، حديث رقم
(386) . قال الهيثمي:
أخرجه أبو يعلى والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي الطبراني، رجاله رجال الصحيح،
وهو
(12/11)
وأما تفقه عبد اللَّه بن عباس [ (1) ] رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك
له
__________
[ () ] مرسل، ورجالهما ثقات، إلا أن أبا السفر وأبا بردة بن أبي موسى لم
يسمعا من خالد. واللَّه تعالى أعلم. (مجمع الزوائد) : 9/ 350.
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن عباس البحر، حبر الأمة، وفقيه العصر، وإمام
التفسير، وأبو العباس عبد اللَّه، ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم، العباس بن عبد المطلب، شيبة بنى هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف ابن
قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر القرشي الهاشمي المكيّ
الأمير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة
بثلاث سنين. وصحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نحوا من ثلاثين شهرا، وحدث
عنه بجملة صالحة، وعن عمر وعلى، ومعاذ، ووالده، وعبد الرحمن بن عوف، وأبى
سفيان صخر بن حرب، وأبي ذر، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وخلق. وقرأ على أبى
بن كعب، وزيد. وقرأ عليه مجاهد، وسعيد بن جبير، وطائفة.
روى عنه ابنه على، وابن أخيه عبد اللَّه بن معبد، ومواليه: عكرمة، ومقسم،
وكريب، وأنس بن مالك، وطاووس، وخلق سواهم، وكان وسيما جميلا، مديد القامة
مهيبا كامل العقل، ذكي النفس، من رجال الكمال. انتقل ابن عباس مع أبويه إلى
دار الهجرة سنة الفتح، وقد أسلم قبل ذلك، فإنه صح عنه أنه قال: كنت أنا
وأمى من المستضعفين: أنا من الولدان وأمي من النساء. عن عكرمة، عن ابن
عباس، قال: مسح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأسي، ودعا لي بالحكمة. وقال
الزبير بن كار: توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولابن عباس ثلاث
عشرة سنة. قال أبو سعيد بن يونس:
غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي سرح، وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفسا.
عن سعيد بن جبير، عن عبد اللَّه قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فوضعت
للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم غسلا، فقال:
من وضع هذا؟ قالوا: عبد اللَّه. فقال «اللَّهمّ علمه التأويل وفقهه في
الدين.
وقال مجاهد:
ما رأيت أحدا قط مثل ابن عباس لقد مات يوم مات وإنه لحبر هذه الأمة. قال
أبو عبيدة في تسمية أمراء على يوم صفين: فكان على الميسرة ابن عباس، ثم رد
بعد إلى ولاية البصرة. ومسندة ألف وست مائة وستون حديثا، وله من ذلك في
(الصحيحين) خمسة وسبعون، وتفرد البخاري له بمائة وعشرين حديثا، وتفرد مسلم
بتسعة أحاديث قال علي بن المديني: توفى ابن عباس سنة ثمان أو سبع وستين.
(تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 101- 102، ترجمة رقم (285) .
(12/12)
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث هاشم بن
القاسم، حدثنا ورقاء عن عبيد اللَّه ابن أبي يزيد، عن ابن عباس رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له
وضوءا قال: من وضع هذا؟ فأخبر، فقال اللَّهمّ فقهه في الدين. ذكره في كتاب
الطهارة، وترجم عليه باب وضع الماء عند الخلاء وذكره في المناقب [ (2) ] .
وخرجه من حديث زهير بن حرب وأبي بكر عن أبي النضر قالا: حدثنا هشام بن
القاسم، حدثنا ورقاء بن عمر اليشكري قال: سمعت عبيد اللَّه بن أبي يزيد
يحدث عن ابن عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أتي الخلاء، فوضعت له
وضوءا، فلما خرج قال. من وضع هذا؟ وفي رواية زهير: قالوا، وفي رواية أبي
بكر قلت:
ابن عباس، قال: اللَّهمّ فقهه.
وقال أبو عبيد محمد بن أبي نضر، وحكي المسعودي: اللَّهمّ فقهه في الدين
وعلمه التأويل،
ولم أجده في (الكياس) ، وخرج أبو بكر بن أبي شيبة، من حديث جابر بن أبي
صغيرة عن عمرو بن مسعود أن كريبا أخبره عن ابن عباس قال: دعا لي رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يزيدني اللَّه علما وفهما.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 325، كتاب الوضوء باب (10) وضع الماء عند
الخلاء، حديث رقم (143) ، قال التيمي: فيه استحباب المكافأة بالدعاء، وقال
ابن المنير: مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه
تردد بين ثلاثة أمور: إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على
الباب ليتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئا، فرأى الثاني أوفق، لأن في الأول
تعرضا للاطلاع، والثالث يستدعى مشقة في طلب الماء، والثاني أسهلها، ففعله
يدل على ذكائه، فناسب أنه يدعى له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع وكذا
كان. (فتح الباري) .
[ (2) ]
(فتح الباري) : 7/ 125- 126، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، باب (24) ذكر ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم
(3756) ، من حديث مسدد، حدثنا عبد الوارث عن خالد عن عكرمة، عن ابن عباس،
قال: «ضمني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى صدره، وقال: «اللَّهمّ علمه
الحكمة» .
حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث «وقال: اللَّهمّ علمه الكتاب» ، حدثنا
موسى حدثنا وهيب عن خالد مثله. والحكمة: الإصابة في غير النبوة.
(12/13)
وخرج البخاري في المناقب [ (1) ] من حديث
مسدد حدثنا عبد الوارث عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم إلى صدره وقال:
اللَّهمّ علمه الحكمة، وحدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث وقال: علمه
الكتاب حدثنا موسى حدثنا وهيب عن خالد مثله. الحكمة الإصابة من غير النبوة.
وخرجه في كتاب العلم [ (2) ] في باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
اللَّهمّ علمه الكتاب.
وله من حديث أبي معمر حدثنا عبد الوارث، حدثنا خالد عن عكرمة، عن ابن عباس
قال: ضمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال: اللَّهمّ علمه الكتاب.
وقال في أول كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة [ (3) ] حدثنا موسى بن إسماعيل،
حدثنا وهيب عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم إليه، وقال: اللَّهمّ علمه الكتاب.
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد
__________
[ (1) ] سبق تخريجه، قال الحافظ في (الفتح) : واختلف في المراد بالحكمة
هنا، فقيل: الإصابة في القول. وقيل: الفهم عن اللَّه، وقيل: ما يشهد العقل
بصحته، وقيل: نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، وقيل: سرعة الجواب
بالصواب، وقيل غير ذلك. وكان ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من أعلم
الصحابة بتفسير القرآن. وروى يعقوب بن سفيان في (تاريخه) بإسناد صحيح، عن
ابن مسعود قال: «لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منا رجل» . وكان يقول:
«نعم ترجمان القرآن ابن عباس» ، وروى هذه الزيادة ابن سعد من وجه آخر عن
عبد اللَّه ابن مسعود، وروى أبو زرعة الدمشقيّ في (تاريخه) عن ابن عمر قال:
«هو أعلم الناس بما أنزل اللَّه على محمد» ، وأخرج ابن أبي خثيمة نحوه
بإسناد حسن، وروى يعقوب أيضا بإسناد صحيح عن أبي وائل قال: «قرأ ابن عباس
سورة النور، ثم جعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت» . ورواه
أبو نعيم في (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) من وجه آخر بلفظ «سورة
البقرة» وزاد أنه كان على الموسم، يعنى سنة خمس وثلاثين، كان عثمان أرسله
لما حضر. (فتح الباري) .
[ (2) ]
(المرجع السابق) : 1/ 224، كتاب العلم. باب (17) قول النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم: «اللَّهمّ علمه الكتاب» .
حديث رقم (75) . قوله: ضمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «كان ابن
عباس إذ ذاك غلاما مميزا، فيستفاد منه جواز احتضان الصبي القريب على سبيل
الشفقة.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 305، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنه، حديث
رقم (7270) .
(12/14)
ابن سلمة، حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن
خيثمة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كنت في بيت ميمونة بنت الحارث،
فوضعت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طهوره، فقال: من وضع هذا؟ قالت
ميمونة: وضعه عبد اللَّه بن عباس، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل.
وخرجه جعفر الفرياني، فقال: حدثنا علي بن حكيم السمرقندي، حدثنا هاشم بن
مخلد الفرياني، عن شبل، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
أنه سكب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وضوءا، فقال: من وضع لي وضوئي هذا؟
فقالت أم هانئ: ابن أخى، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين، وعلمه التأويل.
وقال ابن أبي خيثمة: وحدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب بن خالد عن خالد،
عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال:
اللَّهمّ علمه الحكمة وفقه في الدين.
أخبرنا الشافعيّ، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الأعمش، عن إبراهيم قال:
قال عبد اللَّه: لو أن هذا الغلام من بني عبد المطلب أدرك ما أدركنا ما
تعلقنا عنه بشيء.
حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا الأعمش عن مسلم بن صبيح، عن مسروق
قال: قال ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لو أن ابن عباس أدرك
أسناننا ما عاشره منا أحد. قال: وكان يقول نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن بكير، حدثنا هاشم بن أبي
صغيرة عن عمرو بن دينار، أن كريبا أخبره أن ابن عباس قال: صليت خلف رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من آخر الليل، فجعلني حذاءه، فلما انصرف قلت:
وينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول اللَّه الّذي أعطاك اللَّه؟ فدعا
اللَّه تعالى أن يزيدني فهما وعلما.
__________
[ (1) ] (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) : 1/ 315، ترجمة رقم (45) .
(12/15)
ومن حديث حاتم بن العلاء، حدثنا عبد المؤمن
بن خالد حدثنا أبو نهيك، عن ابن عباس قال: دعاني النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم فأجلسني في حجره، وجعل يمسح رأسي، ودعا لي بالحكمة، فلم تخطئني دعوة
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
ومن حديث عبد العزيز بن يحيى، حدثنا سليمان بن بلال، عن حسين بن عبد
اللَّه، عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال:
اللَّهمّ أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل.
وعنه أخذ أكثر التفسير، فسمى البحر والحبر [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 316، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/
192- 193، باب ما جاء في دعائه لعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنهما بالفقه في الدين والعلم بالتأويل وإجابة اللَّه دعاءه فيه.
وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 615، كتاب معرفة الصحابة، ذكر عبد اللَّه
ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (6280) ، وقال الحافظ
الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
(12/16)
وأما كثرة مال أنس بن مالك رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه [ (1) ] وولده وطول عمره بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم له
بذلك
فخرج البخاري [ (2) ] في كتاب الدعوات في باب الدعاء بكثرة المال مع البركة
من حديث غندر، وخرج مسلم [ (3) ] في المناقب، والترمذي [ (4) ] من حديث
__________
[ (1) ] هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر
بن غنم بن عدي ابن النجار، الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام،
أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، وقرابته من النساء وتلميذه، وتبعه، آخر الصحابة موتا.
روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم علما جما، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان،
ومعاذ، وأسيد بن الحضير، وأبى طلحة، وأم سليم بنت ملحان، وخالته أم حرام،
وزوجها عبادة بن الصامت، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبى هريرة، وفاطمة
النبويّة، وعدة. وعنه خلق عظيم ومنهم الحسن، وابن سيرين، والشعبي، وخلق،
وبقي أصحابه الثقات الى بعد الخمسين ومائة. وكان أنس يقول: قدم رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشرة ومات وأنا ابن عشرين وكن
أمهاتى يحثثنى على الملازمة، منذ هاجر وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة،
وبايع تحت الشجرة، ولم يعده أصحاب المغازي في البدريين لكونه حضرها صبيا،
ما قاتل، بل بقي في رحال الجيش، فهذا وجه الجمع. وقال أبو هريرة: ما رأيت
أحدا أشبه بصلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من ابن أم سليم- يعنى
أنسا. وقال أنس بن سيرين: كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر
والسفر. مسندة ألفان ومائتان وستة وثمانون. اتفق له البخاري ومسلم على مائة
وثمانين حديثا وانفرد البخاري بثمانين حديثا، ومسلم بتسعين. أما موته
فاختلف فيه، فروى معمر عن حميد أنه مات سنة إحدى، وتسعين، وروى معين بن
عيسى عن ابن لأنس بن مالك: سنة اثنين وتسعين، فيكون عمره على هذا مائة
وثلاث سنين. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 105، ترجمة رقم (296) .
[ (2) ] باب (47) ، حديث رقم (6378) ، (6379) ، (6380) ، (6381) ، كلهم من
حديث شعبة عن قتادة.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 272- 273، كتاب فضائل الصحابة، باب (32)
من فضائل أنس ابن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (2480) .
وقال الإمام النووي: هذا من أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم في إجابة
دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم، وفيه فضائل لأنس، وفيه دليل لمن يفضل الغنى
(12/17)
محمد بن جعفر قالا جميعا: حدثنا شعبه قال:
سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك عن أم سليم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها
أنها قالت: يا رسول اللَّه خادمك أنس ادع اللَّه له، فقال: اللَّهمّ أكثر
ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته.
قال الترمذي: هذا حديث صحيح، وزاد البخاري متصلا به: وعن هشام بن زيد قال:
سمعت أنس بن مالك بمثله. وقال مسلم بعد حديثه: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا
أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه يقول: فأتت أم سليم فقالت: يا رسول اللَّه خادمك أنس.
فذكر نحوه.
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن هشام بن زيد، قال:
سمعت أنس بن مالك يقول بمثل ذلك.
وخرج البخاري في كتاب الدعوات في باب قول اللَّه تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
من حديث سعيد بن الربيع قال: حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك
قال: قالت أم سليم: يا رسول اللَّه خادمك فادع اللَّه له، قال: اللَّهمّ
أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته. ذكره في دعوة النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم لخادمه بطول العمر وكثرة المال [ (1) ] .
وخرج مسلم من حديث هاشم بن القاسم قال: حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس قال:
دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم علينا وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام،
وخالتي فقالت
__________
[ () ] على الفقير، ومن قال بتفضيل الفقير أجاب عن هذا بأن هذا قد دعا له
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بأن يبارك له فيه، ومتى بورك فيه لم يكن فيه
فتنه، ولم يحصل بسببه ضرر، ولا تقصير في حق، ولا غير ذلك من الآفات التي
تتطرق إلى سائر الأغنياء بخلاف غيره. وفيه هذا الأدب البديع، وهو أنه إذا
دعا بشيء له تعلق بالدنيا ينبغي أن يضم إلى دعائه طلب البركة فيه والصيانة
ونحوهما. وكان أنس وولده رحمة وخيرا، ونفعا بلا ضرر بسبب دعاء رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 640، كتاب المناقب، باب (46) مناقب لأنس بن
مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3829) .
[ (1) ] باب (26) ، حديث رقم (6344) .
(12/18)
أمى: يا رسول اللَّه، خويدمك ادع اللَّه
له، قال: فدعا لي بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي أن قال: اللَّهمّ أكثر
ماله، وولده، وبارك له فيه
[ (1) ] .
ومن حديث عمر بن يونس قال: حدثنا عكرمة، حدثنا إسحاق قال:
حدثني أنس قال: جاءت أمي أم سليم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد
أزرتنى بنصف خمارها وردتني بنصفه، فقالت: يا رسول اللَّه، هذا أنس ابني
أتيتك به يخدمك، فادع اللَّه له، فقال: اللَّهمّ أكثر ماله وولده، قال أنس:
فو اللَّه إن مالي لكثير، وإن ولدى وولد ولدى ليتعادون على نحو المائة
اليوم
[ (2) ] .
ولمسلم [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عمر
قال: حدثنا أنس بن مالك، قال: مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فسمعت
أم سليم صوته، فقالت: بأبي وأمى يا رسول اللَّه! أنيس، قال: فدعا لي رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث دعوات قد رأيت منهن [ (5) ] اثنتين في
الدنيا، وأما الثالثة في الآخرة.
قال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث من غير
وجه، عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
خرج البيهقيّ [ (6) ] من حديث أبي حاتم الرازيّ قال: حدثنا محمد بن عبد
اللَّه الأنصاريّ قال: حدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: قالت أم
سليم: يا رسول اللَّه إن لي خويصة [ (7) ] قال: وما هي؟ قالت: خادمك أنس،
قال: فما ترك
__________
[ (1) ] باب (32) ، حديث رقم (2481) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (143) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (144) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 639- 640، كتاب المناقب، باب (46) مناقب لأنس
بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3827) .
[ (5) ] وفي بعض الأصول: «فيها» .
[ (6) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 195، باب دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم لأنس
بن مالك الأنصاري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بكثرة المال والولد، وإجابة
اللَّه تعالى له فيه.
[ (7) ] خويصة بتشديد الصاد وبتخفيفها: تصغير خاصة.
(12/19)
خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، ثم قال:
اللَّهمّ ارزقه مالا وولدا، وبارك له فيه، قال: فإنّي من أكثر الأنصار
مالا.
قال أنس: وحدثتني ابنتي أمينة أنه قد دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة
تسع وعشرون ومائة.
ومن طريق الترمذيّ قال: حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود، عن أبي خلدة
قال: قلت لأبي العالية سمع أنس من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: خدمه
عشر سنين، ودعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان له بستان يحمل في
السنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان كان يجيء منه ريح المسك [ (1) ] .
ومن حديث نوح بن قيس قال: حدثني ثمامة بن أنس، عن أنس بن مالك قال: قالت أم
سليم: يا رسول اللَّه خادمك أنس ادع اللَّه له، قال: اللَّهمّ عمره وأكثر
ماله.
وقال الإمام أحمد [ (2) ] : حدثنا معتمر عن حميد أن أنسا عمر مائة سنة إلا
سنة، ومات سنة إحدى وتسعين.
وخرج البخاري في (الأدب المفرد) من طريق عارم قال: حدثنا سعيد ابن زيد، عن
سنان قال: حدثنا أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل علينا أهل
البيت، فدخل يوما، فدعا لنا، فقالت أم سليم خويدمك، ألا تدعو له؟ قال:
اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وأطل حياته، واغفر له،
فدعا لي بثلاث، فدفنت مائه وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت
حياتي حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة.
وخرج البخاريّ في (الصحيح) [ (3) ] من حديث خالد بن الحارث، حدثنا حميد
الطويل، عن أنس قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على أم سليم، فأتته
بتمر وسمن، قال:
__________
[ (1) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 641، كتاب المناقب، باب (46) مناقب لأنس بن
مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3833) ، ثم قال: هذا حديث
حسن، وأبو خلدة اسمه خالد بن دينار، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقد أدرك أبو
خلدة أنس بن مالك، وروى عنه.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 3/ 547، حديث رقم (11642) ، 4/ 36، حديث رقم (12541)
، 4/ 138، حديث رقم (13182) ، ثلاثتهم من مسند أنس بن مالك رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه.
(12/20)
أعيدى سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه،
فإنّي صائم. ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سليم
وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول اللَّه! إن لي خويصة، قال: ما هي؟
قالت: خادمك أنيس، فما ترك خير آخرة، ولا دنيا إلا دعا له به: اللَّهمّ
ارزقه مالا وولدا، وبارك له فيه،
فإنّي لمن أكثر الأنصار مالا. حدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبى مقدم
الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة. وترجم عليه: باب من زار قوما، فلم يفطر
عندهم.
__________
[ () ] (3) (فتح الباري) : 4/ 285، كتاب الصوم، باب (61) من زار قوما فلم
يفطر عندهم، حديث رقم (1982) ، وقال في آخره: قال ابن أبي مريم: أخبرنا
يحيى بن أيوب، قال: حدثني حميد سمع أنسا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قال الحافظ: ابن أبي مريم هو سعيد، وفائدة
ذكر هذه الطريق بيان سماع حميد لهذا الحديث من أنس، لما اشتهر من أن حميدا
كان ربما دلس عن أنس، ووقع في رواية الكريمي والأصيلي في هذا الموضوع:
«حدثنا ابن أبي مريم» فيكون موصولا.
وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز التصغير على معنى التلطف لا التحقير،
وتحفه الزائر بما حضر بغير تكليف، وجواز رد الهدية إذا لم يشق ذلك على
المهدي، وأن أخذ من رد عليه ذلك ليس من العود في الهبة. وفيه حفظ الطعام
وترك التفريط فيه، وجبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده بالدعاء له، ومشروعية
الدعاء عقب الصلاة، وتقديم الصلاة أمام طلب الحاجة، والدعاء بخيرى الدنيا
والآخرة، والدعاء بكثرة المال والولد، وأن ذلك لا ينافي الخير الأخروي، وأن
فضل التقلل من الدنيا يختلف باختلاف الأشخاص. وفيه زيارة الإمام بعض رعيته،
ودخول بيت الرجل في غيبته، لأنه لم يقل في طرق هذه القصة أن أبا طلحة كان
حاضرا. وفيه إيثار الولد على النفس، وحسن التلطف في السؤال، وأن كثرة الموت
في الأولاد لا ينافي إجابة الدعاء بطلب كثرتهم، ولا طلب البركة فيهم، لما
يحصل من المصيبة بموتهم، والصبر على ذلك من الثواب.
وفيه التحدث بنعم اللَّه تعالى، وبمعجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما
في إجابة دعوته من الأمر النادر، وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد،
وكون بستان المدعو له صار يثمر مرتين في السنة دون غيره. وفيه التاريخ
بالأمر الشهير، ولا يتوقف ذلك على صلاح المؤرخ به، وفيه جواز ذكر البضع
فيما زاد على عقد العشر، خلافا لمن قصره على ما قبل العشرين. (فتح الباري)
.
(12/21)
وأما إجابة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم
لرجل وامرأة
فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عطاء بن مسلم قال: حدثنا جعفر بن برقان عن
عطاء بن أبي رباح، عن الفضل بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شدوا رأسي لعلى أخرج إلى المسجد،
فشددت رأسه بعصابة صفراء، ثم خرج إلى المسجد يهادي بين رجلين، فذكر كلاما
ثم قال:
من غلبته نفسه إلى أمر يخفيه اليه، فليقم، وليسألنى حتى أدعو اللَّه له.
فقامت امراة، فأومأت بإصبعها إلى لسانها، فقال: انطلقي إلى بيت عائشة حتى
آتيك. فقال رجل آخر: يا رسول اللَّه إني لبخيل وإني لجبان، وإني لنؤوم،
فادع اللَّه أن يسخى نفسي، وأن يشجع جبنى، وأن يذهب بكثرة نومي. قال الفضل:
فلقد رأيته بعد ذلك أراه في الغزو معنا، وما منا رجل أسخى نفسا، ولا أشد
بأسا، ولا أقل نوما منه.
ووضع صلّى اللَّه عليه وسلم قضيبا على رأس المرأة، ثم دعا لها، فقالت عائشة
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فإن كنت لأعرف دعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم حتى إن كانت لتقول: يا عائشة أحسنى صلاتك!.
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 451، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم بشفاء
الأمراض النفسية والعضوية، حديث رقم (376) .
(12/22)
وإما إجابة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم
لحمل أم سليم [ (1) ]
فخرج البخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا عبد
اللَّه ابن عون، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة
يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع أبوه طلحة قال: ما فعل ابني؟
قالت أم سليم: هو أسكن ما كان. وقال مسلم: مما كان، فقربت إليه العشاء،
فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبره، فقال: أعرستم الليلة؟ فقال:
نعم.. قال:
اللَّهمّ بارك لهما، فولدت غلاما، فقال لي أبو طلحة: احفظه. وقال مسلم:
احمله حتى آتى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأتى به النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم وأرسلت معه بتمرات، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال:
أمعه شيء؟ قالوا: تمرات، فأخذها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمضغها، ثم
أخذ من
__________
[ (1) ] هي أم سليم الغميصاء- ويقال: الرميصاء- ويقال: سهلة، ويقال: أنيفة.
ويقال: رميثة بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن
عدي بن النجار الأنصارية الخزرجية، أم خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
أنس بن مالك. فمات زوجها مالك بن النضر، ثم تزوجها أبو طلحة زيد بن سهل
الأنصاري، فولدت له: أبا عمير، وعبد اللَّه، شهدت حنينا وأحدا فهي من أفاضل
النساء. عن أنس: أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول
اللَّه! هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: يا رسول اللَّه، إن دنا منى مشرك
بقرت بطنه. عن أنس قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إني قد آمنت: فإن
تابعتنى تزوجتك، قال: فأنا على مثل ما أنت عليه، فتزوجته أم سليم، وكان
صداقها الإسلام. روت أربعة عشر حديثا، اتفقا لها على حديث، وانفرد البخاري
بحديث، ومسلم بحديثين. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 64، ترجمة رقم (157)
.
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 733، كتاب العقيقة، باب (1) تسمية المولود غداة
يولد لمن لم يعق عنه، وتحنيكه، حديث رقم (5470) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 371، كتاب الأدب، باب (5) استحباب تحنيك
المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه، وجواز تسميته يوم ولادته،
واستحباب التسمية بعبد اللَّه، وإبراهيم، وسائر أسماء الأنبياء، عليهم
السلام، حديث رقم (23) .
(12/23)
فيه فجعله في في الصبى وحنكه به، وسماه عبد
اللَّه. ذكره البخاريّ في أول كتاب العقيقة.
وخرج مسلم [ (1) ] من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: مات
ابن [أبي] طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى
أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت له عشاءه، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع
قبل ذلك فوقع عليها، فلما رأت أنه قد شبع، وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة
أرأيت إن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟
قال:
لا، قالت: فاحتسب ابنك قال: فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتنى؟ يا
بنى فانطلق حتى آتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبره بما كان،
فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّه لكما في غابر
ليلتكما،
قال: فحملت، قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر وهي معه،
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها
طروقا فدنوا من المدينة، فضربها المخاض فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق إلى
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
قال يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج،
وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما
أجد الّذي كنت أجد، انطلق فانطلقنا، قال: وضربها المخاض حين قدما فولدت
غلاما، فقالت لي أمي: يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم.
قال: فصادفته ومعه ميسم، فلما رآني قال: لعل أم سليم ولدت، قلت:
نعم، قال: فوضع الميسم، قال: وجئت به فوضعته في حجره، ودعا رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه حتى ذابت، ثم
قذفها في في الصبي، فجعل الصبي يتلمظها، قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم: انظروا إلى حب
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 244- 246، كتاب فضائل الصحابة، باب (20)
من فضائل أبي طلحة الأنصاري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (2144)
.
(12/24)
الأنصار التمر، قال: فمسح وجهه وسماه عبد
اللَّه. تفرد به مسلم من هذا الطريق وهذه الألفاظ
[ (1) ] .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر بن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كان لأم سليم
من أبي طلحة ابن، فمرض مرضه الّذي مات فيه، فلما مات غطته أمه بثوب، فدخل
أبو طلحة فقال: كيف أمسى ابني؟ قالت: أمسى هادئا، فتعشى، ثم قالت له في بعض
الليل: أريت لو أن رجلا أعارك عارية، ثم أخذها منك إذا جزعت؟ قال: لا.
قالت: فإن اللَّه أعارك ابنك، وقد أخذه منك، قال: فغدا إلى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم فأخبره بقولها، وقد كان أصابها تلك الليلة، فقال النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّه لكما في ليلتكما.
قال: فولدت له غلاما كان اسمه عبد اللَّه، قال: فذكروا أنه كان من خير أهل
زمانه [ (2) ] .
وخرج البيهقيّ من حديث مسدد قال: حدثنا أبو الأحوص، حدثنا سعيد بن مسروق عن
عباية بن رافع، قال: كانت أم أنس بن مالك تحب أبي طلحة،
__________
[ (1) ] قال الإمام النووي: وفي هذا الحديث فوائد: منها: تحنيك المولود عند
ولادته، وهو سنة بالإجماع، ومنها أن يحنكه صالح من رجل أو امرأة، ومنها
التبرك بآثار الصالحين وريقهم، وكل شيء منهم، ومنها كون التحنيك بتمر وهو
مستحب ولو حنك بغيره حصل التحنيك، ولكن التمر أفضل، ومنها جواز لبس
العباءة، ومنها التواضع، وتعاطى الكبير أشغاله، وأنه لا ينقص ذلك مروءته،
ومنها استحباب التسمية بعبد اللَّه، ومنها استحباب تفويض تسميته إلى صالح
فيختار له اسما يرتضيه، ومنها جواز تسميته يوم ولادته. واللَّه تعالى أعلم.
[ (2) ] وفي هذا الحديث مناقب لأم سليم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها من
عظيم صبرها، وحسن رضاها بقضاء اللَّه تعالى، وجزالة عقلها في إخفائها موته
على أبيه في أول الليل ليبيت مستريحا بلا حزن، ثم عشته وتعشت ثم تصنعت له،
وعرضت له بإصابته فأصابها. وفيه استعمال المعاريض عند الحاجة لقولها: هو
أسكن ما كان، فإنه كلام صحيح، مع أن المفهوم منه أنه قد هان مرضه وسهل وهو
في الحياة، وشرط المعاريض المباحة أن لا يضيع بها حق أحد. واللَّه تعالى
أعلم.
(12/25)
فولدت له غلاما فمات، فخرج أبو طلحة إلى
حاجته، فلما كان من الليل جاء أبو طلحة فأتته امرأته بجفنته [ (1) ] التي
كانت تأتيه بها، ثم طلب منها ما يطلب الرجل من امرأته، ثم قال: ما فعل
ابني؟.
فقالت: يا أبا طلحة ما رأيت كما فعل جيراننا هؤلاء؟ أنهم استعاروا عارية
فجاء أصحابها يطلبونها، فأبوا أن يردوها عليهم. قال: بئس ما صنعوا قالت:
فأنت هو، كان ابنك عارية من اللَّه عز وجل، وانه قد مات، فأتى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
اللَّهمّ بارك لهما في ليلتهما، فتلقت فولدت غلاما،
فقال: عباية لقد رأيت لذلك الغلام سبعة بنين كلهم قد قرأ القرآن. قال
البيهقيّ [ (2) ] : ورواه إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك
موصولا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقي) : «بتحفته» . وأخرجه البخاري
أيضا في كتاب الجنائز، باب (41) من لم يظهر حزنه عند المصيبة، وقال محمد بن
كعب القرظي: الجزع القول السيء والظن السيء. وقال يعقوب عليه السلام: نَّما
أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ حديث رقم (1301) قال الحافظ في
(الفتح) : وفي قصة أم سليم هذه من الفوائد أيضا جواز الأخذ بالشدة وترك
الرخصة مع القدرة عليها، والتسلية عند المصائب، وتزين المرأة لزوجها،
وتعرضها لطلب الجماع منه، واجتهادها في عمل مصالحه، ومشروعية المعاريض
الموهمة إذا دعت الضرورة إليها، وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم. وكان
الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر اللَّه تعالى،
ورجاء إخلافه عليها ما فات منها، إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال
تكند عليه وقته، ولم تبلغ الغرض الّذي أرادته، فلما علم اللَّه صدق نيتها
بلغها مناها، وأصلح لها ذريتها. وفيها إجابة دعوة النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، وأن من ترك شيئا عوضه اللَّه خيرا منه، وبيان حال أم سليم من التجلد
وجودة الرأى وقوة العزم. وقد كانت أم سليم تشهد القتال، وتقوم بخدمة
المجاهدين إلى غير ذلك مما انفردت به عن معظم النسوة.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 198- 200، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه
عليه وسلم بالبركة لحمل أم سليم من أبي طلحة.
[ (3) ] هو الّذي كناه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بأبي عمير،
فكان صلّى اللَّه عليه وسلم يمازحه بقوله: أبا عمير! ما فعل النغير؟
وسبق شرح ذلك الحديث مستوفي.
(12/26)
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاريّ، ورواه زياد
النميري، عن أنس، وفي آخره قصة تحنيكه ذلك الصبي، ثم مسح ناصيته، وسماه عبد
اللَّه، فكانت تلك المسحة غرة في وجهه [ (1) ] .
__________
[ (1) ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 543، حديث رقم (11617) ، 4/
24، حديث رقم (12454) ، 4/ 49، حديث رقم (12614) ، 4/ 206، حديث رقم
(13651) كلهم من مسند أنس ابن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(12/27)
وأما زوال الشك من قلب أبيّ بن كعب [ (1) ]
في الحال بضرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في صدره ودعائه له
فخرج مسلم [ (2) ] من حديث ابن نمير قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن
عبد اللَّه بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده عن أبي بن كعب
__________
[ (1) ] هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك
النجار، وسيد القراء، وأبو منذر، الأنصاري، النجاري، المدني، المقرئ،
البدري، ويكنى أيضا أيا الطفيل. شهد العقبة، وبدرا، وجمع القرآن في حياة
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعرض على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وحفظ
عنه علما مباركا، وكان رأسا في العلم والعمل، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
قال أنس: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي بن كعب: «إن اللَّه أمرني
أن أقرأ، وفي لفظ: «أمرنى أن أقرئك القرآن» قال: اللَّه سماني لك؟ قال:
«نعم» ، قال: وذكرت عند رب العالمين؟ قال: «نعم» ، فذرفت عيناه.
قال أنس بن مالك: جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد
أحد عمومتي.
وروى أبو قلابة عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «أقرأ
أمتى أبى» .
قال الواقدي: وفاة أبى بن كعب في خلافة عمر، ورأيت أهله وغيرهم يقولون. مات
في سنة اثنتين وعشرين بالمدينة. ولأبى في الكتب الستة نيف وستون حديثا له
عند بقي بن مخلد مائة وأربعة وستون حديثا، منها في البخاري ومسلم ثلاثة
أحاديث، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بسبعة. (تهذيب سير أعلام النبلاء) :
1/ 40- 41، ترجمة رقم (88) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 349، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب
(48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف التخفيف، والتسهيل، ولهذا
قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم هون على أمتى.
واختلف العلماء في المراد بالسبعة أحرف، قال القاضي عياض: هو توسعة وتسهيل
لم يقصد به الحصر، قال:
وقال الأكثرون: هو حصر للعدد سبعة، ثم قيل: هي سبعة في المعاني: كالوعيد،
والمحكم، والمتشابه، والحلال، والحرام، والقصص، والأمثال، والأمر، والنهي،
ثم اختلف هؤلاء في تعيين السبعة، وقال آخرون: هي في أداء، التلاوة وكيفية
النطق بكلماتها: من إدغام وإظهار، وتفخيم وترقيق، وإمالة، ومد، لأن العرب
مختلفة اللغات في هذه الوجوه، فيسر اللَّه تعالى عليهم ليقرأ كل إنسان بما
يوافق لغته، ويسهل على لسانه. وقال آخرون: هي الألفاظ والحروف، وإليه أشار
ابن شهاب بما رواه مسلم عنه في الكتاب، ثم اختلف هؤلاء فقيل: سبع قراءات
وأوجه،
(12/28)
قال: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلى فقرأ
قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا
الصلاة دخلنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ
قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم فقرأ فحسن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شأنهما، فسقط
في نفسي من
__________
[ () ] وقال أبو عبيد: سبع لغات العرب، يمنها ومعدها، وهي أفصح اللغات
وأعلاها، وقيل: بل السبعة كلها لمضر وحدها، وهي متفرقة في القرآن غير
مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل: بل هي مجتمعة في بعض الكلمات، كقوله تعالى:
عَبَدَ الطَّاغُوتَ، نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا
وبِعَذابٍ بَئِيسٍ، وغير ذلك. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: الصحيح أن
هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
وضبطها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا. وأن هذه الأحرف تختلف
معانيها تارة، وألفاظها أخرى، وليست متضاربة، ولا متنافية، وذكر الطحاوي أن
القراءة بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة، ولاختلاف لغة
العرب، ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة، فلما كثر الناس والكتاب، وارتفعت
الضرورة، كانت قراءة واحدة. قال الداوديّ: وهذه القراءات السبع التي يقرأ
الناس اليوم بها، ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة، بل تكون متفرقة فيها،
وقال أبو عبيد اللَّه بن أبي صفرة: هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف
واحد من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الّذي جمع عليه عثمان رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه المصحف، وهذا ذكره النحاس وغيره.
وقال غيره: ولا تكن القراءة بالسبع المذكورة في ختمة واحدة، ولا يدرى أي
هذه القراءات كان آخر العرض على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكلها
مستفيضة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ضبطتها عنه الأمة، وأضافت كل حرف
منها إلى من أضيف إليه من الصحابي، أي أنه كان أكثر قراءة به، كما أضيفت كل
قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السبعة وغيرهم. قال
المازردى: وأما قول من قال: المراد سبعة معان مختلفة: كالاحكام والأمثال
والقصص فخطأ، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد
من الحروف وإبدال حرف بحرف، وقد تقرر إجماع المسلمين أنه يحرم إبدال آية
أمثال بآية أحكام. وقال: وقول من قال المراد خواتيم الآية، فيجعل مكان
غَفُورٌ رَحِيمٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فاسد أيضا للإجماع على منع تغيير القرآن
للناس. وهذا مختصرها، ونقلة القاضي عياض في المسألة. واللَّه تعالى أعلم.
(12/29)
التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية [ (1) ] ،
فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري [ (2)
] ، ففضت عرقا، وكأنما انظر إلى اللَّه عز وجل فرقا.
فقال: يا أبي إني أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون
__________
[ (1) ] قال الإمام النووي: معناه وسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما
كنت عليه في الجاهلية.
ولأنه في الجاهلية كان غافلا أو متشككا، فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب.
قال القاضي عياض: معنى قوله: سقط في نفسي: أنه اعترته حيرة ودهشة. قال:
وقوله: «ولا إذا كنت في الجاهلية» معناه أن الشيطان نزع في نفسه تكذيبا لم
يعتقده، وقال: وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها لا يؤاخذ بها، قال القاضي
عياض: قال المازري: معنى هذا أنه وقع في نفس أبي بن كعب نزعة شيطان غير
مستقرة، ثم زالت في الحال، حين ضرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بيده في
صدره، ففاض عرقا.
[ (2) ] قال القاضي عياض: ضربه صلّى اللَّه عليه وسلم في صدره تثبيتا له
حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم.
قال: ويقال: فضت عرقا، وفصت عرقا بالضاد المعجمة، والصاد المهملة. وقال:
وروايتنا هذه بالمعجمة قال الإمام النووي: وكذا هو في معظم أصول بلادنا،
وفي بعضها بالمهملة.
قوله: «أرسل إلى أن اقرأ على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلى
الثالثة اقرأه على سبعة أحرف»
هكذا وقعت هذه الرواية الأولى في معظم الأصول، ووقع في بعضها زيادة،
قال: أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف فردت إليه أن هون على أمتي فرد إليّ
الثانية، اقرأه على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلى الثالثة،
اقرأه على سبعة أحرف.
ووقع في الطريق الّذي بعد هذا من رواية ابن أبي شيبة أن قال: اقرأه على
حرف، وفي المرة الثانية على حرفين، وفي الثالثة على ثلاثة، وفي الرابعة على
سبعة.
هذا مما يشكل معناه، والجمع بين الروايتين، وأقرب ما يقال فيه: أن قوله في
الرواية الأولى فرد إلى الثالثة المراد بالثالثة الأخيرة وهي الرابعة،
فسماها ثالثه مجازا، وحملنا على هذا التأويل، تصريحه في الرواية الثانية أن
الأحرف السبعة إنما كانت في المرة الرابعة وهي الأخيرة، ويكون قد حذف في
الرواية الأولى أيضا بعض المرات.
قوله: «ولك بكل ردة رددتها»
وفي بعض النسخ: رددتكها هذا يدل على أنه سقط في الرواية الأولى ذكر بعض
الردات الثلاث، وقد جاءت مبينة في الرواية الثانية.
وقوله تعالى: «ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألينها،»
معناه مسألة مجابة قطعا، وأما باقي الدعوات فمرجوة، ليست قطعية الإجابة.
(12/30)
على أمتي، فرددت إلى الثانية أن اقرأه على
حرفين، فرددت اليه أن هون على أمتى، فرد إليّ الثالثة أن اقرأه على سبعة
أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة.
فقلت: اللَّهمّ اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلهم حتى
إبراهيم عليه السلام.
ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة [ (1) ] قال: حدثنا محمد بن بشر، قال:
حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال: حدثني عبد اللَّه بن عيسى، عن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى قال: أخبرنى أبي بن كعب أنه كان جالسا في المسجد إذ دخل رجل
يصلّى فقرأ قراءة. واقتصّ الحديث بمثل حديث ابن نمير.
وقد خرج هذا الحديث [ (2) ] مسلم أيضا، وخرجه أبو داود والنسائي وقاسم بن
أصبغ، والترمذي [ (3) ] بزيادات وبقصة، وقد ذكرتها كلها، وما في معناها،
والكلام عليها في كتاب (نهاية الجمع لأخبار القراءات السبع) [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث رقم (820) بدون رقم.
وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 188، باب ما جاء في دعاء النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم لأبي بن كعب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين شك في
القراءة، وإجابة اللَّه تعالى له فيما دعاه في الحال.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (821) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 624، كتاب المناقب، باب (33) مناقب معاذ بن
جبل، وزيد بن ثابت، وأبى عبيدة بن الجراح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم،
حديث رقم (3792) . وقال أبو عيسى:
هذا حديث حسن صحيح، وقد روى عن أبى بن كعب قال: قال لي النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم، فذكر نحوه.
[ (4) ] وأحد مؤلفات المقريزي رحمه اللَّه، وله نظير باسم (نهاية الجمع في
القراءات السبع) نظما بغير رمز للشيخ زين الدين سريجا بن محمد الملطي،
المتوفى سنه (788) هـ-. (كشف الظنون) :
20/ 780.
(12/31)
وأما استجابة دعاء سعد بن أبي وقاص [ (1) ]
بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم له أن تستجاب دعوته
فخرج الترمذي [ (2) ] من حديث جعفر بن عون، عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس
بن أبي حازم، عن سعد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ
استجب لسعد
__________
[ (1) ] هو سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن
زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ، الأمير أبو إسحاق القرشي، الزهري
المكيّ، أحد العشرة، وأحد السابقين الأولين، وأحد من شهد بدرا والحديبيّة،
وأحد الستة أهل الشوري. روى جملة صالحة من الحديث، وله في (الصحيحين) خمسة
عشر حديثا، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثا. عن
سعيد بن المسيب، سمعت سعدا يقول: ما أسلم أحد في اليوم الّذي أسلمت فيه،
ولقد مكثت سبع ليال وإني ثلث الإسلام. عن قيس قال سعد بن مالك: ما جمع رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبويه لأحد قبلي. وإني لأول المسلمين رمى
المشركين بسهم. ولقد رأيتني مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سابع
سبعة ما لنا طعام إلا ورق السمر، وحتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة، ثم
أصبحت بنو أسد تعزرنى على الإسلام، لقد خبت إذن وضل سعيي. قال ابن المسيب:
كان جيد الرمي، سمعته يقول: جمع لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
أبويه يوم أحد. عن أبي عثمان أن سعدا قال:
نزلت هذه الآية في وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما [العنكبوت: 8] ، قال: كنت برا بأمي، فلما أسلمت
قالت: يا سعد! ما هذا الدين الّذي قد أحدثت؟ لتعد عن دينك هذا أو لا آكل
ولا أشرب حتى أموت فتعيّر بي، فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمه،
وإني لا أدع ديني لهذا الشيء، فمكثت يوما وليلة لا تأكل ولا تشرب وليلة،
وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه! تعلمين واللَّه لو كان لك
مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني، وإن شئت فكلي أو لا تأكلى، فلما
رأت ذلك أكلت. ومن مناقبه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن فتح العراق كان
على يديه، وكان هو مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية، ونصر اللَّه دينه، ونزل
سعد بالمدائن، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء، فكان النصر على يده، واستأصل
اللَّه تعالى الأكاسرة. كان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه آخر المهاجرين
وفاة، قال المدائني: توفى سنة خمس وخمسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 15- 16، ترجمة رقم (5) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 607، كتاب المناقب، باب (27) مناقب سعد بن أبي
وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. حديث رقم (3751) .
(12/32)
إذا دعا. قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث
عن إسماعيل، عن قيس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ استجب
لسعد إذا دعاك، وهذا أصح.
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث ابن عون، عن إسماعيل، عن قيس قال سمعت سعدا
يقول. فذكره، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
وذكر البيهقيّ [ (2) ] حديث ابن عون، عن إسماعيل، عن قيس، ثم قال: هذا مرسل
حسن.
وخرج البخاريّ [ (3) ] من حديث أبي عوانه قال: حدثنا عبد الملك بن عمير، عن
جابر بن سمرة، شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 570، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب أبى إسحاق سعد
بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6118) ، وقال: هذا
حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 189، باب ما جاء في دعاء رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه باستجابة
الدعاء، وما ظهر من إجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم
فيه.
[ (3) ] (فتح الباري) 2/ 300- 301، كتاب الأذان، باب (59) ، وجوب القراءة
للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما
يخافت، حديث رقم (755) . وفي هذا الحديث من الفوائد: عزل الإمام بعض عماله
إذا شكى إليه وإن لم يثبت عليه شيء إذا اقتضت ذلك المصلحة، قال مالك: قد
عزل عمر سعدا، وهو أعدل من يأتى بعده إلى يوم القيامة، والّذي يظهر أن عمر
عزله حسما لمادة الفتنة، ففي رواية سيف: «قال عمر: لولا الاحتياط وأن لا
يتقى من أمير مثل سعد لما عزلته» . وقيل: عزله إيثارا لقربه منه لكونه من
أهل الشورى، وقيل: لأن مذهب عمر أنه لا يستمر بالعامل أكثر من أربع سنين.
وقال المازري:
اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الاثنين أو لا يعزل حتى يجمع
الأكثر على الشكوى منه؟ وفيه استفسار العامل عما قيل فيه، والسؤال عمن شكى
في موضع عمله، والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل. وفيه أن السؤال
عن عدالة الشاهد ونحوه يكون ممن يجاوره، وأن تعريض العدل للكشف عن حاله لا
ينافي قبول شهادته في الحال. وفيه خطاب الرجل
(12/33)
عنه فعزله عنه واستعمل عليهم عمارا، فشكوه
حتى أنهم ذكروا أنه لا يحسن يصلّى، فأرسل اليه.
فقال: يا أبا إسحاق إنهم يزعمون أنك لا تحسن تصلّى، فقال: أما أنا فإنّي
كنت أصلّى بهم صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما أخرم عنها، أصلّى
صلاة العشي، فأركد في الأولين وأخف في الأخريين. قال: ذلك الظن بك يا أبا
إسحاق، وأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع
مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم
يقال له أسامه بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا، فإن سعدا كان
لا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما واللَّه لأدعون بثلاث:
اللَّهمّ إن كان عبدك هذا كاذبا قام سمعة ورياء فأطل عمره، وأطل فقره،
وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول شيخ كبير مفتون: أصابتنى دعوة سعد.
قال عبد الملك:
فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في
الطرق يغمزهن.
__________
[ () ] الجليل بكنيته، والاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه. وفيه الفرق
بين الافتراء الّذي يقصد به السب، والافتراء الّذي قصد به دفع الضرر، فيعزر
قائل الأول دون الثاني، ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفا عنهم،
واكتفى بالدعاء على الّذي كشف قناعة في الافتراء عليه دون غيره، فإنه صار
كالمنفرد بأذيته. وقد جاء في الخبر: «من دعا على ظالمه فقد انتصر» فلعله
أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا، فانتصر لنفسه، وراعى حال
من ظلمه، لما كان فيه من وفور الديانة، ويقال: إنما دعا عليه لكونه انتهك
حرمة من صحب صاحب الشريعة، وكأنه قد انتصر لصاحب الشريعة. وفيه جواز الدعاء
على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه، وليس هو من طلب وقوع المعصية،
ولكن من حيث أنه يؤدى إلى نكاية الظالم وعقوبته ومن هذا القبيل مشروعية طلب
الشهادة، وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم.
ومن الأول قول موسى عليه السلام: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ
وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ. وفيه سلوك الورع في الدعاء، واستدل به على أن
الأولين من الرباعية متساويتان في الطول. (فتح الباري) .
(12/34)
ذكره البخاريّ في باب وجوب القراءة للإمام
والمأموم في الصلاة كلها في الحضر والسفر، وما يجهر به، وما يخافت، وذكره
مختصرا في باب القراءة في الظهر [ (1) ] .
وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث سعيد بن عامر قال: حدثنا شعبة عن أبي بلح، عن
مصعب بن سعد أن رجلا نال من علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. فدعا عليه
سعد بن مالك، فجاءته ناقة أو جمل، فقتله، فأعتق سعد نسمة وحلف أن لا يدعو
على أحد.
وخرجه من حديث سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: كنت
بالمدينة [فبينا أنا] [ (3) ] أطوف في السوق، وبلغت أحجار الزيت [ (4) ] ،
فرأيت قوما مجتمعين على فارس قد ركب دابة وهو يشتم علي بن أبي طالب والناس
وقوف حواليه إذ أقبل سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك
__________
[ (1) ] (المراجع السابق) : باب (96) القراءة في الظهر، حديث رقم (759)
ولفظه: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من
صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، ويطول في الأولى ويقصر في الثانية،
ويسمع الآية أحيانا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول
في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية» . وفيه حجة على من زعم
أن الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية، وقوله: «أحيانا» يدل على تكرر ذلك منه.
وقال ابن دقيق العيد:
فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في الإخبار دون التوقف على اليقين،
لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها،
وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية، وكأنه مأخوذ من سماع بعضها مع قيام
القرينة على قراءة باقيها. ويحتمل أن يكون الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم
كان يخبرهم عقب الصلاة دائما أو غالبا بقراءة السورتين. وهو بعيد جدا.
واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (فتح الباري) .
[ (2) ] (المستدرك) : 3/ 571، كتاب معرفة الصحابة، وذكر مناقب أبي إسحاق
سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6120) ، وقد سكت
عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] اسم موضع.
(12/35)
وتعالى عنه، فوقف عليهم فقال: ما هذا؟
فقالوا رجل يشتم علي بن أبي طالب فتقدم سعد فأفرجوا حتى وقف عليه. فقال: يا
هذا على ما تشتم؟ علي بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من
صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن
أعلم الناس؟ وذكر حتى قال: ألم يكن ختن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
على ابنته؟ ألم يكن صاحب رواية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في
غزواته؟ ثم استقبل القبلة ورفع يديه، وقال: اللَّهمّ إن هذا يشتم وليا من
أوليائك فلا تفرق هذا الجمع حتى تريهم قدرتك. قال قيس: فو اللَّه ما تفرقنا
حتى ساخت به دابته، فرمته على هامته في تلك الأحجار، فانفلق دماغه ومات.
قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] [ (1) ] .
وخرج أيضا من حديث إبراهيم بن يحيى الشجري [ (2) ] ، عن أبيه قال:
حدثني موسى بن عقبة، حدثني إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم،
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 573- 574، كتاب معرفة الصحابة، مناقب أبي إسحاق
سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6121) ، وقال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم، وما بين الحاصرتين
زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (2) ] هو يحيى بن محمد عباد بن هاني المدني الشجري، روى عن مالك، وابن
إسحاق، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، ومحمد بن عبد اللَّه بن مسلم بن أخي
الزهري، وموسى بن عقبة، وموسى بن يعقوب الزمعي، وعبد اللَّه بن محمد بن
عجلان، وهشام بن سعد، وغيرهم. وعنه ابنه إبراهيم، وعبد الجبار بن سعيد
المساحقي، ومحمد بن المنذر بن سعيد بن أبي جهم القانوسي، قال أبو حاتم:
ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات. قال الحافظ ابن حجر: وقال الساجي: في
حديثه مناكير وأغاليط وكان فيما بلغني ضريرا يلقن. (تهذيب التهذيب) :
11/ 239- 240، ترجمة رقم (446) . وابنه إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد بن
هاني الشجري، روى عن أبيه، وعنه البخاري في غير (الصحيح) ، وأبو إسماعيل
الترمذي، والذهلي، وابن الضريس، وغيرهم. قال أبو حاتم ضعيف، وذكره ابن
الأزدي: منكر الحديث عن أبيه، وقال أبو إسماعيل الترمذي: لم أر أعمى قلبا
منه، قلت له: حدثكم إبراهيم بن سعد، فقال: حدثكم إبراهيم بن سعد! (تهذيب
التهذيب) 1/ 154، ترجمة رقم (323) .
(12/36)
عن سعد بن أبي وقاص قال: قال لي رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ سدد رميته وأجب دعوته [ (1) ] .
قال الحاكم: هذا حديث تفرد به إبراهيم بن يحيى بن هاني الشجري، كان ينزل
الشجرة [ (2) ] بذي الحليفة، روى عن أبيه إبراهيم بن سعد، ويروي عنه محمد
ابن إبراهيم الترمذي وإسحاق بن إبراهيم شاذان، والبخاريّ في غير (الصحيح)
ومحمد بن أيوب وجماعة، وذكره ابن حبان في (الثقات) وضعفه أبو حاتم. وقد خرج
له الترمذي، وقال: الواقع في غزوة بدر.
وقال سعد بن أبي وقاص: لما كنا بتربان [ (3) ] قال لي رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم:
يا سعد انظر إلى الظبي، فأفوق له سهم، وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم فوضع ذقنه على بين منكبى وأذنى، ثم [قال] ارم، اللَّهمّ سدد رميته،
قال: فما أخطأ سهمي عن نحره،
قال فتبسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرجت أعدو فأجده وبه رمق فذكيته،
فحملناه حتى نزلنا قريبا، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقسم بين
أصحابه [ (4) ] . هكذا ذكره بغير سند [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6122) . وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : تفرد به الشجري وهو ثقة.
[ (2) ] هي الشجرة التي ولدت عندها أسماء بنت محمد بن أبي بكر رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها، بذي الحليفة، وكانت سمرة، وكان النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم ينزلها من المدينة ويحرم منها، وهي على ستة أميال من المدينة، وإليها
ينسب إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد بن هاني الشجري المدني، من مدينة
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، روى عن أبيه والمدنيين، روى عنه محمد
بن يحيى الذهلي، وأبو إسماعيل الترمذي، وهو ضعيف. (معجم البلدان) : 3/ 369،
موضع رقم (7012) . وفي (الأصل) :
«تفرد به إبراهيم بن يحيى» ، وفي (المستدرك) : «تفرد به يحيى بن هاني» .
[ (3) ] تربان: بالضم ثم سكون، قال أبو زيد الكلابي: هو واد بين ذات الجيش
وملل والسيالة، على المحجة نفسها، وفيه مياه كثيرة، مرية، نزلها رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة بدر وبها منزل عروة بن أذينة الشاعر
الكلابي. (معجم البلدان) : 2/ 23- 24، موضع رقم (2472) .
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 26- 27، في ذكر أحداث غزوة بدر.
[ (5) ] قال الواقدي بعد أن ساق هذا الخبر: حدثني بذلك محمد بن بجاد، عن
أبيه، عن سعد.
(المرجع السابق) .
(12/37)
وخرج الحاكم من حديث هاشم بن هاشم الزهري،
عن سعيد بن المسيب قال: كنت جالسا مع سعد فجاء رجل يقال له: الحارث بن
برصاء [ (1) ] وهو في السوق، فقال له: يا أبا إسحاق، إني كنت آنفا عند
مروان فسمعته وهو يقول: إن هذا المال مالنا نعطيه من نشاء قال: فرفع سعد
يديه وقال: أفأدعو؟، فوثب مروان وهو على سريرة فاعتنقه، وقال: أنشدك اللَّه
يا أبا الحسن أن تدعو، فإنما هو مال اللَّه.
وفي رواية عن سعيد بن المسيب، عن سعد قال: جاءه الحارث بن البرصاء وهو في
السوق، فقال له: يا أبا إسحاق إني سمعت مروان يزعم أن مال اللَّه ماله، من
شاء أعطاه ومن شاء منعه، فقال له: أنت سمعته يقول ذلك؟
قال: نعم، قال سعيد: فأخذ بيدي سعد، ويد حارث حتى دخل على مروان، فقال:
يا مروان أنت تزعم أن مال اللَّه مالك؟ من شئت أعطيته، ومن شئت منعته؟
قال: نعم، قال: فأدعو؟ ورفع سعد يديه، فوثب مروان إليه وقال: أنشدك اللَّه
أن تدعو، هو مال اللَّه من شاء أعطاه، ومن شاء منعه. [ (2) ] وخرج البيهقيّ
[ (3) ] من حديث ابن عون قال: أنبأنى محمد بن محمد بن الأسود، عن عامر بن
سعد قال: بينما سعد يمشى إذا مر برجل وهو يشتم علينا وطلحة والزبير رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فقال له سعد: إنك لتسب قوما قد سبق لهم من
اللَّه ما سبق، واللَّه لتكفن عن سبهم أو لأدعون اللَّه عليك. فقال: يخوفني
كأنه نبي،
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 572، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب أبى إسحاق سعد
بن أبى وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6123) ، وساقه الحافظ
الذهبي في (التلخيص) ، وقال: رواه مكي بن إبراهيم عن هاشم، وزاد: قال ابن
المسيب: فأخذ سعد بيدي الحارث حتى دخل على مروان فقال: أنت تزعم أن مال
اللَّه مالك؟ قال: نعم. قال: فأدعو. ورفع سعد يديه، فوثب إليه مروان.
الحديث.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6124) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 190، باب ما جاء في دعاء رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه باستجابة
الدعاء، وما ظهر من إجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله فيه.
(12/38)
قال: فقال سعد: اللَّهمّ إن كان يسب قوما
قد سبق لهم ما قد سبق فاجعله اليوم نكالا.
قال: فجاءت بختيه، فأفرج الناس فتخبطته، قال: فرأيت الناس يتبعون سعدا،
ويقولون: استجاب اللَّه لك أبا إسحاق.
وله من حديث أسد بن موسى [ (1) ] قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال:
حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، عن جده قال: دعا سعد بن أبي وقاص،
فقال: يا رب إن لي بنين صغارا فأخّر عنى الموت حتى يبلغوا، فأخّر عنه الموت
عشرين سنة!.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 191.
(12/39)
وأما وفاء اللَّه تعالى دين أبي بكر الصديق
[ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج البيهقيّ [ (2) ] من حديث إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني سليمان ابن
بلال، عن يونس بن يونس بن مزيد الأيلي، عن الحكم بن عبد اللَّه بن عبد
الأعلى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها أن أباها دخل عليها، فقال: هل سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم دعاء كان يعلمناه، وذكر أن عيسى عليه السلام كان يعلمه أصحابه؟ يقول:
لو كان على أحدكم جبل دين ذهبا قضاه اللَّه عنه، ثم يقول: اللَّهمّ فارج
الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين رحمان الدنيا والآخرة، ورحيمهما، أنت
ترحمني، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمه من سواك.
قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كانت عليّ دنانير من دين، وكنت
للدين كارها، فلم ألبث إلا يسيرا حتى جاءني اللَّه بعائدة، فقضى اللَّه ما
كان عليّ من الدين.
قالت: عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وكان لأسماء على دينار وثلاثة
دراهم، فكنت أستحيى منها كلما نظرت إليها، فكنت أدعو بذلك الدعاء، فما لبثت
إلا يسيرا حتى جاءني اللَّه برزق من غير ميراث ولا صدقة فقضيتها.
وحليت ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر بثلاث أواقي، وفضل لنا فضل حسن [ (3) ] .
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن أبي قحافة خليفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم وصاحبه في الغار. سبقت له ترجمة وافية، وهو غنى عن التعريف.
[ (2) ] (سنن البيهقي) : 6/ 171- 172، باب ما جاء في الدعاء الّذي علمه أبا
بكر في الدين فدعا به، فقضى اللَّه عنه دينه.
[ (3) ] ثم قال البيهقي: «لفظ حديث الصغاني» .
(12/40)
قال البيهقيّ: تفرد به الحكم الأيلي [ (1)
] . قال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون، ومرة قال: ليس بشيء، لا يكتب حديثه.
ومرة قال: ضعيف وقال وهب ابن زمعة، عن عبد اللَّه بن المبارك: أنه ترك
حديثه. وقال البخاريّ: تركوه، كان ابن المبارك يوهنه، ونهى أحمد عن حديثه،
وقال السعدي: الحكم بن عبد اللَّه جاهل كذاب، وأمر الحكم أوضح من ذلك، وقال
النسائي: متروك الحديث، وقال ابن عدي: وما أمليت للحكم عن القاسم بن محمد
والزهري، كلها مما لا يتابعه الثقات عليها وضعفه بيّن على حديثه.
__________
[ (1) ] هو الحكم بن عبد اللَّه بن سعد بن عبد اللَّه الأيلي، يكنى أبا عبد
اللَّه، كان ابن المبارك شديد الحمل عليه، وقال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة،
وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال السعدي وأبو حاتم: كذاب، وقال النسائي
والدار الدّارقطنيّ: متروك الحديث. (الكامل في ضعفاء الرجال) :
2/ 202، ترجمة رقم (20/ 39) ثم قال: وحدث عن الحكم هذا يونس بن يزيد
الأيلي، حدثناه عن على بن أحمد بن بسطام، حدثنا يعقوب بن كاسب، حدثنا أنس
بن عياض، حدثنا يونس بن يزيد، حدثنا الحكم بن عبد اللَّه، عن القاسم، عن
عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت:
دخل على أبو بكر ... وسابق الحديث، ثم قال: حدثنا ابن أبي عصمة، حدثنا أحمد
بن إسماعيل، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا عبد اللَّه بن عمر النميري، عن
يونس بن يزيد، حدثنا الحكم بن عبد اللَّه، عن القاسم، عن عائشة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها قالت: دخل على أبو بكر ...
فذكر نحوه.
(12/41)
وأما ظهور البركة في ربح عروة البارقي [
(1) ] بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم له بالبركة في بيعه
فخرج البخاريّ [ (2) ] من حديث سفيان قال: حدثنا شبيب بن غرقدة قال:
سمعت الحي يتحدثون أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى له
به شاه، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاءه بدينار وشاة، فدعا
له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه.
قال سفيان: كان بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه، قال: سمعه شبيب من عروة
فأتيته فقال شبيب: إني لم أسمعه من عروة، ولكن قال: سمعت الحي
__________
[ (1) ] هو عروة بن عياض بن أبي الجعد البارقي وبارق في الأزد يقال: إن
البارق جبل نزله بعض الأزديين، فنسبوا إليه. استعمل عمر بن الخطاب عروة
البارقي هذا على قضاء الكوفة، وضم إليه سلمان بن ربيعة، وذلك قبل أن يستقضى
شريحا. يعد عروة البارقي في الكوفيين، روى عنه قيس بن أبى حازم، والشعبي،
وأبو إسحاق، والعيزار بن حريث. وشبيب بن غرقدة البارقي. قال علي بن
المديني: من قال فيه عروة بن الجعد فقد أخطأ، وإنما هو عروة بن أبي الجعد.
قال: وكان غندر محمد بن جعفر يهم فيه، فيقول: عروة بن الجعد.
أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: وحدثنا سفيان، حدثنا مجالد، عن الشعبي،
عن عروة بن عياض بن أبى الجعد البارقي، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر
والمغنم.
وأخبرنا سفيان، عن شبيب بن غرقدة، سمعه عروة البارقي، قال: سمعت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: الخير معقود بنواصي الخيل.
وأخبرنا سفيان عن شبيب بن عروة بن غرقدة، قال:
رأيت في دار عروة بن أبى الجعد سبعين فرسا رغبة في رباط الخيل. وهو الّذي
أرسله النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ليشترى الشاة بدينار، فاشترى به شاتين
والحديث مشهور في البخاري وغيره، وكان فيمن حضر فتوح الشام ونزلها، ثم سيره
عثمان إلى الكوفة، وحديثه عند أهلها.
(الإصابة) : 4/ 489، 488، ترجمة رقم (5522) ، (الاستيعاب) : 3/ 1065- 1066،
ترجمة رقم (1802) .
[ (2) ] (فتح البخاري) : 6/ 784، كتاب المناقب، باب (28) بدون ترجمة، حديث
رقم (3642) .
(12/42)
يخبرونه عنه، ولكن سمعته يقول: سمعت النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة،
قال: وقد رأيت في داره سبعين فرسا. قال سفيان: ليشترى له شاة كأنها أضحية [
(1) ] . ذكره في المناقب.
وخرجه الترمذي [ (2) ] من حديث هارون الأعور بن موسى القاري قال:
حدثنا الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، عن عروة البارقي قال: رفع إلى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دينارا لأشتري به شاه فاشتريت له شاتين، فبعت
إحداهما بدينار، وجئت بدينار وشاة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر له
ما كان من أمره، فقال: بارك اللَّه لك في صفقة يمينك، فكان يخرج بعد ذلك
الى كناسة الكوفة، فيربح الربح العظيم، فكان أكثر أهل الكوفة مالا.
[ (3) ] قال أبو لبيد: اسمه لمازة [بن زياد] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3643) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 3/ 559، كتاب البيوع، باب (34) بدون ترجمة، حديث
رقم (1258) .
[ (3) ] ثم قال الترمذي: حدثنا أحمد بن سعيد الدرامي، حدثنا حبان، حدثنا
سعيد بن زيد [هو أخو حماد بن زيد] قال: حدثنا الزبير بن خريت فذكر نحوه عن
أبي لبيد. قال أبو عيسى: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا به،
وهو قول أحمد وإسحاق. ولم يأخذ بعض أهل العلم بهذا الحديث، منهم الشافعيّ،
وسعيد بن زيد، أخو حماد بن زيد. وأخرجه أبو دواد في (السنن) : 3/ 677- 678،
كتاب البيوع والإجارات، باب (28) في المضارب يخالف، حديث رقم (3384) . وقال
الخطابي في (معالم السنن) : هذا الحديث مما يحتج به أصحاب الرأى لأنهم
يجيزون بيع مال زيد من عمرو بغير إذن منه أو توكيل، ويتوقف البيع على إجازة
المالك، فإذا أجازه صح إلا انهم لم يجيزوا الشراء بغير إذنه، وأجاز مالك بن
أنس الشراء والبيع معا.
وكان الشافعيّ لا يجيز شيئا من ذلك، لأنه غرر، لا بدري هل يجيزه أم لا؟
وكذلك يجيز النكاح الموقوف على رضا المنكوحة، أو إجازة الولي، غير أن
الخبرين معا غير متصلين، لأن في أحدهما- وهو خبر حكيم بن حزام- رجلا
مجهولا، لا يدري من هو؟ وفي خبر عروة أن الحي حدثوه، وما كان هذا سبيله من
الرواية لم تقم به الحجة.
وقد ذهب بعض من لم يجز البيع الموقوف من تأويل هذا الحديث إلى أن وكالته
كانت وكالة تفويض وإطلاق، وإذا كنت الوكالة مطلقة فقد حصل البيع والشراء عن
إذن. وقال الخطابي: وهذا لا يستقيم، لأن في خبر حكيم أنه تصدق بدينار، فلو
كانت الوكالة مطلقة
(12/43)
وخرجه أبو نعيم [ (1) ] من حديث الحسن بن
عمارة عن الحكم بن عتيبة عن شبيب عن غرقدة، عن عروة، عن أبي الجعد البارقي
قال: أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دينارا وأمرنى أن أشترى له
أضحية فاشتريت، ثم عرض لي رجل فسامنى بها فبعتها منه بدينارين، فأخذت
الدينار، فاشتريت به أضحية، فأتيت بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
وبالدينار، فقبلها مني، ودعا لي أن يبارك في صفقتي فما اشتريت شيئا إلا
ربحت فيه.
ومن حديث يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا أبو الأحوص، عن شبيب، عن
غرقدة، عن عروة البارقي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعث رجلا يشترى له
أضحيه بدينار، فاشترى له شاتين بدينار، فباع إحداهما بدينار، ثم أتى النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم بشاة ودينار، فدعا له بالبركة، وكان لو اشترى ترابا
لربح فيه.
ومن حديث سعد بن زيد قال: حدثنا الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، عن عروة
البارقي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لقي جلبا فأعطاه دينارا، فقال:
اشتر لنا به شاة،
__________
[ () ] طابت له الزيارة. وقد جعل غير واحد من أهل العلم هذا أصلا في أن من
وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقا، فإنه يتصدق به. واختلف
الفقهاء في المضارب إذا خالف رب المال، فروى عن ابن عمر أنه قال: «الربح
لرب المال» . وعن أبي قلابة ونافع: «أنه ضامن والربح لرب المال» . وبه قال
أحمد وإسحاق، وكذلك الحكم عند أحمد في من استودع مالا فاتجر فيه بغير إذن
صاحبه أن الربح لرب المال. وقال أصحاب الرأى: الربح للمضارب، ويتصدق به،
والوضعية عليه، وهو ضامن لرأس المال في الوجهين معا. وقال الأوزاعي: إن
خالف وربح فالربح له في القضاء، ويتصدق به في الورع والفتيا، ولا يصلح
لواحد منهما. وقال الشافعيّ: إذا خالف المضارب نظر، فإن اشترى السلعة التي
لم يؤمر بها بغير المال فالبيع باطل وإن اشتراها بغير العين فالسلعة ملك
للمشتري، وهو ضامن للمال. (معالم السنن) .
[ (1) ] (دلائل أبى نعيم) : 388، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لعروة
البارقي، حديث رقم (388) من حديث سعيد بن زيد. وأخرجه البيهقي في (دلائل
النبوة) : 6/ 220، باب ما جاء في دعائه (صلّى اللَّه عليه وسلم لعروة
البارقي في البركة في بيعه وظهورها بعده في ذلك، وكذلك في تجارة عبد اللَّه
بن جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(12/44)
فانطلق فاشترى شاتين بدينار، فلقيه رجل
فباعه شاة بدينار، ثم أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بدينار وشاة.
فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّه لك في صفقة يمينك،
قال: فإن كنت لأقوم في الكناسة [ (1) ] ، فما أرجع إلى أهلي حتى أربح
أربعين ألفا.
ورواه عفان، عن سعيد بن زيد، قال: فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة، فأربح
أربعين دينارا قبل أن أرجع إلى أهلي [ (2) ] .
قال مؤلفه رحمه اللَّه تعالى: عروة بن عياض بن أبي الجعد البارقي، وبارق في
الأزد يعدّ في الكوفيين ولاه عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قضاء الكوفة
قبل شريح.
ومن قال فيه عروة بن الجعد، فقد أخطأ إنما هو عروة بن أبي الجعد، خرج له
الجماعة [ (3) ] .
__________
[ (1) ] الكناسة: سوق بالكوفة.
[ (2) ] هذا هو الحديث الّذي في (دلائل أبي نعيم) والباقي من (الأصل) .
[ (3) ] راجع ترجمته في أول الفصل.
(12/45)
وأما ربح عبد اللَّه بن جعفر [ (1) ] في
التجارة بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج البيهقيّ [ (2) ] من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا فطر بن
خليفة، عن أبيه زعم أنه سمع عمرو بن حريث قال: انطلق بي أبي إلى رسول
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن
هاشم، السيد العالم، أبو جعفر القرشي الهاشمي، الحبشي، المولد، المدني
الدار، الجواد بن الجواد ذي الجناحين. له صحبة ورواية، عداده في صغار
الصحابة استشهد أبوه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يوم مؤتة فكفله النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم، ونشأ في حجره، وهو آخر من رأى النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم وصحبه من بني هاشم، وروي أيضا عن عمه على وعن أمه أسماء بنت
عميس، حدث عنه أولاده: إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، وأبو جعفر الباقر،
والشعبي وعروة، وآخرون، وله وفادة على معاوية، وكان كبير الشأن كريما،
جوادا، يصلح للخلافة.
عن الحسن بن سعد، عن عبد اللَّه بن جعفر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
أتاهم بعد ما أخبرهم بقتل جعفر بعد ثالثه فقال: «لا تبكوا أخى بعد اليوم» ،
ثم قال «ائتوني ببني أخي» ، فجيء بنا كأننا أفرخ، فقال: «أدعو لي الحلاق»
فأمره فحلق رءوسنا، ثم قال: أما محمد، فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد
اللَّه: فشبه خلقي وخلقي «، ثم أخذ بيدي، فأشالها، ثم قال: «اللَّهمّ اخلف
جعفرا في أهله، وبارك لعبد اللَّه في صفقته» . قال: فجاءت أمنا، فذكرت
يتمنا، فقال: «العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟ رواه
أحمد في (المسند) .
قال أبو عبيدة: كان على قريش وأسد وكنانة يوم صفين عبد اللَّه بن جعفر.
ولعبد اللَّه بن جعفر أخبار في الجود والبذل، وكان وافر الحشمة، كثير
التنعم، وممن يستمع الغناء. وقال الواقدي ومصعب الزبيري: مات في سنة
ثمانين، وقال المدائني: توفى سنة أربع أو خمس وثمانين، وقال أبو عبيد: سنة
أربع وثمانين، ويقال: سنة تسعين. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 113،
ترجمة رقم (327) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 220- 221، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه
عليه وسلم لعروة البارقي في البركة في بيعه، وظهورها بعده في ذلك، وكذلك في
تجارة عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب. وقد ذكره الهيثمي في (المجمع) وقال:
رواه أبو يعلي والطبراني ورجالهما ثقات.
(12/46)
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا غلام
شاب، فمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على عبد اللَّه بن جعفر، وهو يبيع
شيئا يلعب به، فدعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: اللَّهمّ بارك له
في تجارته.
وخرجه الواقدي في (مغازيه) من حديث محمد بن مسلمة عن يحيى بن موسى قال:
سمعت عبد اللَّه بن جعفر يقول: أنا أحفظ حين دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم على أمى فنعى لها أبى [ (1) ] . وذكر الحديث بطوله، ثم قال: فأتى
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا أساوم بشاة أخ لي [ (2) ] ، فقال:
اللَّهمّ بارك له في صفقته.
قال عبد اللَّه: فما بعت شيئا، ولا اشتريت شيئا إلا بورك فيه [ (3) ] .
__________
[ (1) ] في (الأصل) : «مسلمة» و «موسى» ، وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) .
[ (2) ] وتمامة:
فأنظر إليه وهو يمسح على رأس أخى، وعيناه تهراقان الدموع حتى تقطر لحيته،
ثم قال: اللَّهمّ إن جعفرا قد تقدم إلى أحسن الثواب، فاخلفه في ذريته بأحسن
ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته، ثم قال: يا أسماء ألا أبشرك؟ قالت: بلى،
بأبي أنت وأمى! قال: فإن اللَّه عز وجل جعل لجعفر جناحين يطير بهما في
الجنة! قالت بأبي وأمي يا رسول اللَّه، فأعلم الناس ذلك! فقام رسول اللَّه
وأخذ بيدي، يمسح بيده رأسي حتى رقى على المنبر، وأجلسنى أمامه على الدرجة
السفلي، والحزن يعرف عليه، فتكلم فقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه، ألا
وإن جعفرا قد استشهد، وقد جعل اللَّه له جناحين يطير بهما في الجنة، ثم نزل
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فدخل بيته وأدخلنى، وأمر بطعام فصنع
لأهلي، وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده واللَّه غداء طيبا مباركا عمدت سلمى
خادمته إلى شعير فطحنته، ثم نسفته، ثم أنضجته وأدمته بزيت، وجعلت عليه
فلفلا. فتغديت انا وأخى معه، فأقمنا ثلاثة أيام في بيته، ندور معه كما صار
في إحدى بيوت نسائه، ثم رجعنا إلى بيتنا، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم وأنا أساوم بشاة أخ لي فقال: اللَّهمّ بارك له في صفقته. قال عبد
اللَّه: فما بعت شيئا ولا اشتريت إلا بورك فيه. (مغازي الواقدي) : 2/ 766-
767، غزوة مؤتة.
[ (3) ] راجع التعليق السابق.
(12/47)
وأما كثرة ربح عبد اللَّه بن هشام [ (1) ]
بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم له بالبركة
فخرج البخاريّ في كتاب الشركة [ (2) ] من حديث عبد اللَّه بن وهب قال:
أخبرني سعيد عن زهرة بن معبد، عن جده عبد اللَّه بن هشام، وكان قد أدرك
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن هشام بن زهرة بن عثمان بن عمرو بن كعب بن أسد بن
تيم بن مرة القرشي التيمي. له ولأبيه صحبة. روى عنه حفيده أبو عقيل زهرة بن
معبد، قال البغوي: سكن المدينة.
وقال ابن مندة كان مولده سنة أربع. وذكر الذهبي في (التجريد) أن البخاري
أخرج حديثه في الأضحية، ولم أره فيه: وإنما
أخرج حديثة البخاري في كتاب الشركة من رواية أبى عقيل عن جده عبد اللَّه بن
هشام، وكان قد أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت
حميد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: يا رسول اللَّه،
بايعه، فقال: هو صغير، فمسح رأسه ودعا له.
هذا أخرجه الإسماعيلي بتمامه، فزاد: فكان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع
أهله، فهذا مراد الذهبي بقوله:
في الأضحية، ولم يرد أن البخاري أخرجه في كتاب الأضحية. وأخرجه في الأحكام
وفي الدعوات عن أبى عقيل أيضا أنه كان يخرج مع جده عبد اللَّه بن هشام إلى
السوق، فيشترى الطعام، فيلقاه ابن عمر وابن الزبير، فيقولان له: أشركنا فإن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد دعا لك بالبركة.
وأخرجه في مناقب عمر في الاستئذان وفي البدور، عن أبي عقيل، عن جده، قال:
كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ... فذكر
قصته.
وأخرج أبو داود الحديث الأول، وهذا جميع ماله في الكتب الستة، وذكر
البلاذري أنه عاش إلى خلافة معاوية.
وأخرج له أبو القاسم والبغوي من طريق أصبغ، عن ابن وهب بسند الحديث الّذي
أخرج له البخاري في الشركة حديثا آخر رواه عن الصحابة، ولفظه: كان أصحاب
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يتعلمون الدعاء كما يتعلمون القرآن إذا
دخل الشهر أو السنة: اللَّهمّ أدخله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة
والإسلام، وجواز من الشيطان، ورضوان من الرحمن. وهذا موقوف على شرط الصحيح.
(الإصابة) : 4/ 255- 256، ترجمة رقم (5010) ، 5/ 216، ترجمة رقم (6656) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 170، كتاب الشركة، باب (13) الشركة في الطعام
وغيره، حديث رقم (2501) ، (2502) .
(12/48)
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وذهبت به أمه
زينب بنت حميد [ (1) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: يا
رسول اللَّه بايعه، فقال: هو صغير، فمسح رأسه ودعاه له.
وعن زهرة بن معبد أنه كان يخرج به جده عبد اللَّه بن هشام إلى السوق،
فيشترى الطعام فيلقاه ابن عمر وابن الزبير فيقولان له: أشركنا [ (2) ] ،
فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا لك بالبركة، فيشركهم، فربما أصاب
الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل. ترجم عليه باب الشركة في الطعام،
وغيره. وذكره أيضا في كتاب الدعاء [ (3) ] من طريق ابن وهب حدثنا
__________
[ (1) ] وهي معدودة في الصحابة، وأبوه هشام مات قبل الفتح كافرا، وقد شهد
عبد اللَّه بن هشام فتح مصر واختط بها، فيما ذكره ابن يونس وغيره، وعاش إلى
خلافة معاوية. قال الحافظ في (الفتح) : وقد أخرجه المصنف في الدعوات عن عبد
اللَّه بن وهب بهذا الإسناد، وكذلك أخرجه أبو نعيم من وجهين عن ابن وهب،
وقال الإسماعيلي: تفرد بن ابن وهب.
[ (2) ] هو شاهد الترجمة لكونهما طلبا منه الاشتراك في الطعام الّذي
اشتراه، فأجابهما إلى ذلك، وهم من الصحابة، ولم ينقل عن غيرهم ما يخالف
ذلك، فيكون حجة.
وفي الحديث مسح رأس الصغير، وترك مبايعة من لم يبلغ، والدخول في السوق لطلب
المعاش، وطلب البركة حيث كانت، والرد على من زعم أن السعة من الحلال
مذمومة، وتوفر دواعي الصحابة على إحضار أولادهم عند النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم لالتماس بركته، وعلم من أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم لإجابة
دعائه في عبد اللَّه بن هشام.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 11/ 181،
كتاب الدعوات، باب (31) الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم، حديث رقم
(6303) وأخرجه أيضا في كتاب الأحكام، باب (46) بيعة الصغير، حديث رقم
(7210) من حديث أبى عقيل زهرة بن معبد «عن جده عبد اللَّه بن هشام وكان قد
أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وذهبت به أمه زينب ابنة حميد إلى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه بايعه، فقال النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم: هو صغير، فمسح رأسه ودعا له،
وكان يضحى بالشاة الواحدة عن جميع أهله «قال الحافظ في (الفتح) : وإنما
ذكره البخاري مع أن من عادته أن يحذف الموقوفات غالبا لأن المتن قصير، وفيه
إشارة إلى أن عبد اللَّه بن هشام عاش بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
زمانا ببركة دعائه.
وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 223، باب في دعائه لعبد اللَّه بن
هشام بالبركة وظهورها بعده.
(12/49)
سعيد بن أبي أيوب، عن أبي عقيل أنه كان
يخرج به جده عبد اللَّه بن هشام من السوق. أو إلى السوق. الحديث إلى آخره
بمثله، ولم يذكر أوله.
وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي أمامة [ (1) ] وأصحابه بالسلامة
والغنيمة فكان كما دعا
__________
[ (1) ] هو صديّ- بالتصغير- ابن عجلان بن الحارث. ويقال: ابن وهب، ويقال:
ابن عمرو بن وهب ابن عريب بن وهب بن رياح بن الحارث، ويقال ابن الحارث بن
معن بن مالك بن أعصر الباهلي، أبو أمامة، مشهور بكنيته. روى عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم، وعن عمر، وعثمان، وعلى وأبي عبيدة ومعاذ، وأبى الدرداء،
وعبادة بن الصامت، وعمرو بن عبسة، وغيرهم.
روى عنه أبو سلام الأسود، ومحمد بن زياد الألهاني، وشرحبيل بن مسلم، وشداد،
وأبو عمار، والقاسم بن عبد الرحمن، وشهر بن حوشب، ومكحول، وخالد بن معدان،
وآخرون.
وقال ابن سعد: سكن الشام، وأخرج الطبراني ما يدل على أنه شهد أحدا ولكن
بسند ضعيف.
وروى أبو يعلي من طريق أبى غالب، عن أبي أمامة، قال: بعثني رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم إلى قوم فانتهيت إليهم وأنا طاو وهم يأكلون الدم،
فقالوا: هلم، قلت: إنما جئت أنهاكم عن هذا فنمت وأنا مغلوب، فأتانى آت
بإناء فيه شراب، فأخذته وشربته، فكظني بطني فشبعت ورويت، ثم قال لهم رجل
منهم، أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تتحفوه، فأتونى بلبن، فقلت: لا حاجة لي
به، وأريتهم بطني فأسلموا عن آخرهم، ورواه البيهقي في (الدلائل) وزاد فيه:
أنه أرسله إلى قومه باهلة. وقال ابن حبان كان مع على بصفين، مات أبو أمامة
الباهلي سنة ست وثمانين.
وقال ابن البرقي: بغير خلاف، وأثبت غيره الخلاف، فقيل: سنة إحدى قاله محمد
بن سعد، وقال عبد الصمد بن سعيد: ولما مات خلف ابنا يقال له المغلس، وله-
يعنى صاحب الترجمة- مائة وست سنين، فقد صح عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم مات وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وأخرجه البخاري في (تاريخه) ، من طريق
حميد بن ربيعة: رأيت أبا أمامة خرج من عند الوليد بن عبد الملك في ولايته
سنة ست وثمانين، ومات ابنه الوليد سنة ست وتسعين.
قال: وقال الحسن بن رافع عن ضمرة في (فضائل الصحابة) لخيثمة، ومن طريق وهب
بن صدقة: سمعت جدي يوسف بن حزن الباهلي، سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: لما
نزلت: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ
تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18] ، قلت: يا رسول اللَّه، أنا ممن بايع تحت
(12/50)
فخرج البيهقيّ [ (1) ] من حديث عفان بن
مسلم قال: حدثنا مهدي ابن ميمون، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب،
عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أنشأ رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوا، فأتيته، فقلت:
يا رسول اللَّه ادع لي بالشهادة. فقال: اللَّهمّ سلمهم وغنمهم. قال:
فغزونا، فسلمنا، وغنمنا، ثم أنشأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة
فأتيته، فقلت: يا رسول اللَّه ادع لي بالشهادة، فقال: اللَّهمّ سلمهم
وغنمهم، قال: فغزونا، فسلمنا وغنمنا، ثم أنشأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم غزوة فأتيته فقلت: يا رسول اللَّه إني أتيتك مرتين. أسألك أن تدعو لي
بالشهادة، فقال: اللَّهمّ سلمهم، وغنمهم. قال: فغزونا، فسلمنا وغنمنا، ثم
أتيته بعد ذلك فقلت: يا رسول اللَّه مرني بعمل آخذه عنك ينفعني اللَّه به،
قال: قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له. قال: وكان أبو أمامه وامرأته وخادمه
لا يلفون إلا صياما، فإذا رأوا نارا أو دخانا عرفوا أنه قد اعتراهم ضيف،
قال: ثم أتيته بعد ذلك، قلت: فقلت: يا رسول اللَّه! قد أمرتنى بأمر أرجو أن
يكون اللَّه قد نفعني به، مرني بأمر آخر ينفعني اللَّه تعالى به. قال:
اعلم أنك لا تسجد للَّه تعالى سجدة إلا رفع بك بها درجة، وحط عنك بها
خطيئة.
قال البيهقيّ: هكذا رواه جرير بن حازم، عن محمد بن عبد اللَّه بن أبي
يعقوب، عن رجاء [ (2) ] .
__________
[ () ] الشجرة؟ قال: أنت منى وأنا منك.
وأخرج أبو يعلي من طريق رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة: أنشأ رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم غزوا فأتيته فقلت: ادع اللَّه لي بالشهادة. فقال:
اللَّهمّ سلمهم وغنمهم ... الحديث. (الإصابة) : 3/ 420- 421، ترجمة رقم
(4063) .
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 334- 335، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه
عليه وسلم لأبي أمامة وأصحابه حين سأل الدعاء بالشهادة وإصابة الغنيمة فكان
كما دعاه.
[ (2) ] رواية رجاء أخرجها الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 330، حديث رقم
(21636) ، من حديث أبى أمامة الباهلي الصدي بن عجلان بن وهب الباهلي رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخرجه النسائيّ
في (السنن) : 4/ 474، كتاب الصيام، باب (43) ذكر الاختلاف على محمد بن أبى
يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم، حديث رقم (2219) ، (2220) ، وقال
(12/51)
ورواه شعبة عن محمد عن أبي نصر الهلالي، عن
رجاء بن حيوة مختصرا [ (1) ] .
وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم في شويهات أبي قرصافة ومسحه ظهورهنّ
وضروعهن فمن بركاته امتلأت شحما ولبنا
فخرج أبو نعيم [ (2) ] من حديث أيوب بن علي بن الهيصم بن مسلم ابن خيثمة
قال: سمعت زيار بن سيار يقول: حدثتني عزة بنت عياض ابن أبي قرصافة أنها
سمعت جدها أبا قرصافة صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: كان
بدؤ إسلامي أنى كنت يتيما بين أمى وخالتي، وكان أكثر ميلى إلى خالتي، وكنت
أرعى شويهات لي، وكانت خالتي كثيرا ما تقول لي: يا بنى لا تمر إلى هذا
الرجل يعنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فيغر ربك [ (3) ] ويضلك، فكنت
أخرج حتى آتي المرعى، فأترك شويهاتي، ثم آتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
ولا أزال عنده أسمع منه، ثم أروح بغنمى ضمرا يابسات الضروع، فقالت لي
خالتي: ما لغنمك يابسات الضروع؟ قلت: ما أدرى!! ثم عدت إليه اليوم الثاني
ففعل كما فعل اليوم الأول، غير
أنى سمعته يقول: أيها الناس هاجروا وتمسكو بالإسلام، فإن الهجرة لا تنقطع
ما دام
__________
[ () ] الحافظ السندي في (حاشيته على سنن النسائي) : قوله: «عليك بالصوم» ،
أي الشرعي، فإنه المتبادر «فإنه لا مثل له» في كسر الشهوة، ودفع النفس
الأمارة بالسوء والشيطان. أو لا مثل له في كثرة الثواب، ويحتمل أن المراد
بالصوم كف النفس عما لا يليق، وهو التقوى كلها، وقد قال تعالى: إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13] .
[ (1) ] ورواية شعبة أخرجها النسائي في (المرجع السابق) : حديث رقم (2221)
.
[ (2) ] (دلائل أبى نعيم) : 453- 454، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لغنم
أبى قرصافة، حديث رقم (378) - وقد أخرجه الطبراني ورجاله ثقات، وأبو قرصافة
اسمه جندر بن خشينة الكناني، كما في (الاستيعاب) وغيره.
[ (3) ] في (الدلائل) : «فيغويك» ، وفي الأصل: «فيغربك» ، ولعل ما أثبتناه
أقرب إلى الصواب.
(12/52)
الجهاد، ثم إني رجعت بغنمى كما رحن اليوم
الأول، ثم عدت اليه في اليوم الثالث، فلم أزل عند النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم أسمع منه حتى أسلمت، وبايعته وصافحته بيدي، وشكوت إليه أمر خالتي،
وأمر غنمي فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: جئني بالشياه، فجئته
بهن، فمسح ظهورهن، وضروعهن، ودعا فيهن بالبركة، فامتلأت شحما ولبنا،
فلما دخلت على خالتي بهن قالت: يا بنى هكذا فارع، فقلت: يا خالة ما رعيت
إلا حيث كنت أرعى كل يوم، لكن أخبرك بقصتي، فأخبرتها بالقصة، وإتياني النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخبرتها بسيرته وكلامه فقالت لي أمي وخالتي: اذهب
بنا إليه، فذهبت أنا وأمى وخالتي، فأسلمنا [ (1) ] وبايعنا رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، وصافحهما.
فهذا ما كان من إسلام أبي قرصافة وهجرته [ (2) ] ، قال ابن عبد البر رحمة
اللَّه عليه: أبو قرصافة الكناني اسمه جندرة بن خيشنة بن نفير من بنى كنانة
له صحبة، ونسبه بعضهم، فقال: أبو قرصافة جندرة بن خشينة بن مرة بن وائلة بن
الفاكه بن عمرو بن الحارث بن مالك بن النضر بن كنانة، وقيل:
اسمه قيس بن سهل، ولا يصح، سكن فلسطين، وقيل: أرض تهامة، قال مؤلفه [ (3) ]
: حديثه في الطبراني لما أسر ولده ببلاد الروم، وقبره بعسقلان، وتسميه
العامة قبر أبي هريرة.
وأما حديثه
فقال الطبراني: حدثنا بشر بن موسى بن بشر الغزيّ بغزة، حدثنا أيوب بن علي
بن هيصم، حدثنا زياد بن يسار، عن عزة بنت عياض عن جدها أبي قرصافة جندرة بن
خيشنه الليثي قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: نضر اللَّه سامع
مقالتي، فوعاها، فحفظها، فرب حامل علم إلى من هو أعلم به منه، ثلاث لا يغل
عليهنّ القلب، إخلاص العمل فيه، ومناصحة الولاة، ولزوم الجماعة.
قال الطبراني: لا يروي عن أبي قرصافة إلا بهذا الإسناد، وبلغني أن ابنا
لأبي قرصافة أسرته الروم، فكان أبو قرصافة يناديه في سوق عسقلان وقت الصلاة
بها ... يا فلان الصلاة، فيسمعه، فيجيبه، وبينهما عرض البحر.
__________
[ (1) ] في (أبى نعيم) : «فأسلمن» وبايعن» وصافحن» ، وما أثبتناه من
(الأصل) ، وهو حق اللغة.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط.
[ (3) ] في (الأصل) كلمة غير واضحة، وما أثبتناه من (تهذيب التهذيب) .
(12/53)
وأما ثبات جرير البجلي [ (1) ] على الخيل
بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم له بعد أن كان لا يثبت عليها
__________
[ (1) ] هو جرير بن عبد اللَّه، وهو الشليل بن مالك بن نصر- أو نضر- بن
ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن علي- أو عدي- بن مالك بن سعد بن
نذير بن قسر، وهو مالك ابن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث البجلي.
يكنى أبا عمرو. وقيل: أبا عبد اللَّه، واختلف في بجيلة، فقيل: ما ذكرنا،
وقيل: إنهم من ولد أنمار بن نزار على ما ذكرناه في كتاب (القبائل) ، ولم
يختلفوا أن بجيلة أمهم نسبوا إليها، وهي بجيلة بنت صعب بن علي بن سعد
العشيرة.
قال ابن إسحاق: جرير بن عبد اللَّه البجلي سيد قبيلته، يعنى بجيلة. قال:
وبجيلة هو ابن أنمار بن نزار بن معد بن عدنان، وقال مصعب: أنمار بن نزار بن
معد بن عدنان، منهم بجيلة.
وقال أبو عمر رحمه اللَّه: كان إسلامه في العام الّذي توفى فيه رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم وقال جرير:
أسلمت قبل موت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأربعين يوما. وروى شعبة
وهشيم عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللَّه
البجلي، قال: ما حجبنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منذ أسلمت، ولا
رآني قط إلا ضحك وتبسم.
وقال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين اقبل وافدا عليه: يطلع
عليكم خير ذي يمن، كأن على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير، وبعثه رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ذي كلاع وذي رعين باليمن.
وفيه فيما روى، قال رسول اللَّه، صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا أتاكم كريم
قوم فأكرموه،
وروى أنه قال ذلك في صفوان بن أمية الجمحيّ. وفي جرير قال الشاعر:
لولا جرير هلكت بجيلة ... نعم الفتى وبئس القبيلة
فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما مدح من هجى قومه، وكان
عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: جرير بن عبد اللَّه يوسف هذه الأمة-
يعنى في حسنه- وهو الّذي قال لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين وجد في
مجلسه رائحة من بعض جلسائه، فقال عمر: عزمت على صاحب هذه الرائحة إلا قام
فتوضأ، فقال جرير بن عبد اللَّه:
علينا كلنا يا أمير المؤمنين فاعزم، قال: عليكم كلكم عزمت، ثم قال: يا
جرير، ما زلت سيدا في الجاهلية والإسلام. ونزل جرير الكوفة وسكنها، وكان له
بها دارا، ثم تحول إلى قرقيسياء، ومات بها سنة أربع وخمسين. وقد قيل: إن
جريرا توفى سنة إحدى وخمسين. وقيل مات بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على
الكوفة لمعاوية.
(12/54)
فخرج النسائيّ من حديث سفيان، عن إسماعيل،
عن قيس عن جرير قال:
قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا تكفني ذا الخلصة؟ فقلت: يا
رسول اللَّه إني لا أثبت على الخيل فصكّ في صدري فقال: اللَّهمّ ثبته
واجعله هاديا مهديا فخرجت في خمسين راكبا من قومي، فأتيناها، فأحرقناها.
وخرج الطبراني من حديث أبي أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي
حازم، عن جرير قال: كنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك
__________
[ () ] أخبرنا عبد اللَّه بن محمد، حدثنا حمزة، حدثنا أحمد بن شعيب، حدثنا
محمد بن منصور، حدثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال: قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا تكفيني ذا الخلصة-[ذو الخلصة- محرك-:
بيت كان يدعى الكعبة اليمانية لخثعم، وكان فيه صنم اسمه الخلصة]- فقلت: يا
رسول اللَّه، إني رجل لا أثبت على الخيل، فصك في صدري، فقال: اللَّهمّ
ثبته، واجعله هاديا مهديا. فخرجت في خمسين من قومي، فأتيناها فأحرقناها.
وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جرير بن عبد اللَّه إلى ذي الكلاع
وذي ظليم باليمن، وقدم جرير بن عبد اللَّه على عمر بن الخطاب من عند سعد بن
أبي وقاص، فقال له: كيف تركت سعدا في ولايته؟
فقال: ولايته؟ أكرم الناس مقدرة، وأحسنهم معذرة، هو لهم كالأم البرة، يجمع
لهم كما تجمع الذرة، مع أنه ميمون الأثر، مرزوق الظفر، أشد الناس عند
البأس، وأحب قريش إلى الناس.
قال: فأخبرني عن حال الناس، قال: هم كسهام الجعبة، منها القائم الرائش،
ومنها العضل الطائش، وابن أبي وقاص ثقافها يغمز عضلها، ويقيم ميلها،
واللَّه أعلم بالسرائر يا عمر.
قال أخبرني عن إسلامهم، قال: يقيمون الصلاة لأوقاتها، ويؤتون الطاعة
لولاتها. فقال عمر: الحمد للَّه إذا كانت الصلاة أوتيت والزكاة، وإذا كانت
الطاعة كانت الجماعة.
وجرير القائل: الخرس خير من الخلابة، والبكم خير من البذاء. وكان جرير رسول
على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى معاوية، فحبسه مدة طويلة، ثم رده برق
مطبوع غير مكتوب، وبعث معه من يخبره بمنابذته له في خبر طويل مشهور.
روى عنه أنس بن مالك، وقيس بن أبى حازم، وهمام بن الحارث، والشعبي وبنوه
عبيد اللَّه، والمنذر، وإبراهيم. (الاستيعاب) : 1/ 236- 240، ترجمة رقم
(322) ، (الإصابة) :
1/ 475- 476، ترجمة رقم (1138) .
(12/55)
لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضرب
يده في صدري، حتى رأيت أثر يده في صدري، فقال:
اللَّهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا، فما سقطت عن فرس بعد.
وخرجه البخاريّ [ (1) ] في كتاب الجهاد من حديث إسماعيل عن قيس، عن جرير
قال: ما حجبنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا
تبسم في وجهي ولقد شكوت إليه أنى لا أثبت على الخيل فضربني بيده في صدري.
وقال: اللَّهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا. وخرجه مسلم أيضا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 190، كتاب الجهاد والسير، باب (154) حرق الدور
والنخيل، حديث رقم (3020) ، وباب (162) من لا يثبت على الخيل، حديث رقم
(3035) ، (3036) . وفي كتاب المغازي، باب (63) غزوة ذي الخلصة، حديث رقم
(4355) ، (4536) ، وفي كتاب مناقب الأنصار، باب (21) ذكر جرير بن عبد
اللَّه البجلي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3822) ، (3823) ،
وفي كتاب الأدب، باب (68) التبسم والضحك، (حديث رقم (6089) ، (6090) ، وفي
كتاب الدعوات، باب (19) قول اللَّه تبارك وتعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ومن
خصّ أخاه بالدعاء دون نفسه، حديث رقم (6333) .
وفي الحديث مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره، وسواء كان
إنسانا أو حيوانا أو جمادا، وفيه استمالة نفوس القوم بتأمير من هو منهم،
والاستمالة بالدعاء، والثناء والبشارة في الفتوح، وفضل ركوب الخيل في
الحرب، وقبول خبر الواحد والمبالغة في نكاية العدو، ومناقب لجرير وقومه،
وبركة يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ودعائه، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلم
كان يدعو وترا، وقد يجاوز الثلاث، وفيه تخصيص لعموم قول أنس رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه: «كان إذا دعا دعا ثلاثا» ، فيحمل على الغالب، وكأن
الزيادة لمعنى اقتضى ذلك، وهو ظاهر في أحمس لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصر
الإسلام، ولا سيما مع القوم الذين هم منهم (فتح الباري) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 268- 269، كتاب فضائل الصحابة، باب (29)
من فضائل جرير بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (134)
، (135) ، (136) ، (137) ، وفيه استحباب اللطف للواردة، وفيه فضيلة ظاهرة
لجرير، وفيه النكاية بآثار الباطل والمبالغة في إزالته، وفيه استحباب إرسال
البشير بالفتوح وغيرها. (شرح النووي) .
وأخرجه أيضا أبو داود في (السنن) : 3/ 214، كتاب الجهاد، باب (172) في بعثه
البشراء، حديث رقم (2772) ، عن قيس عن جرير قال: قال لي رسول اللَّه: صلّى
اللَّه عليه وسلم «ألا
(12/56)
أما ظهور البركة بدعاء الرسول صلّى اللَّه
عليه وسلم في سبعة عشر دينارا أظفر بها المقداد بن عمرو [ (1) ] حتى امتلأت
منها غرائر ورقاء
__________
[ () ] تريحني من ذي الخلصة» ؟ فأتاها فحرقها،
ثم بعث رجلا من أحمس إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يبشره يكنى أبا
أرطاة. وأحمس: قبيلة جرير، وأبو أرطاة اسمه الحصين بن ربيعة، له صحبة. قال
في هامشه: نسبة المنذري للنسائي.
[ (1) ] هو المقداد بن الأسود الكندي: هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن
ربيعة بن عامر بن مطرود البهراني، وقيل: الحضرميّ. قال ابن الكلبي: كان
عمرو بن ثعلبة أصاب دما في قومه، فلحق بحضرموت، فخالف كندة، فكان يقال له
الكندي، وتزوج هناك امرأة فولدت له المقداد، فلما كبر المقداد وقع بينه
وبين أبى شمر بن حجر الكندي، فضرب رجله بالسيف وهرب إلى مكة، فخالف الأسود
بن عبد يغوث الزهري، وكتب إلى أبيه، فقدم عليه فتبني الأسود المقداد فصار
يقال: المقداد بن الأسود وغلبت عليه، واشتهر بذلك: فلما نزلت ادْعُوهُمْ
لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب: 5] قيل له: أبا
الأسود، وقيل: كنيته أبو عمر، وقيل: أبو سعيد. أسلم قديما، وتزوج ضباعة بنت
الزبير بن عبد المطلب، ابنة عم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهاجر
الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وكان فارسا يوم بدر، حتى إنه لم يثبت
أنه كان فيها على فرس غيره. وقال زر بن حبيش، عن عبد اللَّه بن مسعود: أول
من أظهر إسلامه سبعة، فذكره منهم. وقال مخارق بن طارق، عن ابن مسعود: شهدت
مع المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلى مما عدل به.
وذكر البغوي، من طريق أبى بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر: أول من قاتل على
فرس في سبيل اللَّه المقداد بن الأسود. ومن طريق موسى بن يعقوب الزمعي عن
عمتهما قريبة، عن عمتها كريمة بنت المقداد، عن أبيها: شهدت بدرا على فرس لي
يقال لها سبحة.
ومن طريق يعقوب بن سليمان عن ثابت البناني، قال: كان المقداد وعبد الرحمن
بن عوف جالسين، فقال له مالك: ألا تتزوج؟ قال: زوجني ابنتك، فغضب عبد
الرحمن وأغلظ له، فشكا ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال صلّى
اللَّه عليه وسلم: أنا أزوجك.
وعن المدائني، قال: كان المقداد طويلا، آدم، كثير الشعر، أعين [واسع
العينين] ، مقرونا [مقرون الحاجبين] ، يصفر لحيته.
(12/57)
فخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (1) ] من حديث
موسى بن يعقوب قال: حدثتني قريبة بنت عبد اللَّه بن وهب، عن أمها كريمة بنت
المقداد بن عمرو، عن ضباعة بنت الزبير، وكانت تحت المقداد، قالت: كان الناس
إنما يذهبون لحاجتهم فرط اليومين وثلاث [ (2) ] ، فيبعرون كما تبعر الإبل،
فلما كان [ذات] [ (3) ] يوم خرج المقداد لحاجته، بلغ الحجنة وهو ببقيع
الغرقد، فدخل خربه لحاجته فبينما هو جالس إذ خرج جرذ من جحر دينارا.
فلم يزل يخرج دينارا دينارا حتى بلغ سبعة عشر دينارا، فخرجت بها حتى جئت
بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته خبرها، فقال: هل أتبعت يدك
الجحر؟ فقلت: لا والّذي بعثك بالحق نبيا،
__________
[ () ] وأخرجه يعقوب بن سفيان، وابن شاهين من طريقه بسنده إلى كريمة زوج
المقداد: كان عظيم البطن، وكان له غلام رومي، فقال له: أشق بطنك فأخرج من
شحمة حتى تلطف، فشق بطنة ثم خاطه، فمات المقداد، وهرب الغلام.
وقال أبو ربيعة الإيادي، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه عز وجل أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم:
علي، والمقداد، وأبو ذر، وسلمان، أخرجه الترمذي وابن ماجة، وسنده حسن.
وروى المقداد عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحاديث. روى عنه علي، وأنس،
وعبيد اللَّه بن الخيار، وهمام بن الحارث، وعبد الرحمن بن أبى ليلى،
وآخرون. اتفقوا أنه مات سنة ثلاثا وثلاثين في خلافة عثمان رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه، قيل: وهو ابن سبعين سنة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(الإصابة) :
6/ 202- 204، ترجمة رقم (8189) ، (الاستيعاب) : 3/ 1480- 1482، ترجمة رقم
(2561) .
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 461- 462، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم للمقداد
بالبركة في مال وصل إليه، حديث رقم (389) من حديث أبي بكر بن أبي شيبة
وسنده عند أبي نعيم: «حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد،
حدثنا موسى بن يعقوب قال: حدثتني عمتي قريبة بنت عبد اللَّه بن وهب، عن
أمها كريمة بنت المقداد بن عمرو عن ضباعة بنت الزبير، وكانت تحت المقداد،
قالت:
الحديث، باختلاف يسير في اللفظ.
[ (2) ] أي بعد اليومين والثلاث.
[ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .
(12/58)
فقال: لاصدقه عليك فيها بارك اللَّه فيها،
قالت: ضباعة فما فنى آخرها حتى رأيت غرائر الورق في بيت المقداد.
قال أبو نعيم: رواه ابن أبي فديك، عن موسى بن يعقوب نحوه.
وأما تصرع أعدائه صلّى اللَّه عليه وسلم عند استغاثته بمالك يوم الدين
فخرج أبو نعيم من حديث محمد بن عبد اللَّه البغوي قال: حدثنا أبو الربيع
الزهرانيّ عبد السلام بن هاشم حدثنا حنبل عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في
غزاة فلقى العدو، فسمعته يقول: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين،
فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة من بين أيديها، ومن خلفها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 459- 460، استعانته باللَّه تبارك وتعالى، حديث
رقم (386) ، وهذا الحديث انفرد به أبو نعيم.
(12/59)
وأما استرضاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم أم
شاب قد أمسك لسانه عن شهادة الحق حتى رضيت فشهد بها
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن عطاء قال: حدثنا أبو الورقاء
عن عبد اللَّه بن أبي أوفى قال: بينما نحن قعود عند رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم إذ أتاه آت، فقال: يا رسول اللَّه إن هاهنا شاب يجود
بنفسه يقال له: قل: لا إله إلا اللَّه..
فلا يستطيع، قال فنهض، ونهضنا معه، حتى دخل عليه، فقال: يا شاب قل:
لا إله إلا اللَّه. قال: لا أستطيع، قال: لم؟ قال: أقفل على قلبي كلما أردت
أن أقولها، غمر القفل على قلبي، قال: لم؟ قال: بعقوقي والدتي! قال: أحية
والدتك؟ قال: نعم، قال: فأرسل إليها. فلما جاءت قال: هذا ابنك؟ قالت: نعم
قال: أرأيت إن أججت لك نار ضخمة، فقيل لك: أتشفعين له أم نلقيه فيها؟
فقالت: بل يا رسول اللَّه أشفع له، قال: فأشهدي اللَّه، وأشهديني برضاك
عنه.
فقالت: اللَّهمّ إني أشهدك، وأشهد رسولك برضاي عنه، قال: فقال:
يا شاب، قل: لا إله إلا اللَّه فقال: لا إلا أسلم اللَّه وحده لا شريك له،
قال: فقال ثلاثا الحمد للَّه الّذي أنقذك بى من النار.
قال مؤلفه رحمة اللَّه عليه: لا يكاد هذا الحديث أن يصح لأنه من رواية أبي
الورقاء فائد بن عبد الرحمن أبي الورقاء الكوفي العطار. يروي عن عبد اللَّه
بن أبي أوفى وبلال بن أبي الدرداء وغيرهما. ويروي عنه عيسى بن يونس، وعبد
اللَّه بن بكر، وأبو عاصم العباد ويزيد بن هارون، ومسلم بن هارون، ومسلم بن
إبراهيم، والفرياني في آخرين.
قال ابن معين: ليس بثفة، ومرة قال: ضعيف، قال أحمد بن حنبل متروك الحديث
وقال البخاري: فائد عن ابن أبي أوفى منكر الحديث. وقال ابن عدي: وهو مع
ضعفه يكتب حديثه. خرج له ابن ماجة والراويّ عنه عبد الوهاب بن عطاء الحفاف
أبو نصر العجليّ مولاهم البصري نزيل بغداد.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 205- 206، ما جاء في الشاب الّذي لم ينفتح
لسانه بالشهادة عند الموت، حتى رضيت عنه والدته.
(12/60)
يروى عن حميد وسليمان التيمي وابن عون
وعدة. ويروى عنه أحمد وابن معين وأبو ثور وخلف.
قال المروزي: قلت لأبي عبد اللَّه: عبد الوهاب ثقة؟ قال: تدري ما تقول؟
إنما الثقة يحيى القطان. وقال زكريا الساجي والبخاري قبله والنسائي:
ليس بالقوى. وقال صالح: أنكروا حديثه في فضل العباسي ورواه عن ثور، عن ابن
عباس، فكان يحيى بن معين يقول هذا موضوع. ومات بعد سنة مائتين.
خرج له مسلم والأربعة ووثقه ابن معين وغيره. [ (1) ]
وأما إسلام يهودي عند تشميت الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم بقوله: هداك
اللَّه
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث محمد بن رزام بن عبد الملك قال حدثنا محمد
ابن عبد اللَّه بن عمر وأبو سلمة الأنصاري، عن مالك بن دينار، عن أنس بن
مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان يهودي جالسا بين يدي النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم فعطس النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له اليهودي:
يرحمك اللَّه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لليهودي:
هداك اللَّه، فأسلم.
قال البيهقي: هذا إنسان مجهول [ (3) ] .
__________
[ (1) ] ترجمته في (البخاري الكبير) : 7/ 132، (ضعفاء العقيلي) : 3/ 460،
قال عنه ابن حبان في (الضعفاء) : 2/ 203: كان ممن يروى المناكير عن
المشاهير، ويأتى عن ابن أبي أوفى بالمعضلات، ولا يجوز الاحتجاج به.
[ (2) ]
(دلائل البيهقي) : 6/ 207، باب ما جاء في اليهودي الّذي شمته النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم فقال له: هداك اللَّه، فأسلم،
إن صح.
[ (3) ] إسناده في (دلائل البيهقي) : حدثنا أبو جعفر: كامل بن أحمد
المستملي، قال: أنبأنا أبو الحسن على بن محمد بن على الخلعانى السمناني
بدامغان، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن يونس السمناني، حدثنا محمد بن رزام
السليطي البصري، حدثنا محمد بن عمرو، عن عبد اللَّه الأنصاري، وأنبأنا أبو
الحسن على بن الحسين بن علي البيهقي صاحب المدرسة، حدثنا أبو إسحاق:
إبراهيم بن محمد بن يزداد، إملاء ببخارى- أنبأنا أبو عبد اللَّه: محمد بن
يونس المقرئ بنيسابور، قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن إبراهيم، حدثنا محمد
رزام، أبو عبد
(12/61)
أما ثروة صخر الغامدي [ (1) ] لامتثاله ما
أخبر به الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم من البركة في البكور
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء، عن عمارة بن حديد، عن
صخر الغامدي قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّهمّ
لأمتى في بكورها [ (3) ] ،
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يبعث سرية إلا بعثهم في أول
النهار. قال:
__________
[ () ] الملك الأيلي، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن عمرو أبو سلمة الأنصاري،
عن مالك بن دينار، عن أنس بن مالك ... فذكره.
[ (1) ] هو صخر بن وداعة. وقال ابن حبان: صخر بن وديعة، ويقال: ابن وداعة
الغامدي، نسبة إلى غامد بالمعجمة، ابن عمرو بن عبد اللَّه بن كعب بن الحارث
[بطن من الأزد] . وقال البغوي: سكن صخر الطائف. وقال ابن السكن مثله، وزاد:
يعد في أهل الحجاز، روى حديثه أصحاب السنن، وأحمد، وصححه ابن خزيمة وغيره،
وهو:
«اللَّهمّ بارك لأمتي في بكورها» .
وفي بعض طرقه: وكان صخر رجلا تاجرا، فكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار،
فأثرى وكثر ماله. وقال الترمذيّ والبغوي: ما له غيره، وتعقب بأن الطبراني
أخرج له آخر متنه:
«لا تسبوا الأموات» .
وقال أبو الفتح وابن السكن: لم يرو عنه إلا عمارة بن حديد.
قال أبو عمر بن عبد البر: وعمارة بن حديث رجل مجهول لم يرو عنه غير يعلي بن
عطاء الطائفي، ولا أعلم لصخر الغامدي غير حديث:
«بورك لأمتى في بكورها:
، وهو لفظ رواه جماعة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. (الإصابة) : 3/ 418-
419، ترجمة رقم (4058) ، (الاستيعاب) :
2/ 716، ترجمة رقم (1210) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 222، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه
وسلم بالبركة لأمته في بكورها.
[ (3) ] كذا في (الأصل) وفي (المرجع السابق) :
«اللَّهمّ بارك ... »
وأخرجه أبو داود في (السنن) :
3/ 79- 80، وأخرجه الترمذيّ في (السنن) : «3/ 517، كتاب البيوع، باب (6) ما
جاء في التبكير بالتجارة. حديث رقم (1212) ، قال: وفي الباب عن على وابن
مسعود وبريدة وأنس وابن عمر وابن عباس وجابر. وقال أبو عيسى: حديث صخر
الغامدي حديث حسن، ولا نعرف لصخر الغامدي، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
غير هذا الحديث، وقد روى سفيان الثوري، عن شعبة، عن
(12/62)
وكان صخر رجلا تاجرا، فكان يبعث غلمانه في
أول النهار فأثرى وكثر ماله، حتى لم يدر أن يضعه.
قال ابن عبد البر صخر بن وداعة الغامدي، وغامد في الأزد، سكن الطائف وهو
معدود في أهل الحجاز.
روى عنه عمارة بن حديد، رجل مجهول لم يرو عنه غير يعلي ابن عطاء الطائفي،
ولا أعلم لصخر الغامدي غير حديث:
«بورك لأمتي في بكورها» .
وهو لفظ رواه جماعة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] قال المؤلف
رحمه اللَّه: قد خرج أصحاب السنن الأربعة لصخر هذا حديث:
«بورك لأمتى في بكورها» .
وخرج له الطبراني مما لم يخرجوه حديث:
«لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء» ،
من طريق الفرياني، حدثنا سفيان عن سعيد، عن يعلى بن عطاء بن حديد، قال أبو
حاتم: مجهول، وذكره ابن حبان في (الثقات) وحسن له الترمذي حديثه الّذي لم
يعرف بغير رواية
«بورك لأمتي في بكورها» ،
وأنكر ذلك على الترمذي لمكان عمارة منه، ولا يعتبر ذكر ابن حبان له في
(الثقات) [ (2) ] فإنه يذكر المجاهيل الأحوال.
__________
[ () ] يعلى ابن عطاء، هذا الحديث. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 752،
كتاب التجارات، باب (41) ، ما يرجى من البركة في البكور، حديث رقم (2236) .
[ (1) ] راجع ترجمته السابقة.
[ (2) ] (الثقات) : 3/ 193، وراجع ترجمته في أول الفصل.
(12/63)
وأما تحاب امرأة وزوجها بعد تباغضهما
بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن الزبير الحميدي قال: حدثنا
أبو الحسن علي بن أبي على اللهبي، حدثنا محمد بن المنكدر [ (2) ] ، عن جابر
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
بسوق النبط [ (3) ] ، ومعه عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فأقبلت امرأة قالت: يا رسول اللَّه إن معى زوجي في البيت مثل المرأة، وأنا
امرأة من المسلمين أحب ما تحبه المسلمة.
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: عليّ به، فجاءت به، فقال النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم: ما تقول زوجتك هذه؟ فقال: والّذي بعثك بالحق ما جف رأسي
من الغسل منها بعد. فقالت:
يا رسول اللَّه وما مرة واحدة في الشهر؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
تبغضينه؟! قالت:
نعم والّذي أكرمك [بالحق] [ (4) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: ادنيا إليّ رأسيكما [ (5) ] ، فوضعا جبهتهما على وجهه فقال: اللَّهمّ
ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه، ثم مر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد
ذلك بأيام بهما، وكان زوج المرأة خراز، فإذا هي تحمل أدما على رقبتها، فقال
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يا عمر، أليست صاحبتنا التي قالت ما قالت؟
فسمعت صوت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرمت بالأدم، فقبلت [ (6) ] رجل
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
ثم قال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كيف أنت وزوجك؟ فقالت: والّذي
أكرمك ما في الدنيا ولد ولا والد أحب إلى منه. فقال النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم: إني أشهد أنى رسول اللَّه.
فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وأنا أشهد أنك رسول اللَّه. قال أبو
نعيم:
رواه ابن المبارك عن محمد بن المنكدر [ (7) ] مرسلا [ (8) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 460، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لزوجين
بالتأليف بينهما، حديث رقم (387) .
[ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «المنذر» .
[ (3) ] النبط: أخلاط الناس من غير العرب.
[ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .
[ (5) ] في (دلائل أبي نعيم) : «رءوسكما» .
[ (6) ] كذا (بالأصل) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «ثم قبلت» .
[ (7) ] لعله «ابن المنذر» كما في سند الحديث.
[ (8) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط، وليس في النسخة المحققة من
(دلائل أبي نعيم) .
(12/64)
وخرجه البيهقي [ (1) ] من حديث عبد العزيز
بن عبد اللَّه الأويسي قال:
حدثني علي بن أبي علي اللهبي [ (2) ] ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب،
عن نافع، عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج وعمر بن
الخطاب معه، فعرضت له امرأة، فقالت يا رسول اللَّه إني امرأة مسلمة محرومة
ومعى زوج لي في بيتي مثل المرأة. فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
ادعى زوجك، فدعته وكان خرازا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما تقول
امرأتك يا عبد اللَّه؟ فقال الرجل: والّذي أكرمك ما جفّ رأسي منها؟ فقالت
امرأته: ما مرة واحدة في الشهر؟ فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
أتبغضينه؟ قالت: نعم، فقال: أدنيا رأسيكما [ (3) ] ، فوضع جبهتها على جبهة
زوجة، وقال: اللَّهمّ ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه، ثم مر رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم بسوق النبط ومعه عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه فطلعت المرأة تحمل أدما على رأسها، فلما رأت النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم طرحته وأقبلت فقبلت رجليه! فقال: كيف أنت وزوجك؟ فقالت والّذي
أكرمك ما طارق ولا تالد [ (4) ] ولا ولد أحب إلى منه. فقال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: أشهد أني رسول اللَّه،
فقال عمر: وأنا أشهد أنك لرسول اللَّه.
قال أبو عبد اللَّه- يعنى الحاكم-: تفرد به علي بن أبي علي اللهبي، وهو
كثير الرواية للمناكير. وقال البيهقي: وقد روى يوسف بن محمد بن المنكدر عن
أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه معنى هذه القصة، إلا أنه لم يذكر فيها عمر بن
الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 228- 229، باب ما جاء في دعائه لزوجين أحدهما
يبغض الآخر بالألفة، واستجابة اللَّه تعالى دعاءه فيهما.
[ (2) ] من (الأصل) فقط.
[ (3) ] كذا في (الأصل) وفي (دلائل البيهقي) : «رءوسكما» .
[ (4) ] في (الأصل) : «تليد» ، «ولد» وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) .
(12/65)
قال المؤلف رحمه اللَّه: علي بن أبي على
اللهبي [ (1) ] . مدني، قال الإمام أحمد: يروى أحاديث مناكير عن جابر، وقال
يحيى: ليس بشيء، وقال البخاري: لم يرضه، أحمد منكر الحديث، وقال السعدي:
ضعيف الحديث، روى عن محمد ابن المنكدر فأعضل، وقال النسائي: متروك الحديث،
وقال ابن عدي: وهذه الأحاديث التي أمليتها لعلى عن محمد بن المنكدر، عن
جابر وغيره، كلها محفوظة، وله غير ما ذكرت وكله يشبه بعضه بعضا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] على بن أبي علي اللهبي، ترجمته في (لسان الميزان) : 4/ 245، (ميزان
الاعتدال) :
3/ 147، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 5/ 184- 186، ترجمة رقم (376/ 1344) ،
وقال في آخرها، وهذه الأحاديث التي أمليتها لعلى بن أبي على عن محمد بن
المنكدر، وغيره كلها غير محفوظة، وله غير ما ذكرت من الحديث وكل يشبه بعضه
بعضا.
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
(12/66)
وأما هداية اللَّه تعالى أهل اليمن وأهل
الشام والعراق بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج الترمذي [ (1) ] من حديث عمران القطّان، عن قتادة، عن أنس، عن زيد ابن
ثابت، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نظر قبل اليمن، فقال: اللَّهمّ أقبل
بقلوبهم، وبارك لنا في صاعنا ومدنا.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا يعرف من حديث زيد بن ثابت إلا من
حديث عمران القطان.
خرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث عيسى بن المختار عم محمد بن أبي ليلى، عن
أبي الزبير، عن جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أنه نظر قبل الشام،
فقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، ثم نظر إلى كل أفق، فقال: اللَّهمّ أقبل
بقلوبهم، ثم قال: اللَّهمّ ارزقنا من كثرات الأرض، وبارك لنا في مدنا
وصاعنا.
قال أبو بكر: كثرت الأرض نباتها. قال أبو عيسى الترمذي: وقد تكلم بعض أهل
العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه، قال أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى،
وقال محمد بن إسماعيل، يعنى البخاري: ابن أبي ليلى صدوق، ولا أروى عنه لأنه
لا يدرى صحيح حديثه سقيمه، وكل من كان على مثل هذا فلا أروى عنه شيئا.
وخرج أبو دواد الطيالسي هذا الحديث من طريق عمران القطان، عن قتادة، عن أنس
بن مالك، عن زيد بن ثابت، قال: نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل
اليمن، فقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، ثم نظر قبل الشام وقال: اللَّهمّ أقبل
بقلوبهم، ثم نظر قبل العراق وقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في
صاعنا ومدنا.
__________
[ (1) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 682- 683، كتاب المناقب، باب (72) في فضل
اليمن، حديث رقم (3934) .
(12/67)
وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر
حتى قحطوا ثم دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لهم حتى سقوا
خرج مسلم [ (1) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنى يونس [بن يزيد] [ (2) ] عن
ابن شهاب، أخبرنا سعيد المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا
هريرة يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة
الفجر من القراءة [ (3) ] ، ويرفع رأسه: سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك
الحمد، ثم يقول وهو قائم:
اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة،
والمستضعفين من المؤمنين.
اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسنى يوسف، اللَّهمّ العن
لحيان، ورعلا، وذكوان، وعصية عصت اللَّه ورسوله* ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما
أنزل عليه لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ
يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [ (4) ] .
وخرّجه من حديث ابن عيينة، عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى قوله: واجعلها عليهم كسنى يوسف ولم يذكر
ما بعده [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 182- 183، كتاب المساجد ومواضع الصلاة،
باب (54) استجاب القنوت في جميع الصلاة إذا أنزلت بالمسلمين نازلة، حديث
رقم (294) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] آل عمران: 128.
[ (5) ] الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم، ثم ذكره كاملا من حديث
الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، حديث رقم (295) ، وفيه استحباب
الجهر بالقنوت في الصلاة الجهرية، وجهان: أصحهما يجهر، ويستحب رفع اليدين
فيه، ولا يمسح الوجه، وقيل: يستحب مسحه، وقيل: لا يرفع اليد، وأنفقوا على
كراهة مسح الصدر، والصحيح أنه لا يتعين فيه دعاء
(12/68)
وخرّجه البخاري [ (1) ] من حديث إبراهيم بن
سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد وأبى سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو
لأحد قال بعد الركوع، وربما قال: إذا قال:
سمع اللَّه لمن حمده، ربنا لك الحمد، اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد وسلمة
بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم
كسنى يوسف. يجتهد بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللَّهمّ
العن فلانا وفلانا [ (2) ] لأحياء من العرب حتى أنزل اللَّه: لَيْسَ لَكَ
مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [ (3) ] .
__________
[ () ] مخصوص، بل يحصل بكل دعاء، وفيه وجه أنه لا يحصل إلا بالدعاء
المشهور: «اللَّهمّ اهدني فيمن هديت» إلى آخره، والصحيح أن هذا مستحب لا
شرط، ولو ترك القنوت في الصبح سجد للسهو، وذهب أبو حنيفة وأحمد وآخرون إلى
أنه لا قنوت في الصبح، وقال يقنت قبل الركوع.
وفيه جواز الدعاء لإنسان معين وعلى معين، وقد سبق أنه يجوز أن يقول: ربنا
لك الحمد، وربنا ولك الحمد، بإثبات الواو وحذفها، وقد ثبت الأمران في
الصحيح. والوطأة: هي البأس.
قوله: «واجعلها عليهم كسنى يوسف»
وهو بكسر السين وتخفيف الياء أي اجعلها سنين شدادا ذوات قحط وغلاء. (شرح
النووي) .
[ (1) ] باب (9) قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، حديث رقم
(4560) .
[ (2) ] قال الحافظ في (الفتح) : تقدمت تسميتهم في غزوة أحد من رواية مرسلة
أوردها المصنف عقب هذا الحديث بعينه، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم بن
عبد اللَّه بن عمر، قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو على
صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام فنزلت» .
وأخرج الإمام أحمد والترمذيّ هذا الحديث موصولا من رواية عمرو بن حمزة، عن
سالم عن أبيه، فسماهم، وزاد في آخر الحديث: «فتيب عليهم كلهم» وأشار بذلك
إلى قوله في بقية الآية:
أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وللإمام أحمد أيضا من طريق محمد بن عجلان عن نافع
عن عمر «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو على أربعة فنزلت، قال:
وهداهم اللَّه للإسلام» وكان الرابع عمرو بن العاص رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه.
قوله: «الوليد بن الوليد»
أي ابن المغيرة، وهو أخو خالد بن الوليد، وكان شهد بدرا مع المشركين، وأسر،
وفدى نفسه ثم أسلم، فحبس بمكة، ثم تواعد هو وسلمة وعياش
(12/69)
ذكره في التفسير، وذكره في كتاب الأدب في
باب تسمية الوليد [ (1) ] ، من حديث أبي نعيم قال: حدثنا ابن عيينة، عن
الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: لما رفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
رأسه من الركعة قال: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة ابن هشام وعياش
بن أبي ربيعة والمستضعفين، بمكة، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ
اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف.
وخرجه النسائي [ (2) ] من حديث سفيان قال: حفظناه عن الزهري، عن سعيد، عن
أبي هريرة قال: لما رفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه من الركعة
الثانية من صلاة الصبح قال: اللَّهمّ أنج ... ، الحديث، بمثل حديث أبي نعيم
غير أنه قال:
«واجعلها» ، ولم يقل: «اللَّهمّ» .
__________
[ () ] المذكورين معه وهربوا من المشركين، فعلم رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم بمخرجهم فدعا لهم، أخرجه عبد الرزاق بسند مرسل، ومات الوليد
المذكور لما قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
قوله: «وسلمة بن هشام» أي ابن المغيرة، وهو ابن عم الّذي قبله، وهو أخو أبي
جهل، وكان من السابقين إلى الإسلام، واستشهد في خلافة أبي بكر بالشام سنة
أربع عشرة. قوله:
«لأحياء من العرب» وقع تسميتهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم بلفظ:
«اللَّهمّ العن رعلا» ، وذكوان، وعصية» .
[ (3) ] آل عمران: 128.
[ (1) ] باب (110) تسمية «الوليد» ، حديث رقم (6200) ، وأخرجه عبد الرزاق
في الجزء الثاني من (أماليه) ، عن عمر، كلاهما عن الزهري، عن سعيد بن
المسيب، قال: «ولد لأخى أم سلمة ولد فسماه الوليد، فقال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: سميتموه بأسماء فراعنتكم، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال
له الوليد، هو أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه «قال الوليد بن مسلم في
روايته: قال الأوزاعي: فكانوا يرونه الوليد بن عبد الملك. ثم رأينا أنه
الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه، وانفتحت الفتن على
الأمة بسبب ذلك وكثر فيهم القتل.
[ (2) ] (سنن النسائي) : 2/ 545- 547، كتاب التطبيق، باب (26) القنوت بعد
الركوع، حديث رقم (1069) ، باب (27) القنوت في صلاة الصبح، حديث رقم (1072)
، (1073) .
(12/70)
وخرجه مسلم [ (1) ] وأبو دواد [ (2) ] من
حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي
سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قنت بعد الركعة في
صلاة العتمة [ (3) ] شهرا، إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، يقول في قنوته:
اللَّهمّ نج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهمّ نج
عياش بن أبي عياش، اللَّهمّ نج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد
وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف.
قال أبو هريرة: ثم رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ترك الدعاء بعد،
فقلت: أرى رسول اللَّه قد ترك الدعاء لهم، قال: فقال: وما تراهم قد قدموا؟
وقال أبو داود: قال أبو هريرة [ (4) ] أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم ذات يوم، فلم يدع، فذكر ذلك له.
فقال: ما تراهم قد قدموا [ (5) ] ؟ ولم يقل في الحديث: أو قال: سمع اللَّه
لمن حمده.
وخرج مسلم [ (6) ] من حديث حسين بن محمد، حدثنا شيبان عن يحيى، عن أبي سلمة
أن أباه أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينما هو يصلّى العشاء
إذا قال: سمع
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 183، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب
(54) استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، حديث رقم
(295) .
[ (2) ] (سنن أبي دواد) : 2/ 142، كتاب الصلاة، باب (345) القنوت في
الصلوات، حديث رقم (442) .
[ (3) ] في (الأصل) : «الفجر» ، وما أثبتناه من (سنن أبي داود) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (سنن أبي دواد) .
[ (5) ] أي كان ذلك الدعاء لهم لأجل تخليصهم من أيدي الكفرة، وقد خلصوا
منهم وجاءوا للمدينة، فما بقي حاجة بالدعاء لهم بذلك. وفيه من الفقه إثبات
القنوت في غير الوتر، وفيه دليل على أن الدعاء لقوم بأسمائهم وأسماء آبائهم
لا يقطع الصلاة، وأن الدعاء على الكفار والظلمة لا يفسدها ومعنى «سنى يوسف»
القحط والجدب، وهي السبع الشداد التي أصابتهم. (معالم السنن) .
[ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 184، كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها،
باب (45) استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، الحديث
الّذي يلي رقم (295) ، بدون رقم.
(12/71)
اللَّه لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد:
اللَّهمّ نج عياش بن أبي ربيعة، ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي في قوله: كسنى
يوسف، ولم يذكر ما بعده.
وخرج البخاري [ (1) ] في تفسير سورة النساء من حديث أبي نعيم قال حدثنا
شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: بينما رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يصلّى العشاء إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، ثم قال قبل
أن يسجد: اللَّهمّ نج عياش، بن أبي ربيعة، اللَّهمّ نج سلمة بن هشام،
اللَّهمّ نج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ نج المستضعفين من المؤمنين،
اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف.
وخرّج في كتاب الأدعية في باب الدعاء على المشركين [ (2) ] من حديث هشام،
عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان
إذا قال:
سمع اللَّه لمن حمده في الركعة الأخرى من صلاة العشاء قنت: اللَّهمّ أنج
عياش ابن أبي ربيعة، اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ أنج سلمة بن
هشام، اللَّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر،
اللَّهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف.
وخرّجه في الاستسقاء في باب دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] من
حديث مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول:
اللَّهمّ أنج عياش بن أبي ربيعة، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهمّ أنج
الوليد بن الوليد، اللَّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد
وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف. وأن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم قال: غفار غفر اللَّه لها، وأسلم سالمها اللَّه. قال ابن أبي
الزناد عن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 335، كتاب التفسير، باب (21) فَأُولئِكَ عَسَى
اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً، حديث
رقم (4598) .
[ (2) ]
باب (58) ، وقال ابن مسعود: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ
أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف، وقال:
اللَّهمّ عليك بأبي جهل،
وقال ابن عمر، دعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الصلاة وقال: اللَّهمّ
العن فلانا وفلأنا حتى أنزل اللَّه عز وجل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ
شَيْءٌ حديث رقم (6393) .
[ (3) ] باب (2) دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «اجعلها عليهم سنين
كسنى يوسف» ، حديث رقم (1006) .
(12/72)
أبيه: هذا كله في الصبح وخرجه في أول كتاب
الإكراه [ (1) ] من حديث هلال بن أسامة ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي
هريرة.
وخرجه في الجهاد في باب الدعاء على المشركين [ (2) ] من حديث سفيان، عن
ذكوان، عن الأعرج [ (3) ] ، عن أبي هريرة، وفي كتاب الأنبياء في باب:
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ من حديث شعيب،
عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
خرج أبو نعيم من حديث عباد بن منصور، عن القاسم بن محمد، عن أبي هريرة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان لا
يقنت في الصبح إلا أن يدعو على قوم، وأنه قنت في صلاة الصبح بعد الركوع،
وقال: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة،
والمستضعفين من المؤمنين، والمسلمين من أهل مكة، اللَّهمّ اشدد وطأتك على
مضر، وخذهم بسنين كسنى يوسف، فأكلوا العلهز،
قال: قلت للقاسم بن محمد: ما العلهز؟
قال: الوبر والدم.
ومن حديث محمد بن زكريا قال سفيان: عن منصور، والأعمشي عن أبي الفضل عن
مسروق قال: قال عبد اللَّه: إن اللَّه بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم،
وقال:
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ
الْمُتَكَلِّفِينَ.
وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما رأى قريشا استعصوا عليه، دعا عليهم
فقال: اللَّهمّ اعنى بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة أكلوا فيها الخف،
والعظام، وكان يرى في السماء شبه الدخان، فأتى أبو سفيان رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم فقال: إنك كنت تأمرنا بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا فادع
اللَّه لهم وهو قوله: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي
__________
[ (1) ] كتاب (89) قوله اللَّه تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً
فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ، وقال: إِلَّا
أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وهي تقية ... حديث رقم (6940) .
[ (2) ] باب (98) الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، حديث رقم (2933)
.
[ (3) ] باب (19) لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ
لِلسَّائِلِينَ [يوسف: 7] ، حديث رقم (3386) .
(12/73)
السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ إلى قوله:
عائِدُونَ. ثم عادوا في كفرهم، فأخذهم اللَّه يوم بدر، وهو قوله تعالى:
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ.
قال عبد اللَّه: فقد مضى الدخان، ومضت البطشة يوم بدر ومضى اللزام وهو يوم
بدر، الم غُلِبَتِ الرُّومُ [ (1) ] واللزوم قد مضى، فقد مضت الأربع [ (2)
] .
وله من حديث محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن سليمان ومنصور، عن أبي الضحى،
عن مسروق، قال عبد اللَّه: إن اللَّه بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم
بالحق، وقال: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ
الْمُتَكَلِّفِينَ.
وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما رأى قريشا استعصوا عليه قال:
اللَّهمّ أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم السنة حتى حصب كل شيء، حتى
أكلوا الجلود والعظام. وقال أحدهما: الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض
كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد إن قومك قد هلكوا فادع اللَّه
أن يكشف عنهم، فدعا، ثم قال: يعودون، ثم قرأ هذه الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ
تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ [
(3) ] . فيكشف اللَّه عنهم عذاب الآخرة.
فقد مضى الدخان والبطشة واللزام، وقال أحدهما: واللزوم.
رواه جرير بن حازم، وجرير بن عبد الحميد، وعلى بن مسهر وأبو معاوية ووكيع
في آخر، عن الأعمش، وقال الرياشي: لما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم قال: اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف
قال:
فبقيت السماء سبع سنين لا تمطر، واشتد الجهد بقيس فقدم وفد قيس على رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفيهم لبيد بن ربيعة [ (4) ] ، فلما مثلوا
بين يديه فقام لبيد وقال:
__________
[ (1) ] أول سورة الروم.
[ (2) ]
(فتح الباري) : 2/ 626، كتاب الاستسقاء، باب (2) دعاء النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم: «اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» ، حديث رقم (1007) ، وفيه:
«فالبطشة يوم بدر،
وقد مضت الدخان والبطشة واللزام، وآية الروم.
[ (3) ] راجع التعليق السابق.
[ (4) ] هو لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، وكان يقال
لأبيه: ربيع المقترين لسخائه. وقتلته بنو أسد في حرب بينهم وبين قومه. وقيل
غير ذلك. ويكنى لبيد أبا عقيل،
(12/74)
أتيناك يا خير البرية كلها ... لترحمنا مما
لقينا من الأزل
أتيناك تشكو خطة جل أمرها ... لسبع سنين واقفين على محل
فإن تدع أخرى بالقحوط فإننا ... أحاديث طسم ما دعاؤك بالهزل
وإن تدع بالسقيا وبالعفو ترسل ... السماء لنا والمرء يبقى علنى الأصل
أتيناك والعذراء يدمي لثامها [ (1) ] ... وقد ذهلت [ (2) ] أم الصبي عن
الطفل
__________
[ () ] وكان من شعراء الجاهلية وفرسانهم، وكان الحارث بن أبي شمر الغساني-
وهو الأعرج- وجه إلى المنذر بن ماء السماء مائة فرس، فلما تمكنوا منه قتلوه
وركبوا خيلهم، فقتل أكثرهم ونجا لبيد، حتى أتى ملك غسان فأخبره الخبر، فحمل
الغسانيون على عسكر المنذر فهزموهم، وهو يوم حليمة. وكانت حليمة بنت ملك
غسان طيبت هؤلاء الفتيان حين توجهوا وألبستهم الأكفان والدروع وبرانس
الإضريج [ضرب من الأكسية] . وأدرك لبيد الإسلام، وقدم لبيد الكوفة وبنوه،
فرجع بنوه إلى البادية بعد ذلك، فأقام لبيد إلى أن مات بها، فدفن في صحراء
بنى جعفر بن كلاب، ويقال: إن وفاته كانت في أول خلافة معاوية، إنه مات وهو
ابن مائة وسبع وخمسين، ولم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدا واختلف في البيت.
قال أبو اليقظان هو:
الحمد للَّه إذا لم يأتنى أجلى ... حتى كساني من الإسلام سربالا
وقال له عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنشدنى من شعرك، فقرأ
سورة البقرة وقال: ما كنت لأقول شعرا بعد إذ علمني اللَّه سورة البقرة وآل
عمران، فزاده عمر في عطائه خمسمائة درهم، وكان ألفين، فلما كان في زمن
معاوية، قال معاوية: هذان الفودان، فما بال العلاوة يعنى بالفودين الألفين،
وبالعلاوة الخمسمائة- وأراد أن يحطه إياها، فقال: أموت الآن وتبقى لك
العلاوة والفودان. فرمد له معاوية، وترك عطاءه على حاله، فمات بعد ذلك
بيسير.
ومما يستجد من شعره:
وكل امرئ سيعلم سعيه ... إذا كشفت عند الإله المحاصل
وهذا البيت يدل على أنه قيل في الإسلام، وهو شبيه بقول اللَّه تبارك
وتعالى: وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ [العاديات: 10] ، أو كان لبيد قبل
إسلامه يؤمن بالبعث والحساب. (الشعر والشعراء) : 167- 174، ترجمة لبيد بن
ربيعة مختصرا.
[ (1) ] في (دلائل البيهقي) : «لبانها» .
[ (2) ] في (دلائل البيهقي) : «شغلت» .
(12/75)
وألقى بكفيه الشجاع [ (1) ] استكانة ... من
الجوع صمتا [ (2) ] ما يمر وما يحل
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العامي والعلهز الفشل
[ (3) ]
[ليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل]
[ (4) ]
فأنت لديننا وأنت لدنيانا ... تؤمل للدنيا وللآخرة الفصل
لنا منك في يوم الحساب شفاعة ... تزحزح عنا والشفاعة في الأهل
قال: فبكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى اخضلت لحيته، ثم قال:
اللَّهمّ اسقنا غيثا عاجلا غير آجل. قال البراء بن عازب: واللَّه ما كان في
السماء قذعة، ولقد رأيت السحاب يتداعى من نواحي السماء حتى التأم، ثم أمطرت
بشيء عجيب فجاء أهل أسافل المدينة فقالوا: يا رسول اللَّه الغرق؟ فقال:
اللَّهمّ حوالينا ولا علينا فقشعت.
وخرج أبو نعيم من حديث الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر،
حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، أن شرحبيل بن السمط قال
لكعب بن مرة: حدثنا حديثا واحدا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال
دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر، فأتيته، فقلت: إن اللَّه
قد نصرك وأعطاك واستجاب لك؟ وإن قومك هلكوا؟ فادع اللَّه لهم. فقال:
اللَّهمّ اسقنا غيثا، مريعا، طبقا، غدقا، عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار،
قال: فما أتى علينا جمعة حتى مطرنا [ (5) ] .
__________
[ (1) ] في (دلائل البيهقي) : «الصبى» .
[ (2) ] في (دلائل البيهقي) : «ضعفا» .
[ (3) ] في (دلائل البيهقي) : «الغسل» .
[ (4) ] هذا البيت زيادة للسياق من (المرجع السباق) .
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 139، استسقاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
وإجابة اللَّه تعالى إياه في سقياه، ثم دعاؤه، بالكشف حين شكوا إليه كثرة
المطر، وإجابة اللَّه تعالى إياه فيما دعاه، وما ظهر في ذلك من آثار
النبوة.
(12/76)
وخرّجه من حديث بدل بن المحبر [ (1) ] ،
قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار ومنصور وقتادة عن سالم بن أبي الجعد، عن
شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنحوه.
ومن حديث أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، عن سالم
بن أبي الجعد أن كعب بن مرة [ (2) ] قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم:
جئت من عند قوم لا يحظم لهم بعير، ولا يتزود لهم راع.
وخرّجه البيهقي من حديث شبابة قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، عن سالم بن
أبي الجعد أن ابن السمط قال لكعب بن مرة أو مرة بن كعب الفهري، حدثنا بحديث
سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للَّه أبوك، واحذر، قال: دعا
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا
رسول اللَّه إن قومك قد هلكوا فادع اللَّه لهم، قال شعبه: وزاد حبيب بن أبي
ثابت فيه بهذا الإسناد أن أبا سفيان قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم:
إني آتيك من عند قوم لم يخطم لهم فحل، ولم يتزود لهم راع، ثم رجع الى حديث
عمرو، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا غيثا، مغيثا،
[غدقا] [ (3) ] ، طبقا، مريعا، نافعا غير ضار عاجلا، غير رائث. قال شعبة،
وزاد حبيب بن أبي ثابت، قال: فما لبثت إلا جمعة حتى مطرنا.
قال المؤلف رحمة اللَّه عليه: كعب بن مرّة [ (4) ] هذا يقال فيه: مرّة بن
كعب البهزي السلمي نزل البصرة، ثم الأردن، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، وروى عن شرحبيل بن الصمت وسالم بن أبي الجعد، وقيل: لم يلقه، وجبير
بن نفير، وأبو الأشعث الصغاني، وطائفة. وخرج له أبو دواد.
قال ابن عبد البر: الأكثر يقولون: كعب بن مرّة قال: وله أحاديث مخرجها عن
أهل الكوفة يروونها عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة
__________
[ (1) ] هو بدل بن المحبر بن المنبه التميمي اليربوعي أبو المنير المصري.
ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 1/ 371، ترجمة رقم (782) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 146.
[ (4) ] له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 8/ 395- 396 ترجمة رقم (797) .
(12/77)
السلمي البهزي، وأهل الشام يروون تلك
الأحاديث بأعيانها، من شرحبيل بن السمط عن عمرو بن السمط عن عمرو بن عبسة.
وخرج الحاكم من [ (1) ] من حديث الحسين بن واقد، حدثني يزيد النحويّ أن
عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، فقال: يا محمد أنشدك اللَّه والرحم قد أكلنا العلهز يعنى الوبر،
فأنزل اللَّه تعالى وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا
لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [ (2) ] قال الحاكم: هذا حديث صحيح
الإسناد.
وخرجه ابن حبان في (صحيحه) [ (3) ] من حديث الحسين بن واقد، حدثنا أبي
حدثنا يزيد النحويّ فذكره.
وخرج أبو نعيم من حديث محمود بن بكر بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن دواد بن
علي بن عبد اللَّه بن عباس، عن أبيه عن جده، أن ناسا من مضر أتوا النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم، فسألوه أن يدعو اللَّه عز وجل أن يسقيهم، فقال:
اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا، هنيئا، مريئا، غدقا، طبقا، نافعا، غير ضار،
عاجلا غير رائث، فأطبقت عليهم حتى مطروا سبعا.
وقال نجدة بن نفيع، سألت ابن عباس عن قوله تعالى إِلَّا تَنْفِرُوا
يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً [ (4) ] قال: استنفر رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم حيا من أحياء العرب فتثاقلوا، فأمسك عنهم المطر، فكان
عذابهم. خرجه الحاكم وصححه [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 2/ 248، كتاب التفسير، تفسير سورة المؤمنون، حديث رقم
(3488) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] المؤمنون: 76.
[ (3) ] الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 247، كتاب الرقائق، باب (9)
الأدعية، ذكر السبب الّذي من أجله أنزل اللَّه جل وعلا: فَمَا اسْتَكانُوا
لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ، حديث رقم (967) .
[ (4) ] التوبة: 39.
[ (5) ] (المستدرك) : 2/ 114- 115، كتاب الجهاد، حديث رقم (2504) ، وقال
الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : صحيح.
(12/78)
وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لأهل جرش
[ (1) ] برفع قتل صرد بن عبد اللَّه [ (2) ] الأزديّ وأصحابه عنهم، فنجوا
بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم
فروى إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق [ (3) ] قال: قدم على رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم صرد بن عبد اللَّه الأزدي، فأسلم وحسن إسلامه في وفد
من الأزد.
فأمّره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن
يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن، فخرج صرد يسير
[بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] في جيش حتى نزل بجرش وهي
يومئذ مغلقة به قبائل من اليمن وقد
__________
[ (1) ] (جرش أو جرش- بالتحريك- اسم مدينة عظيمة كانت، وهي الآن خراب.
حدثني من شاهدها وذكر لي أنها خراب، وبها آبار عادية تدل على عظم، قال: وفي
سطحها نهر جار يدير عدة رحى عامرة إلى هذه الغاية، وهي في شرقي جبل السواد
من أرض البلقاء وحوران من عمل دمشق، وهي في جبل يشتمل على ضياع وقرى، يقال
للجميع: جبل جرش، اسم رجل، وهو: جرش بن عبد اللَّه بن عليم بن جناب بن هبل
بن عبد اللَّه بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن
ثور بن كلب بن وبرة، ويخالط هذا الجبل جبل عوف، وإليه ينتهى حمى جرش، وهو
من فتوح شرحبيل رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في أيام عمر رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه. (معجم البلدان) : 2/ 148- موضع رقم (3048) مختصرا.
[ (2) ] هو صرد بن عبد اللَّه الأزدي، قال ابن حبان: جرش، له صحبة. وقال
ابن إسحاق في (المغازي) : وقدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صرد
بن عبد اللَّه الأزدي، فأسلم وحسن إسلامه- وأمره أن يجاهد المشركين، فذكر
قصة طويلة، قال: وكان ذلك في سنة عشر. وروى الواقدي أن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم توفى وعامله على جرش صرد بن عبد اللَّه الأزدي. وأخرجه في
المغازي.
(الإصابة) : 3/ 421- 422، ترجمة رقم (4064) ، (الاستيعاب) : 2/ 737، ترجمة
رقم (1238) .
[ (3) ] سنده في (دلائل البيهقي) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أنبأنا
أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس عن ابن
إسحاق، قال: ...
[ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
(12/79)
ضوت إليهم جشعم، فدخلوها معهم حين سمعوا
بمسير المسلمين إليهم، فحاصرهم بماء قريبا من شهر وامتنعوا منه فيها، ثم
رجع قافلا حتى إذا كان في جبل يقال له كشر ظن أهل جرش أنه إنما ولى عنهم
منهزما، فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه عطف عليهم، فقاتلهم قتالا شديدا.
وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
بالمدينة يرتادان وينظران، فبينما هما عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم عشية بعد الفطر، إذا قال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ]
:] بأي بلاد شكر؟ فقام الجرشيان فقالا: يا رسول اللَّه ببلادنا جبل يقال له
كشر، وكذلك تسميه أهل جرش. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إنه ليس بكشر،
ولكنه شكر قال: فما له يا رسول اللَّه؟ إن بدن اللَّه لتنحر عنده الآن،
فجلس الرجلان إلى أبي بكر وإلى عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فقالا
[لهما] [ (2) ] : ويحكما! إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لينعى
إليكما، قومكما، فاسألاه أن يدعوا للَّه- عز وجل- فيرفع عن قومكما، فقاما
إليه فسألا ذلك. فقال: اللَّهمّ ارفع عنهم.
فخرجا من عنده راجعين إلى قومهما، فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد
بن عبد اللَّه في اليوم الّذي قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
ما قال، في الساعة التي ذكر فيها ما ذكر.
فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلموا،
وحمى لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس، والراحلة، وللمثيرة، وهي
بقرة الحرث [ (3) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 372- 373، باب قدوم صرد بن عبد اللَّه على
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في وقد من الأزد، وإسلامه، ورجوعه إلى جرش
وقدوم رجلين من جرش على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وإخباره إياهما بإصابة
صرد قومهما في الساعة التي أصابهم فيها، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
ورواه ابن هشام في (السيرة) .
(12/80)
وأما تمكين اللَّه تعالى قريشا من العزّ
والشرف والملك بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج أبو نعيم من حديث أبي يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، عن
الأعمش، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كما أذقت
أول قريش نكالا، فارزق آخرهم نوالا. قال أبو نعيم: رواه أبو كرب
والمتقدمون، عن أبي يحى الحماني.
وله من طريق أبي دواد، قال حديثنا جعفر بن سليمان، عن النضر بن معبد، عن
الجارود، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم: أذقت أول قريش عذابا ووبالا، فأذق آخرها نوالا.
وخرجه الترمذي من حديث أبي يحيى بسنده ومتنه كما تقدم، وقال: هذا حديث حسن
وغريب [ (1) ] .
قال المؤلف رحمه اللَّه: قد استجاب اللَّه تعالى دعوة نبيه محمد صلّى
اللَّه عليه وسلم لقريش وملّكله مشارق الأرض ومغاربها، فلم يقتل أمير
المؤمنين عثمان بن عفان حتى بلغت الدعوة الإسلامية كل ما تطؤه الأقدام،
وتمر فيه السفن، ومكن اللَّه لقريش في الأرض حتى لقد نقل أن أمير المؤمنين
عبد الملك بن مروان نظر مرة إلى السحاب، فقال: أمطرى حيث شئت، إن أمطرت في
البر حمل إلى البدر، وإن أمطرت في البحر حمل إلى الدار.
وامتد ملك بنى أمية من عانة [ (2) ] إلى فرغانة [ (3) ] وأنت أن كنت ممن
تبحر في الأخبار، فاعلم كيف كان أجيال الخليقة تبين لك أن الّذي تهيأ لقريش
من
__________
[ (1) ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 404، حديث رقم (2171) ، من
مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما.
[ (2) ] عانة: بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال الجزيرة، وجاء في
الشعر، عانات كأنه جمع بما حوله، ونسبت إليه العرب الخمر، وهي مشرفة على
الفرات قرب حديثة النورة، وبها قلعة حصينة. وعانة أيضا بلد بالأردن. (معجم
البلدان) : 4/ 81، موضع رقم (8128) .
(12/81)
اتساع المملكة وكثرة العساكر، وزيارة
الأموال، لم يكن مثله لملوك فارس والروم، واللَّه تعالى يؤتى ملكه من يشاء،
واللَّه واسع عليم.
وأما تأييد اللَّه عز وجل من كان معه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وتيقن
الصحابة ذلك
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد قال:
سمعت سلمة بن الأكوع قال: مر نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على نفر من
أسلم ينتضلون، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ارموا بنى إسماعيل، فإن
أباكم كان راميا، وأنا مع بني فلان، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما لكم لا ترمون، قالوا:
__________
[ () ] (3) فرغانة: بالفتح ثم السكون وعين معجمة، وبعد الألف نون: مدينة
فرغانة وكورة واسعة بما وراء النهر، متاخمة لبلاد تركستان، في زاوية من
ناحية هيطل، من جهة مطلع الشمس على يمين القاصد لبلاد الترك، كثيرة الخير
واسعة الرستاق، ويقال: كان بها أربعون منبرا، بينهما وبين سمرقند خمسون
فرسخا، ومن ولايتها جخندة. (المرجع السابق) : موضع رقم (9128) .
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 113، كتاب الجهاد والسير، باب (78) التحريض على
الرمي، وقول اللَّه عز وجل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ
وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال: 60] ويستفاد من هذا الحديث أن من صار السلطان عليه
في جملة المناضلين له أن لا يتعرض لذلك كما فعل هؤلاء القوم، حيث أمسكوا،
لكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مع الفريق الآخر، خشية أن يغلبوهم، فيكون
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مع من وقع عليه الغلب، فأمسكوا عن ذلك تأدبا
معه. وتعقب بأن المعنى الّذي أمسكوا له لم ينحصر في هذا، بل الظاهر أنهم
أمسكوا لما استشعروا من قوة قلوب أصحابهم بالغلبة حيث صار النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم معهم، وذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر. واستدل بهذا
الحديث على أن اليمن من بنى إسماعيل، وفيه نظر، لما سيأتي في مناقب قريش من
أنه استدلال بالأخص على الأعم، وفيه أن الجد الأعلى يسمى أبا، وفيه التنويه
بذكر الماهر في صناعته ببيان فضلة، وتطييب قلوب من هم دونه، وفيه حسن خلق
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب، وفيه الندب إلى اتباع
خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها، وفيه حسن أدب الصحابة مع النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم.
(12/82)
كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم: ارموا فأنا معكم كلكم. ترجم عليه باب التحريض على الرمي.
وذكره في كتاب (الأنبياء) [ (1) ] من حديث مسدد قال. أخبرنا يحيى عن يزيد
ابن أبي عبيد، أخبرنا سلمة قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على
قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال: أرموا بنى إسماعيل. الحديث بمعناه. ذكره
في كتاب (نسبة اليمن) إلى إسماعيل [ (2) ] منهم أسلم بن أفصى بن حارثة بن
عمرو بن عامر ابن خزاعة.
وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث يحيى بن حسان قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن
عبد الرحمن بن حرملة، عن محمد بن إياس بن سلمة، عن أبيه عن جده.
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مر على ناس من أسلم ينتضلون، فقال:
حسن هذا اللهو، مرتين أو ثلاثا ارموا، وأنا مع ابن الأدرع، فأمسك القوم
بأيديهم، فقالوا:
لا واللَّه لا نرمي معه وأنت معهم يا رسول اللَّه إذا يفضلنا! فقالوا:
ارموا وأنا معكم جميعا، فقال: لقد رموا عامة يومهم ذلك، ثم تفرقوا على
السواء ما نضل بعضهم بعضا. قال البيهقي: وكذلك رواية أبي بكر بن أبي أويس،
عن سليمان.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 510، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (12) قول اللَّه
تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ
[مريم: 54] ، حديث رقم (3373) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 666، كتاب المناقب، باب (4) نسبة اليمن إلى
إسماعيل، منهم أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة، حديث رقم
(3507) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 255، باب ما جاء في
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم للرماة: ارموا وأنا مع ابن الأدرع،
وما ظهر في ذلك من الآثار. وأخرجه البيهقي أيضا في (السنن الكبرى) : 10/
17.
(12/83)
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاءه صلّى اللَّه
عليه وسلم حتى صرع ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف [
(1) ] وكان أحد لا يصرعه
فروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار أن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لركانة بن عبد يزيد: أسلم، فقال: لو أعلم
أن ما تقول حقا لفعلت. فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وكان
ركانة من أشد الناس-:
أرأيت إن صرعتك تعلم أن ذلك حق؟ فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فصرعه، فقال له:
عد يا محمد، فعاد له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذه الثانية
فصرعه على الأرض،
__________
[ (1) ] هو ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي، قال
البلاذري: حدثني عباس بن هشام، حدثني أبي عن ابن خربوذ وغيره، قالوا قدم
ركانة من سفر، فأخبر خبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلقيه في بعض جبال
مكة، فقال: يا ابن اخي، بلغني عنك شيء، فإن صرعتني علمت أنك صادق، فصارعه
فصرعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأسلم ركانة في الفتح، وقيل: إنه
أسلم عقب مصارعته. قال ابن حبان: في إسناد خبره في المصارعة نظر. يشير إلى
الحديث أخرجه أبو داود والترمذيّ من رواية أبي الحسن العسقلانيّ، عن أبي
جعفر بن محمد بن ركانة، عن أبيه، أن ركانة صارع النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم فصرعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قال الترمذيّ: غريب، وليس إسناده
بقائم. وقال الزبير: ركانة بن عبد يزيد الّذي صارع النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم بمكة قبل الإسلام، وكان أشد الناس، فقال:
يا محمد، إن صرعتني آمنت بك، فصرعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال:
أشهد أنك ساحر، ثم أسلم بعد، وأطعمه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خمسين
وسقا.
وفي الترمذيّ من طريق الزبير بن سعيد، عن عبد اللَّه بن يزيد بن ركانة، عن
أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول اللَّه، إني طلقت امرأتي البته، فقال صلّى
اللَّه عليه وسلم: ما أردت بها؟ قال: واحدة ... الحديث،
وفي إسناده اختلاف على أبي داود وغيره.
وروى عنه نافع بن عجيرة، وابن ابنه على بن يزيد بن ركانة. قال الزبير: مات
بالمدينة، في خلافة معاوية، وقال أبو نعيم: مات في خلافة عثمان، وقيل: عاش
إلى سنة إحدى وأربعين.
(الاستيعاب) : 2/ 507، ترجمة رقم (801) ، (الإصابة) : 2/ 497- 498، ترجمة
رقم (2691) .
(12/84)
فانطلق ركانة [وهو] [ (1) ] يقول: هذا ساحر
لم أر مثله قط، ولم أر مثل سحر هذا، واللَّه ما ملكت من نفسي شيئا حتى وضع
جنبي على الأرض [ (2) ] .
وروى أبو أويس المدني عن محمد بن عبد اللَّه بن يزيد بن ركانة، عن جده
ركانة بن عبد يزيد- وكان من أشد الناس- قال: كنت أنا والنبي صلّى اللَّه
عليه وسلم في غنيمة لأبي طالب نرعاها في أول ما رأى إذ قال لي ذات يوم: هل
لك أن تصارعني؟ قلت: أنت؟ قال: أنا، فقلت: على ماذا؟ قال: على شاة من الغنم
فصارعته، فصرعني، فأخذ منى شاة، فقال: هل لك في الثانية؟ قلت:
نعم، فصارعته، فصرعني، وأخذ منى. فجعلت ألتفت هل يراني إنسان، فقال: مالك؟
قلت: لا يراني [بعض] [ (3) ] الرعاة فيجترئون عليّ وأنا في قومي من أشدهم،
قال: هل لك في الصراع الثالثة وشاة؟ قلت: نعم، فصارعته فصرعني، وأخذ شاة،
فقعدت كئيبا حزينا، فقال: مالك؟ قلت: إني أرجع إلى عبد يزيد وقد أعطيت
ثلاثا من غنمه، والثانية أنى كنت أظن أنى أشد قريش.
فقال: هل لك في الرابعة؟ فقلت: لا بعد ثلاث، فقال: أما قولك في الغنم فإنّي
أردها عليك، فردها عليّ، فلم يلبث أن ظهر أمره، فأتيته، فأسلمت،
فكان مما هداني اللَّه عز وجلّ أنى علمت أنه لم يصر عنى يومئذ بقوته، ولم
يصرعني يومئذ إلا بقوة غيره [ (4) ] .
وخرج البيهقي [ (5) ] من حديث أبي عبد الملك، عن القاسم عن أبي أمامة قال:
كان رجل من بنى هاشم يقال له ركانة، وكان من أفتك الناس وأشدهم [ (6) ] ،
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 250، باب ما جاء في استنصار رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم بأسماء اللَّه تعالى على ركانة في المصارعة، ونصرة اللَّه
تعالى إياه عليه، وما روى في تلك القصة من آثار النبوة.
[ (3) ] زيادة لسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 250- 251.
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 252- 254.
[ (6) ] (دلائل البيهقي) : «أشده» ، وما أثبتناه أجود للسياق.
(12/85)
وكان مشركا يرعى غنما له في واد يقال له
إضم [ (1) ] فخرج نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بيت عائشة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها ذات يوم، وتوجه قبل ذلك الوادي فلقيه ركانة وليس
مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحد، فقام إليه ركانة فقال: يا أحمد أنت
الّذي تشتم [آلهتنا] [ (2) ] اللات والعزى، وتدعو إلى إلهك العزيز الحكيم،
ولولا رحم بيني وبينك ما كلمتك الكلام- يعنى حتى أقتلك- ولكن ادع إلهك
العزيز الحكيم ينجيك منى اليوم وسأعرض عليك أمرا،
هل لك أن أصارعك وتدعوا إلهك العزيز الحكيم يعينك [ (3) ] ؟ وأنا أدعو
اللات والعزى؟ فإن أنت صرعتني فلك عشر من غنمي هذه تختارها.
فقال عند ذلك نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن شئت، فاتعدا [ (4) ] ،
ودعا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلهه العزيز الحكيم أن يعينه على
ركانة، ودعا ركانة اللات والعزى: أعني على محمد، فأخذه النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم فصرعه وجلس على صدره.
__________
[ (1) ] إضم بالكسر ثم الفتح وميم: ماء يطؤه الطريق بين مكة واليمامة عند
السمينة، وقيل: ذو إضم جوف هناك به ماء وأماكن يقال لها الحناظل، وله ذكر
في سرايا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال السيد عليّ:
إضم واد بجبال تهامة، وهو الوادي الّذي فيه المدينة، ويسمى من عند المدينة
القناة، ومن أعلى منها عند السد يسمى الشظاة، ومن عند الشظاة أسفل يسمى
إضما إلى البحر. قال ابن السكيت:
إضم القناة التي تمر دوين المدينة. وقيل: إضم واد لأشجع وجهنية، ويوم إضم
من أيامهم.
وعن نصر: إضم ماء بين مكة واليمامة عند السمينة، يطؤه الحاج وكان رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعث محلما في نفر من المسلمين، فلما كانوا
ببطن إضم مرّ بهم عامر، فسلم عليهم بتحية الإسلام، فقام إليه محلم فقتله
لشيء كان بينهما، فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا
ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ
أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. [النساء: 94] . (معجم
البلدان) : 1/ 254، موضع رقم (755) ، (معجم ما استعجم) : 1/ 166.
[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (4) ] في (المرجع السابق) : «فاتخذا» ، وفي (الأصل) : «فاتعدى» .
(12/86)
فقال ركانة: قم، فلست أنت الّذي فعلت بي
هذا، إنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذلني اللات والعزى، وما وضع أحد قط
جنبي قبلك! فقال له ركانة:
عدّ، فإن أنت صرعتني فلك عشر أخرى تختارها.
فأخذه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودعا كل واحد منهما إلهه كما فعلا
أول مرة، فصرعه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجلس على كبده، فقال له
ركانة: قم، فلست أنت فعلت [بي] [ (1) ] هذا، إنما فعله إلهك العزيز الحكيم،
وخذلني اللات والعزى، وما وضع جنبي أحد قبلك ثم قال له ركانة: عدّ، فإن أنت
صرعتني فلك عشر أخرى تختارها، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ودعا كل
واحد إلهه، فصرعه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الثالثة.
فقال له ركانة: لست أنت الّذي فعلت [بي هذا] [ (2) ] ، وإنما فعله إلهك
العزيز الحكيم، وخذلني اللات والعزى، فدونك ثلاثين شاة من غنمي، فاخترها.
فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما أريد ذلك، ولكنى أدعوك إلى الإسلام
يا ركانة، وأنفس بك أن تصير إلى النار، وإنك إن تسلم تسلم.
فقال له ركانة: لا إلا أن تريني آيه، فقال له نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم [اللَّه عليك] [ (3) ] شهيد إن أنا دعوت ربى فأريتك آية لتجيبننى إلى
ما أدعوك إليه؟ قال: نعم.
وقريب منه شجرة ثمر ذات فروع وقضبان فأشار إليها نبي اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، وقال لها: أقبلى بإذن اللَّه فانشقت باثنتين وأقبلت على نصف
شقها [ (4) ] وقضبانها وفروعها حتى كانت بين يدي نبي اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم وبين ركانة، فقال له ركانة:
أريتنى عظيما فمرها فلترجع، فقال له نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
شهيد لئن أنا دعوت ربى عز وجل فرجعت لتجيبننى إلى ما أدعوك إليه؟ قال: نعم،
فأمرها فرجعت بقضبانها وفروعها حتى التأمت بشقها.
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (4) ] في بعض المصادر: (ساقها) .
(12/87)
فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
[أسلم] [ (1) ] تسلم؟ فقال له ركانة: ما بي إلا أن أكون رأيت عظيما، ولكنى
أكره أن يتحدث نساء أهل المدينة وصبيانهم، أنى إنما أجبتك لرعب دخل على
قلبي [ (2) ] منك، ولكن قد علمت نساء أهل المدينة وصبيانهم أنه لم يضع جنبي
أحد قط، ولم يدخل قلبي رعب قط ليلا، ولا نهارا، ولكن دونك فاختر غنمك.
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ليس لي حاجة إلى غنمك إذا أبيت أن تسلم،
فانطلق نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم راجعا، وأقبل أبو بكر وعمر رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما يلتمسانه في بيت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها، فأخبرتهما أنه قد توجه قبل وادي إضم، وقد عرفا أنه وادي ركانة لا
يكاد يخطئه.
فخرجا في طلبه وأشفقا أن يلقاه ركانة فيقتله، فجعلا يصعدان على كل شرف،
ويتشوفان مخرجا، إذ نظرا إلى نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقبلا،
فقالا: يا رسول اللَّه! كيف تخرج إلى هذا الوادي وحدك؟ وقد عرفت أنه جهة
ركانة، وأنه من أفتك الناس وأشدهم تكذيبا لك، فضحك النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، ثم قال: أليس اللَّه عز وجل يقول لي: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ [ (3) ] إنه لم يكن يصل إليّ واللَّه معي، فأنشأ يحدثهما حديثه،
والّذي فعل به، والّذي أراه، فعجبا من ذلك، وقالا: يا رسول اللَّه: أصرعت
ركانة؟ فلا والّذي بعثك بالحق ما نعلم أنه وضع جنبه إنسان قط.
فقال لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إني دعوت ربي فأعاننى عليه، وإن
ربي عز وجل أعانني ببضع عشرة وقوة عشرة [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (2) ] في (الأصل) : «على» وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ] المائدة: 67.
[ (4) ] وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 511، كتاب معرفة الصحابة، ذكر
مناقب ركانة بن عبد يزيد، حديث رقم (5903) مختصرا جدا، وقد حذفه الحافظ
الذهبي من (التلخيص) .
(12/88)
قال البيهقي: أبو عبد الملك هذا على بن
يزيد الشامي، وليس بالقوى إلا أنه معه ما يؤكد حديثه. قال كاتبه: هو على بن
يزيد بن أبي هلال أبو عبد الملك [ (1) ] ، ويقال: أبو الحسن الألهاني،
ويقال: الهلالي من أهل دمشق.
روى عن القاسم بن عبد الرحمن ومكحول، روى عنه يحيى بن الحارث الدنارى
وعثمان بن أبي العاتكة، وعبيد اللَّه بن زحر، ومطرح بن يزيد ومعاذ ابن
رفاعة، وعمرو بن واقد ومدرك بن أبي سعد، والوليد بن سليمان بن أبي السائب،
وبكر بن عمرو المعافري، قال البخاري، منكر الحديث، وقال ابن يونس: وفيه
نظر:، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال مرة: متروك الحديث.
وقال أبو أحمد الحاكم: سمعت البخاري يقول: علي بن يزيد بن عبد الملك
الألهاني ضعيف وفي رواية منكر الحديث. وقال محمد بن يزيد المستملي:
قلت لأبى مسهر فعليّ بن يزيد؟ قال: ما علم إلا خبرا انظر من يروى عنه ابن
أبي عاتكة ليس من أهل الحديث، ونظراؤه.
وقال حارث بن إسماعيل: قلت لأحمد بن حنبل: عليّ بن يزيد، قال:
هو دمشقي كان ضعيفا، وقال ابن معين: عليّ بن يزيد الشامي ضعيف.
وفي رواية عليّ بن يزيد، عن القاسم بن أبي أمامة: هي ضعاف كلها.
وقال أبو إسحاق السعدي، عليّ بن يزيد الدمشقيّ رأيت غير واحد من الأئمة
ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيد اللَّه بن زحر، وعثمان بن أبي العاتكة،
ثم رأينا أحاديث جعفر بن الزبير، وبشر بن نمير يرويان عن القاسم أحاديثه
تشبه تلك الأحاديث. وكان القاسم خيارا فاضلا، ممن أدرك أربعين رجلا من
المهاجرين والأنصار، وأظننا أتينا من قبل عليّ بن يزيد، على أن بشر بن نمير
وجعفر بن الزبير ليسا ممن يحتج بهما على أحد من أهل العلم.
وقال عمر بن شبة: عليّ بن يزيد واهي الحديث كثير المنكرات. وقال محمد بن
أبي حاتم: وسألت أبي عن عليّ بن يزيد، فقال: ضعيف الحديث منكره، فإن كان ما
روى عن عليّ بن يزيد، عن القاسم على الصحة، فيحتاج
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 7/ 346- 347، ترجمة رقم (642) ،
وهو عليّ بن يزيد ابن أبي هلال الألهاني، ويقال الهلالي أبو عبد الملك،
ويقال: أبو الحسن الدمشقيّ.
(12/89)
أن ينظر في أمر علي بن يزيد. وسألت أبا
زرعة عن عليّ بن يزيد فقال: ليس بقوىّ، وقال أبو زكريا الساجىّ: وأحاديث
عبيد اللَّه بن زحر، وعليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامه مرفوعة ضعيفة.
وفي رواية عليّ بن يزيد مضعف. وقال أبو عيسى الترمذي: وقد تكلم بعض أهل
العلم في عليّ بن يزيد وضعفه، وهو شامىّ.
وقال في موضع آخر عليّ بن يزيد يضعف في الحديث ويكنى أبا عبد الملك، وقال
في موضع آخر. قال محمد يعنى البخاري: القاسم ثقة، وعليّ بن يزيد ضعيف، وقال
أبو عبد اللَّه محمد بن إبراهيم الكنانيّ الأصبهانيّ: قلت لأبى حاتم: ما
تقول في أحاديث عليّ بن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة؟
فقال: ليست بالقوية هي ضعاف. وقال أبو أحمد بن عدىّ: ولعلىّ بن يزيد أحاديث
ونسخ، وعبيد اللَّه بن زحر يروى عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة
أحاديث، وهو في نفسه صالح إلا أن يروى عنه ضعيف، فيؤتى من قبل ذلك الضعيف.
وقال أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب: هذا ما وافقت عليه أبا الحسين الدار
الدّارقطنيّ من المتروكين عليّ بن يزيد الدمشقيّ أبو عبد الملك، عن القاسم
بن عبد الرحمن. وقال الحافظ أبو نعيم: عليّ بن يزيد منكر الحديث. وقاله
البخاري، قال كاتبه: خرج لعليّ بن يزيد هذا الترمذيّ وابن ماجة وقال ابن
حبان عن حديث مصارعة ركانة: في إسناده نظر وقال عبد الغنىّ: هو أصل ما روى
في المصارعة، ومصارعة أبي جهل فليس لها أصل.
(12/90)
وأما كون إنسان يصلح يبن القبائل لأن
المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم سمّاه مطاعا
فخرّج أبو نعيم من حديث أبي مسعود عبد الرحمن بن المثنى بن مطاع بن عيسى بن
مطاع بن زياد، بن مسعود، بن الضحاك [ (1) ] [بن خالد] [ (2) ] بن عدي بن
أراش بن جزيلة بن اللخم اللخميّ قال: حدثني أبي المثنى عن أبيه مطاع، عن
أبيه عيسى، عن أبيه مطاع، عن أبيه زياد، عن جده مسعود أن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم سماه مطاعا، وقال له: أنت مطاع في قومك، وقال له: امض إلى
أصحابك، فمن دخل تحت رايتك هذه فهو آمن من العذاب، فمضى مطاع إلى أصحابه
فقال لهم: أنتم سامعون مطيعون.
قالوا: نعم يا مسعود، فقال لهم: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سماني
مطاعا، وحملني على هذا الفرس وأعطاني هذه الراية، وقال لي: امض إلى أصحابك،
فمن دخل تحت هذه الراية فقد أمن من عذابي. فأقبلوا معه الى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم فصاروا من أصحابه وقالوا: يا رسول اللَّه ادع لنا على
حدس، فقال لهم: حدس الأحداس يكثرون ويقل الناس.
__________
[ (1) ] هو مسعود بن الضحاك بن عدي بن أراش بن حرملة بن لخم اللخمي، وقد
ينسب مسعود إلى جده، وسمى أبو عمر جده: حرملة، كأنّه نسب أباه إلى جده
الأعلى، وقال: زعم أهله وولده أن له صحبة، وروى الحديث عن جماعة من ولده.
وقال الطبراني: حدثنا أبو مسعود عبد الرحمن بن المثنى بن المطاع بن عيسى بن
المطاع بن زياد بن مسعود بن الضحاك بن عدي بن أوس بن حرملة بن لخم، حدثني
أبي عن أبيه، عن جده المطاع، عن أبيه زيادة، عن جده مسعود، أن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم سماه مطاعا، وقال له: أنت مطاع في قومك، امض إلى أصحابك،
وحمله على فرس أبلق، وأعطاه الراية، وقال:
من دخل تحت رايتي هذه فقد أمن من العذاب. رواه عبد السلام بن المثنى بن
المطاع، عن أبيه، عن جده مثله، لكن قال: زائدة بدل زيادة. (الاستيعاب) : 3/
1393، ترجمة رقم (2383) ، (الإصابة) : 6/ 100- 101، ترجمة رقم (7958) .
[ (2) ] من الأصل فقط.
(12/91)
فقالوا: يا رسول اللَّه دعوت لهم بالكثرة؟
فقال: جاءني جبريل فأخبرني أن مسعودا يقابلني بكرة مشركا ويأتيني بالعشي
مؤمنا، فلما كان مع زوال الشمس قالوا: يا نبي اللَّه إنا نرى شخصا مقبلا،
فأقبل مسعود إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم،
قال أبو مسعود: أخبرنى أبي عن جدي مطاع أنه كان يأخذ الراية إذا وقع بين
القبائل فيصلح بينهم، وكان قد كبر وبلغ أرجح من مائة سنة، وكان يربط
العمامة على حاجبيه حتى تنكشف عيناه، ويقاتل على كبره.
(12/92)
وأما استجابة اللَّه سبحانه وتعالى لرسوله
صلّى اللَّه عليه وسلم في دعائه على عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن
كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر هوازن بن منصور ابن
عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر، وأربد بن قيس ابن جزء بن خالد بن
جعفر بن كلاب
فخرج البخاري من حديث همام بن إسحاق عن عبد اللَّه بن أبي طلحة قال: حدثني
أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعثه خاله أخا لأم سليم في سبعين
راكبا، وكان رأس المشركين عامر بن طفيل، خير بين ثلاث خصال، فقال: يكون لك
أهل السهل ولي أهل المدر، وأكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف،
فطعن عامر في بيت أم فلان، فقال: غدة كغدة البعير [ (1) ] في بيت امرأة من
آل فلان، ائتوني بفرسي، فمات على ظهر فرسه، فانطلق حرام أخو أم سليم هو
ورجل أعرج ورجل من بنى فلان، قال: كونا قريبا منى حتى آتيهم، فإن آمنوا بى
كنتم. وإن قتلوني أتيتما أصحابكما، فقال: أتؤمنونني حتى أبلغ رسالة رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجعل يحدثهم، وأومئوا إلى رجل فأتاه من
خلفه، فطعنه.
قال همام: أحسبه قال حتى أنفذه بالرمح، قال: اللَّه أكبر فزت ورب الكعبة،
فأنزل اللَّه علينا، ثم كان من المنسوخ: «وإنا قد لقينا ربنا فرضي عنا
[وأرضانا] [ (2) ] » فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثين صباحا على
رعل وذكوان وبني [ (3) ] لحيان وعصية الذين عصوا اللَّه ورسوله.
__________
[ (1) ] في البخاري: «البكر» .
[ (2) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 490- 491، كتاب المغازي باب (29) غزوة الرجيع،
ورعل، وذكوان، وبئر معونة، حديث عضل والقارة- وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه،
قال ابن إسحاق:
حدثنا عاصم بن عمر أنها كانت بعد أحد. حديث رقم (4091) . قوله: «ثم كان من
المنسوخ» أي المنسوخ تلاوته، فلم يبق له حكم حرمة القرآن كتحريمه على
الجنب، وغير ذلك. (فتح الباري) .
(12/93)
وخرّج الحاكم من طريق عبد اللَّه بن الزبير
الحميدي حدثنا على بن يزيد بن أبي حكيمة، عن أبيه وغيره، عن سلمة بن الأكوع
أن عامر بن الطفيل لم يدخل المدينة إلا بأمان من رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم فلما جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال له: أسلم تسلم قال:
نعم، على أن لي الوبر ولك المدر.
قال: هذا لا يكون أسلم تسلم يا عامر، يا عامر اذهب حتى تنظر في أمرك إلى غد
فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الأنصار، فقال: ماذا ترون؟
إني دعوت الرجل فأبى أن يسلم إلا أن يكون له الوبر ولي المدر، فقالوا: ما
شاء اللَّه، ثم شئت يا رسول اللَّه ما أخذوا منا عقالا إلا أخذنا منهم
عقالين، فاللَّه ورسوله أعلم، فرجع عامر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
الغد، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: تسلم يا عامر؟ قال: لا إلا أن
يكون لي الوبر ولك المدر.
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ليس إلى ذلك، فأبى إلا أن يكون له
الوبر، وللنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم المدر، فأبى النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، فقال عامر: أما واللَّه لأملأنها عليك خيلا ورجالا، فقال له النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم يأبى اللَّه ذلك عليك، وأبناء قيلة الأوس والخزرج،
ثم ولى عامر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفنيه،
فرماه اللَّه بالذبحة قبل أن يأتى أهله،
قال:
فقال عامر حين أخذته الذبحة: يا آل عامر كغدة البكر، فهلك ساعة أخذته دون
أهله [ (1) ] .
وقال يونس بن محمد بن إسحاق، قال: قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم وقد بني عامر، فيهم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وخالد بن جعفر،
وجبار بن سلمى بن مالك. فكان هؤلاء النفر رؤساء القوم وشياطينهم، فقدم عامر
بن الطفيل عدو اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يريد أن
يغدر به، فقال له قومه:
يا عامر إن الناس قد أسلموا، فقال: واللَّه لقد كنت آليت ألا ننتهي حتى
تتبع العرب عقبى، فأنا أتبع هذا الفتى من قريش، ثم قال لأربد: إذا قدمنا
على الرجل فإنّي شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 92- 93، كتاب معرفة الصحابة، ذكر فضيلة أخرى للأوس
والخزرج، لم يقدر ذكرها من فضائل الأنصار، حديث رقم (6983) ، وقد سكت عنه
الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
(12/94)
فلما قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، قال عامر: يا محمد خالني، فقال:
لا، حتى تؤمن باللَّه وحده لا شريك له، فلما أبي عليه رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم قال: أما واللَّه لأملأنها عليك خيلا حمرا، ورجلا، فلما
ولى قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني عامر بن
الطفيل،
فلما خرجوا من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال عامر لأربد:
ويحك يا أربد! أين ما كنت أمرتك به؟ واللَّه ما كان على الأرض رجل أخوف
عندي على نفسي منك، وأيم اللَّه لا أخاف بعد اليوم أحدا، قال: لا أبا لك،
لا تعجل عليّ فو اللَّه ما هممت بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبين
الرجل! أفأضربك بالسيف؟ ثم خرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض
الطريق، بعث اللَّه عز وجل على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه، فقتله في
بيت امرأة من بنى سلول، ثم خرج أصحابه حتى واروه حين قدموا أرض بنى عامر
أتاهم قومهم، فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ فقال: قد دعانا إلى عبادة شيء
لوددت أنه عندي فأرميه بنبلى هذه حتى أقتله. فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين
ومعه جمل يبيعه، فأرسل اللَّه عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما، وكان أربد
أخا للبيد بن ربيعة لأمه فبكاه ورثاه [ (1) ] .
وخرّج البيهقي من حديث محمد بن إسحاق قال: حدثنا معاوية بن عمر وأخبرنا أبو
إسحاق، عن الأوزاعي، عن عبد الحق بن عبد اللَّه بن أبي سلمة في قصة بئر
معونة، قال الأوزاعي: قال يحيى: فمكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل
وابعث عليه داء يقتله، فبعث اللَّه طاعونا فقتله [ (2) ] .
ومن طريق همام عن إسحاق بن أبي طلحة قال: حدثني أنس بن مالك رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه في قصة حرام بن ملحان قال: وكان رئيس المشركين عامر بن
الطفيل، كان أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أخيرك بين ثلاث
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 3118- 320، باب وفد بنى عامر، ودعاء النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم على عامر بن الطفيل، وكفاية اللَّه تعالى شره، وشر
أربد بن قيس بعد أن عصم منها نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم وما ظهر في ذلك من
آثار النبوة.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 320.
(12/95)
خصال: يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل
المدر، وأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر، وألف شقراء.
قال: فطعن في بيت امرأة فقال: غدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني فلان؟
ائتونى بفرس، فركب، فمات على ظهر فرسه [ (1) ] .
ومن طريق الزبير بن بكار قال: حدثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن مؤملة ابن
جميل قال: أتى عامر بن الطفيل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له: يا
عامر أسلم، قال: أسلم على أن لي الوبر ولك المدر؟ قال: لا، فولّى وهو يقول:
واللَّه يا محمد لأملأنها عليك خيلا جردا، ورجالا مردا، ولأربطن بكل نخله
فرسا.
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني عامرا واهد قومه،
فخرج عامر حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة يقال لها: سلولية، فنزل عن
فرسه ونام في بيتها، فأخذته غدة في حلقة، فوثب على فرسه، وأخذ رمحه، وأقبل
يجول وهو يقول:
غدة كغدة البكر؟ وموت في بيت سلولية؟ فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه
ميتا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 320.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 321.
(12/96)
وأما استجابة اللَّه سبحانه وتعالى لنبيه
صلّى اللَّه عليه وسلم فيمن أكل بشماله
فخرج مسلم من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شيبة قال: حدثنا زيد بن
الحباب عن عكرمة بن عمار قال: حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع ان أباه حدثه
أن رجلا أكل عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشماله، فقال: كل
بيمينك، قال: لا أستطيع، قال [صلّى اللَّه عليه وسلم] : لا استطعت، ما منعه
إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه [ (1) ] .
وخرجه أبو نعيم [ (2) ] من طريق أبي داود الطيالسي، قال: حدثنا عكرمة بن
عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
أبصر بسر بن راعى العير [ (3) ] يأكل بشماله، فقال: كل بيمينك، فقال: لا
أستطيع، قال [صلّى اللَّه عليه وسلم] :
لا استطعت، فما نالت يمينه إلى فيه بعد.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 203، كتاب الأشربة، باب (13) آداب الطعام
والشراب وأحكامهما، حديث رقم (107) . وفي أحاديث الباب استحباب الأكل
والشرب باليمين، وكراهتهما بالشمال، وقد زاد نافع الأخذ والإعطاء، وهذا إذا
لم يكن عذر، فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير
ذلك فلا كراهة في الشمال. قوله: «إن رجلا أكل» ، هذا الرجل هو بسر بضم
الباء وبالسين المهملة ابن راعى العير بفتح العين وبالمثناة الأشجعي. كذا
ذكره ابن مندة وأبو نعيم الأصبهاني، وابن ماكولا وآخرون، وهو صحابى مشهور
عده هؤلاء وغيرهم في الصحابة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وأما قول
القاضي عياض رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن قوله: ما منعه إلا الكبر، يدل
على أنه كان منافقا فليس بصحيح، فإن مجرد الكبر والمخالفة لا يقتضي النفاق
والكفر، لكنه معصية إن كان الأمر أمر إيجاب. وفي هذا الحديث جاز الدعاء على
من خالف الحكم الشرعي بلا عذر، وفيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في كل
حال، حتى في حال الأكل، واستحباب تعليم الآكل آداب الأكل إذا خالفه (شرح
النووي) .
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ] هو بسر بن راعى العير الأشجعي،
روى الدارميّ، وعبد بن حميد، وابن حبان، والطبراني، من طريق عكرمة بن عمار،
عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أبصر
بسر.
(12/97)
ومن حديث محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن
عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، أن رجلا كان يأكل عند
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشماله، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا
استطعت، قال: فما رفعها بعد إلى فيه.
وخرج البيهقي [ (1) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد ابن
أبي حبيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل
بشمالها، فقال: ما لها تأكل بشمالها؟ أخذها داء غزة. فقالت: يا نبي اللَّه
إن في يميني قرحة، قال: وإن، قال يزيد: إن سبيعة لما مرت بعزة أصابها
الطاعون وقتلها.
قال ابن لهيعة: وأخبرنى عثمان بن نعيم الرعينيّ، عن مغيرة بن نهيك الحجري،
عن دخين الحجري، أنه سمع عقبه بن عامر يذكر عن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم.
بسر هذا بضم الباء الموحدة وبالسين والراء المهملتين. ذكره ابن مندة وأبو
نعيم، وابن ماكولا وعدّ من الصحابة.
وذكر القاضي عياض أن قوله: ما منعه إلا الكبر يدل على أنه كان منافقا.
ورده النووي بأن مجرد الكبر لا يقتضي النفاق والكفر، ولكنه معصية إذا كان
الأمر أمر إيجاب [ (2) ] .
__________
[ () ] ابن راعى العير يأكل بشماله فقال: كل بيمينك. فقال: لا أستطيع فقال:
لا استطعت فما نالت يمينه إلى فيه بعد.
وفي رواية: فما نالت يده فمه بعد. وقد قيل فيه: بشر بالمعجمة، وبذلك ذكره
ابن مندة وأنكر عليه أبو نعيم، ونسبه إلى التصحيف، ولم يحك الدار قطنى وابن
ماكولا فيه خلافا أنه بالمهملة، وأما البيهقي فحكى في (السنن) أنه بالمعجمة
أصح، وأغرب ابن فتحون فاستدركه فيمن اسمه بشير (الإصابة) : 1/ 291- 292،
ترجمة رقم (645) .
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 239.
[ (2) ] راجع ترجمته السابقة في أول الفصل.
(12/98)
وأما استجابة اللَّه تعالى لنبيه عليه
الصلاة والسلام في الحكم بن مروان
فخرج البيهقي [ (1) ] وغيره من حديث ضرار بن صرد قال: حدثنا عائذ عن حبيب،
بن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللَّه المزني قال: سمعت عبد الرحمن ابن
أبي بكر يقول: كان فلان يجلس إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فإذا تكلم
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشيء اختلج بوجهه فقال له النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم: كن كذلك، فلم يزل يختلج حتى مات.
ومن حديث عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا صدقة بن أبي سعيد الحنفي عن جميع
بن عمير التميمي، قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما يقول: كنا على باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ننتظره فخرج
فاتبعناه حتى أتى عقبة من عقاب المدينة، فقعد عليها، [وقال] : يا أيها
الناس لا يتلقين أحدكم سوقا، ولا يبيع مهاجر لأعرابى، ومن باع محفلة فهو
بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها مثل، أو قال: مثلي لبنها قمحا. قال:
ورجل خلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يحاكيه ويلحظه، فقال النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم: كذلك كن، قال: فرفع إلى أهله فلبط به شهرين، فغشى عليه،
ثم أفاق حين أفاق، وهو كما حكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (2) ]
.
ومن حديث السري بن يحيى، عن مالك بن دينار قال: حدثني هند بن خديجة [ (3) ]
زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرآه فقال: اللَّهمّ اجعل به وزغا، فزحف
مكانه، [والوزغ ارتعاش] [ (4) ] .
وقال أبو القاسم البغوي: عن محمد بن إسحاق بإسناده، قال: مر النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم بالحكم، فجعل [الحكم] [ (5) ] يغمز [النبي] [ (6) ]
بإصبعه، ثم ذكر الباقي.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 239.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 239- 240.
[ (3) ] هو هند بن أبي هالة.
[ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : 240.
[ (6) ] (المرجع السابق) : 240.
(12/99)
وقال ابن عبد البر في ترجمة الحكم بن أبي
العاصي [ (1) ] بن أميه بن عبد شمس، ذكروا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
كان إذا مشى يتكفأ، فكان الحكم بن أبي العاص يحكيه، فالتفت النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم يوما، فرآه يفعل ذلك، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: فكذلك
فلتكن، وكان
__________
[ (1) ] هو الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي
القرشي الأموي، عم عثمان بن عفان، أبو مروان بن الحكم، كان من مسلمة الفتح،
وأخرجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من المدينة وطرده عنها، فنزل
الطائف، خرج معه ابنه مروان. وقيل: إن مروان ولد بالطائف إلى أن ولى عثمان،
فرده عثمان إلى المدينة، وبقي فيها وتوفى في آخر خلافة عثمان، قبل القيام
على عثمان بأشهر فيما أحسب، واختلف في السبب الموجب لنفى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم إياه، فقيل: كان يتحيل ويستخفى ويتسمع ما يسره رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى كبار الصحابة في مشركي قريش وسائر الكفار
والمنافقين، فكان يفشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عليه، وكان يحكيه في مشيته وبعض
حركاته، إلى أمور غيرها كرهت ذكرها.
ذكروا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا مشى يتكفأ، وكان الحكم بن
أبي العاصي يحكية، فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فرآه يفعل ذلك.
فقال صلّى اللَّه عليه وسلم:
فكذلك فلتكن، فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ فعيره عبد الرحمن بن حسان
بن ثابت، فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه:
إن اللعين أبوك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلّجا مجنونا
يمسى خميص البطن من عمل التقي ... ويظل من عمل الخبيث بطينا
فأما قول عبد الرحمن بن حسان: إن اللعين أبوك، فروى عن عائشة من طرق ذكرها
ابن أبي خيثمة وغيره أنها قالت لمروان، إذ قال في أخيها عبد الرحمن ما قال
[لما امتنع عن البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد] : أما أنت يا مروان
فأشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه. وحدثنا
عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا موسى بن
إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عثمان بن حكيم، قال: حدثنا شعيب
بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص،
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل عليكم رجل لعين. قال عبد
اللَّه: وكنت قد تركت عمرا يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل فدخل الحكم بن أبي العاصي.
(الاستيعاب) : 1/ 359- 360، ترجمة رقم (529) .
(12/100)
الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ،
فعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت. فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه:
إن اللعين أبوك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجا مجنونا
يمسى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا
(12/101)
وأما استجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله محمد
صلّى اللَّه عليه وسلم على قريش حين تظاهروا عليه بمكة حتى أمكنه اللَّه
منهم وقتلهم يوم بدر بسيوف اللَّه
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث زكريا، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأزدي،
عن ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بينما رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم [يصلى] [ (2) ] عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد
نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا [ (3) ] جزور بنى فلان،
فيأخذه، فيضعه في بين كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم، فأخذه، فلما
سجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وضعه بين كتفيه! قال: فاستضحكوا وجعل
بعضهم يميل على بعض وأنا قائم، أنظر ولو كان لي منعة طرحته على ظهر رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم ساجد ما يرفع
رأسه حتى انطلق إنسان، فأخبر فاطمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، فجاءت
وهي جويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تسبهم.
فلما قضى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم، وكان
إذا دعا، دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا، ثم قال: اللَّهمّ عليك بقريش ثلاث
مرات، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال: اللَّهمّ
عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة،
وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط.
وذكر السابع [ (4) ] ، ولم أحفظه، فو الّذي بعث محمدا بالحق، لقد رأيت
الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 393- 394، كتاب الجهاد والسير، باب (39)
ما لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم
(107) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] هي الجلدة التي يكون فيها الولد من البهائم، وأما من الآدميات فهي
المشيمة. وفي رواية:
«فيعمد إلى فرثها، ودمها، وسلاها» .
[ (4) ] السابع هو عمارة بن الوليد كما وقع في رواية (البخاري) .
(12/102)
قال مسلم: الوليد بن عقبة: غلط في هذا
الحديث. قال كاتبه: وقع في رواية في كتاب مسلم: الوليد بن عقبة والصواب
الوليد بن عقبه بن ربيعة.
وخرجه البخاري من حديث شعبة عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه
قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجد. ومن حديث إبراهيم بن
يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق قال: حدثني عمرو بن ميمون أن عبد اللَّه بن
مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حدثه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء
بسلى [ (1) ] جزور بنى فلان، فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى
القوم، فجاء به، فنظر حتى سجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وضعه على ظهره
بين كتفيه، وأنا انظر لا أغنى [ (2) ] شيئا لو كانت لي منعة.
قال: فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض [ (3) ] ورسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم ساجد [ (4) ] لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره،
فرفع رأسه، ثم قال: اللَّهمّ عليك بقريش ثلاث مرات، فشق عليهم، قال وكانوا
يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى، اللَّهمّ عليك بأبي جهل،
وعليك بعتبة ابن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف،
وعقبة بن أبي معيط وعد السابع، فلم يحفظه قال: فو الّذي نفسي بيده، لقد
رأيت الذين عد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صرعى في القليب، قليب
بدر. ذكره في كتاب (الطهارة) في باب إذا ألقى على ظهر المصلّى قذرا وجيفة
لم تفسد عليه صلاته [ (5) ] .
__________
[ (1) ] سبق شرحها، وهي تمد وتقصر.
[ (2) ] في (الأصل) : «أغير» وما أثبتناه من (البخاري) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (5) ] باب (69) ، حديث رقم (240) ، وفي الأصل: (كتاب الطهارة) . وفي
الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار، وما ازدادت عند المسلمين إلا تعظيما،
وفيه معرفة الكفار بصدقة صلّى اللَّه عليه وسلم لخوفهم من دعائه، ولكن
حملهم الحسد على ترك الانقياد له، وفيه حلمه صلّى اللَّه عليه وسلم عمن
أذاه، ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن ابن مسعود قال لم أره
دعا عليهم إلا يومئذ.
(12/103)
وخرّج في كتاب الصلاة أيضا [ (1) ] من حديث
إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: بينما رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يصلّى عند الكعبة
__________
[ () ] وإنما استحقوا الدعاء حينئذ لما أقدموا عليه من الاستحقاق به حال
عبادة ربه، وفيه استحباب الدعاء ثلاثا، وفيه جواز الدعاء على الظالم، ولكن
قال بعضهم: محله ما إذا كان كافرا، فأما المسلم فيستحب الاستغفار له،
والدعاء بالتوبة، ولو قيل: لا دلالة فيه على الدعاء على الكفار لما كان
بعيدا لاحتمال أن يكون اطلع صلّى اللَّه عليه وسلم على أن المذكورين لا
يؤمنون، والأولى أن يدعى لكل حي بالهداية. وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء من
صغرها، لشرفها في قومها ونفسها، لكونها صرحت بشتمهم وهم رءوس قريش، فلم
يردوا عليها. وفيه أن المباشرة آكد من السب والإعانة لقوله في عقبة «أشقى
القوم» ، مع أنه كان فيهم أبو جهل، وهو أشد منه كفرا وأذى للنّبيّ صلّى
اللَّه عليه وسلم، لكن الشقاء هنا بالنسبة إلى هذه القصة لأنهم اشتركوا في
الأمر والرضا، وانفرد عقبه بالمباشرة فكان أشقاهم ولهذا قتلوا في الحرب،
وقتل هو صبرا. واستدل به على أن من حدث له في الصلاة ما يمنع انعقادها
ابتداء لا تبطل صلاته ولو تمادى، وعلى هذا ينزل كلام المصنف، فلو كانت
نجاسة فأزالها في الحال ولا أثر لها صحت اتفاقا، واستدل به على طهارة فرث
ما يؤكل لحمه، وعلى أن إزالة النجاسة ليست بفرض، وهو ضعيف، وحمله على ما
سبق أولى. وتعقب الأول بأن الفرث لم يفرد، بل كان مع الدم كما في رواية
إسرائيل، والدم نجس اتفاقا، وأجيب بأن الفرث والدم كانا داخلي السلى وجلدة
السلى الظاهرة طاهرة. فكان كحمل القارورة المرصصة وتعقب بأنها ذبيحة وثني،
فجميع أجزائها نجسة لأنها ميتة، وأجيب بأن ذلك كان قبل التعبد بتحريم
ذبائحهم، وتعقب بأنه يحتاج إلى تاريخ ولا يكفى فيه الاحتمال، وقال الإمام
النووي: الجواب المرضى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره،
فاستمر في سجوده استصحابا لأصل الطهارة، وتعقب بأنه يشكل على قولنا بوجوب
الإعادة في مثل هذه الصورة. وأجاب بأن الإعادة إنما تجب في الفريضة، فإن
ثبت أنها فريضة، فالوقت موسع، فلعله صلّى اللَّه عليه وسلم أعاد، وتعقب
بأنه لو أعاد لنقل، ولم ينقل، وبأن اللَّه تعالى لا يقره على التمادي في
صلاة فاسدة، وقد تقدم أنه صلّى اللَّه عليه وسلم خلع نعليه وهو في الصلاة،
لأن جبريل أخبره أن فيهما قذرا، ويدل على أنه علم بما ألقي على ظهره أن
فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه، وعقب هو صلاته بالدعاء عليهم.
(فتح الباري) .
[ (1) ] باب (109) المرأة تطرح عن المصلّى شيئا من الأذى، حديث رقم (520) .
(12/104)
وجمع قريش في مجالسهم، إذا قال قائل منهم:
ألا تنظرون إلى هذا المرائي! أيكم يقوم إلى جزور آل فلان [ (1) ] ، فيعمد
إلى فرثها، ودمها، وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه،
وثبت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من
الضحك، فانطلق منطلق [ (2) ] إلى فاطمة وهي جويرية، فأقبلت تسعى وثبت النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم،
فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الصلاة قال: اللَّهمّ عليك
بقريش [ثلاثا] ، ثم سمى: اللَّهمّ عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة،
وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة
بن الوليد.
قال عبد اللَّه: فو اللَّه لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى قليب
بدر، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: وأتبع أصحاب القليب لعنة.
ترجم عليه باب المرأة تطرح عن المصلّى شيئا من الأذى.
وأخرجاه معا من حديث شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن ميمون، عن
عبد اللَّه قال: بينما رسول اللَّه ساجد وحوله ناس من قريش إذ جاء عقبة بن
أبي معيط بسلى جزور، فقذفه على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلم
يرفع رأسه، فجاءت فاطمة عليها السلام، فأخذته عن ظهره، ودعت على من صنع
ذلك.
فقال: اللَّهمّ عليك الملأ من قريش: أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة،
وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف [شعبة
الشاك] . قال: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر،
فألقوا في بئر غير أن أمية أو أبيا تقطعت أوصاله، فلم يلق في بئر. اللفظ
لمسلم، ولفظ البخاري قريب منه [ (3) ] . وفي
__________
[ (1) ] يشبه أن يكون آل معيط لمبادرة عقبة بن أبي معيط إلى إحضار ما طلبوه
منه، وهو المعنى بقوله: أشقاهم.
[ (2) ] يحتمل أن يكون هو بن مسعود الراويّ.
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 347، كتاب الجزية والموادعة، باب (21) طرح جيف
المشركين في البئر، ولا يؤخذ لهم ثمن، حديث رقم (3185) ، (مسلم بشرح
النووي) : 12/ 394- 395، كتاب الجهاد والسير، باب (39) ما لقى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (108) .
(12/105)
حديث عبدان غير أمية أو أبي فإنه كان رجلا
ضخما، فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر [ (1) ] .
وخرجاه أيضا من حديث سفيان الثوري، عن أبي إسحاق بهذا الإسناد نحوه [ (2) ]
، وزاد مسلم، وكان يستحب ثلاثا يقول: اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك
بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش ثلاثا [ (3) ] . وذكر فيهم الوليد بن عتبة
وأمية بن خلف لم يشك، قال أبو إسحاق: ونسيت السابع.
وسياق البخاري في كتاب الجهاد عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد
اللَّه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في ظل الكعبة، فقال أبو جهل
وناس من قريش ونحرت جزور بناحية مكة، فأرسلوا، فجاءوا من سلاها وطرحوا
عليه، فجاءت فاطمة فألقته عنه قال: اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك
بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، لأبى جهل وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة
والوليد بن عتبة، وأبيّ بن خلف، وعقبة بن أبي معيط. قال عبد اللَّه: فلقد
رأيتهم في قليب بدر قتلى. قال أبو إسحاق: ونسيت السابع.
قال أبو عبد اللَّه: قال يوسف بن أبي إسحاق: أمية بن خلف وقال شعبه:
أمية أو أبي، والصحيح أمية. ذكره في باب الدعاء على المشركين [ (4) ] .
وخرجاه أيضا من حديث زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق. فذكره البخاري في أول
المغازي في غزوة بدر [ (5) ] ومن حديث زهير قال أبو إسحاق: عن عمرو بن
ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: استقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
الكعبة، فدعا على نفر
__________
[ (1) ] ذكره في كتاب مناقب الأنصار، باب (29) ما لقي النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة، حديث رقم (3854) .
[ (2) ] ذكره في كتاب الجهاد والسير، باب (98) الدعاء على المشركين
بالهزيمة والزلزلة، حديث رقم (2934) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 395، كتاب الجهاد والسير، باب (39) ما
لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم
(109) .
[ (4) ] باب (9) ، حديث رقم (2934) .
[ (5) ] باب (7) دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على كفار قريش: شيبة
وعتبة، والوليد، وأبي جهل بن هشام، وهلاكهم، حديث رقم (3960) .
(12/106)
من قريش على شيبة بن ربيعة، وعتبة بن
ربيعة، والوليد بن عتبة، وأبى جهل ابن هشام، فأشهد باللَّه لقد رأيتهم
صرعى، قد غيرتهم الشمس، وكان يوم حار.
وسياق مسلم له من حديث زهير قال: حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن
عبد اللَّه قال: استقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم البيت، فدعا على
ستة نفر من قريش، فيهم أبو جهل، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن
أبي معيط، فأقسم باللَّه لقد رأيتهم صرعى على بدر، قد غيرتهم الشمس، وكان
[يوما] حارا [ (1) ] .
وخرّج البيهقي [ (2) ] من طريق أبي نعيم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن
عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم قال: أخبرنى سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاءت فاطمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها إلى
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تبكى، فقالت: تركت الملأ من قريش تعاقدوا في
الحجر، فحلفوا باللات، والعزى، وإساف، ونائلة، إذا هم رأوك يقومون إليك،
فيضربونك بأسيافهم، فيقتلوك، وليس فيهم رجل إلا قد عرف نصيبه منك.
قال: لا تبكى يا بنية، ثم قام فتوضأ، ثم أتاهم، فلما نظروا إليه طأطئوا،
ونكسوا رءوسهم إلى الأرض، فأخذ كفا من تراب، فرماهم به، ثم قال: شاهت
الوجوه. قال ابن عباس: ما أصاب ذلك التراب منهم أحدا إلا قتل يوم بدر
كافرا.
__________
[ (1) ] باب (39) ما لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من أذى المشركين
والمنافقين، حديث رقم (110) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 240- 241.
(12/107)
وأما إقعاد من مرّ بين يدي الرسول صلّى
اللَّه عليه وسلم وهو يصلي بدعائه عليه
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث أبي سلمة قال: حدثنا البيهقي من حديث عمرو بن
أبي سلمة قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: حدثني مولى ابن نمران، عن
يزيد بن نمران قال: رأيت معقدا بتبوك، فسألته عن إقعاده، فقال:
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي، فمررت بين يديه، فقال: قطع
صلاتنا قطع اللَّه أثره، قال: فقعدت، قال: وكان علي أتان أو حمار.
وخرجه أبو داود من حديث وكيع، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن
نمران، عن يزيد بن نمران قال: رأيت رجلا بتبوك مقعدا، فقال:
مررت بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا على حمار، وهو يصلي، فقال:
اللَّهمّ اقطع أثره، فما مشيت عليهما بعد [ (2) ] .
وذكره أبو داود من حديث أبي حيوة، عن سعيد بإسناده ومعناه وزاد.
فقال: قطع صلاتنا قطع اللَّه أثره [ (3) ] .
وذكره أيضا من حديث ابن وهب قال: أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان، عن أبيه
أنه نزل بتبوك وهو خارج، فإذا رجل مقعد، فسألته عن أمره، فقال: سأحدثك
حديثا فلا تحدث به ما سمعت إلي حىّ إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
نزل بتبوك إلي نخلة فقال: هذه قبلتنا، ثم صلي إليها، فقال: فأقبلت وأنا
غلام
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 241، ثم قال البيهقي: وقد رويناه في غزوة تبوك
من وجهين آخرين عن سعيد بن عبد العزيز، وروي أن واحدا من أصحاب النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم دعا علي كلب مر بهم وهم في الصلاة فمات في الحال.
[ (2) ] (سنن أبي دواد) : 1/ 454، كتاب الصلاة، باب (110) ما يقطع الصلاة،
حديث رقم (705) ، وفي إسناده مجهول هو مولى سعيد بن غزوان.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (706) .
(12/108)
أسع، حتى مررت بينه وبينهما، فقال: قطع
صلاتنا، فقطع اللَّه أثره، قال:
فما قمت إلى يومي هذا [ (1) ] .
وأما موت الكلب بدعاء بعض من كان يصلي معه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أراد
المرور بين يديه
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث سليمان بن طريف السلمي، عن مكحول، عن أبي
الدرداء رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم فصلى بنا العصر في يوم جمعة، إذ مر بهم كلب، فقطع عليهم الصلاة، فدعا
عليه رجل من القوم، فما بلغت رجله الأرض حتى مات، فانصرف رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم فقال:
من الداعي على هذا الكلب آنفا؟ فقال: رجل من القوم: أنا يا رسول اللَّه،
قال:
والّذي بعثني بالحق لقد دعوت اللَّه باسمه الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل
به أعطى، ولو دعوت بهذا الاسم لجميع أمة محمد أن يغفر لهم لغفر لهم.
قالوا: كيف دعوت قال: قلت: اللَّهمّ إني أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت
المنان، بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام اكفنا هذا الكلب بما شئت،
وكيف شئت، فما برح حتى مات [ (3) ] .
ومن حديث عمر بن ذر قال: أخبرنا يحيى بن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة
الأنصاري أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان في صلاة العصر يوم
الجمعة فسبح كلب أحمر بين يديه، فمر الكلب فمات قبل أن يمر بين يدي رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم أقبل على القوم بوجهه، فقال: أيكم دعا على هذا
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (707) ، وإسناده ضعيف، قال ابن القطان:
سعيد بن غزوان مجهول.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 241- 242.
[ (3) ] قال البيهقي: وله شاهد من وجه آخر كذلك مرسلا مختصرا.
(12/109)
الكلب؟ فقال رجل من القوم: أنا دعوت عليه
يا رسول اللَّه! فقال عليه السلام:
دعوت عليه في ساعة يستجاب فيها الدعاء [ (1) ] .
فهذا حديث مرسل.
وأما تشتت رجل في الأرض بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث حنبل بن إسحاق قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم
قال: حدثتنا أم الأسود الخزاعية، قالت: حدثتني أم نائلة الخزاعية قالت:
حدثتني بريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سأل عن رجل يقال له قيس،
فقال: لا أقرته الأرض، فكان لا يدخل أرضا يستقر بها، حتى يخرج منها.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 242.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 242- 243.
(12/110)
وأما إجابة اللَّه دعوة الرسول صلّى اللَّه
عليه وسلم على معاوية بن أبي سفيان [ (1) ] بعدم الشبع
__________
[ (1) ] هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
بن قصي بن كلاب، أمير المؤمنين، ملك الإسلام. أبو عبد الرحمن القرشي الأموي
المكيّ. أمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وقيل:
إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء، وبقي يخاف اللحاق بالنبيّ صلّى اللَّه
عليه وسلم، من أبيه، ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح، حدث عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم وكتب له مرات يسيرة،
وحدث أيضا عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة، وعن أبي بكر وعمر رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما. عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني- وكان من أصحاب
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال لمعاوية:
«اللَّهمّ علمه الكتاب والحساب وقه العذاب.
وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويغالون فيه ويفضلونه، إما قد ملكهم بالكرم
والحلم والعطاء، وإما قد ولدوا في الشام على حبه، وتربى أولادهم على ذلك،
وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا
معه أهل العراق. قال خليفة:
جمع عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه الشام كلها لماوية وأقره عثمان، قلت:
حسبك بمن يؤمره عمر، ثم عثمان على إقليم- وهو ثغر- فيضبطه، ويقوم به أتم
قيام، ويرضى الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم تألم مرة منه، وكذلك فليكن
الملك. وإن كان غيره من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خيرا منه
بكثير وأفضل وأصلح، فهذا الرجل ساد، وساس العالم بكمال عقله، وفرط حلمه،
وسعة نفسه، وقوة دهائه ورأيه، وله هنات وأمور، واللَّه الموعد. وكان محببا
إلى رعيته، عمل نيابة الشام عشرين سنة، والخلافة عشرين سنة، ولم يهجه أحد
في دولته، بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على
الحرمين، ومصر، والشام، والعراق، وخراسان، وفارس، والجزيرة، واليمن،
والمغرب، وغير ذلك. قال أحمد بن حنبل: فتحت قيسارية سنة تسع عشرة، وأميرها
معاوية، وقال يزيد بن عبيدة غزا معاوية قبرص سنة خمس وعشرين. وقال الزهري:
نزع عثمان عمير بن سعد، وجمع الشام لمعاوية. وأقبل معاوية في أهل الشام،
فالتقوا، فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن جعل له العهد بالخلافة من
بعده. ثم إن معاوية أجاب إلى الصلح وسر بذلك، ودخل هو والحسن الكوفة
راكبين، وتسلم معاوية الخلافة في ربيع الآخر، وسمى عام الجماعة لاجتماعهم
على إمام، وهو عام أحد وأربعين.
(12/111)
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث أمية بن خالد
قال: حدثنا شعبة عن أبي حمزة القصاب، عن ابن عباس قال: كنت مع الصبيان،
فجاء فحطأني حطأه، وقال:
اذهب ادع معاوية، قال: فجئته فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع
معاوية، فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: لا أشبع اللَّه بطنه. قال ابن مثنى:
قلت لأمية: ما حطأني؟ قال: قفدني قفده [ (2) ] .
__________
[ () ] مجالد: عن الشعبي عن قبيصة بن جابر، قال صحبت معاوية، فما رأيت رجلا
أثقل حلما، ولا أبطأ جهلا، ولا أبعد أناة منه. قال الزبير بن بكار: كان
معاوية أول من اتخذ الديوان للختم وأمر بالنيروز والمهرجان، واتخذ المقاصير
في الجامع، وأول من قتل مسلما صبرا، وأول من قام على رأسه حرس، وأول من
قيدت بين يديه الجنائب، وأول من اتخذ الخدام الخصيان في الإسلام، وأول من
بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة، وكان يقول:
أنا أول الملوك. قلت: نعم،
فقد روى سفينة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «الخلافة بعدي
ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا،
فانقضت خلافة النبوة ثلاثين عاما وولى معاوية، فبالغ في التجمل والهيئة،
وقل أن بلغ سلطان إلى رتبته، وليته لم يعهد بالأمر إلى ابنه يزيد، وترك
الأمة من اختياره لهم، ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم،
وما هو ببريء من الهنات، واللَّه تبارك وتعالى يعفو عنه. مسندة في (مسند
بقي) مائة وثلاثة وستون حديثا، وقد عمل الأهوازي مسندة في مجلد، واتفق له
البخاري ومسلم علي أربعة أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة. قال
أبو مسهر: صلي الضحاك بن قيس الفهري على معاوية، ودفن بين باب الجابية وباب
الصغير فيما بلغني. قال أبو معشر، والليث، وعدة: مات معاوية في رجب سنة
ستين، وقيل: في نصف رجب وقيل: لثمان بقين منه. وعاش سبعا وسبعين عاما.
(تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 89- 91، ترجمة رقم (257) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 392- 393، كتاب البر والصلة والآداب، باب
(25) من لعنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أو سبه، أو دعا عليه، وليس هو
أهلا لذلك، كان له زكاه وأجرا ورحمة، حديث رقم (97) .
[ (2) ] وفسر الراويّ: أي قفدني أو حطأني، فبحاء ثم طاء مهملتين وبعدها
همزة، وقفدني بقاف ثم فاء ثم دال مهملة. وقوله: حطأة، بفتح الحاء وإسكان
الطاء بعدها همزة، وهو الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين، وإنما فعل هذا بابن
عباس ملاطفة وتأنيسا، وأما دعاؤه علي معاوية أن لا يشبع
(12/112)
وخرجه أيضا من حديث إسحاق بن منصور قال:
حدثنا النضر بن شميل، قال: حدثنا شعبة حدثنا أبو حمزة قال: سمعت ابن عباس
يقول كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاختبأت
منه. فذكر الحديث بمثله [ (1) ] .
وقال البيهقي: وقد روى عن أبي عوانه عن أبي حمزة أنه استجيب له فيما دعا في
هذا الحديث على معاوية. وذكر من حديث موسى بن إسماعيل قال:
حدثنا أبو عوانة، عن أبي حمزة قال: سمعت ابن عباس قال: كنت ألعب مع الغلمان
فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد جاء فقلت: ما جاء إلا إليّ،
فاختبأت على باب، فجاء فحطأني حطأة فقال: اذهب فادع لي معاوية، وكان يكتب
الوحي، قال:
فذهبت فدعوته له، فقيل: إنه يأكل، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فأخبرته، فقال:
فاذهب فادعه فأتيته، فقيل: إنه يأكل، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم فأخبرته، فقال في الثالثة: لا أشبع اللَّه بطنه، قال فما شبع بطنه
أبدا.
قال البيهقي: وروي عن هزيم عن أبي حمزة في هذا الحديث زيادة تدل على
الاستجابة [ (2) ] .
__________
[ () ] حين تأخر، ففيه الجوابان السابقان: أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا
قصد، والثاني: أنه عقوبة له لتأخيره. وقد فهم مسلم رحمة اللَّه من هذا
الحديث، أن معاوية لم يكن مستحقا للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب،
وجعله غيره من مناقب معاوية، لأنه في الحقيقة يصير دعاء له. وفي هذا الحديث
جواز ترك الصبيان يلعبون بما ليس بحرام، وفيه اعتماد الصبي فيما يرسل فيه
من دعاء إنسان ونحوه، من حمل هدية، وطلب حاجة، وأشباهه، وفيه جواز إرسال
صبي غيره ممن يدل عليه في مثل هذا، ولا يقال: هذا تصرف في منفعة الصبي، لأن
هذا قدر يسير، ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة، واطرد به العرف، وعمل
المسلمين، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (98) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 242- 243.
(12/113)
وأما استجابة اللَّه تعالى لرسوله اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم في قوله لرجل: ضرب اللَّه عنقه
فقال الواقدي [ (1) ] : وحدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، عن جابر رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه فذكر غزوة ذات الرقاع إلى أن قال: وقد جهرنا صاحبا
لنا يرعى ظهرنا وعليه ثوب متخرق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
أما له ثوب غير هذا؟ فقلنا: بلي يا رسول اللَّه إن له ثوبين جديدين في
العيبة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: خذ ثوبيك، فأخذ ثوبيه
فلبسهما، ثم أدبر فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أليس هذا أحسن؟
ما له! ضرب اللَّه عنقه، فسمع ذلك الرجل فقال: في سبيل اللَّه يا رسول
اللَّه؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: في سبيل، فقال جابر:
فضربت عنقه بعد ذلك في سبيل اللَّه.
وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق سعيد بن سليمان الواسطي، حدثنا الليث بن سعد،
عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن جابر قال: خرجنا مع
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض مغازيه، فخرج رجل في ثوبين متخرقين
يريد أن يسوق بالإبل، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما له
ثوبا غير هذا؟ قيل: إن في عيبته ثوبين جديدين، قال: ائتوني بعيبته ففتحها
فإذا فيها ثوبان فقال للرجل:
خذ هذين البسهما وألق المتخرقين، ففعل، ثم ساق بالإبل، فنظر رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم في أثره كالمتعجب من بخلة على نفسه بالثوبين، فقال
له: ضرب اللَّه عنقك، فالتفت إليه الرجل وقال: في سبيل اللَّه؟ فقتل يوم
اليمامة:
قال الحاكم [ (3) ] : هذا
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 398، وجهرنا أي صبحنا.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 203، كتاب اللباس، حديث رقم (7369) ، (7370) .
[ (3) ] ثم قال: حدثناه أبو العياس محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، قال
عبد اللَّه بن وهب، قال: أخبرني مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد
اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
ورواه مالك عن زيد بن أسلم عن جابر نفسه.
وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) : 654، كتاب الجامع، باب ما جاء في لبس
الثياب للجمال
(12/114)
حديث صحيح على شرط مسلم، قد احتج في غير
موضع بهشام بن سعد. ولم يخرجاه، إلا أن الحديث عند مالك بن أنس عن يزيد بن
أسلم عن جابر.
وأما استجابة اللَّه تعالى دعاءه صلّى اللَّه عليه وسلم على من احتكر
الطعام
فقد خرج البيهقي [ (1) ] من حديث الهيثم بن رافع الباهلي حدثنا أبو يحيى،
عن فروخ مولى عثمان، قال: ألقي على باب مسجد مكة طعام كثير وعمر يومئذ أمير
المؤمنين، فخرج إلي المسجد فرأى الطعام فقال: ما هذا الطعام؟
قالوا: طعام جلب إلينا، قال: بارك اللَّه فيه وفيمن جلبه إلينا، قالوا: يا
أمير المؤمنين قد احتكر. قال: من احتكره؟ قالوا: فروخ مولى عثمان وفلان
مولاك، قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من احتكر على المسلمين
طعامهم ضربه اللَّه بالجذام أو بالإفلاس،
قال فروخ: أعاهد اللَّه يا أمير المؤمنين ألا أعود، فحول تجارته إلى بر
مصر، وأما مولى عمر فقال: نشتري بأموالنا ونبيع، فزعم أبو يحيى أنه رأى
مولى عمر بعد حين مجذوما، وذلك رواه جماعة عن الهيثم، وأبو يحيى هو مكي.
__________
[ () ] بها، حديث رقم (1645) ، لكن بسياقة أتم. وأخرجه البيهقي في (دلائل
النبوة) : 6/ 244، باب ما جاء في قوله للرجل ضرب اللَّه عنقه في سبيل
اللَّه، فقتل الرجل في سبيل اللَّه!.
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 246. باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه
وسلم علي من احتكر بالجذام وإجابة اللَّه تعالى دعاءه فيمن احتكر من زمان
عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقال في هامشه: نقله السيوطي في (الخصائص
الكبرى) : 1/ 127 وعزاه إلى المصنف.
(12/115)
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاءه صلّى اللَّه
عليه وسلم على أبي ثروان
فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه عن
جده، عن أبي ثروان قال: كان أبو ثروان راعيا لبني عمرو بن تيم في إبلهم،
فخاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قريش، فخرج فنظر إلى سواد الإبل
فقصد له، فإذا هي إبل، فدخل بين الأراك، فجلس، فنفرت الإبل، فقام أبو ثروان
فأطاف بالإبل فلم ير شيئا، ثم تخللها، فإذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم جالس، فقال له:
من أنت فقد أنفرت على إبلي، فقال: لم ترع، أردت أن أستأنس بإبلك، فقال أبو
ثروان: من أنت؟ قال: لا تسأل، رجل أردت أن أستأنس إلى إبلك، فقال: إني أراك
الرجل الّذي يزعمون أنه خرج نبيا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
أجل، فأدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، فقال
أبو ثروان: اخرج، فلا تصلح إبل أنت فيها، وأبي أن يدعه، فدعا عليه رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اللَّهمّ أطل شقاءه وبقاءه.
قال عبد الملك: قال أبي: فأدركته شيخا كبيرا يتمنى الموت، فقال له القوم:
ما نراك إلا قد هلكت، دعا عليك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال:
كلا، إني قد أتيته بعد حين ظهر الإسلام، فأسلمت معه، فدعا لي واستغفر، ولكن
الأولى قد سبقت.
قال ابن عبد البر: أبو ثروان روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وروى عنه
عنترة أبو وكيع.
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 452- 453، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم علي أبي
ثروان بطول الشقاء والبقاء، حديث رقم (377) ، باختلاف يسير.
(12/116)
وأما افتراس الأسد عتيبة بن أبي لهب بدعاء
المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم ربه عز وجل أن يسلط عليه كلبا من كلابه
فخرج الحارث بن أبي أسامه من حديث الأسود بن شيبان، قال أبو نوفل، عن أبيه
قال: كان عتيبة بن أبي لهب يسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فقال
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ سلط عليه كلبك،
قال: فخرج يريد الشام في قافلة مع أصحابه، قال:
فنزلوا منزلا، فقال: واللَّه إني لأخاف دعوة محمد، فقالوا له: كلا، قال:
فحطوا المتاع حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء السبع فانتزعه، فذهب به.
وقال سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن عثمان بن عروة بن الزبير، عن
أبيه، عن هبار بن الأسود، قال: كان أبو لهب وابنه عتيبة قد تجهزا إلي
الشام، وتجهزت معه، فقال ابنه عتيبة: لأنطلقنّ إليه، ولأوذينه في ربه،
فانطلق حتى أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا محمد هو يكفر بالذي
دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فقال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك،
ثم انصرف عنه، فرجع إليه، فقال: أي بني! ما قلت له؟ قال:
كفرت بإلهه الّذي يعبد، قال: فماذا قال لك؟ قال: قال: اللَّهمّ ابعث عليه
كلبا من كلابك، قال: أي بني! واللَّه ما آمن عليك دعوة محمد، قال: فسرنا
حتى نزلنا الشراة- وهي مأسدة- فنزلنا إلى صومعة راهب فقال: يا معشر العرب!
ما أنزلكم هذه البلاد وإنها مسرح الضيغم؟ فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم
سني وحقي؟ قلنا: أجل، فقال: إن محمدا قد دعا على ابني دعوة، واللَّه لا
آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلي هذه الصومعة، ثم افترشوا لابني عتيبة عليه،
ثم افترشوا حوله.
قال: ففعلنا، جمعنا المتاع حتى ارتفع، ثم فرشنا له عليه، وفرشنا حوله فبتنا
نحن حوله، وأبو لهب معنا أسفل، وبات هو فوق المتاع، فجاء الأسد، فشم
وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد، تقبض ثم وثب، فإذا هو فوق المتاع، فشم وجهه،
ثم هزمه هزمة فنضخ رأسه، فقال: سبعي يا كلب لم
(12/117)
يقدر على غيرك، ووثبنا، فانطلق الأسد، وقد
نضخ رأسه، فقال أبو لهب: قد عرفت واللَّه ما كان لينفلت من دعوة محمد صلّى
اللَّه عليه وسلم.
وقال ابن إسحاق في كتاب (المغازي) عن يزيد بن زياد، عن محمد ابن كعب
القرظي، وعن عثمان بن عروة بن الزبير، عن رجال من أهل بيته، قالوا: كانت
بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند عتيبة بن أبي لهب، فطلقها، فلما
أراد الخروج إلى الشام قال: لآتين محمدا وأوذينه في ربه، قال: فأتى فقال:
يا محمد، هو يكفر بالذي دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ
أَدْنى ثم تفل في وجهه، ثم رد عليه ابنته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم: اللَّهمّ سلط عليه كلبا من كلابك.
قال: وأبو طالب حاضر، فوجم عنها وقال: ما أغناك عن دعوة ابن أخي، فرجع إلي
أبيه فأخبره بذلك، وخرجوا إلى الشام، فنزلوا منزلا، فأشرف عليهم راهب من
الدير، فقال لهم: هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب:
يا معشر قريش اغنونا هذه الليلة، فإنّي أخاف عليه دعوة محمد فجمعوا
أحمالهم، ففرشوا لعتيبة في أعلاها، وناموا حوله، فجاء الأسد، فجعل يشم
وجوههم، ثم ثني ذنبه، فوثب، عنه فضربه بذنبه ضربه واحدة، فخدشه، فقال:
قتلني، ومات مكانه، فقال حسان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه:
سائل بني الأشعر جئتهم ... ما كان أنباء أبي واسع
لا وسع اللَّه له قبره ... بل ضيق اللَّه على القاطع
رحم نبي جده ثابت ... يدعو إلى نور اللَّه ساطع
أسبل بالحجر لتكذيبه ... دون قريش نهزة القاذع
فاستوجب الدعوة منه بما ... تبين للناظر والسامع
أن سلط اللَّه بها كلبه ... يمشي الهوينا مشية الخادع
حتى أتاه وسط أصحابه ... وبه علتهم سنة الهاجع
فالتقم الرأس من يافوخه ... والنحر منه فغرة الجائع
[ (1) ]
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 454- 457، قصة عتيبة بن أبي لهيب، حديث رقم
(380) ، (381) ، حديث رقم (383) .
(12/118)
[أسلمتموه وهو يدعوكم ... بالنسب الأدنى
وبالجامع]
[والليث يعلوه بأنيابه ... منعفرا وسط الدم الناقع]
[لا يرفع الرحمن مصروعكم ... ولا يوهن قوة الصارع]
[من يرجع العام إلي أهله ... فما أكيل السبع بالراجع]
[قد كان فيه لكم عبرة ... للسيد المتبوع والتابع]
[من عاد فالليث له عائد ... أعظم به من خبر شائع
[ (1) ]]
وقال الواقدي: حدثني معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: تلا رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قال عتيبة بن أبي لهب كفرت برب
النجم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سلط اللَّه عليك كلبا من
كلابه.
فحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: خرج عتيبة مع أصحابه في عير
إلى الشام، حتى إذا كانوا بالشام، فزأر الأسد، فجعلت فرائصه ترعد، فقيل له:
من أي شيء ترعد؟ فو اللَّه ما نحن وأنت إلا سواء، فقال: إن محمدا دعا عليّ،
لا واللَّه ما أظلت هذه السماء على ذي لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء
فلم يدخل يده فيه، ثم جاء النوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم،
وناموا. فجاءهم الأسد يهمس يستنشق رءوسهم رجلا رجلا، حتى انتهى اليه، فضغمه
ضغمة كانت إياها، ففزع وهو بآخر رمق وهو يقول: ألم أقل لكم إن محمدا أصدق
الناس؟ ومات [ (2) ] .
وقال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا إسرائيل عن سعيد بن مسروق، عن أبي
الضحى، قال: أراد ابن أبي لهب أن يأتي بتجارته إلى الكعبة، فقال:
__________
[ (1) ] الأبيات التي بين الحاصرتين زيادة للسياق من (ديوان حسان بن ثابت)
: 162- 163، قصيدة رقم (53) ،
وفيه: وقال حسان لعتبة بن أبي لهيب- وكان يكنى أبا واسع- وكان شديد الإيذاء
للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
اللَّهمّ سلط عليه كلبا من كلابك.
وخرج أبو واسع في سفر له، ومعه عدة من قومه فتخطى إليه السبع من بينهم حتى
أكله.
(المرجع السابق) .
[ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 457- 458، حديث رقم (383) ، وقال محقق
(الدلائل) : لم أجده عن غير أبي نعيم، وهو مرسل ومن رواية الواقدي.
(12/119)
أنا أكفر بمن قال: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى
فبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: عسى أن يرسل عليه كلبا من كلابه،
فبلغ ذلك والده أبا لهب، فأوصى أصحابه، فقال: إذا نمتم فاجعلوه وسطكم،
ففعلوا، حتى إذا كانت ذات ليله، بعث اللَّه تعالى سبعا فقتله.
ذكر ذلك أبو نعيم.
وأما أن دعوته صلّى اللَّه عليه وسلم تدرك ولد الولد
فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث وكيع، قال: أنبأنا أبو العميس عن أبي بكر
بن عمرو بن عتبة، عن ابن لحذيفة عن أبيه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
كان إذا دعا لرجل أصابته، وأصابت ولده، وولد ولده.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 533، حديث رقم (22766) .
(12/120)
وأما كفاية المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم
كيد سراقة بقوله صلّى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ اصرعه
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث الليثي عن عقيل، قال: قال ابن شهاب:
فأخبرني عروة ابن الزبير، أن عائشة رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنها قالت:
لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان بالدين، فذكر الحديث إلى أن قال ابن
شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن مالك ابن
جعشم، أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول: جاءتنا رسل كفار
قريش، يجعلون في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبي بكردية كل واحد
منهما من قتله أو أسره، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ
أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني رأيت آنفا
أسودة بالساحل، أراها محمدا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم. فقلت له:
إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقا بأعيننا يبغون ضالة لهم.
ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت، فأمرت جاريتي، أن تخرج بفرسي من
وراء أكمة فتحبسها عليّ. وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزجة
الأرض، وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بي حتى دنوت
منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت بيدي إلي كنانتي، فاستخرجت
منها الأزلام فاستقسمت بها، أضرهم أم لا.
فخرج الّذي أكره، فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي حتى بلغتا الراكبتين، فخررت
عنها، ثم زجرتها، فنهضت، فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمه إذ لأثر يدها
غثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الّذي أكره،
فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم،
ووقع في نفسي- حين لقيت ما ألقيت من الحبس عنهم- أن سيظهر أمر رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت له:
__________
[ (1) ] (جامع الأصول) : 11/ 587- 588، كتاب ذكر الهجرتين، حديث رقم (9203)
.
(12/121)
إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم
أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني شيئا، ولم
يسألاني إلا أن قال: أخف عنا ما استطعت، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر
عامر بن فهيرة، فكتب لي في رقعة من أدم، ثم مضى رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم.
وخرج أيضا من حديث عبد الصمد [ (1) ] قال: حدثني أبي، حدثنا عبد العزيز بن
صهيب عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: قال: أقبل النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه شيخ يعرف، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم شاب لا يعرف، فيلقي
الرجل أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر! من هذا الرجل الّذي بين يديك؟ فيقول:
هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما
يعني السبيل هو الخير،
فالتفت أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإذا هو بفارس قد لحقهم،
فقال:
يا رسول اللَّه هذا فارس قد لحقنا، فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
فقال: اللَّهمّ اصرعه، فصرعته فرسه، فقال: يا نبي اللَّه، مرني بما شئت،
فقال: قف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا،
قال: فكان أول النهار جاهدا [ (2) ] على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
وكان آخر النهار مسلحة له [ (3) ] . وذكر الحديث.
وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبه قال: سمعت أبا إسحاق الهمدانيّ يقول: سمعت
البراء يقول: لما أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة إلى
المدينة، قال: تبعه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: فدعا عليه رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم فساخت [قوائم] فرسه، فقال: ادع اللَّه لي ولا أخبر
بك، فدعا اللَّه.
الحديث [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (9206) .
[ (2) ] الجاهد: المبالغ الباذل غاية ما يقدر عليه.
[ (3) ] المسلّحة: قوم ذوو سلاح، والمسلحة أيضا ك كالثغر، والمرقب، وهو
الموضع الّذي يقيم فيه قوم يحفظون من ورائهم من العدو، لئلا يهجموا غليهم،
ويدخلوا إليهم، وهو بالأعجمية:
اليزك. (جامع الأصول) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 596- 597، حديث رقم (9204) .
(12/122)
وخرجا من حديث البراء مطولا، وفيه: ثم قال:
ألم يأن للرحيل؟ قلت بلى، قال: فارتحلنا بعدا ما زالت الشمس، واتبعنا سراقة
بن مالك، قال:
ونحن في جدد من الأرض، فقلت: يا رسول اللَّه أتينا، فقال: لا تحزن إن
اللَّه معنا،
فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فارتطمت فرسه إلى بطنها،
فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما علي، فادع اللَّه لي، فاللَّه لكما أن
أرد عنكما الطلب فدعا اللَّه فنجا، فرجع لا يلقي أحدا إلا رده. اللفظ
المسلم.
وفي لفظ لهما: فلما دنا دعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فساخ
فرسه في الأرض إلى بطنه، ووثب عنه،
وقال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك، فادع اللَّه لي أن يخلصني مما أنا فيه،
ولك على لأعمين على من ورائي، وهذه كنانتي فخذ سهما منها، فإنك ستمر على
إبلي وغلماني، بمكان كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، قال: لا حاجة لي في إبلك [
(1) ] .
وذكر أبو نعيم [ (2) ] عن محمد بن إسحاق أنه قال: قال أبو بكر الصديق رضي
اللَّه وتبارك وتعالى عنه فيما يزعمون- واللَّه تعالى أعلم- في دخوله الغار
مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومسيره معه حين ساروا، في طلب سراقة
بن جعشم إياهم:
قال النبي ولم أجزع يوقرني ... ونحن في سدنة في ظلمة الغار
لا تخش شيئا فإن اللَّه ثالثنا ... وقد توكل لي منه بإظهار
وإنما كيد من تخشى بوادره ... كيد الشياطين كادته لكفار
واللَّه مهلكهم طرا بما كسبوا ... وجاعل المنتهى منهم إلى النار
وأنت مرتجل عنهم وتاركهم ... إما غدوا وإما مدلج سار
وهاجر أرضهم حتى يكون لنا ... قوم عليهم ذوو عز وأنصار
حتى إذا الليل وارانا جوانبه ... وسد من دون من نخشى بأستار
سار الأريقط يهدينا وأنيقه ... ينعبن بالقوم نعبا تحت أكوار
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 598.
[ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 334- 336، حديث رقم (237) ، وما بين الحاصرتين
تصويبات منه.
(12/123)
يعسفن عرض الثنايا بعد أطولها ... وكل سهب
دقيق الترب موار
حتى إذا قلت قد أنجدن عارضنا ... من مدلج فارس في منصب وار
يردي به مشرف الأقطار معترم ... كالسيد ذي اللبدة المستأسد الضاري
فقال كروا، فقلنا إن كرتنا ... من دونها لك نصر الخالق الباري
إن تخسف الأرض بالأخرى وفارسها ... فانظر إلى مربع في الأرض خوار
فهيل لما رأى أرساغ مقربة ... قد سخن في الأرض لم تحفر بمحفار
فقال هل لكم أن تطلوا فرسي ... وتأخذوا موثقي في نصح أسرار
وأصرف الحي عنكم إن لقيتهم ... وأن أعور منهم عين عواد
فادع الّذي هو عنكم كف عدوتنا ... يطلق جوادي فأنتم خير أبرار
فقال قولا رسول اللَّه مبتهلا: ... يا رب إن كان ينوي غير إخفار
فنجه سالما من شر دعوتنا ... ومهرة مطلقا من كل آثار
فأظهر اللَّه- إذ يدعو- حوافره ... وفاز فارسه من هول أخطار
وقال أبو جهل [بن هشام] فيما يزعمون حين سمع بشأن سراقة [بن مالك] ، وما
يذكر من أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما رأى من أمر الفرس حين
أصابه ما أصابه، وتخوف أبو جهل سراقة أن يسلم حين رأى ما أرى:
بني مدلج إني أخاف سفيهكم ... سراقة مستغو لنصر محمد
عليكم به لا يفرقن جموعكم ... فتصبح شتي بعد عز وسؤدد
يظن سفيه الحي أن جاء شبهة ... على واضح من سنة الحق مهتد
فأني يكون الحق ما قال إذ غدا ... ولم يأت بالحق المبين المسدد
ولكنه ولي غريبا بسخطة ... إلى يثرب منا، فيا بعد مولد
ولو أنه لم يأت يثرب هاربا ... لأشجاه وقع المشرفي المهند
فقال سراقة بن مالك يجيب أبا جهل فيما قال:
أبا حكم واللَّه لو كنت شاهدا ... لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه
عجبت ولم تشكك بأن محمدا ... نبي وبرهان ذا يكاتمه
عليك بكف القوم عنه فإنني ... أرى أن يوما ما ستبدو معالمه
بأمر يود النصر فيه بالبها ... لو أن جميع الناس طرا يسالمه
(12/124)
وأما قتل اللَّه عز وجل كسرى بن أبرويز بن
هرمز [بن أنوشروان] وتمزيق ملك فارس بدعاء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن
مسعود أن عبد اللَّه بن عباس أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
بعث بكتابه رجلا [ (1) ] وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم
البحرين إلى كسرى [ (2) ] ، فلما قرأه مزقه، فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا
عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق.
وخرّج البخاري ومسلم من حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي
هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده، وقيصر ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده،
ولتقسمن كنوزهما في سبيل اللَّه [ (3) ] .
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن حذافة السهمي.
[ (2) ] كسرى: هو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، وهم من قال هو أنوشروان.
وأخرجه أيضا في كتاب الجهاد والسير، باب (101) دعوة اليهود والنصارى، وعلى
ما يقاتلون عليه؟ وما كتب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلي كسرى وقيصر،
والدعوة قبل القتال، حديث رقم (2939) ، وفيه الدعاء إلى الإسلام بالكلام
والكتابة، وأن الكتابة تقوم مقام النطق، وفيه إرشاد المسلم إلى الكافر، وأن
العادة جرت بين الملوك بترك قتل الرسل، ولهذا مزق كسرى الكتاب، ولم يتعرض
للرسول.
وأخرجه في كتاب المغازي، باب (83) كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى
كسرى وقصير، حديث رقم (4424) . وكسرى بفتح الكاف وبكسرها، لقب كل من تملك
الفرس، ومعناه بالعربية المظفري.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 403، حديث رقم (2185) ، من مسند عبد
اللَّه ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 776، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في
الإسلام، حديث رقم (3618) ، (3619) ، وسبب الحديث
أن قريشا كانوا يأتون الشام والعراق تجارا، فلما أسلموا
(12/125)
وقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد اللَّه،
عن الزهري، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: بينا كسرى مغلق
بيته الّذي يخلو فيه إذا دخله، إذا رجل قد خرج إليه في يده عصا، فقال: يا
كسرى إن اللَّه تعالى قد بعث رسولا وأنزل كتابا، فأسلم تسلم، وأتبعه يبق له
ملك.
قال كسرى: أخر عن هذا أثراما، فدعا حجابه وبوابه، فتوعدهم، وقال: من هذا
الّذي دخل على؟ قالوا: واللَّه ما دخل عليك أحد، وما ضيعنا لك بابا.
ومكث حتى إذا كان العام القابل أتاه فقال له مثل ذلك: إلا تسلم اكسر العصا،
قال لا تفعل، أخر ذلك أثراما، ثم جاءه العام الثالث فقال له مثل ذلك،
فكسرها وخرج من عنده.
قال: فحدثني محمد بن الحصين، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، قال: أغلق كسرى
عليه بابه أي لا تدخلوا على أحدا من العرب وذلك حين
__________
[ () ] خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام، فقال النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم ذلك تطييبا لقلوبهم، وتبشيرا لهم بأن ملكهما سيزول عن
الاقليميين المذكورين.
وقيل: الحكمة في أن قصير بقي ملكه، وإنما ارتفع من الشام وما والاها، وكسرى
ذهب ملكه أصلا ورأسا، أن قيصر لما جاءه كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
قبله وكاد أن يسلم كما مضى، كسرى لما أتاه كتاب النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم مزقه، فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يمزق ملكه كل ممزق، فكان
كذلك.
قال الخطابي: معناه فلا قيصر بعده يملك بمثل ما يملك، وذلك أنه كان بالشام،
وبها بيت المقدس، الّذي لا يتم للنصارى نسك إلا به، ولا يملك على الروم أحد
إلا كان قد دخله، إما سرا وإما جهرا، فانجلى عنها قيصر واستفتحت خزائنه ولم
يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعد. (فتح الباري) مختصرا.
وأخرجه مسلم في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى
أن يكون مكان الميت، حديث رقم (2918) ، (2919) .
وأخرجه البخاري في الجهاد، باب الحرب خدعة، وباب
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أحلت لكم الغنائم،
وفي الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
وأخرجه الترمذي في الفتن، باب ما جاء في الفتن، حديث رقم (2127) .
(12/126)
انصرف عبد اللَّه بن حذافة حين أرسله رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يجبه، فلما أغلق بابه إذا رجل واقف بين
يديه، وبيده عصا، فقال: يا كسرى، أسلم، فإن اللَّه قد بعث رسولا يدعو إلى
كتاب اللَّه والحق، قال: أخر عني اليوم حتى ترجع.
فذكر مثل حديث أبي سلمة، قال: فضرب بالعصا على رأسه وقتله ابنه فلذلك كسرها
وخرج من عنده.
قال: فحدثني محمد بن الحصين عن داود بن الحصين عن عكرمة قال:
أغلق كسرى عليه بابه وقال لا تدخلوا علي أحد من العرب وذلك حين انصرف عبد
اللَّه من حذافة حين أرسله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يجبه
فلما أغلق بابه إذا رجل واقف بين يديه وبيده عصا فقال: يا كسرى أسلم فإن
اللَّه قد بعث رسولا يدعو إلى كتاب اللَّه والحق.
قال: أخر عني اليوم حتى ترجع فذكر مثل حديث أبي سلمة قال:
فضرب بالعصا على رأسه وقتله ابنه تلك الليلة، فلذلك كتب ابن كسرى باذان ومن
معه ينهاه أن يحرك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وخاف ما رأى، وكان
باذان قد سبق بالإسلام ومن معه.
قال: وحدثني عبد الملك بن محمد عن ثابت بن عجلان عن القاسم بن عبد الرحمن،
عن أبي أمامه الباهلي رضي اللَّه عنه قال: مثل بين يدي كسرى رجل في بردين
أخضرين معه قضيب أخضر قد حني ظهره وهو يقول:
يا كسرى أسلم وإلا كسرت ملكك كما أكسر هذه العصا فقال كسرى: لا تفعل، ثم
تولى عنه.
قال الواقدي: حدثني صالح بن جعفر قال: سمعت محمد بن كعب يقول دخلت مدائن
كسرى سنه ثمانين عام العجاف فنظرت إلى بناء كسرى وعجبت له، فإذا شيخ هرم
يهدج قائم معي فسألته عن بعض امره فقال: إن كسرى أول من أنكر من ملكه أنه
أصبح في الليلة التي أوحي فيها إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
ودجانة قد أسلمت عليه وأصبح طاق ملكه الّذي كان يغلق عليه تاجه منعدما
وأشار لي إليه وأشار إلى حديث أسلمت دجانة وكان يجلس في ذلك الطاق فاغتم
واحتسب نفسه وقال: ما انصدع هذا الطاق من غير ثقل وانبعثت دجلة من مأمنها
إلا من أمر قد حدث، فانظروا إليه، فإن عندكم كل ساحر، وكاهن،
(12/127)
وعائف، ومنجم، فذكر القصة إلى أن قال: ثم
إن كسرى رأى في النوم أن سلما وضع في الأرض إلى السماء وحشر الناس حوله إذ
أقبل رجل عليه عمامة وإزار ورداء فصعد السلم حتى إذا كان بمكان منه نودي
أين فارس ورجالها، ونساؤها، ولأمتها، وكنوزها؟ فأقبلوا فجعلوا في جوالق ثم
دفع الجوالق إلى ذلك الرجل فأصبح كسرى بئيس النفس محزونا بتلك الرؤيا،
فذكرها لأساورته فجعلوا يهونون عليه الأمر فيقول كسرى: هذا من فضل الأمر
الّذي يراد به فارس، فلم يزل مهموما حتى قدم عليه كتاب النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم وقدم به عبد اللَّه بن حذافة.
قال: وحدثني سعيد بن بشير عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: إن كسرى رأى في
النوم أن سلما وضع في الأرض إلى السماء وحشر الناس من حوله فذكر مثله وزاد
فكتب كسرى إلى عامل اليمن باذان إني لم أبعثك لتأكل وتشرب إلى هذا الرجل
الّذي خالف دين قومه فمره فليرجع إلى دين قومه وإلا فليواعدك يوما تلتقون
فيه تقتلون، فلما ورد كتابه على باذان بعث بكاتبه مع رجلين،
فلما وردا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أذن لها وأمرهما بالمقام
فأقاما ثم أرسل إليهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات غداة فقال:
انطلقا إلى باذان وأعلما أن ربي قد قتل كسرى في هذه الليلة،
فانطلقا حتى قدما على باذان فأخبراه بذلك، فقال: إن يكن الأمر كما قال فإن
خبر ذلك يوافي يوم كذا، وأتاه الخبر كذلك فاجتمعت أساودته إليه وهو مريض
فقالوا: من يرأس علينا؟ فقال ملك مقبل وملك مدبر فاتبعوا هذا الرجل وادخلوا
في دينه وأسلموا، ومات باذان وبعثوا وفدهم بإسلامهم إلى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم.
هكذا ساق أبو نعيم هذه الأخبار عن الواقدي ثم قال ورواه على بن عاصم عن
داود بن أبي هند عن الشعبي، قال: كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
كتابا إلى هرقل [ (1) ] وكتابا إلى صاحب دومة الجندل [ (2) ] ، وكتابا إلى
النجاشي [ (3) ] وكتابا إلى
__________
[ (1) ] ولفظه:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من محمد عبد اللَّه ورسوله إلى هرقل عظيم الروم.
سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم تسلم،
وأسلم يؤتك اللَّه أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين، يا أَهْلَ
الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ
(12/128)
كسرى [ (1) ] بن هرمز، فلما دخل صاحب كتاب
كسرى عليه لم يقرأه وأمر به فمزقه وقال: من يلي هذا من عمالي قالوا: باذان
صاحب اليمن فدعا الكاتب فأملي عليه: من كسرى إلى باذان، أما بعد فيا ابن
الخبيثة إني لم أستعملك على اليمن لتأكل خيرها ولتلبس حريرها وإنما
استعملتك لتقاتل من عاداني وإنه بلغني
__________
[ () ] أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا
يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
[آل عمران: 64] (مجموعة الوثائق السياسية) : 35، وثيقة رقم (26) .
[ (2) ] ولفظه:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللَّه لأكيدر حين أجاب إلي
الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف اللَّه في دوماء
الجندل وأكنافها. إن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامي، وأغفال الأرض
والحلقة، والسلاح والحافر، والحصن، ولكم الضامنه من النخل، والمعين من
المعمور لا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون
الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد اللَّه والميثاق، ولكم
بذلك الصدق والوفاء شهد تبارك وتعالى اللَّه ومن حضر من المسلمين. (مجموعة
الوثائق السياسية) : 181، وثيقة رقم (190) ، (الأموال) : 188، مسأله رقم
(509) ،
قال أبو عبيد: أما هذا الكتاب فأنا قرأت نسخته، وأتاني به شيخ من هناك
مكتوبا في صحيفة بيضاء فنسخته حرفا بحرف.
[ (3) ] ولفظه:
هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة. سلام على من اتبع
الهدى وآمن باللَّه ورسوله، وشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له. لم
يتخذ صاحبه ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الإسلام، فإنّي
رسول اللَّه فأسلم تسلم يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ
سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ
دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ، فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك. (مجموعة الوثائق
السياسية) : 22، وثيقة رقم (22) .
[ (1) ] ولفظه:
من محمد رسول اللَّه إلى كسرى عظيم فارس. سلام على من اتبع الهدى وآمن
باللَّه ورسوله وشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأدعوك بدعاء
اللَّه، فإنّي رسول اللَّه إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على
الكافرين. فأسلم تسلم فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك. (مجموعة الوثائق
السياسية) .
(12/129)
أن رجلا من أهل تهامة خرج عن دين قومه
ومنسكهم، ويزعم أنه رسول اللَّه يقال له أحمد، فإذا جاءك كتابي فاختر رجلين
من أهل فارس ممن ترضى عقله فابعثمها إليه واكتب معهما إليه، أن يرجع إلى
دين قومه ومنسكهم أو تواعده يوما تلقاه فيه، فإنه يزعم أنه نبي يغلبني على
ملكي فلما جاء باذان الكتاب اختار رجلين من أهل فارس
وكتب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بما كتب به كسرى فقدما عليه فأعطياه
الكتاب، فردّوهما شهرا يختلفان إليه فلا يجيبها إلى جواب كتابهما، فدعوا
عليه يوما فقال ما أحسبني إلا قد حبستكما وشققت عليكما، قال: أجل قال:
فانطلقا وتلبسا واركبا ثم مرا بي ففعلا فقال لهما: أما كتابه الىّ أن أرجع
إلى دين قومي ومنسكهم، أو أعده موعدا ألقاه فيه، فموعدة بيني وبينه أبواب
صنعاء أنا بنفسي وخيلي، وأبلغاه عني أن ربي عز وجل قتل ربّه الغداة،
قال:
فكتبا ذلك اليوم ثم قدما على باذان فقال ما حبسكما؟ قالا: هو حبسنا وأبلغاه
ما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: وتحفظان اليوم الّذي قال إن ربي
قتل ربه؟ قالا نعم، قال:
فأمر به فكتب فما لبثوا إلا أياما قليلة حتى جاء كتاب من شيرويه بن كسرى:
أما بعد فإنّي قتلت أبي يوم كذا وكذا، فادع من قبلك من أهل فارس إلى بيعتي،
وأن يسمعوا ويطيعوا، قال: فسألهما باذان: أي رجل أحمد؟ قالا:
وما يصنع بالحرس؟ لهو أحبّ إلى أصحابه من أنفسهم وأولادهم قال: هذا الملك
الهنيء قال: فنادوا أن يا أهل فارس بايعوا شيرويه، واسمعوا وأطيعوا له، يا
أهل فارس، هذا الملك قد أقبل ملك محمد، وهذا الملك قد أدبر، ملك فارس فأنا
أهلك فيما بينهما، قال عامر: فأقبل ملك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأدبر
ملك فارس وهلك باذان فيما بينهما، قتله العبسيّ الكذاب وتزوج امرأته [ (1)
] .
__________
[ (1) ] قال الثعالبي أبو إسحاق بن محمد بن إبراهيم ويقال: الثعالبي،
المتوفى سنه (427) في تفسيره المسمى ب (الكشف والبيان في تفسير قوله تعالى
من سورة الأنعام: وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ: عن ابن عباس قال: أهدى كسرى بغله لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم فركبها بحبل من شعر، وأردفه خلفه. وإن صح هذا- لأن البغوي ذكره أيضا
في تفسير
(12/130)
وقال البيهقي [ (1) ] أخبرني أبو سعيد بن
أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع بن
سليمان، قال: حدثنا الشافعيّ، حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن
المسيب، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر
بعده، والّذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه.
قال الشافعيّ: ولما أتى كسرى بكتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
مزقه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: مزق اللَّه ملكه، قال:
وحفظنا إن قيصر أكرم كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ووضعه في مسك
فقال: النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثبت اللَّه ملكه.
قال البيهقي: فخرجه مسلم في (الصحيح) [ (2) ] من حديث ابن عيينة وخرجاه [
(3) ] من وجه آخر عن الزهري، قال: كتابه وسيرد بطريقة عن قريب إن شاء
اللَّه.
__________
[ () ] سورة الأنعام- فيتحمل أن يكون الّذي أرسل البغلة شيرويه، أو ابن عمه
كسرى بن قباذ بن هرمز، أو أردشير بن شيرويه، أو جرهان، هؤلاء كلهم ملكوا
بعد قتل أبرويز،
ثم ملك بعدهم بوران بنت كسرى وبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أمرها فقال:
لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة.
قاله ابن قتيبة في (المعارف) 2/ 666، باب ملوك العجم، (المصباح المضيء) :
2/ 157- 158. واللَّه تعالى أعلم أي ذلك كان.
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 393، باب ما جاء في الجمع بين
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعد،
وما
روى عنه من قوله في قيصر حين أكرم كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ثبت
اللَّه ملكه،
وما ظهر من صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم فيه، وفيما أخبر عنه من هلاك كسرى،
وهو الصادق الصدوق صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 257، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18)
لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث
رقم (76) .
قال الإمام النووي: قال الشافعيّ وسائر العلماء: معناه لا يكون كسرى
بالعراق، ولا قيصر بالشام، كما كان. قال صلّى اللَّه عليه وسلم: فأما كسرى
فانقطع ملكه، وزال بالكلية من جميع الأرض، وتمزق ملكه كل ممزق، واضمحل
بدعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأما قيصر فانهزم من الشام، ودخل
(12/131)
قال الشافعيّ [ (1) ] : كانت قريش تنتاب
الشام انتيابا كثيرا وكان كثير من معاشها منه، وتأتي العراق، فيقال لما
دخلت في الإسلام وذكرت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم خوفها من انقطاع
معاشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام، مع
خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام،
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده. فلم يكن
بأرض العراق كسرى يثبت له أمر بعده.
وقال: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده،
وأجابهم على ما قالوا له وكان كما قال لهم صلّى اللَّه عليه وسلم وقطع
اللَّه الأكاسرة عن العراق وفارس، وقطع قيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام،
وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في كسرى: مزّق ملكه فلم يبق للأكاسرة
ملك، وقال في قيصر: ثبت ملكه
فثبت له ملك ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا مؤتفق يصدق
بعضه بعضا.
قال كاتبه: يقال: إن كسرى أبرويز بن هرمز هذا خلع، وقيل بعد ما سهل، وقد
مضى من الهجرة النبويّة أربع سنين وأربعه أشهر واثنان وعشرون يوما.
__________
[ () ] أقاصي بلاده، فافتتح المسلمون بلادهما، واستقرت للمسلمين واللَّه
الحمد، وأنفق المسلمون كنوزهما في سبيل اللَّه، كما أخبر صلّى اللَّه عليه
وسلم وهذه معجزات ظاهرة.
[ (3) ] أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب علامات النبوة في الإسلام،
وفي الجهاد، باب الحرب خدعه، وباب
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أحلت لكم الغنائم،
وفي الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين ولنبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
وأخرجه مسلم برقم (2918) في كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل
بقبر الرجل، فيتمنى أن يكون مكان الميت (جامع الأصول) : 11/ 312، الباب
الخامس في معجزاته صلّى اللَّه عليه وسلم ودلائل نبوته.
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 394، باب ما جاء في الجمع بين
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده،
وما
روى عنه من قوله في قيصر حين أكرم كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ثبت
ملكه،
وما ظهر من صدقه فيهما، وفيما أخبر عنه من هلاك كسرى، وهو الصادق المصدوق
صلّى اللَّه عليه وسلم.
(12/132)
قال الواقدي: فلبط عليه ابنه شيرويه فقتله
ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى سنة سبع، وملك بعده ابنه شيرويه، واسمه
قباذ بن أبرويز، ثمانية أشهر، وهلك في الطاعون لأشهر من السنة الخامسة من
الهجرة بعد ما قتل من آخرته ثمانية عشر، وملك بعده ابنه أردشير بن شيرويه
وله من العمر سبع سنين، وقتل بعد سنة وستة أشهر [ (1) ] ، وملك بعده شهر
آران مقدم الفرس، ثم قتل، وأقيمت بعده بوران دخت بنت كسرى أبرويز شهر خرهان
[ (2) ] وقدم خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بجيوش المسلمين
في ولايتهما لاثنتي عشرة سنة مضت من الهجرة فهلكت بعد قدوم خالد بسبعة
أشهر، وهلكت لأربعة أشهر من خلافة عمر رضي اللَّه عنه، فكانت مدتها سنة
وأربعة أشهر، وملك خشنشدة من بني عم أبرويز شهرا، وقيل: سنة [فأقيمت] [ (3)
] بعده أزرميدخت ولم [يكن] [ (3) ] من بيت الملك، وملك [بعدها] [ (3) ]
خرذاوخر ابن أبرويز وهو طفل فأقام شهرا واحدا وملك يزدجرد بن شهريار من
أبرويز وعمره خمس عشرة سنة، ثم قنل بمرو سنة إحدى وثلاثين من الهجرة بعد ما
أقام في المملكة تسع عشرة سنة، وقيل: عشرين سنة ولم يقم بعده ملك فارس
وتمزقوا حتى فنوا ولم يعرف اليوم منهم أحد.
__________
[ (1) ] قال ابن قتيبة في (المعارف) : 665، وكان ملكه خمسة شهور.
[ (2) ] قال ابن قتيبة في (المرجع السابق) : ولم يكن من أهل بيت الملك،
فاحتالت له امرأة من أهل بيت الملك يقال لها [بوران] فقتلته، فكان ملكه
اثنين وعشرين يوما، ثم ملك بعده من ولد هرمز رجلا يقال له كسرى بن قباذ،
وكان ولد بأرض الترك، وقدم عند ما بلغه من الاختلاف، فوثب عليه ملك خراسان
فقتله، وكان ثلاثة أشهر. انظر (تاريخ الطبري) : 2/ 218- 234، ذكر من كان
على ثغر العرب من قبل ملوك الفرس بالحيرة بعد عمرو بن هند.
[ (3) ] في (الأصل) : «فأقيم» ، «يكن» ، «بعده» ، وصوبناه من (المعارف) :
666.
(12/133)
وأما استجابة اللَّه تعالى دعاء رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على المشركين وهزيمتهم يوم بدر
فخرج البيهقي من حديث سفيان عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي
ليلة بدر ويدعو ويقول: اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد [ (1) ] .
وخرّج البخاري [ (2) ] عن طريق سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ
اللَّهِ كُفْراً قال: هم واللَّه كفار قريش، قال عمرو: هم قريش، ومحمد صلّى
اللَّه عليه وسلم نعمة اللَّه وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال:
النار يوم بدر. ذكره في المغازي،
وذكره في التفسير من طريق سفيان، عن عمرو عن وهب عن عبد اللَّه، عن أبي
الطفيل أن ابن الكواء سأل عليا قال: من الذين بدلوا نعمة اللَّه كفرا؟ قال
الأفجران، بنو أمية وبنو مخزوم كفيتهم يوم بدر.
وفي رواية لغير عبد الرزاق
__________
[ (1) ] وتمامه من (الدلائل) :
«لم تعبد في الأرض أبدا، فقال له جبريل عليه السلام: خذ قبضة من تراب، فأخذ
قبضة من التراب فرمي بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه
ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين» .
[ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 382، كتاب المغازي، باب (8) قتل أبي جهل، حديث
رقم (3977) ، كتاب التفسير وباب (3) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً، حديث رقم (7400) .
وروي الطبري من طريق أخرى، عن ابن عباس أنه سأل عمر رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه عن هذه الآية، فقال: من هم؟ قال: هم الأفجران من بني مخزوم وبني
أمية أخوالي وأعمامك، فأما أخوالي فاستأصلهم اللَّه يوم بدر، وأما أعمامك
فأملي اللَّه لهم إلى حين.
ومن طريق على قال: هم الأفجران بنو أمية وبنو المغيرة فقطع اللَّه ودابرهم
يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.
وهو عند عبد الرزاق أيضا والنسائي وصححه الحاكم. قال الحافظ: والمراد بعضهم
لا جميع بني أمية وبني مخزوم، فإن بني مخزم لم يستأصلوا يوم بدر، بل المراد
بعضهم، كأبي جهل من بني مخزوم، وأبي سفيان من بني أمية. (فتح الباري) .
(12/134)
قال: هم كفار قريش الذين فروا يوم بدر.
وقال يونس بن بكير [بسنده] :
حدثني يحيى بن عباد من عبد اللَّه بن الزبير: بين أول يا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ [ (1) ] وبين قول اللَّه تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ
أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [ (2) ] حبي اللَّه قريشا
بالرفعة يوم بدر.
وقال الأعمش: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أخذتهم يوم بدر ريح عقيم،
وقال مجاهد: عن أبي بن كعب في قوله: يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [
(3) ] قال، يوم بدر، وعن أبي هريرة في قوله تعالى: أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ
بِالْعَذابِ [ (4) ] قال: يوم بدر. وقال مجاهد: السيوف يوم بدر، وعن عبد
اللَّه بن مسعود قال: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً [ (5) ] يوم بدر، وعن قتادة
في قوله تعالى:
فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً قال أبي بن كعب هو القتل يوم بدر، وقال مغيرة عن
إبراهيم: اللزوم يوم بدر، وعن مجاهد فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً قال: هزموا
يوم بدر، وقال سعيد، عن ابن مسعود قال: اللزام القتل يوم بدر، وقال الضحال
فقد كذبتم بقول الكفار: كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم أجابه
ابن عبد اللَّه قد مضى اللزام كان اللزام يوم بدر وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ
الْعَذابِ الْأَدْنى [ (6) ] قال: يوم بدر، وعن ابن عباس وَيَقُولُونَ مَتى
هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا
يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [ (7) ]
قال: يوم بدر لا ينفع الذين كفروا إيمانهم.
__________
[ (1) ] المزمل: 1.
[ (2) ] المزمل: 11.
[ (3) ] الحج: 55.
[ (4) ] المؤمنون: 64.
[ (5) ] السجدة: 21.
[ (6) ] السجدة: 21.
[ (7) ] السجدة: 28- 29.
(12/135)
وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث معاوية بن
صالح، عن على بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
أقبلت عير أهل مكة تريد الشام فبلغ أهل المدينة، فخرجوا ومعهم رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم يريدون العير فبلغ أهل مكة ذلك فأسرعوا السير إليها
لكي لا يغلب عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه فسبقت العير رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان اللَّه وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا إن
بلغوا العير أحب إليهم، وأيسر شوكة، وأحضر مغنما، فلما سبقت العير وفاتت
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم بالمسلمين بينهم وبين الماء رسلة دعصة [ (2) ] ، فأصحاب المسلمين ضعف
شديد فألقى الشيطان في قلوبهم القنط ويوسوسهم:
تزعموا أنكم أولياء اللَّه وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم
تصلون مجنبين؟ فأمطر اللَّه عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا، وأذهب
اللَّه رجز الشيطان وانتسق الرمل [ (3) ] حين أصابه المطر ومشى الناس عليه
والدواب فساروا إلى القوم وأمدّ اللَّه نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة
مجنبة، وميكائيل في خمسمائة، قال: اصطف القوم قال أبو جهل: اللَّهمّ أولانا
بالحق فانصره،
ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده فقال: اللَّهمّ إنك ان تهلك
هذه العصابة لم تعبد في الأرض فقال جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ قبضة من
التراب فرمى بها وجوههم فما من المشتركين أحد إلا أصاب عينيه، ومخريه، وفمه
تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين.
ومن حديث الأعمش [ (4) ] ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، أو أبي عبيدة، عن
عبد اللَّه قال لما كان يوم بدر قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم
قعد يدعو قال:
اللَّهمّ عهدك الّذي عهدت إليّ، اللَّهمّ وعدك الّذي وعدتني، اللَّهمّ إن
تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض أبدا.
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 469، ذكر ما جرى من الآيات في غزواته وسراياه
صلّى اللَّه عليه وسلم، ما حدث من المعجزات في غزوة بدر، حديث رقم (400) .
[ (2) ] أي أرض مرملة، رملها زلق تغوص الأقدام فيه.
[ (3) ] انتسق الرمل: انتظم بعضه إلى بعض وزال زلفة.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 474، حديث رقم (408) بسند آخر وسياقه أتم.
(12/136)
وخرج البخاري [ (1) ] من حديث عبد الوهاب
ووهيب قالا: حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال وهو في قبته يوم بدر: اللَّهمّ
أنشدك عهدك ووعدك اللَّهمّ إن تشأ لا تعبد بعد اليوم فأخذ أبو بكر رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه بيده فقال: حسبك يا رسول اللَّه ألححت على ربك وهو
يثب في الدرع، فخرج وهو يقول سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ
[ (2) ] ذكره في كتاب التفسير في باب بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ
وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [ (3) ] وذكره في غزوة بدر [ (4) ] .
وخرج مسلم [ (5) ] والترمذي [ (6) ] من حديث عكرمة بن عمار قال: حدثني سماك
الحنفي. قال: سمعت ابن عباس يقول لما كان يوم بدر. ذكره مسلم في
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 796- 797، كتاب التفسير، باب (5) قوله تعالى:
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، حديث رقم (4875) ، باب (6)
قوله تعالى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ،
حديث رقم (4877) .
[ (2) ] القمر: 45.
[ (3) ] القمر: 46.
[ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 264، كتاب المغازي، باب (4) قول اللَّه تبارك
وتعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي
مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ
اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ
إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ
يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ
السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ
الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ*
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا
الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ
فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ* ذلِكَ
بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ [الأنفال: 9- 12] ، حديث
رقم (3953) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 292، كتاب الجهاد والسير، باب (7)
استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو، حديث رقم (1743) مختصرا.
[ (6) ] (سنن الترمذي) : 4/ 168، كتاب الجهاد، باب (8) ما جاء في الدعاء
عند القتلى، حديث رقم (1678) ، قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود، وهذا
حديث حسن صحيح.
(12/137)
الجهاد وذكره الترمذي في التفسير. وخرجه
مسلم [ (1) ] أيضا من حديث عكرمة بن عمار قال: أخبرني أبو زميل قال حدثني
عبد اللَّه بن عباس قال لما كان يوم بدر نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا فاستقبل نبي
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم القبلة ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربه: اللَّهمّ
أنجز لي ما وعدتني اللَّهمّ آتني ما وعدتني، اللَّهمّ إنك إن تهلك هذه
العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه
مستقبل القبلة حتى سقط رداءه
فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا بني اللَّه! كفاك مناشدتك
ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل اللَّه تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (2) ] فأمده اللَّه بالملائكة. وذكر الحديث.
وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث ابن مهدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق عن حارثة بن
مضرب، عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر
إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير المقداد على فرس أبلق، ولقد
رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت سمرة يصلي
ويبكي حتى أصبح.
ومن حديث إسماعيل بن عوف عن عبد اللَّه بن أبي رافع، عن عبد اللَّه ابن
محمد بن عمر بن على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن أبيه، عن
جده، عن على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما كان يوم بدر
قاتلت شيئا من قتال ثم جئت مسرعا لأنظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم ما فعل؟ فجئت فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، لا
يزيد
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 327- 330، كتاب الجهاد والسير باب (18)
الإمداد بالملائكة في غزوة بدر إباحة الغنائم، حديث رقم (1763) .
[ (2) ] الأنفال: 9.
[ (3) ] (سنن البيهقي) : 3/ 49، باب ما جاء في دعاء النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم على المشركين قبل التقاء الجمعين وبعده، ودعاء أصحابه عليهم،
واستغاثتهم ربهم، واستجابة اللَّه تعالى لهم، وإمدادهم بالملائكة، وإخبار
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن مصارع القوم قبل وقوعها، وما ظهر في ذلك من
آثار النبوة.
والحديث أخرجه النسائي في (الكبرى) ، في الصلاة، عن محمد بن المثنى، عن
محمد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب.
(12/138)
عليها فرجعت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد
يقول ذلك فلم يزل يقول ذلك حتى فتح اللَّه عليه.
ومن حديث يحيى، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللَّه،
قال: ما سمعت مناشدا ينشد حقا له أشد من مناشدة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم
يوم بدر، جعل يقول: اللَّهمّ إني أنشدك عهدك ووعدك اللَّهمّ إن تهلك هذه
العصابة لا تعبد، ثم التفت كأن شق وجهه القمر فقال: كأنما انظر إلى مصارع
القوم عشية [ (1) ] .
وقال الواقدي: في غزوة بدر: ثم سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى
أتى الروحاء فحدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن أبان بن صالح، عن سعيد بن
المسيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما رفع رأسه من الركعة
الأخيرة من وتره لعن الكفرة وقال: اللَّهمّ لا تفلتن أبا جهل فرعون هذه
الأمة، اللَّهمّ لا تفلتن زمعة ابن الأسود، اللَّهمّ واسخن عين أبي زمعة،
وأعم بصر أبي زمعة، اللَّهمّ لا تفلتن لا يغلبن سهيلا، اللَّهمّ أنج سلمة
بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين.
قال: والوليد بن الوليد، لم يدع له يومئذ، أسر ببدر، ولكنه لما رجع إلى مكة
بعد بدر أسلم، فأراد أن يخرج إلى المدينة، فجلس، فدعا له النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم بعد ذلك. هكذا ذكر الواقدي هذا الحديث مرسلا [ (2) ] .
قال: فحدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري عن عروة بن الزبير ومحمد بن
صالح، عن عاصم بن عمر، ويزيد بن رومان، قالا: لما رأى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم قريشا تصوب من الوادي، وكان أول من طلع زمعة بن الأسود
على فرس له يتبعه ابنه، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوأ للقوم منزلا.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إنك أنزلت عليّ الكتاب
وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين، وأنت لا تخلف الميعاد، اللَّهمّ
إن هذه قريش قد أقبلت
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 51، (مسند أحمد) : 1/ 51، حديث رقم (208) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 46.
(12/139)
بخيلائها وفخرها تحادّك، وتكذّب رسولك،
اللَّهمّ نصرك الّذي وعدتني، اللَّهمّ أحنهم الغداة [ (1) ] .
حدثني معمر بن راشد عن الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صعير قال:
واستفتح أبو جهل يوم بدر فقال: اللَّهمّ أقطعنا للرحم وأتانا بما لا يعلم
فأحنه الغداة [ (2) ] . فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا
فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [ (3) ]
الآية.
وحدثني عمر بن عقبه، عن سعيد مولى ابن عباس قال: سمعت ابن عباس رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما يقول: لما تواقف الناس أغمي على رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ساعة ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبريل في جند من الملائكة
في ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر في ميسرة رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم وإسرافيل في جند آخر بألف [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 59.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 70.
[ (3) ] الأنفال: 19.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 1/ 70- 71.
(12/140)
وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه
عليه وسلم في تعيينه مصارع المشركين ببدر
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شاور
حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فأعرض عنه ثم تكلم عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعرض عنه، فقام سعد بن
عباده رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: إيانا تريد يا رسول اللَّه؟
والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب
أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
قال: فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الناس فانطلقوا حتى نزلوا
بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه، وكان
أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان فيقول: ما
لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف، فإذا ذلك
ضربوه، فقال: نعم أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال ما لي
بأبي سفيان علم، ولكن أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال
ذلك ضربوه، فقال: نعم، أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال:
ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في
الناس،
فإذا قال هذا أيضا ضربوه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم ويصلي.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 366- 368، كتاب الجهاد والسير، باب (30)
غزوة بدر، حديث رقم (1779) . قال الإمام النووي: قال العلماء: إنما قصد
صلّى اللَّه عليه وسلم اختبار الأنصار، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يكن
بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال وطلب العدو، وإنما بايعهم على أن يمنعوه
ممن يقصده، فلما عرض الخروج لعير أبي سفيان، أراد أن يعلم أنهم يوافقون على
ذلك، فأجابوه أحسن جواب بالموافقة التامة في هذه المرة وغيرها. وفيه
استشارة الأصحاب وأهل الرأى والخبرة. (شرح النووي) .
(12/141)
فلما رأى ذلك انصرف، قال: والّذي نفسي بيده
لتضربونه إذا صدقكم، وتتركونه إذا كذبكم قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم: هذا مصرع فلان، قال:
ويضع يده علي الأرض، هاهنا وهاهنا، قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث موسى بن إسماعيل عن حماد فذكره إلي أن،
قال: وقال أنس قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هذا مصرع فلان غدا
ووضع يده على الأرض وهذا مصرع فلان وفلان غدا ووضع يده على الأرض، فقال:
والّذي نفسي بيده ما جاوز واحد منهم عن موضع يد رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم فأمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذ بأرجلهم فسحبوا
في قليب بدر.
وخرج مسلم [ (2) ] من حديث سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت عن أنس قال، كنا
مع عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بين مكة والمدينة، قال:
فتراءينا الهلال- وكنت رجلا حديد البصر- فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري
قال: أقول لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أما تراه؟ فجعل لا يراه.
قال: يقول عمر: بينا سأراه وأنا مستلق على فراشي ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر
فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يرينا مصارع القوم بالأمس
يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء اللَّه. قال: فقال عمر رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه: فو الّذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حدّ رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فجعلوا في بئر
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 3/ 130- 131، كتاب الجهاد، باب (125) في الأسير
ينال منه، ويضرب ويقرر، حديث رقم (2681) ، وفيه دليل على جواز ضرب الأسير
الكافر، إذا كان في ضربه طائل. (معالم السنن) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 211، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب
(17) عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ
منه، حديث رقم (2873) ، وفيه معجزة ظاهرة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم،
قال القاضي عياض: يحمل سماعهم على ما يحمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب
القبر وفتنته التي لا مدفع لها، وذلك بإحيائهم، أو إحياء، جزء منهم يعقلون
به ويسمعون، في الوقت الّذي يريد اللَّه، هذا كلام القاضي، وهو الظاهر
المختار الّذي يقتضيه أحاديث السلام على القبور، واللَّه تبارك وتعالى
أعلم. (شرح النووي)
(12/142)
بعضهم على بعض، فانطلق رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم حتى انتهى إليهم فقال: يا فلان ابن فلان، ويا فلان بن
فلان، هل وجدتم ما وعدكم اللَّه ورسوله حقا؟ فإنّي وجدت ما وعدني اللَّه
حقا قال عمر: يا رسول اللَّه! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟
قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا عليّ
شيئا.
وخرّج البيهقي [ (1) ] من طريق أبي نعيم قال: حدثنا إسرائيل عن سماك عن
عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: لما فرغ رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم من القتلى قيل له: عليك العير [ (2) ] ليس دونها شيء
فناداه العباس وهو في وثاقه: أنه لا يصلح لك قال: لأن اللَّه وعدك إحدى
الطائفتين وقد أنجز ما وعدك.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 96، باب إجابة اللَّه عز وجل دعوة رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على كل من كان يؤذيه بمكة من كفار قريش حتى
قتلوا مع إخوانهم من الكفرة ببدر. وأخرجه الترمذي في (صحيحه) في تفسير سورة
الأنفال، حديث رقم (3080) ، عن عبد بن حميد، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن
صحيح.
[ (2) ] وهي عير أبي سفيان التي خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من
المدينة يريدها، وليس دونها شيء، أي ليس دون العير شيء يزاحمك.
(12/143)
وأما تبرّؤ إبليس من قريش في يوم بدر
بعد ما زين لهم أن يخرجوا لقتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال
إني جار لكم فقال اللَّه تبارك وتعالى:
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ
الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ
الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ ...
إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ [ (1) ] فقوله: زَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ هي ما كانوا فيه من الشرك باللَّه وعبادة
الأصنام ومسيرهم إلى بدر، وعزمهم على قتال الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم،
وقوله: جارٌ لَكُمْ أي مجيركم من بني كنانة والفئتان جمعا المؤمنين
والكافرين، وقيل: فئة المؤمنين وفئة الملائكة، نَكَصَ رجع على عقبيه في ضد
إقباله، وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ مبالغة في الخذلان والانفصال عنهم،
لم يكتف بالفعل حتى أكد ذلك بالقول أَرى ما لا تَرَوْنَ أي خرق العادة،
ونزول الملائكة إِنِّي أَخافُ اللَّهَ قال قتادة، وابن الكلبي: معذرة كاذبة
لم يخف اللَّه قط.
وقال الزجاج وغيره: بل خاف مما رأى أن يكون اليوم الّذي انظر اليه
وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ قال ذلك بسطا لعذره عندهم وهو متحقق أن عقاب
اللَّه شديد، ويحتمل أن يكون من كلام اللَّه تعالى، استأنفه تهديدا لإبليس
ومن تابعه من مشركي قريش وغيرهم، واتفق الجمهور على أن هذا التزيين والنكوص
والقول صدر حقيقة، وزعم الزمخشريّ جريا على عادته في بدعته أنه وسوس إليهم
أنهم لا يغلبون، ولا يطاقون وأن نكوصه وتبرئه منهم هو بطلان كيده حين تزل
جنود اللَّه، فيكون ما ذكر اللَّه يعبر عن إبليس على قوله: إنما هو على
سبيل المجاز.
__________
[ (1) ] الأنفال: 48.
(12/144)
ونقل عن الحسن أن ذلك كان على سبيل الوسوسة
ولم يتمثل لهم، هذا مبني على ما أصّله المعتزلة من امتناع رؤية الجن أو
امتناع وجودهم، والقرآن والسنة وآثار السلف يردون [ (1) ] ذلك، قال ابن
إسحاق، وقد ذكر الحرب التي كانت بين قريش وبين بني بكر: وحدثني يزيد بن
رومان عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير ذكرت الّذي بينها وبين
بني بكر فكان يثنيهم فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم
المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة فقال: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من
خلفكم، فخرجوا سراعا.
ثم ذكر محمد بن إسحاق من رواية أبي محمد عبد الملك بن هشام وقعه بدر إلى أن
قال: وعمير بن وهب أو الحارث بن هشام فذكر أحدهما رأى إبليس حين نكص على
عقيبة يوم بدر فقال: أين سراقة؟ ومثل عدو اللَّه فذهب فأنزل اللَّه فيه.
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ
الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فذكر استخراج إبليس أباهم
وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر من عبد
مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم بقول اللَّه عز وجل فَلَمَّا
تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ ونظر عدو اللَّه إلى جنود اللَّه من الملائكة
قد أيّد اللَّه بهم رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم والمؤمنين على عدوهم
نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا
تَرَوْنَ وصدق عدو اللَّه، رأى ما لم يروا وقال: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ
وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة
سراقة لا ينكرونه، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان نكص على عقبيه
فأوردهم ثم أسلمهم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] في الأصل: «يردان» ، وما أثبتناه حق اللغة.
[ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 215- 216، من رأى إبليس عند ما نكص على عقبيه
يوم بدر، وقال في هامشه: وذكر غير ابن إسحاق: أن الحارث بن هشام تشبث به،
وهو يرى أنه سراقة ابن مالك، فقال: إلى أين يا سراقة؟ أين تفر؟ فلكمه لكمة
طرحه إلى قفاه.
(12/145)
وقال يونس بن بكير عن إسحاق حدثني عبد
اللَّه بن أبي بكر بن حزم عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيد مالك بن
ربيعة بعد ما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصرى لأخبركم
بالشعب الّذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى، فلما نزلت الملائكة
ورآها إبليس وأوحى اللَّه إليهم أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ
آمَنُوا وتثبيتهم أن الملائكة تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول أبشروا
فإنّهم ليسوا بشيء كروا عليهم واللَّه معكم، كروا عليهم، فلما رأى إبليس
الملائكة نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو
جهل يحرض أصحابه ويقول لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على موعد من
محمد وأصحابه، ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى تقرن محمد وأصحابه في
الجبال، فلا تقتلوهم، وخذوهم أخذا [ (1) ] .
وقال عثمان بن سعيد الدرامي: حدثنا عبد اللَّه بن صالح قال حدثني معاوية بن
صالح عن على بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله
تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قال: أقبلت عير
أهل مكة تريد الشام فبلغ أهل المدينة ذلك فخرجوا ومعهم رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم
__________
[ () ] وإنما تمثل في صورة سراقة المدلجي، لأنهم خافوا من بني مدلج أن
يعرضوا لهم، فيشغلوهم من أجل الدماء التي كانت بينهم، فتمثل لهم إبليس في
صورة سراقة المدلجي، وقال:
إني جار لكم من الناس، أي من بني مدلج.
ويروى أنهم رأوا سراقة بمكة بعد ذلك، فقالوا له: يا سراقة! أخرقت الصف،
وأوقعت بنا الهزيمة، فقال: واللَّه ما علمت بشيء من أمركم حتى هزيمتكم، وما
شهدت، وما علمت، فما صدقوه، حتى أسلموا وسمعوا ما أنزل اللَّه تعالى،
فعلموا أنه إبليس تمثل لهم. وقول اللعين: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ لأهل
التأويل فيه أقوال، أحدها: أنه كذب من قوله: إني أخاف اللَّه، لأن الكافر
لا يخاف اللَّه، والثاني: أنه رأى جنود اللَّه تنزل من السماء، فخاف أن
يكون اليوم الموعود الّذي قال اللَّه فيه: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ
لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ، الثالث:
إنما خاف أن تدركه الملائكة لما رأي من فعلها بحزبه الكافرين.
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 52- 53.
(12/146)
يريدون العير فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا
السير إليها لكي لا يغلب عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكان اللَّه
تعالى وعدهم إحدى الطائفتين وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة
وأحضر مغنما، فلما سبقت العير وفاتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
بالمسلمين يريد القوم فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم والمسلمون وبينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمين
ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم القنط، يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء
اللَّه وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذلك فأمطر اللَّه
عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب اللَّه عنهم رجز الشيطان
وصار الرمل كذا [ (1) ] ، ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر، ومشى الناس عليه
والدواب، فساروا إلى القوم وأمدّ اللَّه نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة
وكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة وميكائيل عليه السلام
في خمسمائة مجنبة، وجاء إبليس لعنه اللَّه في جند من الشياطين معه، رأيته
في صورة رجال بني مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال
الشيطان للمشركين:
لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطفّ القوم قال أبو جهل:
اللَّهمّ أولانا بالحق فانصره،
ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه وقال: اللَّهمّ إن تهلك هذه
العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ
قبضة من تراب فرمى بها وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه
ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين،
وأقبل فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولّى
مدبرا وشيعته، فقال رجل:
يا سراقة ألم تزعم أنك لنا جار؟ قال: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي
أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ [ (2) ] وذلك حين رأى
الملائكة.
وذكره موسى بن عقبة في مغازيه في غزوة بدر إلى أن قال: وأقبل المشركون
ومعهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي يحدثهم أن بني كنانة
وراءه قد أقبلوا للنصر وقال: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ
وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ
__________
[ (1) ] في بعض النسخ: «مستقا» ، أي يصلح للسير عليه بعد جفافه.
[ (2) ] الأنفال: 48.
(12/147)
[ (1) ] لما أخبرهم من مسير بني كنانة،
وقال: وأنزل اللَّه تعالى:
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ
النَّاسِ [ (2) ] هذه الآية والتي بعدها ثم ساق القصة ونزول الملائكة إلى
أن قال: ونكص الشيطان على عقبيه حين رأى الملائكة وتبرأ من نصر أصحابه.
وقد ذكر ذلك الواقدي أيضا في (مغازيه) [ (3) ] قال: فلما أجمعت قريش المسير
وذكروا الّذي بينهم وبين بني بكر من العداوة وخافوهم على من تخلف وكان
أشدهم خوفا عتبة بن ربيعة، وكان يقول: يا معشر قريش إنكم وإن ظفرتم بالذي
تريدون فإنا لا نأمن على من تخلف إنما تخلف نساء وذرية، ومن لا طعم به
فارتأوا رأيكم فتصور لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي
فقال: يا معشر قريش قد عرفتم شرفي ومكاني في قومي، وأنا لكم جار أن تأتيكم
كنانة بشيء تكرهونه فطابت نفس عتبة فقال له أبو جهل: فما تريد؟
هذا سيد كنانة هو لنا جار على من تخلف. فقال عتبة: لا شيء أنا خارج.
ثم ذكر القصة وقال [ (4) ] : فحدثني عمر بن عقبة عن سعيد مولى بن عباس قال:
سمعت ابن عباس يقول: لما تواقف الناس أغمي على رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم ساعة ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبريل في جند من الملائكة ميمنة
الناس، وميكائيل في جند آخر في ميسرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
وإسرافيل في جند آخر بألف، وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن جعشم يذمر
المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس فلما أبصر عدو اللَّه
الملائكة نكص على عقبيه وقال:
إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ [ (5) ] ، فتشبث به
الحارث بن هشام وهو يرى أنه سراقة، لما سمع من كلامه، فضرب في صدر الحارث
فسقط الحارث
__________
[ (1) ] الأنفال: 48.
[ (2) ] الأنفال: 47.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 37- 38.
[ (4) ] الأنفال: 48.
[ (5) ] الأنفال: 48.
(12/148)
وانطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر،
فرفع يديه وقال: يا رب موعدك الّذي وعدتني.
وأقبل أبو جهل على أصحابه يحضهم على القتال، وقال: لا يغرنكم خذلان سراقة
إياكم فإنما كان على ميعاد من محمد وأصحابه، سيعلم إذا رجعنا إلى قديد ما
نصنع بقومه لا يهولنكم مقتل عتية وشيبة والوليد، فإنّهم عجلوا وبطروا حتى
قاتلوا، وأيم اللَّه لا نرجع اليوم حتى نقرن محمد وأصحابه في الحبال، ولا
ألفين أحدا منكم قتل منهم أحدا، ولكن خذوهم أخذا نعرفهم بالذي صنعوا
لمفارقتهم دينكم ورغبتهم عما كان يعبد آباؤكم.
وحدثني أبو إسحاق بن محمد عن إسحاق بن عبد اللَّه عن عمر بن الحكم قال:
نادى يومئذ نوفل بن خويلد بن العدوية: يا معشر قريش إن سراقة وقد عرفتم
قومه وخذلانهم لكم في كل موطن فاصدقوا القوم الضرب فإنّي أعلم أن ابني
ربيعة قد عجلا في مبارزتهما من يبارز.
وحدثني عبيد بن يحيى عن معاذ بن رافعة بن رافع عن أبيه قال: إن كنا لنسمع
من إبليس خورا، ودعا بالويل والثبور، وتصور في صورة سراقة بن جعشم حتى هرب
فاقتحم البحر ورفع يديه مدا يقول: يا رب ما وعدتني، ولقد كانت قريش بعد ذلك
ثعير سراقة بما صنع يومئذ فيقول: واللَّه ما صنعت منه شيئا [ (1) ] .
وحدثني أبو إسحاق الأسلمي عن الحسن بن عبيد اللَّه بن حنين مولى بني العباس
عن عمارة بن أكيمة الليثي قال: حدثني شيخ عرّاك من الحي كان يومئذ على
الساحل مطلا على البحر، قال: سمعت صياحا: يا ويلاه! قد ملأ الوادي، يا
حزناه، فنظرت فإذا سراقة بن جعشم فدنوت منه فقال مالك: فداك أبي وأمي؟ فلم
يرجع إليّ شيئا، ثم أراه اقتحم البحر فرفع يديه مدا يقول:
يا رب ما وعدتني، فقلت في نفسي: جنّ وبيت اللَّه سراقة، وذلك حين زاغت
الشمس وذلك عند انهزامهم يوم بدر [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 74- 75.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 75، وعراك يعني صياد.
(12/149)
وقال الضحاك: جاءهم إبليس يومئذ برايته
وجنوده وألقى في قلوبهم أنهم انهزموا وهم يقاتلون على دين آبائهم.
وخرج مالك [ (1) ] رحمه اللَّه في (الموطأ) عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة
بن عبيد اللَّه بن كريز أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال ما رئي
الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولا أحقر، ولا أدحر، ولا أغيظ منه، في يوم عرفة،
وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز اللَّه عن الذنوب العظام، إلا
ما رأى يوم بدر فقيل: ما رأى يوم بدر يا رسول اللَّه؟ فقال أما إنه قد رأى
جبريل يزع [ (2) ] الملائكة.
قال أبو عمر بن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عند جماعة الرواة له
عن مالك. ورواه أبو النضر إسماعيل بن إبراهيم العجليّ عن مالك، عن إبراهيم
بن أبي عبلة، عن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز، عن أبيه ولم يقل في هذا
الحديث: عن أبيه غيري وليس بشيء، وطلحة بن عبيد اللَّه بن كريز هذا خزاعيّ
من أنفسهم، تابعي، مدني، ثقة سمع ابن عمر وغيره، قال البخاري: سمع أم
الدرداء. قال أبو عمر: هذا حديث حسن في فضل شهود ذلك الموقف المبارك، قال
ومعني هذا الحديث محفوظ من وجوه كثيرة واللَّه أعلم.
__________
[ (1) ] (الموطأ) : 291، جامع الحج، حديث رقم (954) .
[ (2) ] أي يصفهم للقتال ويدفع بهم لنصر المؤمنين.
(12/150)
وأما تصديق اللَّه تعالى الرسول صلّى
اللَّه عليه وسلم في إخباره بمكة لأبي جهل أنه يقتل فقتله اللَّه ببدر
وأنجز وعده لرسوله
فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا عبد العزيز بن
عمران، حدثنا سعيد بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه قال: قال أبو جهل بن هشام: إن محمدا يزعم أنكم إن لم تطيعوه كان
لكم منه ذبح، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنا أقول ذلك، فلما
نظر إليه يوم بدر مقتولا قال: اللَّهمّ قد أنجزت لي ما وعدتني،
فوجه أبا سلمة بن عبد الأسد قبل أبي جهل، فقيل لابن مسعود رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه: أنت قتلته؟ قال: بل اللَّه قتله، فقال أبو سلمة: فأنت قتلته؟
قال: نعم، فقال أبو سلمة: لو شاء لجعلك في كفه، قال ابن مسعود: فو اللَّه
لقد قتلته وجردته، قال: فما علامته؟ قال: شامة سوداء ببطن فخذه اليسرى،
فعرف أبو سلمة النعت، فقال جردته ولم تجرد قرشيا غيره،
وقد تقدم قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ عليك بأبي جهل بن هشام
ودعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم على قوم آخرين، وقول ابن مسعود: فو الّذي بعث
محمدا بالحق لقد رأيت الّذي سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب، قليب
بدر.
وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث يوسف بن الماجشون، عن صالح بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عوف، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن
عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: بينما أنا
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 477- 478، حديث رقم (411) بسند اخر، (سيرة ابن
هشام) :
3/ 182- 185، فقتل أبي جهل، (دلائل البيهقي) : 3/ 84- 86.
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 303، كتاب فرض الخمس، باب (18) من لم يخمس
الأسلاب، ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه، حديث
رقم (3141) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 402، كتاب الجهاد والسير، باب (41) قتل
أبي جهل، حديث رقم (118) .
(12/151)
واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وعن
شمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانها فتمنيت أن لو كنت بين
أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم وما
حاجتك إليه يا ابن أخي؟
قال: أخبرت أنه يسبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! والّذي نفسي بيده
لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يومت الأعجل منا قال: فتعجبت لذلك،
فغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يرفل إلى الناس.
وقال البخاري: يجول في الناس، فقلت: ألا تريان هذا صاحبكم الّذي تسألان
عنه؟ قال: فابتدراه فضرباه بسيفهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبراه فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا
قتلته، فقال: هل مسحتما سيفيكما فقالا: لا فنظر في السيفين فقال كلاكما
قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن
الجموح ومعاذ بن عفراء [ (1) ] ، ذكره البخاري في كتاب فرض الخمس في باب من
لم يخمس الأسلاب.
وقال محمد بن إسحاق [ (2) ] حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة مولى ابن عباس، عن
ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما وعبد اللَّه بن أبي بكر أيضا قد
حدثني ذلك قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة: سمعت القوم وأبو جهل
في مثل الحرجة [ (3) ] وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، فلما سمعتها
جعلته من شأني، فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه
بنصف ساقه، فو اللَّه ما أشبهها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخه
النوى حين تضرب بها، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من
جنبي فأجهضني القتال عنه، ولقد قاتلت عامة
__________
[ (1) ] ثم قال بعد ذلك: قال محمد سمع يوسف صالحا، وسمع إبراهيم أباه عبد
الرحمن بن عوف.
[ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 182- 184، فقتل أبي جهل عليه لعنة اللَّه
تعالى.
[ (3) ] قال ابن هشام: الحرجة: الشجر الملتف، وفي الحديث عن عمر بن الخطاب
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أنه سأل أعرابيّا عن الحرجة، فقال: هي شجرة
من الأشجار لا يوصل إليها، وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه. (المرجع
السابق) .
(12/152)
يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني وضعت
عليها قدمي ثم تمطيت حتى طرحتها، قال [ (1) ] : ثم عاش معاذ بعد ذلك حتى
كان زمان عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: ثم مرّ بأبي جهل معوذ بن
عفراء فضربه حتى أثبته فتركته وبه رمق، وقاتل معوذ، فمر عبد اللَّه بن
مسعود بأبي جهل حين أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يلتمس في
القتلى،
قال: ولقد قال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- فيما بلغني-: انظروا
إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح بركبته
فإنّي ازدحمت أنا وهو على مأدبة لعبد اللَّه بن جدعان ونحن غلمان، فكنت أسن
منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش في إحداهما، جحشا لم يزل أثره [به]
[ (2) ] . قال عبد اللَّه بن مسعود: فوجدته بآخر رمق، فعرفته، فوضعت رجلي
على عنقه، وقد كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني [ولكزني] [ (3) ] ثم قلت: هل
أخزاك اللَّه أي عدو اللَّه؟ قال: وبماذا أخزاني عدا رجل قتلتموه، أخبرني
لمن الدبرة؟ قلت اللَّه ورسوله أعلم،
وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لي: لقد ارتقيت يا
رويعي الغنم مرتقى صعبا، ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه، هذا رأس عدو اللَّه أبي جهل! فقال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: آللَّه الّذي لا إله غيره؟ قلت: نعم واللَّه
الّذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يديه، فحمد اللَّه [ (4) ] معنا.
وخرج البخاري [ (5) ] من حديث إسماعيل بن عليّة قال: حدثنا سليمان التميمي،
حدثنا أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يوم بدر: من ينظر ما يصنع أبو جهل
فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فقال: أأنت أبو جهل؟
قال: وهل فوق رجل قتلتموه؟ قال
__________
[ (1) ] أي ابن إسحاق في (المرجع السابق) . ومرضخة النووي: كالإرزبة يدق
بها النوى للعلف وأجهضتني: غلبتني.
[ (2) ] في (الأصل) : «بعد ذلك» وما أثبتناه من (سيرة ابن هشام) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . وضبث: قبض عليه ولزمه.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 184- 185، رأس عدوّ اللَّه بين يدي رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (5) ] (فتح الباري) : 7/ 372، كتاب المغازي باب (8) قتل أبي جهل (3962) ،
(3963) .
(12/153)
سليمان أو قال: قتله قومه. قال: وقال أبو
مجلز: قال أبو جهل «فلو غير أكار قتلني. وخرج من طريق إسماعيل أنبأنا قيس
عن عبد اللَّه أنه أتى أبا جهل وبه رمق يوم بدر، فقال أبو جهل هل أعمد من
رجل قتلتموه [ (1) ] .
ومن طريق زهير حدثنا سليمان أن أنسا حدثهم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
قال: من ينظر ما صنع أبو جهل؟
فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال: أنت أبو جهل؟ وقال
أحمد بن يونس: عن زهير أنت أبو جهل؟ فأخذ بلحيته قال: وهل فوق رجل قتلتموه
أو قتله قومه؟ [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من طريق ابن علية.
وخرج البيهقي [ (4) ] من طريق غنام بن على قال: حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق،
عن عبد اللَّه قال: انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع وعليه بيضة، ومعه سيف جيد،
ومعي سيف رث، فجعلت أنقف رأسه بسيفي وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة حتى
ضعفت يدي فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال على من كانت الدبرة؟ لنا أم علينا؟
أليست رويعينا بمكة؟
قال: فقتلته، ثم أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت قتلت أبا جهل؟ قال:
آللَّه الّذي لا إله إلا هو؟ فاستحلفني ثلاث مرات ثم قام معي إليهم فدعا
عليهم.
ومن طريق أبي صالح قال: حدثنا أبو إسحاق الفراري، عن سفيان، عن أبي إسحاق،
عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر
فقلت أبا جهل، فقال اللَّه الّذي لا إله إلا هو؟ قلت اللَّه الّذي لا إله
إلا هو، مرتين أو ثلاثا قال: اللَّه أكبر، الحمد للَّه الّذي صدق عده، ونصر
عبده، وهزم
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : باب (8) قتل أبي جهل، حديث رقم (3962) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2963) .
[ (3) ]
(مسلم بشرح النووي) : 12/ 402، كتاب الجهاد والسير، باب (41) قتل أبي جهل،
حديث رقم (1800) ، ثم قال حدثنا حامد بن عمر البكراوي، حدثنا أنس، قال:
قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من يعلم لي ما فعل أبو جهل،
بمثل حديث ابن علية، وقول أبي مجلز كما ذكره إسماعيل.
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 87- 88، باب إجابة اللَّه عز وجل دعوة رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على كل من كان يؤذيه بمكة من كفار قريش حتى
قتلوا مع إخوانهم.
(12/154)
الأحزاب وحده، ثم قال «انطلق فأرنيه
فانطلقت فأريته فقال: هذا فرعون هذه الأمة [ (1) ] .
وقال الإمام أحمد [ (2) ] حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن أبي عبيده عن النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: إن هذا فرعون أمتي، يعني أبا جهل.
وقال الواقدي [ (3) ] : وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مصرع
ابني عفراء فقال يرحم اللَّه ابني عفراء فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة
ورأس أئمة الكفر، فقيل: يا رسول اللَّه ومن قتله معهما؟ قال: الملائكة وابن
مسعود شرك في قتله.
قال الواقدي: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الحمد اللَّه الّذي
جعل خدّ أبي جهل الأسفل، وصرعة، وشفانا منه.
وذكر يونس بن بكير عن عنبة بن الأزهر، عن أبي إسحاق قال: لما جاء رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم البشير يوم بدر بقتل أبي جهل استحلفه ثلاث
أيمان باللَّه الّذي لا إله إلا هو، لقد رأيته قتيلا فحلف له فخرّ رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا وقد جاء أنه صلّى اللَّه عليه وسلم صلي
ركعتين.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 88، وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب (142) في
الرخصة في السلاح يقال به في المعركة، حديث رقم (2709) عن محمد بن العلاء،
عن إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي عبيدة، عن عبد اللَّه بن
مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وأخرجه النسائي في السير من (السنن الكبرى) ، عن عمرو بن يزيد الجرمي، عن
أبيه عن خالد القيسي، عن شعبة عنه ببعضه.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 665، حديث رقم (3814) مطولا، 666، حديث رقم
(3815) مختصرا، كلاهما من مسند عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه.
[ (3) ]
(مغازي الواقدي) : 1/ 91، وفيه: «فقيل يا رسول اللَّه ومن قتله معهما؟ قال:
الملائكة، وذافّه ابن مسعود، فكل قد شرك في قتله،
وما أثبتناه من (الأصل) . وذافّه: أجهز عليه.
(الصحاح) .
(12/155)
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء الرسول صلّى
اللَّه عليه وسلم على أمية بن خلف وقتله ببدر
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث يوسف بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه قال: كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتى بمكة وأحفظه في
صاغتيه بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك
الّذي كان في الجاهلية، فاكتبته عبد عمرو، فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل
لأحرزه حين نام الناس فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال
أمية بن خلف: لا نجوت إن نجا أمية، فجمع معه فريق من الأنصار في آثارنا
فلما خشيت أن يلحقونا، خلفت لهم ابنه لأشغلهم به فقتلوه، ثم أبوا حتى
يتبعونا. وكان رجلا ثقيلا فلما أدركونا قلت له:
ابرك، فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فجللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه،
وأصاب أحدهم رجلي بسيفه، وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر
قدمه.
قال البخاري سمع يوسف صالحا وإبراهيم إياه ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب
الوكالة، وترجم عليه إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب أو في دار السلام
جاز، وخرجه في غزوة بدر [ (2) ] ، وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق [ (3) ]
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 604، كتاب الوكالة، باب (2) إذا وكل المسلم
حربيا في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز، حديث رقم (2301) قال الحافظ في
(الفتح) : ووجه أخذ الترجمة من هذا الحديث أن عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه وهو مسلم في دار الإسلام، فوض إلى أمية بن خلف وهو كافر
في دار الحرب ما يتعلق بأموره، والظاهر اطلاع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
عليه ولم ينكره. قال ابن المنذر: توكيل المسلم حربيا مستأمنا، وتوكيل
الحربي المستأمن مسلما لا خلاف في جوازه.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 379، كتاب المغازي، باب (8) قتل أبي جهل،
حديث رقم (3971) .
[ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 179- 181، مقتل أمية بن خلف، عليه لعنة
اللَّه تعالى.
(12/156)
قال: حدثني يحيى بن عباده بن عبد اللَّه بن
الزبير عن أبيه، وحدثني صالح بن إبراهيم عن عبد الرحمن بنو عوف قالا: كان
عبد الرحمن بن عوف يقول كان أمية بن خلف صديقا لي بمكة وكان اسمي عبد عمرو،
فلما أسلمت سميت عبد الرحمن، فلقيني فقال: يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماك
به أبوك؟ فأقول نعم هداني اللَّه للإسلام فسميت عبد الرحمن قال إني لا أعرف
الرحمن أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول وأما أنا فلا أدعوك باسمك الآخر
فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به تجيبني، فقلت: يا أبا على فقل ما شئت، قال:
فأنت عبد الإله، وكان إذا لقيني قال يا عبد الإله فلما كان يوم بدر وهزم
الناس استلبت أدراعا فمررت بهم أحملهن فرآني أمية وهو قائم مع ابنه عليّ
آخذ بيده فقال: يا عبد عمرو، فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله فقلت: نعم،
فقال: هل لك فىّ وفي ابني فنحن خير لك من الأدراع التي تحمل؟ فقلت: نعم
هايم اللَّه [ (1) ] إذا فألقيت الأدراع فأخذت بيده وبيد ابنه فجعل يقول:
ما رأيت كاليوم قط أما لكم حاجه في اللبن؟ يقول الفداء فو اللَّه إني لأمشي
معهما إذ رآهما معي بلال فقال رأس الكفر أمية بن خلف: لا نجوت إن نجوت!
فقلت: أي بلال أبأسيري، فقال لا نجوت إن نجا، فصرخ بأعلى صوته يا معشر
الأنصار رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا فأحاطوا بنا حتى جعلونا في
مثل المسكة وجعلت أذب عنهما وأقول أسيري إذ أخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه
فطرحها فصاح أمية صيحة واللَّه ما سمعت صيحة مثلها قط، فقلت: أنج بنفسك فو
اللَّه ما أغني عنك شيئا ونجاة فهبروه واللَّه بأسيافهم، حتى فرغوا منه،
وكان عبد الرحمن يقول يرحم اللَّه بلالا ذهبت أدراعي وفجعني بأسيريّ [ (2)
] .
__________
[ (1) ] كذا في (الأصل) ، في (المرجع السابق) : «ها اللَّه ذا» ، ها: حرف
تنبيه، وذا: اسم إشارة يشير به إلى نفسه، وقال بعضهم: إلى القسم، أي أضمره،
وقام التنبيه مقامه، كما يقوم الاستفهام مقامه، فكأنه قال: ها أنا ذا مقسم،
وفعل بالاسم المقسم به بين ها، وذا، فعلم أنه هو القسم فاستغنى عن أنا،
وكذا في قول أبى بكر: لاها اللَّه ذا. (هامش المرجع السابق) .
[ (2) ] سبق تخريجه. والمسكة: الحلقة. وأخلف: سلّ.
(12/157)
وخرج أبو نعيم من طريق يحيى بن بكير قال:
حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد اللَّه بن مسعود أن
سعد بن معاذ خرج معتمرا فنزل على أمية بن خلف وكان أمية إذا خرج إلي الشام
نزل على سعد فقال له: أمهل حتى يسكن أو يهدأ الناس ثم تطوف بالبيت فبينا هو
يطوف بالبيت إذا رآه أبو جهل فقال من ذا الّذي يطوف بالبيت؟ قال: أنا سعد
بن معاذ، قال: تطوف بالبيت وقد آويتم محمدا وأصحابه؟ فقال له سعد: واللَّه
لئن منعتني لأقطعن عليك متجرك من الشام، فجعل أمية يمسك سعدا ويقول: لا
ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيّد أهل الوادي، فغضب سعد ودفع في صدر أمية
وقال: دعنا عنك فقد سمعت محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، قال:
إياي؟ قال:
نعم، قال: فو اللَّه ما يكذب محمد، فلما رجع إلى أم صفوان قال لها: أما
تعلمين ما قال أخي اليثربي؟ قالت فو اللَّه ما يكذب محمد فلما جاء الصريخ
فخرجوا إلى بدر قالت له امرأته: أما تذكر ما قال أخوك اليثربي؟ فأراد أن
يقعد فقال له أبو جهل- أخزاه اللَّه-: إنك من أشراف أهل الوادي فسر بنا
يوما أو يومين فسار معهم فقتله اللَّه تعالى.
وقال الواقدي [ (1) ] : وكان عبد الرحمن بن عوف يقول إني لأجمع أدراعا يوم
بدر بعد أن ولى الناس فإذا أمية بن خلف وكان لي صديقا في الجاهلية، وكان
اسمي عبد عمرو فلما جاء الإسلام تسميت عبد الرحمن، فكان يلقاني فيقول: يا
عبد عمرو، فلا أجيبه فيقول إني لا أقول لك عبد الرحمن إن مسيلمة باليمامة
يسمى عبد الرحمن، فأنا لا أدعوك إليه، فكان يدعوني عبد الإله، فلما كان يوم
بدر، [رأيته] كأنه [جمل] أورق ومعه ابنه [عليّ] ، فناداني: يا عبد عمرو،
فأبيت أن أجيبه، [فنادى] : يا عبد الإله، فأجبته، فقال: أما لكم حاجة في
اللبن نحن خير لك من أدراعك هذه، فقلت: امضيا، فجعلت أسوقهما أمامي وقد رأى
أميه أنه قد أمن بعض الأمن فقال لي أمية: رأيت رجلا فيكم اليوم معلما في
صدره ريش نعامة من هو؟ فقلت: حمزة بن عبد المطلب، فقال: ذاك الّذي فعل بنا
الأفاعيل، ثم قال: فمن رجل دحداح قصير معلم
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 82- 84.
(12/158)
حمراء؟ قلت: ذاك رجل من الأنصار بقال له
سماك بن خرشة. فقال: وبذاك [أيضا] يا عبد الإله صرنا اليوم جزرا لكم! قال:
فبينما هو معي أزجيه أمامي ومعه ابنه إذ بصر به بلال وهو بعجن عجينا له
فترك العجين وجعل [يفتل] يديه من اليمين [العجين] [فتلا] وهو ينادي يا معشر
الأنصار، أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجا فأقبلوا كأنهم عوذ [ (1) ]
حنت إلى أولادها، حتى طرح أمية على ظهره، واضطجعت عليه، وأقبل الحباب بن
المنذر فأدخل سيفه فاقتطع أرنبه أنفه، فلما فقد أمية أنفه قال: إيه عنك أي
خل بيني وبينهم. قال عبد الرحمن: فذكرت قول حسان*
أو عن ذلك الأنف جادع،
قال: ويقبل إليه خبيب بن يساف فضربه حتى قتله، وقد [ضرب] أمية خبيب بن يساف
حتى قطع يده من المنكب، فأعادها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بيده فالتحمت
واستوت، وتزوج خبيب بعد ذلك ابنة أبيّ بن خلف فرأت تلك الضربة فقالت: لا
يشلل اللَّه يد رجل فعل هذا، فقال خبيب وأنا واللَّه قد أوردته شعوب، فكان
خبيب يحدث قال: فأضربه فوق العاتق فأقطع عاتقه حتى بلغت مؤتزره وعليه الدرع
وأنا أقول: خذها وأنا ابن يساف، وأخذت سلاحه ودرعا مقطوعا فأقبل عليّ ابن
أمية فيعرض له الحباب [فقطع] رجله [ (2) ] .
وذكر الواقدي [ (3) ] أن رفاعة بن رافع هو الّذي قتل أمية في خبر ذكره.
واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
__________
[ (1) ] العوذ: الصبية الصغار. (لسان العرب) : 3/ 500.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 82- 84. وما بين الحاصرتين تصويبات وزيارات
للسياق منه.
[ (3) ] سبق تخريجه.
(12/159)
وأما إنجاز اللَّه تعالى وعده للرسول صلّى
اللَّه عليه وسلم وقتله صناديد قريش وإلقاؤهم في القليب
فخرج مسلم [ (1) ] من طريق حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أن رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم فقام عليهم ثم ناداهم
فقال: يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن
ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإنّي وجدت ما وعدني ربي حقا، فسمع
عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا
رسول اللَّه كيف يسمعون؟ وأني يجيبون وقد جيفوا؟ قال: والّذي نفسي بيده ما
أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا، ثم أمر بهم فسحبوا
فألقوا في قليب بدر.
وخرج مسلم [ (2) ] من طريق روح بن عبادة قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة قال: لما كان يوم بدر وظهر
عليهم نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد
قريش، فألقوا في طوى من أطواء بدر. وساق الحديث بمعنى حديث ثابت عن أنس
وخرج البخاري [ (3) ] حديث روح، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة قال:
ذكر لنا أنس بن مالك، عن أبى طلحة أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر
يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوى من أطواء بدر
خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر
اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا:
ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفير الركى، فجعل يناديهم
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 212- 213، كتاب الجنة وصفة نعيمها
وأهلها، باب (17) عرض مقعد الميت من الجن أو الجنة أو النار عليه، وإثبات
عذاب القبر والتعوذ منه، حديث رقم (2874) . وهذا السحب إلى القليب ليس دفنا
لهم، ولا صيانة، ولا حرمة، بل لدفع رائحتهم المؤذية، واللَّه أعلم.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2875) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 382، كتاب المغازي، باب (8) قتل أبي جهل، حديث
رقم (3976) .
(12/160)
بأسمائهم وأسماء آبائهم فلان بن فلان ويا
فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم اللَّه ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا
حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟
قال: فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه ما تكلم من
أجساد ولا أرواح لها فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والّذي نفس محمد
بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم
قال قتادة: أحياهم اللَّه حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا [ (1) ] ، ونقيمة
[ (2) ] وحسرة وندما.
وقال الواقدي في (مغازيه) [ (3) ] : قالوا: وأمر اللَّه رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يوم بدر بالقلب أن تغور، ثم أمر بالقتلى فطرحوا فيها
اللَّهمّ إلا أمية بن خلف فإنه كان مسمنا انتفخ من يومه فلما أرادوا أن
يلقوه تزايل لحمه فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اتركوه ونظر رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى عتبة يجر إلى القليب وكان رجلا جسيما في
وجهه أثر الجدري تغير وجه ابنه أبي حذيفة، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم: يا أبا حذيفة كأنك ساءك ما أصاب أباك؟ قال: لا واللَّه يا رسول
اللَّه، ولكني رأت لأبي عقلا وشرفا، كنت أرجو أن يهديه اللَّه للإسلام فلما
أخطأه ذلك، ورأيت ما أصابه غاظني قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه:
كان واللَّه يا رسول اللَّه أتقى في العشيرة من غيرة وقد كان كارها لوجهه،
ولكن الحين ومصارع السوء.
فلما توافوا في القليب وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يطوف
عليهم وهم مصرعون وأبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يخبره بهم رجلا
رجلا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بحمد اللَّه ويشكره ويقول: الحمد
للَّه الّذي أنجز لي ما وعدني، فقد وعدني إحدى الطائفتين.
__________
[ (1) ] في رواية الإسماعيلي: «وتندّما وذلة وصغارا» ، وأراد قتادة بهذا
التأويل الرد على من أنكر أنهم يسمعون، كما جاء عن عائشة أنها استدلت بقوله
تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 610، حديث رقم (1206) من مسند أنس بن
مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، 4/ 610، حديث رقم (15921) ، من حديث أبي
طلحة زيد بن سهل الأنصاري.
[ (2) ] في بعض المصادر: «تقمئة» ، «نقمة» ، «نقيمة» .
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 111- 112.
(12/161)
قال: ثم وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم على أهل القليب فناداهم رجلا رجلا:
يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام،
هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإنّي قد وجدت ما وعدني ربي حقا، بئس القوم
كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني
ونصرني الناس، قالوا: يا رسول اللَّه! تنادي قوما قد ماتوا؟ قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا.
(12/162)
وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه
عليه وسلم في قتل عتبة بن أبي معيط بمكة والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم
مهاجر بالمدينة فكان يقول بمكة فيه بيتين من شعر
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما بلغه قوله اللَّهمّ أكبه لمنخره
واصرعه،
فجمح به فرسه يوم بدر، فأخذه عبد اللَّه بن سلمه العجلاني فأمر به النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم عاصم بن أبي الأقلح فضرب عنقه صبرا.
وقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] وكان عقبه بن أبي معيط والنبي صلّى
اللَّه عليه وسلم مهاجر بالمدينة فكان يقول بمكة:
يا راكب الناقة القصواء هاجرنا ... عما قليل تراني راكب الفرس
أعلّ رمحي فيكم ثم أنهله ... والسيف يأخذ منكم كل ملتبس
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وبلغه قوله: اللَّهمّ أكبه لمنخره
واصرعه،
فجمح به فرسه يوم بدر، فأخذه عبد اللَّه بن سلمه العجلاني فأمر به النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فضرب عنقه صبرا.
وخرج أبو نعيم [ (2) ] من طريق محمد بن السائب عن أبي صالح، عن ابن عباس
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر
إلا صنع طعاما فدعا عليه جبرانه أهل مكة كلهم، قال: وكان يكثر مجالسة النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم ويعجبه حديثه، ويغلب عليه الشقاء، فقدم ذات يوم من
سفره فصنع طعاما ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى طعامه، فقال:
ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول
اللَّه، قال: أطمعها يا ابن أخي قال: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول فشهد
بذلك، فطعم من طعامه فبلغ ذلك أبي بن خلف فأتاه فقال: أصبوت يا عقبة؟ -
وكان خليله- فقال: لا واللَّه ما
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 82.
[ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 470- 471، ذكر ما جرى من الآيات في غزواته
وسراياه، من غزوة بدر إلى غزوة تبوك، وفي جميع ذلك دليل على أنه لم يخل شيء
من أحواله صلّى اللَّه عليه وسلم عن آية شاهدة له، ومعجزة جارية على يديه،
خليق كون ذلك له، وإذ النبوة مختومة به، والشريعة إلى قيام الساعة قائمة به
صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (401) .
(12/163)
صبوت، ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من
طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم فشهدت له
فطعم، قال: ما أنا بالذي أرضى عنك أبدا حتى تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ على
عنقه، قال: ففعل عقبة ذلك وأخذ رحما فألقاه بين كتفيه فقال له رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فأسر
عقبة يوم بدر فقتل صبرا،
ولم يقتل من الأسارى يومئذ غيره، قتله ثابت بن أبي الأقلح.
قال: ورواه جعفر أبي المغيرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أن ابن أبي معيط كان يجلس مع
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما وكان يقيه من
قريش، وكانت قريش إذا جلسوا معه آذوه وكان ابن أبيّ خلف غائب عنه بالشام
فقالت قريش: صبأ ابن أبي معيط فقدم خليله من الشام ليلا، فقال لامرأته: ما
فعل محمد فيما كان عليه؟ فقالت: هو أشد ما كان أمرا، فقال لها ما فعل
خليلي؟
ابن أبي معيط؟ فحيّاه فلم يردّ عليه التحية، فقال: مالك لا ترد عليّ تحيتي؟
فقال: كيف أردّ عليك تحيتك وقد صبوت؟ قال: وقد فعلتها قريش؟ قال: نعم قال:
يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: تأتيه على مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث
ما تعلم،
فلم يزد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفتت
إليه فقال: لئن وجدتك خارجا من جبال مكة لأضربن عنقك صبرا، فلما كان يوم
بدر وخرج أصحابه، أبي أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا فقال وعدني هذا
الرجل إن أخذني خارجا من جبال مكة لضرب عنقي صبرا، فقالوا: لك جملا حمولا
بدرك فإن كانت الهزيمة طرت، فخرج معهم، فلما هزم اللَّه المشركين وحل به
جمله في جدد من الأرض، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسيرا في
سبعين من قريش، فيهم العباس بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، فجعل عليهم
الفداء أربعين أوقية من ذهب، وجعل على العباس مائه أوقية، وعلى عقيل بن أبي
طالب ثمانين أوقية، وقدم إليه ابن أبي معيط فقال:
أتقتلني من بين هؤلاء، وأنا أكبرهم سنا وأكثرهم مالا؟ قال: نعم بما بزقت في
وجهي،
فأنزل اللَّه تعالى في ابن أبي معيط وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى
يَدَيْهِ
(12/164)
يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلًا* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً
خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ
الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا [ (1) ] .
فقال عباس: القرابة صنعت هذا، فو الّذي يحلف به العباس، لقد تركتني فقير
قريش، وقد استودعت بنادق الذهب أم الفضل، ثم أقبلت إليّ فقلت لها: إن قتلت
فقد تركتك غنية ما بقيت، وإن أرجع فلا يهمنك شيء، فقال: إني أشهد أن الّذي
تقوله قد كان، وما اطلع عليه إلا اللَّه قال: فأنزل اللَّه تعالى على نبيه
صلّى اللَّه عليه وسلم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ
مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ
خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ [ (2) ] الآية فقال العباس حين نزلت [ (3)
] : لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافها، فأتاني اللَّه خيرا منها [ (4) ] .
__________
[ (1) ] الفرقان: 27- 29.
[ (2) ] الأنفال: 70، وتمامها: وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ.
[ (3) ] (البحر المحيط) : 5/ 352.
[ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 476- 477، حديث رقم (410) مختصرا، وقال الحافظ
في (الفتح) : إسناده حسين، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 581- 582،
حديث رقم (3300) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما.
(12/165)
وأما إجابة دعوة النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم في نوفل بن خويلد [ (1) ]
قال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] فحدثني معمر عن الزهري قال: قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد، وأقبل نوفل
يومئذ وهو مرعوب قد رأى قتل أصحابه، وكان في أول ما التقوا هم والمسلمون
يصيح بصوت له زجل رافعا صوته: يا معشر قريش، إن هذا اليوم يوم العلاء
والرفعة، فلما رأى قريشا قد انكشفت جعل يصيح بالأنصار: ما حاجتكم إلى
دمائنا؟ أما ترون من تقتلون؟ أما لكم في اللبن من حاجة؟ فأسره جبار بن صخر
فهو يسوقه أمامه، فجعل نوفل يقول لجبار- وقد رأى عليا رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه مقبلا نحوه: يا أخا الأنصار، من هذا؟ واللات والعزى إني لأرى
رجلا إنه ليريدني، قال: هذا عليّ بن أبي طالب، قال: ما رأيت كاليوم رجلا
أسرع في قومه منه فيصمد له عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فيضربه فنشب
سيف عليّ في جحفته ساعة، ثم نزعه فيضرب ساقيه ودرعه مشمرة فقطعهما، ثم أجهز
عليه فقتله فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من له علم بنوفل بن
خويلد؟ فقال علي أنا قتلته قال: فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
وقال: الحمد للَّه الّذي أجاب دعوتي فيه.
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 91- 92.
[ (2) ] كان يقال لنوفل بن خويلد: أسد قريش، وأسد المطيبين،
وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال يوم بدر: «اللَّهمّ اكفنا
ابن العدويّة!» ،
يعني نوفلا. وكانت أمه من عدي بن خزاعة. وتقول عامة الرواة: إنّ عليّا
قتله، وله من الولد: الأسود بن نوفل. (جمهرة أنساب العرب) : 120.
(12/166)
وأما إعلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
عمه العباس بما كان بينه وبين امرأته أم الفضل، لم يطّلع عليه أحد
فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني الحسن بم عمارة عن
الحكم عن مقسم، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان الّذي
أسر العباس أبو اليسر كعب بن سلمة، ويقال: كعب بن عمرو بن مالك بن عمرو بن
عباد بن عمر بن تميم بن شداد بن عثمان بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي،
وكان أبو اليسر رجلا مجموعا [ (2) ] ، وكان العباس رجلا جسيما، فقال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أبا اليسر كيف أسرت العباس؟
فقال: يا رسول اللَّه لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده،
وهيئته كذا وكذا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لقد أعانك عليه
ملك كريم.
وذكر الكلبي أن عبيد بن أوس بن مالك بن سواد بن كعب وهو ظفر ابن الخزرج بن
عمرو بن مالك بن الأوس أبا النعمان الأنصاري الظفري أسر العباس وعقيلا.
وقال ابن عبد البر [ (3) ] : هو الّذي أسر عقيل بن أبي طالب ويقال: إنه أسر
العباس ونوفلا وعقيلا فقرنهم في حبل وأتى بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لقد أعانك عليهم ملك
كريم، وسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقرنا،
وبنو سلمة يدّعون أن أبا اليسر كعب بن عمرو أسر العباس وكذلك قال ابن
إسحاق.
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 471- 472، حديث رقم (402) ، وأخرجه الإمام أحمد
من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بسياقة أتم،
وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) : 4/ 12 في ترجمة العباس بن عبد المطلب رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما.
[ (2) ] مجموعا: دميما.
[ (3) ] (الاستيعاب) : 3/ 1015، ترجمة رقم (1725) .
(12/167)
وخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق أبي بكر بن
أبي شيبة، حدثنا عبد اللَّه بن موسى، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن حارثة
بن مضرب، عن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذكر وقعة بدر،
قتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين، قال: فجاء رجل من الأنصار فصير بالعباس
أسيرا، فقال العباس: يا رسول اللَّه إن هذا واللَّه ما أسرني لقد أسرني رجل
أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق، وما أراه في القوم، فقال الأنصاري:
أنا أسرته يا رسول اللَّه فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لقد
أيّدك اللَّه بملك كريم.
ومن طريق عبد اللَّه بن المبارك قال: حدثني جرير بن حازم، عن على ابن زيد،
عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قلت لأبي:
يا أبت كيف أسرك أبو اليسر ولو شئت لجعلته في كفك؟ قال:
يا بني! لا تقل ذلك لقد لقيني وهو أعظم في عيني من الحندمة [ (2) ] .
ومن طريق محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء عن ابن عباس قال: لما
نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى [
(3) ] كان العباس يقول: في نزلت هذه الآية حين أخبرت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم بإسلامي فسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقية التي أخذت مني
فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأعطاني بالعشرين أوقية عشرين
عبدا كلهم تاجر بمال معه في يده معها أرجو مغفرة اللَّه ورحمته.
وعن الكلبي، عن أبي صالح، عن بن عباس، عن جابر، عن عبد اللَّه ابن دياب
قال: قال العباس في نزلت هذه الآية حين ذكرت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم إسلامي فسألته أن يقاضيني بالعشرين الأوقية التي أخذت مني فأبي فعوضني
اللَّه بها بعشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بماله، ومعها أرجو رحمة اللَّه
تعالى ومغفرته [ (4) ] .
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] الحندم: شجر حمر العروق، واحدته حندمة: (لسان العرب) : 12/ 162.
[ (3) ] الأنفال: 70.
[ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 4/ 15، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 28- 83، ترجمة
رقم (11) .
(12/168)
قال ابن إسحاق: حدثني بعض أصحابنا عن مقسم،
عن ابن عباس قال: كان الّذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو وكان أبو
اليسر مجموعا وكان العباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه رجلا جسيما فقال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للعباس: أفد نفسك وابني أخيك عقيل بن
أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بلحارث بن
فهر، فإنك ذو مال، قال:
يا رسول اللَّه إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني، قال: اللَّه أعلم
بإسلامك ولكن إن يك ما تقول حقا فاللَّه يجزيك به فأما ظاهر أمرك فكان
علينا، فافد نفسك، وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخذ منه
عشرين أوقية من ذهب، فقال العباس: يا رسول اللَّه أحسبها من فدائي، قال: لا
ذاك شيء أعطاناه اللَّه منك، قال: فإنه ليس لي مال قال: فأين المال الّذي
وضعت بمكة حين خرجت من عند أم الفضل ابنة الحارث، وليس معكما أحد؟ ثم قلت:
إن أصبت في سفري فللفضل كذا، ولعبد اللَّه كذا؟ قال: والّذي بعثك بالحق ما
علم بهذا أحد غيري وغيرها، وإني لأعلم أنك رسول اللَّه، ففدى العباس نفسه
وابني أخيه وحليفه.
وقال جرير عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما كان
يوم بدر أسر سبعون فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعين أوقية
ذهب، وجعل على عمه العباس مائة، وعلى عقيل ثمانين، فقال العباس:
ألقرابة صنعت هذا؟ والّذي يحلف به العباس لقد تركتني فقير قريش ما بقيت،
قال: كيف تكون فقير قريش وقد استودعت أم الفضل بنادق الذهب؟ ثم أقبلت إليّ
فقلت لها: إن قتلت تركتك غنية وإن رجعت فلا يهمنك شيء،
فقال: إني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنك رسول اللَّه، ما أخبرك بهذا
إلا اللَّه عز وجل، وأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي
قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (1) ] فقال حين نزلت: يا نبي اللَّه
لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافها، وآتاني اللَّه خيرا منها [ (2) ] .
__________
[ (1) ] الأنفال: 70.
[ (2) ] سبق تخريجه.
(12/169)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عمير بن
وهب بن خلف بن وهب ابن حذافة بن جمح الجمحيّ أبا أمية وهو المضرّب بما همّ
به من قتله [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم]
فقال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق [ (1) ] ، عن محمد بن جعفر بن
الزبير عن عروة بن الزبير قال: جلس عمير بن وهب الجمحيّ مع صفوان بن أمية
بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير وهو في الحجر، وكان عمر بن وهب شيطانا من
شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه به
ويلقون منه عنتا وهم بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى أصحاب بدر.
قال: فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان: واللَّه إن في العيش خير
بعدهم، فقال له عمير: صدقت واللَّه أما واللَّه لولا دين عليّ ليس عندي
قضاء له، وعيال أخشى عليهم الضّيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي
قبلهم علة: ابني أسير في أيديهم، فاغتنمها صفوان بن أمية فقال: عليّ دينك
أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي [أو اسيهم] ، لا يسعني شيء ويعجز، عنهم قال
له عمير: فأكتم عليّ شأني [وشأنك] ، قال: أفعل.
ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا عمر ابن
الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في نفر من المسلمين في المسجد يتحدثون
عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم اللَّه به، وما أراهم من عدوهم، إذ نظر عمر
إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا بالسيف، فقال: هذا الكلب
عدو اللَّه عمير بن وهب، ما جاء إلا لشر، وهو الّذي حرّش بيننا وحزرنا
[للقوم] يوم بدر.
ثم دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه! هذا
عدو اللَّه عمير بن وهب قد جاء متوشحا بسيفه، قال: فأدخله عليّ، قال: فأقبل
عمر حتى أخذ
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 212- 215، إسلام عمير بن وهب بعد تحريض صفوان
له على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وما في ذلك من دلائل نبوته
صلّى اللَّه عليه وسلم. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق وتصويبا منه.
(12/170)
بحمالة سيفه في عنقه فلبه بها، وقال لرجال
ممن كان معه من الأنصار:
ادخلوا على رسول اللَّه فاجلسوا عنده، واحذروا [عليه من] هذا الخبيث، فإنه
غير مأمون، ثم دخل به على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
فلما رآه صلّى اللَّه عليه وسلم وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه آخذ
بحمالة سيفه في عنقه قال: أرسله يا عمر، ادن يا عمير، فدنا ثم قال: انعموا
صباحا- وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: قد أكرمنا اللَّه بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل
الجنة، قال: أما واللَّه يا محمد إن كنت لحديث عهد بها، قال فما أقدمك؟
قال: جئتك لهذا الأسير الّذي في أيديكم، فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف
في عنقك؟ قال: قبحها اللَّه من سيوف، وهل أغنت شيئا؟ قال: أصدقني ما الّذي
جئت له؟ قال: ما جئت إلا لذلك.
قال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم
قلت: لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بدينك
وعيالك حتى تقتلني له، واللَّه حائل بينك وبين ذلك.
قال عمير: أشهد أنك رسول اللَّه، وقد كنا [يا رسول اللَّه] نكذبك بما كنت
تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا
أنا وصفوان، فو اللَّه إني لأعلم إنه ما أتاك به إلا اللَّه، فالحمد للَّه
الّذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم تشهد بشهادة الحق، فقال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن،
وأطلقوا له أسيره، قال:
ففعلوا.
ثم قال: يا رسول اللَّه، إني كنت جاهدا على إطفاء نور اللَّه، شديد الأذى
لمن كان على دين اللَّه، وإني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة، فأدعوهم إلي
اللَّه وإلى الإسلام، لعل اللَّه أن يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت
أوذي أصحابك.
قال: فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلحق بمكة، وكان صفوان بن
أمية حين خرج عمير بن وهب يقول لقريش: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام
تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكب فأخبره
بإسلامه فحلف لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا، فلما قدم عمير مكة أقام
بها يدعو إلى
(12/171)
الإسلام ويؤذي من خالفه إيذاء شديدا، وكان
رجلا شهما منعيا، فأسلم على يديه ناس كثير، [فلما انقضى أمر بدر أنزل
اللَّه فيه القرآن [سورة] الأنفال بأسرها] [ (1) ] .
وقد ذكر قصة عمير بن وهب موسى بن عقبه رحمه اللَّه تعالى وذكرها الواقدي في
(مغازيه) [ (2) ] فقال: ثم قال: حدثني محمد بن أبي حميد عن عبد اللَّه بن
عمرو بن أمية قال: لما قدم عمير بن وهب في أهله ولم يقرب صفوان بن أمية
فأظهر الإسلام ودعا إليه، فبلغ صفوان فقال: قد عرفت حين لم يبدأ بي قبل
منزله أنه قد ارتكس، وحلف باللات والعزى لا أكلمه من رأسي أبدا ولا أنفعه
ولا عياله بنافعة أبدا، فوقف عليه عمير وهو في الحجر فأعرض عنه، فقال عمير:
أنت سيد من ساداتنا أرأيت الّذي كنا عليه من عبادة حجر والذبح له، أهذا
دين؟ أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، فلم يجبه صفوان
بكلمة.
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين ليس في (سيرة ابن هشام) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 127- 128.
(12/172)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم قباث بن
أشيم [ (1) ] بن عامر بن الملوّح الكناني ويقال الليثي- بما قاله في نفسه،
وقد انهزم فيمن انهزم يوم بدر
فقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] : وكان قباث بن أشيم الكنانيّ يقول:
شهدت مع المشركين بدرا وإني لأنظر لقلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة ما منعنا
من الخيل والرجال، فانهزمت فيمن انهزم، فلقد رأيتني وإني لأنظر إلى
المشركين في كل وجه وإني لأقول في نفسي: ما رأيت مثل هذا الأمر فرّ منه إلا
النساء، وصاحبني رجل، فبينما هو يسير معي إذ لحقنا من خلفنا، فقلت لصاحبي:
أبك نهوض؟ قال: لا واللَّه، ما هو بي، قال: وعقر فترفعت، فلقد صبحت غيقة
قبل الشمس، كنت هاديا بالطريق ولم أسلك المحاج وخفت من الطلب فتنكيت عنها،
فلقيني رجل من قومي بغيقة [ (3) ] ، فقال: ما وراءك؟ قلت:
لا شيء! قتلنا، وأسرنا، وانهزمنا، فهل عنك من حملان؟ قال: فحملني على بعير،
وزودني زادا حتى لقيت الطريق بالجحفة، ثم مضيت حتى دخلت مكة،
__________
[ (1) ] هو قباث بن أشيم بن عامر بن الملوح الكناني ويقال التميمي، والأكثر
قول من نسبه في كتاب، سكن دمشق. روي عنه عامر بن زياد الليثي وأبو الحويرث
فإنه قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم قال: بل رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم أكبر مني وأنا أسن منه، ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم عام الفيل. ووقفت بي أمي على روث الفيل، وأنا أعقله.
وقال البخاري: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور،
عن يونس بن يوسف، عن عبد الرحمن بن زياد، عن قباث بن أشيم الليثي قال: قال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: صلاة رجلين يؤمهما أحدهما أزكى عند
اللَّه من صلاة ثمانية تتري، وصلاة ثمانية يؤمهما أحدهم أزكى عند اللَّه من
صلاة مائة تتري. ذكره البخاري في (التاريخ) . (الاستيعاب) : 3/ 1303- 1304،
ترجمة رقم (2165) ، (الإصابة) : 5/ 407- 408، ترجمة رقم (7061) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 97- 98. وترفعت: من رفع البعير في السير، أي
بالغ.
(الصحاح) .
[ (3) ] غيقة: بين مكة والمدينة في بلاد غفار. (معجم البلدان) : 4/ 251،
موضع رقم (8967) .
(12/173)
وإني لأنظر إلى الحيسمان بن حابس الخزاعي
بالغميم، فعرفت أنه تقدم ينعى قريشا بمكة، فلو أردت أن أسبقه لسبقته، فتكبت
عنه حتى سبقني ببعض النهار، فقدمت وقد انتهى إلى مكة خبر قتلاهم وهم يلعنون
الخزاعي ويقولون:
ما جاءنا بخير، فمكث بمكة، فلما كان بعد الخندق قلت: لو قدمت المدينة فنظرت
ما يقول محمد،
وقد وقع في قلبي الإسلام فقدمت المدينة فسألت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، فقالوا: هو ذاك في ظل المسجد مع ملأ من أصحابه، فأتيته، وأنا لا
أعرفه من بينهم، فسلمت، فقال: يا قباث بن أشيم، أنت القائل يوم بدر ما رأيت
مثل هذا الأمر فرّ منه إلا النساء؟ قلت: أشهد أنك رسول اللَّه وأن هذا
الأمر ما خرج مني إلى أحد قط وما ترمرمت [ (1) ] به إلا شيئا حدثت به نفسي
فلولا أنك نبي ما أطلعك اللَّه عليه، هلم حتى أبايعك. فعرض علي الإسلام
فأسلمت.
__________
[ (1) ] ترمرم: حرك فاه: بالكلام. (الصحاح) .
(12/174)
وأما قيام سهيل بن عمرو [ (1) ] والمقام
الّذي خبّر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه يوم بدر
فقال الواقدي [ (2) ]- رحمه اللَّه- ولما أسر سهيل بن عمرو يوم بدر، قال
عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه انزع ثنيته يدلع لسانه
فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا
أمثل به فيمثل اللَّه بي، وإن كنت نبيا، ولعله يقوم مقاما لا تكرهه،
فقام سهيل بن عمرو حين جاءه وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بخطبة أبي
بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين بلغه كلام سهيل: أشهد أنك رسول
اللَّه، يريد حيث
قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لعله يقوم مقاما لا تكرهه.
وقال أبو عمر بن عبد البر: [ (3) ] سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ ابن
نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب القرشي العامري، يكنى أبا
يزيد، كان أحد أشراف قريش وساداتهم في الجاهلية أسر يوم بدر كافرا، وكان
خطيب قريش، فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه:
يا رسول، اللَّه انزع ثنيته فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال صلّى اللَّه
عليه وسلم: دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده،
وكان الّذي أسره مالك بن الدخشم، فقدم مكرز بن حفص بن الأحنف العامري
فقاطعهم في فدائه، وقال: ضعوا أرجلى في القيد حتى يأتي الفداء، ففعلوا ذلك.
وكان سهيل أعلم، أي مشقوق الشفة العليا، وهو الّذي جاء في الصلح يوم
الحديبيّة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين رآه: قد سهل أمركم،
وعقد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الصلح يؤمئذ وهو كان يتولى ذلك
دون سائر قريش.
وكان المقام الّذي قام به في الإسلام الّذي
قاله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه:
دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده،
فكان مقامه ذلك أنه لما هاج أهل مكة عند وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم،
وارتدّ من ارتد من العرب، قام سهيل بن
__________
[ (1) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 212- 215، ترجمة رقم (3575) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 107.
[ (3) ] (الاستيعاب) : 2/ 669- 672، ترجمة رقم (1106) .
(12/175)
عمرو خطيبا، فقال: واللَّه أعلم أن هذا
الذين سيمتد امتداد الشمس في طلوعها إلى غروبها، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم،
يعنى أبا سفيان، فإنه ليعلم من هذا الأمر ما أعلم، ولكنه قد ختم على صدره
حسد بنى هاشم، وأتى في خطبته بمثل ما جاء به أبو بكر رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه بالمدينة، فكان ذلك معنى قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فيه لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أعلم.
وقال أسد بن موسى عن سعيد بن عبد اللَّه الجمحيّ، عن عبد اللَّه بن عمير
الليثي، عن أبيه قال: مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعلى مكة
وعاملها عتاب بن أسيد، فلما بلغهم موت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ضج أهل
المسجد، فبلغ عتاب، فخرج حتى دخل شعبا من شعاب مكة، وسمع أهل مكة الضجيج،
فوافى رجالهم إلى المسجد، فقال سهيل بن عمرو: أين عتاب؟ وجعل يستدل عليه،
حتى أتى عليه الشعب، فقال: مالك؟ قال: مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم! فقال: قم في الناس فتكلم، قال: لا أطيق الكلام مع موت رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فاخرج معي فأنا أكفيكه، فخرجا، حتى أتيا
المسجد، فقام سهيل خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عليه، وخطب مثل خطبه أبي بكر،
لم يجزم منها شيئا
وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب وسهيل في الأسرى يوم
بدر: ما يدعوك إلى نزع ثناياه؟ دعه فعسى أن يقيمه اللَّه مقاما يسرك،
فكان ذلك المقام الّذي قال، وضبط عتاب عمله وما حوله.
وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق سفيان، عن عمر، عن الحسن قال: قال عمر- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه
دعني أنزع ثنية سهيل ابن عمرو، فلا يقوم خطيبا في قومه أبدا، فقال: دعها
فلعلها أن تسرك يوما،
قال سفيان: فلما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نفر منه أهل مكة فقام
سهيل بن عمرو عند الكعبة فقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات،
واللَّه حىّ لا يموت.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 367، باب إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما
يرجع إليه مقال سهيل بن عمرو بن عبد شمس، ورجوعه إلى ذلك، فكان كما أخبر.
وفيه: من كان محمد إلهه فإن محمدا قد مات» ، وما أثبتناه من (الأصل) .
(12/176)
قال البيهقي [ (1) ] ثم لحق سهيل في أيام
عمر بالشام مرابطا في سبيل اللَّه حتى مات بها في طاعون عمواس.
وذكر ابن سعد أن سهيلا قال يومئذ: أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا
قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، وقد نعى اللَّه نبيكم
إليكم، وهو بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت الّذي لا يبقى أحدا،
ألم تعلموا أن اللَّه قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (2) ]
وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [ (3) ] وقال:
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [ (4) ] ثم تلا: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ
إِلَّا وَجْهَهُ [ (5) ] فاتقوا اللَّه واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم
فإن دين اللَّه قائم وكلمة اللَّه تامة، وإن اللَّه تعالى ناصر من نصره،
ومعز لدينه، وقد جمعكم اللَّه على خيركم.
فلما بلغ عمر كلام سهيل بمكة قال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه وأن ما جاء به
حق، هذا هو المقام الّذي تمنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين قال
لي: لعله يقوم مقاما لا تكرهه [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] الزمر: 30.
[ (3) ] آل عمران: 144.
[ (4) ] آل عمران: 185، الأنبياء 35.
[ (5) ] القصص: 88.
[ (6) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 107.
(12/177)
وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن خرج
معه إلى بدر وإجابة اللَّه تبارك وتعالى دعاءه
فقال الواقدي [ (1) ] : حدثني أبو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن سعد بن أبي
وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرجنا إلى بدر مع رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم ومعنا سبعون بعيرا وكانوا يتعاقبون الثلاثة والأربعة
والاثنان على بعير، وكنت أنا من أعظم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
غناء، أرجلهم رجلة، وأرماهم بسهم، لم أركب خطوة ذاهبا ولا راجعا، وقال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين فصل من بيوت السقيا: اللَّهمّ إنهم حفاة
فاحملهم، وعراة فاكسهم، وجياع فأشبعهم، وعالة فأغنهم من فضلك.
قال: فما رجع أحد منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهرا للرجل، البعير والبعيران،
واكتسى من كان عاريا، وأصابوا طعاما من أزوادهم، وأصابوا فداء الأسرى.
وأما قتل كعب بن الأشرف اليهودي أحد بني النضير بسؤال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ربه تعالى أن يكفيه إياه بما شاء
فقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] : حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن
رومان، ومعمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، وإبراهيم بن جعفر، عن أبيه
عن جابر بن عبد اللَّه، فكل قد حدثني منه بطائفة، فكان الّذي اجتمعوا لنا
عليه قالوا: إن ابن الأشرف كان شاعرا وكان يهجو النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم وأصحابه، ويحرض عليهم كفار قريش في شعره.
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط، منهم
المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام، فيهم أهل الحلقة والحصون، ومنهم حلفاء
للحيين
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 26.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 184- 193.
(12/178)
جميعا، الأوس والخزرج، فأراد رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم، وكان
الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه أذى شديدا، فأمر اللَّه عز وجل
نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم والمسلمين بالصبر على ذلك، والعفو عنهم، وفيهم
أنزل اللَّه تعالى: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا
وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [ (1) ] وفيهم أنزل
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما
تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (2) ] .
فلما أبي ابن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأذى
المسلمين وقد بلغ منهم، فلما قدم زيد بن حارثة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- بالبشارة من بدر بقتل المشركين، وأسر من أسر منهم، ورأى الأسرى مقرنين
كبت وذل، ثم قال لقومه: واللَّه لبطن الأرض خير لكم من ظهرها اليوم، هؤلاء
سراة الناس قد قتلوا وأسروا، فما عندكم؟ قالوا: عداوته ما حيينا. قال وما
أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم؟ ولكني أخرج إلى قريش فأحضها وأبكى قتلاهم،
فلعلهم ينتدبون، وأخرج معهم.
فخرج حتى قدم مكة ووضع رحله عند أبي وداعة بن ضميرة السهمىّ، فجعل يرثى
قريشا يقول [ (3) ] :
طحنت رحى بدر لتهلك أهلها ... ولمثل بدر تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضه ... لا تبعدوا إن الملوك تصرع
ويقول أقوام أذل بسخطهم ... إن ابن أشرف ظل كعبا يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدع
كم قد أصيب بها من أبيض ماجد ... ذي بهجة يأوي إليه الضّيّع
__________
[ (1) ] آل عمران: 186.
[ (2) ] البقرة: 109.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 186.
(12/179)
طلق الدين إذا الكواكب أخلفت ... حمال
أثقال يسود ويربع
نبئت أن بني المغيرة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الحكيم وجدّعوا
وابنا ربيعة عنده ومنبّه ... هل نال مثل المهلكين التبّع
[ (1) ]
صار الّذي أثر الحديث بطعنة ... أو عاش أمي مرعشا لا يسمع
نبئت أن الحارث بن هشام ... في الناس يبنى الصالحات ويجمع
ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يحمي على الحب الكريم الأروع
نبئت أن بني كنانة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الوليد وجدّعوا
قال فأجابه حسان بن ثابت رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وقليلا قال:
بكت عين كعب [ (2) ] ثم علّ بعبرة ... منه وعاش مجدعا لا يسمع
ولقد رأيت ببطن بدر منهمو ... قتلى تسح لها العيون وتدمع
وفأبكي فقد أبكيت عبدا رافعا ... شبه الكليب للكليبة يتبع
ولقد شفى الرحمن منهم سيدا ... وأهان قوما قاتلوه وصرّعوا
ونجا وأفلت منهم من قلبه ... شعف يظل لخوفه يتصدع
[ (3) ]
نجا وأفلت منهم متسرعا ... فلّ قليل هارب يتهزّع
[ (4) ] ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حسان بن ثابت، فأخبره
بنزول كعب على من نزل، فقال حسان:
ألا أبلغا عني أسيدا رسالة ... فخالك عبد بالسراب مجرب
لعمرك ما أوفي أسيد بجاره ... ولا خالد ولا المفاضة زينب
وعتاب عبد غير موف بذمة ... كذوب شئون الرأس قرد مدرب
[ (5) ]
__________
[ (1) ] إلى هنا آخر الأبيات في (المغازي) .
[ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (ديوان حسان) ، و (مغازي الواقدي) : «أبكى
لكعب» ،
[ (3) ] هذه الشطرة في (الديوان) هكذا:
شعف يظل لخوفه يتصدع
[ (4) ] هذا البيت من (الأصل) فقط.
[ (5) ] هذه الأبيات ليست في (الديوان) وأثبتناه من (الأصل) ، وصوبناها من
(المغازي) . والمفاضة من النساء الضخمة البطن.
(12/180)
فلما بلغها [ (1) ] هجاؤه نبذت رحله وقالت:
ما لنا ولهذا اليهودي؟ ألا ترى ما يصنعه بنا حسان؟ فتحول، فكلما تحول عند
قوم دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حسانا، فقال: ابن الأشرف نزل
على آل فلان فلا يزال يهجوهم حتى نبذ رحله، فلما لم يجد مأوى قدم المدينة
فلما بلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قدوم ابن الأشرف قال: اكفني ابن
الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار، وقال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: من لي بابن الأشرف؟ فقد آذاني، فقال محمد بن مسلمة أنا
له يا رسول اللَّه وأنا أقتله، قال فافعل فمكث محمد بن مسلمة: أياما لا
يأكل، فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا محمد، تركت الطعام
والشراب؟ قال: يا رسول اللَّه قلت لك قولا فلا أدري أفي لك به أم لا قال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إنما عليك الجهد، وقال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: أشاور سعد بن معاذ في أمره.
فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس، منهم عباد بن بشر وأبو نائلة سلكان بن
سلامة وأبو عبس بن جبر، والحارث بن أوس، فقالوا: يا رسول اللَّه نحن نقتله،
فأذن لنا فلنقتله فإنه لا بدّ لنا منه، قال: قولوا، فخرج أبو نائلة إليه
فلما رآه كعب أنكر شأنه، وكاد يذعر، وخاف أن يكون وراءه كمين، فقال أبو
نائلة: حدثت لنا حاجة إليك، قال وهو في نادي قومه وجماعتهم: أدن إليّ،
فخبرني بحاجتك، وهو متغير اللون مرعوب وكان أبو نائلة ومحمد بن مسلمه أخويه
من الرضاعة، فتحدثنا ساعة وتناشدا الأشعار وانبسط كعب وهو يقول بين ذلك:
حاجتك وأبو نائلة يناشده الشعر، فقال كعب حاجتك، لعلك تحب أن يقوم من
عندنا؟ فلما سمع ذلك القوم قاموا.
قال أبو نائلة: إني كرهت أن يتسمع القوم ذرو [ (2) ] كلامنا فيظنون، كان
قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة،
وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس، وضاعت العيال، أخذنا الصدقة، ولا نجد ما
نأكل، فقال كعب: قد كنت واللَّه أحدثك بهذا يا ابن سلامة، إن الأمر سيصير
إليه.
__________
[ (1) ] الضمير عائد على عاتكة بنت أسيد.
[ (2) ] ذرو القول: طرفه.
(12/181)
وقال أبو نائلة: ومعي رجال على مثل رأيي،
وقد أردت أن آتيك ثقة بهم، فنبتاع منك طعاما وتمرا وتحسن في ذلك إلينا،
ونرهنك ما يكون لك فيه، قال كعب إما إن رفاقي تقصف تمرا من عجوة تغيب فيها
الضرس، أما واللَّه يا أبا نائلة ما كنت أحب أني أرى هذه الخصاصة بك، وإن
كنت من أكرم الناس عليّ، أنت أخي نازعتك الثدي.
قال سلكان اكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد، قال كعب: لا أذكر منه حرفا ثم
قال كعب: يا أبا نائلة اصدقني ذات نفسك، ما الّذي تريدون في أمره؟
قال: خذلانه والتنحي عنه، قال: سررتني يا أبا نائلة فما الّذي ترهنونني،
أترهنونني أبناءكم ونساءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا، ولكنا
نرهنك من الحلقة ما ترضى به، قال كعب: إن في الحلقة لوفاء وإنما يقول ذلك
سلكان لئلا ينكرهم إذا جاءوا في السلاح، فخرج أبو نائلة من عنده على ميعاد
فأتى أصحابه وأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده،
ثم أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عشاء، فأخبروه فمشى معهم، حتى أتى
البقيع [ (1) ] ، ثم وجههم، ثم قال:
امضوا على بركة اللَّه وعونه.
ويقال: وجههم بعد أن صلوا العشاء في ليلة مقمرة مثل النهار، ليلة أربعة
عشرة من ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهرا.
قال: فمضوا حتى أتوا ابن الأشرف فلما انتتهوا إلى حصنه هتف به أبو نائلة،
وكان ابن الأشرف حديث عهد بعرس، فأخذت امرأته بناحية ملحفته وقالت: أين
تذهب؟ إنك رجل محارب، ولا ينزل مثلك في هذه الساعة، فقال:
ميعاد، إنما هو أخى أبو نائلة، واللَّه لو وجدني نائما ما أيقظني، ثم ضرب
بيده الملحفة وهو يقول: لودعي الفتي لطعنة لأجاب، ثم نزل إليهم فحياهم، ثم
جلسوا فتحدثوا ساعة حتى انبسط إليهم، ثم قالوا له: يا ابن الأشرف هل لك أن
نتمشى إلى شرج العجوز [ (2) ] فنتحدث فيه بقية ليلتنا؟ قال: فخرجوا يتماشون
حتى وجهوا قبل الشرج فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب ثم قال: ويحك ما
__________
[ (1) ] البقيع: بقيع الغرقد، وهو مقبرة المدينة.
[ (2) ] شرج العجوز: موضع قرب المدينة.
(12/182)
أطيب عطرك هذا يا ابن الأشرف! وإنما كان
كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد في صدغيه، وكان جعدا
جميلا، ثم مشى ساعة فعاد بمثلها حتى اطمأن إليه، وسلت يداه في شعره، فأخذ
بقرون رأسه وقال لأصحابه:
اقتلوا عدو اللَّه، فضربوه بأسيافهم، فالتفت عليه فلم تغن شيئا، ورد بعضها
بعض ولحق بأبي نائلة.
قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولا كان في سيفي فانتزعته فوضعته في سرته ثم
تحاملت عليه فقططته [ (1) ] حتى انتهى إلى عانته، فصاح عدو اللَّه صيحة ما
بقي أطم من آطام يهودي إلا أوقدت عليه نار فقال: ابن سنينة- يهودي من يهود
بني حارثة وبينهما ثلاثة أميال- إني لأجد ريح دم بيثرب مسفوح وقد كان أصاب
بعض القوم الحارث بن أوس بسيفه وهم يضربون كعبا، فكلمه في رجله فلما فرغوا
احتزوا رأسه ثم حملوه معهم، ثم خرجوا يشتدون وهم يخافون من يهود الإرصاد،
حتى أخذوا على بني أمية بن زيد، ثم على بني قريظة، وإن نيرانهم في الآطام
لعاليه، ثم على بعاث، حتى إذا كانوا بحرة العريض نزف الحارث فأبطأ عليهم
فناداهم: أقرئوا رسول اللَّه مني السلام، فعطفوا عليه حتى أتوا النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا، وقد قام رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم تلك الليلة يصلي، فلما سمع تكبيرهم بالبقيع كبر وعرف أنهم
قد قتلوه.
ثم انتهوا يعدون حتى وجدوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم واقفا على
باب المسجد، فقال: أفلحت الوجوه، فقالوا: ووجهك يا رسول اللَّه، ورموا
برأسه بين يديه فحمد اللَّه على قتله،
ثم أتوا بصاحبهم الحارث فتفل في جرحه فلم يؤذه، فقال:
صرخت به ولم يجفل لصوتي ... ووافى طالعا من فوق قصر
فعدت فقال من هذا المنادي ... فقلت أخوك عباد بن بشر
فقال محمد أسرع إلينا ... فقد جئنا لتشكرنا وتقري
وترفدنا فقد جئنا سغابا ... بنصف الوسق من حب وتمر
وهذه درعنا رهنا فخذها ... لشهر إن وفي أو نصف شهر
__________
[ (1) ] كذا في (الأصل) ، و (المغازي) ، والأولى: «فقددته» لأن القدّ: الشق
طولا، والقطّ: الشق عرضا، قال تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ.
(12/183)
فقال معاشر سغبوا وجاعوا ... لقد عدموا
الغني من غير فقر
وأقبل نحونا يهوي سريعا ... وقال لنا لقد جئتم لأمر
وفي أيماننا بيض حداد ... مجرية بها الكفار نفري
فعانقه ابن مسلمة المرادي ... به الكفان كالليث الهزبر
وشد بسيفه صلتا عليه ... فقطره أبو عبس بن جبر
وصلت وصاحباني فكان لما ... قتلناه الخبيث كذبح عتر
[ (1) ]
ومر برأسه نفر كرام ... هم ناهوك من صدق وبر
وكان اللَّه سادسا فأبنا ... بأفضل نعمة وأعز نصر
[ (2) ]
قال فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الليلة التي قتل فيها
ابن الأشرف، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من ظفرتم به من رجال
يهود فاقتلوه،
[فخافت اليهود] فلم يطلع عظيم من عظمائهم، ولم ينطقوا، وخافوا أن يبيتوا
كما بيّت ابن الأشرف، وكان ابن سنينة من يهود بني حارثة، وكان حليفا لحويصة
بن مسعود، وقد أسلم بعد. [فعدا محيّصة علي ابن سنية فقتله] .
فجعل حويصة يضرب محيصة وكان أسنّ منه، يقول: أي عدوّ اللَّه أقتله؟ واللَّه
لرب شحم في بطنك من ماله، فقال محيصة: واللَّه لو أمرني بقتلك الّذي أمرني
بقتله لقتلتك، قال واللَّه لو أمرك محمد أن تقتلني لقتلتني؟
قال: نعم قال حويصة إن دينا يبلغ هذا لدين معجب فأسلم حويّصة يومئذ، فقال
محيصة:
يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه بأبيض فاضب
حسام كلون الملح أخلص صقله ... متى ما تضرب به فليس بكاذب
ما سرني أني قتلت طائعا ... وما أن لي ما بين بصري ومأرب
ففزعت يهود ومن معها من المشركين، فجاءوه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
حين أصبحوا، فقالوا: قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة من
غير جرم ولا حدث علمناه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: لو قر كما قر غيره من
هو على مثل
__________
[ (1) ] العتر: العتيرة، وهي شاه كانوا يذبحونها في رجب لآلهتهم.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 191. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(12/184)
رأيه ما اغتيل، ولكنه نال منا الأذى وهجانا
بالشعر، ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان له السيف.
ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أن يكتب بينهم كتابا ينتهون
إلى ما فيه، فكتبوا بينهم وبينه كتابا [تحت العذق] في دار رملة بنت الحارث
فحذرت يهود وخافت [وذلت] من يوم قتل ابن الأشرف [ (1) ] .
فحدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: قال مروان بن الحكم وهو على المدينة
وعنده ابن يامين النضري: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين:
كان غدرا، ومحمد بن مسلمة جالس شيخا كبيرا، فقال: يا مروان، أيغدر رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [عندك] ؟ واللَّه [ما قتلناه إلا بأمر رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] واللَّه لا يؤويني وإياك سقف بيت إلا
المسجد، وأما أنت يا ابن يامين فلله عليّ إن أفلت وقدرت عليك وفي يدي سيف
إلا ضربت به رأسك! فكان ابن يامين لا ينزل في بني قريظة حتى يبعث له رسولا
ينظر محمد بن مسلمة، فإن كان في بعض ضياعة نزل فقضى حاجته ثم صدر وإلا لم
ينزل.
فبينا محمد بن مسلمة في جنازة وابن يامين بالبقيع فرأى محمد نعشا عليه
جرائد رطبة لامرأة، فجاء فحله فقام إليه الناس فقالوا: يا أبا عبد الرحمن
ما تصنع نحن نكفيك؟ فقام إليه فلم يزل يضربه بها جريدة جريدة حتى كسر ذلك
الجريد على وجهه ورأسه حتى لم يترك فيه مصحا، ثم أرسله ولا طباخ به، ثم
قال:
واللَّه لو قدرت على السيف لضربتك به [ (2) ] .
وقال موسى بن عقبة وكان كعب بن الأشرف اليهودي أحد بني النضير- أو فيهم- قد
آذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالهجاء، وركب إلى قريش فقدم عليهم
فاستغواهم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أناشدك اللَّه
أديننا أحب إلى اللَّه أم دين محمد وأصحابه؟ وأينا أهدي في رأيك وأقرب إلى
الحق؟ فإنا نطعم الجزور والكوماء [ (3) ] ، ونسقي اللبن على الماء، ونطعم
ما هبت السماء، فقال
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 192، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 193. والطّباخ: القوة.
[ (3) ] الكوماء من الإبل: عظيمة السنام. (لسان العرب) .
(12/185)
ابن الأشرف: أنتم أهدى منه سبيلا، ثم خرج
مقبلا وقد أجمع رأى المشركين على قتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
من لنا بابن الأشرف؟ قد استعلن بعد عداوتنا وهجائنا خرج إلى قريش فجمعهم
علينا قد أخبرني اللَّه عز وجل بذلك ثم قدم على أخبث ما كان ينتظر قريشا أن
تقدم فيقاتلنا معهم، ثم قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علي
المسلمين ما أنزل اللَّه فيه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً
مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا وآيات
في قريش معها،
وذكر لنا- واللَّه أعلم- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت فقال له محمد بن مسلمة أنا يا رسول
اللَّه أقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: نعم فقام محمد بن
مسلمة منقلبا إلى أهله فلقى سلكان بن سلامة في المقبرة عامدا إلى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له محمد: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم قد أمرني بقتل ابن الأشرف وأنت نديمه في الجاهلية، ولن يأمنن
غيرك، فقال له سلكان: إن أمرني فعلت، فرجع معه ابن مسلمة إلى رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم فقال:
يا رسول اللَّه أمرت بقتل كعب بن الأشرف؟ قال: نعم قال سلكان: يا رسول
اللَّه فاحللني فيما قلت لابن الأشرف فقال: أنت في حلّ مما قلت،
فخرج سلكان، ومحمد بن مسلمة، وعباد بن بشر، وسلمة بن ثابت، وأبو عبس بن
جبر، حتى أتوه في ليلة مقمرة فتواروا في ظلال جذوع النخل، وخرج سلكان فصرخ:
يا كعب، فقال له كعب: من هذا؟ فقال له سلكان: هذا أبو ليلى يا أبا نائلة
وكان كعب يكنى أبا نائلة، فقالت له امرأته: لا تنزل يا أبا نائلة إنه
قاتلك، فقال ما كان أخي ليأتيني إلا بخير لو يدعى الفتى لطعنة أجاب، فخرج
كعب، فلما فتح باب الرض قال من أنت؟ قال: أخوك، قال: فطأطئ لي رأسك، فطأطأ
فعرفه، فنزل إليه فمشى به سلكان نحو القوم، وقال له سلكان: جعنا وأصابتنا
شدة مع صاحبنا هذا، فجئتك لأن تحدث معك، ولأرهنك درعي في شعير، فقال له كعب
قد حدثتكم أنكم ستلقون ذلك، ولكن نحن عندنا تمر وشعير وعبير، فأتونا، فقال:
لعلنا أن نفعل، ثم أدخل سلكان يده في رأس كعب فشمها فقال:
ما أطيب عبيركم هذا! صنع ذلك مرة أو مرتين حتى أمّنه، ثم أخذ سلكان برأسه
أخذة فصأه منها، فجأر واللَّه جأرة رفيعة وصاحت امرأته، وقال يا صباحاه،
فعانقه سلكان وقال: اقتلوا عدوّ اللَّه، فلم يزالوا يتخلصون
(12/186)
بأسيافهم حتى طعنه أحدهم في بطنه طعنة
بالسيف، خرج مصرانه، وخلصوا إليه، فضربوه بأسيافهم، وكانوا في بعض ما
يتخلصون إليه وسلكان معانقة، أصابوا عابد بن بشر في يده أو في رجله ولا
يشعرون، وخرجوا يشتدون سراعا حتى إذا كانوا بجرف بعاث [ (1) ] فقدوا
صحابهم، ونزفه الدم، فرجعوا فوجدوه من وراء الجرف، فاحتملوه حتى أتوا به
أهلهم من ليلتهم، فقتل اللَّه ابن الأشرف، بعد أذيته اللَّه ورسوله، وهجائه
إياه، وتأليبه قريشا، وإعلانه عليه قريشا بذلك.
وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق سفيان قال: حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن
ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قدم حيي بن أخطب، وكعب بن
الأشرف مكة على قريش فحالفوهم على قتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
فقالوا لهم أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب، فأخبرونا عنا وعن محمد،
قالوا: ما أنتم وما محمد؟ قالوا نحن ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء
ونفك العناة ونسقي الحجيج، ونصل الأرحام، قالوا: فما محمد؟ قالوا: صنبور
قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار، قالوا: لا، بل أنتم خير منهم
وأهدى سبيلا فأنزل اللَّه تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [ (3) ]
إلى آخر الآية، قال سفيان: وكان غفار أهل سلة [في الجاهلية [ (4) ]] يعني
سرقة.
__________
[ (1) ] جرف بعاث: اسم موضع على ميل من المدينة.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 193- 194، باب ما جاء في قتل كعب بن الأشرف،
وكفاية اللَّه عزّ وجلّ رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم والمسلمين شره.
[ (3) ] النساء: 51.
[ (4) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
(12/187)
وخرج البخاري [ (1) ] من حديث سفيان قال
عمرو: سمعت جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من لكعب ابن الأشرف فإنه قد أذى اللَّه
ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول اللَّه أتحب أن أقتله؟ قال: نعم،
قال: فأذن لي أن أقول شيئا، قال، فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل
قد سألنا صدقة وأنه قد عنانا، وأني قد أتيتك استسلفك، قال: وأيضا واللَّه
لتملنه، قال: إنّا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى تنظر إلي أي شيء يصير
أمره، وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين فقال: أرهنوني، قال أي شيء تريد؟
قال: أرهنوني نساءكم! قال: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال:
فأرهنوني أبنائكم، قال: كيف نرهنك
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 427، كتاب المغازي، باب (15) قتل كعب الأشرف،
حديث رقم (4037) ، قال السهيليّ: في قصة كعب بن الأشرف قتل المعاهد إذا سب
الشارع، خلافا لأبي حنيفة. قال الحافظ: وفيه نظرا، وصنيع المصنف في الجهاد
يعطي أن كعبا كان محاربا حيث ترجم لهذا الحديث: «الفتك بأهل الحرب» وترجم
له أيضا: «الكذب في الحرب» ، وفيه جواز قتل المشرك بغير دعوة إذا كانت
الدعوة العامة قد بلغته، وفيه جواز الكلام الّذي يحتاج إليه في الحرب، ولو
لم يقصد قائله إلى حقيقته. (فتح الباري) .
وأخرجه مسلم في (صحيحه) : 12/ 403، كتاب (الجهاد والسير) ، باب (42) قتل
كعب بن الأشرف طاغوت اليهود، وقد استدل بهذا الحديث بعضهم على جواز قتل من
بلغته الدعوة من الكفار، وتبييته من غير دعاء إلى الإسلام. (شرح النووي) .
وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 211- 212، كتاب الجهاد، باب (169) في
العدوّ يؤتى على غرة ويتشبه بهم، حديث رقم (2768) . وفي هذا الحديث من
الفقه إسقاط الحرج عن تأول الكلام فأخبر عن الشى بما لم يكن إذا كان يريد
بذلك استصلاح أمر دينه، أو الذود عن نفسه وذويه، ومثل هذا الصنيع جائز في
الكافر الّذي لا عهد له، كما جاز البيات والإغارة عليهم في أوقات الغفلة
وأوان الغرة.
وكان كعب لهج بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهجائه فاستحق القتل مع كفره
بسبه رسول صلّى اللَّه عليه وسلم. (معالم السنن) .
(12/188)
أبناءنا فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق أو
وسقين؟ هذا عار علينا ولكن نرهنك اللأمة، قال سفيان: يعني السّلاح، فواعده
أن يأتيه فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة- فدعاهم إلى
الحصن، فنزل إليهم فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو
محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة، وقال غير عمرو، قالت: أسمع صوتا كأنه يقطر
منه الدم، قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم
لودعى إلى طعنة بليل لأجاب، قال: ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين وقال غير
عمرو، أبو عبس بن حيبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر. قال عمرو: جاء برجلين
فقال إذا جاء فإنّي شام شعره فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم: قال:
فلما نزل وهو متوحش قال: إنا نجد منك ريح الطيب، قال: نعم، تحتي فلانة، هي
أعطر نساء العرب، قال: فتأذن لي أن أشم منه؟ قال: نعم، فشمّ، فتناول فشم ثم
قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستكمنت من رأسه ثم قال:
دونكم، قال: فقتلوه.
قال: ابن إسحاق [ (1) ] فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن
وقش، وهو أبو نائلة، حدثني عبد الأشهل وكان أخا لكعب من الرضاعة، وعباد بن
بشر بن وقش، وأبو عبس بن جبر، أخو بني حارثة.
قال ابن إسحاق: فحدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما، قال بعثني معهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بقيع
الغرقد، ثم وجههم قال: انطلقوا على اسم اللَّه، اللَّهمّ أعنهم.
قال مؤلفه: ولقتل كعب بن الأشرف طرق كثيرة، وقد تضمن أربعه أعلام من أعلام
النبوة، وهي: إخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن اللَّه تعالى بما
كان من تحريض كعب قريشا بمكة على محاربة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم، ودعائه اللَّه تعالى بإعانة من بعثهم لقتله، وأعانهم اللَّه تعالى
على ذلك إجابة لدعاء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، وثالثها دعاؤه صلّى
اللَّه عليه وسلم أن يكفيه كعبا فكفاه أمره، ثم نفثه صلّى اللَّه عليه وسلم
في جرح الحارث بن أوس فلم يؤذه.
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 322- 323، مقتل كعب بن الأشرف.
(12/189)
وأما كفاية اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه
عليه وسلم دعثور بن الحارث إذ عزم على قتله وقد أمكنته الفرصة
فقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : حدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة،
حدثنا زيد بن أبي عتاب، وحدثني عثمان بن الضحاك بن عثمان، وحدثني:
عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن عبيد اللَّه بن أبي بكر، فزاد بعضهم على
بعض في الحديث، وغيرهم قد حدثنا أيضا، قالوا: بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم أن جمعا من بني ثعلبة ومحارب بذي أمرّ [ (2) ] قد تجمعوا يريدون
أن يصيبوا من أطراف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، جمعهم رجل منهم
بقال له دعثور بن الحارث بن محارب، فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
المسلمين وخرج في أربعمائة رجل وخمسين، ومعهم أفراس، فذكر الخبر إلى أن
قال: وهربت منه الأعراب فوق الجبال وقبل ذلك ما قد غيبوا سرحهم في ذرى
الجبال، فلم يلاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أحدا، إلا أنه ينظر
إليهم في رءوس الجبال، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذا أمر
وعسكر معسكره، فأصابهم مطر شديد فذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه، وقد جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم وادي ذي أمرّ بينه وبين أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها
على شجرة ثم اضطجع تحتها والأعراب ينظرون كل ما يفعل، فقالت الأعراب
لدعثور- وكان سيدها وأشجعها-: قد أمكنك محمد، وقد انفرد من أصحابه حيث إن
غوّث بأصحابه لم يغث حتى تقتل، فاختار سيفا من سيوفهم صارما،
ثم أقبل مشتملا بالسيف حتى قام على رأس النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالسيف
مشهورا، فقال: يا محمد! من يمنعك مني اليوم؟ قال: اللَّه! وقال: ودفع جبريل
في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقام
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 194- 196. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق
منه.
[ (2) ] موضع غزاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال الواقدي: هو من
ناحية النخيل، وهو بنجد من ديار غطفان، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم خرج في ربيع الأول من سنة ثلاث للهجرة لجمع بلغه أنه اجتمع من محارب
وغيرهم، فهرب القوم منهم الى رءوس الجبال، وزعيمها دعثور بن الحارث
المحاربي، فعسكر المسلمون بذي أمرّ.
(12/190)
به على رأسه، فقال: من يمنعك منى اليوم؟
قال: لا أحد، قال: فأنا أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه،
واللَّه لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
سيفه، ثم أقبل بوجهه فقال: أما واللَّه لأنت خير مني، قال: رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم أنا أحق بذلك منك،
فأتى قومه فقالوا: أين ما كنت تقول؟
وقد أمكنك والسيف في يدك؟ فقال: قد واللَّه كان ذلك، ولكني نظرت إلى رجل
أبيض طويل دفع في صدري، فوقعت لظهري فعرفت أنه ملك، وشهدت أن لا إله إلا
اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، ولا أكثر عليه، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام
ونزلت هذه الآية فيه، وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا
إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [ (1) ] .. الآية،
وكانت غيبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إحدى عشرة ليلة. [واستحلف النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم على المدينة عثمان بن عفان رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه] .
قال البيهقي: كذا قال الواقدي، وقد روي في غزوة ذات الرقاع [ (2) ] قصة
أخرى في الأعرابي الّذي قام على رأسه بالسيف وقال: من يمنعك مني؟ فإن كان
الواقدي حفظ ما ذكر في هذه الغزوة فكأنهما قصتان. قال المؤلف رحمه اللَّه:
وذكر الواقدي قصة ثالثة في غزوة حنين [ (3) ] سيأتي ذكرها إن شاء اللَّه
تعالى، والحمد اللَّه رب العالمين.
__________
[ (1) ] المائدة: 11.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 395.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 855.
(12/191)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم
باستشهاد زيد بن صوحان العبديّ [ (1) ]
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث الهذيل بن بلال المدائني الفزاري، عن عبد
الرحمن بن مسعود العبديّ، عن على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة
سبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان.
قال البيهقي: هذيل بن بلال غير قوي [ (3) ] . قال المؤلف: قال ابن معين ليس
بشيء وقال البخاري: سمع منه ابن مهدي وأبو داود. وقال النسائي:
ضعيف. وقال ابن عدي: وليس في حديثه حديث منكم.
وقال أبو عمر بن عبد البر: وروى من وجوه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
كان في مسير له فبينما هو يسير إذ هوّم فجعل يقول: زيد وما زيد، جندب وما
جندب، فسئل عن ذلك فقال: رجلان من أمتي، أما أحدهما فتسبقه يده أو قال: بعض
جسده إلى الجنة، ثم يتبعه سائر جسده، وأما الآخر فيضرب ضربة يفرق بها بين
الحق والباطل.
قال أبو عمر: أصيبت يد زيد يوم جلولاء [ (4) ] ثم قتل يوم الجمل مع عليّ
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وجندب قاتل الساحر.
__________
[ (1) ] ذكره ابن حجر في (الاصابة) : 2/ 610، ترجمة رقم (1912) وقال: يقال:
إن له صحبة.
وقال ابن عبد البر: ولا أعلم له صحبة، ولكنه ممن أدرك النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم بسنه مسلما، وكان فاضلا دينا سيدا في قومه هو وإخوته.
(الاستيعاب) : 2/ 555- 557، ترجمة رقم (852) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 416- 417، باب ما روي في إخباره صلّى اللَّه
عليه وسلم عن قتل زيد بن صوحان شهيدا، فكان كما أخبر، قتل يوم الجمل.
[ (3) ] ترجمته في: (ميزان الاعتدال) : 4/ 294، ترجمة رقم (9213) ، ضعفه
النسائي والدار الدّارقطنيّ. وقال يحيى ليس بشيء، وقال ابن حبان: يقلب
الأسانيد ويرفع المراسيل، فصار متروكا. قال أحمد: لا أرى به بأسا. وقال أبو
زرعه: ليس بالقوى.
[ (4) ] اسم موضع في طريق خراسان، بها كانت الوقعة المشهورة على الفرس
للمسلمين سنة (16) فسميت: جلولاء الوقيعة، لما أوقع بهم المسلمون. (معجم
البلدان) : 2/ 181، موضع رقم (3198) مختصرا.
(12/192)
وللبيهقي [ (1) ] من حديث إسحاق الأزرق
قال: حدثنا عوف عن ابن سيرين قال: قال خالد بن الواشمة: لما فرغ من أصحاب
الجمل ونزلت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- منزلها دخلت عليها فقلت:
السلام عليك يا أم المؤمنين فقالت: من هذا؟ قلت: خالد بن الواشمة، قالت: ما
فعل طلحة؟
قلت أصيب! قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، ورحمه اللَّه، قالت ما فعل
الزبير؟ قلت أصيب! قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، يرحمه اللَّه، قلت:
بل نحن للَّه وإنا إليه راجعون في زيد بن صوحان، قالت: وأصيب؟ قلت: نعم،
قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون- يرحمه اللَّه- فقلت: يا أم المؤمنين
ذكرت طلحة فقلت: يرحمه اللَّه، وذكرت الزبير فقلت: يرحمه اللَّه، وذكرت
زيدا فقلت: يرحمه اللَّه، وقد قتل بعضهم بعضا، واللَّه لا يجمعهم اللَّه في
الجنة أبدا، قالت: أو لا تدري أن رحمة اللَّه واسعة وهو على كل شيء قدير؟
وخرجه من طريق إسحاق، حدثنا ابن عون عن ابن سيرين عن خالد بن الواشمة بنحوه
[ (2) ] .
وقال ابن عبد البر [ (3) ] : روى إسماعيل بن عليه عن أيوب عن محمد بن سيرين
قال أنبئت أن عائشة [أم المؤمنين] [ (4) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-
سمعت [كلام] [ (5) ] خالد يوم الجمل فقالت: خالد بن الواشمة؟ قال: نعم،
قالت: أنشدك اللَّه، أصادق أنت إن سألتك؟ قلت: نعم، وما يمنعني أن أفعل؟
قالت: ما فعل طلحة؟ قلت: قتل. قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، قلت: بل
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 416- 417.
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] (الاستيعاب) : 2/ 557، ترجمة زيد بن صوحان رقم (852) .
[ (4) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (5) ] في (الأصل) : «سمعت خالدا» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
(12/193)
نحن للَّه ونحن إليه راجعون على زيد وأصحاب
زيد، قالت: زيد بن صوحان؟
قلت: نعم، قالت: له خير، فقلت: واللَّه لا يجمع بينهم في الجنة أبدا، قالت:
لا تقل [ (1) ] ، فإن رحمة اللَّه واسعة وهو على كل شيء قدير.
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بوقعة صفين
فخرّج البخاري [ (2) ] من حديث شعيب، حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن، عن
أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى
تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما [ (3) ] واحدة وحتى
يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول اللَّه، وحتى يقبض
العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل
وحتى يكثر فيكم المال [فيفيض] [ (4) ] ، حتى يهم بهم صاحب [ (5) ] المال من
يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الّذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول
الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه، وحتى
تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنت أجمعون، فذلك حين لا
يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ
فِي إِيمانِها خَيْراً [ (6) ] أو لتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما
بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن
لقحته فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة
__________
[ (1) ] في (الأصل) : «لا تفعل» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 102، كتاب الفتن، باب (25) بدون ترجمة حديث رقم
(7121) .
والمراد بالفئتين: على ومن معه، ومعاوية ومن معه، ويؤخذ من تسميتهم مسلمين،
ومن قوله: دعوتهما واحدة، الرد على الخوارج ومن تبعهم في تكفيرهم كلّا من
الطائفتين. (فتح الباري) .
[ (3) ] في (المرجع السابق) : «دعوتهما» ، وما أثبتناه من (الأصل) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (5) ] في (البخاري) : «رب» .
[ (6) ] الأنعام: 158.
(12/194)
وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه [ (1) ]
ولتقومنّ الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها. هكذا ذكر البخاري هذا
الحديث مجتمعا.
وذكره مسلم [ (2) ] أو أكثره مفرقا في كتاب الفتن وغيره من كتابه، فخرج في
كتاب الفتن من حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه قال:
هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر أحاديث
منها، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل
فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة.
وخرجة البخاري [ (3) ] في كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم، من
حديث سفيان، حدثنا أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما
واحدة. وخرجه في باب علامات النبوة في الإسلام [ (4) ] من حديث شعيب عن
الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة.
ومن حديث عبد الرزاق [ (5) ] أنبأنا معمر عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان فتكون بينهما
مقتلة عظيمة،
__________
[ (1) ] في (الأصل) : «منه» .
[ (2) ] أخرجه مسلم برقم (57) في الزكاة، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا
يوجد من يقبلها، وفي الإيمان، باب بيان الزمن الّذي لا يقبل فيه الإيمان،
رقم (2912) ، (2922) ، (157) في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل
بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء.
(جامع الأصول) : 10/ 405، في أحاديث جامعة لأشراط الساعة، تعليقا على
الحديث رقم (7920) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 12/ 374. كتاب استتابة المرتدين والمعاندين
وقتالهم، باب (8)
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقول الساعة حتى تقتل فئتان دعواهما
واحدة،
حديث رقم (6935) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 764، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في
الإسلام، حديث رقم (3608) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3609) .
(12/195)
دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يبعث
دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول اللَّه.
وخرج الحافظ أبو القاسم على بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر من حديث عبد
السلام عن حرب عن يزيد بن أبي خالد الدالاني، عن مالك بن الحويرث، عن أبي
هريرة قال: بلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكر فتنة فقربها،
قال: فأتيته بالبقيع وعنده أبو بكر، وعمر، وعليّ، وطلحة، والزبير، رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فقلت: يا رسول اللَّه بلغني أنك ذكرت.. قال:
نعم، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان دينهما واحد، وحجمهما واحد، قال أبو بكر:
أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال: اللَّه أكبر، قال عمر: أدركها يا
رسول اللَّه؟
قال: لا، قال: الحمد للَّه، قال عثمان: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: نعم
وبك يبتلون، وبك يقتتلون، قال عليّ: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، تقود
الخيل بأزمتها.
وخرجه الحافظ أبو نعيم قال: حدثنا سليمان بن أحمد اللخمي، حدثنا أحمد بن
عبد الوهاب بن نجده الحوطي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا
ماعز التميمي قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول خرجنا مع رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار وهو ينتظرها، قال: كيف لو رأيتم
خيلين من الناس يقتتلان دعواهما واحدة وأصلهما واحد؟ قال: يكون هذا؟
قال: نعم، قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أأدرك ذلك يا رسول
اللَّه؟ قال: لا، قال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أفأدرك أنا ذلك يا
رسول اللَّه؟ قال: بك يبتلون، قال عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه،
أفأدرك أنا ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: أنت القائد لها والآخذ بزمامها.
وذكر البيهقي [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أبو اليمان، حدثنا
صفوان بن عمرو، قال: كان أهل الشام ستين ألفا فقتل منهم عشرون ألفا، وكان
أهل العراق مائة وعشرين ألفا قتل منهم عشرون ألفا.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 418- 419، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه
عليه وسلم باقتتال فئتين عظيمتين تكون بينهما مقاتلة عظيمة، ودعواهما
واحدة، فكان كما أخبر في حرب صفين.
(12/196)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن
عمار بن ياسر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه تقتله الفئة الباغية، فقتله أهل
الشام بصفين
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن أبي مسلمة قال:
سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدريّ قال: أخبرني من هو خير مني، أن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعمار بن ياسر حين جعل يحفر الخندق
وجعل يمسح رأسه ويقول: بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية.
ومن حديث خالد بن الحارث والنضر بن شميل عن شعبة، عن أبي مسلمة بهذا
الإسناد نحوه، غير أن في حديث النضر قال: أخبرني من هو خير مني أبو قتادة.
وفي حديث خالد بن الحرث قال: أراه يعني أبا قتادة. وفي حديث خالد ويقول:
ويس أو يا ويس ابن سمية [ (2) ] .
وخرج من حديث غندر وعبد الصمد بن عبد الوارث كلاهما قالا: حدثنا شعبه: قال:
سمعت خالد الحذاء عن سعيد بن أبي الحسن والحسن، عن أمه عن أم سلمة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعمار:
تقتلك الفئة الباغية [ (3) ] .
ومن حديث إسماعيل بن إبراهيم [ (4) ] عن ابن عون، عن الحسن، عن أمه، عن أم
سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تقتل عمارا الفئة
الباغية.
وخرج البخاري [ (5) ] في كتاب الصلاة، في باب التعاون في بناء المسجد، من
حديث مسدد قال: حدثنا عبد العزيز بن جمعان [ (6) ] قال: حدثنا خالد الحذاء
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 255- 256، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب
(18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء،
حديث رقم (70) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (71) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (72) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (73) .
(12/197)
عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما ولابنه عليّ: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثة،
فانطلقنا، فإذا في حائط له يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا، حتى
أتى على ذكر بناء المسجد، فقال: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين
[لبنتين] [ (1) ] ، فرآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فينفض التراب عنه
ويقول: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار!
قال: يقول عمار: أعوذ باللَّه من الفتن.
وخرجه في الجهاد [ (2) ] من حديث عبد الوهاب، حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن
عباس قال له ولعليّ بن عبد اللَّه: ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه.
فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه، فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال:
كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمر به
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار، وقال: ويح عمار تقتله
الفئة الباغية، يدعوهم إلى اللَّه ويدعونه إلى النار!.
وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق يوسف الماجشون، عن أبيه، عن أبي عبيدة بن
محمد بن عمار بن ياسر، عن مولاة لعمار قالت: اشتكى عمار شكوى أرق منها فغشى
عليه، فأفاق، ونحن نبكي حوله، فقال: ما تبكون،
__________
[ () ] (5) (فتح الباري) : 1/ 712، كتاب الصلاة، باب (63) التعاون في بناء
المسجد، حديث رقم (447) ، وفيه ما كان السلف عليه من التواضع وعدم التكبر،
وتعاهد أحوال المعاش بأنفسهم، والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم، وإكرام طلبة
العلم، وتقديم حوائجهم على حوائج أنفسهم.
[ (6) ] في (البخاري) : «ابن مختار» .
[ (1) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (2) ] (المرجع السابق: 6/ 36، كتاب الجهاد باب (17) مسح الغبار عن الرأس
في سبيل اللَّه تبارك وتعالى حديث رقم (2812) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 421، باب ما جاء في إخباره عن الفئة الباغية
منهما، بما جعله علامة كمعرفتهم، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 418،
حديث رقم (18404) ، من حديث عمار بن ياسر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(12/198)
أتخشون أن أموت على فراشي؟ أخبرنى حبيبي
صلّى اللَّه عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر أدمى من الدنيا
مذقة من لبن.
ومن حديث أبي نعيم [ (1) ] ومحمد بن كثير قالا: حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي
ثابت، عن البحتري أن عمار بن ياسر أتى بشربة من لبن فضحك، فقيل له ما يضحك؟
فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: آخر شراب أشربه حتى أموت.
وخرجه الحاكم [ (2) ] وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وللبيهقي [ (3) ] من حديث يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة،
حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البحتري قال: لما كان يوم
صفين، واشتد الحرب قال عمار: ائتوني بشراب أشربه، ثم قال: إن رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم قال: آخر شراب تشربه من الدنيا شربة لبن، ثم تقدم
فقتل.
وخرج الحاكم [ (4) ] من طريق محمد بن عمر قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي
عبيدة عن أبيه، عن لؤلؤة مولاة أم الحكم ابنة عمار بن ياسر قالت: لما كان
اليوم الّذي قتل فيه عمار والراية يحملها أبو هاشم بن عتبة، وقد قتل أصحاب
عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ذلك اليوم حتى كان العصر، ثم تقدم عمار
بن ياسر ورأى أبا هاشم تقدمه، وقد جنحت الشمس للغروب، ومع عمار ضيح من لبن
ينتظر وجوب الشمس أن يفطر فقال حين وجبت الشمس وشرب الضيح: سمعت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن،
قال:
ثم اقترب فقاتل حين قتل وهو ابن أربع وتسعين سنة.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] (المستدرك) : 3/ 439، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عمار بن ياسر
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (5669) ، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 421.
[ (4) ] (المستدرك) : 3/ 435، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عمار بن ياسر
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (5657) ، أورده الحافظ الذهبي في
(التلخيص) مختصرا.
(12/199)
قال ابن عمر [ (1) ] : وحدثني عبد اللَّه
بن الحارث عن أبيه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه يوم الجمل وهو لا يسلّ سيفا [وشهد صفين] [ (2) ]
فقال: أن لا أضل أبدا بقتل عمار، قال خزيمة: قد حانت له الضلالة ثم اقترب
فقاتل حتى قتل.
وكان الّذي قتل عمار أبو غادية المزني، طعنه برمح فسقط، وكان يومئذ يقاتل
وهو ابن أربع تسعين سنة، فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه فأقبلا
يختصمان، كلاهما يقول: أنا قتلته، فقال عمرو بن العاص رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه: واللَّه إن تختصمان إلا في النار، فسمعها منه معاوية رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه، فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو:
وما رأيت مثل ما صنعت يوم بذلوا أنفسهم دوننا، نقول لهم: إنكم تختصمان في
النار، فقال له عمرو: واللَّه ذاك، واللَّه إنك لتعلمه، ولوددت أني مت من
قبل هذا بعشرين سنة. يقال: إن الّذي قتلة ابن الحارث وشريك بن سميّ اشتركا
فيه.
وخرج الحاكم [ (3) ] وأحمد [ (4) ] من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس
عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أخبره قال: لما قتل عمار بن
ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار وقد سمعت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية،
فقال له معاوية: أنحن قتلناه؟ إنما قتله عليّ وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه
بين رماحنا، أو قال:
سيوفنا.
قال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 436، حديث رقم (5659) وقال: صحيح على شرطها، ولم
يخرجاه بهذه السياقة، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري
ومسلم.
[ (4) ] (مسند أحمد) : 5/ 224، حديث رقم (17324) من حديث عمرو بن العاص رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(12/200)
قال المؤلف- رحمه اللَّه: إن كان عليّ رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه هو الّذي قتل عمارا إلا أنه جاء به حتى قاتل فقتل،
فقياسه أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هو الّذي قتل [حمزة] ،
لأنه هو الّذي جاء به حتى قتل يوم أحد، ومعاذ اللَّه من ذلك، فما قتل عمارا
إلا البغاة أهل الشام كما قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء مشركو مكة.
وخرّج الحاكم [ (1) ] من حديث عطاء بن مسلم الحلبي قال: سمعت الأعمش يقول:
قال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدت صفين فكنا إذا تواعدنا دخل هؤلاء في عسكر
هؤلاء، ودخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، فرأيت أربعة يسيرون: معاوية بن أبي
سفيان، وأبو الأعور السلمي، وعمرو بن العاص، وابنه، فسمعت عبد اللَّه بن
عمرو يقول لأبيه عمرو: قد قتلنا هذا الرجل وقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم فيه ما قال! قال: أي رجل؟
قال عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
المسجد فكنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين، وأنت ممن حضر، قال:
أما إنك ستقتلك الفئة الباغية وأنت من أهل الجنة،
فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ما قال؟ فقال: اسكت فو اللَّه ما تزال ترحض في بولك! أنحن
قتلناه؟ إنما قتله عليّ وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بيننا.
قال المؤلف- رحمه اللَّه-: إني لأعجب كيف ذهل الحاكم أبو عبد اللَّه عن هذا
الوهم؟ فإن عمرو بن العاص لم يحضر بناء مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم بلا خلاف، فإنه كان يوم بنائه على دين قومه، وإنما أسلم بعد ذلك
بسنتين في سنة ثمان قبل الفتح، وقيل: أسلم بين الحديبيّة وخيبر، وقيل: أسلم
عام خيبر، والصحيح أنه أسلم في صفر سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر، ولا خلاف
في أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بني مسجده عند قدومه إلى المدينة
مهاجرا.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 436- 437، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عمار بن
ياسر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (5660) ، وقال الحافظ الذهبي
في (التلخيص) : هو كما ترى خطأ، فأين كان عمرو وابنه يوم بناء المسجد؟
وعطاء ضعفه أبو داود.
(12/201)
وخرج أيضا من حديث ابن وهب قال: أخبرني
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، سمعت عمار بن ياسر بصفين في اليوم الّذي
قتل فيه وهو ينادي: أزلفت الجنة، وزوجت الحور العين، اليوم نلقي حبيبنا
محمدا، عهد إليّ إن آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن [ (1) ] . قال الحاكم:
صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.
وخرج من حديث أبي أسامة، حدثنا مسلم بن عبد اللَّه الأعور عن حبة العرني
قال: دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان أساله عن الفتن
فقال: دوروا مع كتاب اللَّه حيث دار، وانظروا الفئة التي فيها ابن سمية
فاتبعوها فإنه يدور مع كتاب اللَّه حيث ما دار. قال: فقلنا له: ومن ابن
سمية؟ قال: عمار بن ياسر فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول له لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية، تشرب شربة ضياح تكون آخر رزقك من
الدنيا
[ (2) ] .
ولعبد الرزاق عن معمر، عن من سمع الحسن يحدث عن أبيه عن أم سلمة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه
يبنون المسجد فجعل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يحمل كل رجل منهم
لبنة [ويحمل عمار لبنتين] فقام إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمسح
ظهره، وقال: ابن سمية لك أجران [ (3) ] وللناس أجر، آخر زادك شربة من لبن
وتقتلك الفئة الباغية.
وخرج البيهقي [ (4) ] من حديث عمار الذّهني عن سالم بن أبي الجعد قال جاء
رجل إلى عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: يا أبا عبد
الرحمن! إن اللَّه قد أمّننا من أن يظلمنا، ولم يؤمننا من أن يفتننا، أرأيت
إن أدركت فتنة؟ قال: عليك بكتاب اللَّه، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 439، حديث رقم (5668) ، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5676) ، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : صحيح.
[ (3) ] سبق تخريجه.
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 421- 422، باب ما جاء في إخباره عن الفئة
الباغية منهما بما جعله علامة لمعرفتهم.
(12/202)
كتاب اللَّه؟ قال: سمعت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يقول: إذا اختلفت الناس كان ابن سمية مع الحق.
ومن طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة قال: أخبرني عمرو بن دينار عن
أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما: أما علمت أنا كنا نقرأ:
وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ [ (1) ] «في آخر الزمان كما جاهدتم
في أوله» قال: فقال عبد الرحمن ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كان
بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء [ (2) ] .
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالحكمين اللذين حكما بين عليّ ومعاوية
بعد صفّين
فخرج البيهقي [ (3) ] من حديث قتيبة بن سعيد قال: حدثنا جرير عن زكريا بن
يحيى [ (4) ] ، عن عبد اللَّه بن يزيد، وحبيب بن يسار عن سويد بن غفلة قال:
إني لأمشي مع عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بشطّ الفرات، فقال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل
اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلّا وأضلّا، وأن هذه الأمة ستختلف، فلا
يزال اختلافهم بينهم حتى
__________
[ (1) ] الحج: 78
[ (2) ] (المرجع السابق) : 422.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 423، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم عن الحكمين اللذين بعثا في زمان عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (4) ] ترجمته في (ميزان الاعتدال) : 2/ 75، وفيه: زكريا بن يحيى الكندي،
عن الشعبي، قال يحيى: ليس بشيء، قلت: وكان ضريرا.
(12/203)
بعثوا حكمين فضلا وأضلّا، وأن هذه الأمة
ستختلف، فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين، فضلّا وضلّ من اتبعهما
[ (1) ] .
وفي (كتاب صفين) ، حدثنا عبد الرحمن المسعودي عن صفوان بن موسى البارقي عن
سويد بن غفلة، قال: كنت أساير أبا موسى الأشعري على شاطئ الفرات فقال: يا
سويد حدثني، فقلت: أحدثك وأنت صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟
فقال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن الفتن لم تزل ببني
إسرائيل تخفضهم وترفعهم، حتى حكموا حكمين ضلا وضل من اتبعهما، وإن الفتن لم
تزل بهذه الأمة تخفضهم وترفعهم، حتى يحكما حكمين يضلان ويضل من تبعهما،
قال سويد بن غفلة: فقلت: يا أبا موسى فلعل أحدهما، قال: فأخذ بأسفل ثوبه ثم
قال: اللَّهمّ يوم يكون أبو موسي ذلك فلا تجعل له في السماء مصعدا ولا في
الأرض مهبطا، فقال سويد: فما مات حتى رأيته أحدهما [ (2) ] .
__________
[ (1) ] وعن البيهقي نقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 240-
241 وقال: هكذا أورده ولم يبين شيئا من أمره، وهو حديث منكر جدا، وآفته من
زكريا بن يحيى هذا، وهو الكندي الحميري الأعمى. قال ابن معين: ليس بشيء.
والحكمان كانا من خيار الصحابة وهما عمرو بن العاص السهمي، من جهة أهل
الشام، والثاني أبو موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري، من جهة أهل العراق،
وإنما نصبا ليصلحا بين الناس ويتفقا على أمر فيه رفق بالمسلمين، وحقن
لدمائهم، وكذلك وقع، ولم يضل بسببها إلا فرقة الخوارج من حديث أنكروا على
الأميرين التحكيم، وخرجوا عليهما وكفروهما. حتى قاتلهم علي بن أبي طالب،
وناظرهم ابن عباس، فرجع منهم شرذمة إلى الحق، واستمر بقيتهم حتى قتل أكثرهم
بالنهروان وغيره من المواقف المرذولة عليهم.
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
(12/204)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن
مارقة تمرق بين طائفتين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فخرجوا على عليّ رضي
اللَّه تبارك وتعالى اللَّه عنه وقتلهم فاقتضي ذلك أنه رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه على الحق
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث القاسم بن الفضل الحداني قال: حدثنا أبو نضرة،
عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلهم أولى
الطائفتين بالحق.
وخرج من حديث أبي عوانه [ (2) ] عن قتادة، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدريّ
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تكون في أمتي فرقتان فتخرج من
بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق.
ومن حديث سفيان عن حبيب [ (3) ] بن أبي ثابت عن الضحاك المشرقي عن أبي سعيد
الخدريّ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في حديث ذكر فيه قوما يخرجون على
فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحقّ.
وخرج البيهقي [ (4) ] من طريق يعقوب بن سفيان الحميدي، حدثنا سفيان عن
مجالد بن سعيد، عن الشعبي قال: خطبنا الحسن بن على بالنخيلة حين صالح
معاوية فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: إن أكيس الكيس التّقي، وإن
أعجز العجز الفجور، وإن هذا الأمر الّذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق أتركه
لمعاوية
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 174، كتاب الزكاة، باب (47) ذكر الخوارج
وصفاتهم، حديث رقم (150) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (51) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (152) ، (153) .
[ (4) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 163، أحداث سنة (41) .
(12/205)
إرادة استصلاح المسلمين وحقن دماءهم،
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ [ (1) ]
أقول قولي هذا، وأستغفر اللَّه لي ولكم.
وخرج من طريق حمّاد بن واصل قال: حدثتني فاطمة بنت الحارث عن أبيها أن
عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يقول: الحسن- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- خالع سرباله.
ومن طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت يزيد بن حمير يحدث أنه سمع
عبد الرحمن بن جبير يحدث عن أبيه قال: قلت للحسن بن علي: إن الناس يقولون
إنك تريد الخلافة قال: قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت
ويسالمون من سالمت تركتها ابتغاء وجه اللَّه وحقن دماء أمة محمد، ثم ابتزها
بأتياس أهل الحجارة.
قال المؤلف- رحمه اللَّه: كان أبو عبد اللَّه الحسن بن عليّ- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- أعلم باللَّه وأخوف له وأشحّ على دينه وأفقه من أن يأخذ
بالإمامة التي وجبت له من اللَّه ورسوله عرضا من الدنيا، أو يعتاض بها شيئا
من معاوية، وإنما كان الأمر في ذلك أنه ندب الناس إلي حرب معاوية وجهد فيه
ووجّه قيس بن سعد وعبد اللَّه بن عباس على مقدمته، وأتبعهم بنفسه مرتحلا في
عسكره فاختلف أصحابه عليه ميلا منهم إلى إيثار الدنيا، وغشوه وكاتبو
معاوية، وسألوه الدنيا الخبيثة، ثم وثبوا على الحسن فانتبهوا رحله، فلما لم
يجد رحمه اللَّه للحق ناصرا، ولا لدين اللَّه ثائرا، ولا معينا، إلا شرذمة
قليلة، خاف إن هو حارب بهم أن يصطلموا فلم يبق لدين اللَّه ناصر، ولا داع
إليه، ولا قائم بحقه، فضن بأهل بيته عن الهلكة، كما فعل أبوه أمير
المؤمنين، علي بن أبي طالب، كرم اللَّه وجهه، فلما رأى الحسن رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه من فعل من معه، ما استدل به على خلافهم له، وميلهم
__________
[ (1) ] الأنبياء: 111.
وأخرجه البيهقي في (الدلائل) : 6/ 444- 445، باب ما جاء في إخباره صلّى
اللَّه عليه وسلم بسيادة ابن ابنته الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما، وإصلاحه بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كما أخبر.
(12/206)
عنه إلى الدنيا، وزهدهم في الآخرة، ورفضهم
الحق، لم يسعه فيما بينه وبين اللَّه عز وجل إلا الإبقاء على نفسه وأهل
بيته فراوغ حينئذ معاوية، ووثق في الشرط عليه، والأمان للناس جميعا، وأخذ
عليه أشد ما أخذ اللَّه على أحد بالوفاء، إعطاء من نفسه، مثل ما دخل فيه
عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من الشورى، فتنبه رحمك اللَّه لما
أوضحته، ولا تكن كأحد اثنين: أحدهما يرى أن الحسن حين رغب، عن معاوية حتى
أنبه وقال: يا مسود وجوه المؤمنين [ (1) ] ! والثاني لقلة تفطنه أن الحسن
باع الإمامة بعرض من الدنيا حتى لقد جعل ذلك بعض من زعم أنه فقيه، دليلا
على بيع الجند الإقطاعات، والفقهاء الوظائف، وما كان الأمر إلا ما أوضحته،
فتنبه لعلل الحوادث، وافحص عن أسباب الموجود، أن تظفر بأسرار اللَّه
الكامنة في طي مخلوقاته، واحذر أن تعدّ من الذين يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ
الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [ (2) ] فتكون
ممن انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ
الْخُسْرانُ الْمُبِينُ [ (3) ] نسأل اللَّه العصمة في القول والعمل، من
الزيغ والزلل. [آمين] .
__________
[ (1) ] فقال: لا تعذلني، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رأى في
المنام بنى أمية ينزون على منبره رجلا فرجلا، فساءه ذلك، فأنزل اللَّه عز
وجلّ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ وهو نهر في الجنة، إِنَّا
أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إلى قوله تعالى: خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ يملكها بعدك بنو أمية. (الكامل في التاريخ) : 4/ 407، ذكر تسليم
الحسن بن عليّ الخلافة إلى معاوية، في أحداث سنة إحدى وأربعين.
[ (2) ] الروم: 7.
[ (3) ] الحج: 11.
(12/207)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بملك
معاوية
فخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث عبد اللَّه بن نمير، عن إسماعيل بن
إبراهيم بن المهاجر [ (1) ] قال: سمعت عبد اللَّه بن عمير قال: قال معاوية:
ما زلت أطمع في الخلافة مذ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما قال:
إن ملكت يا معاوية فأحسن.
وخرج البيهقي [ (2) ] من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن إسماعيل، عن
عبد اللَّه قال: قال معاوية: واللَّه ما حملني على الخلافة إلا قول النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم:
إن ملكت فأحسن.
قال البيهقي: إسماعيل بن إبراهيم هذا ضعيف عند أهل المعرفة بالحديث غير أن
لهذا الحديث شواهد.
قال المؤلف- رحمه اللَّه: إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر البجلي كوفي: قال
الدارميّ: سألت يحيى عنه فقال: هو ضعيف وقال عباس عنه:
إبراهيم بن مهاجر ضعيف وابنه إسماعيل ضعيف. وقال عبد اللَّه بن أحمد:
سألت أبي عنه عن إبراهيم بن مهاجر فقال: ليس به بأس وسألته عن ابنه إسماعيل
فقال: أقوى في الحديث منه وقال البخاري: إسماعيل بن إبراهيم بن
__________
[ (1) ] ذكره العقيلي في (الضعفاء الكبير) : 1/ 73 وضعفه، وقال ابن حبان في
(المجروحين) :
1/ 122: إسماعيل بن مهاجر الكوفي، يروي عن أبيه وعبد الملك بن عمير روى عنه
أبو نعيم والكوفيون، كان فاحش الخطأ. وقال الحافظ الذهبي في (ميزان
الاعتدال) : 1/ 112، ترجمة رقم (827) : إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي
الكوفي، عن أبيه وعبد الملك بن عمير، وعنه أبو نعيم وطائفة، ضعفه غير واحد
وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال أحمد: أبوه أقوى منه. قال الحافظ الذهبي:
من مناكيره، قال: حدثنا عبد الملك بن عمير، عن عمرو بن حريث ألا يبارك له
فيه إلا أن يجعله في مثله.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 446، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم بملك معاوية بن أبي سفيان إن صح الحديث فيه، وما ظهر في ذلك من آثار
النبوة.
(12/208)
مهاجر عن أبيه، وعبد اللَّه بن عمير سمع
منه أبو نعيم، عنده عجائب وقال، مرة: فيه نظر، وقال ابن عدي: في حديثه بعض
النكرة وأبوه خير منه [ (1) ] .
وذكر البيهقي [ (2) ] من شواهد حديث إسماعيل بن مهاجر المذكور حديث عمرو بن
يحيى بن سعيد بن العاص عن جده سعيد، أن معاوية أخذ الاداوة وتبع رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنظر إليه وقال له: يا معاوية إن وليت أمرا
فاتق اللَّه واعدل،
قال: فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [
(3) ] [حتى ابتليت] [ (4) ] .
ومنها حديث راشد بن سعيد، عن معاوية قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يقول إنك إن اتبعت عورات الناس أو عثرات الناس أفسدتهم أو كدت أن
تفسدهم
يقول أبو الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كلمة سمعها معاوية من رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنفعه اللَّه بها [ (5) ] .
وخرج البيهقي من حديث يحيى بن معين، ومن حديث عمرو بن عون كلاهما قال:
حدثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن سليمان بن أبي سليمان [ (6) ] ، عن
أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: الخلافة بالمدينة والملك بالشام.
__________
[ (1) ] راجع ترجمته فيما أشرنا إليه من مراجع في ما سبق من تعليقات.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 446- 447.
[ (3) ] أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 69، حديث رقم (16486) ، من
حديث معاوية بن أبي سفيان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (5) ] (سنن أبي داود) : 5/ 199، كتاب الأدب، باب (44) في النهي عن
التجسس، حديث رقم (4888) .
[ (6) ] ترجمته في (ميزان الاعتدال) : 2/ 211، ترجمة رقم (3476) ، (تهذيب
التهذيب) :
4/ 171، لا يكاد يعرف روى عنه العوام بن حوشب وحده، وفي روايته عنه اختلاف.
(12/209)
وخرج من طريق يعقوب بن سفيان [ (1) ] قال:
حدثنا عبد اللَّه بن يوسف حدثنا يحيى بن حمزه عن زيد بن واقد قال: حدثني بر
بن عبد اللَّه قال: حدثني أبو إدريس عائذ اللَّه الخولانيّ، عن أبي
الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم قال: بينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه
مذهوب به، فأتبعته بصرى فعمد به إلى الشام، وأن الإيمان حين تقع الفتنة
بالشام [ (2) ] .
قال البيهقي: هذا إسناد صحيح وروي من وجه آخر فذكره من طريق عقبة بن علقمة
قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن عطية بن قيس، عن عبد اللَّه بن عمرو-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
إن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى
الشام ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام.
وذكره من حديث الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن
ميسرة، عن عبد اللَّه بن عمر.
ومن حديث الوليد قال: حدثني عفير بن معدان أنه سمع سليم بن عامر يحدث عن
أبي أمامة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكره [ (3) ] .
ومن حديث أبي ضمرة محمد بن سليمان السلمي قال: حدثني عبد اللَّه ابن أبي
قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
__________
[ () ] قال إسحاق بن منصور عن ابن معين لا أعرفه روى له الترمذي حديثا
واحدا لما خلق اللَّه الأرض جعلت تميد. قلت: ذكره ابن حبان في الثقات في
التابعين، وقال الدار الدّارقطنيّ في (العلل) : مجهول لم يرو عنه غير قتادة
فهذا يؤيده. ترجمة رقم (333) .
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 448- 449.
[ (2) ] أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 222، حديث رقم (17321) من حديث
عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال فيه: «حيث تقع الفتن
بالشام» وفي (الأصل) :
«في الشام» .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 448.
(12/210)
يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسي ساطعا حتى استقر بالشام [ (1) ] .
وخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن صفوان قال: قال رجل
يوم صفين: اللَّهمّ العن أهل الشام فقال عليّ رضي اللَّه تبارك تعالى عنه:
لا تسب أهل الشام جمّا غفيرا فإن بها الأبدال [ (2) ] ، فإن بها الأبدال،
فإن بها الأبدال.
وروى أبو سعيد، عن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصري من طريق يحيى بن عبد
اللَّه بن بكير أخبرني عبد اللَّه بن سويد، عن عياش بن عباس الكنعي، عن أبي
خارجة أنه خرج إلى عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في زمانه ليقاتل معه،
فسمعته يقول: إنما أنا سبط من الأسباط أقاتل على حق، ولن يقوم والأمر لهم
واللَّه تبارك وتعالى أعلم بالصواب.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 449.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 449، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه قال
الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على (المسند) : إسناده ضعيف لانقطاعه، شريح بن
عبيد الحمصي لم يدرك عليا، بل لم يدرك إلا بعض متأخري الوفاة من الصحابة
رضوان اللَّه تعالى عليهم.
وقال الحافظ الذهبي في (سير الأعلام) : في (مسند أحمد) جملة من الأحاديث
الضعيفة، مما يسوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها، وفيه أحاديث معدودة شبه
موضوعة، لكنها قطرة في بحر.
وللسخاوي في (المقاصد الحسنة) : 43- 47، كلام كثير، ذكره تعليقا على الحديث
رقم (8) ، حديث الأبدال، وقال: له طرق عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- مرفوعا بألفاظ مختلفة، كلها ضعيفة. وراجع في ذلك: (كشف الخفا) : حديث
رقم (35) ، (ضعيف الجامع الصغير) : حديث رقم (2266) ، (الأسرار المرفوعة) :
حديث رقم (67، 491) ، (اللآلئ المصنوعة) : 2/ 2/ 330، و (حلية الأولياء) :
1/ 8، و (الفوائد المجموعة) : 245.
(12/211)
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في
موت ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بغير مكة
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الواحد ابن
زياد حدثنا عبد اللَّه بن الأصم: نقلت ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها
بمكة وليس عندها من بني أختها أحد فقالت: أخرجوني من مكة فإنّي لا أموت
بها، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة،
فحملوها حتى أتوا بها سرف، إلى الشجرة التي بني بها رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم تحتها، في موقع القبة، فماتت.
ومن حديث عفان قال [ (2) ] : حدثنا عبد الواحد بن زياد فذكره وزاد: فماتت،
فلما وضعتها في لحدها أخذت ردائي فوضعته تحت خدها في اللحد فأخذه ابن عباس
فرمى به.
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في ركوب أم حرام البحر مع غزاة في
سبيل اللَّه كالملوك على الأسرة
فخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه
بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم،
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 437، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم زوجته ميمونة بنت الحارث رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنها لا تموت
بمكة، فماتت بسرف سنة ثلاث وثلاثين.
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 12، كتاب الجهاد والسير، باب (3) الدعاء بالجهاد
والشهادة للرجال والنساء، حديث رقم (2788) ، (2789) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 61- 62، كتاب الإمارة، باب (49) فضل
الغزو في البحر، حديث رقم (1912) . وفيه معجزات للنّبيّ صلّى اللَّه عليه
وسلم منها إخباره ببقاء أمته بعده وأنه تكون لهم شوكة وقوة وعدد، وأنهم
يغزون، وأنهم يركبون البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها
(12/212)
كان يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه،
وكانت أم حرام بنت ملحان تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يوما فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت يا رسول اللَّه ما
يضحكك؟ قال: ناس من أمتي غزاة في سبيل اللَّه يركبون ثبج البحر
__________
[ () ] تكون معهم وقد وجد بحمد اللَّه تعالى كل ذلك. وفيه فضيلة لتلك
الجيوش وأنهم غزاة في سبيل اللَّه. واختلف العلماء متى جرت الغزوة التي
توفيت فيهما أم حرام في البحر وقد ذكر في هذه الرواية في مسلم أنها ركبت
البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها فهلكت قال القاضي:
قال أكثر أهل السير والأخبار أن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأن فيها ركبت أم حرام وزوجها الى قبرس فصرعت عن
دابتها هناك. فتوفيت ودفنت هناك.
وعلى هذا يكون قوله في زمان معاوية معناه في زمان غزوة في البحر لا في أيام
خلافته قال: وقيل: بل كان ذلك في خلافته قال وهو أظهر في دلالة قوله في
زمانه.
وفي هذا الحديث جواز ركوب البحر للرجال والنساء وكذا قاله الجمهور، وكره
مالك ركوبه للنساء لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه ولا غض البصر عن
المتصرفين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن لا سيما فيما صغر من
السفيان مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال.
قال القاضي- رحمه اللَّه تعالى- وروى عن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد
العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- منع ركوبه، وقيل: إنما منعه
العمران للتجارة وطلب الدنيا لا للطاعات وقد روى ابن عمر، عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم النهي عن ركوب البحر إلا لحاج أو معتمر أو غاز.
وضعف أبو داود هذا الحديث وقال: رواته مجهولون واستدل بعض العلماء بهذا
الحديث على أن في القتال في سبيل اللَّه تعالى والموت فيه الأجر، لأن أم
حرام ماتت ولا دلالة فيه لذلك لأنه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يقل: إنهم
شهداء، إنما يغزون في سبيل اللَّه، ولكن قد ذكر مسلم في الحديث الّذي بعد
هذا بقليل حديث زهير بن حرب من رواية أبي هريرة من قتل في سبيل اللَّه فهو
شهيد، ومن مات في سبيل اللَّه فهو شهيد، وهو موافق لمعنى قول اللَّه تعالى:
وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ
يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.
(12/213)
ملوكا على الأسرة، أو كالملوك على الأسرة،
تشك أيهما، قال: قالت: فقلت:
يا رسول اللَّه، قال: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه كما قال
في الأول، قال: فقلت يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم، قال: أنت
من الأولين، فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية، فصرعت عن دابتها
حين خرجت من البحر فهلكت.
وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث مالك بهذا الإسناد مثله أو نحوه ولم يقل:
تشك أيهما، قال: ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
قال: وأم حرام بنت ملحان هي أخت أم سليم وهي خاله أنس بن مالك رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه، وترجم عليه البخاري باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال
والنساء.
وخرج في كتاب الاستئذان [ (2) ] من حديث مالك بهذا الإسناد: كان رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل إلى أم حرام بنت ملحان
فتطعمه ... الحديث.
وخرجه أبو داود [ (3) ] عن مالك به وقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل إلى أم حرام، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل
يوما.
الحديث.
وخرجوه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن أنس،
وترجم عليه البخاري باب ركوب البحر [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 152- 153، كتاب فضائل الجهاد، باب (15) ما جاء
في غزو البحر، حديث رقم (1645) .
[ (2) ] باب (41) من زار قوما فقال عندهم، حديث رقم (6282) ، (6283) .
[ (3) ] (سنن أبي داود) : 3/ 14، كتاب الجهاد، باب (10) فضل الغزو في
البحر، حديث رقم (2490) .
[ (4) ] (سنن النسائي) : 6/ 347- 348، كتاب الجهاد، باب (40) فضل الجهاد في
البحر، حديث رقم (3171) ، وثبيج البحر: أي وسطه ومعظمه. وأخرجه البخاري في
كتاب الجهاد والسير، باب (75) ركوب البحر، حديث رقم (2894) ، (2895) .
(12/214)
وخرجه البخاري [ (1) ] من حديث الليث، عن
محمد بن يحيى بن حيان، عن أنس، عن أم حرام. ومن حديث أبي إسحاق عن عبد
اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أنس [ (2) ] .
وخرجه في باب ما قيل في قتال الروم [ (3) ] من حديث ثور بن يزيد، عن خالد
بن معدان أن عمير بن الأسود العقبي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو نازل في ساحل حمص، وهو في بناء له، ومعه أم
حرام، قال عمير: فحدثتنا أم حرام: أنها سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول: أول جيش من أمتى يغزون البحر قد أوجبوا، قالت أم حرام: قلت:
يا رسول اللَّه أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم، قالت: ثم قال النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم أول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، فقلت أنا فيهم يا
رسول اللَّه؟ قال: لا.
قال المؤلف- رحمه اللَّه-: وكان ركوب أم حرام البحر مع زوجها عبادة بن
الصامت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فلما وصلوا إلى جزيرة قبرس، خرجت من
البحر فقربت إليها دابة لتركبها، فصرعتها، وماتت فذهبت في موضعها، وذلك في
خلافة عثمان رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه سنة ثمان وعشرين، وأمير تلك
الغزاة معاوية بن أبي سفيان، فقد تضمن هذا الخبر ضروبا من علامات النبوة
منها: إعلامه ببقاء أمته بعده، وأن فيهم أصحاب قوة وشوكه ونكاية في العدو،
وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزو البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان،
وأنها تكون مع من يغزو البحر، وأنها تدرك زمان الغزوة.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 21- 22، كتاب الجهاد والسير، باب (8) فضل من
يصرع في سبيل اللَّه فمات وهو منهم، وقول اللَّه عزّ وجلّ: وَمَنْ يَخْرُجْ
مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ
الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء: 100] ، وقع: وجب،
حديث رقم (2799- 2800) ، وفي الإسناد تابعيان، هو وشيخه، وصحابيان، أنس
وخالته، وكان ذلك سنة ثمان وعشرين في خلافه عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه، (فتح الباري) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : باب (63) غزو المرأة في البحر، حديث رقم (2877)
(2878)
[ (3) ] (المرجع السابق) : باب (93) ما قيل في قتال الروم، حديث رقم (2924)
.
(12/215)
قال ابن عبد البر: وأما
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه
فإنه أراد- واللَّه أعلم- أنه رأى الغزاة في البحر من أمته ملوكا على
الأسرة في الجنة ورؤياه وحي، ويشهد لقوله:
ملوكا على الأسرة،
ما ذكر اللَّه تعالى في أهل الجنة عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ [ (1) ]
قال أهل التفسير: الأرائك السرر في الحجال، ومثله قوله تعالى: عَلى سُرُرٍ
مُتَقابِلِينَ [ (2) ] وهذا الحديث إنما ورد تنبيها على فضل الجهاد في
البحر وترغيبا فيه.
__________
[ (1) ] ياسين: 56.
[ (2) ] الحجر: 47.
(12/216)
وأما ظهور صدقة في
إخباره [بتكلم] رجل [من أمته] بعد موته [من خير التابعين فكان كما أخبر]
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن موسى قال: حدثنا إسماعيل بن
أبي خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن خراش، قال: أتيت فقيل لي: إن
أخاك قد مات فجئت فوجدت أخى مسجّى، فأنا عند رأسه أستغفر له وأترحم عليه،
إذا كشف الثوب عن وجهه فقال: السلام عليكم، فقلت: سبحان اللَّه أبعد
الموت؟! قال: بعد الموت، إني قدمت على اللَّه عز وجل بعدكم، فتلقيت بروح
وريحان، ورب غير غضبان، وكساني ثيابا خضرا من سندس وإستبرق، ووجدت الأمر
أيسر مما تظنون، وتتكلوا. إني استأذنت ربي أن أخبركم وأبشركم، فاحملوني إلى
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقد عهد اليّ أن لا أبرح حتى ألقاه ثم
طفى كما هو. قال البيهقي [ (2) ] هذا إسناد صحيح لا يشك حديثي في صحته.
وخرج أيضا من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق [ (3) ] ، عن المسعودي، عن عبد
الملك بن عمير، عن ربعي بن خراش، قال: توفى أخى وكان أصومنا في اليوم
الحار، وأقومنا في الليلة الباردة، فسجيته [ (4) ] ، وخرجت في شراء كفنه،
فرجعت إليه، أو قال: البيت، وقد كشف الثوب عن وجهه، وقال: السلام عليكم،
فقلنا: بعد الموت؟! قال: نعم، إني قدمت على ربي بعدكم، فتلقاني بروح
وريحان، ورب غير غضبان، وكساني ثيابا خضرا من سندس وإستبرق، وإني لقيت
محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد أقسم أن لا أبرح حتى آتيه،
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 454، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم بتكلم رجل من أمته بعد موته من خير التابعين فكان كما أخبر.
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 454- 455.
[ (4) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «فجئته» .
(12/217)
فعجلوا بى، ولا تحبسونى [ (1) ] ، والأمر
أيسر مما في أنفسكم، فلا تغتروا، قال:
فما شبهت نفسه عند ذلك إلا حصاة ألقيتها في ماء فرسبت.
قال: فذكرت ذلك لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: قد بلغنا أنه
سيكون في هذه الأمة رجل يتكلم بعد موته [ (2) ] .
ومن طريق أبي بكر بن أبي الدنيا قال: حدثنا شريح بن يونس، حدثنا خالد بن
نافع، عن علي بن عبد اللَّه الغطفانيّ، وحفص بن يزيد، قالا: بلغنا أن ابن
خراش حلف أن لا يضحك أبدا حتى يعلم أهو في الجنة أو في النار، فمكث كذلك لا
يراه أحد يضحك حتى مات، فذكر نحو حديث عبد الملك بن عمير، غير أنه
قال: فبلغ ذلك عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: صدق أخو بني
عيسى رحمه اللَّه، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول يتكلم رجل
من أمتي بعد الموت من خير التابعين [ (3) ] .
ومن حديث شريك عن منصور [ (4) ] ، عن ربعي قال: مات الربيع فسجيته فضحك،
فقلت يا أخى أحياة بعد الموت؟ قال: لا، ولكن لقيت ربي تبارك وتعالى فلقيني
بروح وريحان، ووجه غير غضبان، فقلت: كيف رأيت الأمر؟ قال: يسر ولا تغتروا،
قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-
فقالت: صدق ربعي، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلّى اللَّه عليه
وسلم يقول: من أمتي من يتكلم بعد الموت.
__________
[ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «تجسونى» .
[ (2) ] (دلائل النبوة) : 6/ 454- 455، وأخرجه الحافظ أبو نعيم في (حلية
الأولياء) :
4/ 367- 368، ترجمة ربعي بن خراش رقم (281) بسياقة أتم.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 455.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 455.
(12/218)
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في
قتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء [ (1) ] من أرض الشام [فكان كما أخبر صلّى
اللَّه عليه وسلم]
[ (2) ]
فخرج البيهقي [ (3) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا ابن بكير قال:
حدثني ابن لهيعة، قال: حدثني الحارث بن سويد، عن عبد اللَّه بن زرير
الغافقي، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول:
يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود، فقتل
حجر وأصحابه،
قال يعقوب: قال أبو نعيم: ذكر زياد بن سمية، على بن أبي طالب- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما- على المنبر، فقبض حجر على الحصباء ثم أرسلها، وحصبت من
حوله زيادا، فكتب إلى معاوية يقول إن حجرا حصبني وأنا على المنبر، فكتب
إليه معاوية: أن يحمل إليه حجرا، فلما قرب من الشام بعث من يتلقاهم فالتقى
معهم بعذراء فقتلهم.
قال البيهقي: لا يقول عليّ مثل هذا إلا بأن يكون سمعه من رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم.
وقد روى عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بإسناد مرسل مرفوعا فذكر
من طريق يعقوب بن سفيان، قال: حدثني حرملة قال: أخبرنا ابن وهب، قال:
أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: دخل معاوية على عائشة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- فقالت: ما حملك على قتل أهل
__________
[ (1) ] عذراء: بالفتح ثم السكون والمد، وهو في الأصل الرملة التي لم توطأ،
والدرة العذراء التي لم تتقب. وهي قرية بغوطة دمشق من إقليم خولان معروفة،
وبها منارة، وبها قتل حجر بن عدي الكندي، وبها قبره، وقيل إنه هو الّذي
فتحها. (معجم البلدان) : 4/ 103، موضع رقم (8251) ، مختصرا.
[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ] دلائل البيهقي) : 6/ 456، باب ما روي في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم بقتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء من أرض الشام، فكان كما أخبر صلّى
اللَّه عليه وسلم.
(12/219)
عذراء، حجر وأصحابه، فقال: يا أم المؤمنين،
رأيت قتلهم صلاحا للأمة، وأن بقاءهم فساد للأمة،
فقالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول سيقتل بعذراء ناس يغضب
اللَّه لهم، وأهل السماء [ (1) ] .
قال ابن عساكر: رواه ابن المبارك، عن ابن لهيعة فلم يرفعه.
وذكر بإسناد آخر، فأخرجه من حديث عبد اللَّه بن المبارك، عن ابن لهيعة،
حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن معاوية حج فدخل على عائشة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها فقالت: يا معاوية! قتلت حجر بن الأدبر وأصحابه؟
أما واللَّه لقد بلغني أنه سيقتل سبعة نفر يغضب اللَّه لهم وأهل السماء.
وخرج البيهقي من طريق يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد بن سلمة، عن
على بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن مروان بن الحكم، قال: دخل معاوية على أم
المؤمنين عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: سمعت يا معاوية أنك
قتلت حجرا وأصحابه، وفعلت [ (2) ] ما فعلت، أما خشيت أنّ اختبأ لك رجل [
(3) ] فيقتلك؟ فقال: لا، إني في بيت أمان، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يقول الإيمان قيد الفتك،
لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك؟ قالت:
صالح، قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 457.
[ (2) ] في (المرجع السابق) : «وفعلت الّذي فعلت» .
[ (3) ] في (المرجع السابق) : «اختبأ لك رجلا» ، وما أثبتناه حق اللغة.
(12/220)
وأما ظهور صدقه فيمن
قتل عمرو بن الحمق بن الكاهن ابن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو
ابن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي الكعبي
[ (1) ] فذكر الحافظ أبو القاسم على بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر في
(تاريخه) من طريق غياث بن إبراهيم، عن الأجلح بن عبد اللَّه الكندي، قال:
سمعت زيد بن علي وعبد اللَّه بن الحسن وجعفر بن محمد، ومحمد بن عبد اللَّه
ابن الحسن يذكرون تسمية من شهد مع عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كلهم ذكره عن
آبائه، وعمن أدرك من أهله، وسمعته أيضا من غيرهم فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن
الحمق الخزاعي
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال له: يا عمرو، أتحب أن أريك آية
الجنة؟
قال: نعم يا رسول اللَّه، فمرّ عليّ فقال هذا وقومه آية الجنة،
فلما قتل عثمان وبايع الناس عليا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لزمه، وكان
معه حتى أصيب، ثم كتب معاوية في طلبه، وبعث من يأتيه به.
قال الأجلح: فحدثني عمران بن سعيد البجلي، وكان مؤاخيا لعمرو بن الحمق، أنه
خرج معه حين طلب، فقال لي: يا رفاعة، إن القوم قاتليّ، رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم أخبرنى أن الجن والإنس تشترك في دمي، وقال لي: يا عمرو إن
أمّنك رجل على دمه فلا تقتله فتلقى اللَّه بوجه غادر
[ (2) ] ، قال رفاعة: فما أتم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل فودعته وواثبته
حية فلسعته، وأدركوه، فاحتزوا رأسه، فكان أول رأس أهدي في الإسلام.
وذكر من طريق أبي سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد العامري، قال:
حدثنا موسى بن زياد أبي هارون الزيات قال: حدثنا على بن هاشم بن البريد عن
محمد بن عبيد اللَّه بن علي بن أبي رافع، عن عون بن عبيد اللَّه بن أبي
__________
[ (1) ] النسب في (الأصل) أطول من ذلك، واكتفينا بما أمكن تحقيقه من
(الإصابة) : 4/ 623- 624، ترجمة رقم (5822) ، (الاستيعاب) : 3/ 1173- 1174،
ترجمة رقم (1909) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 482- 483.
(12/221)
رافع عن أبيه عبيد اللَّه، قال: قال موسى
بن زياد: حدثنا يحيى بن يعلى عن محمد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه،
عن جده، وعن ابن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، قال علي بن هاشم في
حديثه وكان عبيد اللَّه بن أبي رافع كاتب عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه واللفظ لعبيد اللَّه بن كثير في تسمية من شهد مع أمير
المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من قريش، والأنصار،
ومن مهاجري العرب، فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي، بقي بعد عليّ
فطلبه معاوية ليقتله فهرب منه نحو الجزيرة ومعه رجل من أصحاب علي رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه يقال له زاهر، فلما نزلا الوادي نهشت عمرا حية من
جوف الليل، فأصبح منتفخا، فقال لزاهر تنح عني فإن خليلي رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم قد أخبرني أني سيشترك في دمي الجن والإنس، ولا بد لي أن
أقتل، فقد أصابتنى بلية الجن بهذا الوادي، فبينما هما على ذلك إذ رأيا
نواصي الخيل في طلبه، فأمر زاهرا يتغيب، فإذا قتلت فإنّهم يأخذون رأسي
فارجع إلى جسدي فادفنه، فقال له زاهر: بل أنشر نبلى فأرميهم حتى إذا فنيت
نبلى قتلت معك، قال: لا، ولكنى سأزودك مني بما ينفعك اللَّه به، فاسمع منى
آيه الجنة، محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، وعلامتهم عليّ بن أبي طالب رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه، وتوارى زاهر، فأقبل القوم فنظروا إلى عمرو فنزل
إليه رجل منهم أدم فقطع رأسه، وكان أول رأس في الإسلام نصب، وخرج زاهر إليه
فدفنه، ثم بقي حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالطف.
(12/222)
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في
إشارته إلى كيف يموت سمرة بن جندب [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث سفيان قال: حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ حدثنا
أبي، حدثنا شعبة عن أبي [مسلمة عن أبى] [ (3) ] نضرة، عن أبي هريرة، عن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعشرة في بيت من أصحابه: آخركم موتا في
النار
فيهم سمرة ابن جندب. قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا.
قال البيهقي: رواته ثقات، إلا أن أبا نضرة العبديّ لم يثبت له عن أبي هريرة
سماع.
وروى من وجه آخر موصولا، عن أبي هريرة فذكره من طريق يونس ابن عبيد، عن
الحسن، عن أنس بن حكيم الضبيّ قال: كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة
فيسألنى فلا يبدأ بشيء حتى يسألنى عن سمرة، فإذا أخبرت بحياته وصحته فرح
وقال: إنا كنا عشرة في بيت، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قام
علينا [ (4) ] فنظر في وجوهنا، وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: آخركم موتا في
__________
[ (1) ] هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، من علماء الصحابة رضوان اللَّه
تعالى عليهم، نزل البصرة. له أحاديث صالحة، حدّث: ابنه سليمان، والحسن
البصري، وابن سيرين، وجماعة. وبين العلماء فيما روى الحسن عن سمرة اختلاف
في الاحتجاج بذلك، وقد ثبت سماع الحسن من سمرة، ولقيه بلا ريب، صرح بذلك في
حديثين.
وكان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة، ويستخلفه على
الكوفة إذا سار إلى البصرة، وكان شديدا على الخوارج، قتل منهم جماعة. وكان
الحسن وابن سيرين يثنيان عليه. رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. مات سمرة سنة
ثمان وخمسين. وقيل: سنة تسع وخمسين (تهذيب سير الأعلام) : 1/ 94، ترجمة رقم
(269) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 458، باب ما روى في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم نفرا من أصحابه بأن آخرهم موتا في النار.
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «قام فينا» .
(12/223)
النار،
فقد مات منا ثمانية ولمن يبق غيري وغيره، فليس شيء أحب إليّ من أن أكون قد
ذقت الموت
وخرج أيضا من طريق حماد عن على بن زيد عن أوس بن خالد، قال: كنت إذا قدمت
على أبي محذورة فقلت لأبى محذورة: مالك إذا قدمت عليك وسألتني عن سمرة؟
وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟ فقال إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت،
فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: آخركم موتا في النار،
فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة، ثم سمرة.
قال البيهقي: بهذا وبصحبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، نرجو له بعد
تحقيق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] وقد قال بعض أهل
العلم: إن سمرة مات في الحريق، فصدق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم. وبلغني عن هلال بن العلاء الرقى أن عبد اللَّه بن معاوية حدثهم عن
رجل [قد] [ (2) ] سماه: أن سمرة استجمر فغفل عنه أهله، حتى أخذته النار [
(3) ] .
وقال: ابن عبد البر [ (4) ] : وكان زياد يستخلفه على البصرة ستة أشهر، وعلى
الكوفة ستة أشهر، فلما مات زياد استخلفه على البصرة، فأقره معاوية عليها،
عاما أو نحوه، ثم عزله، وكان شديدا على الحرورية، وكان إذا أتى بواحد منهم
قتله ولم يقله ويقول: شر قتلى تحت أديم الأرض [ (5) ] يكفرون المسلمين،
ويسفكون الدماء، فالحرورية ومن قاربهم في مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه.
قال: وكانت وفاته بالبصرة [في خلافة معاوية] [ (6) ] سنة ثمان وخمسين، سقط
في قدر مملوءة ماء حارا، كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز [شديد] [ (7) ]
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 459.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 460.
[ (4) ] (الاستيعاب) : 2/ 653- 655، ترجمة سمرة بن جندب رقم (1063) .
[ (5) ] كذا في (الأصل) ، وفي (الاستيعاب) : «أديم السماء» .
[ (6) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (7) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
(12/224)
أصابه فسقط في القدر الحارة فمات، فكان ذلك
تصديقا [ (1) ]
لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم له ولأبى هريرة، وثالث معهما:
آخركم موتا في النار.
وروى أبو سعيد بن يونس من حديث داود بن المحبر عن زياد بن عبد اللَّه بن
سمرة بن جندب، كان أصابه كزاز شديد، وكان لا يكاد أن يدفأ، فأمر بقدر عظيمة
فملئت ماء وأوقد تحتها واتخذ فوقها مجلسا، وكان يصعد إليه بخارها فيدفئه،
فبينا هو كذلك إذا خفت به. فظن أن ذلك الّذي قيل فيه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] في (الأصل) : «قصد بها» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (2) ] قال البيهقي: وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في الحريق فصدق
بذلك قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ويحتمل أن يورد النار بذنوبه،
ثم ينجو بإيمانه، فيخرج منها بشفاعة الشافعين. واللَّه تعالى أعلم. (دلائل
البيهقي) : 6/ 460.
(12/225)
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في
موت عبد اللَّه بن سلام [ (1) ] على الإسلام من غير أن ينال الشهادة [فكان
كما أخبر- توفي على الإسلام في أول أيام معاوية بن أبي سفيان سنة ثلاث
وأربعين-]
فخرج البخاري [ (2) ] من حديث ابن عون عن محمد [بن سيرين] ، عن قيس بن عباد
قال: كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا
رجل من أهل الجنة، فصلّى ركعتين فتجوز فيها ثم خرج وتبعته، فقلت: إنك حين
دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة! قال: واللَّه ما ينبغي لأحد أن
يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك،
رأيت رؤيا على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقصصتها عليه، ورأيت كأنى
في روضة، ذكر من سعتها وخضرتها، وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه
في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارق، فرقيت، حتى كنت في أعلاه فأخذت
بالعروة، فقيل لي: استمسك فاستيقظت، وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم فقال:
تلك العروة الوثقى، فأنت تموت على الإسلام حين تموت وذلك الرجل عبد اللَّه
ابن سلام.
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن سلام بن الحارث، الإمام الحبر، المشهود له
بالجنة، أبو الحارث الإسرائيلي، حليف الأنصار، من خواص أصحاب النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم حدث عنه أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعطاء بن يسار، وزرارة
بن أوفى، وآخرون. له إسلام قديم بعد أن قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
المدينة، وهو من أحبار اليهود. اتفقوا على أن ابن سلام توفى سنة ثلاث
وأربعين. (تهذيب سير الأعلام) : 1/ 71- 72، ترجمة رقم (190) باختصار. وما
بين الحاصرتين زيادة للسياق من (الدلائل) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 162- 163، كتاب مناقب الأنصار، باب (19) مناقب
عبد اللَّه بن سلام رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3813) .
(12/226)
وخرجه من حديث ابن عون، عن محمد [بن سيرين]
، حدثنا قيس بن عباد، عن ابن سلام قال: وصيف مكان منصف. ذكره في كتاب
التعبير، في باب التعلق بالعروة والحلقة [ (1) ] .
ومن حديث ابن عون، عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن عبد اللَّه
بن سلام، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كأني في روضة ذكر من سعتها
وخضرتها، قال: ورأيت في وسط تلك الروضة عمودا وفي أعلى العمود عروة فقيل
لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، قال: فأتانى وصيف، فرفع ذلك الوصيف ثيابي من
خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاه، فقيل لي:
استمسك بالعروة، قال: فاستمسكت بتلك العروة فانتبهت وإنها لفي يدي وأنا
متمسك بها، فلما استيقظت أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقصصتها عليه،
فقال: تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة
العروة الوثقى لا تزال مستمسكا بالإسلام حتى تموت [ (2) ] .
وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن عون بهذا الإسناد أو نحوا أو
قريبا مما تقدم أولا.
وخرجاه من حديث حرمي بن عمارة، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين
قال: قال قيس بن عباد فذكره.
ولمسلم [ (4) ] من حديث جرير عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن
الحر، قال: كنت جالسا في حلقة في مسجد المدينة قال: وفيها شيخ حسن الهيئة
وهو عبد اللَّه بن سلام، قال: فجعل يحدثهم حديثا حسنا قال: فلما قام قال
القوم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، قال:
__________
[ (1) ] باب رقم (23) التعليق بالعروة الوثقى، حديث رقم (7014) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 496، كتاب التعبير باب (23) التعليق بالعروة
والحلقة، حديث رقم (7014) . وأخرجه البيهقي في (الدلائل) : 6/ 461- 462.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 275، كتاب فضائل الصحابة باب (339) باب من
فضائل عبد اللَّه بن سلام، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (148) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 276- 277 حديث رقم (150) .
(12/227)
فقلت: واللَّه لاتبعنه فلأعلمن مكان بيته
قال: فتبعته، قال: فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة، ثم دخل منزله، قال:
فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقال:
ما حاجتك يا ابن أخي؟ فقلت له: سمعت القوم يقولون لك لما قمت: من سره أن
ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فأعجبني أن أكون معك، قال:
اللَّه أعلم بأهل الجنة، وسأحدثك ممّ قالوا ذاك، إني بينما أنا نائم، إذ
أتانى رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي، فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن
شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها، فإنّها طرق أصحاب
الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني فقال لي: خذها هنا، فأتى بي جبلا،
فقال لي اصعد، قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي، قال: حتى فعلت
ذلك مرارا، قال: ثم انطلق بي حتى أتى بي عمودا رأسه في السماء وأسفله في
الأرض، في أعلاه حلقة، فقال لي: اصعد فوق هذا! قلت:
كيف أصعد هذا ورأسه في السماء؟.
قال: فأخذ بيدي فزج بي، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود
فخرّ، قال: وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت.
قال: فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق
التي رأيت على يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، قال: وأما الطرق التي رأيت عن
يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل فهو منزل الشهداء، ولن تناله،
وأما العمود فهو عمود الإسلام، وأما العروة فهي عروة الإسلام، ولن تزال
متمسكا بها حتى تموت.
قال ابن عبد البر [ (1) ] : توفي في المدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث
وأربعين، وشهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعبد اللَّه بن سلام
بالجنة.
__________
[ (1) ] (الاستيعاب) : 3/ 921- 922، ترجمة رقم (1561) .
(12/228)
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في
إخباره لرافع بن خديج [ابن رافع بن عدي بن زيد بن عمرو بن زيد ابن جشم
الأنصاري، البخاريّ، الخزرجيّ] بالشهادة
فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق
الواشحي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد- يعني: ابن رافع- عن جدته أن رافع بن
خديج رمى- قال عمرة: لا أدرى أيهما قال؟ يوم أحد أو يوم حنين- بسهم في
ثندوته فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه انزع السهم؟
فقال له: يا رفع إن شئت نزعت السهم والقطبة جميعا، وإن شئت نزعت السهم
وتركت القطبة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد، فقال رافع: يا رسول اللَّه،
انزع السهم ودع القطبة واشهد لي يوم القيامة أنى شهيد
قال: فعاش بعد ذلك حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إذا كان خلافة
معاوية انتقض ذلك الجرح فمات بعد العصر.
قال كاتبه: وقد ذكر ابن عبد البر [ (2) ] أنه أصيب يوم أحد، انتقضت جراحته
في زمن عبد الملك بن مروان، فمات قبل ابن عمر بيسير سنة أربع وسبعين، وكذا
ذكره الحاكم [ (3) ] وغيره عن الواقدي في تاريخ وفاته.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 463، باب ما جاء في شهادة [النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم] لرافع بن خديج بالشهادة وظهور صدقة في ذلك زمن معاوية.
والثندوة: الترقوة.
[ (2) ] (الاستيعاب) : 2/ 479- 480، ترجمة رقم (727) وما بين الحاصرتين في
العنوان زيادة للنسب منه.
[ (3) ] (المستدرك) : 3/ 648، كتاب معرفة الصحابة، ذكر رافع بن خديج رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(12/229)
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بهلاك
أمته على يد أغيلمة من قريش فكان منذ ولّي يزيد بن معاوية
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال:
أخبرنى جدي قال: كنت جالسا مع أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في
مسجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: «سمعت الصادق المصدوق صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول: هلكت أمتى على يدي غلمة من قريش،
فقال مروان: لعنة اللَّه عليهم غلمة، فقال أبو هريرة رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه لو شئت أن أقول بنى فلان بنى فلان لفعلت» ، فكنت أخرج مع جدي
إلى بنى مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى
هؤلاء أن يكونوا منهم. قلنا: أن أعلم.
وذكره أيضا في باب علامات النبوة [ (2) ] ، وخرج فيه أيضا من حديث شعبة عن
أبي التياح، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يهلك الناس هذا الحي من قريش،
قالوا فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 10، كتاب الفتن، باب (3)
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء،
حديث رقم (7058) ، قال الحافظ: يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين، مع أن
الظاهر أنهم من ولده، فكأن اللَّه تعالى أجرى ذلك على لسانه ليكون أشدّ في
الحجة عليهم لعلهم يتعظون.
وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد، أخرجها الطبراني وغيره،
غالبها فيه مقال، وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك.
(فتح الباري) .
[ (2) ] باب (25) من كتاب المناقب، حديث رقم (3605) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3604) .
(12/230)
وخرج مسلم [ (1) ] في كتاب الفتن من حديث
أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه:
عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يهلك أمتى هذا الحي من قريش.
الحديث.
وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق عبد اللَّه بن يزيد المقرئ قال: حدثنا حيوة
قال: أخبرنى بشير بن أبي عمرو الخولانيّ أن الوليد بن قيس الحسبي أخبره أنه
سمع أبا سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: وتلا هذه الآية:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [ (3) ] فقال: يكون خلف من بعد ستين سنة
أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا، ثم يكون خلف يقرءون القرآن
لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر.
قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال: المنافق كافر به، والفاجر
يتأكل به، والمؤمن يؤمن به.
وخرجه الحاكم [ (4) ] وقال: هذا حديث صحيح رواته حجازيون وشاميون أثبات.
قال البيهقي [ (5) ] : وقد روي عن علي عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما ما يؤكد هذا التاريخ،
فذكر من طريق أبي أسامة، عن مجالد، عن عامر قال: لما رجع عليّ من صفين قال:
يا أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية فإنه لو قد فقدتموه لقد رأيتم الرءوس
تنزو من كواهلها كالحنظل.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 256- 257، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب
(18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء،
حديث رقم (2917) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 464- 467، باب ما جاء في إخباره النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما
أخبر.
[ (3) ] مريم: 59.
[ (4) ] (المستدرك) : 2/ 406، كتاب التفسير، باب (19) تفسير سورة مريم.
حديث رقم (3416) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 466، باب ما جاء في إخبار النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر.
(12/231)
ومن حديث العباس بن الوليد [ (1) ] بن مزيد
البيروتي قال: أخبرنا أبي قال:
حدثنا ابن جابر عن عمير بن هانئ أنه حدثه قال: كان أبو هريرة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه يمشي في سوق المدينة وهو يقول اللَّهمّ لا تدركني سنة
الستين، ويحكم! تمسكوا بصدغي معاوية: اللَّهمّ لا تدركني إمارة الصبيان.
قال البيهقي [ (2) ] : وهما إنما يقولان مثل هذا الشيء سمعاه من النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم.
وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف بن أبي خلدة عن
أبي العالية قال: لما كان يزيد بن أبي سفيان أميرا بالشام غزا الناس فغنموا
وسلموا، فكان في غنيمتهم جارية نفيسة فصارت لرجل من المسلمين في سهمه،
فأرسل إليه يزيد فانتزعها منه، وأبو ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يومئذ
بالشام قال: فاستغاث الرجل بأبي ذر على يزيد، فانطلق معه، فقال ليزيد: ردّ
على الرجل جاريته- ثلاث مرات-،
قال أبو ذر: أما واللَّه لئن فعلت لقد سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم يقول: أن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية،
ثم ولّى عنه، فلحقه يزيد فقال: أذكرك باللَّه أنا هو؟ قال: اللَّهمّ لا،
وردّ على الرجل جاريته.
قال البيهقي [ (4) ] : يزيد بن أبي سفيان كان من أمراء الأجناد بالشام في
أيام أبي بكر وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما ولكن سميه يزيد بن معاوية
يشبه أن يكون هو، قال: وفي هذا الإسناد إرسال بين أبي العالية وأبي ذر، وقد
روى من وجه آخر.
فذكر من طريق يعقوب بن سفيان قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني،
حدثنا: محمد بن سليمان، عن ابن غنيم البعلبكي، عن هشام بن الغاز، عن مكحول،
عن أبي ثعلبة الخشنيّ، عن أبي عبيدة بن الجراج رضي
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 466- 467.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 467.
(12/232)
اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر معتدلا قائما بالقسط حتى
يثلمه رجل من بني أمية [ (1) ] .
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن قيس بن خرشة القيسي لا يضره
بشر
فخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البر [ (2) ] من طريق ابن وهب قال: حدثني حرملة
بن عمران عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمعه يحدث محمد بن يزيد بن أبي زياد
الثقفي، قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الكتابيين حتى إذا بلغا صفين وقف كعب،
ثم نظر ساعة، قال: فقال لا إله إلا اللَّه، ليهرقن بهذه البقعة من دماء
المسلمين شيء لم يهرق ببقعة من الأرض، فغضب قيس، ثم قال: وما يدريك يا أبا
إسحاق ما هذا، فإن هذا من الغيب الّذي استأثر اللَّه به، فقال كعب: ما من
شبر من الأرض إلا وهو مكتوب في التوراة التي أنزل اللَّه على نبيه موسى بن
عمران عليه السلام- ما يكون عليه إلى يوم القيامة، فقال:
محمد بن يزيد: ومن قيس بن خرشة؟ فقال له رجل: تقول: ومن قيس بن خرشة؟ وما
تعرفه وهو رجل من أهل بلادك؟ قال: واللَّه ما أعرفه،
قال: فإن قيس بن خرشة قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال:
أبايعك على ما جاءك من اللَّه، وعلى أن أقول بالحق، فقال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: يا قيس عسى إن مر بك
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 467. باب ما جاء في إخبار النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر.
(المطالب العالية) : 4/ 332، باب لعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
الحكم بن العاص وبنيه وبني أمية، حديث رقم (4532) .
وقال البوصيري: رواه ابن منيع والحارث وأبو يعلى بسند منقطع وقال الهيثمي:
رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلي رجال الصحيح إلا أن مكحولا لم يدرك
أبا عبيدة.
[ (2) ] (الاستيعاب) : 3/ 1286- 1288، ترجمة رقم (2129) قيس بن خرشة
القيسي.
(12/233)
الدهر أن يليك بعدي ولاة لا تستطيع أن تقول
لهم [ (1) ] الحق، قال قيس: لا واللَّه، لا أبايعك على شيء إلا وفيت به،
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا لا يضرك بشر.
قال: فكان قيس يعيب زيادا أو ابنه عبيد اللَّه بن زياد من بعده، فبلغ ذلك
عبيد اللَّه بن زياد، فأرسل إليه فقال: أنت الّذي تفتري على اللَّه وعلى
رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: [لا واللَّه، ولكن إن شئت أخبرتك بمن
يفتري على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: ومن هو؟ قال: من
ترك العمل بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: [[ (2) ]
ومن قال: من ترك العمل بكتاب اللَّه وسنة رسوله، قال:
ومن ذلك؟ قال: أنت، وأبوك، والّذي أمركما، قال: وأنت الّذي تزعم أنه لا
يضرك بشر؟ قال: نعم، قال: لتعلمن اليوم أنك كاذب، ائتوني بصاحب العذاب،
فمال قيس عند ذلك فمات- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وخزي ابن مرجانة [
(3) ] .
__________
[ (1) ] في (الأصل) : «معهم» ، وما أثبتناه من (الاستيعاب) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط من (الأصل) ، وأثبتناه من (الاستيعاب) .
[ (3) ] (الاستيعاب) : 3/ 1286- 1288، ترجمة قيس بن خرشة القيسي رقم (2129)
.
(12/234)
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بقتل
الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما
فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث مؤمل قال: حدثنا عمارة بن زاذان، حدثنا
ثابت عن أنس [بن مالك] [ (2) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن ملك القطر [
(3) ] استأذن [ربه] [ (2) ] أن يأتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأذن له
فقال لأم سلمة: املكي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد، قال: وجاء الحسين
[بن عليّ] [ (4) ] ليدخل فمنعته، فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم، وعلى منكبه، وعلى عاتقه، قال: فقال الملك للنّبيّ صلّى
اللَّه عليه وسلم: أتحبه؟ قال: نعم، قال [أما] [ (2) ] إن أمتك ستقتله وإن
شئت أريتك المكان الّذي يقتل فيه، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم
سلمة فصرتها في خمارها، قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء.
وخرجه البيهقي من حديث عبد الصمد بن حسان عن عمارة بن زاذان نحوه أو قريبا
منه، إلا أنه قال: فضرب بيده فأراه ترابا أحمر فأخذته أم سلمة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها فصرته في طرف ثوبها، فكنا نسمع، أن يقتل بكربلاء، قال:
وكذلك رواه سفيان بن فروخ، عن عمارة فذكره نحوه [ (5) ] .
وقال أبو يعلي: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، عن ليث بن أبي سليم، عن
جرير، عن الحسن العبسيّ، عن مولى لزينب، أو عن بعض أهله، عن زينب قالت:
بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في بيتي وحسين رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه عندي حين درج، فغفلت عنه، فدخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم فجلس على بطنه فبال فانطلق لأخذه، فاستيقظ رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم فقال: دعيه، فتركته
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) 4/ 127، حديث رقم (13127) من مسند أنس بن مالك رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (13383) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «ملك القطر» .
[ (4) ] من (الأصل) فقط.
[ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
(12/235)
حتى فرغ، ثم دعا بماء، فقال: إنه يصب من
الغلام، ويغسل من الجارية، فصبوا صبا، ثم توضأ، فقام فصلى، فلما قام احتضنه
إليه، فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فشكا، ثم مدّ يده فقلت حين قضى الصلاة:
يا رسول اللَّه، إني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك تصنعه؟ قال: إن جبريل
أتاني فأخبرني أن ابني هذا تقتله أمتي، فقلت: أرني تربته، فأراني تربة
حمراء.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن شرحبيل بن
مدرك الجعفي عن عبد اللَّه بن نجي الحضرميّ، عن أبيه، أنه صار مع عليّ رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى
صفين فنادى عليّ: صبرا أبا عبد اللَّه، بشط الفرات، فقلت: وما ذاك؟ قال:
دخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا
نبي اللَّه أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفضيان؟ قال: بل قام جبريل من عندي
قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال هل لك أن اشمك من تربته؟
قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا.
وخرج الإمام [ (2) ] أحمد من حديث وكيع قال: حدثني عبد اللَّه بن سعيد، عن
أبيه، عن عائشة، أو أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال لإحداهما
لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها، فقال: إن ابنك هذا حسين مقتول،
وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 137، حديث رقم (649) ، من مسند على بن أبي طالب
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 418، حديث رقم (25985) ، من حديث أم سلمة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
(12/236)
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث مصعب قال:
حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد اللَّه، عن أم الفضل بنت الحارث
أنها دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه
إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال: [وما هو] ؟ قالت:
إنه شديد، قال: [وما هو] ؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في
حجري، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: رأيت خيرا، تلد فاطمة إن
شاء اللَّه غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه، فكان في حجري كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
فدخلت يوما إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم حانت
مني التفاتة فإذا عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تهريقان الدموع،
قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي، مالك؟ قال: أتاني جبريل
فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من
تربته حمراء.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] [ولم يخرجاه] وخرج من
طريق أبي نعيم قال: حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال:
أوحى اللَّه إلى محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين
ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا. قال الحاكم: هذا حديث
صحيح الإسناد [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 194، كتاب معرفة الصحابة، أول فضائل أبي عبد
اللَّه الحسين بن على الشهيد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ابن فاطمة بنت
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4818) ، وقال الحافظ الذهبي
في (التلخيص) : بل منقطع ضعيف، فإن شدادا لم يدرك أم الفضل، ومحمد بن مصعب
ضعيف.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (3) ] (المستدرك) : 3/ 195- 196، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4822) .
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.
(12/237)
وخرّج من حديث قرة بن خالد قال: حدثنا عامر
بن عبد الواحد، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: ما كنا نشك وأهل البيت
متوافرون أن الحسين بن عليّ يقتل بالطف [ (1) ] .
وخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (2) ] من حديث يعلي بن عبيد، عن موسى الجهنيّ،
عن صالح بن أربد النخعي، قال: قالت أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها:
دخل الحسين بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما على النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم وأنا جالسة على الباب، فاطلعت فرأيت في كفّ النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم شيئا يقلبه وهو نائم على بطنه! فقلت: يا رسول اللَّه تطلعت
فرأيتك تقلب شيئا في كفك، والصبي نائم على بطنك، ودموعك تسيل، فقال: إن
جبريل عليه السلام أتاني بالتربة التي يقتل عليها، وأخبرني أن أمتي
يقتلونه.
وخرّج أبو نعيم أحمد من حديث عبد اللَّه بن أحمد، قال: حدثني عبد بن زياد
الأسدي، حدثنا عمرو بن ثابت عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن أم
سلمة قالت: كان الحسين والحسن رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يلعبان بين
يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد، إن
أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم، وضمه إلى صدره، ثم قال: وديعة عندك هذه التربة، فشمها
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: ريح كرب وبلاء، وقال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن
ابني قد قتل،
قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: تحولين
دما ليوم عظيم [ (3) ] .
وخرج من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا سليمان بن بلال عن كثير بن
زيد، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب، عن أم سلمة قالت: كان
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4826) ، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : حجاج بن نصير متروك.
[ (2) ] (المصنف) : 7/ 477- 478، كتاب الفتن، باب (2) ما ذكر في فتنة
الدجال، حديث رقم (37355) .
[ (3) ] سبق تخريجهما.
(12/238)
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في بيتي
ذات يوم، فقال: لا يدخلن عليّ أحد، فانتظرت، فدخل الحسين، فسمعت نشيج النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم يبكي، فاطلعت، فإذا الحسين في حجره، وإلى جنبه يمسح
رأسه وهو يبكي، فقلت: واللَّه ما علمت به حتى دخل، قال النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم: إن جبريل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حيث
الدنيا فنعم، فقال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل
من ترابها فأراه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما أحيط بالحسين رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه حين قتل، قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض
كربلاء، قال: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أرض كرب وبلاء [ (1)
] .
وخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث موسى بن يعقوب عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن
أبي وقاص، عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتني أم سلمة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اضطجع ذات يوم
للنوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت
منه في الكرة الأولى، ثم اضطجع واستيقظ وفي يده تربة حمراء يقلبها، فقلت:
ما هذه التربة يا رسول اللَّه؟ قال: أخبرني جبريل عليه السلام أن هذا يقتل
بأرض العراق- للحسين- فقلت: يا جبريل أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه
تربتها.
تابعه موسى الجهنيّ عن صالح بن زيد النخعي عن أم سلمة وأبان، عن شهر بن
حوشب، عن أم سلمة.
وخرّج البيهقي [ (3) ] من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم قال: حدثني يحيى
بن أيوب قال: حدثني ابن غزية وهو عمارة عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن قال: كان لعائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها مشربة، فكان رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد لقي جبريل عليه السلام لقيه فيها،
فرقاها مرة من ذلك، وأمر عائشة أن لا يطلع [إليهم] أحد، قال: وكان رأس
الدرجة
__________
[ (1) ] سبق تخريجهما.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 468.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 470. في (الأصل) : «إليه» .
(12/239)
في حجرة عائشة، فدخل الحسين بن علي فرقى
ولم تعلم حتى غشيها، فقال جبريل: من هذا؟ قال: ابني، فأخذه رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم فجعله على فخذه، قال جبريل: سيقتل، تقتله أمتك، فقال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أمتي؟ قال: نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض
التي يقتل فيها فأشار جبريل بيده إلى الطف بالعراق، فأخذ تربة حمراء، فأراه
إياها.
قال البيهقي [ (1) ] : هكذا رواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية مرسلا.
ورواه إبراهيم بن أبي يحيى، عن عمارة موصولا فقال: عن محمد بن إبراهيم، عن
أبي سلمة، عن عائشة.
وخرّجه الحافظ أبو نعيم [ (2) ] من حديث عطاء بن مسلم الخفاق، عن الأشعث بن
سحيم، عن أبيه، عن أنس بن الحارث، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم يقول: إن أمتي تقتل هذا بأرض من أراضي العراق، فمن أدركه منكم
فلينصره، قال: فقتل أنس مع الحسين بن علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة [ (3) ] حدثنا: أحوص بن حبان عن يونس، عن أبي
إسحاق، عن عمرو بن نعجة قال: إن أول ذل دخل على العرب قتل الحسين بن علي
وادّعاه زياد.
وخرّج البيهقي [ (4) ] من حديث شبابة بن سوار، قال: حدثنا يحيى بن سالم
الأسدي، قال: سمعت الشعبي يقول: كان ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
قدم المدينة، فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة
ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد؟ قال: العراق، ومعه
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 470.
[ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 554، إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن قتل
الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (493) ، ونقله الحافظ
السيوطي في (الخصائص الكبرى) : 2/ 451، وقال:
رواه ابن السكن والبغوي في الصحابة.
[ (3) ] (المصنف) : 7/ 258، كتاب الأوائل، باب (1) أول ما فعل ومن فعله،
حديث رقم (35849) .
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 470- 471.
(12/240)
طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه
كتبهم وبيعتهم، فقال: إن اللَّه عز وجل خيّر نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم
بين الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة، ولم يرد الدنيا وإنكم بضعة من رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم واللَّه لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها
اللَّه عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا فأبى، وقال: هذه كتبهم وبيعتهم،
قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: استودعك اللَّه من قتيل.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الرحمن، قال: حدثنا: حماد بن سلمة،
عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: رأيت
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في المنام نصف النهار، أشعث أغبر، معه قارورة
فيها دم يلتقطه، أو يتبع فيها شيئا، فقلت: ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه
لم أزل أتبعه منذ اليوم، قال: فحفظنا ذلك فوجدناه قتل ذلك اليوم.
وخرج من حديث عفان، حدثنا حماد، حدثنا: عمار فذكره بنحو منه [ (2) ] .
وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: حدثتنا أم شوق
العبدية، قالت: حدثتني نضرة الأزدية قالت: لما قتل الحسين بن على أمطرت
السماء دما فأصبحت وكل شيء [لنا] [ (4) ] ملآن [دماء] [ (5) ] .
ومن حديث سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن معمر قال: أول ما عرف
الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد:
أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي؟ فقال الزهري:
بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 400، حديث رقم (2166) من مسند عبد اللَّه بن عباس
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2549) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 471.
[ (4) ] من (الأصل) : فقط.
[ (5) ] في (الأصل) : دماء، وما أثبتناه من (الدلائل) .
[ (6) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 471.
(12/241)
وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق نوح بن دراج
عن محمد بن إسحاق، عن الزهري أن أسماء الأنصارية قالت: ما رفع حجر بإيليا
ليلة قتل عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه إلا ووجد تحته دم عبيط.
وخرجه البيهقي [ (2) ] من حديث ابن عفير، حدثنا فحص بن عمران عن السري بن
يحيى، عن ابن شهاب قال: قدمت دمشق وأنا أريد الغزو فأتيت عبد الملك يعنى
ابن مروان لأسلم عليه، فوجدته في قبة على فرش يفوق القائم، والناس تحته
سماطان فسلمت وجلست، فقال: يا ابن شهاب أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح
قتل ابن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف
القبة وحوّل وجهه فأحنى عليّ فقال: ما كان؟
فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم، قال: فقال: لم يبق أحد
يعلم هذا غيري وغيرك، ولا يسمعن منك، قال: فما تحدثت به حتى توفى.
قال البيهقي هكذا روى في قتل عليّ بهذا الإسناد، وروى بإسناد أصح من هذا عن
الزهري، أن ذلك كان في قتل الحسين بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما.
قال كاتبه: يريد ما تقدم ذكره من طريق سليمان بن حرب، عن حماد.
وخرج من طريق أيوب بن محمد الرقى حدثنا: سلام بن سليمان الثقفي، عن زيد بن
عمرو الطندي، قال: حدثتني أم حبان، قالت: يوم قتل الحسين أظلمت علينا
ثلاثا: ولم يمس أحد منا من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلا احترق، ولم
يقلب حجر في بيت المقدس إلا أصبح تحته دم عبيط.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 155، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مقتل أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بأصح الأسانيد على سبيل
الاختصار، حديث رقم (4694) قال الحاكم: قد اختلفت الروايات في مبلغ سنّ
أمير المؤمنين حين قتل، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : نوح كذاب.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 440- 441، باب ما روى في إخباره بتأمير علي
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وقتله فكانا كما أخبر.
(12/242)
ومن حديث علي بن مسهر قال: حدثتني جدتي،
قالت: كنت أيام الحسين جارية شابة فكانت السماء أياما كأنها علقة [ (1) ] .
ومن حديث أبي بكر الحميدي حدثنا سفيان، قال: حدثتني جدتي، قالت: لقد رأيت
الورس عاد رمادا، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين [ (2) ] .
ومن طريق سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثني جميل بن مرة، قال:
أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها قال:
فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 472.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 472.
[ (3) ] (المرجع السابق) .
(12/243)
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بقتل
أهل الحرة وتحريق الكعبة المشرفة
فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا إبراهيم بن
المنذر، قال: حدثني ابن فليح عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أيوب بن
بشير المعافري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج من سفر من
أسفاره، فلما مرّ بحرة زهرة وقف فاسترجع فساء ذلك من معه، وظنوا أن ذلك من
أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول
اللَّه! ما الّذي رأيت؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما إن
ذلك ليس من سفركم هذا، قالوا: فما هو يا رسول اللَّه؟ فقال: يقتل بهذه
الحرة خيار أمتي بعد أصحابي.
قال البيهقي [ (2) ] : هذا مرسل وقد روي عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما في تأويل آيه من كتاب اللَّه تعالى ما يؤكده، فذكر من طريق
ثور ابن يزيد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس
ستين سنة وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا
الْفِتْنَةَ لأتوها [ (3) ] قال:
لأعطوها، يعنى إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة.
وخرج الإمام أحمد [ (4) ] من حديث شعبة بن أوس عن بلال العبسيّ، عن ميمونة
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
كيف أنتم إذا مرج الدين وظهرت الرغبة واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق؟.
وذكر محمد بن الحسن بن زبالة، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه قال:
أمطرت السماء على عهد عمر بن الخطاب فقال لأصحابه: هل لكم في هذا
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 473، باب ما روى عن النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم في إخباره بقتل أهل الحرة فكان كما أخبر.
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] الأحزاب: 14، كذا في (الأصل) ، برواية ورش عن نافع وهي برواية حفص
عن عاصم:
لَآتَوْها.
[ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 469، حديث رقم (26289) .
(12/244)
الماء الحديث العهد بالعرش لننزل به ونشرب
منه؟ فلو جاء من مجيئه راكب لتمسحنا به، فخرجوا حتى أتوا حرة واقم، وشراجها
تطرد، فشربوا منها وتوضأنا فقال كعب: واللَّه يا أمير المؤمنين ليسيلن هذا
الشراج بدماء الناس كما تسيل بهذا الماء! فقال عمر: دعنا من أحاديثك، قال:
فدنا منه عبد اللَّه بن الزبير فقال: يا أبا الحق ومتى ذلك؟ وفي أي زمان؟
قال: إياك أن يكون ذلك على يدك.
وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان الواسطي، عن أبيه، عن كعب الأحبار
قال: أفنجد في كتاب اللَّه حرة في المدينة تقتل بها مقتلة تضيء وجوههم يوم
القيامة كما يضيء القمر ليلة البدر.
وذكر من حديث زيد بن كثير عن المطلب بن عبد اللَّه، عن ابن أبي ربيعة أنه
مر بعروة بن الزبير وهو يبنى قصره بالعقيق، فقال: أردت الحرث يا أبا عبد
اللَّه؟ قال: لا، ولكنه ذكر لي أنه سيصيبها عذاب يعنى المدينة، فقلت: إن
أصابها شيء كنت منتحيا عنها.
قال كاتبه: وكان من خبر وقعة الحرة [ (1) ] أن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان
عامل المدينة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان، بعث بوفد من أهل المدينة إلى
يزيد فيهم عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل وعبد اللَّه بن عمرو بن أبي حفص، بن
المغيرة المجذومي، والمنذر بن الزبير بن العوام، فأكرمهم يزيد وأعظم
جوائزهم، فلما عادوا إلى المدينة أظهروا شيم يزيد، وعابوه بشرب الخمر، وعزف
القيان، واللعب بالكلاب، وخلعوه، وبايعوا عبد اللَّه بن حنطلة في سنه اثنين
وستين، فندب يزيد لحربهم مسلم بن عقبة المزني، ويسمى مسرفا، في اثنى عشر
ألف، وعهد إليه إن ظهر عليهم أن يبيح المدينة، وقاتلهم بعد ما دعاهم إلى
طاعة يزيد، وأجّلهم ثلاثا فلم يجيبوه، فهزمهم بعد قتال شديد قتل فيه عبد
اللَّه بن حنظلة، وعبد اللَّه بن زيد المازني، ومعقل بن سنان الأشجعي، في
سبعمائة من حملة القرآن وعدة كثيرة.
قال أبو الهيثم: قتل يوم الحرة حرة واقم نحو من ستين ألف وخمسمائة.
__________
[ (1) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 495 من أحداث سنة (63 هـ) .
(12/245)
وقال: أبو مخنف: المقتولون من وجوه قريش
سبعمائة. وقال أبو جعفر الطبري: قتل من القراء سبعمائة ومن الصحابة أربعة:
عبد اللَّه بن يزيد ابن عاصم، ومعقل بن يسار، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد
اللَّه بن حنظلة الغسيل، وأنهب المدينة ثلاثا فانتهبت، وذلك يوم الأربعاء
لثلاث أيام، افتضّ فيها ألف عذراء! وكان الّذي أدخل أهل الشام بنو حارثة من
خلف الناس حينئذ، فانهزموا حينئذ، ودعا مسرف الناس إلى بيعة يزيد على أنهم
خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء، وقتل من امتنع من ذلك حتى
أسرف في القتل والظلم، فسموه مسرفا لذلك فبّحه اللَّه [ (1) ] .
وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا ابن عون، عن خالد بن
عبد الحويرث عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، عن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: الآيات خرزات منظومات في سلك، يقطع السلك
فيتبع بعضها بعضا.
قال ابن الحويرث: كنا نادين بالصباح وهناك عبد اللَّه بن عمرو وكان هناك
امرأة من بني المغيرة يقال لها فاطمة، فسمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول:
ذاك يزيد بن معاوية، فقالت: أكذاك يا عبد اللَّه بن عمرو، تجده مكتوبا في
الكتاب؟ قال: لا أجده باسمه ولكن أجد رجلا من شجرة معاوية يسفك الدماء،
ويستحل الأموال، وينقض هذا البيت حجرا حجرا، فإن كان ذلك وأنا حي، وإلا
فاذكرينى، قال: وكان منزلها على أبي قبيس [ (3) ] فلما كان زمن الحجاج وابن
الزبير ورأت البيت ينقض، قالت: رحم اللَّه عبد اللَّه بن عمرو قد كان حدثنا
بهذا.
قال كاتبه إنما أحرق البيت في حصار أيام يزيد بن معاوية وقال الليث:
رمى الحجاج البيت بالنار فأحرقه، فجاءت سحابة فمطرت على البيت لم
__________
[ (1) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 495، من أحداث سنة (63 هـ) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 520- 521، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8461) ،
وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
[ (3) ] أبو قبيس: اسم جبل.
(12/246)
تجاوزه وأطفأت النار، وجاءت صاعقة فأحرقت
المنجنيق وما فيه، وانكسر الحجر الأسود حين رمى الحجاج البيت [ (1) ] .
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بذهاب بصر عبد اللَّه بن عباس رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه فكان كذلك وعمى قبل موته
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ عن ثور بن
يزيد، عن موسى بن ميسرة، أن بعض بني عبد اللَّه سايره في طريق مكة، قال:
حدثني العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم في حاجة فوجد عنده رجلا، فرجع ولم يكلمه من أجل مكان
الرجل معه، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العباس بعد ذلك، فقال
العباس: أرسلت إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلمك، فرجع، قال:
ورآه؟ قال: نعم!، قال: أتدري من ذلك الرجل؟ ذاك الرجل جبريل- عليه السلام-،
ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما.
وخرّجه الحاكم [ (3) ] من حديث عاصم بن على، قال: حدثتنا زينب بنت سليمان
بن عليّ بن عبد اللَّه بن عباس، قال: حدثني أبي قال: سمعت أبي يقول: بعث
العباس ابنه عبد اللَّه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فنام وراءه، وعند
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رجلا فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
فقال: متى جئت يا حبيبي؟ قال: مذ ساعة قال: هل رأيت عندي أحدا؟ قال: نعم،
رأيت رجلا، قال: ذاك جبريل عليه السلام ولم يره خلق إلا عمى إلا أن يكون
نبيا، ولكن عسى أن يجعل ذلك في آخر عمرك، ثم قال: اللَّهمّ علّمه التأويل،
وفقهه في الدين، واجعله من أهل الإيمان.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
__________
[ (1) ] راجع التعليق: رقم (1) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 478، قال في (مجمع الزوائد) : فيه من لم
أعرفه.
[ (3) ] (المستدرك) : 3/ 617- 618، كتاب معرفة الصحابة حديث رقم (6287) ،
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل منكر.
(12/247)
وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث صالح بن أبي
الأسود، عن أبي الجارود، عن شوذب، عن عكرمة، قال: خرجت بابن عباس وهو على
راحلته فلما أخرجها من الحرم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
حدثني أنه سيذهب بصري وقد ذهب، وحدثني أنى سأغرق وقد غرقت في بحيرة طبرية،
وحدثني أني سأهاجر من بعد فتنة، اللَّهمّ وأني أشهدك أن هجرتي اليوم إلى
محمد بن علي بن أبي طالب.
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن أرقم بالعمى فكان كذلك
فخرج البيهقي [ (2) ] من طريق المعتمر قال: حدثنا نباته بن بنت بريد، عن
حمادة، عن أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها: أن النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم دخل على زيد يعوده من مرض كان به، قال: ليس عليك من مرضك بأس، ولكن
كيف بك إذا أعمرت بعدي فعميت؟ قال: إذا احتسب واصبر. قال: إذا تدخل الجنة
بغير حساب قال، فعمي بعد ما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ردّ اللَّه
عليه بصره ثم مات.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم من يأتي بعده من الكذابين [وإشارته إلى
من يكون] منهم من ثقيف فكان كما أخبر
فخرج مسلم [ (3) ] من حديث مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: لا
تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
__________
[ (1) ] لم أجده.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 479.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 260، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18)
لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث
رقم (84) .
(12/248)
خرجه أيضا من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا
معمر، عن همام عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثله، غير أنه
قال: ينبعث [ (1) ] .
وخرج الحافظ [ (2) ] أبو أحمد بن عدي، من حديث أبي يعلي الموصلي قال:
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا: شريك عن أبي الحق،
عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول صلّى
اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة
والعنسيّ،
والمختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن
عوف بن قسي، وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور ابن عكرمة بن خصفة
بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أمه دومة بنت عمرو بن وهب بن
معقبة بن مالك بن كعب بن عمرو بن عوف بن ثقيف، كان المختار خارجيا، ثم صار
زبيريا، ثم صار رافضيا في ظاهره، وزعم أنه يوحى إليه فيسجع به سجعا. وولاه
ابن الزبير الكوفة، ثم خرج يطلب بدم الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فقتل عبيد
اللَّه بن زياد في حرب، وقتل أناسا كثيرة، ثم قتله مصعب بن الزبير سنة سبع
وستين، وشر قبائل العرب بنو أمية، وبنو حنيفة، وثقيف.
قال ابن عدي: وهذا لا أعلم رواه عن شريك إلا محمد بن الحسن الأسدي، وله
إفرادات، وحدث عنه الثقات من الناس، ولم أجد بحديثه بأسا.
قال البيهقي: ولحديث هذا المختار بن أبي عبيد الثقفي شواهد صحيحة.
وذكر من طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا الأسود بن سفيان، عن أبي نوفل
بن أبي عقرب، عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنها
قالت للحجاج بن يوسف: أما إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثنا أن
في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا
إياه قال: فقام عنها ولم يراجعها.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) الحديث الّذي يلي الحديث السابق.
[ (2) ] (الكامل في ضعفاء الرجال) لابن عدي: 6/ 173- 174، حديث رقم 36/
1657.
(12/249)
خرجه مسلم [ (1) ] في الصحيح من وجه آخر عن
الأسود بن شيبان.
وذكر من طريق عبد اللَّه بن الزبير الحميدي قال: حدثنا سفيان هو ابن عيينة
حدثنا أبو المحياة عن أمه، قالت: لما قتل الحجاج بن يوسف عبد اللَّه بن
الزبير، دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر فقال لها: يا أمّه، إن أمير
المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟ فقالت: لست لك بأم، ولكنى أم المصلوب
على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك بما
سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقول: يخرج في ثقيف كذاب
ومبير،
فأما الكذاب فقد رأيناه يعنى المختار [ (2) ] ، وأما المبير فأنت، فقال
الحجاج: مبير المنافقين.
ومن طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شريك عن أبي علوان عبد اللَّه بن
عصمة، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يقول: إن في ثقيف كذابا ومبيرا.
قال كاتبه: المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف ابن عقدة
بن غيرة بن عوف بن قسي بن منبه، وقسي هو ثقيف، كان شابا مع عمه سعد بن
مسعود الثقفي وهو على المدائن لعلي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم نزل
الكوفة وأنزله في داره، فأراد نصرته، فقبض عليه عبيد اللَّه بن زياد بعد ما
ضرب وجهه بقضيب فشتر عينه، ثم حبسه حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه، لأنه كان زوج أخته صفيه بنت أبي عبيد، وأخرجه إلى الحجاز، فأقسم
ليأخذن بثأر الحسين وليقتلن بقتله عدة من على دم يحيى بن زكريا عليهما
السلام، ونزل الطائف وزعم أنه مبيد الجبارين ثم تبع عبد اللَّه بن الزبير
وقاتل معه، فلما مات يزيد بن معاوية مضى إلى الكوفة فكان لا يمر على مجلس
إلّا سلّم عليه، قال: أبشروه بالنصر والفتح، أتاكم ما تحبون فأجمعت الشيعة
إليه، فقال: لهم إن المهدي يعني محمد بن الحنيفة- بعثني إليكم أمينا
ووزيرا، وأمرنى بقتال الملحدين، والطلب بدم أهل بيته، فبايعوه، فقبض عليه
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 332- 334، كتاب فضائل الصحابة، باب (58)
ذكر كذاب ثقيف ومبيرها، حديث رقم (229) .
[ (2) ] (المرجع السابق) .
(12/250)
وسجن، فلما قتل سليمان بن صرد أخرج من
السجن، فأخذ يجمع الشيعة وخرج يظاهر الكوفة ليلا في ربيع الأول سنة ستة
وستين، ونادى مناديه:
يا منصور أمت، ونادى آخر: يا لثأرات الحسين، فملك الكوفة بعد حروب شديدة،
وبايعه الناس، فأحسن السيرة، وسير بعوثة إلى أرمينية، وأذربيجان، والموصل،
والمدائن، وغير ذلك، ثم وثب بمن في الكوفة من قتلة الحسين، وقد خرج عليه
أهل الكوفة وقاتلوه فظهر بهم في ذي الحجة منها، وقتل منهم نحو الثمانمائة،
وتجرد لقتلة الحسين حتى أفناهم، فكانوا ألوفا، فبعث عبد اللَّه ابن الزبير
لقتاله أخاه مصعب بن الزبير، فكانت بينهم حروب عظيمة، قتل فيها المختار،
وعمره سبع وستون سنة.
قال البيهقي [ (1) ] : وقد شهد جماعة من أكابر التابعين على المختار بن أبي
عبيد بما كان يستبطن، وأخبر بعضهم بأنه من جملة الكذابين الذين أخبر النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم بخروجهم بعده، فذكر عن أبي داود الطيالسي قال: حدثنا
قرة بن خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد، قال: كنت أبطن شيء
بالمختار- يعنى: الكذاب- قال: فدخلت عليه ذات يوم، فقال: دخلت وقد قام
جبريل قبل من هذا الكرسي! قال: فأهديت إلى قائم سيفي يعني لأضربه، حتى ذكرت
حديثا
حدثته عمرو بن الحمق الخزاعي، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا أمن
الرجل الرجل على دمه، ثم قلته رفع له لواء الغدر يوم القيامة،
فكففت عنه، وقال زائدة عن السدي عن رفاعة القتباني: قال: كنت بالسيف على
رأس المختار بن أبي عبيد، فسمعته ذات يوم يقول: قام جبريل من هذه النمرقة
فأردت أن أسل سيفي فأضرب عنقه فذكرت حديثا
حدثنيه عمرو بن الحمق الخزاعي أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول:
من أمن رجلا على نفسه فقتله فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافرا،
قال: فتركته.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 482، باب ما جاء في إخباره بمن يكون من
الكذابين وإشارته إلى من يكون منهم من ثقيف فكان كما أخبر.
(12/251)
قال البيهقي [ (1) ] وكذلك رواه سفيان
الثوري وأسباط بن نصر، وغيرهما، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السندي.
وخرجه الإمام [ (2) ] أحمد من طريق ابن نمير، حدثنا: عيسى [القاري] أبو عمر
حدثنا السدي عن رفاعة القتباني قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة فقال:
لولا أخى جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه،
فذكرت حديثا حدثنيه [أخي] عمرو بن الحمق قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم: أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله، فأنا من القاتل بريء.
ومن طريق الحميدي [ (3) ] حدثنا: سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي قال:
فأخرت أهل البصرة فغلبتهم بأهل الكوفة، والأحنف ساكت لا يتكلم، فلما رآني
غلبتهم أرسل غلاما له فجاءه بكتاب فقال لي: هاك اقرأ، فقرأته، فإذا فيه من
المختار إليه يذكر أنه نبي فقال: يقول الأحنف: أنى فينا مثل هذا.
قال البيهقي [ (1) ] : وقد روينا عن يحيى بن سعيد، عن مجالد، عن الشعبي قصة
ما كان في الكتاب من موضوعة الّذي كان يعارض به القرآن.
ومن طريق عبيد اللَّه بن معاذ، حدثنا أبي حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، سمع
مرة يعنى الهمذانيّ، قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: القرآن ما منه حرف، أو
قال: آية- شك- إلا وقد عمل به قوم أو قال سيعملون بها، قال مرة: فقرأت:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ
إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما
أَنْزَلَ اللَّهُ [ (4) ] فقلت من عمل بهذه حتى كان المختار بن أبي عبيد.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 483، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم بمن يكون بعده من الكذابين، وإشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى من
يكون منهم من ثقيف، فكان كما أخبر.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 294، حديث رقم (21440) ، من حديث عمرو بن الحمق
الخزاعي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 483.
[ (4) ] الأنعام: 93.
(12/252)
قال البيهقي [ (1) ] : ولعكرمة مولى ابن
عباس فيما يقال عن الوحي والموضوع [سئل] [ (2) ] يريدون ما كان المختار
يدّعيه من أنه يوحى إليه، وأنّ عنده كتاب يسمى الموضوع.
ومن طريق أبي داود حدثنا: عبد اللَّه بن الجراح عن جرير، عن مغيرة، عن
إبراهيم قال: قال عبيدة السلماني يعنى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في
خروج الكذابين، قال إبراهيم: فقلت له أترى هذا منهم؟ يعنى المختار بن أبي
عبيد؟ قال عبيدة:
أما إنه من الرءوس [ (3) ] .
قال جامعه: وكانت سيرة المختار بن أبي عبيد في تتبع قتله الحسين وقتلهم،
شاهدة بصدق على ما خرجه الحاكم [ (4) ] من حديث أبي يعلى محمد بن شداد
المسمعي، حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه،
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أوحى
اللَّه إلى نبيكم أني قتلت بيحيى سبعين ألفا، وأني قاتل بابن ابنتك سبعين
ألفا وسبعين ألفا.
قال الحاكم: قد كنت أحسب دهرا أن المسمعي تفرد بهذا الحديث عن أبي نعيم حتى
حدثناه أبو محمد السبيعي الحافظ، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن ناجية حدثنا
حميد بن الربيع، حدثنا أبو نعيم، فذكره بإسناد نحوه.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 484.
[ (2) ] في (الأصل) : «يقال» وما أثبتناه من (الدلائل) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 484.
[ (4) ] (المستدرك) : 2/ 219، كتاب التفسير، من سورة البقرة، حديث رقم
(3147) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : عبد اللَّه ثقة، ولكن المتن
منكر جدا، فأما محمد بن شداد، فقال الدار الدّارقطنيّ: لا يكتب حديثه، وأما
حميد، فقال ابن عدي: كان يسرق الحديث.
(12/253)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عبد
اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بأمره وما لقي
فخرج الحاكم [ (1) ] ، وأبو نعيم [ (2) ] أحمد من طريق سعد أبي عاصم مولى
سليمان بن عليّ، قال: زعم لي كيسان مولى عبد اللَّه بن الزبير قال: دخل
سلمان على [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] وإذا عبد اللَّه بن الزبير
معه طست بشرب ما فيها، فدخل عبد اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم فقال له: فرغت؟ قال: نعم، قال سلمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما
ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: أعطيته غسالة محاجمى يهريق ما فيها، قال سلمان:
ذاك شربة، والّذي بعثكم بالحق، قال:
شربته؟ قال: نعم، قال: لم؟ قال: أحببت أن يكون دم رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم في جوفي فقال بيده على رأس ابن الزبير وقال: ويل للناس منك، وويل
لك من الناس، لا تمسك النار إلا قسم اليمين.
وخرجه من طريق الهنيد بن القاسم [ (3) ] بن عبد الرحمن بن ماعز قال:
سمعت عامر بن عبد اللَّه بن الزبير يحدث أن أباه حدثه أنه أتى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد اللَّه اذهب بهذا الدم
فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برزت عنه صلّى اللَّه عليه وسلم حسوته فلما
رجعت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ما صنعت؟ قلت جعلته في مكان
ظننت أنه خاف عن الناس، قال: فلعلك شربته؟ قلت: نعم، قال: ومن أمرك أن تشرب
الدم؟ ويل لك من الناس وويل للناس منك.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 638، كتاب معرفة الصحابة، ذكر عبد اللَّه بن
الزبير بن العوام رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (6343) ، وسكت
عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
[ (2) ] (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) : 1/ 330، ترجمة عبد اللَّه بن
الزبير رقم (46) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ] (المرجع السابق) : باختلاف يسير في اللفظ، والمعنى واحد.
(12/254)
وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق الأعمش عن شمر
بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: حدثني البريد الّذي أتى ابن الزبير برأس
المختار فلما رآه قال ابن الزبير: ما حدثني كعب بحديث إلا وجدت مصداقة، إلا
أنه حدثني أن رجلا من ثقيف سيقتلني، قال الأعمش: وما يدرى أن أبا محمد خذله
اللَّه خبأ له.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالمبير الّذي يخرج من ثقيف فكان كما
أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج مسلم [ (2) ] من حديث يعقوب بن إسحاق الحضري قال: حدثنا الأسود بن
شيبان، عن أبي نوفل رأيت عبد اللَّه بن الزبير على عقبة المدينة، قال:
فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد اللَّه بن عمر فوقف عليه،
فقال: السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب،
أما واللَّه لقد كنت أنهاك عن هذا، أما واللَّه لقد كنت أنهاك عن هذا، أما
واللَّه لقد كنت أنهاك عن هذا، واللَّه إن كنت ما علمت صواما وصولا للرحم،
أما واللَّه لأمة أنت أشرها، لأمة خير، ثم نفذ عبد اللَّه بن عمر رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه.
فبلغ الحجاج موقف عبد اللَّه بن عمر وقوله، فأرسل إليه، فأنزل عن جذعه
فألقى في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما، فأبت أن تأتيه، فأعاد إليها الرسول لتأتين أو لأبعثن إليك من
يسحبك بقرونك قال: فأبت، وقالت: واللَّه لا آتيك حتى تبعث إلى من يسحبنى
بقروني! قال: فقال: أرونى سبتي! فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف حتى دخل عليها،
فقال لها: كيف رأيتني صنعت بعدوّ اللَّه؟ قالت: رأيتك أفسدت
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 633، كتاب معرفة الصحابة، ذكر عبد اللَّه بن
الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (6333) ، وسكت عنه الحافظ
الذهبي في (التلخيص) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 332- 334 كتاب فضائل الصحابة، باب (58)
ذكر كذاب ثقيف، حديث رقم (229) .
(12/255)
عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك
تقول له: يا ابن ذات النطاقين، أنا واللَّه ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت
أرفع به طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب،
وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما
إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا،
فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا إخالك إياه، قال: فقام عنها ولم
يراجعها.
وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث شريك عن عبد اللَّه بن عصم، عن ابن عمر قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في ثقيف كذاب ومبير.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك، وشريك يقول:
عبد اللَّه بن عصم وإسرائيل يقول: عبد اللَّه بن عصمة قال:
أبو عيسى يقال الكذاب المختار بن أبي عبيد، والمبير الحجاج بن يوسف.
قال الترمذي: حدثنا أبو داود سليمان بن سلم البلخي أخبرنا النضر بن شميل،
عن هشام بن حسان قال: أحصوا ما قتل الحجاج صبرا فبلغ مائه ألف وعشرين ألف
قتيل.
قال البيهقي: وقد حذر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ثم أمير المؤمنين على
بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أمة محمد صلّى اللَّه عليه
وسلم شأن الحجاج بن يوسف، وأخبرا بخروجه، ولا يقولان ذلك إلا توقيفا، فذكر
من طريق عثمان بن سعيد الدرامي قال: قرأت على أبي اليمان أن جرير بن عثمان
حدثه عن عبد الرحمن بن ميسرة بن أزهر، عن أبي عذبة الحمصي قال:
قدمت على عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه رابع أربعة من الشام،
ونحن حجاج فبينا نحن عنده أتاه آت من قبل العراق فأخبرهم أنهم قد حصبوا
إمامهم، وقد كان عوضهم به مكان إمام كان قبله فحصبوه، فخرج إلى الصلاة
مغضبا فيها في صلاته ثم أقبل على الناس، فقال: من هاهنا من أهل الشام؟ فقمت
أنا وأصحابي، فقال: يا أهل الشام، تجهزوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض
فيهم وفرخ، ثم قال: اللَّهمّ إن قد لبّسوا عليّ فألبس عليهم،
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 432- كتاب الفتن، باب (44) ما جاء في ثقيف،
حديث رقم (2220)
(12/256)
اللَّهمّ عجل لهم الغلام الثقفي يحكم فيهم
بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم.
قال: أبو اليمان: علم عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن الحجاج خارج لا
محالة، فلما أغضبوه استعجل لهم العقوبة التي لا بدّ لهم منها، قال عثمان:
وقلت له: إن هذا أحد البراهين على أمر الحجاج، قال: صدقت.
وقد خرجه الدرامي من حديث عبد اللَّه بن صالح، أن معاوية بن صالح حدثه عن
شريح بن عبيد، عن أبي عذبة، وذكر نحو ما تقدم أو قريبا منه، قال: عبد
اللَّه: وحدثه ابن لهيعة بمثله قال: وما ولد الحجاج يومئذ.
ومن طريق عبد الرزاق، حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار عن الحسن،
قال: قال علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لأهل الكوفة: اللَّهمّ كما
ائتمنتهم فخانوني، ونصحت لهم فغشوني، فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال، الميال،
يأكل خضرتها، ويلبس فروتها، ويحكم بحكم الجاهلية،
قال: يقول الحسن: وما خلق الحجاج يومئذ.
ومن طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أيوب بن مالك بن أوس ابن الحدثان
عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: الشاب الذيال أمير المصرين
يلبس فروتها، ويأكل خضرتها، ويقتل أشراف أهلها، يشتد منه الفرق، ويكثر منه
الأرقّ، يسلطه اللَّه على شيعته.
ومن طريق يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب قال: حدثني حبيب بن أبي ثابت
قال: قال عليّ لرجل: لا متّ حتى تدرك فتى ثقيف، قيل له: يا أمير المؤمنين
ما فتى ثقيف؟ قال: ليقالن له يوم القيامة أكفنا زاوية من زوايا جهنم، رجل
يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين لا يدع للَّه معصية إلا ارتكبها، حتى لو لم
تبق إلا معصية واحدة، وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها، يقتل
بمن أطاعه من عصاه
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 489، باب ما جاء في إخباره بالمبير الّذي
يخرج من ثقيف وتصديق اللَّه سبحانه قوله في الحجاج بن يوسف الثقفي غفر
اللَّه لنا ولجميع المسلمين.
(12/257)
ومن طريق أبي حاتم الرازيّ: حدثنا: عبد
اللَّه بن يوسف التنيسي، حدثنا هشام بن يحيى الغساني قال: قال عمر بن عبد
العزيز لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئناهم بالحجاج لغلبناهم [ (1) ] .
وقال: أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود قال: ما بقيت للَّه حرمة إلا
وقد انتهكها الحجاج [ (2) ] .
وقال: عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، قال: دخل رجل على أبي فقال:
مات الحجاج بن يوسف يا أبا عبد الرحمن! قال لأبى: أربعوا على أنفسكم حبس
رجل عليه لسانه وعلم ما يقول، فقال له الرجل: يا أبا عبد الرحمن برح الخفاء
هذه نساء وافد بن سلمة قد نشرن أشعارهن وخرقن ثيابهن ينحن عليه، قال:
أفعلوا؟ قال: نعم، قال: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [ (3) ] .
وخرج الحاكم [ (4) ] من طريق سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل قال:
اختلفت أنا والمرهبي في الحجاج، فقال: مؤمن، وقلت، كافر.
ومن طريق أبي بكر بن عياش قال: سمعت الأعمش يقول: واللَّه لقد سمعت الحجاج
بن يوسف يقول: يا عجبا من عبد هذيل يزعم أنه يقرأ قرآنا من عند اللَّه،
واللَّه ما هو إلا رجز من رجز الأعراب، واللَّه لو أدركت عبد هذيل لضربت
عنقه [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] (المرجع السابق) .
[ (4) ] (المستدرك) : 3/ 640- 641، كتاب معرفة الصحابة حديث رقم (6351) ،
ثم قال بعقبه: وبيان صحته ما أطلق فيه مجاهد بن جبير رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه.
[ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6352) وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : يتأسف على ما فاته من قتل ابن مسعود بعد قتل ابن عمر، وابن
الزبير.
(12/258)
قال الحاكم: هذا بعد قتله عبد اللَّه بن
عمر، وعبد اللَّه بن الزبير، يتأسف على ما فاته من قتل عبد اللَّه بن مسعود
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وعن العبادلة ولعن من أبغضهم وخذلهم.
وقيل للشعبى: الحجاج مؤمن؟ فقال: مؤمن بالجبت والطاغوت وكافر باللَّه، وسئل
مجاهد عنه فقال: اسألوني عن الشيخ الكافر، وينقل عنه أنه قال- وقد رأى
الناس حول قبر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم-: إنما يطوفون بأعواد ورمّة.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث إسحاق بن سعيد بن عمرو عن عبد اللَّه بن
عمرو قال: أشهد باللَّه لسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول
يحلها وتحل به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها.
وخرجه البزار من حديث محمد بن كثير، عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن عمرو، أن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم قال: يلحد رجل بمكة يقال له عبد اللَّه، عليه نصف عذاب
العالم. قال البزار لم يتابع محمد بن كثير عليه.
ورواه غيره عن الأوزاعي عن رجل من آل المغيرة، عن المغيرة بن شعبة، عن
عثمان بن عفان.
وخرجه الإمام أحمد أيضا [ (2) ] من حديث إسحاق بن سعيد، حدثنا سعيد بن
عمرو، قال: أتى عبد اللَّه بن عمرو بن الزبير وهو جالس في الحجر، فقال:
يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم اللَّه، فإنّي أشهد لسمعت رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يحلها وتحل به رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه
بذنوب الثقلين لوزنتها،
قال: فانظر ألا تكون هو، قال: يا ابن عمرو! فإنك قد قرأت الكتب وصحبت
الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فإنّي أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام
مجاهدا.
ومن حديث إسحاق بن سعيد [ (3) ] عن أبيه قال: أتى عبد اللَّه بن عمرو بن
الزبير فقال: يا ابن الزبير، إياك والإلحاد في حرم اللَّه فإنّي سمعت رسول
اللَّه
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 2/ 402، حديث رقم (6808) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 2/ 440، حديث رقم (7003) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 298، حديث رقم (6165) .
(12/259)
صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إنه سيلحد فيه
رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت،
قال فانظر ألا تكونه.
وخرج من حديث جعفر بن أبي المغيرة [ (1) ] عن ابن أبزى، عن عثمان بن عفان،
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال له عبد اللَّه بن الزبير عند حصره:
إن عندي غائبة قد أعددتها لك، فهل لك أن تحول إلى مكة، فيأتيك من أراد أن
يأتيك؟ قال: لا،
إني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يلحد بمكة كبش من قريش
اسمه عبد اللَّه، عليه نصف أوزار الناس.
وقال الزبير بن بكار: وحدثني محمد بن حسن يعنى ابن زبالة، عن إبراهيم بن
محمد، عن نافع بن ثابت، عن محمد من كعب القرظي، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم دخل على أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها
حين ولد عبد اللَّه بن الزبير فقال: أو هو؟ تركت أسماء رضاع عبد اللَّه بن
الزبير لما سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أهو هو، فقيل
لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن أسماء تركت رضاع عبد اللَّه بن
الزبير لما سمعتك تقول أهو هو؟ فقال:
أرضعيه ولو بماء عينيك، كبش بين ذئاب، ليمنعن الحرم وليقتلن به.
وأما إخباره بأن معترك المنايا بين الستين إلى السبعين فكان كما أخبر صلّى
اللَّه عليه وسلم
فخرج أبو يعلي الموصلي في مسندة، قال: حدثنا إسحاق بن موسى بن عبد اللَّه
الأنصاري، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن إبراهيم بن الفضل بن
سليمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم معترك المنايا بين الستين إلى
السبعين
ورواته رواة الصحيح، إلا إبراهيم بن الفضل فهو ضعيف.
واختلفت في تأويل هذا الحديث فذهب بعضهم إلى أن معناه الإشارة إلى الفتن
الواقعة فيما بين الستين والسبعين من الهجرة النبويّة، وقال آخرون بل
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 104، حديث رقم (463) .
(12/260)
ذلك يشير إلى أن أعمار هذه الأمة المحمدية
في الغالب والأكثر تكون ما بين ستين سنة إلى سبعين، ولكل على ما ذهب إليه
دليل، وشواهد الأحوال تصدق ذلك وتؤيده، فقد وقعت بين الستين إلى السبعين من
سني الهجرة، فمنها: قتل الحسين وقتال الحرة، ومرج راهط، ويوم جبانة السبيع
[ (1) ] ، ووقائع المختار بن أبي عبيد، ويوم جازر [ (2) ] ، وفتنة عبد
اللَّه بن الزبير، والطاعون الجارف الّذي هلك فيه بالبصرة في ثلاثة أيام في
كل يوم سبعون ألفا، ومات فيه لأنس بن مالك ثلاثة وثمانون ابنا، ويقال ثلاثة
وسبعون، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابنا، ومات لصدقة بن عامر
الحارثي سبعة بنين في يوم واحد، وطاعون الكوفة.
ويؤيد ذلك ما
خرجه الإمام أحمد [ (3) ] من حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا كامل أبو
العلاء، قال: سمعت أبا صالح عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تعوذوا باللَّه من السبعين، ومن
إمارة الصبيان، وقال: لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع، وله عنده طرق.
والأكثر يتأول قوله: معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين، أن أكثر موت
الناس وقد بلغوا من السنين ما بين الستين والسبعين، واحتجوا لذلك بما
خرجه البخاري [ (4) ] من حديث معن بن محمد الغفاريّ عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم قال:
__________
[ (1) ] يوم جبانة السبيع، للمختار على أهل الكوفة، وكان هذا اليوم لست
ليال بقين من ذي الحجة سنة (66 هـ) وجبانة السبيع: من مواضع الكوفة. (أيام
العرب في الإسلام) : 445- 450، يوم جبانة السبيع، رقم (59) .
[ (2) ] يوم خازر، وكان لابن الأشتر على بن زياد، سنة (67 هـ) ، وخازر إلى
جنب قرية بينها وبين الموصل خمسة فراسخ. (المرجع السابق) : 451.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 624، حديث رقم (8121) والحديث رقم (8440) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 11/ 286- 287. كتاب الرقاق، باب (5) من بلغ ستين
سنة فقد أعذر اللَّه إليه في العمر حديث رقم (6419) .
(12/261)
أعذر اللَّه إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ
ستين سنة. تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري.
وقال عبد الرزاق، عن معمر والثوري، عن أبي خثيم، عن مجاهد عن بن عباس رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما
يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ قال: ستون سنة.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من طريق محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري عن أبي
هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: من أتت عليه ستون فقد أعذر اللَّه إليه في العمر.
وعلق البخاري طريق ابن عجلان هذه.
وخرجه أبو بكر بن مردويه في (التفسير) من طريق أبي معشر، عن سعيد المقبري،
عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: من عمر ستين أو سبعين سنة فقد عذر اللَّه إليه في العمر،
وأبو معشر فيه ضعف.
وخرج الترمذي [ (2) ] من حديث محمد بن ربيعة، عن كامل أبي العلاء، عن أبي
صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: عمر أمتى من ستين إلى سبعين.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة.
وخرجه في كتاب الدعاء [ (3) ] من حديث عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد
بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 2/ 615، حديث رقم (8063) ، من مسند أبي هريرة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 489- 490، كتاب الزهد، باب (23) ما جاء في فناء
أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين، حديث رقم (2331) ، وما بين
الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 5/ 517 باب (102) ، في دعاء النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم، حديث رقم (3550) .
وأخرجه ابن ماجة في الزهد، باب الأمل والأجل، حديث رقم (4236) وإسناده حسن.
(12/262)
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: أعمار أمتى ما بين ستين إلى سبعين، وأقلهم من يجوز ذلك.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن
أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وزعم
بعضهم أن التأويل الأول أليق بالحديث، لأن أكثر من الناس يموت في الصغر،
ومن تأمل هذا في الأطفال والأحداث عرف الحقيقة.
وقال المبرد في كتاب (الأزمنة) : تأمل حكيم إلى أخ له: لا تغتر بشبابك فإن
أكثر من يموت الشباب، والدليل على ذلك أن الشيوخ أقل الناس.
قال أبو الفتح البستي:
لا تغترن بشباب رائع خضل ... فكم يعدم قبل الشيب شبان.
(12/263)
أما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بوقوع
الشر بعد الخير الّذي جاء به ثم وقوع الخير بعد ذلك الشر، ثم وقوع الشر بعد
الخير، فكان كما أخبر
فخرج البخاري [ (1) ] في الفتن، ومسلم [ (2) ] في الإمارة، من حديث الوليد
بن مسلم قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر حدثنا بسر بن عبيد اللَّه
__________
[ (1) ] باب (11) كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ حديث رقم (7084) ، وفيه حجة
لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك الخروج على أئمة الجور،
لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم دعاة على أبواب جهنم.
وفيه إنه متى لم يكن للناس إمام، فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في
الفرقة، ويعتزل الجميع إن استطاع خشية من الوقوع في الشر. وعلى ذلك يتنزل
ما جاء في سائر الأحاديث، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها.
وفيه حكمة اللَّه في عباده، كيف أقام كلا منهم فيما شاء، فحبب إلى أكثر
الصحابة السؤال عن وجوه الخير ليعملوا بها، ويبلغوها غيرهم، وحبب لحذيفة
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه السؤال عن الشر ليجتنبه، ويكون سببا في دفعه
عمن أراد اللَّه له النجاة، وفيه سعة صدر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم،
ومعرفته بوجوه الحكم كلها، حتى كان يجيب كل مسألة بما يناسبه.
ويؤخذ منه أن كل من حبب إليه شيء فإنه يفوق فيه غيره، ومن ثم كان حذيفة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه صاحب السرّ الّذي لا يعلمه غيره، حتى خصّ بمعرفة
أسماء المنافقين، وبكثير الأمور الآتية.
ويؤخذ منه أن من أدب التعليم أن يعلم التلميذ من أنواع العلوم ما يراه
مائلا إليه من العلوم المباحة، فإنه أجدر أن يسرع إلى تفهمه، والقيام به،
وأن كل شيء يهدى إلى طريق الخير يسمى خيرا، وكذا بالعكس.
ويؤخذ منه ذم من جعل للدين أصلا خلاف الكتاب والسنة، وجعلهما فرعا لذلك
الأصل الّذي ابتدعوه.
وفيه وجوب ردّ الباطل، وكل ما خالف الهدى النبوي، ولو قاله من قاله من رفيع
أو وضيع.
[ (2) ] باب (13) وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال.
وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، حديث رقم (1847) .
(12/264)
الحضرميّ أنه سمع أبا إدريس الخولانيّ
يقول: سمعت حذيفة بن اليمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: كان الناس
يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر
مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول اللَّه إنّا كنا في جاهلية وشرّ فجاءنا
اللَّه بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك شر
من خير قال: نعم؟ وفيه دخن، قال: قلت: وما دخنه؟ قال:
قوم يسنتون بغير سنتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتذكر، فقلت: هل بعد ذلك
الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها،
قلت: يا رسول اللَّه، صفهم لنا، قال: نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون
بألسنتنا، قلت: يا رسول اللَّه، فما تأمرنى إن أدركني ذلك؟ قال:
تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت فإن لم يكن جماعة ولا إمام؟ قال:
فتعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض [على أصل] شجرة حتى يدركك الموت وأنت على
ذلك. اللفظ لمسلم، ولم يقل فيه البخاري: يسنتون بغير سنتي.
وذكر البخاري هذا الحديث أيضا في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] ،
ولم يقل يستنون بغير سنتي، وفي رواية الأصيلي: قوم يهدون بغير هديي، وفي
رواية أبي ذر: بغير هديي.
وخرجه البخاري [ (2) ] أيضا من حديث يحيى بن سعيد عن إسماعيل، حدثني قيس عن
حذيفة، قال: تعلم أصحابى الخير، وتعلمت الشر.
ووجد بخط أبي إسحاق بن قرقول على هذا الحديث، قال أبو الحسن القابسي: ينبغي
أن يتخذ هذا الحديث أصلا يرجع إليه عند نزول الحوادث.
وقد خرجه مسلم [ (3) ] أيضا من حديث يحيى بن حسان قال: حدثنا معاوية بن
سلام قال: حدثنا زيد بن سلام، عن أبي سلام قال: قال حذيفة:
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 763- 764، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة
في الإسلام، حديث رقم (3606) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3607) .
(12/265)
قلت: يا رسول اللَّه إنّا كنا بشرّ، فجاء
اللَّه بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم، قلت: هل وراء
ذلك الشر خير؟ قال: نعم، قلت:
فهل من وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا
يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي سيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين أئمة
في إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول اللَّه إن أدركت ذلك؟
قال: نسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع.
قال الدار الدّارقطنيّ [ (1) ] : هذا عندي مرسل، أبو سلام لم يسمع من
حذيفة، ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق، لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد قال فيه: قال حذيفة، فهذا يدل على
إرساله.
وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق عباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرنى أبي قال:
وسئل الأوزاعي عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم عن الشر الّذي يكون بعد ذلك الخير، قال الأوزاعي: هي الردة التي كانت
بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
__________
[ () ] (3) (مسلم بشرح النووي) : 12/ 479- 480، كتاب الإمارة، باب (13)
وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال، وتحريم الخروج على
الطاعة ومفارقة الجماعة، حديث رقم (52) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 480، ضمن شرح الحديث رقم (52) ، قال
الدار قطنى: هذا عندي مرسل، لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة، وهو كما قال الدار
قطنى، لكن المتن صحيح، متصل بالطريق الأول، وإنما أتى مسلم بهذا متابعة كما
ترى، وقد قدمنا في (الفصول) وغيرها أن الحديث المرسل إذا روى من طريق آخر
متصلا، تبين به صحة المرسل، وجاز الاحتجاج به، وبصير في المسألة حديثان
صحيحان.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 491، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم بالشر الّذي يكون بعد الخير الّذي جاء به، ثم بالخير الّذي يكون بعد
ذلك، ثم بالشر الّذي يكون بعده، وما يستدل به على إخباره بعمر بن عبد
العزيز رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وإشارته إلى ما ظهر من عدله وإنصافه
في ولايته.
(12/266)
قال الأوزاعي: وفي مسألة حذيفة: فهل بعد
ذلك الشر من خير؟ قال:
نعم، وفيه دخن.
قال الأوزاعي: الخير الجماعة، وفي ولاتهم من تعرف سيرته، وفيهم من تنكر
سيرته، قال: فلم يأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قتالهم ما
صلوا الصلاة.
وخرج من طريق أبي داود الطيالسي [ (1) ] قال: حدثنا داود الواسطي- وكان
ثقة- قال: سمعت حبيب بن سالم قال: سمعت النعمان بن بشير بن سعد في حديث
ذكره، قال: فجاء أبو ثعلبة، قال: يا بشير بن سعد، أتحفظ حديث رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم في الأمراء، وكان حذيفة قاعدا مع بشير، فقال حذيفة:
أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة
فقال حذيفة: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إنكم في النبوة ما شاء
اللَّه أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ما
شاء اللَّه أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء، ثم تكون جبرية تكون ما شاء اللَّه
أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة،
قال:
فقدم عمر يعنى ابن عبد العزيز، ومعه يزيد بن النعمان فكتبت إليه أذكره
الحديث، وكتبت إليه أني أرجو أن يكون أمير المؤمنين بعد الجبرية، فأخذ يزيد
الكتاب فأدخله على عمر فسرّ به وأعجبه.
وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق سعيد بن عامر قال: حدثنا أبو عامر صالح بن
رستم عن حميد بن هلال، عن عبد الرحمن بن قرط قال: دخلت المسجد فإذا حلقة
كأنما قطعت رءوسهم، وإذا فيهم رجل يحدث، فإذا حذيفة قال: كانوا يسألون رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير وكنت أساله عن الشر كيما أعرفه
فأتقيه، وعلمت أن الخير لا يفوتني، قال: فقلت: يا رسول اللَّه، هل بعد هذا
الخير من شر؟ قال: يا حذيفة تعلم كتاب اللَّه واعمل بما فيه، ثم قال: في
الثالثة: فتنه واختلاف، قلت: يا رسول اللَّه هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال:
يا حذيفة تعلّم كتاب اللَّه واعمل بما فيه قلت: يا رسول أبعد ذلك الشر من
خير؟
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 478، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8330) ، وقال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
(12/267)
قال: فتن على أبوابها دعاة إلى النار، فلأن
تموت وأنت عاض على جذل [شجرة] خير لك من أن تتبع أحدا منهم.
قال الحاكم [ (1) ] : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قال كاتبه: هو معنى ما خرجاه في الصحيحين وتلك أحسن سياقة وأتم.
وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا أبو عوانة عن
قتادة، عن نضر بن عاصم، عن سبيع بن خالد قال: خرجت إلى الكوفة زمن فتحت
تستر لأجلب منها بغالا، فدخلت المسجد، فإذا صدع من الرجال تعرف إذا رأيتهم
أنهم من رجال الحجاز، قال: قلت من هذا؟ قال: فحدثني القوم بأبصارهم وقالوا:
ما تعرف هذا؟ هذا حذيفة صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
فقال حذيفة: إن الناس كانوا يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن
الخير وكنت أسأله عن الشر.
قال: قلت يا رسول اللَّه! أرأيت هذا الخير الّذي أعطانا اللَّه يكون بعده
شر كما كان قبله؟ قال: نعم، قلت: يا رسول اللَّه فما العصمة من ذلك؟
قال: السيف، وقلت وهل للسيف من بقية؟ قال: نعم، قال: قلت: ثم ماذا؟
قال: ثم هدنة على دخن، قال: جماعة على فرقة، فإن كان للَّه عز وجل يومئذ
خليفة ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع، وإلا فمت وأنت عاضا بجذل شجرة، قال:
قلت: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال، ومعه نهر ونار، فمن وقع في ناره أجره وحط
وزره، ومن وقع في نهره، وجب وزره، وحط أجره، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم إنما هي
قيام الساعة.
وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق أبي داود الطيالسي قال حدثنا أبو عوانه عن
قتادة، عن نصر بن عاصم، عن سبيع بن خالد قال: خرجت إلى الكوفة زمن فتحت
تستر لأجلب منها بغالا فدخلت المسجد فإذا صدع من الرجال تعرف إذا رأيتهم
أنهم من رجال الحجاز، قال: قلت من هذا؟ قال: فحدقني القوم
__________
[ (1) ] في (الأصل) : هذا حديث حسن صحيح الإسناد، وما أثبتناه من
(المستدرك) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حيث رقم (8332) ، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : صحيح.
(12/268)
بأبصارهم وقالوا: ما تعرف هذا هذا حذيفة
صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
كان الناس سيألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله
عن الشر.
قال: قلت: يا رسول اللَّه! أرأيت هذا الخير الّذي أعطانا اللَّه يكون بعده
شر كما كان قبله؟ قال: نعم، قلت: يا رسول اللَّه فما العصمة من ذلك؟ قال:
السيف، وقلت: وهل للسيف من بقية؟ قال: نعم، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال:
ثم هدنة على دخن، قال: جماعة على فرقة، فإن كان للَّه عز وجل يومئذ خليفة
ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع، وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرة، قال: قلت:
ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال، ومعه نهر ونار، فمن وقع في ناره وحط وزره، ومن
وقع في نهره وجب وزره، وحط أجره، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم إنما هي قيام
الساعة.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث زيد بن أرطاة عن بعض إخوته عن أبي
الدرداء عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: كل شيء ينقص إلا الشر، فإنه
يزاد فيه.
واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
قال كاتبه: هو معنى ما خرجاه في الصحيحين وتلك أحسن سياقه وأتم.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 594، حديث رقم (26937) ، من حديث أبي الدرداء
عويمر.
(12/269)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بيزيد
بن معاوية [ (1) ] وإحداثه في الإسلام الأحداث العظام
فخرج الحاكم [ (2) ] من طريق مجاشع بن عمرو ومنصور بن عمارة قالا:
حدثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل قال حدثني عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي
__________
[ (1) ] هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، الخليفة، أبو
خالد، القرشيّ، الأموي، الدمشقيّ، أمه ميسون بنت بحدل الكلبية.
جعله أبوه ولىّ عهده، وأكره الناس على ذلك. له على هناته حسنة، وهي غزو
القسطنطينية، وكان أمير ذلك الجيش، وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه.
عقد له أبوه بولاية العهد من بعده، فتسلم الملك عند موت أبيه في رجب سنة
ستين، وله ثلاث وثلاثون سنة، فكانت دولته أقل من أربع سنين، ويزيد ممن لا
نسّبه ولا نحبّه، وله نظراء من خلفاء الدولتين، وكذلك في ملوك النواحي، بل
فيهم من هو شرّ منه، وإنما عظم الخطب لكونه ولى بعد وفاة النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم بتسع وأربعون سنة، والعهد قريب، والصحابة موجودون، كابن عمر رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما، الّذي كان أولى بالأمر منه، ومن أبيه، وجده.
قال الحسن البصري: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على
معاوية برفع المصاحف فحملت، ونال من القراء، فحكم الخوارج، فلا يزال هذا
التحكيم إلى يوم القيامة.
والمغيرة بن شعبة، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا
قرأت كتابي فأقبل معزولا، فأبطأ عنه، فلما ورد عليه قال: ما أبطأ بك؟ قال:
أمر كنت أوطئه وأهيئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أو قد
فعلت؟ قال: نعم، قال:
ارجع إلى عملك، فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في
غرز غيّ لا يزال فيه إلى يوم القيامة. قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء
لأبنائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة، توفى يزيد في نصف ربيع
الأول سنة أربع وستين.
(تهذيب سير الأعلام) : 1/ 128، ترجمة رقم (389) ، (تاريخ الخلفاء) : 164-
168 مختصرا.
(12/270)
اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن معاذ بن جبل
أخبره قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم متغير اللون فقال:
أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم، فإذا
ذهب بى فعليكم بكتاب اللَّه، أحلوا حلاله وحرموا حرامه، أتتكم الموتة،
أتكلم بالروح والراحة، كتاب من اللَّه سبق، أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم
كلما ذهب رسل جاء رسل تناسخت النبوة فصارت ملكا رحم اللَّه من أخذها بحقها
وخرج منها كما دخلها،
وذلك أن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أحد رءوس الكفر، جاء يزيد من قبل أبيه
فإن أباه معاوية، أمه هند بنت عتبة هذا، وقتله اللَّه يوم بدر، فهو يقول في
سفره أنه ينتفى من عتبة رأس الكفر إن لم يأخذ بثأره من أحمد رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم وينعق في شعره بأنه تشفى إذا أخذ بثأر عتبة لما قتل
الحسين ابن بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت قتلة الحسين إحدى
مصائب الإسلام التي انتهكت فيها بحرمات اللَّه.
ومن شنائع يزيد أنه لما جهز الجيش إلى المدينة مع مسلم بن عقبة المري قال:
خذها إليك أبا خبيب إنها كناصية الحصان الأشقر وادع إلهك في السماء فإنني
داع إليك رجال سمر وأشعر.
يريد بأبي خبيب عبد اللَّه بن الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-،
ويستخف بدعائه إلى اللَّه تعالى فإنه كان قد عاذ بالبيت الحرام. فكانت وقعة
الحرة [ (1) ] ، إحدى مصائب الإسلام الشنيعة ومضت جيوش يزيد بعدها من
المدينة
__________
[ () ] (2) لم أجده في (المستدرك) .
[ (1) ] قال يعقوب: حدثنا يحى بن عبد بن بكير، عن الليث بن سعد قال: كانت
وقعة الحرة يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين.
أخبرنا أبو الحسن بن الفضل، أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر، حدثنا يعقوب بن
سفيان، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير عن مغيرة، قال: أنهب مسرف بن عقبة
المدينة ثلاثة أيام، فزعم المغيرة أنه افتضّ فيها ألف عذراء.
ومسرف بن عقبة هو الّذي يقال له: مسلم بن عقبة، الّذي جاء في قتال أهل
الحرة، وإنما سماه مسرفا لإسرافه في القتل والظلم. (دلائل البيهقي) .
(12/271)
إلى مكة لمحاربه ابن الزبير بمكة وقد رميت
الكعبة بالمنجنيق واحترقت من شرارة هبت بها الريح.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن جبارا من جبابرة بني أمية يرعف على
منبره فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الصمد قال: حدثنا حماد قال حدثني على
بن زيد قال: أخبرنى من سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول:
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ليرعفن على منبري جبار من
جبابرة بني أمية، فيسيل رعافه.
قال: فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم حتى سال رعافه.
وعمرو هذا هو أبو أمية عمرو الأشدق بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن
عبد مناف الأموي القرشي أحد أشراف قريش، ولاه معاوية مكة ثم استعمله يزيد
بن معاوية على المدينة في رمضان سنة ستين فباشرها، وكان عظيم الكبر حتى
عزله في سنة إحدى وستين في ولايته، رعف على المنبر أول ما خطب، ثم شهد مع
مروان بن الحكم مرج راهط [ (2) ] وحرب مصر، فلما قام عبد الملك بن مروان
قتله في سنة سبعين أو قبلها، وقد ذكرته ذكرا شافيا في كتاب (التاريخ الكبير
المقفى) [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 330، حديث رقم (10385) من مسند أبي هريرة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] مرج راهط: بنواحي دمشق، وهو أشهر المروج في الشعر، فإذا قالوه
مفردا فإياه يعنون.
(معجم البلدان) : 5/ 118، موضع (11092) .
[ (3) ] ترجمته في (المقفى الكبير) : 2/ 272، 273، 276، 3/ 156، 279، 577،
580، 607، 615، 4/ 333، 457، 358، 613، 6/ 290.
(12/272)
ولما رعف وهو يخطب قال: أعرابي جاء بالدم،
وناوله إنسان عمامة فمسحه بها فقال أعرابي: عمّ الناس الدم، ثم ناوله إنسان
عصا ذات شعبتين فقال أعرابي: شعب بين الناس [ (1) ] .
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتمليك بني أمية
فخرج الإمام أحمد [ (2) ] والحاكم [ (3) ] من حديث حجاج بن محمد، حدثنا
شعبة عن أبي حمزة قال: سمعت حميد بن هلال يحدث عن عبد اللَّه بن مطرف، عن
أبي برزة الأسلمي، قال: كان أبغض الأحياء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وخرج الحاكم [ (4) ] من حديث أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي مؤذن المسجد
الحرام، قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن
أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم قال: إني رأيت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون
على
__________
[ (1) ]
وخرج الحاكم من حديث أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
إني رأيت في منامي كأن بنى الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو
القردة. قال: فما رئي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى توفى.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الحافظ الذهبي
في (التلخيص) : على شرط مسلم. كتاب الفتن والملاحم (المستدرك) :
4/ 527، حديث رقم (8481) .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 579، حديث رقم (19276) . من حديث أبي بردة
الأسلمي، ولفظه:
كان أبغض الناس- أو أبغض الأحياء- إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
ثقيف وبنو حنيفة.
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 528، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8482) وقال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (4) ] راجع التعليق رقم (1) .
(12/273)
منبري كما تنزو القرود، قال: فما رئي النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى توفى.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي داود الطيالسي حدثنا: القاسم بن الفضل
الحداني عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن عليّ رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما بعد ما بويع معاوية رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال:
سوّدت وجوه المؤمنين! قال: لا تؤنبنى رحمك اللَّه، فإن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم أرى بنو أمية على منبره فساءه ذلك، فزلت: إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ [ (2) ] يا محمد يعنى نهرا في الجنة، ونزلت إِنَّا
أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ
الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [ (3) ] تملكها
بعدك بنو أمية يا محمد، قال القاسم:
فعددناها فإذا هي ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والقاسم بن الفضل
الحداني هو ثقة، وثقه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ويوسف بن سعد
مجهول، ولا نعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه.
وقد خرج هذا الحديث البيهقي [ (4) ] من طريق أحمد بن زهير بن حرب حدثنا
موسى بن إسماعيل حدثنا القاسم بن الفضل الحدانى.
ومن طريق أبي داود يعنى الطيالسي حدثنا القاسم بن الفضل قال حدثنا يوسف بن
مازن الراسبي قال: قام رجل إلى الحسن بن علي فقال: يا مسوّد وجه المؤمنين!
فقال الحسن: لا تؤنبني رحمك اللَّه.
الحديث.
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 414، كتاب تفسير القرآن، باب (85) تفسير سورة
القدر، حديث رقم (3350) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] الكوثر: 1.
[ (3) ] القدر: 1- 3.
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 509- 510، باب ما جاء في رؤياه صلّى اللَّه
عليه وسلم في ملك بنى أمية.
(12/274)
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث بقية بن
الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد، عن أبي هريرة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إذا
بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد اللَّه خولا، ومال اللَّه نحلا، وكتاب
اللَّه دغلا.
وخرجه [ (2) ] من حديث بقية وعبد القدوس بن الحجاج قالا: حدثنا: أبو بكر
ابن أبي مريم عن راشد بن سعد عن أبي ذر قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يقول: إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد اللَّه خولا، ومال
اللَّه نحلا، وكتاب اللَّه دغلا.
قال أبو بكر بن أبي مريم: وحدثني عمار بن أبي عمار أنه سمع أبا هريرة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
[يقول] هلاك هذه الأمة على يدي أغيلمة من قريش.
[قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين] ، قال: ولهذا الحديث توابع
وشواهد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وصحابته والأئمة من التابعين،
لم يسعني إلا ذكرها، فذكرت بعض ما حضرني منها.
فذكر من طريق عبد الرزاق بن همام [ (3) ] قال: حدثني أبي عن مينا مولى عبد
الرحمن، عن عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان لا
يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فدعا له فأدخل
عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] الملعون.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 525- 526، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8475) ،
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على ضعف رواته منقطع.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8476) ، وما بين الحاصرتين زيادة
للسياق منه.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8477) ، وما بين الحاصرتين زيادة
للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : لا واللَّه، وميناء كذبه
أبو حاتم.
(12/275)
وذكر أيضا من طريق إسحاق بن يوسف [ (1) ] ،
حدثنا شريك بن عبد اللَّه، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن حلام بن جزل
الغفاريّ قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاريّ يقول: سمعت رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال
اللَّه دولا، وعباد اللَّه خولا ودين اللَّه دغلا، قال حلام: فأنكرت ذلك
على أبي ذر، فشهد عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنى سمعت
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت
الغبراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم قاله.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وشاهده حديث أبي سعيد الخدريّ،
فذكر عن طريق أبي صالح بن عمر [ (2) ] ، حدثنا مطرف بن طريف عن عطية عن أبي
سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا بلغ بنو أبي
العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين اللَّه دغلا، وعباد اللَّه خولا، ومال اللَّه
دولا.
قال وهكذا رواه الأعمش عن عطية، فذكره من طريق محمد بن حميد [ (3) ] حدثنا
جرير عن الأعمش، عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللَّه دولا،
ودين اللَّه دغلا، وعباد اللَّه خولا.
قال كاتبه: وقد خرج هذا الحديث من طريق أبي بكر بن أبي إدريس، قال: حدثني
سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو أبي
العاص أربعين رجلا اتخذوا دين اللَّه دغلا، وعباد اللَّه خولا، ومال اللَّه
دولا.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8478) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8479) ، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : ورواه محمد بن حميد عن جرير عن الأعمش عن عطية.
[ (3) ] (المرجع السابق) حديث رقم (8480) .
(12/276)
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث أمية بن خالد
عن شعبة، عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان: سنّة
أبي بكر وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر، سنّة كسرى وقيصر، قال مروان: هو
الّذي أنزل فيه وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما [ (2) ] الآية.
قال: فبلغ عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، فقالت كذب واللَّه ما هو
به، ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعن أبا مروان، ومروان في
صلبه، فمروان قصص من لعنة اللَّه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين.
وخرج من طريق مسلم بن إبراهيم [ (3) ] ، حدثنا: جعفر بن سليمان الضبعي،
حدثنا على بن الحكم البناني، عن أبي الحسن الجزري، عن عمرو ابن مرة
الجهنيّ، وكانت له صحبة، أن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم فعرف صوته وكلامه، فقال: ائذنوا له، عليه لعنة اللَّه،
وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم، وقليل ما هم، يشرفون في الدنيا،
ويوضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من
خلاق.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. [ولم يخرجاه] .
وخرجه البيهقي [ (4) ] من حديث مسلم بن إبراهيم، حدثنا سعيد بن زيد أخو
حمّاد بن يزيد، عن علي بن الحكم عن أبي الحسن، عن عمرو بن مرة،
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 528، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8483) ، وقال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : فيه انقطاع، محمد لم يسمع من عائشة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) ،
وفيه «هرقل وقيصر» .
[ (2) ] الأحقاف: 17.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8484) ، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : لا واللَّه، فأبو الحسن من المجاهيل، وما بين الحاصرتين زيادة
للسياق من (المستدرك) .
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 512، باب ما جاء في رؤياه صلّى اللَّه عليه
وسلم في ملك بنى أمية، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، ثم قال في آخره
قال الدارميّ: عبد اللَّه بن عبد الرحمن أبو الحسن هذا حمصىّ.
(12/277)
وكانت له صحبة، قال: جاء الحكم بن أبي
العاص يستأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فعرف كلامه، فقال:
ائذنوا له، حية أو ولد حية، فذكره بنحو منه.
قال الحاكم [ (1) ] : وشاهده، فذكر من حديث أحمد بن محمد بن الحجاج بن
رشدين، حدثنا إبراهيم بن منصور الخراساني حدثنا عبد الرحمن بن محمد
المحاربي، عن محمد بن سوقة، عن الشعبي، عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعن الحكم وولده.
قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد، وقال الحاكم [ (2) ] : ليعلم طالب العلم
أن هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روى، وأن أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم،
ولم يسعني فيما بيني وبين اللَّه تعالى أن أخلى الكتاب من ذكرهم.
وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث كامل بن طلحة، حدثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل
أن ابن موهب أخبره أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان، فدخل عليه مروان،
فكلمه في حاجته، فقال: اقض حاجتي يا أمير المؤمنين، فو اللَّه إن مئونتي
لعظيمة، وإني أبو عشرة، وعم عشرة، وأخو عشرة، فلما أدبر مروان وابن عباس
جالس [مع] [ (4) ] معاوية، على السرير،
قال معاوية: أنشدك اللَّه [ (5) ] يا ابن عباس [ (6) ] ألم تعلم أن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا
مال اللَّه بينهم دولا، وعباد اللَّه خولا، وكتاب اللَّه دغلا،
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 528- 529، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8485) ،
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : الرشدينى ضعفه ابن عدىّ، وما بين
الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 4/ 529.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 507- 508، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه
عليه وسلم بصفة بنى عبد الحكم بن أبي العاص، إذا كثروا، فكانوا كما أخبر.
[ (4) ] في (الأصل) : «عند» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (5) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «أشهد باللَّه» .
[ (6) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «أما تعلم» .
(12/278)
فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة كان
هلاكهم أسرع من لوك تمرة؟ فقال [ابن عباس] [ (1) ] : اللَّهمّ نعم [ (2) ]
.
وذكر مروان حاجة له، فرد مروان عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها،
فلما أدبر عبد الملك قال معاوية: أنشدك اللَّه يا ابن عباس! أما تعلم أن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذكر هذا؟ فقال: أبو الجبابرة الأربعة؟
فقال ابن عباس: اللَّهمّ نعم.
وخرج من حديث سفيان [ (3) ] عن على بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال:
رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بني أمية على منابرهم فساءه ذلك، فأوحى
اللَّه إليه إنما هي دنيا أعطوها، فقرت عينه، وهي قوله تعالى: وَما
جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (4)
] يعنى بلاء الناس.
وخرج الحاكم [ (5) ] من حديث الفرياني حدثنا سفيان عن أبي إسحاق، عن عمرو
ذي مر عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: وَأَحَلُّوا
قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال: هم الأفخران من قريش، بنو أمية، وبنو
المغيرة، فأما بنو المغيرة فقد قطع اللَّه دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية
فمتعوا حتى حين،
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] .
ولأبى بكر بن أبي شيبة [ (6) ] من حديث هوذة بن خليفة عن أبي خلدة عن عوف،
عن أبي العالية، عن أبي ذر، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية.
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (2) ] قال ابن كثير: فيه غرابة ونكارة شديدة.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 509، باب ما جاء في رؤياه ملك بنى أميه.
[ (4) ] الإسراء: 60
[ (5) ] (المستدرك) : 2/ 383، كتاب التفسير، تفسير سورة إبراهيم، حديث رقم
(3343) :
قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من
(المستدرك) .
[ (6) ] (المصنف) : 7/ 259، حديث رقم (35866) .
(12/279)
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام بالوليد
وذمّه له
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث بشر بن بكر، قال: حدثني الأوزاعي، قال حدثني
الزهري، قال: حدثني سعيد بن المسيب، قال: ولد لأخي أم سلمة من أمها غلام
فسموه [ (2) ] الوليد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تسمون
بأسماء فراعنتكم؟
غيروا اسمه، فسموه عبد اللَّه، فإنه سيكون في هذه الأمة رجل يقال له
الوليد، هو شر لأمتي من فرعون وقومه قال البيهقي: هذا مرسل حسن.
وخرجه الحافظ أبو نعيم [ (3) ] من حديث إسماعيل بن عياش، عن الأوزاعي بنحوه
وزاد، قال الأوزاعي: قلت له: أيّ الوليد هو؟ إن استحلف الوليد بن يزيد فهو
هو، وإلا فالوليد بن عبد الملك.
وقد خرجه الإمام أحمد [ (4) ] من حديث الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن
المسيب عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 505، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم برجل يكون في أمته يقال له:
الوليد صاحب ضرر، فكان كما أخبر.
[ (2) ] في (الأصل) : «فسمته» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ] أخرجه أيضا الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 271، باب
الإخبار عن الوليد بما فيه له من الوعيد الشديد، وإن صحّ فهو الوليد بن
يزيد، لا الوليد بن عبد الملك، ثم قال:
قال أبو عمرو الأوزاعي: فكان الناس يرون أنه الوليد بن عبد الملك ثم رأينا
أنه الوليد بن يزيد، لفتنة الناس به، حتى خرجوا عليه فقتلوه، وانفتحت على
الأمة الفتنة والهرج.
وقد رواه نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم به، وعنده قال الزهريّ: إن استخلف
الوليد ابن يزيد، فهو هو، وإلا فهو الوليد بن عبد الملك.
وقال نعيم بن حماد: حدثنا هشيم عن أبي حمزة عن الحسن، قال: قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: سيكون رجل اسمه الوليد، يسدّ به ركن من أركان جهنم
وزاوية من زواياها،
وهذا مرسل أيضا.
[ (4) ] (مسند أحمد) : 1/ 32، حديث رقم (110) ، من مسند عمر بن الخطاب رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(12/280)
وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث الأوزاعي عن
الزهري عن ابن المسيب.
عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه، [قال الحاكم:] وهو الوليد بن يزيد بلا شكّ ولا مرية.
وخرجه البيهقي [ (2) ] أيضا من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا أبو عمر
الأوزاعي بنحوه
وزاد في آخره: قال الأوزاعي: وكان الناس يرون أنه الوليد ابن عبد الملك بن
مروان ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد بن عبد الملك لفتنة الناس به حين خرجوا
عليه فقتلوه، ففتحت الفتن على الأمة والهرج.
قال كاتبه: كان الوليد بن عبد الملك بن مروان جبارا عنيدا قال: كنتم تسمون
الخلفاء ومن سماني قتلته، قال: فكف الناس عن تسمية الخلفاء، وسمعت عمر بن
عبد العزيز يقول في خطبته: يا ليتها كانت القاضية [ (3) ] ، فقال:
عليك وأراحتنا منك، وكان الوليد بن يزيد بن عبد الملك ماجنا، فاسقا، معلنا
بالفسق، واقع جارية، ثم دعي إلى الصلاة، فأمرها فخرجت متلثمة فصلت بالناس،
وأخذ القوس، ورمى المصحف، وخرقه، وقال: إذا لاقيت ربك يوم حشر فقل يا رب
خرقني الوليد [ (4) ] ويقال: إنه كان يقول مقالة التنويه.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 539، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8509) ، وما
بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على
شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 505- 506.
[ (3) ] الحاقة: 27.
[ (4) ] حياة الحيوان الكبرى) : 1/ 66- 67، خلافة الوليد بن يزيد بن عبد
الملك، قال الدميري:
فأقام في الخلافة سنة واحدة، ثم أجمع أهل دمشق على خلعه وقتله، لاشتهاره
بالمنكرات، وتظاهره بالكفر والزندقة. قال الحافظ ابن عساكر وغيره: انهمك
الوليد في شربه الخمر ولذاته، ورفض الآخرة وراء ظهره، وأقبل على القصف
واللهو، والتلذذ مع الندماء والمغنين، وكان يضرب بالعود، ويوقع بالطبل،
ويمشى بالدف، وكان قد انتهك محارم اللَّه تعالى، حتى قيل له: الفاسق.
(12/281)
وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى
خلافة عمر بن عبد العزيز رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عفان بن مسلم قال: حدثنا عثمان بن عبد الحميد
بن لاحق، عن جويرة بنت أسماء، عن نافع، قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن من ولدي رجلا بوجهه شين يلي، فيملأ الأرض
عدلا، قال نافع من قبله: لا أحسبه إلا عمر بن العزيز.
__________
[ () ] وكان أكمل بنى أمية أدبا، وفصاحة، وظرفا، وأعرفهم بالنحو واللغة
والحديث، وكان جوادا مفضالا. ومع ذلك لم يكن في بنى أمية أكثر إدمانا
للشراب والسماع، ولا أشدّ مجونا، وتهتكا، واستخفافا بأمر الأمة من الوليد
بن يزيد.
يقال: إنه واقع جارية له وهو سكران، وجاء المؤذنون يؤذنون بالصلاة، فحلف أن
لا يصلى بالناس إلا هي، فلبست ثيابه، وتنكرت، وصلت بالمسلمين، وهي جنب
سكرى.
ويقال: إنه اصطنع بركة من خمر، وكان إذا طرب ألقى نفسه فيها، وشرب منها،
حتى يبين النقص في أطرافها. وحكى الماوردي في كتاب (أدب الدين والدنيا) عنه
أنه تفاءل يوما في المصحف، فخرج له قوله تعالى: وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ
كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، [إبراهيم: 15] فمزق المصحف وأنشأ يقول:
أتوعد كلّ جبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر ... فقل: يا رب مزقني الوليد
فلم يلبث إلا أياما يسيرة حتى قتل شرّ قتله، وصلب رأسه على قصره، ثم على
أعلى سور بلده.
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 492، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم بالشر الّذي يكون بعد الخير الّذي يكون بعد ذلك، ثم بالشر الّذي يكون
بعده، وما يستدل به على إخباره بعمر بن عبد العزيز رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه. وإشارته إلى ما ظهر من عدله وإنصافه في ولايته.
وأخرجه الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 286، نقلا عن البيهقي
في (الدلائل) .
(12/282)
ومن طريق عثمان بن طالوت [ (1) ] ، قال:
أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا مبارك بن فضالة عن عبيد اللَّه بن عمر، عن
نافع، قال: كان ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول كثيرا: ليت شعرى!
من هذا الّذي من ولد عمر بن الخطاب في وجهه علامة يملأ الأرض عدلا؟ [فأمر
ابن أيوب بالحديث] .
ومن حديث عبد العزيز بن عبد اللَّه [ (2) ] بن أبي سلمة، قال: أخبرنا عبد
اللَّه بن دينار، قال: قال عمر: يا عجبا كيف يزعم الناس أن الدنيا لن تنقضي
حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر؟ قال: فكانوا يرونه بلال بن عبد
اللَّه بن عمر، قال: وكان بوجهه أثر قال: فلم يكن هو، وإذا هو عمر بن عبد
العزيز، وأمه ابنة عاصم بن الخطاب.
ومن طريق أصبغ بن الفرج، قال: أخبرنى عبد الرحمن بن القاسم، قال:
حدثني مالك عن سعيد بن المسيب أنه وجد نشطة، فقال لرجل: من الخلفاء؟
قال الرجل: أبو بكر، وعمر وعثمان، فقال سعيد: الخلفاء أبو بكر، والعمران،
فقال: أبو بكر، وعمر، قد عرفناهما فمن عمر الآخر؟ قال يوشك إن عشت أن
تعرفه، يريد عمر بن عبد العزيز، قال محمد بن أصبغ: الرجل عبد الرحمن بن
حرملة [ (3) ] .
قال البيهقي [ (4) ] : عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم عن مالك، عن عبد
الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، وابن المسيب مات قبل عمر بن عبد
العزيز بسنتين، ولا يقول إلا توقيفا.
وخرج أيضا من حديث ابن وهب [ (5) ] قال: حدثني أسامه بن زيد، عن عمر بن
أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: إنما ولى عمر بن عبد العزيز حتى
جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول اجعلوا هذا، كيف ترون
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) 6/ 493، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (4) ] (المرجع السابق) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (5) ] (المرجع السابق) .
(12/283)
في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله، يتذكر
من يضعه فيهم فلا يجده، فيرجع بماله، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس.
قال البيهقي [ (1) ] : وفي هذه الحكاية تصديق ما روينا في حديث عدي بن
حاتم، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من قوله: ولئن طالت بك حياة لترى
الرجل يخرج ملء كفه ذهبا أو فضة فيلتمس من يقبله ولا يجد أحدا يقبله.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأحوال وهب بن منبّه وغيلان القدري
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث هشام بن عمار، والهيثم بن خارجة، قالا:
حدثنا الوليد بن مسلم عن مروان بن سالم القرقساني، قال: حدثنا الأحوص بن
حكيم، عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه،
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكون في أمتي [رجل يقال له وهب
يهب اللَّه له الحكمة، ورجل يقال له غيلان، هو أضر على أمتي من إبليس] .
قال البيهقي: تفرد به مروان بن سالم الجزري وكان ضعيفا في الحديث.
قال كاتبه: هو مروان بن سالم بن عبد اللَّه البغدادي الشامي سكن قرقيسياء [
(3) ] من الجزيرة، وروى عن عبد الملك بن أبي سليمان والأعمش وابن
__________
[ (1) ] المرجع السابق) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 496، باب ما روي من إخباره بحال وهب بن منبه،
وغيلان القدريّ، إن صح هذا الحديث ولا أراه صحيحا، وما بين الحاصرتين زيادة
للسياق منه.
[ (3) ] قرقيسياء: بالفتح ثم سكون، وقاف أخرى، وياء ساكنة، وسين مكسورة،
وياء أخرى، وألف ممدودة، ويقال بياء واحدة.
قال حمزة الأصبهاني: قرقسياء معرب كركسيا، وهو مأخوذ من كركيس، واسم معرب
لأرسال الخيل، المسمى بالعربية بالحلبة، وكثيرا ما يجيء في الشعر مكسورا.
وهي بلد على نهر الهابور، وعندها مصب الخابور في الفرات، فهي مثلث بين
الخابور والفرات. وإليها فرّ زفر بن الحارث العامرىّ ثم الكلابيّ بعد وقعة
مرج راهط. (معجم البلدان) : 4/ 373، موضع رقم (9543) .
(12/284)
جريج وأبى حنيفة وجماعة، وروى عنه بقية
وعبد الصمد بن عبد الوارث وعبد المجيد بن أبي داود ونعيم بن حماد، وطائفة
البخاري: منكر الحديث، وقال أحمد: ليس بثقة، وقال النسائي متروك الحديث،
وقال: أبو حاتم: منكر الحديث جدا، وقال ابن عدي: ومروان هذا قريب من مروان
بن نهيك، وليس بالمعروف [ (1) ] .
وقال البيهقي [ (2) ] : وروى ذلك من وجه آخر أضعف من هذا، فذكره من حديث
أحمد بن العباس، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن
لهيعة عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال:
قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم
بالقدر.
قال البيهقي: وهذا إن صح، فيه إشارة إلى غيلان القدري، وما ظهر بالشام
بسببه من التكذيب بالقدر حتى قتل [ (3) ] .
قال كاتبه: وقد خرج ابن عساكر من حديث عبد بن حميد، حدثنا إسماعيل بن عبد
الكريم، حدثني الوليد بن مسلم، وعبد المجيد بن أبي داود، عن مروان بن سالم،
عن خالد بن معدان، عن عبادة، فذكره، ثم قال: وقد أسقط من إسناده الأحوص بن
حكيم، فذكره من طريق أحمد بن زهير ابن حرب ويعقوب بن كعب الأنطاكي، حدثنا
الوليد بن مسلم، عن مروان بن سالم، حدثنا الأحوض عن خالد عن عباده، فذكره
ثم قال: وروى من وجه آخر عن خالد بن معدان، فذكره من حديث حسان بن إبراهيم
بن يحيى بن زيان عن عبد اللَّه بن راشد، عن خالد بن معدان، عن عبادة،
فذكره. قال: ورواه عليّ ابن المديني عن حسان فزاد في إسناده رجلا غير مسمى
فأورد من حديث ابن المديني حسان بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن زيان أخبرنا عبد
اللَّه بن راشد، عن مولى لسعيد بن عبد الملك، قال: سمعت خالد بن معدان يحدث
عن عبادة، فذكره. قال: وروي من وجه آخر مرسلا، فأورده من طريق أبي الجهم
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (ميزان الاعتدال) : 4/ 90، ترجمة رقم (8425) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 496- 497.
[ (3) ] (المرجع السابق) .
(12/285)
أحمد بن الحسين بن طلاب حدثنا العباس بن
الوليد بن صبح الخلال، حدثنا مروان بن محمد، حدثنا محمد بن عبد اللَّه
الشعيتي، قال: كنت جالسا عند مكحول، قال: ومعه غيلان، قال: إذ أقبل شيخ من
أهل البصرة، قال:
فجلس إلى مكحول، قال: فسلم عليه ثم قال له مكحول: كيف سمعت الحسن يقول في
آية كذا أو كذا؟ فأخبره بشيء لم أحفظه، قال: ثم أقبل عليه ودع هذا عنك،
فغضب مكحول، وكان شديد الغضب، ثم قال له: ويلك يا غيلان إنه قد بلغني أن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: سيكون في أمتي رجل يقال له غيلان
هو أضرّ عليها من إبليس،
فإياك أن تكون هو! ثم قام وتركه.
قال المؤلف: فقد وجد لحديث مروان متابعات. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
(12/286)
وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى حال
محمد بن كعب القرظي [ (1) ]
فخرج البيهقي [ (2) ] وغيره من حديث ابن وهب قال: أخبرني أبو صخر، عن عبد
اللَّه بن مغيث بن أبي بردة الظفري، عن جده، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يقول: يخرج في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا
يدرسها أحد يكون من بعده.
ومن حديث يعقوب بن سفيان [ (3) ] حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا نافع ابن
يزيد، حدثنا أبو صخر، عن عبد اللَّه بن معتب أن معتب بن أبي بردة.
فذكره بإسناده نحوه.
ومن حديث ابن وهب [ (4) ] ، قال: حدثني عبد الجبار بن عمر عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في أحد
الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره، قال: وكانوا يرون أنه
محمد بن كعب القرظي [قال أبو ثابت: الكاهنان قريظة والنضير] ، قال البيهقي:
هذا مرسل، وروى من وجه آخر مرسلا، فذكره من طريق موسى ابن عقبة [ (5) ]
قال: بلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يخرج من الكاهنين
رجل أعلم الناس بكتاب اللَّه.
قال سفيان: يرون أنه محمد بن كعب القرظي [ (6) ] .
__________
[ (1) ] هو محمد بن كعب بن سليم القرظيّ المدنيّ، من أئمة التفسير، ثقة،
عالم، متبحر، وفاته سنة (108) ، وولادته قيل: في حياة رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم، ولم يصح، وقيل: أنه كان مجاب الدعوة، كبير القدر. له
ترجمة في: (التاريخ الكبير) : 1/ 216، (حلية الأولياء) : 3/ 212، (شذرات
الذهب) : 1/ 136.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 458، باب ما روى في إشارته إلى من يكون بعده
من قريظة يدرس القرآن.
[ (3) ] (المرجع السابق) .
[ (4) ] (المرجع السابق) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (5) ] (المرجع السابق) .
[ (6) ] (المرجع السابق) .
(12/287)
وقال عون بن عبد اللَّه: ما رأيت أحدا أعلم
بتأويل القرآن من محمد بن كعب القرظي.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بانخرام قرنه الّذي كان فيه على رأس
مائة سنة، فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج البخاري في كتاب العلم [ (1) ] ، في باب السمر بالعلم، من حديث الليث،
قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن شهاب، عن سالم وأبي بكر بن
سليمان، عن أبي حثمة.
وخرج في كتاب الصلاة [ (2) ] في باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء، من
حديث شعيب، عن الزهري، قال: حدثني سالم بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه، قال: صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته فلما
سلم قام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على
رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد.
فوهل الناس في مقالة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ما يتحدثون من هذه
الأحاديث على مائة سنة، وإنما
قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يبقى ممن هو اليوم عن ظهر الأرض.
يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن. هذا لفظ حديث شعيب. وانتهى ابن مسافر إلى
قوله: أحد [ (3) ] وقال فيه صلّى صلّى اللَّه عليه وسلم العشاء، وقال:
فإن رأس مائة سنة منها.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 281- 282، كتاب العلم، باب (41) السمر في العلم،
حديث رقم (116) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 2/ 93، كتاب مواقيت الصلاة، باب (40) السمر في
الفقه والخير بعد العشاء، حديث رقم (601) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : باب (20) ذكر العشاء والعتمة، ومن رآه واسعا،
حديث رقم (564) .
(12/288)
وخرج مسلم [ (1) ] في كتاب المناقب من حديث
عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر عن الزهري، قال أخبرنى سالم بن عبد اللَّه،
وأبو بكر بن سليمان، أن عبد اللَّه بن عمر، قال: صلى بنا رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال:
أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر
الأرض أحد
قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فيما
يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما
قال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد،
يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن.
وخرجه أبو داود [ (2) ] في كتاب الملاحم من حديث عبد الرزاق. وخرج مسلم [
(3) ] من حديث ابن جريح أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه
يقول:
سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر تسألونى عن الساعة
وإنما علمها عند اللَّه، وأقسم باللَّه ما على الأرض من نفس منفوسة يأتى
عليها مائة سنة.
ومن حديث معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي قال: حدثنا نضرة، عن جابر بن عبد
اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال ذلك وقبل موته بشهر أو نحو
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 323، كتاب فضائل الصحابة، باب (53)
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة
اليوم،
حديث رقم (2537) . قال الإمام النووي:
لكن قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك لما رجع من تبوك هذه الأحاديث،
وقد فسر بعضها بعضا، وفيها علم من أعلام النبوة، والمراد أن كل نفس منفوسة
كانت تلك الليلة على الأرض، لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة.. وليس فيه نفى
عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة، ومعنى نفس منفوسة أي مولودة.
وفيه احتراز من الملائكة، وقد احتج بهذه الأحاديث من شذ من المحدثين، فقال:
الخضر عليه السلام ميت! والجمهور على حياته، ويتألون هذه الأحاديث على أنه
أي الخضر كان على البحر لا على الأرض، أو أنها عام مخصوص. (شرح النووي) .
وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 4/ 516، كتاب الملاحم، باب (18) قيام الساعة،
حديث رقم (4348) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 324، كتاب فضائل الصحابة، باب (53)
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تأتى مائة سنة، وعلى الأرض نفس منفوسة،
حديث رقم (2538) .
(12/289)
ذلك: ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها
مائة سنة، وهي حية يومئذ [وعن عبد الرحمن صاحب السقاية عن جابر بن عبد
اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمثل ذلك،
وفسرها عبد الرحمن قال: نقص العمر] .
ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سليمان [ (1) ] بن حيان عن داود،
عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: لما رجع النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم من تبوك سألوه عن الساعة فقال: لا تأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس
منفوسة اليوم.
ومن حديث أبي عوانة، عن حصين، عن سالم، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال نبي
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة:
فقال سالم: تذاكرنا ذلك عنده إنما هي كل نفس مخلوقة يومئذ [ (2) ] .
وخرج مسلم [ (3) ] من حديث الجريريّ، قال: كنت أطوف مع الطفيل فقال لي: لم
يبق أحد ممن لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غيري.... الحديث.
قال البيهقي [ (4) ] وأبو الطفيل ولد عام أحد، ومات بعد المائة من الهجرة
وقيل من وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فيكون موته على رأس المائة من
إخباره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بما أخبر.
وقال الإمام أحمد [ (5) ] : حدثنا ثابت بن الوليد بن عبد اللَّه بن جميع
قال:
حدثني أبي قال: حدثنا أبو الطفيل، أدركت ثماني سنين من حياة رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، وولدت عام أحد.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (2539) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (202) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : كتاب الفضائل، باب (28) كان النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم أبيض، مليح الوجه، حديث رقم (98) ، عن الجريريّ، عن أبي الطفيل
قال: قلت له: أرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم كان أبيض
مليح الوجه. قال مسلم بن الحجاج: مات أبو الطفيل سنة مائة، وكان آخر من مات
من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 501، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم بانخرام قرنه الّذي كان فيه على رأس مائة سنة فكان كما أخبر.
(12/290)
وقال أبو عيسى الترمذي [ (1) ] : سمعت
الحسن بن على الحلواني يقول:
آخر من مات من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبو الطفيل، مات
بعد المائة. قال البيهقي: يريد بعد المائة من الهجرة.
قال كاتبه: ويؤيده أنه صلّى اللَّه عليه وسلم أراد بذلك انخرام قرنه الّذي
هو فيه، ما
خرجه البخاري [ (2) ] في كتاب الرقاق من حديث عبدة عن هشام، عن أبيه، عن
عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان رجال من الأعراب جفاة يأتون
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يسألونه متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم
فيقول إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم.
قال هشام: يعني موتهم.
وخرجه مسلم [ (3) ] في آخر كتاب الفتن من حديث أبي أسامه، عن هشام عن أبيه،
عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان الأعراب إذا قدموا على
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سألوه عن الساعة، متى الساعة؟ فنظر إلى
أحدث إنسان منهم فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم.
__________
[ () ] (5) (مسند أحمد) : 5/ 635، حديث رقم (23287) من حديث أبي الطفيل
عامر بن واثلة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (1) ] (دلائل البيهقي) 6/ 502.
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 439- 440، كتاب الرقاق، باب (42) سكرات الموت،
حديث رقم (6511) ، سكرات الموت بفتح المهملة والكاف: جمع سكرة، قال الراغب
وغيره:
السكر حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما تستعمل في الشراب المسكر، ومطلق
في الغضب، والعشق، والألم، والنعاس، والغشي الناشئ عن الألم، وهو المراد
هنا. قال تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ
يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ وأطلقت الساعة على ثلاثة أشياء:
الساعة الكبرى: وهي بعث الناس للمحاسبة، والوسطى: وهي موت أهل القرن الواحد
نحو ما
روى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم رأى عبد اللَّه بن أنيس فقال: إن يطل عمر
هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة،
فقيل: إنه آخر من مات من الصحابة. والصغرى: موت الإنسان، فساعة كل إنسان
موته. (فتح الباري) مختصرا.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 301- 302، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب
(27) قرب الساعة، حديث رقم (136) .
(12/291)
وخرجه من حديث يونس بن محمد [ (1) ] عن
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا سأل رسول صلّى اللَّه عليه وسلم
متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال له رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: إن يعش هذا الغلام لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة.
ومن طريق سليمان بن حرب [ (2) ] قال: حدثنا حماد يعنى ابن زيد حدثنا معبد
بن هلال العنزي عن أنس بن مالك، أن رجلا سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هنية
ثم نظر إلى غلام بين يديه من زد شنوءة، فقال: إن عمّر هذا لم يدركه الهرم
حتى تقوم الساعة.
قال أنس:
ذلك الغلام من أترابى يومئذ.
ومن حديث عفان بن مسلم [ (3) ] قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أنس قال: مر
غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقرانى فقال النبي: إن يؤخر هذا فلن يدركه
الهرم حتى تقوم الساعة.
وخرجه البخاري [ (4) ] في كتاب الأدب من حديث عمرو بن عاصم، قال:
حدثنا همام عن قتادة، عن أنس، أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم فقال:
يا رسول متى الساعة قائمة؟ قال: ويلك وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا
أنى أحب اللَّه ورسوله، قال: إنك مع من أحببت، فقلنا: ونحن كذلك؟
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (137) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (138) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (139) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 677، كتاب الأدب، باب (95) ما جاء في قول
الرجل: «ويلك» ، حديث رقم (6167) . ثم قال في آخره: واختصره شعبة عن قتادة:
«سمعت أنسا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ... » ، قال الحافظ: وصله مسلم
من رواية محمد بن جعفر عن شعبة، ولم يسق لفظه، بل أحال به على رواية سالم
بن أبي الجعد عن أنس، وساقها أحمد في (مسندة) ... فكأن مراد البخاري
بالاختصار ما زاده همام في آخر الحديث من قوله: «فقلنا: ونحن كذلك؟ قال:
نعم، ففرحنا يومئذ فرحا شديدا، فمرّ غلام إلخ» . (فتح الباري) مختصرا.
(12/292)
قال: نعم ففرحنا يومئذ فرحا شديدا، فمر
غلام للمغيرة- وكان من أقراني- فقال: إن أخّر هذا فلم يدركه الهرم حتى تقوم
الساعة.
قال المؤلف: ولم يبق بعد سنة مائة من الهجرة أحد رأى النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم.
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في إخباره بعمر سماه لغلام وهلاك آخر
أنذره سرعة هلاكه
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث حيوة بن شريح [بن يزيد الحضرميّ] [ (2) ] عن
إبراهيم بن محمد بن زياد عن أبيه، عن عبد اللَّه بن بسر، أن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم قال له: يعيش هذا الغلام قرنا، فعاش مائة سنة.
ومن طريق البخاري وأبى حاتم الرازيّ حدثني داود بن رشيد حدثنا أبو حيوة عن
إبراهيم بن محمد عن أبيه، عن عبد اللَّه بن بسر فذكره.
ومن طريق الواقدي حدثني شريح بن يزيد عن إبراهيم بن محمد بن زياد، عن أبيه،
عن عبد اللَّه بن بسر قال: وضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده على
رأسي فقال: هذا الغلام يعيش [قرنا فعاش] [ (2) ] مائة سنة.
قال الواقدي: يقول اللَّه عز وجل: وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [ (3)
] فكان بين نوح وآدم عشرة قرون، وبين إبراهيم ونوح عشرة قرون، فولد إبراهيم
عليه السلام على رأس ألفي سنة من خلق آدم [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 503، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم بعمر من سماه فعاش إليه، وبهلاك من ذكره فهلك سريعا كما قال. قال
البيهقي: زاد فيه غيره وكان في وجهه ثألول.
قال: لا يموت هذا حتى يذهب الثالول من وجهه، فلم يمت حتى ذهب الثالول من
وجهه. ثم قال: أنبأنيه أبو عبد اللَّه الحافظ إجازة أخبرنا الحسين بن أيوب،
حدثنا أبو حاتم الرازيّ، حدثنا داود بن رشيد، فذكره بإسناده وزيادته.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] الفرقان: 38.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 504.
(12/293)
ولابن مندة من طريق أحمد بن سليمان بن داود
بن حذلم، حدثنا موسى بن أبي عوف، حدثنا سلمة بن جواس، حدثنا محمد بن القاسم
الطائي، أن عبد اللَّه بن بسر كان معهم في قريته، فقال: هاجر أبي وأمي إلى
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مسح رأسي
بيده، وقال: ليعيش هذا الغلام قرنا، فقلت: بأبي وأمي يا رسول اللَّه! وكم
القرن؟ قال: مائة سنة،
قال عبد اللَّه: فلقد عشت خمسا وتسعين سنة وبقيت خمس سنين إلى أن أتم قول
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال محمد: فحسبنا بعد ذلك خمس سنين ثم
مات.
وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق إبراهيم بن محمد الشافعيّ قال: قرأت على داود
بن عبد الرحمن عن ابن أبي مليكة، عن حبيب بن سلمة الفهري أنه أتى النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بالمدينة ليراه، فأدركه أبوه، فقال: يا رسول
اللَّه، يدي ورجلي، فقال له: ارجع معه فإنه يوشك أن يهلك فهلك في تلك
السنة.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 504.
(12/294)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتملك
بنى العباس [ابن عبد المطلب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه]
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث حماد عن عطاء بن السائب قال: سمعت عبد الرحمن
بن العلاء الحضرميّ، قال: حدثني من سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول:
إنه سيكون في آخر هذه الأمة قوم لهم مثل أجر أولهم، يأمرون بالمعروف،
وينهون عن المنكر، يقاتلون أهل الفتن.
ومن حديث الوليد بن مسلم [ (2) ] ، قال: حدثني أبو عبد اللَّه، عن الوليد
بن هشام المعيطي، عن أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط، قال: قدم عبد
اللَّه بن عباس على معاوية، وأنا حاضر، فأجازه فأحسن جائزته، ثم قال: يا
أبا العباس، هل يكون لكم دولة؟ قال اعفنى يا أمير المؤمنين، قال:
لتخبرني، قال: نعم، قال: فمن أنصاركم؟ قال أهل خراسان، ولبني أمية من بنى
هاشم بطحات.
ومن طريق يعقوب بن سفيان [ (3) ] قال: حدثني إبراهيم بن أيوب حدثنا الوليد
حدثنا عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير
قال: سمعت عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ونحن نقول:
اثنى عشر أميرا، ثم لا أمير، واثنى عشر أميرا، ثم هي الساعة، فقال ابن
عباس: ما أحمقكم إن منا أهل البيت بعد ذلك المنصور والسفاح والمهدي، يدفعها
إلى عيسى ابن مريم.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 513، باب ما جاء في الإخبار عن ملك بنى
العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 513- 514.
(12/295)
ومن حديث أبي خيثمة [ (1) ] ، قال: حدثنا
ميسرة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال كنت عند ابن العباس،
فتذاكروا المهدي، فقال: يكون منا ثلاثة أهل البيت: سفاح، ومنصور، ومهديّ.
ومن حديث أبي عوانة [ (2) ] ، عن الأعمش، عن الضحاك، عن ابن عباس يرويه عن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: منا السفاح، والمنصور، والمهدي.
ومن حديث أحمد بن عبد الجبار [ (3) ] ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عطية
العوفيّ، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان،
وظهور من الفتن، يقال له: السفاح يكون عطاؤه حثيا
[ (4) ] .
ومن طريق عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن خالد الحذاء عن أبي قلابة، عن أبي
أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يقتتل عند
كنزكم هذا ثلاثة كلهم ولد خليفة، ولا يصير إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات
السود من خراسان، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة اللَّه
المهدي. وفي رواية: فإذا رأيتموهم فبايعوهم ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة
اللَّه المهدي.
قال البيهقي: تفرد به عبد الرزاق عن الثوري، وروى من وجه آخر عن أبي قلابة
وليس بالقوي، فذكره من حديث كثير بن يحيى، حدثنا شريك، عن عليّ بن زيد عن
أبي قلابة عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: إذا أقبلوا برايات سود من عقب خراسان فأتوها ولو حبوا فإن فيها خليفة
اللَّه المهدي.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 514.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 514 قال ابن كثير: موقوف ورواه البيهقي مرفوعا،
وهو ضعيف.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 514.
[ (4) ] قال ابن كثير: هذا الإسناد على شرط أهل السنن ولم يخرجوه.
(12/296)
ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء،
عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان موقوفا، قال: إذا رأيتم الرايات
السود خرجت من قبل خراسان فأتوها فإن فيها خليفة اللَّه المهدي [ (1) ] .
وخرجه الحاكم [ (2) ] بهذا السند موقوفا، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين.
وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن يوسف، حدثنا رشد بن رشدين ابن
سعد، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أبي هريرة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: تخرج رايات
سود من خراسان لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء.
قال البيهقي [ (4) ] : تفرد رشدين بن سعد [ (5) ] ، عن يونس بن يزيد، ويروى
قريب من هذا اللفظ عن كعب الأحبار، ولعله أشبه، فذكره من طريق يعقوب بن
سفيان، حدثنا محدث عن أبي المغيرة، عبد القدوس، عن ابن عياش عمن حدثه عن
كعب، قال: تظهر رايات سود لبني العباس حتى ينزلوا الشام ويقتل اللَّه على
أيديهم كل جبار وعدوّ لهم.
وروى في ذلك عن ابن عباس من قوله بإسناد ضعيف، فذكره من طريق أحمد بن
المظفر البكري [ (6) ] ، حدثنا ابن أبي خثيمة حدثنا يحيى بن معين،
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 547، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8531) ، وما
بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وهذا الحديث ساقط من (التلخيص) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 516.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 517.
[ (5) ] رشدين بن سعد المهريّ المصري، قال الإمام أحمد: لا يبالي عمن روى،
وقال ابن معين:
ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال الجوزجاني: عنده مناكر كثيرة، وقال
النسائي:
متروك، وقال ابن حبان: يقلب المناكير في أخباره على مستقيم حديثه. له ترجمة
في:
(الضعفاء الكبير للعقيليّ) ، (المجروحين لابن حبان) ، (الميزان للذهبي) .
[ (6) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 517.
(12/297)
حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن
أبي معبد، قال: قال ابن عباس: كما فتح اللَّه بأولنا أرجو أن يختمه بنا [
(1) ] .
ومن حديث ابن أبي أويس، عن محمد بن إسماعيل بن دينار أبي فديك عن محمد بن
عبد الرحمن العامري عن سهيل بن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه: فيكم النبوة والمملكة [ (2) ] .
قال البيهقي: تفرد به محمد بن عبد الرحمن العامري، عن سهيل وليس بالقوى.
ومن حديث عبد اللَّه بن أحمد، قال: حدثني يحيى بن معين حدثنا عبيد ابن أبي
قرة، حدثنا الليث بن سعد، عن أبي قبيل، عن أبي ميسرة، مولى العباس، قال:
سمعت العباس يقول: كنت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة فقال:
انظر هل ترى في السماء من شيء؟ قلت: نعم، قال: ما ترى؟ قلت: الثريا، فقال:
إنه يملك هذه الأمة بعددها من صلبك [ (3) ] .
قال ابن عدي: سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: عن عبيد بن قرة سمع الليث
بن سعد، بغدادي، لا يتابع في حديثه في قصة العباس.
ومن طريق الحافظ أبي أحمد بن عدي، قال: حدثنا محمد بن عبدة بن حرب، حدثنا
سويد بن سعيد، حدثنا حجاج بن تميم، عن ميمون بن مروان، عن ابن عباس رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: مررت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وإذا معه
جبريل عليه السلام، وأنا أظنه دحية الكلبي، فقال جبريل للنّبيّ صلّى اللَّه
عليه وسلم إنه لوسخ الثياب، وسيلبس ولده من بعده السواد، فقلت للنّبيّ صلّى
اللَّه عليه وسلم: مررت وكان معك
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ، وقال ابن كثير في (البداية والنهاية) : هذا
إسناد جيد، وهو موقوف على ابن عباس من كلامه.
[ (2) ] (المرجع السابق) ، وقال ابن كثير في (البداية والنهاية) : محمد بن
عبد الرحمن [العامري] :
ضعيف.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 518، قال البخاري: عبيد اللَّه بن أبي قرة لا
يتابع على حديثه في قصة العباس.
(12/298)
دحية، قال: فذكره، وذكر قصة ذهاب بصره
وردها عليه عند موته [ (1) ] . تفرد به حجاج بن تميم وليس بالقوى [ (2) ] .
وخرج الحافظ أبو نعيم [ (3) ] من حديث ابن وهب قال: حدثنا ابن لهيعة، قال
حدثني واهب بن عبد اللَّه المعافري، قال: سمعت عقبة بن عامر الجهنيّ، يقول:
رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخذ بيد عمه العباس، ثم قال: يا
عباس إنه لا تكون نبوة إلا كانت بعدها خلافه، وسيلي من ولدك في آخر الزمان
سبعة عشر:
منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي، وليس بمهدي، ومنهم الجموح،
ومنهم العاقب، ومنهم الراهن من ولدك، وويل لأمتي منه، كيف يعقدها ويهلكها،
ويذهب بأمرها.
ومن حديث محمد بن جابر عن الأعمش، عن أبي الوداك عن أبي سعيد، قال: سمعت
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: منا القائم، ومنا المنصور، ومنا
السفاح، ومنا المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمة دم.
وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، والمهدي
يملأها عدلا كما ملئت ظلما.
قال ابن جابر حسبت المنصور أبا جعفر، والسفاح المهدي.
قال أبو نعيم رواه الأعمش عن الضحاك عن ابن عباس نحوه، فذكره من حديث أبي
عوانة عن الأعمش عن الضحاك، عن ابن عباس نحوه.
ومن طريق حفص بن عبد اللَّه بن الشخير قال: دخلنا على إسحاق بن عيسى بن على
بن عبد اللَّه بن عباس داره، فحدثنا عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أقبل العباس يوما فنظر إليه رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم، ثم أقبل على أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
متبسما، فقال: هذا العباس، قد أقبل وعليه ثياب بياض، وسيلبس ولده من بعده
السواد، ويملك منهم اثنا عشر رجلا.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] (حجاج بن تميم: ذكره الذهبي في (الميزان) ، وقال: أحاديثه تدل على
أنه واه.
[ (3) ] راجع رأى المقريزي في هذه الأحاديث في آخر هذا الباب.
(12/299)
ومن حديث أحمد بن عمر بن يونس اليمامي،
قال: حدثنا محمد بن شروين الصفاتى، حدثنا عبد الرحمن بن مينا، عن أبيه، عن
عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: لن تذهب الدنيا حتى يملك من ولدك يا عم في آخر
الزمان عند انقطاع دولتهم، وهو الثامن عشر يكون معه فتنه عمياء صماء يقتل
من كل عشرة آلاف تسعه آلاف وتسعمائة، لا ينجو منها إلا اليسير، ويكون
قتالهم بموضع من العراق.
ومن حديث أحمد بن [راشد] بن خيثم، حدثنا عمى سعيد بن خيثم، عن حنظلة، عن
طاووس، عن ابن عباس، قال: حدثتني أم الفضل، قالت: مررت بالنبيّ صلّى اللَّه
عليه وسلم، فقال إنك حامل بغلام، فإذا ولدت فأتينى به، قالت:
يا رسول اللَّه، أنى ذلك؟ وقد تحالفت قريش أن لا يأتوا، النساء، قال: هو ما
أخبرتك، قالت: فلما ولدته أتيت به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأذن في
أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، والبأه [ (1) ] من ريقه، وسماه عبد
اللَّه، وقال: اذهبي بأبي الخلفاء، فأخبرت العباس وكان رجلا لباسا فلبس
ثيابه، ثم أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما بصر به قام، فقيل بين
عينيه ثم قال: هذا عمي، فمن شاء فليباهي بعمه، قال: قلت:
يا رسول اللَّه، أو بعض القول؟ قال: ولم لا؟ وأنت عمي وصنو أبي، قال ما شيء
أخبرتني به أم الفضل؟ قال: هو ما أخبرتك، وهذا أبو الخلفاء، يكون منهم
السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم [ (2)
] .
قال المصنف رحمه اللَّه: هذا الحديث ينادي على نفسه، أنه موضوع، وذلك لأنه
لا خلاف بين علماء الأخبار، ونقلة الحديث، وأهل الآثار، أن عبد اللَّه بن
عباس ولد بمكة، وأن الأذان إنما ابتدئ به بالمدينة، فكانت ولادة عبد اللَّه
في الشعب قبل خروج بنى هاشم منه، وذلك قبل الهجرة
__________
[ (1) ] ألبأه: أي صب ريقه في فمه كما يصب اللبأ في فم الصبي. واللبأ: أول
ما يحلب في الولادة.
[ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 550- 551، حديث رقم (487) . قال الذهبي في
(الميزان) هذا خبر باطل اختلقه بجهله أحمد بن راشد بن خيثم، وفي (الأصل) :
«أحمد بن رشيد» ، وصوبناه من (الميزان) .
(12/300)
بثلاث سنين وقيل: غير ذلك، والأذان إنما
أريه عبد اللَّه بن زيد بالمدينة بلا خلاف، وكان في السنة الأولى من
الهجرة، فكيف يمكن أن تكون ولادة عبد اللَّه بمكة قبل الهجرة؟ ويؤذن النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم في أذنه لما ولد، والأذان إنما كان بعد ولادته بأربع
سنين أو نحوها، واللَّه الموفق، وهكذا عامة أحاديثه لا تكاد تثبت صحتها عند
الانتقاد.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما نزل بأهل بيته من البلاء
فخرج الحاكم [ (1) ] من حديث نعيم بن حماد، حدثنا الوليد بن مسلم، عن أبي
رافع إسماعيل بن رافع، عن أبي نضرة، قال: قال: أبو سعيد الخدريّ رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن أهل بيتي
سيلقون من بعدي من أمتى قتلا وتشديدا، إن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو
المغيرة وبنو مخزوم
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن خالد بن عبد
اللَّه، قال: حدثني أبي عن يزيد بن زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد
اللَّه قال: بينما نحن نجلس عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، إذ
أقبل فتية من قريش فتغير لونه، فقلنا: ما لنا نرى في وجهك أمرا تكرهه؟ قال:
إنا أهل بيت اختار اللَّه لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي
بلاء وتطريدا وتشديدا، حتى يأتى قوم من هاهنا- وأومأ بيده نحو المشرق-
وأصحاب رايات سود، فيسألون الحق فلا يعطونه مرتين أو ثلاثا، فيقاتلون،
فيضربون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي،
فيملؤها عدلا، كما ملئت ظلما، فمن أدرك ذلك فليأتهم ولو حبوا على الثلج.
قال أبو نعيم: رواه على بن صالح ومحمد بن فضيل عن يزيد نحوه.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 534، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8500) ، وقال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : لا واللَّه! كيف؟ وإسماعيل متروك، ثم لم يصح
السند إليه.
(12/301)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بقيام
اثنى عشر خليفة وبظهور الجور والمنكرات فكان كما أخبرنا صلّى اللَّه عليه
وسلم
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث جرير، عن حصين، عن جابر بن سمرة قال:
سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول، ومن حديث خالد بن عبد اللَّه
الطحان، عن حصين، عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضى فيهم اثنا عشر
خليفة، قال: ثم تكلم بكلام خفىّ عليّ، قال: فقلت لأبي ما كان؟ قال: قال:
كلهم من قريش.
ومن حديث سفيان عن عبد الملك بن عمير [ (2) ] ، عن جابر بن سمرة، قال:
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال أمر الناس ماضيا ما
وليهم اثنا عشر رجلا، ثم تكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بكلمة خفيت
عليّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: كلهم
من قريش.
ومن حديث أبي عوانة عن سماك [ (3) ] ، عن جابر بن سمرة بهذا الحديث، ولم
يذكر: لا يزال أمر الناس ماضيا.
ومن حديث حماد بن سلمة عن سماك بن حرب [ (4) ] قال: سمعت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة، ثم قال
كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش.
وخرجه أيضا من حديث أبي معاوية عن داود [ (5) ] ، عن الشعبي، عن جابر بن
سمرة قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال الأمر عزيزا إلى اثني
عشر خليفة، قال: ثم تكلم بشيء لم أفهمه فقلت لأبى: فقال: كلهم من قريش.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 442، كتاب الإمارة، باب (1) الناس تبع
لقريش والخلافة في قريش، حديث رقم (5) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم.
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : حيث رقم (8) .
(12/302)
ومن حديث ابن عون عن الشعبي [ (1) ] ، عن
جابر بن سمرة قال: انطلقت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومعى أبي
فسمعته يقول لا يزال هذا [الدين] [ (2) ] عزيزا منيعا إلى اثنى عشر خليفة
فقال كلمة صمنيها [ (3) ] الناس فقلت لأبى: ما قال؟ قال:
كلهم من قريش.
قال البيهقي [ (4) ] : وليس في إثباته هذا العدد نفى الزيادة عليه، وقد
قيل:
أراد اثنى عشر أميرا كلهم يجتمع عليه الأمة، ثم يكون الهرج، واستدل لذلك
بما خرجه من
حديث مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن جابر بن سمرة
قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين
قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم يجتمع عليه الأمة، فسمعت كلاما
من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لم أفهمه، فقلت لأبى: ما يقول؟ قال: كلهم
من قريش.
وبما
رواه زهير بن معاوية [ (5) ] قال: حدثنا زياد بن خيثمة حدثنا الأسود بن
سعيد الهمدانيّ، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: لا تزال هذه الأمة مستقيم أمرها، ظاهرة على عدوها، أو على غيرها، حتى
يمضى منهم اثنا عشر خليفة، قال: فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم
يكون ماذا؟
قال: ثم يكون الهرج.
قال البيهقي [ (6) ] : ففي الرواية الأولى بيان العدد، وفي هذه الرواية
الثانية بيان المراد بالعدد، وفي الرواية الثالثة بيان وقوع الهرج وهو
القتل بعدهم،
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (9) .
[ (2) ] في (الأصل) : «الأمر» ، وما أثبتناه من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] صمنيها: هو بفتح الصاد وتشديد الميم المفتوحة، أي أصمونى عنها. فلم
أسمعها لكثرة الكلام، ووقع في بعض النسخ «صمنيها الناس» أي سكتونى عن
السؤال عنها.
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 519- 520، وأخرجه أبو داود في أول كتاب
المهدي،، والإمام أحمد في (مسندة) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : 520.
[ (6) ] (المرجع السابق) .
(12/303)
وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت
الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة، كما أخبر في
هذه الرواية، ثم ظهر ملك العباسيين كما أشار إليه في الباب قبله [وإنما] [
(1) ] يزيدون على العدد المذكور في الخبر إذا تركت الصفة المذكورة فيه. أو
وعدّ معهم من كان بعد الهرج المذكور فيه.
وقد قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من
الناس اثنان [ (2) ] .
فذكره من حديث عثمان بن سعيد الدارميّ، قال: حدثنا أبو الوليد، حدثنا عاصم
بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم،
وذكر حديث البخاري [ (3) ] من طريق الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن
معاوية، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم
أحد إلا كبه [ (4) ] اللَّه على وجهه ما أقاموا الدين،
قال: والمراد بإقامة الدين- واللَّه تبارك وتعالى أعلم- إقامة معالمه، وإن
كان بعضهم يتعاطى بعد ذلك ما لا يحل.
واستدل بحديث
الأوزاعي عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سيكون بعدي خلفاء يعملون
ما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون وسيكون بعدهم خلفاء يعلمون بما لا يعلمون،
ويفعلون ما لا يؤمرون،، فمن أنكر عليهم بريء، ومن أمسك يده سلم، ولكن من
رضى وبايع [ (5) ] .
__________
[ (1) ] في (الأصل) : «فإنما به، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 143، كتاب الأحكام، باب (2) الأمراء من قريش،
حديث رقم (7140) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7139) .
[ (4) ] في (الأصل) : «أكبه» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 521، وفيه: «من رضى وتابع» .
(12/304)
وبحديث
الإمام أحمد [ (1) ] قال: حدثني عبد الرزاق قال: [أخبرنا معمر عن عبد
اللَّه بن عثمان بن خثيم] ، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد اللَّه
قال: حدثنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يا كعب بن عجرة،
أعيذك باللَّه من إرادة السفهاء، قال: وما ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: أمراء
سيكونون من بعدي، من دخل عليهم فصدقهم بحديثهم وأعانهم على ظلمهم فليسوا
منى ولست منهم، وما يردوا على الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بحديثهم
ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منى وأنا منهم، وأولئك يردون على الحوض.
يا كعب بن عجرة، الصلاة قربان، والصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ
الماء النار، يا كعب بن عجرة، لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت، النار
أولى به، يا كعب بن عجرة، الناس غاديان: فغاد بائع نفسه وموبق رقبته، وغاد
مبتاع نفسه ومعتق رقبته.
وخرجه الحاكم [ (2) ] وقال: حديث صحيح الإسناد.
وبحديث الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: إنه ستكون بعدي أثره وأمور تكرهوها، فقالوا: فما يصنع من
أدرك منا
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 396- 397، حديث رقم (14860) من مسند جابر بن عبد
اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وما بين الحاصرتين تصويب للمسند من
(المسند) ، وباقي الحديث سياقه مضرب في (الأصل) ، وصوبناه من (المسند) .
[ (2) ] (المستدرك) : 3/ 456، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب كعب بن عجرة
الأنصاري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6030) ، ورواية الإمام
أحمد في (المسند) أتم.
وقد سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
وخرج الحاكم أيضا في كتاب الإيمان، حديث رقم (262) بنحوه مختصرا، وقال: هذا
حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وشاهده الحديث المشهور عن الشعبي، عن
كعب ابن عجرة مع الخلاف عليه فيه، وهذا الحديث رقم (263) وقال في آخره:
رواه مسعر بن كدام، وسفيان الثوري، عن أبي حصين، عن عاصم العدوي، عن كعب بن
عجرة. والحديث رقم (264) بنحوه أو قريب منه، وقال في آخره: وقد شهد جابر بن
عبد اللَّه قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هذا لكعب بن عجرة.
(12/305)
يا رسول اللَّه؟ قال: أدوا الحق الّذي
عليكم، وسلوا اللَّه الّذي لكم. وخرجاه في الصحيح [ (1) ] .
قال البيهقي [ (2) ] : وقد قيل إنه أراد اثنا عشر خليفة كلهم يعمل ثم
يكونون متفرقين في الأمراء، فمن عدل منهم وعمل بالهدى ودين الحق فهو من
جملة الاثني عشر، وقد قال أبو الجلد وكان ينظر في الكتب-: إن هذه الأمة لن
تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، فمنهم
رجلان من أهل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحدهما يعيش أربعين والآخر
ثلاثين سنة.
قال البيهقي [ (3) ] : معقول لكن من خوطب بما روينا عن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم في اثنى عشر خليفة، وفي بعض الروايات اثنى عشر أميرا، أنه أراد
خلفاء أو أمراء تكون لهم ولاية، وعدة، وقوة، وسلطة، والناس يطيعونهم وتجرى
أحكامهم عليهم، فأما أناس لم تقم لهم راية، ولم تجز لهم على الناس ولاية،
وإن كانوا
__________
[ (1) ] رواه الترمذي برقم (614) في الصلاة، باب ما ذكر في فضل الصلاة،
والنسائي 7/ 160 في البيعة، باب الوعيد لمن أعان أميرا على الظلم، وباب من
لم يعن أميرا على الظلم، من حديث عبيد اللَّه بن موسى، عن غالب بن نجيح
القطان، عن أيوب بن عائذ الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن كعب
بن عجرة.
وغالب بن نجيح القطان، لم يوثقه غير ابن حبان وباقي رجاله ثقات. وقال
الترمذي:
هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث عبيد اللَّه بن
موسى، قال:
وسألت محمدا- يعنى البخاري- عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث عبيد
اللَّه بن موسى واستغربه جدا، وقال محمد- يعنى البخاري-: حدثنا ابن نمير عن
عبيد اللَّه بن موسى، عن غالب بهذا.
وأورد المنذري في (الترغيب والترهيب) : 3/ 15 قطعة منه، ونسبه لابن حبان في
(صحيحه) ، وقد ورد هذا الحديث بإسناد آخر مختصرا، رواه الترمذي في الفتن من
طريق مسعر عن أبي حصين. عن الشعبيّ، عن عاصم العدوي، عن كعب بن عجرة، وقال:
صحيح غريب. فالحديث أقل أحواله أن يكون حسنا. (جامع الأصول) : 4/ 76 هامش.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 523.
[ (3) ] (المرجع السابق) : باختلاف يسير في بعض الألفاظ، والمعنى واحد.
(12/306)
يستحقون الإمارة بما كان لهم من حق
القرابة، والكفاية، فلا يتناولهم الخبر، ولا يجوز أن يكون المخبر بخلاف
الخبر. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
قال المؤلف- رحمه اللَّه-: يشير الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه اللَّه
بهذا إلى ما زعمته الفرقة الإمامية من فرق الرافضة [ (1) ] ، الأئمة اثنا
عشر، وهو مذهب محدث، ابتداء حدوثة بعد موسى بن جعفر الصادق.
خرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا مطرف عن أبي
الجهم مولى البراء، عن خالد بن وهبان، - أو وهبان- عن أبي ذر قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كيف أنت وأئمة من بعدي يستأثرون
بهذا الفيء؟ فقلت إذا والّذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي، ثم أضرب به
حتى ألقاك أو ألحق بك، قال: أولا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ تصبر حتى
تلقاني.
__________
[ (1) ] هؤلاء الإمامية المخالفة الزيدية والكيسانية والغلاة: خمس عشرة
فرقة: الكاملية، والمحمدية، والباقرية، والناووسية، والشميطية، والعمارية،
والإسماعيلية، والمباركية، والموسوية، والقطعية، والاثنا عشرية، والهاشمية،
والزرارية، واليونسية، والشيطانية. (الفرق بين الفرق) : 53، (مقالات
الإسلاميين) : 1/ 98، (الملل والنحل) : 1/ 162.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 228- 229، حديث رقم (21048) ، من حديث أبي ذر
الغفاريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(12/307)
وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم بأن
قريشا إذا أحدثت في دين اللَّه الأحداث سلط اللَّه عليها شرار خلقه فنزعوهم
من الملك ونزعوا الملك منهم حتى لم يبقوا لهم شيئا فكان كما أخبر، وصارت
العرب بعد الملك همجا ورعاعا لا يعبأ اللَّه بهم
فخرج البخاري من حديث شعيب عن الزهريّ قال: سمعت محمد بن مطعم يحدث أنه بلغ
معاوية وهم عنده في وفد من قريش- أن عبد اللَّه بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك
من قحطان فغضب فقام، فأثنى على اللَّه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه
بلغني أن رجالا منكم يحدثون بأحاديث ليست في كتاب اللَّه، ولا تؤثر عن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل
أهلها
فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن هذا الأمر في قريش
لا يعاديهم أحد إلا أكبه اللَّه في النار على وجهه ما أقاموا الدين. تابعه
أبو نعيم، عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير، ذكره في
أول كتاب الأحكام [ (1) ] ، وفي مناقب قريش [ (2) ] بهذا الإسناد وقال فيه:
إن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص.
وخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (3) ] من حديث أبي أسامة، عن عوف، عن زياد بن
مخراف، عن أبي موسى، قال: قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على باب
فيه نفر من قريش، وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: هل في البيت إلا قريش؟ قالوا:
يا رسول اللَّه، غير فلان ابن أختنا، فقال: ابن أخت القوم منهم، ثم قال إن
هذا
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 142- 143، كتاب الأحكام، باب (2) باب الأمراء
من قريش، حديث رقم (7139) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 661، كتاب المناقب، باب (2) مناقب قريش حديث
رقم (3500) .
[ (3) ] (المصنف) : 5/ 319، باب (181) من قال: ابن أخت القوم منهم، حديث
رقم (26473) ، (26474) ، (26475) بألفاظ متقاربة والمعنى قريب من (الأصل) .
(12/308)
الأمر في قريش، ما داموا، إذا ما استرحموا
رحموا، وإذا ما حكموا عدلوا، وإذا ما قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم
فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منهم صرف ولا عدل.
وخرج أيضا من حديث الفضل بن دكين، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن
الحارث بن القاسم، عن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي مسعود قال: قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لقريش: إن هذا الأمر لا يزال فيكم وأنتم
ولاته، ما لم تحدثوا، فإذا فعلتم ذلك سلط اللَّه عليكم شرار خلفه يلتحونكم
كما يلتحى القضيب [ (1) ] .
وخرجه الحاكم [ (2) ] من طريق الحسين بن حفص قال: حدثنا سفيان بن أبي ثابت،
عن القاسم بن الحارث، عن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي مسعود الأنصاري، قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر فيكم، وأنتم
ولاته ما لم تحدثوا أعمالا تنزعه، فإذا فعلتم ذلك سلط اللَّه عليكم شرار
خلفه، فالتحوكم كما يلتحى القضيب.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وخرج الإمام أحمد [ (3) ] من حديث هشام، عن قتادة، عن أبي الطفيل، قال:
انطلقت أنا وعمرو بن صليع حتى أتينا حذيفة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يقول إن هذا الحي من مضر لا تدع للَّه في الأرض عبدا
صالحا إلا فتنته وأهلكته، حتى يدركها اللَّه بجنود من عباده فيذلها حتى لا
تمنع ذنب تلعه.
وله عنده طرق.
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 548، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8534) ، وقال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 6/ 540، حديث رقم (22805) ، من حديث حذيفة بن اليمان
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(12/309)
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث محمد بن
المثنى قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن عبد اللَّه بن
بريدة، عن سلمان بن ربيعة قال:
انطلقت في نفر من أصحابى حتى قدمنا مكة، فطلبنا عبد اللَّه بن عمرو فلم
نوافقه، فإذا قريب من ثلاثمائة راحل، فرجعناه فلقيناه في المسجد، فإذا شيخ
عليه بردان قطريان، وعمامة ليس عليه قميص، فقال: ممن أنتم؟ قلنا: من أهل
العراق، قال: أنتم يا أهل العراق تكذبون وتكذبون وتسخرون، قلنا لا نكذب ولا
نكذب ولا نسخر، قال: كم بينكم وبين الأيلة [ (2) ] ؟ قلنا: أربعة فراسخ،
قال: يوشك بنو قنطوراء بن كركر أن يسوقكم من خراسان وسجستان سوقا عنيفا، ثم
يخرجون حتى يربطوا ويربطون خيولهم بنهر دجلة، قوم صغار الأعين خنس الأنوف،
كأن وجوههم المجان المطرقة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط
مسلم [ولم يخرجاه] .
وخرج أبو نعيم الحافظ والإمام أحمد والحاكم [ (3) ] وصححه من حديث موسى بن
إسماعيل وابن عائشة قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن يونس بن
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 547، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8532) وما
بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وهذا الحديث ساقط من (التلخيص) .
[ (2) ] الأبلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام. (معجم البلدان)
: 1/ 347، موضع رقم (1196) .
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 564، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8583) ، قال
الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص)
بل محمد بن زيد بن سنان واه كأبيه.
ولفظ الحاكم: «يوشك اللَّه أن يملأ أيديكم من العجم، ويجعلكم أسدا لا يفرون
فيضربون رقابكم ويأكلون فيئكم» .
وللإمام أحمد من حديث سمرة بن جندب، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: «يوشك أن يملأ اللَّه عز وجل أيديكم من العجم، ثم يكونون أسدا لا
يفرون، فيقتلون مقاتلتكم، ويأكلون فيئكم. حديث رقم (19615) ، وحديث (19734)
، (19735) ، (19736) كلهم من حديث سمرة بن جندب رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه.
(12/310)
عبيد، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يوشك اللَّه أن يملأ أيديكم من العجم
يجعلهم أسد لا يفرون، فيضربون رقابكم، ويأكلون فيئكم.
وخرج أيضا من حديث ابن أبي داود عن مروان بن سالم عن الأعمش، عن زيد بن وهب
وأبى وائل شقيق بن سلمة، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اتركوا الحبشة ما تركوكم
فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة [ (1) ] .
قال: أبو نعيم: رواه إبراهيم بن قتيبة، عن أبي داود فقال: زيد بن وهب عن
حذيفة.
وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعد بن إياس
الجريريّ، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه، قال: يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم درهم ولا قفيز، قالوا: مما ذاك
يا أبا عبد اللَّه؟ قال من قبل العجم يمنعون ذاك [ (3) ] . قال الحاكم: هذا
حديث صحيح على شرط مسلم.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 500، باب الفتن والملاحم، حديث رقم (8396) ،
ولفظه: «اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو
السويقتين من الحبشة» . وقال الحاكم:
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
صحيح، واتفق البخاري ومسلم على حديث أبي هريرة: «يخرب الكعبة ذو السويقتين»
.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 501، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8400) .
[ (3) ] هذا آخر الحديث في (الأصل) ، ثم زاد في (المستدرك) : «ثم سكت هنية،
ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجيء إليهم دينار ولا مدّ، قالوا: مم ذاك؟
قال: من قبل الروم يمنعون ذلك....» . وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة ...
وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
(12/311)
وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث بشير بن
بكر قال: حدثنا جابر قال:
حدثني أبو عبد [السلام] [ (2) ] عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال
قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء [ (3) ]
كغثاء السيل، ولينزعن اللَّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن اللَّه
في قلوبكم الوهن [ (4) ] ، فقال قائل:
يا رسول اللَّه وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.
وخرجه الإمام أحمد [ (5) ] من حديث عبد الصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه، عن
شبيل بن عوف، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بنحوه أو قريب منه.
وخرج البخاري [ (6) ] تعليقا من حديث سعيد بن عمر عن أبي هريرة قال: كيف
أنتم إذ لم تجيبوا دينار أو درهما؟ فقيل وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة؟.
قال: إي والّذي نفس أبي هريرة بيده، عن قول الصادق المصدوق صلّى اللَّه
عليه وسلم قال: عمّ ذاك؟ قال: تنتهك ذمة اللَّه وذمة رسوله، فيشدّ اللَّه
قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم.
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 483- 484، كتاب الملاحم، باب (5) في تداعي
الأمم على الإسلام، حديث رقم (4297) .
[ (2) ] في (الأصل) : «أبو عبد اللَّه» وصوبناه من (سنن أبي داود) ، وأبو
عبد السلام هذا هو صالح بن رستم الهاشمي، مولاهم الدمشقيّ، سئل عنه أبو
حاتم الرازيّ فقال: مجهول لا نعرفه.
[ (3) ] الغثاء- بضم الغين-: ما يحمله السيل من وسخ، شبههم به لقلة غنائهم.
[ (4) ] الوهن: الضعف، فاستعمله هنا في دواعيه وأسبابه.
[ (5) ] (مسند أحمد) : 4/ 375، حديث رقم (21891) ، من حديث ثوبان رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (6) ] (فتح الباري) : 6/ 344، كتاب الجزية والموادعة، باب (17) إثم من
عاهد ثم غدر، وقول اللَّه تعالى: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ
يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ [الأنفال:
56] حديث رقم (3180) .
(12/312)
وخرج مسلم [ (1) ] معنى هذا الحديث بلفظ
آخر، أوجب تفريقه وإلا فهو في المعنى متفق عليه، وهو الحادي والتسعون من
أفراد مسلم، وأوله: منعت العراق درهمها وقفيزها. قاله أبو نصر الحميدي.
وخرج مسلم من حديث زهير عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا
منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر
إردبّها، ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه [
(2) ] .
وخرج مسلم [ (3) ] من حديث الجريريّ عن أبي نضرة، قال: كنا عند جابر بن عبد
اللَّه فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا من أين
ذاك؟ قال من قبل العجم، يمنعون ذلك، قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى اليهم
دينار ولمدّ، قلنا من أين ذاك؟ قال من قبل الروم، ثم سكت هنية، ثم
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في آخر أمتى خليفة يحثي
المال حثيا، لا يعده عددا،
قال: قلت لأبي نضرة، وأبي العلاء: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا:
لا.
قال المؤلف رحمه اللَّه: هذا الحديث موقوف على جابر، ومثله لا يقال بالرأي،
فيحمل على أنه سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكذا رواية
الحاكم لهذا الحديث، فإنّها موقوفة أيضا على جابر، وقد منعت العجم جباية
خراج
__________
[ (1) ]
(مسلم بشرح النووي) : 8/ 237، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (8) لا تقوم
الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، حديث رقم (2896) ، ولفظه: «حدثنا
زهير عن سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها
ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث
بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه.
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 254- 255، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب
(18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء،
حديث رقم (2913) .
(12/313)
العراق، وتغلبوا عليه منذ عهد بني العباس،
لما خرجت الديلم سنة بضع وعشرين وثلاثمائة.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث أبي بكر بن داود عن أبي هريرة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه قال: أقبل سعد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما رآه
قال: إن في وجه سعد خيرا، قال: قتل كسرى: قال: يقول رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: لعن اللَّه كسرى إن أول الناس هلاكا العرب، ثم أهل فارس.
وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث عبد اللَّه حدثني أبي حدثنا موسى بن داود
قال حدثنا عبد اللَّه بن المؤمل: عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها قالت: «قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا عائشة أن
أول من يهلك من الناس قومك، قالت: قلت: جعلني اللَّه فداءك، ابني تيم؟ قال
لا، ولكن هذا الحي من قريش تستحليهم المنايا وتنفس عنهم أول الناس هلاكا،
قلت: فما بقاء الناس بعدهم؟ قال: هم صلب الناس فإذا هلكوا هلك الناس» .
ومن حديث إسحاق بن سعيد [ (3) ] عن أبيه عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يقول: يا عائشة قومك أسرع أمتي بي لحاقا،
قالت: فلما جلس، قلت: يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداءك لقد دخلت وأنت
تقول كلام ذعرني، قال: وما هو؟ قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقا،
قال:
نعم. قالت: ومم ذاك؟ قال: تستحليهم المنايا، وتنفس عليهم أمتهم، قالت:
فقلت: فكيف الناس بعد ذلك؟ - أو عند ذلك- قال: دبي يأكل شداده ضعافه
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 314، حديث رقم (10277) ، من مسند أبي هريرة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 109، حديث رقم (23936) من حديث السيدة عائشة
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 119، حديث رقم (23998) من حديث السيدة عائشة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها. وزاد في آخره: قال أبو عبد الرحمن: فسره رجل هو
الجنادب التي لم تنبت أجنحتها.
(12/314)
حتى تقوم عليهم الساعة،
قال أبو عبد الرحمن: فسره رجل هو الجنادب التي لم تنبت أجنحتها» .
قال المؤلف- رحمه اللَّه-: ويؤيد ذلك كله ما خرجه البخاري [ (1) ] في باب
أيام الجاهلية من آخر المناقب من حديث أبي عوانة عن بيان بن بشر أبي بشر عن
قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه على امرأة
من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال: ما لها لا تتكلم؟ قالوا:
حجت مصمته قال لها: تكلمي فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت
فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش،
قالت: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسئول، أنا أبو بكر، قالت: ما بقاؤنا على
هذا الأمر الصالح الّذي جاء اللَّه به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما
استقامت أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رءوس وأشراف
يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس.
وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن
طارق عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسرع قبائل العرب فناء قريش، أن تمر
المرأة بالنعل فتقول: هذا نعل قرشي.
قال المؤلف- رحمه اللَّه-: قد صدق اللَّه ورسوله فقد كان من بعد رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خلفاء قضوا بالهدى ودين الحق، ثم قامت خلفاء
خلطوا وبدلوا سنن الهدى، فسلط اللَّه عليهم أولا شيعة بنى العباس، وهم
العجم أهل خراسان، فاجتاحوا بنى أمية الذين بدلوا نعمه اللَّه كفرا،
واتخذوا دين اللَّه دغلا، ومال اللَّه دولا، وعبيد اللَّه خولا، حتى أفنوهم
إلا قليلا مشردين في أقطار الأرض، جزاء بما كسبوا، فلما ملك بنو العباس
عتوا وتجبروا وطغوا فسلط اللَّه تعالى عليهم مماليكهم الأتراك، فقتلوا
المتوكل جعفر بن محمد، ثم قتلوا المستعين
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 186- 187، كتاب مناقب الأنصار، (26) أيام
الجاهلية، حديث رقم (3834) .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 2/ 643، حديث رقم (8232) .
(12/315)
أحمد بن محمد، وتحكموا في الدولة، وتلاعبوا
بدين اللَّه، ثم بعث اللَّه على بني العباس الديلم بنو بويه، فتغلبوا على
البلاد وساموا الناس بعتوهم سوء العذاب، وتحكموا في بني العباس، تحكم
المالك في مماليكه، يقتلونهم ويسملون أعينهم، وأظهروا مع ذلك مذاهب رديئة،
حتى أخرج اللَّه الأتراك فبطشت السلجوقية بطش الجبابرة، وتحكمت تحكم
الفراعنة، إلى أن يأذن اللَّه بانقراض تحكم العرب، وأدال اللَّه العجم
عليها، فقتل عدو اللَّه جنكيزخان وأشياعه الناس، حتى محوهم من المشرق،
وأزالو كلمة الإسلام وشرائعه من تلك الجهات بأسرها، ثم قام حفيده عدو
اللَّه هولاكو، فشمل قتله عامة أهل بغداد، والجزيرة، ودمر المعتصم باللَّه
فلم يقم بعده قائم من قريش، وصار ممالك العالم شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا،
بأيدي العجم، ففي المشرق من حدود الصين إلى الجزيرة أشياع جنكيزخان، وفي
المغرب بأسره البرابر في الشمال، والروم ثم الفرنجة إلا قليلا مع بنى عثمان
وبنى فرمان، وهم أروام في مصر والشام، والحجاز، المماليك الأتراك، ثم
المماليك الحراكسة، وفي اليمن بنو على بن عمر بن رسول الأكراد إلا قليلا مع
الشريف الرضى صاحب صنعاء، والهند كله بأيدي العجم وأكثر الشمال بيد الفرنج،
ومعظم الجنوب بأيدي الحبشة وكلا الفريقين نصارى، يأسرون من المسلمين
ويعذبونهم أشد العذاب، فتحت أيديهم في الأسر، من المسلمين والمسلمات، عشرات
الألوف، ويمر بهم من أنواع البلاء ما لا يمكن وصفه، ومع ذلك فأن جميع قبائل
العرب، قيسها وتميمها، رعاع غوغاء لا يملكون دنيا، ولا يقيمون دينا، دأب
ملوك الأرض يقتلونهم ويأسرونهم، جزاء بما كسبت أيديهم، وما ربك بظلام
للعبيد، ولا يعترض بخلفاء مصر فإنّهم منذ أولهم الحاكم أحمد وإلى يومنا هذا
ليس لأحد منهم أمر ولا نهى ولا نفوذ كلمة، وإنما هو واحد من عرض الناس،
والسلاطين مع هذا تسجنهم وتنفيهم عن المدينة إلى الأطراف إذا تنكروا لهم،
قد رضي الخليفة منهم من دينهم ودنياهم أن يقال له أمير المؤمنين، وحكم
الملوك
(12/316)
الأقطار في رعاياهم، قد تساوى الناس في
معرفتهم، فلا حاجة بنا إلى وصفه وتبيينه، وللَّه در أبي دعبل وهب بن ربيعة
الجمحيّ [ (1) ] . حيث يقول:
تبيت النشاوى منت أمية ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها
وما أهلك الإسلام إلا قلة ... تأمّر نوماها ودام نعيمها
وصارت قناة الدين في كف ظالم ... إذا مال منها ظالم لا يقيمها
واللَّه الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب [ (2) ] .
__________
[ (1) ] هو وهب بن ربيعة الجمحيّ، من جميح، وكان شاعرا محسنا، وأكثر أشعاره
في عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأزرقي والي اليمن. (الشعر والشعراء) : 408.
[ (2) ] هذه العبارة في (الأصل) قبل الأبيات، وما أثبتناه أجود للسياق.
(12/317)
وأما إخباره عليه
الصلاة والسلام باتساع الدنيا على أمته حتى يلبسوا الذهب والحرير ويتنافسوا
فيها ويقتل بعضهم بعضا
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث سليمان بن حيان قال: حدثنا داود بن أبي هند
عن أبي حرب، عن أبي الأسود الدؤلي، عن طلحة البصري قال: قدمت المدينة
مهاجرا وكان الرجل إذا قدم المدينة فإن كان له عريف نزل عليه وإن لم يكن
عريف نزل الصفة فقدمتها وليس لي بها عريف فنزلت الصفة وكان رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم يرافق بين الرجلين ويقسم بينها مدا من تمر، فبينا
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم في صلاته إذا ناداه رجل فقال:
يا رسول اللَّه أحرق بطوننا التمر وتخرقت عنا الخنف قال: وإن رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم حمد اللَّه وأثنى عليه وذكر ما لقي من قومه ثم قال:
لقد رأيتني وصاحبي مكثنا بضع عشرة ليلة ما لنا طعام غير البرير- والبرير
تمر الأراك- حتى أتينا إخواننا من الأنصار فآسونا من طعامهم وكان جلّ
طعامهم التمر- والّذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز واللحم
لأطعمتكموه سيأتي عليكم زمان- أو من أدركه منكم يلبسون مثل أستار الكعبة
ويغدا ويراح عليكم بالجفان قالوا: يا رسول اللَّه أنحن يومئذ خير أو اليوم
قال: بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان، وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب
بعض.
ومن حديث سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن أبي موسى يحنس قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم
فارس والروم سلط بعضهم على بعض» ورواه أبو الربيع قال: حدثنا زيد بن
الحباب، عن
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 524، باب ما جاء في إخباره باتساع الدنيا على
أمته حتى يلبسوا أمثال أستار الكعبة ويغدا ويراح عليهم بالجفان ويتنافسوا
فيها حتى يضرب بعضهم رقاب بعض.
(12/318)
موسى بن عبيدة، حدثنا عبد اللَّه بن دينار،
عن ابن عمر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نحوه
[ (1) ] .
وخرجه الحافظ [ (2) ] أبو نعيم من حديث أبي معاوية الضرير، عن يحيى بن
سعيد، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا مشت أمتى المطيطاء،
وخدمتها أبناء الملوك، أبناء فارس والروم، سلط شرارهم على خيارهم.
ومن حديث بقية [ (3) ] ، عن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن
نفير، عن عوف بن مالك قال: «قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في
أصحابه فقال:
الفقر تخافون؟ أو تهمكم الدنيا؟ فإن اللَّه فاتح لكم أرض فارس والروم ويصب
عليكم الدنيا صبا حتى لا يزيغكم بعدي إن زعمتم إلا هي.»
__________
[ (1) ] وخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) 6/ 525 باب ما جاء في إخباره صلّى
اللَّه عليه وسلم باتساع الدنيا على أمته حتى يلبسوا أمثال أستار الكعبة
ويغدا ويراح عليهم بالجفان ويتنافسوا فيها حتى يضرب بعضهم رقاب بعض.
[ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 539، ما أخبر به صلّى اللَّه عليه وسلم من
الغيوب فتحقق ذلك على ما أخبر به في حياته وبعد موته، حديث رقم (466) .
وأخرجه أيضا الترمذي في (السنن) : 4/ 456، باب (74) بدون ترجمة، حديث رقم
(2261) ، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية عن يحيى بن
سعيد الأنصاري. والمطيطاء رواها ابن الأثير المطيطا، وذكر أنها بالمد
والقصر، وهي مشية فيها تبختر ومد اليدين.
وقد روى مالك بن أنس هذا الحديث عن يحيى بن سعيد مرسلا، ولم يذكر فيه عن
عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر. ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه لكنه قال في آخره: «سلط بعضهم على بعض» وقال
الهيثمي في (مجمع الزوائد) :
1/ 237: إسناده حسن.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (467) ، وأخرجه الطبراني وفي إسناده
بقية- انظر المنذري في الترغيب والترهيب 4/ 181- وهو بقية بن الوليد
الكلاعي، قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء.
(12/319)
ومن حديث الحرث [ (1) ] بن أبي أسامة حدثنا
معاوية بن عمرو حدثنا زائد، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن يزيد بن وهب، عن
أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم فقال: أكلتنا الضبع- يعنى السنة- فقال: أنا لغير الضبع أخوف
عليكم، أن تصب الدنيا على أمتي صبا، فليت أمتى لا يلبسون الذهب.
ومن حديث هشام عن عبيدة، عن ربيع، عن حذيفة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أكلتنا الضبع فقال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الدنيا ستفتح عليكم فيا ليت أمتي لا
تلبس الذهب.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بوقوع بأس أمته بينهم وأن السيف لا
يرتفع عنها بعد وضعه فيها فيهلك بعضها بعضا
فقد قال اللَّه تعالى: هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ
عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ
شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ
الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ [ (2) ] عذابا من فوقكم كالصواعق، وكما
أمطر على قوم لوط وأصحاب الفيل الحجارة. وأدخل على قوم نوح الطوفان، ومن
تحت أرجلكم كالزلازل، ونبع الماء المهلك، وكما خسف بقارون.
وقال السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير: من فوقكم أو من تحت أرجلكم، الرجم
والخسف، وقال ابن عباس: مِنْ فَوْقِكُمْ، ولاة الجور، أَوْ مِنْ تَحْتِ
أَرْجُلِكُمْ، سفلة السوء وخدمته. أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً أي يخلطكم
فرقا مختلفين على أهواء شتى، كل فرقة من مشايعة لأخرى، ومعنى انسياب خلطهم:
انتساب القتال بينهم، فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (468) .
[ (2) ] الأنعام: 65.
(12/320)
وقال ابن عباس ومجاهد: يبث فيكم الأهواء
المختلفة فتصيرون فرقا، وقيل: المعنى يقوى عدوكم حتى يخالطوكم وَيُذِيقَ
بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ البأس: الشدة من قبله، والإذاقة: الإنالة
والإصابة به.
وهذا إخبار يتضمن الوعيد، وقد اختلف فيه، فذهب الطبري إلى أنه خطاب للكفار،
وقال أبيّ وأبو العالية وجماعة: الآية خطاب للمؤمنين [ويؤيد قول من ذهب إلى
ذلك] ما
خرجه البخاري [ (1) ] في كتاب التوحيد، من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن
أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه زوى [لي] الأرض فرأيت
مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ملكها.
قال أبو داود: وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها فأعطيت الكنزين:
الأحمر والأبيض وأنى سألت ربي لأمتى أن لا يهلكها بسنة عامة ولا يسلط عليهم
عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 229، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (5)
هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، حديث رقم (19) ، وله من حديث ثوبان أن الكنزين:
الأحمر والأبيض، ثم ذكر نحو حديث أيوب عن أبي قلابة، وفي (الأصل) : البخاري
والصواب ما أثبتناه، أما زوى، فمعناه جمع، وهذا الحديث فيه معجزات ظاهرة
وقد وقعت كلها بحمد اللَّه كما أخبر به صلّى اللَّه عليه وسلم.
قال العلماء: المراد بالكنزين: الذهب والفضة، والمراد كنزي كسرى وقيصر ملكي
العراق والشام، فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي
المشرق والمغرب وهكذا وقع، وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى
المشرق والمغرب وصلوات اللَّه وسلامه على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم
الصادق الّذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. (شرح النووي) .
وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 450- 452، كتاب الفتن والملاحم، باب (1)
ذكر الفتن ودلائلها، حديث رقم (4252) .
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1304، كتاب الفتن، باب ما يكون من الفتن،
حديث رقم (3952) .
(12/321)
إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولا أهلكهم
بسنة عامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمعت
عليهم من بين أقطارها، أو قال: بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى
يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف
في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حنى تلحق قبائل من
أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتى الأوثان، وأنه سيكون في أمتي
كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال
طائفة من أمتي على الحق. قال أبو عيسى: «ظاهرين» ثم اتفقا «لا يضرهم من
خالفهم حتى يأتى أمر اللَّه» .
وخرجه الترمذي [ (1) ] إلى قوله: ويسبي بعضهم بعضا. وقال: هذا حديث حسن
صحيح.
وبهذا الإسناد أيضا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا وضع السيف
في أمتي لا يرفع عنها إلى يوم القيامة
وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] .
وبهذا الإسناد أيضا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة
حتى تلحق قبائل من أمتى بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان وإنه سيكون في أمتى
ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي [ (3) ] .
وسألت ربي أن لا تهلك أمتى بالغرق فأعطانيها، وسألت أن لا يجعل بأسهم بينهم
فمنعنيها.
وخرج الترمذي [ (4) ] من حديث الزهري، عن عبد اللَّه بن الحرث، عن عبد
اللَّه بن خباب بن الأرت، عن أبيه، قال: صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم صلاة
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 410، كتاب الفتن، باب (14) ما جاء في سؤال
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثة في أمته، حديث رقم (2176) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2202) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2219) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 409 حديث رقم (2175) ، باب (14) ما جاء في سؤال
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثا في أمته، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) 2/
1030، باب (9) ما يكون من الفتن، حديث رقم (3591) بسياقة أتم، وأخرجه
الإمام أحمد في (المسند) 6/ 613، حديث رقم (10277) ،
(12/322)
فأطالها، قالوا: يا رسول اللَّه صليت صلاة
لم تكن تصليها! قال: أجل إنها صلاة رغبة ورهبة، إني سألت اللَّه فيها
ثلاثا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بسنة
فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا
يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها.
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.
وخرج الدمشقيّ من حديث حماد بن سلمة، عن يونس وثابت وحميد وحبيب، عن الحسن،
عن خطاب بن عبد اللَّه، عن أبي موسي الأشعري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه،
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: بين يدي الساعة الهرج، قالوا:
يا رسول اللَّه! وما الهرج؟ قال: القتل، قالوا: أكثر مما يقتل؟
أن يقتل في العام الواحد أكثر من كذا ألفا، قال: إنه ليس يقتلكم المشركون
ولكن يقتل بعضكم بعضا، قالوا: ومعنا يومئذ عقولنا؟ قال: إنه ينتزع عقول
أكثر أهل ذلك [الزمان] ويخلصوا له من الناس، يحسب أكثرهم أنه على شيء
وليسوا على شيء.
قال أبو موسى: والّذي نفسي بيده ولا أجد لي ولكم وإن أدركنا إلا أن نخرج
منها كما دخلناها. لم يصب فيها دما ولا مالا.
ومن حديث بشر بن شعيب، عن أبيه، عن الزهري قال: أخبرنى عروة بن الزبير أن
كرز بن علقمة الخزاعي قال: بينا أنا جالس عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم جاءه رجل من أعراب نجد، قال: يا رسول اللَّه. هل للإسلام من منتهى؟
قال: نعم، أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد اللَّه بهم خيرا أو دخل
عليهم الإسلام، قال الأعرابي: ثم ماذا يا رسول اللَّه؟ قال: ثم تجمع الفتن
كأنها الظلل، قال الأعرابي: كلا يا رسول اللَّه، قال: والّذي نفس محمد بيده
لتعودن فيها أساود ضبا بضرب بعضهم رقاب بعض.
وخرجه الإمام أحمد من حديث الزهري.
__________
[ () ] وحديث رقم (12179) ، كلاهما من مسند أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه، 6/ 328، حديث رقم (21620) ، كلاهما من حديث معاذ بن جبل رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه وأخرجه النسائي في (السنن) 3/ 239- 240 باب (16)
إحياء الليل، حديث رقم (1637) .
(12/323)
وخرجه أبو نعيم [ (1) ] من طريق أبي داود
والحميدي وسعيد بن منصور، وأبي بكر بن أبي شيبة، كلهم من حديث سفيان بن
عيينة، حدثنا الزهري بنحوه
وزاد في آخره: قال الزهري: والأسود الحية إذا أراد أن ينهس ينتصب هكذا ورفع
الحميدي يده ثم انصبّ.
وخرج من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال:
أبو نعيم: رواه عقيل وابن يسار ومعاوية بن يحيى عن الزهري مثله، ورواه عبد
الواحد بن قيس عن عروة بن الزبير وأكثر من طريق يحيى وعبد اللَّه، قال:
حدثني عبد الواحد بن قيس، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: حدثني كرز الخزاعي
قال: أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال يا رسول اللَّه هل للإسلام
منتهى؟ قال: نعم، فمن أراد اللَّه به خيرا من العرب والعجم أدخله عليه، ثم
تقع الفتن كالظلل قال:
كلا واللَّه يا رسول اللَّه [قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] : بلى
والّذي نفسي بيده [ (2) ] لتعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض،
وأفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يتقى ربه ويدع الناس من شره [
(3) ] .
ومن حديث الوليد بن مسلم حدثنا بن جابر قال: حدثني سليمان بن حبيب عن كرز
الخزاعي أن أعرابيا قال: يا رسول اللَّه جاءنا اللَّه بهذا الإسلام فجعل له
من منتهى؟ قال: نعم، فمن يرد اللَّه قال: خيرا يدخله عليه، ثم ماذا يا رسول
اللَّه؟ قال: ثم تقع فتن كالظلل قال: كلا يا رسول اللَّه، قال: بلي، والّذي
نفسي بيده ثم تعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض، فخير الناس [ (4)
] يومئذ هو من يعتزل.
وخرج أيضا من حديث الدمشقيّ، قال: قال أبو اليمان بن شعيب عن الزهري، عن
أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن أم حبيبة أن
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 548، حديث رقم (481) ، وفيه: «إذا أراد أن ينهس
ارتفع» وما أثبتناه من (الأصل) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (482) .
[ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .
[ (4) ] في (أبي نعيم) : «وأفضل الناس»
(12/324)
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
أرأيت ما تلقى أمتى من بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقا من
اللَّه فسألته أن يوليني بشفاعة فيهم ففعل.
وخرجه أبو محمد بن أحمد بن حماد والدولابي من حديث محمد بن عوف بن سفيان
الطائي قال أبو اليمان: قال الزهري: قال أنس بن مالك: عن أم حبيبة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: أرأيت ما
تلقى أمتى من بعدي؟ سفك بعضهم دماء بعض فأحزنني وشق ذلك عليّ، وسبق ذلك من
اللَّه كما سبق الأمم قبلها فسألته أن يوليني الشفاعة فيهم يوم القيامة
ففعل.
وخرجه ابن موسى عن موسى بن عبيدة عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن أم سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: قد أريت ما تلقى أمتي من بعدي فأخرت لهم شفاعتي إلى يوم
القيامة.
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرنى عمرو بن الحرث،
عن سعيد بن هلال، عن أبان بن صالح، عن الشعبي، عن عون بن مالك الأشجعي قال:
[بينا] نحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك ورسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قبة من أدم إذ مررت فسمع صوتي فقال: «يا
عوف بن مالك ادخل» فقلت: يا رسول اللَّه أكلي أم بعضي؟ فقال: «بل كلك» قال:
فدخلت، فقال:
«يا عوف اعدد ستا بين يدي الساعة» فقلت: ما هن يا رسول اللَّه؟ قال: موت
رسول اللَّه» فبكى عوف، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «قل:
إحدى» قلت: إحدى، ثم قال: «وفتح بيت المقدس قل اثنتين» قلت اثنين، قال:
«وموت يكون في أمتى كعقاص الغنم، قل: ثلاث، «قلت: ثلاث، قال: وتفتح لهم
الدنيا حتى يعطى الرجل المائة فيسخطها، قل: أربع» وفتنه لا يبقى أحد من
المسلمين إلا دخلت عليه بيته قل خمس «قلت: خمس» وهدنة تكون بينكم وبين بنى
الأصفر يأتونكم على ثمانين غاية، كل غاية اثنا عشر ألفا ثم يغدرون بكم حتى
حمل امرأة» ،
فلما كان عام عمواس زعموا أن عوف بن مالك قال لمعاذ بن جبل: إن
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 469، كتاب الفتن والملاحم، باب (49) ، حديث رقم
(8303) ، وفي (الأصل) : «بهذا الإسناد» بدلا من: «بهذه السياقة» .
(12/325)
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لي:
اعدد ستا بين يدي الساعة فقد كان منهن الثلاث وبقي الثلاث فقال معاذ: إن
لهذا مدة ولكن خمس أظللنكم من أدرك منهن شيئا ثم استطاع أن يموت فليمت
[قبل] أن يظهر التلاعن على المنابر، ويعطى مال اللَّه على الكذب والبهتان،
وسفك الدماء بغير حق، وتقطع الأرحام، ويصح العبد لا يدرى أضال هو أم مهتد.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث وكيع حدثنا أبو جعفر عن الربيع، عن أبي
العالية، عن أبي بن كعب في قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ
يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ [ (2) ] الآية، قال من أربع
وكلهن رفع لا محالة مضت اثنتان بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
بخمس وعشرين سنة، فألبسوا شيعا، وذاق بعضهم بأس بعض، وبقيت هنا فقال: لا
محالة الحيف والرجم.
وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث أنس، عن الأعمش فإنّي برءوس خوارج فكلما مروا
عليه برأس، قال: إلى النار، فقال له عبد بن يزيد: أولا تدري، سمعت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: عذاب هذه الأمة جعل بأيديها في دنياها.
قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، إنما
أخرج مسلم وحده حديث طلحة بن يحيى، عن أبي بردة، عن أبي موسي: أمتى أمة
مرحومة.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 278، حديث رقم (1469) ، 3/ 309، حديث رقم (13903)
، 6/ 161 حديث رقم (20721)
[ (2) ] الأنعام: 65.
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 283، كتاب التوبة والإنابة، باب (40) حديث رقم
(7650) .
(12/326)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بظهور
المعادن فيكون فيها شرار الناس فكان كما أخبر
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عاصم بن يوسف، قال سعير بن الخمس، عن زيد بن
أسلم، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: أتى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم بقطعة من ذهب وكانت أول صدقة قد جاءت به بنو سليم من معدن
لهم فقالوا: يا رسول اللَّه هذه من معدن لنا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم: تكون معادن ويكون فيها شرار خلق اللَّه.
رواه محمد بن يوسف الفريابي قال: ذكر سفيان، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى
سليم، عن جده، قال أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشيء من فضة، من معدن
لنا فقال أما إنه ستظهر معادن وسيحضرها شرار الناس.
قال البيهقي: وهكذا رواه قبيصة بن عقبة، عن سفيان وقال أبو بكر بن أبي
شيبة، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن زيد بن أسلم عن رجل من بني سليم عن أبيه
أنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بفضة فقال هذا معدن لنا. فقال النبي:
إنها ستكون معادن يحضرها شرار الناس. قال البيهقي: هذا هو المحفوظ من حديث
زيد بن أسلم.
وخرجه [ (2) ] الإمام أحمد من حديث سفيان، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى
سليم، عن جده، أنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بفضة، فقال: هذه من
معدن لنا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ستكون معادن يحضرها شرار
الناس.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) 6/ 530- 531، باب ما جاء في إخباره بكون المعادن
وأنه يكون فيها من شرار خلق اللَّه عز وجل فكان كما أخبر.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 598، حديث رقم (23133) .
(12/327)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بمجيء
قوم بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات فكان
كما أخبر
فخرج مسلم [ (1) ] في آخر كتاب اللباس، وفي آخر كتاب بدء الخلق، من حديث
جرير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم
معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات
مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن
ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
وخرجه من حديث زيد بن حباب، حدثنا أفلح بن سعيد: حدثنا عبد اللَّه ابن رافع
مولى أم سلمة قال: سمعت أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 356- 357، باب (34) النساء الكاسيات
والعاريات المائلات المميلات، حديث رقم (2128) ، قال في (جامع الأصول) :
«كاسيات عاريات» المعنى: أنهن كاسيات من نعم اللَّه عز وجل، عاريات من
شكره. المعنى: أنهن يكشفن بعض أجسامهن، ويسدلن الخمر من ورائهن، فيكشفن
صدروهن، فهن كاسيات عاريات، إذ بعض ذلك مكشوف، وقيل هو أن تلبس ثيابا رقاقا
تصف ما تحتها فهن كاسيات في ظاهر الأمر، عاريات في الحقيقة.
«مائلات مميلات» مائلات، أي: زائغات عن طاعة اللَّه وعما يلزمهن من حفظ
الفروج، ومميلات يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن، وقيل: مائلات، أي:
يمتشطن المشطة الميلاء، وهي التي جاءت كراهيتها في بعض الحديث، وهي مشطة
البغايا، والمميلات:
اللاتي يمشطن غيرهن المشطة الميلاء، وقيل: مائلات إلى الشر، مميلات للرجال
إلى الفتنة.
«رءوسهن كأسنمة البخت» أراد تشبه رءوسهن بأسنمة البخت بما يكبرن رءوسهن به
من المقانع والخمر والعمائم، أو بصلة الشعور، وخرجه البيهقي في (الدلائل) :
6/ 532.
وأخرجه مسلم أيضا في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب (13) النار يدخلها
الجبارون والجنة بدخلها الضعفاء حديث رقم (52) .
(12/328)
يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوما في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون
في غضب اللَّه، ويروحون في سخط اللَّه
[ (1) ] .
ومن حديث أبي عامر العقدي قال أفلح بن سعيد قال: حدثني عبد اللَّه بن رافع
مولى أم سلمة، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن طالت
به مدة أوشكت أن ترى قوما يغدون في سخط اللَّه، ويروحون في لعنته في أيديهم
مثل أذناب البقر [ (2) ] .
وخرجه الحاكم في (المستدرك) [ (3) ] من حديث أبى عبد اللَّه محمد بن يعقوب
الشيباني، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي حدثنا مسدد من حديث بشر بن
المفضل حدثنا عبد اللَّه بن بجير حدثنا سيار بن سلامة عن أبي أمامة قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخرج في هذه الأمة في آخر الزمان
رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر يغدون في سخط اللَّه ويروحون في غضبه،
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وخرج من حديث ابن وهب قال: أخبرنى عبد اللَّه بن عياش القتباني عن أبيه، عن
عيسى بن هلال الصدفي عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما،
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: سيكون في هذه الأمة رجال يركبون
على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم ونساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن
كاسنمة البخت العجاف العنوهن فإنّهنّ ملعونات لو كانت وراءكم أمة من الأمم
لخدمهم كما خدمكم نساء الأمم السابقة.
فقلت لأبى: وما المياثر؟ قال سروجا عظاما.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 196، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب
(13) ، حديث رقم (53) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (54) .
[ (3) ] المرجع السابق: 4/ 483، كتاب الفتن، حديث رقم (8347) . وقال الحافظ
الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
(12/329)
قال سروح: قال الحاكم هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين [ (1) ] .
قال الحافظ أبو نعيم [ (2) ] النساء المذكورات في هذا الحديث قيل: إنهن
المغنيات بالعراق يتعممن بكارات كبار على رءوسهن ثم يتجلببن فوقهن.
وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أن بغداد تبنى ثم تخرب [ (3) ] فكان
كما أشار وأخبر صلّى اللَّه عليه وسلم
فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث عمار بن سيف، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان
المتعلج، عن جابر، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول تبنى
مدينة بين دجلة، ودجيل وقطربُّل، والصراة، تجبى إليها خزائن الأرض
وجبابرتها، لهى أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة [ (4)
] .
ومن حديث محمد بن جابر، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أبي جرير قال: قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تبنى مدينة بين دجلة، ودجيل، والصراة،
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 483، كتاب الفتن، حديث رقم (8346) . ثم قال: فقلت
لأبي: وما المياثر؟ قال: سروجا عظاما. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
عبد اللَّه بن عياش وإن كان قد احتج به مسلم فقد عافاه أبو داود والنسائي،
وقال أبو حاتم هو قريب من ابن لهيعة.
[ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 547، حديث رقم (480) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه)
في كتاب (الجنة وصفة نعيمها وأهلها) باب (13) النار يدخلها الجبارون،
والجنة يدخلها الضعفاء حديث رقم (2128) .
[ (3) ] ذكر الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) : 27/ 38 جميع أحاديث الباب
ثم أوردها تحت عنوان ذكر أحاديث رويت في السلب لبغداد والطعن على أهلها،
وبيان فسادها وعللها، وشرح أحوال رواتها وناقليها، فلتراجع هناك.
[ (4) ] (تاريخ بغداد) : 1/ 32.
(12/330)
وقطربُّل يجتمع فيها خزائن الأرض، يخسف بها
فلهى أسرع خسفا بأهلها من التيه في الأرض الصبخة والخوراة [ (1) ] .
ومن حديث إسماعيل، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ستبنى
مدائن بين نهرين من المشرق، وتحشر إليها خزائن الأرض وسروها، يسكنها أشر
خلق اللَّه وخبأت أمتى يخسف اللَّه بها [ (2) ] .
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن البصرة ومصير أمرها [ (3) ]
فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث محمد بن عبد اللَّه الخزاعي قال:
حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي
العاص يوم جمعة فجلسنا إليه فقال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول: والشام، تكون المسلمين بلدة أمصار ومقر بملتقى البحرين، ومقر
بالحيرة، ومصر، بالشام فيخرج للمسلمين ثلاث فزعات.
ومن حديث صالح المري عن المغيرة بن حبيب صهر مالك قال: قلت لمالك بن دينار:
يا أبا يحيى لو ذهبت بنا إلى بعض جزائر البحر كنا فيها حتى تسكن بأمر الناس
فقال: ما كنت بالذي أفعل.
حدثني الأحنف بن قيس، عن أبي ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إني لأعرف أرضا يقال لها: البصرة
أقوفها قبلة، وأكثر مساجد ومؤذنين، يدفع عنها من البلاء ما يدفع عن سائر
البلاد.
ومن حديث صالح المري عن سعيد الريعي، عن صالح عن مالك بن دينار، عن الأحنف
بن قيس، عن أبي ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم ذكر أهل الكوفة فذكر أنهم سينزل بهم بلايا عظام، وذكر أهل البصرة وذكر
أنهم أفضل من الأمصار.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 33.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 33، انظر (معجم البلدان) : 1/ 541 وما بعدها.
[ (3) ] راجع تعليقات الفصل السابق، وانظر (معجم البلدان) 1/ 510 وما
بعدها.
(12/331)
ومن حديث إسماعيل بن أبي إسماعيل قال:
حدثنا إسماعيل بن عياش، عن جرهم بن الحارث، عن العوام بن حوشب، عن سعيد بن
جهمان، عن أبي بكرة قال: ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن أرضا
تسمى البصرة أو البصيرة فنزلها أناس من المسلمين فبينما هم على ذلك إذا
جاءهم بنو قنطور حتى ينزلوا بين دحلمة ذي نخل فنتصرف الناس عن ذلك ثلاث فرق
فأما فرقة فتلحق بأصلها فتهلكها فتأخذ على نفسها وكفروا، وفرقة تقاتل قتالا
شديدا فيفتح اللَّه عليهم.
ومن حديث داود بن سعيد بن حيان، عن مسلم، عن أبي بكرة، عن أبيه قال: قال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن ناسا من أمتى ينزلون بغائط موته
البصرة عندهم نهر يقال له دجلة يكون لهم عليها جسر ويكون أهلها وتكون من
أنصار المهاجرين، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطور عراض الوجوه صفن
الأعين حتى ينزلوا على شاطئ البصرة فيضيق أهلها على ثلاث فذكر قتله.
ومن حديث عبد الرحمن بن أبي غياث قال الحرث بن سليمان الكوفي، عن سالم بن
أبي الجعد، قال: لما فرغ على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من
قتال أهل البصرة دخل المسجد فاستنزل حائط القبلة ثم أمر مناد ينادى: الصلاة
جامعة وبرئت الذمة من رجل يحلق.
(12/332)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما
يكون في هذه الأمة من الفجور وتناول المال الحرام والتسرع إلى القتل [ (1)
]
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث على بن عاصم، عن داود بن أبي هند، قال: نزلت
الجديلة جديلة قيس فسمعت شيخا أعمى يقال له، أبو عمر يقول:
سمعت أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ليأتين على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز أو
الفجور فمن أدرك ذلك الزمان منكم فليختر العجز على الفجور.
وخرجه أحمد [ (3) ] والحاكم [ (4) ] من حديث سفيان عن داود بن أبي هند قال:
أخبرني شيخ سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأتى على الناس زمان يخير الرجل فيه بين
العجز والفجور فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز على الفجور.
قال الحاكم [ (5) ] هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأن الشيخ الّذي لم
يسم سفيان الثوري عن داود بن أبي هند هو سعيد بن أبي جبيرة، رواه من حديث
عباد بن العوام، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن أبي جبيرة، عن أبي هريرة
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكره.
وخرج الحاكم [ (6) ] من حديث معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير
حدثه عن أبيه، عن كعب بن عياض رضي اللَّه تبارك وتعالى
__________
[ (1) ] هذا العنوان في (دلائل البيهقي) هكذا: باب ما جاء في إخباره بزمان
يخير الرجل فيه بين العجز والفجور وبزمان لا يبالي المرء بما أخذ المال
بحلال أو بحرام فكان كما أخبر.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 535.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 543 حديث رقم (7686) .
[ (4) ] (المستدرك) : 4/ 485 حديث رقم (8353) ، (كتاب الفتن) .
[ (5) ] (المستدرك) : 4/ 484- 485 حديث رقم (8352) (كتاب الفتن) .
[ (6) ] (المستدرك) : 4/ 354، (كتاب الرقاق) حديث رقم (7896) .
(12/333)
عنه قال سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم يقول «إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال»
قال: هذا حديث صحيح الإسناد.
وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن صالح قال: أخبرنى معاوية بن
صالح قال: حدثني أبو الزاهرية، عن كثير بن مرة عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليغشين أمتي من
بعدي فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسي مؤمنا
ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل.
قال [ (2) ] الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ومن حديث ابن أبي وهب قال أخبرني عمرو بن الحرث وابن لهيعة عن زيد أبي
حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «بين يدي الساعة فتن كقطع
الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا
يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل» .
وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث عمرو بن محمد بن منصور العدل، حدثنا عمر بن
حفص، حدثنا عاصم بن عليّ، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن النعمان بن
بشير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: صحبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم فسمعناه يقول: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح
الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام خلاقهم
فيها بعرض من الدنيا يسير» .
قال الحسن: واللَّه لقد رأيناهم صورا بلا عقول أجساما بلا أحلام فراش نار
وذبان طمع يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين يبيع أحدهم دينة بثمن العنز.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 4/ 485، (كتاب الفتن) حديث رقم (8354) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 4/ 485، (كتاب الفتن) حديث رقم (8355) .
[ (3) ] (المستدرك) : 3/ 611، كتاب (معرفة الصحابة) حديث رقم (6263) .
(12/334)
وخرجه أبو نعيم من حديث عاصم بن على قال:
المبارك بن فضالة عن الحسن، عن النعمان بن بشير قال: صحبنا رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم وسمعناه يقول: إن من بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل
المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا ويبيع أقوام
أخلاقهم في عرض أو بعرض من الدنيا [ (1) ] يسير،
ومن حديث [ (2) ] حفص بن عمر، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن النعمان بن
بشير أنه كتب إلى قيس بن سعد [أما بعد فإنكم إخواننا أسقافا وأما شهدنا ولم
يشهدوا وسمعنا ولم يسمعوا] وإني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول إن بين يديّ فتنا كقطع الدخان يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا
ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع الرجل دينه بثمن عرض.
قال الحسن: قد رأيناهم واللَّه.
وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة حدثنا يونس عن أبي هريرة رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ويل للعرب
من شر قد اقترب فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا،
يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على
الجمر أو قال:
على الشوك قال حسن في حديثه: [ (3) ] خبط الشوك.
ومن حديث شعبه عن محمد بن يعقوب سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قبيصة
أو قبيصة بن مسعود يقول: صلّى هذا الحي من محارب الصبح فلما صلوا قال شاب
منهم: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إنه سيفتح لكم مشارق
الأرض ومغاربها، وأن عمالها في النار إلا من اتقى اللَّه وأدى الأمانة [
(4) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6263) .
[ (3) ] (مسند أحمد) 3/ 97- 98، حديث رقم (8831) .
[ (4) ] (مسند الإمام أحمد) : 6/ 504- 505، حديث رقم (22599) .
(12/335)
وخرج [ (1) ] مسلم من حديث أبي حازم، عن
أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم والّذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتى على الناس يوم لا يدرى
القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج،
القاتل والمقتول في النار.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن حال بقعة من الأرض فظهر صدق ما أخبر
به
فخرج الحافظ أبو نعيم [ (2) ] من حديث الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن
مهندب، عن سفيان، عن عاصم بن عبيد اللَّه، عن عبيد مولى أبي، رهم، عن أبي
هريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نظر إلى بقعة من بقاع المدينة فقال:
رب يمين لا يصعد إلى اللَّه بهذه البقعة فرأيت فيها النخاسين بعد.
وخرجه الإمام أحمد [ (3) ] في (المسند) من حديث عبد الرحمن ولفظه:
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول رب يمين لا تصعد إلى اللَّه
بهذه البقعة فرأيت فيها النخاسين بعد.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 251- 252، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب
لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث
رقم (56) .
[ (2) ] راجع التعليق التالي:
[ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 585، حديث رقم (7963) .
(مسلم بشرح النووي) : 3/ 140- 141 كتاب الطهارة، باب (12) حديث رقم (39) ،
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 581 حديث رقم (7933) .
(12/336)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن قوم
يؤمنون به ولم يروه
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن جعفر قال: أخبرنا العلاء بن عبد
الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا
إن شاء اللَّه بكم لاحقون وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك
يا رسول اللَّه؟ قال:
أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من
أمتك يا رسول اللَّه؟ فقال: أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل
دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا بلى يا رسول اللَّه، قال: فإنّهم يأتون غرا
محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ألّا ليزادن رجال من حوضي كما يزاد
البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال أنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقا سحقا.
وخرج مسلم [ (2) ] من حديث عبد العزيز الدراوَرْديّ، حدثنا مالك، جميعا عن
العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار
قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون. بمثل حديث
إسماعيل بن جعفر غير أن حديث مالك: فليذادن رجال عن حوضي.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 140- 141، كتاب الطهارة، باب (12) ، حديث
رقم (39) .
[ (2) ] (راجع التعليق السابق) .
(12/337)
وأخرجه النسائي [ (1) ] من حديث مالك، عن
العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء
اللَّه بكم لاحقون، وددت أنى قد رأيت إخواننا، قالوا: يا رسول اللَّه،
ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم
على الحوض، قالوا: يا رسول اللَّه، كيف تعرف من يأتى بعدك من أمتك قال:
أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلين في خيل بهم دهم ألا يعرف خيله؟ قالوا:
بلى، قال: فإنّهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على
الحوض.
وذكر ابن عبد البر من حديث عمرو بن خالد حدثنا ابن لهيعة عن يزيد عن أبي
حبيب عن بكير بن عبد اللَّه بن الأشج، عن عبد الرحمن بن أبي عمر عن أبيه
قال: قلت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أرأيت من آمن بك ولم يرك؟
فقال: أولئك إخواننا معنا، طوبى لهم، طوبى لهم.
ومن حديث ابن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
وجاءه عمر فقال: يا عمر إني لمشتاق إلى إخواني، قال: عمر رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه: ألسنا بإخوانك يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكنكم أصحابي،
وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني.
هكذا أورده ابن عبد البر بغير إسناد.
وذكر من طريق موسى بن داود، عن همام، عن قتادة، عن أنس عن أبي أمامة أن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى سبع مرّات
لمن لم يرني وآمن بي. قال: ورواه أبو داود الطيالسي عن همام، عن قتادة به
مثله.
ومن مسند أبي داود الطيالسي، عن محمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم عن أبيه،
عن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم فقال: أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا؟ قلنا: الملائكة، قال: فحق
لهم بل غربتم، قلنا: الأنبياء، قال: حق لهم بل غربتم، ثم قال رسول اللَّه
__________
[ (1) ] (سنن النسائي) : 1/ 101- 102، كتاب الطهارة، باب (110) ، حلية
الوضوء حديث رقم (150) .
(12/338)
صلّى اللَّه عليه وسلم: أفضل الخلق إيمانا
قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني يجدون ورقا فيتعلمون فيه فهم أفضل
الخلق إيمانا.
وذكره ابن عبد البر من طريق زكريا بن يحيى الشامي، عن محمد بن المثنى بن
أبي عدي، عن ابن أبي حميد، عن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عمر ابن الخطاب رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول ائتوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا قلنا الملائكة....
وذكر الحديث كما تقدم.
قال المؤلف عفى اللَّه عنه وغفر ذنوبه:
وقد خرجه [ (1) ] الحاكم من حديث أبي عامر العقدي، حدثنا محمد بن أبي حميد،
عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت مع
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم «أتدرون أي أهل الإيمان أفضل إيمانا؟» قالوا: يا رسول اللَّه
الملائكة؟ قال: هم كذلك ويحق ذلك لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم اللَّه المنزلة
التي أنزلهم بها غيرهم، قالوا: يا رسول اللَّه فالأنبياء الذين أكرمهم
اللَّه تعالى بالنّبوّة والرسالة؟ قال: «هم كذلك ويحق لهم ذلك وما يمنعهم
وقد أنزلهم اللَّه المنزلة التي أنزلهم بها بل غيرهم» قال: قلنا فمن هم يا
رسول اللَّه؟ قال: «أقوام يأتون من بعدي في أصلاب الرجال فيؤمنون بي ولم
يروني ويجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان
إيمانا» ،
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وقال ابن عبد البر: [ (2) ] وذكر سنين عن خلف بن خليفة عن عطاء بن السائب
قال: قال ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لأصحابه يوما: أي الناس
أعجب إيمانا قالوا: الملائكة، قال: وكيف لا تؤمن الملائكة والأمر فوقهم
يرونه؟ قالوا: الأنبياء، قال: وكيف لا تؤمن الأنبياء والأمر منزل إليهم
غدوة وعشية؟ قال: فنحن؟ قال: وكيف لا تؤمنون وأنتم ترون من رسول اللَّه ما
ترون؟ ثم
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أعجب الناس إيمانا قوم يأتون
بعدي
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 96، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6993) . وقال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل محمد [بن أبي حميد] ضعفوه.
[ (2) ] (الاستيعاب) : 2/ 689، ترجمة رقم (1147) .
(12/339)
يؤمنون بي ولم يروني، أولئك إخواني حقا،
وكان سفيان بن عيينة يقول: تفسير هذا الحديث وما كان مثله بين في كتاب
اللَّه تعالى وهو قوله تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى
عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [ (1) ] .
قال ابن عبد البر: وروى مالك عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي
سعيد الخدريّ أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن أهل الجنة
ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري في الأفق من المشرق
أو المغرب لا يتفاضل بينهم، قيل: يا رسول اللَّه تلك منازل الأنبياء لا
يلقاها غيرهم؟ قال: بلى والّذي نفسي بيده، رجال آمنوا باللَّه وصدقوا
المرسلين [ (2) ] .
وروى فليح بن سليمان عن هلال بن على عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، عن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مثله،
وقال: محمد بن يحيى كلاما غير مرفوع وذكر من حديث قاسم بن أصبغ، عن أحمد بن
زهير، عن مروان بن عزوف، حدثنا عن مرزوق بن نافع، عن صالح بن حنز، عن أبي
جمعة قال: قلنا: يا رسول اللَّه هل أحد خير منا؟ قال: نعم قوم يكونون بعدكم
فيجدون كتابا بين لوحين يؤمنون بما فيه ويؤمنون بي ولم يروني [ (3) ] .
قال جامعه- رحمه اللَّه وعفى عنه-:
وقد خرج الحاكم [ (4) ] هذا الحديث من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب،
حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي بحمص، حدثنا عبد القدوس بن الحجاج،
حدثنا الأوزاعي، حدثنا أسيد ابن عبد الرحمن، حدثني صالح بن محمد، عن أبي
جمعة قال: تغدينا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن
الجراح، قال: فقلنا: يا رسول اللَّه أحد خير
__________
[ (1) ] آل عمران: 101.
[ (2) ] باقي هذا الحديث مطموس في الأصل.
[ (3) ] المرجع التالي مع اختلاف يسير في اللفظ.
[ (4) ] (المستدرك) : 4/ 95- 96، كتاب معرفة الصحابة حديث رقم (6992) .
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
(12/340)
منا معك أسلمنا معنا وجاهدنا معك؟ قال: نعم
قوم يكونون بعدكم يؤمنون بى ولم يرونى.
قال الحاكم [ (1) ] هذا حديث صحيح الإسناد.
قال ابن عبد البر: قد عارض قوم هذه الأحاديث بما
جاء عنه صلّى اللَّه عليه وسلم: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين
يلونهم،
وهو حديث حسن المخرج، جيد الأسانيد، وليس ذلك عندي بمعارض لأن
قوله: خير الناس قرني
ليس على عمومه، بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول، وقد جمع قرنه من
السابقين من المهاجرين والأنصار جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان، وأهل
الكبائر الذين أقام عليهم وعلى بعضهم الحد، ردّ وقال: أنتم ما تقولون في
الشارب والسارق والزاني
وقال صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحكم مثل أحد ذهبا
ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه.
وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ (2) ] قال: من فعل منكم
فعلها كان مثلها وقال ابن عباس رضي اللَّه عنه: في قوله تعالى: كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ثم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة
وشهدوا بدرا والحديبيّة وهذا كله يشهد أن خير قومه فضلاء أصحابه وقد قيل في
قول اللَّه- عز وجل-: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أمة
محمد صلّى اللَّه عليه وسلم يعنى الصالحين منهم وأهل الفضل وكنتم شهداء على
الناس يوم القيامة، قالوا: إنما صار أول هذه الأمة خير القرون لأنهم آمنوا
به حين كفر الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، وعزروه، ونصروه، وآووه وواسوه
بأموالهم وأنفسهم وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوه في الإسلام.
وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب مع قوله خير الناس قرني في قوته إنما
قيل: لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبروا على إيذائهم
وتمسكهم، وأن آخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة
ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والكبائر، كانوا عند ذلك أيضا
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] سورة آل عمران: 110.
(12/341)
غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الزمن، كما زكت
أعمال من قبلهم، ومما يشهد لهذا
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ
غريبا فطوبى للغرباء،
ويشهد له أيضا حديث أبي ثعلبة، ويشهد له
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره.
هذا حديث خرجه الإمام أحمد [ (2) ] من حديث رماد عن أبي عمرو عن الحسين عن
عمار بن ياسر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مثل أمتي مثل
المطر لا يدرى أوله خير أم آخره.
وقد ذكر البخاري- رحمه اللَّه- قال: محمد بن بشار بن أبي عدي عن حميد، عن
أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة على أحد
يقول في الأرض اللَّه
[ (3) ] . قال ابن عبد البر: فما ظنك بعبادة اللَّه وإظهار دينه في ذلك
الوقت ليس هو كالعاص على الجمر، لصبره على الذل والفاقة وإقامة الدين
والسنة.
وروينا أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد اللَّه
ابن عمر أن أكتب إليّ سيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها، فكتب إليه سالم أن
عملت بسيرة عمر، وأنت أفضل من عمر، لأن لا زمانك كزمان عمر، ولا رجالك
كرجال عمر. قال: وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب إليه بمثل قول
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 536، كتاب الإيمان باب (64) رفع الأمانة
والإيمان من بعض القلوب وعرض الفتن على القلوب حديث رقم (232) في (الأصل) :
«الدين» وما أثبتناه من سائر المراجع (سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 3/ 267،
حديث رقم (1273) ، وتمامه:
قيل: من هم يا رسول اللَّه؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، قال
الألباني: وهذا سند صحيح، رجاله ثقات، رجال الصحيح، غير محمد بن آدم
المصيصي وهو ثقة كما قال النسائي وغيره.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 5: 417، حديث رقم (18402) .
[ (3) ] (جامع الأصول) : 10/ 394، حديث رقم (7902) .
(12/342)
سالم وقد عدل عن بعض الجملة من العلماء
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] «خير الناس قرني
بقوله: خير الناس من طال عمره وحسن عمله» ،
قال: وهذه الأحاديث تقتضي مع مواثر [صحة] طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه
الأمة وآخرها، [والمقنع] في ذلك ما قدمنا ذكره من الإيمان والعمل الصالح في
الزمن الفاسد الّذي يرفع فيه من أهله العلم والدين، وبكثر الهرج والفسق،
ويذل المؤمن، ويعز الفاجر، ويعود الدين غريبا كما بدأ ويكون القائم فيه
بدينه كالقابض على الجمر فيستوي أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل
بدر والحديبيّة واللَّه يؤتى فضله من يشاء.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن أقصى أماني من جاء بعده من أمته أن
يروه فكان كما أخبر
فخرج البخاري من حديث شعيب عن أبي حمزه عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي
هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر حتى تقابلوا الترك صغار
الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة وتجدون خير الناس
أشدهم كراهة لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية
خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه
من أن يكون له مثل أهله وماله.
__________
[ (1) ] (إحياء علوم الدين) : 4/ 626، باب المجاهدة «حديث خير الناس من طال
عمره وحسن عمله، أخرجه الطبراني من حديث عبد اللَّه بن بشر وفيه بقية وهو
مدلس. وللترمذي من حديث أبي بكر «خير الناس من طال عمره وحسن عمله» وقال:
حسن صحيح.
(12/343)
وأخرجه أيضا من حديث صالح بن كيسان عن
الأعرج عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم بمثل حديث شعيب دون الزيادة مع تقديم وتأخير [ (1) ] .
وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم من حديث شعيب عن أبي جمرة، عن أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ليأتين
على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله.
__________
[ (1) ] (جامع الأصول) : 10/ 375- 376، الفصل الرابع في الفتن والاختلاف
أمام القيامة، حديث رقم (7870) ، وقال: قال سفيان: زاد فيه رواية «صغار
الأعين» ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة» .
وفي رواية قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تقاتلون بين يدي
الساعة قوما فعالهم الشعر، كان وجوههم المجان المطرقة، حمر الوجوه، صغار
الأعين، أخرجه البخاري ومسلم.
وللبخاريّ عن قيس بن أبى حازم قال: أتينا أبا هريرة، فقال: صحبت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث سنين، لم أكن في سنى أحرص على أن أعي
الحديث منهيّ فيهن، سمعته يقول: وقال هكذا بيده: بين يدي الساعة تقاتلون
قوما نعالهم الشعر، وهو هذا البارز
قال سفيان مرة: وهم أهل البارز ويعنى بأهل البارز فارس، كذا هو بلغتهم» .
وللبخاريّ أيضا: وزاد في آخره، وتجدون خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر،
حتى يقع فيه، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا
فقهوا، وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحبّ إليه من أن يكون له مثل أهله
وماله» .
وله أيضا: قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى
تقاتلون خوزا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين،
وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر
«ولمسلم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى
يقاتل المسلمون الترك، قوما وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون
في الشعر» .
وأخرج أبو داود الأولى والآخرة، وأخرج الترمذي الأولى، وأخرج [أبو داود]
والنسائي الآخرة، إلا أن أبا داود لم يذكر «يمشون في الشعر» [شرح الغريب] »
ذلف الأنوف» الذلف في الأنف- بالذال المعجمة- استواء في طرفه وليس بالغليظ
الكبير.
[ (2) ] (جامع الأصول) : 10/ 375- 377، حديث رقم (7870) .
(12/344)
وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث همام بن منبه،
عن أبي هريرة قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والّذي نفس محمد بيده
ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله
معهم.
قال أبو نصر الحميدي: تأولوه على أنه نعى مصيبة إليهم وعن فهم بما يحدث لهم
بعده من تمنى لقائه عند فقدهم ما كانوا يشاهدون من بركاته صلّى اللَّه عليه
وسلم.
وخرج مسلم [ (2) ] من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن
أبيه، حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: والّذي
نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني ثم لأن يراني أحب إليه من
أهله وماله
معهم قال أبو إسحاق: المعنى فيه عندي لأن يراني معهم أحب إليه من أهله
وماله وهو عندي يقدم ويؤخر.
وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أبي خالد الأجوري عن يحيى بن سعيد، عن
أبي صالح، عن رجل من بني أسد، عن أبي ذر رضي اللَّه عنه
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) 8/ 543، حديث رقم (6349) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 127، كتاب الفضائل، باب (39) فضل النظر
إليه صلّى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (142)
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم والّذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا
يراني ثم لأن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله وهو عندي مقدم ومؤخر،
هذا الّذي قال أبو إسحاق هو الّذي قاله القاضي عياض واقتصر عليه قال تقديره
لأن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله ثم لا يراني وكذا جاء في مسند سعيد
بن منصور ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله
وماله ثم لا يراني أي رؤيته إياي أفضل عنده وأخطر من أهله وماله. هذا كلام
القاضي والظاهر أن قوله في تقديم لأن يراني وتأخير من أهله لا يراني كما
قال وأما لفظة معهم فعلى ظاهرها وفي موضعها وتقدير الكلام يأتى على أحدكم
يوم لأن يراني فيه لحظة ثم لا يراني بعدها أحب إليه من أهله وماله جميعا
ومقصود الحديث حثهم على ملازمة مجالسة الكريم ومشاهدته حضرا وسفرا للتأدب
بآدابه، وتعلم الشرائع وحفظها ليبلغوها، وإعلامهم أنهم سيندمون على ما
فرطوا فيه من الزيادة من مشاهدته وملازمته.
(12/345)
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم إن من أشد أمتي حبا إليّ مؤمنين يأتون من بعدي يود أحدهم لو رآني أحب
إليه من أهله كأنه يراني.
وخرجه الإمام أحمد من حديث أبي صالح.
وخرجه الحاكم من حديث عبد اللَّه بن مسلمة، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد،
عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن ناسا من أمتى يأتون بعدي يود
أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله.
قال الحاكم هذا صحيح الإسناد.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتبليغ أصحابه ما سمعوا منه حديثهم من
بعده وخطبه من بعدهم فكان كما أخبر
فخرج أبو داود [ (1) ] من حديث جرير، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن عبد
اللَّه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع
منكم.
وخرجه الحرث عن أبي أسامة من حديث فضيل عن الأعمش به مثله.
وخرج أبو نعيم [ (2) ] من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ثابت بن
قيس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تسمعون ويسمع منكم ويسمع
ممن يسمع منكم.
وخرج الترمذي [ (3) ] من حديث أبي داود الطيالسي قال: عن سماك بن حرب قال:
سمعت عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود يتحدث عن أبيه قال:
سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: نضر اللَّه امرأ سمع منا شيئا
فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وبه رواه عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه.
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 68، كتاب العلم، باب (10) فضل نشر العلم، حديث
رقم (3659) .
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ] (جامع الأصول) : 8/ 18، حديث رقم (5849) .
(12/346)
قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: ووقع هذا
الحديث في سنن أبي داود الطيالسي، عن شعبة وحماد بن سلمة، عن سماك بن حرب
إلى آخره بمثله.
وروى غافر بن مجد الدوري، عن يحيى بن معين أن عبد الرحمن بن عبد اللَّه
وأخاه أبا عبيد لم يسمعا من أخيهم شيئا مما يحدث.
وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي داود عن شعبة أخبرني عمر بن سليمان عن
ولد عمر بن الخطاب قال: سمعت عبد الرحمن بن عثمان يحدث عن أبيه قال: خرج
زيد بن ثابت من عند مروان نصف النهار، قلنا ما بعث إليه في هذه الساعة إلا
لشيء فسألاه عنه، فقمنا فسألناه فقال: نعم، سألنا عن أشياء سمعناها من رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول: «نضر اللَّه امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه
إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه» .
وخرجه أبو داود [ (2) ] في باب نشر العلم من كتاب العلم من حديث يحيى عن
شعبة إلى آخره مثله.
وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن إسحاق، عن عبد السلام، عن
الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه: قال: سمعت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يقول: «نضر اللَّه عبدا سمع مقالتي هذه فحملها، فرب حامل
الفقه فيه غير فقيه، ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهم
صدر مسلم: إخلاص العمل للَّه- عز وجل-، ومناصحة أولى الأمر، ولزوم جماعة
المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (جامع الأصول) : 8/ 17، حديث رقم (5848) أخرجه الترمذي، وأخرج أبو
داود في (السنن) وحده قوله: (نضر اللَّه امرأ) دعاء له بالنضارة، وهي
النعمة والبهجة، يقال:
نضره اللَّه ونضره- مثقلا ومخففا- وأجودهما التخفيف.
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 68، كتاب العلم، باب (10) فضل نشر العلم، حديث
رقم (3660) ، قوله «نضر اللَّه» معناه: الدعاء له بالنضارة وهي النعمة
والبهجة، يقال:
(12/347)
وخرج الترمذي من حديث سفيان، عن عبد الملك
بن عمير، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه، عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم قال: نضّر اللَّه امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها،
فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهنّ قلب مسلم: إخلاص
العمل للَّه، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من
ورائهم [ (1) ] .
وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] والنسائي من حديث عبد اللَّه بن عون،
عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، ذكر أن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه- أو بزمامه- قال: أي
يوم هذا؟
فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه. قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى.
قال: فأى شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس بذي
الحجة؟ قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة
يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد
عسى أن يبلغ من هو أوعى منه.
__________
[ () ] بتخفيف الضاد وتثقيلها، وأجودهما: التخفيف وفي قوله «فرب حامل فقه
إلى من هو أفقه منه» دليل على كراهة اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهى في
الفقه، لأنه إذا فعل ذلك فقد قطع طريق الاستنباط والاستدلال لمعاني الكلام
من طريق التفهم، وفي ضمنه وجوب التفقه والحث على استنباط معاني الحديث
واستخراج المكنون من سره (معالم السنن) .
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 209، كتاب العلم، باب (9) حديث رقم (67) وفي هذا
الحديث من الفوائد الحث على تبليغ العلم، وجواز التحمل قبل كمال الأهلية،
وأن الفهم ليس شرطا في الأداء، وأنه قد يأتى في الآخرة من يكون الأهم ممن
تقدمه لكن بقلة، واستنبط ابن المنير من تعليل كون المتأخر أرجح نظرا من
المتقدم أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره. وفيه جواز القعود على ظهر
الدواب وهي وافقه إذا احتيج إلى ذلك، وحمل النهى الوارد في ذلك على ما إذا
كان لغير ضرورة وفيه الخطبة على موضع عال ليكون أبلغ في إسماعه للناس
ورؤيتهم إياه.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 181- 182، كتاب القسامة باب (9) حديث رقم
(30) .
(12/348)
قال: ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما،
وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا اللفظ لمسلم وهو أتم وزاد البخاري بعد
قوله: ليبلغ الشاهد الغائب:
فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه.
وقال النسائي [ (1) ] : فليدعه أن يبلغ الشاهد من هو أوعى له منه ولم يذكر
هو ولا البخاري قوله: ثم انكفأ إلى كبشين إلى آخره.
وذكره مسلم في كتاب الديات وذكره البخاري والنسائي في كتاب العلم وقال فيه
البخاري أي يوم هذا؟ وهكذا فسكتا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه وكذلك قال:
في التفسير ولم يقل فيه: قالوا: اللَّه ورسوله أعلم.
وأخرجاه من حديث أبي عامر العقدي عن قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين. ذكره
البخاري في كتاب الحج، وفي كتاب الفتن وأخرجاه من حديث أيوب، عن ابن سيرين
ذكره البخاري في الأضاحي، وذكره مسلم في الديات.
وخرجه البيهقي من حديث عباد بن العوام، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي
سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: مرحبا بوصية رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوصينا بكم.
وأما إنذاره عليه الصلاة والسلام بظهور
الاختلاف في أمته
فخرج أبو داود [ (2) ] من حديث صفوان، قال حدثني أزهر بن عبد اللَّه
الجرازى، عن أبي عامر الهوزني، عن معاوية بن أبي سفيان رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه أنه قام فقال: ألا إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قام
فينا فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة،
وأن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في
الجنة وهي الجماعة.
__________
[ (1) ] لم أجده في (المجتبى) ولعله في (الكبرى) .
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 5/ 4، كتاب السنة، باب (1) شرح السنة، حديث رقم
(4597) .
(12/349)
وأنه سيخرج في أمتي أقوام تجاري بهم
الأهواء كما يتجاري الكلب لصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله.
وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي
سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم قال: تفرقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة،
والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتى على ثلاثة وسبعين فرقة.
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح [ (2) ] .
وخرج من حديث سفيان [الثوري] عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن عبد اللَّه
بن يزيد، عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو
النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع
ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث
وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول اللَّه؟
قال: ما أنا عليه وأصحابى [ (3) ] .
قال: أبو عيسى هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه.
قال الترمذي: الإفريقي ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان
وغيره. قال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي.
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 25، كتاب الإيمان، باب (18) ما جاء في افتراق
هذه الأمة، حديث رقم (2640) .
[ (2) ] ثم قال: وفي الباب عن سعد وعبد اللَّه بن عمرو، وعوف بن مالك.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2641) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) :
1/ 16، المقدمة، باب (6) اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، حديث رقم
(2642) ، (2643) بسياقه أتم. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 109،
حديث رقم (16692) ، (16694) ، (16695) ، ثلاثتهم من حديث العرباض بن سارية
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
(12/350)
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث نعيم بن حماد،
عن عيسى بن يونس عن جرير بن عثمان، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن
أبيه، عن عوف بن مالك عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: تفترق أمتى على
بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنه على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحلون
الحرام، ويحرمون الحلال.
وخرج البيهقي [ (2) ] من حديث بقية عن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن
عبد الرحمن بن أبي عمر السلمي، عن العرباض بن سارية. أن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم وعظهم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها
العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: يا رسول اللَّه هذه موعظة مودع فما
تعهد إلينا؟ فقال:
أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم
فسيرى اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة، فمن أدرك ذلك
منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين [من بعدي، عضوا عليها
بالنواجذ] [ (3) ] . حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان.
قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: خرج أبو داود [ (4) ] هذا الحديث، قال:
حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد، قال: حدثني
خالد بن معدان، قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر، قالا:
أتينا العرباض بن سارية، وهو ممن نزل فيه: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما
أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [ (5)
] فسلمنا، وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: صلّى بنا
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة
بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 631، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عوف بن مالك
الأشجعي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6325) ، وقد سكت عنه
الذهبي في (التلخيص) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 541، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه
وسلم بظهور الاختلاف في أمته، وإشارته عليهم بملازمة سنته وسنة الخلفاء
الراشدين من أمته.
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] (سنن أبي داود) : 5/ 13- 15، كتاب السنة باب (6) في لزوم السنة،
حديث رقم (4607) .
[ (5) ] التوبة: 92.
(12/351)
القلوب فقال قائل: يا رسول اللَّه كأن هذه
موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟
قال: أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا [ (1) ] ، فإنه
من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين
الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ [ (2) ] ، وإياكم ومحدثات
الأمور، فإن كل محدثة بدعة [ (3) ] وكل بدعة ضلالة.
وأخرجه الترمذي [ (4) ] من حديث بقية بن الوليد عن بجير بن سعد عن خالد ابن
معدان، عن عبد الرحمن بن معن السلمي عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما بعد العصر موعظة بليغة إلى آخره بنحوه.
وحديث
__________
[ (1) ]
قوله: «وإن عبدا حبشيا»
يريد به طاعة من ولاه الإمام عليكم، وإن كان عبدا حبشيا.
وقد ثبت عنه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «الأئمة من قريش» ،
وقد يضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح منه الوجود،
كقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «من بنى للَّه مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى
اللَّه له بيتا في الجنة»
وقدر مفحص قطاة لا يكون مسجدا لشخص آدمي.
وكقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «لو سرقت فاطمة لقطعتها»
هي رضوان اللَّه عليها وسلامه لا يتوهم عليها السرقة.
وقال صلّى اللَّه عليه وسلم: «لعن اللَّه السارق يسرق البيضة فتقطع يده»
ونظائر هذا في الكلام كثير. (معالم السنن) .
[ (2) ] النواجذ: «آخر الأضراس، واحدها ناجذ، وإنما أراد بذلك الحد في لزوم
السنة، فعل من أمسك الشيء بين أضراسه، وعض عليها منعا له أن ينتزع، وذلك
أشد ما يكون من التمسك بالشيء، إذ كان ما يمسكه بمقاديم فمه أقرب تناولا
وأسهل انتزاعا.
[ (3) ] قوله: «كل محدثة بدعة» فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض، وكل شيء
أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه. وأما ما كان منها
مبنيا على قواعد الأصول ومردودا إليها، فليس ببدعة ولا ضلالة.
قال الخطابي: وفي قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين» دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولا، وخالفه
فيه غيره من الصحابة، كان المصير إلى قول الخليفة أولى. (معالم السنن) .
والخلفاء الراشدون هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى رضوان اللَّه تبارك
وتعالى عليهم أجمعين.
[ (4) ] سبق تخريجه.
(12/352)
أبي داود أتم، وقال الترمذي: إياكم ومحدثات
الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي. قال الترمذي رحمه
اللَّه: هذا حديث حسن صحيح.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باتباع أمته سنن من قبلهم من الأمم فكان
كما أخبر
فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار،
«عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا
حتى لو دخلوا جحر ضب اتبعتموهم قلنا: يا رسول اللَّه اليهود والنصارى» قال:
فمن؟ هذا لفظ مسلم.
ولفظ البخاري عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من قبلكم
شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول اللَّه
اليهود والنصارى! قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمن؟.
وخرج بقي بن مخلد عن أنس، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم باعا بباع
وذراعا بذراع وشبرا بشبر حتى لو دخلوا في جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول
اللَّه اليهود والنصارى! قال فمن؟.
وخرجه ابن ماجة [ (3) ] عن شيخ، عن يزيد، عن محمد بن عمرو.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 371، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (14) ،
حديث رقم (7320) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 459- 460، كتاب العلم، باب (3) اتباع سنة
اليهود والنصارى، حديث رقم (2669) .
[ (3) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 1322، كتاب الفتن، باب (17) افتراق الأمم،
حديث رقم (3994) ، قال في (الزوائد) : إسناده صحيح ورجاله ثقات. وقال في
(هامشه) : الجماعة، أي الموافقون لجماعة الصحابة الآخذون بعقائدهم
المتمسكون برأيهم.
(12/353)
وخرج البخاري [ (1) ] في كتاب الاعتصام من
حديث محمد بن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي
القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع فقيل: يا رسول اللَّه كفارس والروم؟
فقال: ومن الناس إلا أولئك؟.
قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: قد صدق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه
عليه وسلم فيها أخبره من أنباء الغيب التي يوجهها سبحانه إليه فاتفقوا في
الخلافة الإسلامية كما اتفق في الملة الموسوية حذو القدوة بالقدوة، وذلك أن
العرب كلها ترجع إلى قحطان وعدنان، فيقال لسائر قحطان: اليمن، ويقال لسائر
بني عدنان المضرية والنزارية وهي قيس، والعرب كلها على طبقات شعوب وقبائل
وعمائر وبطون وما بينها من الآباء يعرفها أهلها، وكما أن اللَّه تعالى جعل
العرب شعوبا وقبائل فقد جعل بني إسرائيل قوم موسى عليه السلام أسباطا،
فالسبط من بني إسرائيل كالقبيلة من العرب، وبنو إسرائيل بأسرهم اثنا عشر
سبطا وهم: يوسف النبي، وبنيامين، وكاد، ويهوذا، وثعتالى، وزبولون، وشمعون،
وروبيل، وبستاخار، ولاوى، وذان، وياشير، فكل واحد من هؤلاء الاثني عشر يقال
له سبط ومنهم كلهم سائر بني إسرائيل، وجميع هؤلاء الاثني عشر سبطا هم أولاد
يعقوب، وهو إسرائيل لصلبه، ويعقوب هو ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل، سلام
اللَّه عليهم، فموسى عليه السلام هو ابن عمران بن قاهث ابن لاوى بن يعقوب
بن إسحاق بن إبراهيم فهو من سبط لاوى، وقد قام عليه السلام بأمر بني
إسرائيل حتى مات فلم يخلفه على بني إسرائيل بعد موته أحد من سبط لاوى الذين
هم قرابته القريبة، وإنما خلفه يوشع ابن نون بن أليشاماع ابن عم يهود بن
لغدان بن تالخ بن راشف بن بريعا بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب، فيوشع من سبط
أفرايم بن يوسف وهو بعيد بن سبط لاوى، وهكذا وقع في الإسلام، فإن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سيد بني هاشم هو محمد بن عبد اللَّه بن عبد
المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 371، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (14)
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم،
حديث رقم (7319) .
(12/354)
ابن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن
مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد
بن عدنان، قام صلّى اللَّه عليه وسلم بأمر الأمة حتى توفاه اللَّه تعالى،
فلم يخلفه في أمته أحد من بني هاشم الذين هم أعرب العرب إليه وإنما خلفه في
أمته أبو بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو من تيم بن مرة بن كعب
فإنه أبو بكر، واسمه عبد اللَّه بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب
بن سعد بن تيم بن كعب. فانظر، كيف كان كان أبو بكر خليفة رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم في البعد من جذر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في
مرة بن كعب بن لؤيّ بعد عدة آباء، وكذلك يوشع إنما يلتقى مع موسى في يعقوب
بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وكما أنه قام بأمر بني إسرائيل بعد يوشع
خلف موسى جماعة مختلفو الأنساب بعضهم من سبط يهوذا، أو بعضهم من سبط يلخار
وبعضهم من سبط بنيامين وبعضهم من منشّا بن يوسف وبعضهم من سبط عاش وبعضهم
من سبط دان.
وكذلك قام في الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
جماعة مختلفة أنسابهم بعضهم من بني عدي وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد اللَّه
بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب.
وبعضهم من بني أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وهو أمير
المؤمنين عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية.
وبعضهم من بني هاشم، [وهو] أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن
هاشم بن عبد مناف بن قصي وابنه أبو عبد اللَّه الحسن بن علي ابن أبي طالب
رضوان عليهم.
وبعضهم من بني حرب بن أمية بن عبد شمس وهو معاوية بن أبي سفيان ابن صخر بن
حرب بن أمية وابنه يزيد بن معاوية وابنه معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي
سفيان.
وبعضهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب وهو عبد اللَّه بن الزبير
بن العوام بن أسد بن عبد العزى.
(12/355)
وبعضهم من بني الحكم بن أبي العاص بن أمية
بن عبد شمس، ثم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك بن مروان بن الحكم وبنوه.
وكما أن بني إسرائيل استقر أمرهم بعد من ذكرنا في القائمين من بني يهودا،
كذلك استقرت الخلافة في بني العباس بعد من ذكرنا، وكما أن يهوذا عم موسى
عليه السلام، كذلك العباس بن عبد المطلب بن هاشم هو عم رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم وكما أن يهوذا قدمه يعقوب على إخوانه وبشر هو مدحه كما هو
مذكور في التوراة، كذلك العباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه كان رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يجله ويكرمه ويثنى عليه كما هو مذكور في
الأحاديث الصحيحة، وكما أن أمر بني إسرائيل افترق في دولة بنى يهودا فصاروا
بعد موت سليمان بن داود عليه السلام فرقة بالقدس مع ابنه رحبعم بن سليمان
بن داود وهم سبط يهوذا سبط بنيامين وفرقة بشمرون مع يربعام بن نياط وهم
بقية الأسباط لذلك لما صارت الخلافة في بنى العباس افترق أمر الأمة
المحمدية فصار في الأنبار، ثم في بغداد بنو العباس، وفي الأندلس عبد الرحمن
الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم وبنوه من بعده
فلم تدخل الأندلس تحت طاعة بني العباس كما لم تدخل شمرون تحت حكم سبط
يهوذا.
وكما أن مدينة القدس التي هي دار ملك بنى يهوذا كان تدعى بالعبرانية
أورشليم، ومعناه دار السلام، كذلك بغداد دار ملك بني العباس كان يقال لها
دار السلام، وكما أن دولة بربغام ومن معه بشمرون التي عرفت اليوم بنابلس
انقرضت قبل دولة يهوذا بالقدس ذاتها لم يقم سوى مائتي سنة وإحدى وستين سنة،
وكذلك دولة بني أمية بالأندلس انقرضت قبل انقراض دولة بني العباس فكانت
دولتهم كدولة أصحاب شمرون وكما أن دولة بني يهوذا أقيمت بالقدس من عهد داود
عليه السلام وهو أول من ملك منهم إلى أن انقرضت مدة تزيد على خمسمائة سنة،
كذلك بنو العباس أقامت خلافتهم منذ أبي العباس عبد اللَّه السفاح أول قائم
منهم إلى أن انقرضت أيامهم خمسمائة سنة وثلاثا وعشرين سنة، وكما أن يهوذا
تميزوا بألقاب تخصهم لا تكون لأحد من رعيتهم، كذلك بنو العباس كانت لهم
ألقاب يخص بها الخليفة كالسفاح، والمنصور، والمهدي، ونحو ذلك، وكما أن دولة
بني بربغام بشمرون إذا لقي قوم من غير جنسهم،
(12/356)
ولا يتكلمون بلغتهم كذلك أزال بني أمية من
الأندلس البربر وليسوا من جنسهم، ولغتهم تخالف لغة العرب وكما أن دولة بني
يهوذا انقرضت من القدس على يد بخت نصّر فإنه صار إليهم من بلاد المشرق حتى
قتلهم وهدم مدينة القدس دار ملكهم، وقتل رجاله بني إسرائيل، وسبي نساءهم
وذرياتهم، وانتهبت أموالهم فكذلك زالت خلافتهم بالقدس من بعده، وكما أن بني
إسرائيل قوم قطعهم اللَّه في الأرض أمما، وكذلك قريش قوم رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم تفرقوا في أقطار الأرض وصاروا رعية رعاعا ليس لهم ملك ولا
دولة، وكما أن أنساب بني إسرائيل بأسرهم جهلت بينهم إلا بعض بنى يهوذا فإن
نسبهم يصل عندهم بداود عليه السلام، كذلك قريش قد جهلت في هذه الأيام أنساب
جميع بطونها إلا ما كان في بني حسن وحسين ابني على بن أبي طالب وبني جعفر
بن أبي طالب فإن أنساب كثيرة منهم متصلة على مقالات في كثير منهم عند
النساء بيّن، فانظر- أعزك اللَّه- كيف تشابه أمر هذه الأمة المحمدية بأمر
الأمة الموسوية تصديقا لما أنذر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من
اتباع أمته سنن من كان قبلها، وهذا فضل اللَّه [منّ] به عليّ في كتابي
(النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم) ولم أره لأحد قبلي، واللَّه يختص
برحمته من يشاء من عباده، واللَّه ذو الفضل العظيم.
(12/357)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بذهاب
العلم وظهور الجهل فظهر في ديننا مصداق ذلك في غالب الأقطار
فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث عبد الوارث، عن قتادة، عن أنس
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب
الخمر. ولفظها في المتن سواء. ذكره في العلم.
وخرج البخاري من حديث يحيى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه قال: «لأحدثتكم حديثا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم لا يحدثتكم به أحد غيري، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال،
ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» .
وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث محمد بن جعفر قال شعبة: سمعت قتادة يحدث عن أنس
بن مالك قال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت منه: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر
الجهل ويفشو الزنا، ويشرب الخمر ويذهب الرجال وتبقي النساء حتى يكون لخمسين
امرأة قيم واحد.
__________
[ (1) ]
(فتح الباري) : 9/ 412، كتاب النكاح، باب (111) يقل الرجال ويكثر النساء،
وقال أبو موسى: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وترى الرجل الواحد يتبعه
أربعون نسوة يلذن به من قلة الرجال، وكثرة النساء، حديث رقم (5231) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 462، كتاب العلم، باب (5) رفع العلم
وقبضه، وظهور الجهل والفتن، في آخر الزمان، حديث رقم (9) .
[ (3) ] (سبق تخريجه) .
(12/358)
وأخرجه مسلم [ (1) ] أيضا من حديث سعيد، بن
أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وفي
حديث ابن بشر وعبدة لا يحدثكموه أحد بعدي، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، فذكر مثله.
وأخرجه البخاري [ (2) ] أيضا في آخر كتاب النكاح من حديث هشام الدستواني
وهمام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس، وأخرجه في كتاب الأشربة [ (3) ] وفي كتاب
الحدود [ (4) ] .
وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث وكيع عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد،
عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا فقال: ذاك عند
أوان ذهاب العلم قال: فقلت يا رسول اللَّه وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ العلم
وتقرأه أبناؤنا وأبناؤهم إلى يوم القيامة قال: ثكلتك أمك زياد! إن كنت
لأراك من أفقه رجال المدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة
والإنجيل ولا يعملون بشيء مما فيها.
وخرجه الحاكم [ (5) ] من حديث أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل القاري، وأبو
الحسن أحمد بن محمد العنبري، قالا: حدثنا عثمان بن سعيد الدرامي، حدثنا عبد
اللَّه بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير ابن نفير، عن
أبيه جبير، عن أبي الدرداء قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: «هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا
يقدروا منه على شيء «قال: فقال زياد بن لبيد الأنصاري: يا رسول اللَّه،
وكيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فو اللَّه لنقرأنه ولتقرأنه نساؤنا
وأبناؤنا، فقال: «ثكلتك أمك يا زياد، إني كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة،
هذه
__________
[ (1) ] (سبق تخريجه) .
[ (2) ] (سبق تخريجه) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 37، كتاب الأشربة، باب (1) قوله تعالى:
إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ
عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ حديث رقم
(5577) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 12/ 136، كتاب الحدود، باب (20) إثم الزناة، حديث
رقم (6808) .
[ (5) ] (المستدرك) : 1/ 179، كتاب العلم، حديث رقم (338) .
(12/359)
التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى،
فماذا يغنى عنهم ذلك؟
«قال جبير:
فلقيت عبادة بن الصامت فقلت له: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟
وأخبرته بالذي قال. قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثك بأول علم يرفع من
الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيه رجلا خاشعا. هذا
إسناد صحيح من حديث البصريين.
فيه شاهد رابع على صحة الحديث، وهو عبادة بن الصامت، ولعل متوهما أن جبير
بن نفير رواه مرة عن عوف بن مالك الأشجعي، ومرة عن أبي الدرداء، فيصير به
الحديث مطولا، وليس كذلك، فإن رواة الإسنادين جميعا ثقات، وجبير بن نفير
الحضرميّ من أكابر تابعي الشام، فإذا صح الحديث عنه بالإسنادين جميعا فقد
ظهر أنه سمعه من الصحابيين جميعا، والدليل الواضح على ما ذكرته أن الحديث
قد روى بإسناد صحيح، عن زياد بن لبيد الأنصاري الّذي ذكر مراجعته رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الحديثين.
ومعاوية بن صالح له عند أهل الحديث ولا نعلم أحدا يتكلم فيه غير يحيى بن
سعيد القطان.
وخرج البخاري [ (1) ] من حديث مالك، وخرج مسلم [ (2) ] من حديث جرير كلاما
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سمعت عبد اللَّه بن عمرو بن العاص يقول: سمعت
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعا
ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا
جهالا، فسئلوا فأفتوا، بغير علم فضلوا، وأضلوا.
وقال البخاري: ينتزعه من العباد، وقال: حتى إذا لم يبق عالما. وله عندهما
طرق أخر.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 258، كتاب العلم باب (34) كيف يقبض العلم حديث
رقم (100) ، وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (7)
ما يذكر من قول الرأى متكلف القياس، حديث رقم (7307) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 465، كتاب العلم، باب (5) رفع العلم
وقبضه، وظهور الجهل والفتن، في آخر الزمان، 16/ 465 حديث رقم (2673) .
(12/360)
وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث محمد بن
مقاتل المروزي عن يوسف بن عطية، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان علماء جهال وقراء فسقة» .
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باتباع أهل الزيغ ما تشابه من القرآن
فخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] من حديث عبد اللَّه
بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها
قالت: تلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هذه الآية: هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ
الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ
وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ
رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ [ (5) ] .
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا رأيت الذين يتبعون ما
تشابه منه فأولئك الذين سمى اللَّه فاحذروهم.
وقال أبو داود [ (6) ] : وقرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هذه الآية
ولم يقل مسلم ذكره البخاري في (التفسير) [ (7) ] وذكره مسلم [ (8) ] في
كتاب القدر وذكره أبو داود [ (9) ] في
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 351، كتاب الرقاق، حديث رقم (7883) ، قال الحافظ
الذهبي في (التلخيص) يوسف بن عطية هالك.
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 265، كتاب التفسير، سورة آل عمران، باب (1) حديث
رقم (4547) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) 16/ 457، كتاب العلم، باب (1) النهي عن اتباع
متشابه القرآن، والتحذير من متبعه، والنهى عن الاختلاف في القرآن، حديث رقم
(2665) ، في (الأصل) كتاب القدر وصوابه كتاب العلم.
[ (4) ] (سنن أبي داود) : 5/ 6، كتاب السنة، باب (2) النهى عن الجدل واتباع
المتشابه من القرآن، حديث رقم (4598) .
[ (5) ] آل عمران: 7.
[ (6) ] (سبق تخريجه) .
[ (7) ] (سبق تخريجه) .
[ (8) ] (سبق تخريجه) .
[ (9) ] (سبق تخريجه) .
(12/361)
شرح السنة،
قال أيوب: لا أعلم أحدا من أصحاب الأهواء إلا وهو تعلل بالتشابه.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باكتفاء قوم بما في القرآن وردهم سنته
صلّى اللَّه عليه وسلم فكان كما أخبر
فخرج بقي بن مخلد من حديث زائد بن الخباب قال: حدثني الحسن عن جابر أنه سمع
المقدام بن معديكرب يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يوشك أن
يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب اللَّه،
فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرّمناه، وإن ما حرّم
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كما حرم اللَّه عز وجل [ (1) ] .
وخرجه الترمذي [ (2) ] أيضا من حديث معاوية بن صالح، عن الحسن بن جابر
اللخمي، عن المقدام بن معديكرب قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا
وبينكم كتاب اللَّه فما وجدنا فيه حلالا أحلناه وما وجدنا فيه حراما
حرمناه، وإن ما حرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كما حرم اللَّه.
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 5/ 12، كتاب السنة، باب (6) لزوم السنة، حديث رقم
(4605) ، وفي (مسند أحمد) : 7/ 16، حديث رقم (23349) ، (سنن ابن ماجة) : 1/
6- 7، باب (2) تعظيم حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والتغليظ من
معارضته حديث رقم (13) ، في (المستدرك) : 1/ 190، 191، كتاب العلم حديث رقم
(368) ، بسياق مختلف.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 37، كتاب العلم، باب (10) ما نهى عنه أن يقال
عند حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2664) .
(12/362)
قال الترمذي هذا حديث حسن غريب من هذا
الوجه، والأريكة السرير، يريد صلّى اللَّه عليه وسلم أهل الترف والدعة،
الذين لزموا بيوتهم، ولم يطلبوا العلم من مظانه يحذر بذلك من مخالفة السنن
التي سنها صلّى اللَّه عليه وسلم بما ليس له في القرآن ذكر. واللَّه سبحانه
وتعالى أعلم.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بظهور الروافض والقدرية
فخرج البيهقي [ (1) ] وأبو عبد اللَّه بن الحافظ من حديث الأسود بن عامر
قال:
أخبرني أبو سهل قال: أخبرني كثير النواء قال: أخبرنا إبراهيم بن الحسن عن
أبيه، عن جده قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يخرج قبل قيام
الساعة قوم يقال لهم:
الرافضة برءاء من الإسلام.
ومن حديث المتوكل [ (2) ] عن كثير النواء عن إبراهيم بن الحسن بن علي بن
أبى طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في أمتي قوم في آخر الزمان
يسمون الرافضة يرفضون الإسلام.
قال البيهقي تفرد به كثير النواء وكان من الشيعة.
وروي من وجه آخر ضعيف فذكره من حديث الحجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران عن
ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يقول: يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام
ويلفظونه فاقتلوهم فإنّهم مشركون.
يقال وروي في معناه من وجوه أخر كلها ضعيفة.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 547، باب (1) ما جاء في إخباره بظهور الروافض
والقدرية إن صح الحديث فيه فظهروا.
[ (2) ] (المرجع السابق) .
(12/363)
وقال الحافظ [ (1) ] أبو نعيم: غريب تفرد
به الحجاج بن تميم عن ميمون، ورواه يوسف بن عدي، عن الحجاج بن تميم نحوه.
وخرج من حديث سعيد بن أبي أيوب قال: أخبرنا أبو صخر، عن نافع، عن ابن عمر
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول إنه سيكون في أمتى أقوام يكذبون بالقدر.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالكذب عليه فكان كما أخبر صلّى اللَّه
عليه وسلم
فخرج مسلم [ (2) ] من حديث سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو هانئ عن أبي
عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما
لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم.
ومن طريق ابن وهب [ (3) ] قال: حدثني أبو شريح أنه سمع شراحيل بن يزيد
يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في آخر الزمان دجالون
كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم
لا يضلونكم ولا يفتنونكم.
ومن حديث أبي عوانة عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يقول إن بين يدي الساعة كذابين.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 397، كتاب القدر، باب (16) بدون ترجمة،
حديث رقم (2152) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 192، كتاب مقدمه الصحيح، باب (4) النهي عن
الرواية عن الضعفاء والاحتياط من تحملها حديث رقم (6) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 1/ 193 حديث رقم (7) .
(12/364)
وعن عامر بن عبدة قال: قال عبد اللَّه بن
مسعود: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتى القوم فيحدثهم بالحديث من
الكذب فيتفرقون» [ (1) ] فيقول الرجل منهم سمعت رجلا أحرقوا وجهه ولا أدرى
اسمه يحدث.
وقال مسلم عن معمر، عن ابن طاوس، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: إن
في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا
[ (2) ] .
قال البيهقي [ (3) ] : وقد روى ذلك عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعا.
وخرج البيهقي [ (4) ] من حديث عبد اللَّه بن يزيد المقري، عن سعيد بن أبي
أيوب، عن ابن عجلان، عن عبد الواحد النصري، عن واثلة بن الأسقع قال:
قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يطوف إبليس في
الأسواق ويقول حدثنا:
فلان بن فلان بكذا وكذا.
وقال ابن المبارك، عن سفيان حدثنا من رأى قاصا يقص في مسجد الخيف أو نحوه
قال: فطلبته فإذا هو شيطان [ (5) ] .
وقال الحافظ [ (6) ] أبو أحمد بن عدي، عن عمران بن موسى، عن محمد بن يوسف
السراج، عن عيسى بن أبي فاطمة الفزاري يقول: كنت جالسا عند شيخ في المسجد
الحرام أكتب عنه، فقال الشيخ الشيبانيّ: فقال رجل: حدثني الشيبانيّ فقال عن
الشعبي فقال: حدثني الشعبي فقال: عن الحارث قد واللَّه
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 550، باب ما جاء في إخباره عما يكون في آخر
أمته من الكذابين والشياطين الذين يكذبون في الحديث فكان كما أخبر.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 194، مقدمة الصحيح، باب (4) النهى عن
الرواية عن الضعفاء والاحتياط من تحملها، حديث رقم (7) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 550، باب ما جاء في إخباره عما يكون في آخر
أمته من الكذابين والشياطين الذين يكذبون في الحديث فكان كما أخبر.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 551.
[ (5) ] (المرجع السابق) .
[ (6) ] (المرجع السابق) .
(12/365)
رأيت الحارث وسمعت منه قال عن علي قال: قد
واللَّه رأيت عليا وسمعت منه وشهدت معه صفين فلما رأيت ذلك قرأت آية الكرسي
فلما قلت: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما التفت فلم أر شيئا.
وأما ظهور صدقة فيما أخبر به عليه الصلاة
والسلام من تغير الناس بعد خيار القرون
فخرج البخاري في كتاب الشهادات [ (1) ] وفي الفضائل [ (2) ] من حديث سفيان
عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «خير الناس قرني، ثم الذين
يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم يجيء أقوام يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه
شهادته» .
قال إبراهيم: «وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد» .
وخرجه مسلم [ (3) ] في كتاب المناقب من حديث أبي الأحوص عن منصور، عن
إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم قال: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فلا أدري في
الثالثة أو في الرابعة قال: ثم يتخلف من بعدهم خلف تسبق شهادة أحدهم يمينه
ويمينه شهادته.
وخرج البخاري [ (4) ] من حديث يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثني أبو حمزة،
عن زهدم بن مضرب، سمعت عمران بن حصين يحدث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
قال: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم-
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 324، كتاب الشهادات، باب (9) لا يشهد على شهادة
جور إذا أشهد.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 3، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم باب (1) فضائل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومن صحب النبي أو رآه من
المسلمين فهو من أصحابه، حديث رقم (3652) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 320، كتاب فضائل الصحابة، باب (52) فضل
الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم حديث رقم (212) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 324، كتاب الشهادات، باب (9) لا يشهد على شهادة
جور إذا شهد، حديث رقم (2651) .
(12/366)
قال عمران: لا أدرى أذكر النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بعدكم
قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر
فيهم السمن» .
وخرجه في المناقب [ (1) ] وفي الشهادات [ (2) ] وفي الرقاق [ (3) ] كلها من
حديث شعبة عن أبي حمزة. وخرجه مسلم من طرق عن شعبة، عن أبي حمزة.
وخرج الترمذي [ (4) ] من حديث محمد بن فضل، عن الأعمش عن على بن مدرك، عن
هلال بن يساف، عن عمران بن حصين قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم يقول: «خير أمتي القرن الّذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم. قال: ولا
أعلم ذكر الثالث أم لا، ثم ينشأ أقوام يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا
يؤتمون ويفشو فيهم السمن» .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، من حديث الأعمش، عن على بن مدرك، عن هلال
بن يساف، عن عمران بن حصين، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر نحوه،
وقال: هذا أصح عندي من حديث محمد بن فضيل، قال: ومعنى هذا الحديث عند بعض
أهل العلم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها إنما يعنى شهادة الزور يقول: يشهد
أحدهم من غير أن يستشهد، وبيان هذا في
حديث عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم قال: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو
الكذب حتى يشهد الرجل ولا يشهد، ويحلف الرجل ولا يستحلف،
ومعنى حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خير الشهداء
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 7/ 3، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب (1) فضائل
أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومن صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو
من أصحابه، حديث رقم (3650) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : كتاب الشهادات حديث رقم (2651) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 11/ 293، كتاب الرقاق، باب (7) ما يحذر من زهرة
الدنيا، والتنافس فيها، حديث رقم (6428) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 433- 434، كتاب الفتن باب (45) ما جاء في القرن
الثالث، حديث رقم (2222) .
(12/367)
الّذي يأتى بشهادته قبل أن يسألها هو عندنا
إذا أشهد الرجل على الشيء أن يؤدى شهادته ولا يمنع من الشهادة، واللَّه
أعلم [ (1) ] .
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن طائفة من أمته متمسكة بالدين إلى
قيام الساعة
فخرج البخاري في كتاب [المناقب] [ (2) ] وفي كتاب التوحيد [ (3) ] من حديث
الوليد بن مسلم، [قال] ابن جابر حدثني عمير بن هانئ أنه سمع معاوية يقول:
«لا تزال طائفة من أمتي أمة قائمة بدين اللَّه لا يضرهم من كذبهم ولا من
خذلهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم على ذلك» .
قال عمير: فقال مالك بن عامر سمعت معاذا يقول وهم بالشام: فقال معاوية: هذا
مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم بالشام
وخرجه مسلم [ (4) ] من حديث يحيى بن حمزة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر
أن عمير بن هانئ حدثه قال: سمعت معاوية على المنبر يقول: سمعت رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر اللَّه لا
يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم ظاهرون على الناس.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 4/ 476، كتاب الشهادات، باب (4) ما جاء في شهادة
الزور، حديث رقم (2303) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 363، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب (109)
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق
وهم أهل العلم»
حديث رقم (7311) ، وما بين الحاصرتين في (الأصل) فقط.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 542، كتاب التوحيد، باب (29) إِنَّما
قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ حديث رقم (7460) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 71، كتاب الإمارة، باب (53)
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا
يضرهم من خالفهم»
حديث رقم (174) .
(12/368)
وخرج البخاري في كتاب المناقب [ (1) ] من
حديث يحيى، عن إسماعيل، عن قيس، سمعت المغيرة بن شعبة، عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم قال: «لا يزال ناس من أمتى ظاهرين، حتى يأتيهم أمر اللَّه
وهم ظاهرين» وخرجه في كتاب الاعتصام [ (2) ] من حديث عبيد اللَّه بن موسى،
عن إسماعيل عن قيس، عن المغيرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا
تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم ظاهرين.»
وخرجه في كتاب التوحيد [ (3) ] من حديث إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل، عن
قيس عن المغيرة قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا يزال من
أمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر اللَّه» .
وخرجه مسلم [ (4) ] من حديث وكيع عن ابن نمير حدثنا وكيع وعبدة كلاهما عن
إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي عمر «واللفظ له» : حدثنا مروان «يعنى
الفزاري» عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم
أمر اللَّه وهم ظاهرين» .
وخرج مسلم [ (5) ] من حديث شعبة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة، عن النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من
المسلمين
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 784، كتاب المناقب، باب (28) بدون ترجمة حديث
رقم (3640) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 363، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (10)
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، وهم
أهل العام» ،
حديث رقم (7311) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 542، كتاب التوحيد، باب (29) قول اللَّه
تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ. حديث رقم (7459) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 70، كتاب الإمارة، باب (53)
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا
يضرهم من خالفهم» .
حديث رقم (171) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 71، كتاب الإمارة، باب (53)
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا
يضرهم من خالفهم» .
حديث رقم (172) .
(12/369)
حتى تقوم الساعة.
ومن حديث ابن جريح [ (1) ] أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه
يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من
أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة» .
وخرج من حديث عبد اللَّه [ (2) ] بن وهب قال: حدثنا عمرو بن الحرث حدثني
يزيد بن أبي حبيب حدثني عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: كنت عند مسلمة بن
مخلد وعنده عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فقال عبد اللَّه: «لا تقوم الساعة
إلا على شرار الخلق هم من أهل الجاهلية، لا يدعون اللَّه بشيء إلا رده
عليهم فبينما هم على ذلك إذ أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة اسمع
ما يقول عبد اللَّه
فقال عقبة: هو أعلم وأما أنا فسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر اللَّه قاهرين لعدوهم لا
يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك فقال عبد اللَّه: أجل ثم
يبعث اللَّه ريحا كريح المسك مسها مس الحرير فلا تترك نفسا في قلبه مثقال
حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة» .
وخرج من حديث داود [ (3) ] بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
«لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة» .
وخرجه البزار من حديث داود بهذا الإسناد ولفظه: لأقوام أهل الغرب ظاهرين
على الحق إلى يوم القيامة» .
قال وخرج مسلم [ (4) ] من حديث حماد بن زيد عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن
ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي
ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم كذلك.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (173) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 13/ 72، حديث رقم (176) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 72- 73، حديث رقم (177) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 13/ 70، حديث رقم (170) .
(12/370)
قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى وعفا عنه-:
هذا جزء من حديث فيه طول وقد جاء مسلم بجملة منه في كتاب الفتن، وجاء به
أبو داود بكماله، وأوردته في وقوع بأس الأمة بينهم.
وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث حماد، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن حصين،
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي
يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيخ الدجال» .
وخرج الترمذي [ (2) ] من حديث قتيبة بن سعيد، عن حماد بن يزيد، عن أيوب، عن
أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبيّ، عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين قال: وقال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
«لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من يخذلهم حتى يأتي أمر
اللَّه» .
قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح سمعت محمد بن إسماعيل يقول: سمعت على بن
المديني يقول وذكر هذا الحديث، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لا تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. فقال علي: هم أهل الحديث، وذكره في الفتن.
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 3/ 11، كتاب الجهاد، باب (4) دوام الجهاد، حديث
رقم (2484) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 437- 438، كتاب الفتن، باب (51) ، ما جاء في
الأئمة المضلين، حديث رقم (2229) .
(12/371)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما
يرويه بعده فوقع ما أنذرهم به
فخرج البخاري في باب علامات النبوة [ (1) ] من حديث أبي نعيم، عن عبد
الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه قال: «خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضه
الّذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد اللَّه
وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار، حتى يكونوا في
الناس بمنزلة الملح في الطعام، فمن ولي منكم شيئا يضر فيه قوما وينفع آخرين
فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم فكان آخر مجلس جلس فيه النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم. وخرجه في المناقب [ (2) ] وفي كتاب الجمعة [ (3) ] .
وخرج البخاري من حديث زهير عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أنس ابن مالك رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه قال سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا الأنصار
ليكتب لهم بالبحرين، قالوا: لا واللَّه حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها،
فقال: ذاك لهم ما شاء اللَّه على ذلك يقولون له، قال: فإنكم سترون بعدي
أثره فاصبروا حتى تلقوني على الحوض [ (4) ] . ترجم عليه باب ما أقطع النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم من البحرين. وخرجه في آخر كتاب الشرب من حديث حماد
بن زيد عن يحيى
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 779، كتاب المناقب، باب (25) ، علامات النبوة في
الإسلام، حديث رقم (3628) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 152، كتاب مناقب الأنصار، باب (11)
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم «أقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» ،
حديث رقم (3799) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 2/ 513، كتاب الجمعة، باب (29) من قال في الخطبة
بعد الثناء: أما بعد، حديث رقم (927) وخرجه الترمذي برقم (3900) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 329، كتاب الجزية والموادعة، باب (4) ما أقطع
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من البحرين وما وعد من مال البحرين والجزية
ولمن يقسم الفيء والجزية؟، حديث رقم (3163) ، في الأصل كتاب الأشربة
وصوابه، (كتاب الجزية والموادعة) .
(12/372)
بنحوه ولم يقل على الحوض، ترجم عليه باب
القطائع، وخرجه في باب كتابة القطائع تعليقا وقال الليث، عن يحيى بن سعيد
ووصله قاسم بن أصبغ فقال:
مطلب بن شعيب، عن صالح قال: حدثني الليث عن يحيى، عن أنس أن رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم دعا الأنصار. والحديث كما ذكره البخاري عن الليث.
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام بخروج نار
بالحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى فكان كما أخبر
وخرج من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري
الأشهلي، عن حذيفة عن عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال:
حدثني أبي عن جدي قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني ابن المسيب
أخبرني أبو هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق
الإبل ببصرى [ (1) ] .
وقال الحاكم [ (2) ] : وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في أشراط
الساعة خروج النار من أرض الحجاز عاصم بن عدي الأنصاري، وأبو هريرة، وأبو
ذر الغفاريّ وذكر ذلك بأسانيده وصححها.
وروى أبو البداح بن عاصم الأنصاري، عن أبيه أنه قال: سألنا رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم حدثان ما قدم فقال: «أين حبس سيل» [ (3) ] ؟ قلنا:
لا ندري فمر بي رجل من بني سليم فقلت: من أين جئت؟ فقال: من حبس سيل، فدعوت
بنعلي
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 98، كتاب الفتن، باب (24) خروج النار، حديث رقم
(7188) ، وأخرجه أيضا في (مسلم بشرح النووي) : 18/ 246، كتاب الفتن، باب
(14) لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، حديث (42) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 489- 490، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8367) .
[ (3) ] حبس سيل: إحدى حرّتي بنى سليم، وقال الأصمعي: الحبس جبل مشرف على
السلماء (معجم البلدان) : 2/ 246، موضع رقم (3480) .
(12/373)
فانحدرت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم فقلت: يا رسول اللَّه سألتنا عن حبس سيل وأنه لم يكن لنا به علم وأنه
مر بي هذا الرجل فسألته فزعم أن به أهله فسأله رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم فقال: «أين أهلك» ؟ قال: بحبس سيل، فقال: «أخر أهلك فإنه يوشك أن
تخرج منه نار تضيء أعناق الإبل ببصرى» .
قال المؤلف [ (1) ]- رحمه اللَّه-: قد صدق اللَّه تعالى ما أنذر به رسوله
صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك فظهرت بأرض الحجاز إلى خامس جمادى الآخرة سنة
أربع وخمسين وستمائة من سنن الهجرة واستمرت شهرا شرقي المدينة النبويّة
بناحية وادي شظا تلقاء جبل أحد حتى امتلأت تلك الأودية منها وصار يخرج منها
شرر يأكل الحجارة وزلزلت المدينة بسببها وسمع الناس أصواتا مزعجة قبل
ظهورها بخمسة أيام أولها يوم الإثنين أول الشهر فلم تزل الأصوات ليلا
ونهارا حتى ظهرت النار يوم الجمعة خامسه وقد انتجت الأرض عن نار عظيمة عند
وادي شظا وامتدت أربعة فراسخ في أربعة أميال وعمق قامة ونصف فسال الصخر
منها ثم صار فحما أسود وأضاءت بيوت المدينة منها في الليل حتى كأن في كل
بيت مصباح ورأى الناس سناها بمكة وذكر غير واحد من الأعراب الذين كانوا
بحاضرة بصرى من أرض الشام أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء النار
المذكورة فالتجأ الناس بالمدينة النبويّة إلى قبر رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم ودعوا واستغفروا اللَّه تعالى وأعتقوا عبيدهم وإماءهم وتصدقوا في
هذه النار يقول:
يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا ... لقد أحاطت بنا يا رب بأساء
نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها ... حملا ونحن بها حقا أحقاء
زلزال تخشع الصم الصلاب لها ... وكيف يقوى على الزلزال شماء
[أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت ... عن منظر منه عين الشمس عشواء]
بحر من النار تجرى فوقه سفن ... من الهضاب لها في الأرض أرساء
كأنما فوقه الأجبال طافية ... موج عليه لفرط اليهج وعثاء
ترمى لها شررا كالقصر طائشة ... كأنها ديمة تنصب هطلاء.
__________
[ (1) ] يراجع في ذلك (مرآة الجنان) لليافعي: 4/ 130- 131، ويراجع أيضا في
(شذرات الذهب في أخبار من ذهب) : 3/ 263- 264، (البداية والنهاية) : 13/
219- 225.
(12/374)
[تنشق منها قلوب الصخر إن زفت ... رعبا
وترعد مثل السعف أضواء]
منها تكاثف في الجو الدخان إلى ... أن عادت الشمس منه وهي دهماء
قد أثرت سفعة في البدر لفحتها ... فليلة التيم بعد النور ليلاء
تحدثت النيران السبع ألسنتها ... بما يلاقى بها تحت الثرى الماء
وقد أحاط لظاها بالبروج إلى ... إن كاد يلحقها بالأرض إهواء
فيا لها آية من معجزات رسول ... اللَّه يعقلها القوم الألباء
[فباسمك الأعظم المكنون إن عظمت ... منا الذنوب وساء القلب أسواء]
فاسمح وهب وتفضل وامح واعف وجد ... واصفح فكل لفرط الجهل خطاء
[فقوم يونس لما آمنوا كشف العذاب ... عنهم وعم القوم نعماء]
[ونحن أمة هذا المصطفى ولنا ... منه إلى عفوك المرجو دعاء]
[هذا الرسول الّذي لولاه ما سلكت ... محجة في سبيل اللَّه بيضاء]
[فارحم وصلّ على المختار ما خطبت ... على علا منبر الأوراق ورقاء] .
(12/375)
وأما أخباره عليه
أفضل الصلاة والسلام بغرق أحجار الزيت بالدم فكان كذلك
فخرج أبو داود [ (1) ] لحديث حماد بن يزيد، عن أبي عمران الجوني، عن المشعث
بن طريف، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال لي رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: يا أبا ذر قلت: لبيك يا رسول اللَّه وسعديك، فذكر
الحديث، قال فيه: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟
[يعنى القبر] قلت: اللَّه ورسوله أعلم، أو قال: من خار اللَّه لي ورسوله،
قال:
عليك بالصبر، أو قال: تصبر، ثم قال لي: يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك.
قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ قلت: ما خار اللَّه لي
ورسوله، قال: عليك بمن أنت منه، قلت: يا رسول اللَّه أفلا آخذ سيفي وأضعه
على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذن، قلت: فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك، قلت:
فإن دخل عليّ بيتي قال: فإذا خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك
يبوء بإثمك وإثمه.
وخرجه ابن ماجة [ (2) ] بنحوه في الفتن.
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 458- 459، كتاب الفتن، باب (2) النهي عن السعي
في الفتنة، حديث رقم (4261) .
[ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 1308، كتاب الفتن، باب (10) التثبت في الفتنة،
حديث رقم (3958) «حتى تقوم» من التقويم، أي يقوم البيت بالوصيف. «بالوصيف»
المراد بالبيت القبر، وبالوصيف الخادم والعبد، أي يكون العبد قيمة القبر
بسبب كثرة الأموات. وقيل: المراد بالبيت المتعارف. والمعنى أن البيوت تصير
رخيصة لكثرة الموت وقلة من يسكنها.
فيباع البيت بعبد. «حجارة الزيت» موضع بالمدينة في الحرة سمي بها لسواد
الحجارة، كأنها طليت بالزيت، أي الدم يعلو حجارة الزيت ويسترها لكثرة
القتلى وهذا إشارة إلى وقعة الحرة التي كانت زمن يزيد. «بمن أنت منه» أي
بأهلك وعشيرتك.
(12/376)
وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث معمر وحماد
بن سلمة قالا: حدثنا أبو عمران الجولى، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر
فذكره بمعنى حديث أبي داود، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وقد خرجه البخاري [ (2) ] من حديث همام عن أبي عمران وقد زاد حماد بن زيد
في إسناده بين أبي عمران الجوفى وعبد اللَّه بن الصامت المشعث بن طريق
بزيادة في المتن وحماد بن زيد أثبت من حماد بن سلمة.
قال المؤلف- رحمة اللَّه تعالى-: أحجار الزيت بالمدينة النبويّة [ (3) ]
وعندها قيل محمد الملقب بالمهديّ وبالنفس الزكية ابن عبد اللَّه بن حسن بن
حسن بن عليّ بن أبي طالب رضوان اللَّه عليهم وذلك أن أبا جعفر عبد اللَّه
بن المنصور بن على بن عبد اللَّه بن عباس ثانى خلفاء بنى العباس ألح في
طلبه فطلب أخيه إبراهيم بن عبد اللَّه فقام محمد بالمدينة ليلتين بقيتا من
جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين ومائة فلما بلغ المنصور ترك بالكوفة وسرح
عيسى بن موسى بن محمد بن عبد اللَّه بن عباس لقتال محمد، فخندق محمد على
المدينة ونزل عيسى الأعوض فتفرق أكثر الناس عن محمد وبقي في شرذمة قليلة
فقاتل عيسى لأيام مضت من شهر رمضان إلى أن قتل عند أحجار الزيت في يوم
الإثنين لأربع عشرة خلت منه وقتل معه كثير وأخذ عيسى المدينة وصلب من أهلها
عالما كثيرا وبسبب محمد هذا ضرب موسى بن عيسى الإمام مالك بن أنس رحمه
اللَّه.
وقد قال كعب الأحبار: إني أجد أحجار الزيت في كتاب اللَّه تعالى وإنها
ستكون بالمدينة ملحمة عندها.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 470، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8305) وقال
الحافظ الذهبي:
في (التلخيص) صحيح على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] ذكر ابن الأثير في (جامع الأصول) أن هذا الحديث لأبي داود فقط.
[ (3) ] موضع بالمدينة قريب من الزوراء، وهو موضع صلاة الاستسقاء. (معجم
البلدان) : 1/ 135 موضع رقم (270) .
(12/377)
وقال محمد بن عبد اللَّه لعبد اللَّه بن
عامر السلمي: تغشانا سحابة فإن أمطرتنا ظفرنا وإن تجاوزتنا إليهم فانظر إلى
دمي عند أحجار الزيت، قال:
فو اللَّه لقد أظلتنا سحابة فلم تمطرنا وتجاوزتنا إلى عيسى بن موسى وأصحابه
فظفروا وقتلوا محمدا ورأيت دمه عند أحجار الزيت.
وأما إخباره عليه أفضل الصلاة والسلام بالخسف الّذي يكون من بعده فكان كما
أخبر
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بن عيينة عن فرات القزاز عن أبي الطفيل،
عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ قال: اطلع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم علينا
ونحن نتذاكر، قال: ما تذكرون؟ قالوا تذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى
ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها،
ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف
بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد
الناس إلى محشرهم.
وخرجه من حديث شعبة عن فرات بنحوه وخرجه الحاكم [ (2) ] من حديث صدقة بن
المنتصر الشعبانيّ عن عمرو بن عبد اللَّه الحضرميّ حدثتني واثلة بن الأسقع
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقول: لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف
في جزيرة العرب، والدجال، والدخان، ونزول عيسى ابن مريم، فيأجوج ومأجوج،
والدابة، وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى
المحشر وتحشر الذر والنمل،
وقال الحاكم هذا حديث صحيح
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 243، كتاب الفتن وأشراط الساعة باب (13)
الآيات التي تكون قبل الساعة، حديث رقم (39) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 474، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8317) . وقال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
(12/378)
الإسناد،
وخرج من حديث يزيد بن هارون قال: أنبأنا سعيد بن إياس الجريريّ، عن أبي
العلاء بن الشخير عن عبد الرحمن بن صحار العبديّ، عن أبيه قال: قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل من العرب»
فيقال من بقي من بني فلان؟ قال: فعرفت حتى قال: قبائل أنها العرب لأن العجم
تنسب إلى قراها [ (1) ] . قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد.
ومن حديث عبد اللَّه بن نمير قال: الحسن بن عمرو الفقيمي عن أبي الزبير عن
عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: «في أمتي خسف ومسخ وقذف
[ (2) ] قال الحاكم إن كان أبو الزبير سمع من عبد اللَّه بن عمر فإنه صحيح
على شرط مسلم.
وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن يعنى بن زبالة، عن محمد ابن يعقوب
بن عتبة، عن عبد اللَّه بن عكرمة بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير [أن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] قال: يكون في آخر أمتي مسخ وخسف وقذف،
وذلك عند ظهور شيء من عمل لوط.
قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: أما الخسف الّذي بالمغرب فذكر الحافظ أبو
الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في كتاب (شذور العقود في تاريخ اليهود) أن في
سنة سبع وثلاثين ومائة ورجعت للكتب من المغرب إن ثلاث عشرة قرن من صف بها
فلم ينفج منها إلا اثنان وأربعون رجلا سود الوجوه وأن في سنة اثنين وأربعين
ومائتين رجمت قرية السويداء بناحية مضر بخمسة أحجار وقع حجر منها على خيمة
أعرابي فاحترقت، ووزن منها حجر فكال عشرة أرطال. وذكر أنه سنة خمس وعشرين
وأربع مائة هدم نحو من نصف رملة لدى فلسطين بالزلزلة وخسف بقرى، وسقط بعض
حائط بيت المقدس.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 4/ 492، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8375) .
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) على شرط مسلم وإن كان أبو الزبير سمع من
عبد اللَّه.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8376) وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : صحيح، وخرجه أيضا في (الترمذي) : 4/ 429، كتاب الفتن، باب (38)
ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف، حديث رقم (2212) .
(12/379)
انتهى. وفي سنة إحدى وتسعين وسبعمائة خسف
بمدينة نشاور من خراسان وهلك. وأنه في صفر هبت عندهم ريح عاصفة ارتجت الأرض
من شدة هبوبها ثم زلزلت زلزلة مهولة اشتد اضطراب الأرض لها بحيث كان
الإنسان والحيوان في غير ذلك يرتفع عن الأرض أكثر من عشرة أذرع وصارت الأرض
تنقل من موضع إلى موضع حتى جميع مباني المدينة بأسرها اهتزت اهتزازا شديدا.
أقامت كذلك أربعة أيام ثم سكتت في اليوم الرابع فاطمأن الناس قليلا وغدا
بريح عاتية تعتعت كل ما هنالك تعتعه عنيفة جدا فانقلبت المدينة حتى صار
عاليها سافلها وابتلعت الأرض ما كان بها من المباني على اختلافها فخسف بها
وبأهاليها عن آخرهم فلم يسلم من الناس مع كثرتهم إلا النادر، وقد بسطت خبر
هذا الخسف في كتاب (السلوك لمعرفة دول الملوك) .
وفي سنة أربع وثلاثين وثمان مائة خسف بثلاث بلاد كبيرة في مرج مدينة
أشجرباطه من جزيرة الأندلس وذلك أنه كانت زلزلة شديدة في شعبان منها بمرج
غرناطة سقط بها مباني كثيرة جدا على سكانها فهلكوا بأجمعهم وابتلعت الأرض
البلاد الثلاثة بأناسها وحيوانها وهي همدان. قال لورة ودارما وخسف أيضا
بعدة مواضع من البلاد المجاورة تعليقا وأقامت الأرض عندهم بعد ذلك خمسة
وأربعون يوما تعثر حتى يسكن الناس الصخر، ولهذه الحادثة مبسط في كتاب
(السلوك) .
(12/380)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بولاية
أمر الناس غير أهلها وما يترقب من مقت اللَّه عند ذلك
فخرج البخاري [ (1) ] في كتاب العلم من حديث محمد بن فليح، عن أبي قال:
حدثني هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه
أعرابى فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يحدث
فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا
قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول اللَّه
قال: «فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» . قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد
الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» .
وذكره أيضا في الرقاق [ (2) ] مختصرا، فخرج في باب الأمانة من حديث فليح بن
سليمان، عن هلال بن على، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا ضيعت الأمانة
فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها يا رسول اللَّه؟ قال: «إذا أسند الأمر إلى
غير أهله فانتظر الساعة» .
وخرج الترمذي [ (3) ] من حديث المستلم بن سعيد، عن رميح الجذامي، عن أبي
هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا اتخذ الفيء دولا،
والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق
أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة
فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القينات
والمعازف،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 188- 189، كتاب العلم، باب (2) من سئل علما وهو
مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل، حديث رقم (59) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 11/ 404، كتاب الرقاق، باب (35) رفع الأمانة،
حديث رقم (6496) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 428- 429، كتاب الفتن، باب (38) ما جاء في
علامة حلول المسخ والخسف، حديث رقم (2211) .
(12/381)
وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها
فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء، وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظم
قطع سلكه فتتابع.
قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وخرج من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري
الأشهلي عن حذيفة بن اليمان رضي اللَّه وتبارك عنه قال: قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن
لكع
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن عمرو [ (1) ] .
وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث وكيع عن الوليد بن عبد اللَّه بن جميع عن
الجهم بن أبي الجهم عن ابن نيار قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم يقول «لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع بن لكع» .
وخرج ابن حبان في (صحيحه) [ (3) ] من حديث أشهل، حدثنا محمد بن إسماعيل
البخاري، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني زفر بن عبد الرحمن ابن أردك، عن
محمد بن سليمان بن والبة، عن سعيد ابن جبير، عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «والّذي نفس محمد بيده، لا تقوم الساعة حتى
يظهر الفحش والبخل، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، ويهلك الوعول، وتظهر
التحوت» قالوا: يا رسول اللَّه، وما الوعول والتحوت؟ قال «الوعول:
وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم» .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 427- 428، كتاب الفتن، باب (37) حديث رقم
(2209) وخرجه أيضا في (مسند أحمد) : 6/ 538، حديث رقم (538) .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 506، حديث رقم (15404) .
[ (3) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 258، حديث رقم (6844) ،
وقال في هامشه إسماعيل بن أبى أويس فيه لين كمال قال الذهبي. ومحمد بن
سليمان لم يوثقه أحد غير المؤلف، وأخرجه البخاري في (تاريخه) : 1/ 98
لإسماعيل بن أبى أويس بهذا الإسناد، وأخرجه الحاكم عن أبي عبد اللَّه بن
محمد بن يعقوب الحافظ، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى الشهيد، والفضل بن محمد
بن المسير الشعراني، قالا: حدثنا إسماعيل ابن أبي أويس به، وقال هذا حديث
رواته كلهم مدنيون مما لم ينسبوا إلى نوع من الجرح، وأقره الذهبي.
(12/382)
وخرج الترمذي [ (1) ] أيضا من حديث عمرو بن
أبي عمرو بهذا السند أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «والّذي
نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث
دنياكم شراركم» .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو.
وخرج الإمام [ (2) ] أحمد من حديث عبد الملك بن عمرو حدثنا كثير بن زيد، عن
داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوما، فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر،
فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم، فجئت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولم آت الحجر، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يقول:
لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن أبكوا عليه إذا وليه غير أهله.
ومن حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وحميد في آخرين عن الحسن، عن أبي
بكرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إنه قال: «إن اللَّه تعالى يؤيد هذا
الدين بالرجل الفاجر [ (3) ] .
وروى أبو سعيد بن يونس. من حديث ابن وهب قال: حدثني ابن لهيعة، بكر بن
سوادة عمن حدثه ابني خثيم قدموا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال لهم:
ما رأيتم؟ قالوا: لا شيء، قال لتخبروني، وفي رواية: قالوا رأينا حمارا قد
علته قوائمه قال: فماذا قلتم؟ قالوا قلنا تعلو سفلة الناس ويتضع سراتهم
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: فإنه كذلك.
ومن طريق وهب قال: أخبرني أبو شريح عبد الرحمن بن شريح، عن إسماعيل بن قاسم
الرعينيّ أن عبد اللَّه بن مسعود قال: لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة
منافقوها.
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 407، كتاب الفتن، باب (9) ما جاء في الأمر
بالمعروف والنهى عن المنكر، حديث رقم (2170) .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 587، حديث رقم (23074) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 2/ 596، حديث رقم (8029) .
(12/383)
ومن طريق ابن وهب قال: حدثني عبد اللَّه
الرحمن بن شريح أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يحدث عن طلحة الخولانيّ، عن أبي
ذر قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ستبتلى هذه الأمة
رجلا وفي رواية تبلى هذه الأمة شرها رجلا
قال: ابن يونس ما أعرف هذا إلا من حديث أبي شريح عبد الرحمن ابن شريح.
وروى بن عباس وأبو بكر يعنى ابن عياش وجرير، عن عبد اللَّه بن العزيز بن
رفيع، عن شداد بن معقل، قال: سمعت عبد اللَّه بن مسعود يقول:
أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما يبقى الصلاة وسيصلي قوم لا دين
لهم.
(12/384)
أما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بكثرة
أولاد الزنا
فخرج الحاكم [ (1) ] من طريق ابن وهب قال: أخبرنى يحيى بن أيوب عن زبان بن
فائد عن سهيل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم قال: لا تزال الأمة على شريعة ما لم تظهر فيهم ثلاث: ما
لم يقبض منهم العلم، ويكثر فيهم ولد الخبث ويظهر فيهم السقارون قالوا: وما
السقارون يا رسول اللَّه؟ قال بشر يكونون في آخر الزمان تكون تحيتهم بينهم
إذا تلاقوا التلاعن.
قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد اللَّه ابن
عثمان عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة عن عبد اللَّه بن أبي رافع، عن
ميمونة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قالت: سمعت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يقول: لا تزال أمتى بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذ
فشا فيهم ولد الزنا فيوشك أن يعمهم اللَّه عز وجل بعقاب.
وقد ظهر ولا قوة إلا باللَّه مع قلة العلم كثرة أولاد الزنا فإن تيمور لما
أخذ بلاد فارس، وعراقي العجم، والعرب، وبلاد الجزيرة، وأرض الروم، والهند،
وبلاد الشام، عاشت رجاله في نساء هذه الممالك وسبوهن فلم تكد ينج منهم إلا
القليل الأقل من النساء فمعظم من في تلك البلاد إنما هم أولاد تلك النساء
اللاتي زنى بهن التيمورية وقد قدم إلى مصر والحجاز واليمن من هؤلاء عالم
كبير ما بين من تسمى بفقيه، ومظهر زي التصوف وتاجر واختلطوا بالناس، ونكحوا
من نسائهم، فدلت أخلاقهم وطرائقهم في دينهم ودنياهم على خبث أصولهم وللَّه
الأمر من قبل ومن بعد،
وقد قالت أم سليم: يا رسول اللَّه أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر
الخبث.
فسّره أهل العلم بأولاد الزنا فيا لها بطشة من اللَّه بعباده وأشنعها.
توفاني اللَّه قبلها.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 491، كتاب الفتن والملاحم باب (50) حديث رقم
(8371) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : منكر، وزبان لم يخرجا له.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 469، حديث رقم (26290) .
(12/385)
وأما إخباره عليه
الصلاة وأتم التسليم بعود الإسلام إلى الغربة كما بدأ، وأنه تنقض عراه
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث مروان عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي
هريرة رضي اللَّه تبارك عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء.
ومن حديث عاصم بن محمد العمري، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن
الإسلام بدأ غريبا فطوبى للغرباء.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث ابن مسعود إنما نعرفه من حديث حفص
بن خباب، عن الأعمش. وأبو
__________
[ (1) ] (جامع الأصول) : 1/ 275- حديث رقم (62) ، (63) .
قال النووي في شرح مسلم:
«بدأ الإسلام غريبا»
كذا ضبطناه: «بدأ» بالهمزة من الابتداء و «طوبى» فعلى من الطيب. قال
الفراء: وإنما جاءت الواو لضمة الطاء، قال: وفيها لغتان.
تقول العرب: طوباك، وطوبى لك.
وأما معنى «طوب» فاختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: طُوبى لَهُمْ [الرعد:
29] فروى عن ابن عباس أن معناه: فرح وقرة عين، وقال عكرمة: نعمى لهم، وقال
الضحاك: غبطة لهم وقال قتادة: حسنى لهم، وعن قتادة أيضا معناه: أصابوا
خيرا، وقال إبراهيم: خير لهم وكرامة. وقال عجلان: دوام الخير، وقيل: الجنة،
وقيل: شجرة في الجنة، وكل هذه الأقوال محتملة الحديث.
وقال القاضي عياض: روى ابن أبي أويس عن مالك: معنى بدأ غريبا، أي بدأ
الإسلام غريبا في المدينة، وسيعود إليها.
وظاهر الحديث العموم، وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر
وظهر، ثم سيلحق أهله النقص والاختلاف، حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا
بدأ.
وجاء في الحديث تفسير الغرباء «هم النزاع من القبائل» قال الهروي: أراد
بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى اللَّه تعالى.
نقول وللحافظ ابن رجب الحنبلي رسالة قيمة استوفى فيها شرح هذا الحديث سماها
«كشف الكربة في وصف أهل الغربة» .
(12/386)
الأحوص اسمه عوف بن مالك بن نصله الجشمي
تفرد به حفص.
ومن حديث إسماعيل بن أبي فديك حدثني كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف بن
يزيد بن مسلخه، عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
«إن [ (1) ] الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها وليعقلن
الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل إن الدين بدأ غريبا، وسيعود كما
بدأ فطوبى للغرباء وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس [من بعدي] من سنتي. قال
ابو عيسى: هذا حديث حسن، وخرجه أبو بكر الآجري من حديث حفص بن غياث عن
الأعمش، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى
للغرباء. قيل ومن هم يا رسول اللَّه؟ قال الذين يصلحون إذا فسد الناس.
وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث محمد بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث، عن
الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الإسلام
بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل ومن الغرباء؟ قال:
النزاع من القبائل، والّذي نفس أبي القاسم بيده ليأرزن الإسلام بين هذين
المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها.
ومن حديث ابن لهيعة، عن الحرث بن يزيد، عن جندب بن عبد اللَّه أنه سمع
سفيان بن وهب يقول: سمعت عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال:
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: طوبى للغرباء فقيل
من الغرباء يا رسول
__________
[ (1) ] (جامع الأصول) : 9/ 341، حديث رقم (6974) .
«قوله» : ليعقلن أي: لبعضهم ويلتجئ ويحتمي.
«وقوله» : (الأروية) : الشاة الواحدة من شياه الجبل، وجمعها: أروى.
«قوله» : (طوبى) :
اسم الجنة، أي: فالجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا غرباء في أول الإسلام
والذين يصيرون غرباء بين الكفار في آخره لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا،
أو لزومهم الإسلام.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 657- 658، حديث رقم (3775) باختلاف يسير في
اللفظ.
(12/387)
اللَّه؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء
كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم [ (1) ] .
وقال عبد اللَّه بن أبي فروة، عن يوسف بن سليمان، عن جدته ميمونة، عن عبد
اللَّه الرحمن بن شيته الأسلمي أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول:
بدأ الإسلام غريبا ثم يعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل يا رسول
اللَّه ومن الغرباء؟ قال الذين يصلحون إذ أفسد الناس، والّذي نفسي بيده
ليأرزن الإسلام بين هذين المسجدين كما تأرز الحية إلى حجرها.
قال ابن عبد الرحمن بن شيبة الأسلمي روي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
الإسلام بدأ غريبا
الحديث وفي الإسناد عنه ضعف.
وخرج [أبو عبد اللَّه الحاكم] [ (2) ] من حديث الوليد بن مسلم، حدثني عبد
العزيز، عن إسماعيل بن عبيد اللَّه أن سليمان بن حبيب حدثهم عن أبي أمامة
الباهلي، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لتنتقض عري الإسلام
عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبثت بالتي تليها، وأول نقضها الحكم، وآخرها
الصلاة.
قال الحاكم: والإسناد كله صحيح.
ومن حديث هيثم بن خارجة، عن ضمرة، عن يحيى بن أبي عمرو، عن ابن هزور
اليلمي، عن ابنه قال: قال صلّى اللَّه عليه وسلم: لتنقضوا [ (3) ] الإسلام
عروة كما ينقض الحبل فوة فوة
ومن حديث الأوزاعي حدثني أبو عمار قال حدثني جابر ابن عبد اللَّه قال: قدمت
من سفر فجاءني جابر يسلم عليّ فجعلت أحدثه بافتراق الناس وما أحدثوا فجعل
جابر يبكي ثم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن الناس
دخلوا في دين اللَّه أفواجا وسيخرجون منه أفواجا والحمد للَّه رب العالمين
على كل حال.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 370، حديث رقم (6612) .
[ (2) ] في (الأصل) : «الإمام أحمد» ، والصواب ما أثبتناه. (المستدرك) : 4/
104، كتاب الأحكام حديث رقم (7022) .
[ (3) ] راجع التعليق السابق.
(12/388)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتغلب
الترك على أهل الإسلام فكان كما أخبر
فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث بشير بن المهاجر قال: حدثني عبد اللَّه
ابن بريدة، عن أبيه قال: كنت جالسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فسمعت
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول:
إن أمتي يسوقها قوم عراض الأوجه، صغار الأعين كأن وجوههم مثل الحجف ثلاث
مرات حتى يلحقوهم بجزيرة العرب أما السابقة الأولى: فينجو من هرب منهم،
وأما الثانية: فينجو بعض ويهلك بعض، وأما الثالثة: فيصطلون كلهم من بقي
منهم، قالوا: يا رسول اللَّه من هم؟ قال: هم الترك، قال أما والّذي نفسي
بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين قال: وكان بريدة لا يفارقه
بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية بعد ذلك للهرب مما سمع من النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم من البلاء من أمراء الترك.
وخرجه الحاكم بنحو أو قريب منه وقال هذا حديث صحيح الإسناد.
قال المؤلف عفا اللَّه عنه: وله شواهد تقدمت، وقد أوضح صحة هذا الحديث ما
كان من خروج جنكيزخان وأولاده واستيلائهم من سنة بضع عشرة وستمائة على
ممالك الشرق وعراقي العرب والعجم إلى حدود جزيرة العرب واصطلامهم أهل
الإسلام من تلك الممالك.
وذكر الحاكم من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين أن ابن
مسعود قال: كأني بالروم قد أتتكم على براذين محدمة الأذان حتى تربطها بشط
الفرات. ومن طريق قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن
عبد اللَّه بن عمرو قال: يوشك [ (2) ] بنو قنطوراء بن كركر أن يخرجوا أهل
العراق من أرضهم. قلت: ثم يعودون؟
قال: إنك لتشتهي ذلك! قال: ويكون لهم سلوة من عيش.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 478، حديث رقم (22442) ، (المستدرك) 4/ 521، كتاب
الفتن، باب (50) ، حديث رقم (8463) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 522، كتاب الفتن والملاحم باب (50) حديث رقم
(8466، 8467) .
(12/389)
قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين، وبنو
قنطور هم الترك.
قال المؤلف- عفا اللَّه عنه-: قد أخرج الترك أهل العراق ونزلوا شاطئ الفرات
في سنة ست وخمسين وستمائة.
وذكر عبد اللَّه بن قتيبة من حديث عبد اللَّه بن وهب، عن حمزه بن عبد
اللَّه، عن محمد بن حلجة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عبد اللَّه بن
صفوان، عن حفصة أم المؤمنين أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا
سمعتم بناس يأتون من قبل المشرق إلى زهاء يعجب الناس من زيهم، فقد أظلت
الساعة.
قوله إلى زهاء يريد إلى عدد كثير وهو من قولك هم زهاء ألف أي قدر ألف
ويقال: كم زهاء القوم؟ أي كم حرزهم وقدرهم [ (1) ] واللَّه أعلم.
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالزلازل
فاعلم أنه لم يأت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من وجه صحيح، أن الزلزلة
كانت في عصره ولا صحت عنه فيها سنّة، وأول زلزلة كانت في الإسلام في عهد
عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأنكرها.
روى سفيان بن عيينة، عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن
نافع، عن صفية رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قال: زلزلت المدينة على عهد
عمر رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه حتى اصطكت البيوت، فقام فحمد اللَّه
وأثنى عليه ثم قال: ما أسرع ما أحدثتم! واللَّه لئن عادت لأخرجن من بين
أظهركم.
وخرج ابن حبان في [صحيحه] من حديث أرطاة بن المنذر قال:
حدثني ضمرة بن حبيب قال: سمعت سلمة بن نفيل الكوفي قال: كنا جلوسا عند
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يوحي إليه فقال: إني غير لابث فيكم ولستم
لابثين بعدي إلا
__________
[ (1) ] (جمع الجوامع للسيوطي) : حديث رقم (2008) .
(12/390)
قليلا وستأتوني أفنادا، يفني بعضكم بعضا،
وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل [ (1) ] .
وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث أرطاة من المنذر قال: حدثني ضمرة ابن
حبيب قال: سمعت سلمة بن نفيل السكونيّ قال: قال قائل: يا رسول اللَّه هل
أثبت بطعام من السماء؟ قال: نعم، قال: وبماذا؟ قال بسخنة، قالوا:
فهل كان فيها فضل عنك؟ قال: نعم، قال: فما فعل به؟ قال رفع وهو يوحى إلى
أني مكفوت غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلا، بل تلبثون حتى
تقولوا متى، وستأتون أفنادا يفني بعضكم بعضا، وبين يدي الساعة موتان شديد
وبعده سنوات الزلازل.
وخرج الحاكم من حديث محمد بن فضل بن غزوان حديثا صدقه ابن المثنى، عن رباح
بن المثنى، عن أبي بردة قال: بينا أنا واقف في السوق في إمارة زياد إذ ضربت
بإحدى يدي على الأخرى تعجبا! فقال رجل من الأنصار قد كانت لوالدي صحبة مع
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مما تعجب يا أبا بردة؟ قلت: أعجب من قوم
دينهم واحد، ونبيهم واحد، ودعوتهم واحدة، وحجهم واحد، وغزوهم واحد، ويستحل
بعضهم! قتل بعض قال: فلا تعجب
فإنّي سمعت والدي أخبرني
__________
[ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 180، كتاب التاريخ، باب
(10) إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث،
حديث رقم (6777) وإسناد صحيح. أبو المغيرة:
هو عبد القدوس بن الحجاج الخولانيّ.
وأخرجه أحمد: 5/ 74، حديث رقم (16516) عن أبي المغيرة، بهذا الإسناد. وقال
في أوله: «كنا جلوسا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! إذ قال له
قائل: يا رسول اللَّه، هل أتيت بطعام من السماء؟ قال: «نعم» ، قال: وبماذا؟
قال: بمسخنة في (المسند) «بسخنة» ، والمسخنة:
قدر يسحن فيها الطعام، قال: فهل كان فيها فضل عنك؟ قال: نعم «، قال: فما
فعل به؟
قال: رفع، وهو يوحي إلى أني مكفوت غير لابث..»
فذكره. والأفناد: الفرق المختلفين، الواحد فند. والموتان بوزن البطلان:
الموت الكثير الوقوع.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 74، حديث رقم (16516) .
(12/391)
أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول:
إن أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة حساب ولا عذاب إنما عذابها في
القتل والزلازل والفتن [ (1) ] .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وخرجه أبو داود كما تقدم.
وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث نعيم بن حماد، حدثنا بقية بن الوليد، عن يزيد
بن عبد اللَّه الجهمي، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
دخلت على عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها ورجل معها، فقال الرجل: يا أم
المؤمنين حدثينا عن الزلزلة، فأعرضت عنه بوجهها. قال أنس: فقلت لها حدثينا
يا أم المؤمنين عن الزلزلة. فقالت: يا أنس، إن حدثتك عنها عشت حزينا وبعثت
حين تبعث وذلك الحزن في قلبك، فقلت: يا أماه حدثينا. فقالت:
إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ما بينها وبين اللَّه عز
وجل من حجاب، وإن تطيبت لغير زوجها كان عليها نارا وشنارا، فإذا استحلوا
الزنا، وشربوا الخمور بعد هذا، وضربوا المعازف، غار اللَّه في سمائه، فقال
للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم.
وفي الحديث قصة تركتها، وأول زلزلة كانت في الإسلام سنة عشرين على عهد عمر
رضى اللَّه وتبارك عنه فأنكرها، وقال: أحدثتم، واللَّه لئن عادت لأخرجن من
بين أظهركم. رواه سفيان بن عيينة عن عبد اللَّه بن عمر عن صفية قال: زلزلت
المدينة على عهد عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى اصطكت البيوت، فقام
فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: ما أسمع ما أحدثتم، واللَّه لئن عادت
لأخرجن من بين أظهركم.
قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: وفي سنة أربع وتسعين دامت الزلازل في
الدنيا أربعين يوما فوقعت الأبنية الشاهقة وتهدمت أنطاكية.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 283، كتاب التوبة والإنابة، حديث رقم (7649) ،
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 561، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8575) ، وقال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل أحسبه موضوعا على أنس، ونعيم منكر الحديث
إلى الغاية مع أن البخاري روى عنه.
(12/392)
وفي سنة أربع وعشرين ومائتين من الهجرة
النبويّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وأزكى التحيات، وأجل الإكرام
زلزلت فرغانة فمات منها خمسة عشر الفا.
وفي سنة عشرين ومائتين جفت الأهواز فتصدعت الجبال ودامت ستة عشر يوما.
وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين من الهجرة النبويّة رجفت دمشق رجفة انقضت
منها البيوت وسقطت على من فيها، فمات خلائق كثيرة من ذلك، وانكفأت قرية
بالغوطة على أهلها فلم ينج منهم سوى رجل واحد، وزلزلت أنطاكية فمات منها
عشرون ألفا.
وفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين زلزلت جرجار، وطبرستان، ونيسابور، وأصبهان،
وقم، وقاشان، في وقت واحد، وزلزلت الافغان فهلك من أهلها خمسة وعشرون ألفا
وتقطعت الجبال ودنا بعضها من بعض وسمع للسماء والأرض أصوات عالية، وسار جبل
لم يكن عليه مزارع حتى أتى مزارع قوم آخرين، ووقع طائر أبيض دون الرخمة
وفوق الغراب على دابة بحلب لسبع سنين من شهر رمضان المعظم فصاح بصوت عال
يسمعه الناس:
يا معشر الناس اتقوا اللَّه، اللَّه، اللَّه، حتى صاح أربعين صوتا فكتب
صاحب البريد بذلك إلى الخليفة ببغداد وأشهد على ذلك خمسمائة إنسان ممن
سمعوه، وكتب أسماءهم إلى الخليفة.
وفي سنة خمس وأربعين ومائتين من الهجرة النبويّة على صاحبها الصلاة والسلام
وأزكى التحيات وأجلّ الاكرام، زلزلت أنطاكية فسقط منها ألف وخمسمائة دار
ووقع من سورها بضع وتسعون برجا وسمعت أصوات هائلة من كبرى المنازل، وسمع
بمدينة نبتيس صيحة هائلة دامت مدة فمات منها خلق كثير، وذهب جبلة بأهلها،
وفي سنة ثمان وثمانين ومائتين من الهجرة والنبويّة على صاحبها أفضل الصلاة
والسلام وأزكى التحيات وأجل الإكرام، زلزلت دبيل ليلا ولم يبق منهم إلا
اليسير، فأخرج من تحت الهدم من مات تحت الأماكن الساقطة بالزلزلة المذكورة
خمسون ومائة ألف ميت.
(12/393)
وفي سنة أربع وثلاثين وأربع مائة من الهجرة
النبويّة وقعت زلزلة بتبريز فهدمت قلعتها وأسواقها، ودورها، فهلك تحت الهدم
نحو من خمسين الفا.
وفي سنة أربع وأربعين أربع مائة كانت بأرّجان زلازل انقلعت منها الحيطان
وانفرج إيوان دار، حتى رئيت السماء من وسطه ثم عاد إلى حاله الأول والتأم
كما كان.
وفي سنة ستين وأربعمائة زلزلت فلسطين، فهلك فيها خمسة عشر ألفا وانشقت صخرة
بيت المقدس، ثم عادت والتأمت، وغار البحر مسيرة يوم، فساخ في الأرض، ثم
رجع، فهلك به خلق كثير.
وفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة، خسف بأيلة من زلزلة كانت بها.
وفي سنة سبع وخمسمائة، زلزلت نواحي الشام فوقع ثلاثة عشر برجا من سور
الزها، وخسف بسميساط وقلب بنصف القلعة.
وفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، كانت زلزلة بحرة أتت علي مائة ألف وثلاثين
ألف، فأهلكتهم، وكانت في مقدار عشرة فراسخ، ثم خسفت في سنة أربع وثلاثين
فصار موضع البلد ماء أسود، وفيها زلزلت حلوان، فتقطع الجبل وهلك خلائق بها.
وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة كانت بالشام زلازل، هلك منها خلائق كثيرة،
إلى غير ذلك من الأهوال.
تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الثاني عشر ويليه الجزء الثالث عشر وأوله: وأما
إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بغلبة المسلمين على الأعمال الدنيوية
(12/394)
|