إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر ما سجّي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته وثيابه التي قبض فيها
خرج البخاري في كتاب اللباس [ (1) ] من (صحيحه) حديث شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: إن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة.
وخرجه مسلم [ (2) ] من طريق صالح، عن ابن شهاب قال: إن أبا سلمة أخبره أن عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: سجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثوب حبرة.
وخرجه من حديث شعيب عن الزهري، وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث صالح عن ابن شهاب وخرجه الإمام [ (4) ] أحمد من حديث أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كساء ملبدا وإزارا غليظا، فقالت: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذين.
أخرجه البخاري ومسلم.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 339، كتاب اللباس، باب (18) البرود والحبر والشملة، وقال خباب: شكونا إلى النبي (ص) وهو متوسد بردة له، حديث رقم (5814) .
قوله: (سجي) بضم أوله وكسر الجيم الثقيلة، أي غطّي وزنا ومعنى، يقال سجيت الميت إذا مددت عليه الثوب، وكان المصنف رمز إلى ما جاء عن عمر بن الخطاب في ذلك، فأخرج أحمد من طريق الحسن البصري:
أن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أراد أن ينهي عن حلل الحبرة لأنها تصبغ بالبول، فقال له أبي: ليس ذلك لك، فقد لبسهن النبي (ص) ولبسناهن في عهده. والحسن لم يسمع من عمر.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 300- 301، كتاب اللباس والزينة باب (6) التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه، واليسير في اللباس والفراش وغيرها وجواز لبس الثوب الشعر وما فيه أعلام، حديث رقم (34) ، (35) .
[ (3) ] لعله في (الكبرى) .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 50، حديث رقم (23517) ، من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-.

(14/565)


فصل في ذكر ما جاء في غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قال ابن عبد البر: ولم يختلف في أن الذين غسلوه عليّ والفضل بن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، واختلف في العباس، وأسامة بن زيد، وقثم بن العباس، وسعد فقيل: هؤلاء كلهم شهدوا غسله، وقيل لم يغسله غير عليّ والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، كان يصب الماء عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل كان يغسله.
وقيل: كان الناس قد تنازعوا في ذلك، فصاح أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا معشر الناس كل قوم أولى بجنائزهم من غيرهم، فانطلق الأنصار إلى العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقلبانه وأسامة ابن زيد وقثم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يصبان الماء على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
وروى من وجه آخر أن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان بالباب، لم يحضر الغسل، يقول: لم يمنعني أن أحضره إلا أني كنت أراه صلى اللَّه عليه وسلم يستحي أن أراه حاسرا.
قال سيف: عن سعيد، عن أبي الغراء، عن أبي مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: صدرنا في قبر النبي عن رأى أبي بكر والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ولولا ذلك لكنا كأن لم نسمع من النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك ما سمعنا، ولقد كان احتبس منا، فأما أبو بكر فحفظه، وأما العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فكان رأيا منه.
قال سيف: عن هشام بن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: كان سرير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أقصي البيت مما يلي الحائط في وسطه ما بين الحائطين، وكان فرشه قدام سريره ملصق بالسرير في وسط ما بين الحائطين، وكان فصل البيت من عند رأس السرير، والفراش من عند رجل السرير، والفراش يسير، لا يكون فصل بينهما ذراعين يزيد قليلا أو ينقص.
قال الواقدي في كتاب (المغازي) : حدثنا ابن أبي خثيمة عن داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه عنهما- قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال المهاجرون: الشق، وقالت الأنصار. اللحد، وكان بالمدينة رجلان، أحدهما يلحد، والآخر يشق، وكان أبو طلحة- رضي اللَّه

(14/566)


تبارك وتعالى عنه- يلحد، وذلك عمل أهل المدينة، وكان أبو عبيدة بن الجراح- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يشق وذلك عمل أهل مكة، فدعا العباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة، وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة، ثم قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: اللَّهمّ خر لنبيك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واختلفوا أين يقبر صلى اللَّه عليه وسلم، فقال قائل: بالبقيع، فإنه كان يكثر الاستغفار لأهل البقيع وأصحابه، وقال قائل: ادفنوه عند منبره، وقال قائل: ادفنوه في مصلاه،
فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إن عندي فيما تختلفون فيه علما، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض، فحط حول الفراش، ثم حول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالفراش في ناحية البيت،
وحفر أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- القبر فانتهى به إلي أصل اللحد إلى القبلة، وجعل رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مما يلي بابه الّذي كان يخرج منه إلى الصلاة، فبينما هم على ذلك جاء المغيرة بن شعبة إلى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وأخبره بخبر الأنصار، فذكر عمر لأبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتابع الناس أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في سقيفة بني ساعدة، ثم انصرفوا إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار، وقمن النساء فخرجن من بيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فاختلفوا في غسله كيف يغسل، ومن أين يغسّل قال قائل: من بئر السقيا، وقال قائل: من بئر أريس، وقال قائل من بئر بضاعة وأجمعوا أن يغسل من بئر أريس وكان يشرب منها.
وقال سيف: عن يحيي بن سعيد قال: كان بالمدينة رجلان يحفران، أحدهما يضرح وهو أبو عبيدة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والآخر يلحد وهو أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقالوا: يبعث رجلين كلاهما ما سبق وليناه ذلك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاء ولم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فحفر له ولحوا.
وقال محمد بن عابد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد العزيز بن أبي

(14/567)


داود أنهم قالوا ندفنه في بقيع الغرقد قالوا يوشك عواد يعودون بقبره من عبيدكم وإمائكم فلا يعادون.
قال: فقال قائل: ادفنوه في مسجده، فقالوا: فكيف وقد لعن قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؟ قالوا: نحمله إلى حرم اللَّه تعالى ومأمنه ومولده ودار قومه، قال: كيف يفعلون ذلك ولم يعهد إليكم عهدا؟ فأشار عليهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بدفنه في موضع فراشة، فقبلوا ذلك من رأيه.
وقال: عن محمد بن عون، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما فرغ من القبر وصلى الناس الظهر أخذ العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فضرب عليه كله من ثياب ثمانية صفاق في جوف البيت فدخل الكل، فدعا عليا والفضل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وكان الفضل يعينهما فإذا ذهب إلى الماء ليعطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله ورجال من بنى هاشم من وراء الكل ممن أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي وسألوه، منهم أوس بن خولي.
وقال سيف: عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ضرب كله من ثمانية ثياب صفاق فصارت سنة فينا، وفي كثير من صالحي الناس، ثم أذن لرجال من بنى هاشم فقعدوا بين الحيطان والكلة، وسأله الأنصار أن يدخل منهم رجلا، فأدخل أوس ابن خولي ثم دخل العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الكلة ودعا عليا، والفضل وأبا سفيان، وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، وكان الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب الماء والمعونة، فإذا شغله الصب أعقبه أبو سفيان وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فلما اجتمعوا في الكلة ألقى عليهم العباس وعليّ من وراء الكلة في البيت، حتى ما منهم أحدا إلا وذقنه في صدره يغط، فناداهم مناد فانتبهوا به وهو يقول: ألا لا تغسلوا النبي فإنه كان طاهرا، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ألا بلى، وقال أهل البيت: صدق فلا تغسلوه وغشيهم النعاس ثانية، فناداهم مناد فانتبهوا وهو يقول: اغسلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه ثيابه، فقال أهل البيت اغسلوا ألا اغسلوا رسول اللَّه، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلا نعم، وقد: كان العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حيث دخل قعد متربعا وأقعد عليا متربعا فتواجها، وأقعدا النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم على حجريهما،

(14/568)


فنودوا: أن اضجعوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ظهره، ثم اغسلوه، فأضجعاه ثم أخذا في غسله ولم يغتسل إلا بالماء القراح وطيبوه بالكافور، ثم اعتصر قميصه ومحوله، وخبطوا مساجده، ومفاصله، وذراعيه، ووجهه، وكفيه، وقدميه، ثم أدرجوا أكفانه على قميصه ومحوله، وجمّروه عودا وندي، ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه.
قال سيف: وحدثني قيس، عن أنس بن الجليس، عن الضحاك بن مزاحم، قال: سمعت ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يذكر غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويذكر ما حدث فقلت: يا عباس وكيف يكون مستورا ومعه في البيت رجال؟ ولم أكن فهمت حديثه، فقال: إن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان ضرب عليه كله من ثياب صفاق وكان الرجال من ورائها وكذلك تغسل موتانا ونسترهم من سقوف البيت ففعلنا ذلك به، ثم ضربنا عليه ملاحفنا ثم حللناها فغسلناه من تحتها.
وخرج أبو داود من حديث ابن الجارود من حديث ابن مسلمة عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني يحيي بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه عباد بن عبد اللَّه بن الزبير قال: سمعت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما أرادوا غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا واللَّه ما ندري أن يتجرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقي عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره، ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: فاغسلوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعليه قميصه، تصبون عليه الماء، قالت: فقاموا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يغسلونه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم.
قال: وكانت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تقول: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. إلى هنا انتهى حديث أبي داود.
وترجم عليه: باب الميت يستر عند الغسل. وزاد ابن الجارود بعد قوله: ما غسله إلا نساؤه: فلما فرغنا من غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب صحارية وبرد حبره، أدرج فيهن إدراجا كما حدثني ابن محمد عن أبيه عن جده عليّ بن الحسن.
وخرج الحاكم حديث أبي داود من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق

(14/569)


بسنده ومتنه، وقال: حديث صحيح على على شرط مسلم [ (1) ] .
وخرجه البيهقي وقال: هذا إسناد صحيح وشاهده ما أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: أخبرنا أبو قتيبة مسلم بن الفضل الأدمي بمكة، قال: حدثنا إبراهيم بن هشام البغوي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو بردة بريد بن عبد اللَّه، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو بردة بريد بن عبد اللَّه، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: لما أخذوا في غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هم بمناد من الداخل: لا تخرجوا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قميصه.
حدثنا محمد بن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عبد اللَّه بن الحارث، قال: غسّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، وعلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم قميصه، وعلى يد علي خرقه يغسله بها، فأدخل يده تحت القميص، وغسله. والقميص عليه [ (2) ] .
وقال الواقدي: حدثني محمد بن عمر، عن عبد اللَّه بن محمد بن عمر ابن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده، عن علي بن أبي أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما أخذنا في جهاز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أغلقنا الباب دون الناس جميعا فنادت الأنصار: نحن أخواله ومكاننا من الإسلام مكاننا! ونادت قريش: نحن عصبته! فصاح أبو بكر: يا معشر المسلمين كل قوم أحق بجنازتهم من غيرهم، فننشدكم اللَّه فإنكم إن دخلتم أخرتموهم عنه، واللَّه لا يدخل عليه أحد إلا من دعي.
أخبرنا محمد بن عمر قال: فحدثني عمر بن محمد بن عمر، عن أبيه، عن علي بن حسين قال: نادت الأنصار: إن لنا حقا فإنما هو ابن أختنا ومكاننا من الإسلام مكاننا، وطلبوا إلى أبي بكر، فقال: القوم أولى به فاطلبوا إلى عليّ وعباس فإنه لا يدخل عليهم إلا من أرادوا.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صغير، قال: غسّل النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عليّ، والفضل وأسامة ابن زيد وشقران يصبون الماء.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 61- 62، كتاب المغازي والسرايا، حديث 38 رقم (4398) ، وسكت عنه الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 242- 243.

(14/570)


أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: غسّل النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي وكفنه أربعة: عليّ والعباس والفضل وشقران.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني هشام بن عمارة، عن أبي الحويرث، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عليّ والفضل وأمروا العباس أن يحضر عند غسله، فأبى، فقال: أمرنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن نستتر.
أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: غسّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ والفضل بن عباس، وكان يقلبه، وكان رجلا أيدا، وكان العباس بالباب، فقال: لم يمنعني أن أحضر غسله إلا أني كنت أراه يستحيى أن أراه حاسرا.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه، قال: غسّل النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عليّ، والفضل، والعباس وأسامة ابن زيد، وأوس بن خولي، ونزلوا في جفرته.
أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد اللَّه بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ: أنه غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعباس، وعقيل بن أبي طالب، وأوس بن خوالى، وأسامة بن زيد.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني الزبير بن موسى قال: سمعت أبا بكر بن أبي جهم يقول: غسّل النبيّ (ص) علي، والفضل، وأسامة بن زيد، وشقران، وأسنده عليّ إلى صدره، والفضل معه يقلبونه، وكان أسامة وشقران يصبان الماء عليه، وعليه، قميصه، وكان أوس بن خولي قال: يا عليّ! أنشدك اللَّه وحظنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم! فقال له عليّ: ادخل! فدخل فجلس.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، قال: أخبرنا ابن جريج عن أبى جعفر محمد بن علي قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث غسلات بماء وسدر، وغسل في قميص، وغسل من بئر يقال لها الغرس، لسعد بن خيثمة بقباء، وكان يشرب منها، وولي عليّ غسله، والعباس يصب الماء، والفضل محتضنة يقول: أرحني، أرحني، قطعت وتيني! إني أجد شيئا يتنزل عليّ مرتين.
أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي، عن مسعود بن سعد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث: أن عليا لما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم قام

(14/571)


فارتج الباب، قال: فجاء العباس معه بنو عبد المطلب، فقاموا على الباب، وجعل عليّ يقول: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا! قال: وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها قطّ، قال: فقال العباس لعليّ: دع خنينا كخنين المرأة، وأقبلوا على صاحبكم! فقال عليّ: أدخلوا عليّ الفضل، قال: وقالت الأنصار: نناشدكم اللَّه في نصيبنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأدخلوا رجلا منهم يقال له أوس بن خولي، يحمل جرة بإحدى يديه، قال: فغسله عليّ، يدخل يده تحت القميص، والفضل يمسك الثوب عليه، والأنصاري ينقل الماء، وعلى يد عليّ خرقة يدخل يده وعليه القميص.
أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر الزهري، عن عبد الواحد بن أبي عون قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في مرضه الّذي توفى فيه: اغسلني يا علي إذا مت! فقال: يا رسول اللَّه ما غلست ميتا قط! فقال رسول صلى اللَّه عليه وسلم: إنك ستهيأ أو تيسر. قال عليّ: فغسلته، فما آخذ عضوا إلا تبعني، والفضل آخذ بحضنه يقول: أعجل يا عليّ، انقطع ظهري.
أخبرنا الفضل بن دكين، عن سفيان، عن ابن جريج قال: سمعت أبا جعفر قال: ولي سفلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، حدثني سعيد بن المسيب.
وأخبرنا محمد بن حميد العبديّ ومحمد بن عمر، عن معمر، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، وأخبرنا يحيى بن عباد، أخبرنا عبد اللَّه بن المبارك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: التمس عليّ من النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند غسله ما يلتمس من الميت فلم يجد شيئا فقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا [ (1) ] .
وخرجه الحاكم من طريق إبراهيم بن ديزيل وإبراهيم بن نصر الرازيّ قالا:
حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: غسلت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجعلت انظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 277- 281.

(14/572)


وميتا وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] .
وخرج الواقدي من حديث محمد بن عبد اللَّه ومعمر عن الزهري، عن ابن المسيب قال: ولي غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وكفنه أربعة: العباس، وعليّ، والفضل وشقران- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-.
حدثني مصعب بن ثابت، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد اللَّه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا نساؤه، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما قبض اختلف أصحابه في غسله، فقال بعضهم: اغسلوه وعليه ثيابه، فبينما هم كذلك أخذتهم نعسة فوقع لحي كل إنسان على صدره، فقال قائل، لا ندري من هو: اغسلوه وعليه ثيابه [ (2) ] .
وخرج البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر قال: قلت من غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: غسله علي وأسامة، والفضل بن العباس، قال:
وأدخلوه قبره وكان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول وهو يغسله:
يأبى وأمي- طبت حيا وميتا [ (3) ] .
ومن طريق مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: غسلت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذهبت انظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا. وكان صلى اللَّه عليه وسلم طيبا حيا وميتا
قال: وولي دفنه صلى اللَّه عليه وسلم وإجنانه دون الناس أربعة علي، والعباس، والفضل، صالح مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولحد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحدا ونصب عليه اللبن نصبا [ (4) ] .
وخرج الامام احمد من حديث ابن إسحاق قال: حدثني حسين بن عبد اللَّه، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما اجتمع القوم لغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وليس في البيت إلا أهله، عمه العباس، وعلي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وصالح مولاه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان بدريا- عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا عليّ
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 61، كتاب المغازي والسرايا، باب (30) المغازي والسرايا، حديث رقم (4397) وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] (سبق تخريجه) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 243.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 244.

(14/573)


نشدتك اللَّه وحظنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ادخل فدخل فحضر غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا. قال: فأسنده عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي صدره وعليه قميصه، وكان العباس والفضل وقثم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- يقلبونه مع علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان أسامة، وصالح مولياه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يصبان الماء، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شيئا مما نرى من الميت، وهو يقول بابي وأمي ما أطيبك حيا وميتا
حتى إذا فرغوا من غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- وكان يغسل بالماء والسدر- ثم جففوه، ثم صنع به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب، ثوبين أبيضين، وبرد حبرة ثم دعا، العباس رجلين، فقال: ليذهب أحدكما إلى أبي عبيدة بن الجراح- الأنصاري- وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة قال: ثم قال العباس لهما حين سرحهما: اللَّهمّ خر لرسولك، قال: فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وقال البيهقي: روى أبو عمر بن كيسان عن زيد بن بلال قال: سمعت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أوصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه. وقال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كان العباس، وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يتناولان الماء من وراء الستر. قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فما تناولت عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله.
وخرج البيهقيّ من طريق يونس عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قال: كان الّذي غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب عليه الماء. قال: فما كنا نريد أن نرفع عضوا عنه صلى اللَّه عليه وسلم، لنغسله، إلا رفع لنا حتى انتهينا إلى عورته، فسمعنا من جانب البيت صوتا: لا تكشفوا عن عورة نبيكم.
ومن طريق يونس عن المنذر بن ثعلبة عن العلباء بن أحمر، قال: كان علي والفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- يغسلان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنودي: يا علي ارفع طرفك إلي السماء.
ومن طريق الحسين بن جعفر، عن سفيان، عن عبد الملك بن جريج قال:
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 430، حديث رقم (2353) ، مسند عبد اللَّه بن عباس.

(14/574)


سمعت محمد بن علي أبا جعفر، قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ثلاثا بالسدر، وغسل صلى اللَّه عليه وسلم وعليه قميصه، وغسل صلى اللَّه عليه وسلم من بئر يقال لها الغرس بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يشرب منها، وولي غسله عليّ والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- محتضنه، والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب الماء، فجعل الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئا يتسلط عليّ [ (1) ] .
وخرج الإمام أحمد من طريق يحيي بن يمان، عن حسن بن صالح، عن جعفر بن محمد قال: كان الماء يستنقع في جفون النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يحسوه [ (2) ] .
وذكر عن معاذ قال: إن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان كلما اجتمع من الماء شيء في معاينه أو محاجره امتصه، فلذلك كان علي أكرم بعلم لم يكرم بمثله أحد.
وقال الزهري: عن سعيد بن المسيب، عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فعصر بطنه في الوسطي فلم يخرج شيء فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأبي وأمى، طيبا في الموت وفي الحياة.
روي الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب من طريق أحمد بن محمد بن محمد بن جميل قال: حدثني عمي سهل بن جميل بن مهران عن أبي مقاتل السمرقندي عن كثير بن زياد، عن الحسن قال: لم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجدوا في ثيابه نافحة مسك يطيب بها ثيابه [ (3) ] انتهى.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 244، 245.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 440، 441، حديث رقم (2399) مسند عبد اللَّه بن عباس.
[ (3) ] سبق تخريجه.

(14/575)


فصل فيما جاء في كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خرج مسلم من حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، أما الحلة فإنما شبه علي الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها، فتركت الحله وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية فأخذها، عبد اللَّه بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال: لأحبستها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها اللَّه تعالى لرسوله لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 11- 11، كتاب الجنائز، باب (13) في كفن الميت، حديث رقم (46) ، وأخرجه من طريق أخرى من حديث يحيي بن يحييي بنحوه سواء، حديث رقم (45) ، (47) .
قولها: (كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاث أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) السحولية بفتح السين وضمها والفتح أشهر وهو رواية الأكثرين قال ابن الأعرابي وغيره هي ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن وقال ابن قتيبة: ثياب بيض ولم يخصها بالقطن وقال آخرون: هي منسوبة إلى سحول قرية باليمن تعمل فيها. وقال الأزهري السحولية بالفتح منسوبة إلى سحول مدينة باليمن يحمل منها هذه الثياب وبالضم ثياب بيض حكاه ابن الأثير في (النهاية) . في هذا الحديث وحديث مصعب بن عمير السابق وغيرهما وجوب تكفين الميت وهو إجماع المسلمين ويجب في ماله فإن لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته فإن لم يكن ففي بيت المال فإن لم يكن وجب على المسلمين يوزعه الامام على أهل اليسار وعلى ما يراه. وفيه أن السنة في الكفن ثلاثة أثواب للرجل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور والواجب ثوب واحد كما سبق والمستحب في المرأة خمسة أثواب ويجوز أن يكفن الرجل في خمسة لكن المستحب أن لا يتجاوز الثلاثة وأما الزيادة على خمسة فإسراف في حق الرجل والمرأة.
قولها: (بيض) دليل لاستحباب التكفين في الأبيض وهو مجمع عليه. وفي الحديث الصحيح في الثياب البيض وكفنوا فيها موتاكم. ويكره المصبغات ونحوها من ثياب الزينة وأما الحرير فقال أصحابنا يحرم تكفين الرجل فيه ويجوز تكفين المرأة فيه مع الكراهة وكره مالك وعامة العلماء التكفين في الحرير مطلقا. قال ابن المنذر: ولا أحفظ خلافه.
وقولها: ليس فيها قميص ولا عمامة معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شيء آخر هكذا فسره الشافعيّ وجمهور العلماء وهو الصواب الّذي يقتضيه

(14/576)


وأخرجه البخاري [ (1) ] ولم يذكر قول عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، اما الحلة إلى آخر الحديث ولم يذكر قصة عبد اللَّه بن أبي بكر في شيء من طريق هذا الحديث.
__________
[ () ] ظاهر الحديث قالوا: ويستحب أن لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة وقال مالك وأبو حنيفة: يستحب قميص وعمامة. وتأولوا الحديث على أن معناه ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة، وإنما هما زائدان عليهما وهذا ضعيف فلم يثبت أنه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في قميص وعمامة وهذا الحديث يتضمن أن القميص الّذي غسل فيه النبي صلى اللَّه عليه وسلم نزع عنه عند تكفينه وهذا هو الصواب الّذي لا يتجه غيره، لأنه لو بقي مع رطوبته لأفسد الأكفان وأما الحديث الّذي في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب: الحلة وثوبان وقميصه الّذي توفي فيه فحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته مجمع على ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقات. قوله (من كرسف) هو القطن وفيه دليل على استحباب كفن القطن.
قولها: (أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها) هو بضم الشين وكسر الباء المشددة ومعناه اشتبه عليهم قال أهل اللغة ولا تكون الحلة إلا ثوبين إزارا ورداء. قولها: (حلة يمنية كانت لعبد اللَّه بن أبي بكر) ضبطت هذه اللفظة في مسلم على ثلاثة أوجه حكاها القاضي وهي موجودة في بعض النسخ أحدها يمنية بفتح أوله منسوبة إلي اليمن والثاني يمانية منسوبة إلى اليمن أيضا والثالث يمنة بضم الياء وإسكان الميم وهو أشبه قال القاضي وغيره: وهي على هذا مضاف حلة يمنة قال الخليل: هي ضرب من برود اليمن. قولها (وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية) هكذا هو في جميع الأصول سحول أما يمانية فبتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة وحتى سيبويه والجوهري وغيرهما لغة في تشديدها ووجه الأول أن الألف بدل ياء النسب فلا يجتمعان بل يقال يمنية أو يمانية بالتخفيف. وأما قوله سحول فبضم السين وفتحها والضم أشهر والسحول بضم السين جمع سحل وهو ثوب القطن. قولها (سجى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين مات بثوب حبرة) معناه غطى جميع بدنه والحبرة بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة وهي ضرب من برود اليمن، وفيه استحباب تسجية الميت وهو مجمع عليه، وحكمته صيانته من الانكشاف وستر عورته المتغيرة عن الأعين قال أصحابنا ويلف طرف لثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه. قالوا: تكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفي فيها لئلا يتغير بدنه بسببها.
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 174، كتب الجنائز، باب (18) الثياب البيض للكفن، حديث رقم (1264) ، (1271) (1272) ، (1273) .

(14/577)


وخرج مسلم من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أدرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حلة يمنة كانت لعبد اللَّه ابن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص فرفع عبد اللَّه الحلة فقال:
أكفن فيها ثم قال: لم يكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأكفن فيها! فتصدق بها [ (1) ] .
وخرج أبو داود من حديث يحيي بن سعيد، عن هشام، قال: أخبرني أبي، أخبرتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض ليس فيها قميص ولا عمامة [ (2) ] .
وخرج النسائي من حديث حفص بن غياث، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم: في ثوبين وبرد حبرة؟
فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيهم [ (3) ] .
وخرج البخاري في باب الكفن بغير قميص من حديث سفيان، عن هشام ابن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة [ (4) ] .
قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم في ثوبين
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 3/ 506- 507، كتاب الجنائز، باب (34) في الكفن، حديث رقم (3151) .
قال ابن القيم: وقد حمل الشافعيّ قول عائشة: ليس فيها قميص ولا عمامة، على أن ذلك ليس بموجود في الكفن، وأن عدد الكفن ثلاثة أثواب، وحمله مالك على أنه ليس بمعدود من الكفن، وأنه يتحمل من ثلاثة الأثواب زيادة على القميص والعمامة، وقال ابن القصار: لا يستحب القميص ولا العمامة غير مالك في الكفن ونحوه عن أبي القاسم، وهذا خلاف ما حكي أصحابنا عن مالك.
[ (3) ] (سنن النسائي) : 4/ 336، كتاب الجنائز، باب (39) كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1898) ، وقد أخرجه من طريق أخرى بنحوه سواء حديث رقم (1896) ، (1897) .
[ (4) ] (سبق تخريجه) .

(14/578)


وبرد من جبرة؟ فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيهم [ (1) ] .
وخرج البخاري في باب الكفن بغير قميص من حديث سفيان عن هشام ابن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة.
ومن حديث يحيى عن هشام قال: حدثني أبي عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة [ (2) ] .
وخرجه الترمذي [ (3) ] والنسائي من حديث حفظ عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمانية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة.
قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم في ثوبين وبرد وحبره. قالت: قد أتي بالبرد، ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه. لم يقل الترمذي كرسف.
وقال: حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- حديث صحيح وقد روى في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم روايات مختلفة، وحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أصح الأحاديث التي رويت في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم والعمل على حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وغيرهم. قال سفيان الثوري: يكفن الرجل في ثلاثة أثواب: إن شئت في قميص ولفافتين. وإن شئت في ثلاث لفائف. ويجزئ ثوب واحد إن لم يجدوا ثوبين. والثوبان يجزيان. والثلاثة لمن وجدها أحب إليهم. وهذا قول الشافعيّ واحمد وإسحاق. قالوا: تكفن المرأة في خمسة أثواب [ (4) ] .
وخرج مسلم من حديث محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة أنه قال: سألت عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم عنهم فقلت لها: في كم كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت:
في ثلاثة أثواب سحولية.
__________
[ (1) ] (سبق تخريجه) .
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 30/ 321، كتاب الجنائز، باب (20) ما جاء في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (996) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 322، حديث رقم 99970.

(14/579)


وروي ابن أيمن من حديث حماد بن سلمة، عن عبيد اللَّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن محمد بن الحنفية، عن أبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سبعة أثواب.
وخرج البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كفن في ثلاثة أثواب، أحدها برد حبرة، وأنهم لحدوا له في القبر، ولم يشقوه.
وقال البيهقي هكذا روي عن مقسم، عن ابن عباس وفيما روينا عن عائشة، وبيان سبب الاشتباه على الناس، وأن الحبرة أخرت عنه.
وخرج من طريق يونس، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، قال:
كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية، برود، يمنيه، غلاظ، إزار، ورداء، أو لفافة.
وأخبرنا عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قالا: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي، عن حسن بن صالح عن هارون بن سعد قال: حدثنا حميد ابن عبد الرحمن الرواسي، عن حسن بن صالح، عن هارون بن سعد قال: كان عند علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسك، فأوصى أن يحنط به، قال: وقال علي: هو فضل حنوط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، هذا حديث الدورقي، وفي رواية إبراهيم: قال هارون بن سعد، عن أبي وائل، قال: كان عند علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسك- فذكره [ (1) ] .
وقال ابن عائد: حدثنا الوليد قال: أخبرنى سعيد بن بشير، عن قتادة من سعيد بن المسيب قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ملايتين بيضاوين وبرد نجراني.
قال الوليد: وأما أبو عمرو فإنه أخبرني عن ابن شهاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في برد حبره ثم اخر عنه. قال القاسم: ان لقينا ذلك البرد لعندنا بعد.
وقال الواقدي: حدثني عبيد اللَّه بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه عن عمرة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 248- 249.

(14/580)


عنها- قال: اشتري لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حلة حبرة ليكفن فيها بتسعة دنانير ونصف، ثم بدا لهم أن يتركوها فابتاعها عبد اللَّه بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وهو يومئذ مجروح جرح بالطائف وقد كاد الجرح أن يبرأ، وهو قد دمل عليه بعد، فلما كان في خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- التأم الجرح فحضره الموت فقال لما تكفنوني فيها فلو كان فيها خير لكفن فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت عائشة: فبيعه بعد ذلك باليمن وكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية قال ابن زياد كل ثوب أبيض فهو سحولي.
قال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه بإسناده قال: فغسلوه ثم كفن في برد واحد يماني وربطتين، ثم كفن فيهما.
وقال: عن محمد بن عبيد بن عطاء قال في رسالته: فيما بلغك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفن؟ فقال: كفن في ثوبين غسيلين كذلك كنت أسمعهم يذكرون، وزعم أن كذلك كفن أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوبين غسيلين، لم يذكر بردا. قال: سبق عن سعيد بن عبد اللَّه عن بن أبي ملكية عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: بعث إلينا عبد الرحمن بثوبين فأردنا أن نكفنه فيهما ثم ترك لقوله صلى اللَّه عليه وسلم بياض أو كرسف اليمن، يكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثوبين أبيضين غسيلين.