إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر ما قيل في وصية رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم
اعلم أن الناس اختلفوا في وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أمته
من بعده، فذهبت الروافض إلى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نص على عليّ بن
أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه الخليفة بعده، وقالت الزيدية
أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: لم ينصّ النبي صلى اللَّه
عليه وسلم على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لكنه كان أفضل الناس بعد
النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأحقهم بالأمر، ثم اختلفوا فقالت الجارودية: إن
الصحابة، ظلموه وكفروا من خالفه من الصحابة وقالت طائفة: إنه يتبرع من حقه
لأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فتولتها، ولم تعاديهما، بل
قالت بإمامتها وعمدتهم، لأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-،
فتولتها ولم تعاديهما بل قالت بإمامتهما وعمدتهم في الاحتجاج لأقوالهم
أحاديث مكذوبة موضوعة لا معنى لتسويد الأوراق بها.
هذه مسألة أصولية: وهي إذا واحد يخبر بتوفر الدواعي على نقله ويعلم استحالة
خفائه، كما إذا أخبر بقتل خطيب على المنبر يوم الجمعة في بلد، كبير ولم
يتقلد غيره فالذي قالته الأمة من أهل السنة إنه كاذب قطعا، ومن هذا نعلم
بالقطع كذب من ادعى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نصّ على إمامة إمام معين
بعده بحضرة ملأ من الناس وسكتوا عن نقله إلا آحادا منهم، وخالف الرافضة في
أصل هذه المسألة توصلا إلى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نصّ على إمامة
عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- جمع يحصل منهم التواتر فكتموه إلا
أفرادا نادرة.
وذهب جمهور أهل السنة إلى أن الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف
أحدا بعينه ولم يوص إلى أحد بعينه في أمر أمته، قائما به على الخلافة بما
ذكرنا من أمر الصلاة، وقالت طائفة: بل نصّ صلى اللَّه عليه وسلم على
استخلاف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعده على الأمة، واحتج
الجمهور على أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف، بما خرجه البخاري في كتاب
الأحكام في باب الاستخلاف من حديث سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد
اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
(14/477)
قال: قيل لعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- ألا تستخلف؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني، أبو بكر وإن
أترك فقد ترك من هو خير مني، رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأثنوا عليه
فقال: راغب وراهب، ووددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا عليّ، لا أتحملها
حيا وميتا [ (1) ] .
وخرجه مسلم من حديث أبى أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا
جزاك اللَّه خيرا، فقال: راغب وراهب، فقال: استخلف، فقال- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه-: لا أتحمل أمركم حيا وميتا لوددت أن حظّي منها الكفاف، لا عليّ
ولا لي، فإن استخلف فقد استخلف من هو خير مني، يعني أبا بكر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني، رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم. قال عبد اللَّه: فعرفت أنه حين ذكر رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم أنه غير مستخلف [ (2) ] .
وخرج من طريق عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهريّ قال: أخبرني سالم عن
ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: دخلت على حفصة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- فقالت: أعلمك أن أباك غير مستخلف؟ قال، قلت، ما كان
ليفعل، قالت: إنه فاعل، قال: فحلفت أنى أكلمه في ذلك، فسكتّ حتى غدوت ولم
أكلمه، قال: فكنت كأنما أحمل بيميني جبلا حتى رجعت فنحلت عليه فسألني عن
حال الناس وأنا أخبره، قال: ثم قلت له: إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت
أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وإنه لو كان لك راعى إبل أو راعى غنم
ثم جاءك وتركها، أرأيت إن ضيع؟
فرعاية الناس أشد، قال فوافقه قولي، فوضع رأسه ساعة، ثم رفعه إليّ فقال: إن
اللَّه عز وجل يحفظ دينه، وإني لئن لا أستخلف فإن رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- قد
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 255، باب الاستخلاف، حديث رقم (7218) ،
والاستخلاف: أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده، أو يعين جماعة ليتخيروا
منهم واحدا.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 446 كتاب الإمارة، باب (2) الاستخلاف
وتركه حديث رقم (11) .
(14/478)
استخلف قال: فو اللَّه ما هو إلا أن ذكر
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدا، وأنه غير
مستخلف [ (1) ] .
خرج البيهقيّ من طريق أبي داود الجفري عن سفيان الثوري عن الأسود ابن قيس
عن عمرو بن سفيان، قال: لما ظهر عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على
الناس يوم الجمل قال: أيها الناس، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم
يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا حتى رأينا من الرأى أن نستخلف أبا بكر- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثم إن أبا بكر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رأى من الرأي أن يستخلف عمر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقواما طلبوا
هذه الدنيا، فكانت أمور يفضي اللَّه تعالى فيها [ (2) ] .
وخرج من طريق شبابه بن سوار، قال: حدثنا شعيب بن ميمون عن حسين بن عبد
الرحمن عن الشعبيّ عن أبي وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه-: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد اللَّه تعالى بالناس خيرا فليجمعهم
بعدي على خيرهم، كما جمعهم نبيهم صلى اللَّه عليه وسلم على خيرهم [ (3) ] .
قال البيهقيّ: شاهده في الحديث الثابت عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- فذكر ما
خرّجه البخاري من طريق الزهريّ قال: أخبرنى عبد اللَّه بن كعب بن مالك
الأنصاريّ، وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، قال: إن عبد
اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبره أن عليّ بن أبي طالب-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خرج من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
في وجعه الّذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبح رسول اللَّه
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 447- 448، كتاب الإمارة، باب (2)
الاستخلاف وتركه، حديث رقم (12) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 223، باب ما يستدل به على أن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعينه، ولم يوص إلى أحد بعينه في أمر
أمته، وإنما نبه على الخلافة بما ذكرنا من أمر الصلاة.
[ (3) ] (المرجع السابق) .
(14/479)
صلى اللَّه عليه وسلم قال: أصبح بحمد
اللَّه تعالى بارئا، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- فقال له: أنت واللَّه بعد ثلاث عبد العصا، وإني واللَّه لأرى
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتوفى من وجعه هذا، إني أعرف وجوه بني
عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
فنسأله في هذا الأمر إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه،
فأوصى بنا، فقال على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنا واللَّه لئن سألناه
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمنعناها، لا يعطيناها الناس بعده أبدا.
وروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري عن عبد اللَّه ابن كعب
بن مالك عن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من عند
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه يوم قبض فيه، فذكر الحديث. إلا
أنه لم يذكر ما قال: العصا وزاد في آخره: فتوفي رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم.
وخرج عبد الرزاق، قال أنبأنا معمر عن الزهري قال: أخبرني كعب بن مالك عن
ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: خرج العباس وعلي- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- من عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي
ملت فيه، فلقيهما رجل فقال: كيف أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا
أبا حسن؟ فقال أصبح بارئا، فقال العباس لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما- أنت بعد ثلاث:
عبد العصا، قال: ثم خلا به فقال: فإنه يخيل إليّ أن أعرف وجوه بني عبد
المطلب عند الموت، وأني خائف ألا يقوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من
وجعه هذا، فاذهب بنا إليه فلنسأله فإن كان هذا الأمر فينا علمناه، وإن لم
يكن إلينا أمرناه أن يستوصى بنا، قال: فقال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه-: أرأيت إن جئناه فسألناه فلم يعطوناها؟ أترى الناس يعطوناها؟ واللَّه
لا أسألها إياه أبدا.
قال عبد الرزاق: فكان معمر يقول لنا: أيهما كان أصوب عندكم رأيا؟
فنقول: العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فيأبى، ثم قال: لو أن عليا-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سأله عنها فأعطاه إياها، فمنعه الناس
(14/480)
كانوا قد كفروا.
قال عبد الرزاق فحدثت به ابن عيينة فقال: الشعبي: لو أن عليا- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- سأله عنها، كان خيرا له من ماله وولده.
وقال عبدان، عن أبي حمزة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، هو الشعبي، قال
العباس لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين مرض النبي صلى
اللَّه عليه وسلم: إني أكاد أعرف في وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
الموت، فانطلق بنا إليه نسأله من يستخلف، فإن يستخلف منا فذلك، وإلا أوصى
بنا.
قال: فقال علي للعباس كلمة فيها جفاء، فلما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم
قال العباس لعلي: أبسط يدك فلنبايعك. قال: فقبض يده، فقال عامر: لو أن
عليّا أطاع العباس في أحد الرأيين، كان خيرا له من حمر النعم.
قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: قلت لابن العباس- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه-: ما كان صنع العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى- حين خالف
عليه علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
فقال: كلم نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك فقام في الناس فقال:
أوصيكم يا أهل بيتي وعترتي خيرا، أو أوصيكم بهم خيرا فإنّهم لحمي وفصيلتي،
احفظوا منهم ما تحفظون في ما بينكم.
يا أيها الناس! إن اللَّه بعثني لأخرجكم من عبادة العباد الى عبادته، ومن
دين الشرك إلى دينه، فاعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئا فإن أكرمكم عند
اللَّه أتقاكم وإن كان رقيقا، ألا إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم ثلاثا، فلا
تضلوا عن الحق.
وخرج مسلم من حديث الأعمش عن أبي وائل عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- قالت: مثله سواء.
وخرج البخاري في أول كتاب الوصايا من حديث المالك بن مغول، حدثنا طلحة بن
مصرف قال: سألت عبد اللَّه بن أبي أوفى- رضي اللَّه تبارك
(14/481)
وتعالى عنهما-: هل كان النبي صلى اللَّه
عليه وسلم أوصى؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية وأمر بالوصية؟
قال: أوصى بكتاب اللَّه [ (1) ] ذكره في آخر المغازي، وخرجه مسلم أيضا.
وخرج البخاري ومسلم [ (2) ] من حديث ابن عون الأسود بن يزيد وقد ذكروا عند
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- كان وصيا، فقالت: متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري؟ أو قالت
حجري- فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري: فما شعرت أنه مات فمتى أوصي إليه؟
لفظهما فيه قريب من السواء، ذكره البخاري في أول كتاب الوصايا وفي آخر
المغازي.
وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق عبد اللَّه بن رجاء قال: أنبأنا إسرائيل، عن
أبي إسحاق، عن أرقم بن شرحيل، قال: سافرت مع ابن عباس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما- من المدينة فسألته: أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
أوصى؟ فقال:
إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما مرض مرضه الّذي مات فيه، كان في
بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فرفع رأسه، فقال: ادعوا لي عليا،
فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا ندعوا لك أبا بكر يا رسول
اللَّه؟
فقال: ادعوه قالت حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا تدعو عمر يا
رسول اللَّه؟ قال صلى اللَّه عليه وسلم: ادعوه، قالت أم الفضل: ألا تدعو
العباس عمك يا رسول
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 4448، كتاب الوصايا، باب (1) الوصايا، وقول
النبي صلى اللَّه عليه وسلم «وصية مكتوبة عنده» وقال اللَّه عز وجل كُتِبَ
عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً
الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُتَّقِينَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ
عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* فَمَنْ
خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ
عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة: 181- 182) حديث رقم
(2740) .
[ (2) ] باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، وقوله تعالى
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.
[ (3) ] باب (18) الوصاة بكتاب اللَّه عز وجل، حديث رقم (5022) ، والمراد
بالوصية بكتاب اللَّه تعالى حفظه حسا ومعنى، فيكرم ويصان، ولا يسافر به إلى
أرض العدو، ويتبع ما فيه، فيعمل بأوامره، ويتجنب نواهيه، ويداوم على تلاوته
وتعلمه، وتعليمه، ونحو ذلك. (فتح الباري) .
(14/482)
اللَّه؟ قال: ادعوه فلما حضروا رفع رأسه
فلم يتكلم. فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قوموا بنا عن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإنه لو كانت له إلينا حاجة ذكرها، حتى فعل
ثلاث مرات، ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: ليصلّ بالناس أبو بكر، فذكر
الحديث في الصلاة. وقال في آخر الحديث: فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم ولم يوص. [ (1) ]
وخرج البخاري من حديث الأعمش قال حدثني أبي قال: خطبنا على- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- على منبر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة فقال واللَّه ما
عندنا من كتاب يقرأه إلا كتاب اللَّه تعالى وما في هذه الصحيفة، فنشرها:
فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم إلى كذا، فمن أحدث فيها
فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا
عدلا، وإذا فيه: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما
فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين.
لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا وإذا فيها: من والى قوما بغير إذن مواليه
فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا
عدلا ذكره في كتاب الاعتصام [ (2) ] بالكتاب والسنة، في باب ما ذكره من
التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع، وفي كتاب الجزية والموادعة في باب
ذمة المسلمين [ (3) ] . وفي كتاب فضائل المدينة، في باب حرم المدينة [ (4)
] وخرجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] .
وخرج البيهقيّ من طريق هدبة قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أبي حسان قال: إن
عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يأمر بالأمر، فيقال: قد فعلنا كذا
وكذا، فيقول: صدق اللَّه ورسوله، فقيل له: أشيء عهده إليك رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم فقال: ما عهد إليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شيئا
خاصة دون الناس إلا شيئا سمعته منه في صحيفة في قراب سيفي، قال: فلم نزل به
حتى أخرج الصحيفة، فإذا فيها: من أحدث أو آوى محدثا فعليه لعنة اللَّه
__________
[ (1) ] حديث رقم (2741) .
[ (2) ] حديث رقم (4459) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 226- 227.
[ (4) ] (فتح الباري) : 13/ 341- 342، حديث رقم (7300) .
(14/483)
والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف
ولا عدل، وإذا فيها: إن إبراهيم حرّم مكة، [ (1) ] وإني أحرم المدينة ما
بين حرّتيها وحماها، لا يختلا خلاها، ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها إلا
لمنشد أشاد بها [ (2) ] ، يعني من منشد ولا يقطع شجرها إلا أن يعلف رجل
بعيرا، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، وإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى
بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم [ (3) ] [ (4) ] ، ألا لا يقتل مؤمن
بكافر ولا ذو عهد في عهده [ (5) ] .
ومن طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن
عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة قال: لم يوص رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم عند موته إلا بثلاث: للرهابيين بجادّ مائة واسق من خيبر،
وللداريين بجاد مائة وسق وللشانئين بجاد مائه وسق من خيبر، وللأشعريين بجاد
مائة وسق من خيبر.
وأوصى صلى اللَّه عليه وسلم بتنفيذ بعث أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك
وتعالى- وأوصى صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يترك بجزيرة العرب دينان [ (6) ]
.
وروى حماد بن عمرو النصيبي عن السديّ بن خالد، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن
جده، عن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم أنه قال: يا عليّ أوصيك بوصية فاحفظها. وذكر حديثا طويلا
في الرغائب والآداب، وهو حديث موضوع، فإن حماد بن عمرو هذا ممن يكذب ويضع
الحديث. [ (7) ]
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 3336، حديث رقم (3172) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 4/ 100/ 101، حديث رقم (1870) .
[ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب فصائل المدينة، حديث رقم (1370) .
[ (4) ] سيأتي تخريجه وشرحه إن شاء اللَّه تعالى بعد قليل.
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 228، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 2/ 529،
كتاب المناسك، باب (99) في تحريم المدينة، حديث رقم (2034) ، (2035) .
[ (6) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 230.
[ (7) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 229، ثم قال: وهو حديث موضوع وقد شرطت في أول
الكتاب ألا أخرج في هذا الكتاب حديثا أعلمه موضوعا.
(14/484)
وقال سيف: عن مبشر بن المفضل [ (1) ] . عن
أبيه قال جاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى النبي صلى اللَّه
عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه ائذن لي فلأمرضك وأكون الّذي أقوم عليك.
فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا أبا بكر! إني لم أحمل أزواجي وبناتي وأهل
بيتي عليّ حين ازدادت مصيبتي عليهم عظما، وقد وقع أجرك علي اللَّه اجمع لي
الأربعين يا أبا بكر، الذين سبقوا الناس إلى هذا الدين، وادع عمر- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- معهم. ففعل، وكان ذلك قبل وفاته صلى اللَّه عليه
وسلم بخمس عشرة ليلة فخلص بهم ودعا لهم، وعهد عهده وهم شهود وهي آخر وصية
أوصى بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرج الحارث بن أبي أسامة من طريق محمد بن سعد، قال: أخبرني محمد بن عمر
يعني الواقدي قال: حدثني عبد اللَّه بن جعفر بن عون عن ابن مسعود- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: نعي لنا نبينا وحبيبنا صلى اللَّه عليه وسلم
نفسه قبل موته بشهر، بأبي هو وأمي ونفسي له الفداء، فلما دنا الفراق جمعنا
في بيت أمنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وتشوّف لنا فقال:
مرحبا بكم وحياكم اللَّه بالسلام [ (2) ] .
وخرجه البيهقي من طريق سلام بن سليمان المدائني، حدثنا سلام بن سليم
الطويل، عن عبد الملك بن عبد الرحمن بن الحسن الغزي عن الأشعث بن طليق
__________
[ (1) ] هو بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشيّ، مولاهم أبو إسماعيل البصري.
ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 1/ 402، ترجمة رقم (844) .
[ (2) ]
(طبقات ابن سعد) : 2/ 265- 257، ذكر ما أوصى به رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه، ثم قال: رحمكم اللَّه، حفظكم اللَّه،
جبركم اللَّه، رزقكم اللَّه، رفعكم اللَّه، نفعكم اللَّه أداكم اللَّه،
وقاكم اللَّه! أوصيكم بتقوى اللَّه، وأوصى اللَّه بكم أستخلفه عليكم،
وأحذركم اللَّه إني لكم منه نذير مبين، ألا تعلوا على اللَّه في عباده
وبلاده، فإنه قال لي ولكم: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها
لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً
وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
القصص: 83.
وقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ؟ الزمر: 60،
قلنا: يا رسول اللَّه، متى أجلك؟
قال: دنا الفراق والمنقلب إلى اللَّه وإلى جنة المأوى، وإلى سدرة المنهي،
وإلى الرفيق الأعلى، والكأس الأوفى، والحظ والعيش المهنى ... (المرجع
السابق) .
(14/485)
عن مرة عن شراحيل، عن عبد اللَّه بن مسعود-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما ثقل رسول صلى اللَّه عليه وسلم
اجتمعنا في بيت أمنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما نظر إلينا
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدمعت عيناه، ثم قال لنا: قد دنا الفراق
ونعى إلينا نفسه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: مرحبا بكم حياكم اللَّه،
هداكم اللَّه فذكره [ (1) ] وقال: إسناده ضعيف بمرة. [ (2) ]
وقال الواقدي: حدثني عبد اللَّه بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون قال: عبد
اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- نعى لنا نبينا وحبيبنا صلى
اللَّه عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، بأبي هو وأمي، نفسي له الفداء.
وقال سيف: عن المستنير بن يزيد النخعي عن أرطاة بن أبى أرطاة بن أبي أرطاة
النخعي عن الحارث بن مرة الجهنيّ قال: رأيت عنده رقا مكتوبا فيه بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نعى لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
نفسه قبل موته بشهر، ثم جمعنا بعد ذلك بخمس عشرة ليلة في بيت عائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها- ونحن أربعون ببشرى اللَّه تعالى، فحمد اللَّه
تعالى وأثنى عليه، ثم قال: اتقوا اللَّه فإن تقوى اللَّه خير ما تواصي به
عباد اللَّه وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ومن حيث لا يأمل ولا يرجو وَمَنْ يَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ
اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ
أَمْرِهِ يُسْراً فارضوا بقضاء اللَّه، فإن الأمر أمره، وسلموا الأمر إليه
فإن القليل يتبع الكثير، ألا فليسلم القليل للكثير
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 231- 232، باب ذكر الحديث الّذي روي عن ابن
مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. النبي صلى اللَّه عليه وسلم في نعيه
نفسه إلى أصحابه، وما أوصاهم به، وإسناده ضعيف بمرة.
[ (2) ] هو مرة بن شراحيل الهمراني السكسكي، أبو إسماعيل، الكوفي، المعروف
بمرة الطيب، ومرة الخيرة، لقب بذلك لعبادته.
وروى عن أبي بكر وعمر وعلي وأبي ذر وحذيفة وابن مسعود وأبي موسى الأشعري
وزيد بن
(14/486)
رفعكم اللَّه، نفعكم اللَّه، هداكم اللَّه،
رزقكم اللَّه، سلمكم اللَّه، قبلكم اللَّه.
أوصيكم بتقوى اللَّه عز وجل وألجئكم إلى اللَّه، وأؤدي إليكم عنه، إني لكم
منه نذير مبين، وأستخلفه عليكم، فاتقوا اللَّه، ولا تعالوا على اللَّه في
عباده، وبلاده، والعاقبة للمتقين.
وقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ وإن هذا آخر ما أخلص
بكم وتخلصون بي، اسمع يا أبا بكر، أقول لكم، ثم اعمل على ذلك وأنت تعلم أنه
كذلك، إن دعائي آت لكم على كل ما أشتهي، إلا ما رددت عنه من بأس بينكم،
واختلاف كلمتكم، والمؤمنون شهود اللَّه في الأرض فالحسن ما حسنوا، أو
القبيح ما قبحوا، من نظر أمر نفسه عند اختلاف الأمة يكف لسانه، واستبرأ
قلبه، ولزم الجماعة، فآثرها على الفرقة، فإن يد اللَّه تعالى على الجماعة،
والقليل تبع للكثير، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه أدنى الأجل؟
فقال صلى اللَّه عليه وسلم دنا الأجل وتدلى، فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه-: ليهنئك
__________
[ () ] أرقم، وعلقمة بن قيس، وغيرهم.
وعنه إسماعيل بن أبي خالد، وإسماعيل السدي، وحصين بن عبد الرحمن، وزبيد
اليمامي، وأبو السعد سعيد بن محمد، والصباح بن محمد، وطلحة بن مصرف،
والشعبي، وعطاء بن السائب، وعمرو بن مرة، وفرقد السنجي، وموسى بن أبي
عائشة، وغيرهم.
قال إسحاق بن منصور: عن ابن معين ثقة، وقال سكن بن محمد العابد، عن الحارث
الغنوي: سجد مرة الهمرانى حتى أكل التراب وجهه.
وقال ابن سعد: توفى زمن الحجاج بعد الجماجم، وكذا قال أبو حاتم في تاريخ
وفاته. وقال غيره:
توفى سنة ست وسبعين، وهو قول ابن حبان في (الثقات) ، وكان يصلى كل يوم
ستمائة ركعة.
وقال العجليّ: تابعي ثقة، وكان يصلي في اليوم والليلة خمسمائة ركعة.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لم يدرك عمر. وقال هو وأبو زرعة: روايته عن عمر
مرسلة، وقال أبو بكر البزار: روايته عن أبي بكر مرسلة، ولم يدركه. وقال ابن
منك في (تاريخه) : أدرك النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولم يدركه (تهذيب
التهذيب) : 10/ 80، ترجمة رقم (159) .
(14/487)
يا نبي اللَّه، ما عند اللَّه، فليت شعرى
عني منقلبا، فقال: إلى اللَّه بسدرة المنتهى ثم الى جنة المأوى، والعرض
الأعلى، والكأس الأوفى، في الرفيق الأعلى، والحظ والعيش المهني.
فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يا نبي اللَّه من يلي غسلك؟ قال رجال
من أهل بيتي [الأدنى فالأدنى] [ (1) ] فقال ففيم نكفنك؟ قال: في ثيابي [هذه
إن] [ (1) ] شئتم أو حلة يمانية أو في ثياب مصر.
قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكيف الصلاة عليك؟ فبكى وبكى الناس،
فقال: مهلا غفر اللَّه لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا إذا أنتم غسلتموني
وكفنتموني فضعوني على سريري هذا في بيتي هذا على شفة [ (2) ] شفير قبري، ثم
اخرجوا عني ساعة فإن أولى من يصلي عليّ اللَّه تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي
عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ثم يأذن للملائكة في الصلاة على فأول من يدخل
عليّ من خلق اللَّه تعالى ويصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك
الموت مع جنود كثيرة، ثم الملائكة بأجمعها، ثم أنتم فادخلوا عليّ أفواجا،
وزمرة، وسلموا تسليما ولا تؤذوني بتزكية، ولا صيحة، ولا رنة، وليبتدئ
بالصلاة عليّ رجال [ (3) ] أهل بيتي ثم النساء ثم الصبيان.
قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فمن يدخلك قبرك؟ قال إن من أهل بيتي
الأدنى فالأدنى، مع ملائكة كثير لا ترونهم وهم يرونكم، قوموا فأدوا عليّ
إلى من بعدي، فقلت: من حدثك هذا؟ فقال: عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- وإنما ذكرت هذا الحديث من طريق سيف لأن لأن سياقته أتم
من سياقة الجماعة.
واحتج من ذهب إلي أنه نص على استخلاف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- بعده على الأمة نصا جليا بوجوه: قال أبو محمد بن حزم منها: إطباق
الأمة المهاجرون والأنصار على أن سموه خليفة رسول اللَّه
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (ابن سعد) : 2/ 257.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) واستدركناه من (ابن سعد) .
(14/488)
معنى الخليفة في اللغة الّذي يستخلفه
المرء، ومحال أن يبعثوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضروريين:
أحدهما: أنه لم يستحق هذا الاسم في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
وقد كان استخلفه على الصلاة.
والثاني: أن كل من استخلفه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حياته
كعليّ بن أبى طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في في غزوة الخندق،
وكعثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أو غيره في غزوة الرقاع،
وغيرهم ممن استخلفه صلى اللَّه عليه وسلم على المدينة في غزواته، كعتاب بن
أسيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وسائر من استخلف على البلاد لم يستحق
أحد منهم بلا خلاف من أحد من الأمة أن يسمى خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم لصح بالضرورة التي لا يحيد عنها، إطلاقه بعده على الأمة الممتنع
أن يجمعوا على ذلك وهو صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلفه نصا، ولو لم يكن
هاهنا إلا استخلافه إياه على الصلاة ما كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- أولى بهذه التسمية من سائر من ذكرنا.
قال أبو محمد: وهذا برهان ضروري يعارض به جميع الخصوم، وأيضا
فإن الرواية قد أصبحت بأن امراة قالت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
يا رسول اللَّه! أرأيت إن رجعت ولم أجدك- كأنما تريد الموت- قال: فأتي أبا
بكر.
قال المؤلف: أبو محمد بن حزم يسير إلى ما خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما،
من حديث إبراهيم بن سعد قال: أخبرنى أبى عن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أتت النبي امرأة فكلمته في شيء، فأمرها
أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول اللَّه! أرأيت إن جئت فلم أجدك- كأنها تريد
الموت- وقال مسلم أي كأنها تعنى الموت قال صلى اللَّه عليه وسلم إن لم
تجديني فأتي أبا بكر.
ذكره البخاري في كتاب الأحكام [ (1) ] وذكره مسلم في المناقب [ (2) ]
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 255 كتاب الأحكام، باب (51) الاستخلاف حديث رقم
(7220) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 163، كتاب فضائل الصحابة باب (1) من
فضائل أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنه حديث رقم (2386) .
(14/489)
قال أبو محمد: وهذا نص على الاستخلاف لأبي
بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى-.
وأيضا
فذكر ما خرجه البخاري: حدثنا يحيي بن يحيي قال: أخبرنا سليمان بن بلال عن
يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها: وا رأساه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذاك لو كان
وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك.
فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا ثكلياه واللَّه إني لأظنك
تحب موتى، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! فقال النبي صلى
اللَّه عليه وسلم بل أنا وا رأساه، لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر
وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمني، المتمنون ثم قلت: يأبى اللَّه
ويدفع المؤمنون، أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون ذكره في كتاب المرضى [ (1)
] ، في باب قول المريض: إني وجع أو وا رأساه أو اشتد بي الوجع.
وخرج مسلم في المناقب [ (2) ] من حديث صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة،
عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قالت قال لي رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم في مرضه: ادعى لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابا
فإنّي أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى اللَّه والمؤمنون
إلا أبا بكر.
وخرج أبو داود الطيالسي من حديث عبد العزيز بن رافع عن ابن أبي مليكة، عن
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه: ادعى لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبى
بكر كتابا لا يختلف عليه أحد بعدي، ثم قال: دعيه، معاذ اللَّه أن يختلف
المؤمنون في أبي بكر.
قال أبو محمد: فهذا نص في استخلافه أبا بكر- رضي اللَّه تبارك
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 152، حديث رقم (5666) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 163، 164 حديث رقم (2387) .
(14/490)
وتعالى عنه- على ولاية الأمة بعده ولو أن
يستخير من التدليس والغش، الأمر الّذي لو ظفر به خصومنا إذا طعنوا عندنا من
طريق النقل ونعوذ باللَّه من الاحتجاج بما لا يصح، وقد أغنى اللَّه تعالى
أمتي بالزاهدين عن الإقناع وهذا الّذي ذكرنا لا يعارض بنقل موقوف على من
دون النبي صلى اللَّه عليه وسلم كالذي روى من قول عمر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه-: ألا استخلف، فقال لم يستخلف من هو خير مني، فمن المحال أن
يغار من إجماع جميع الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على أن أبا
بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ومثله عن عائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها، مما لو صح كان له وجه من أيهما زاد عن كتاب بذلك، أو ما
أشبهه، وفي نص القرآن الكريم دليل واضح وبرهان على وجوب الطاعة بخلافة أبى
بكر وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وهو أن اللَّه تعالى قال
مخاطبا لنبيه صلى اللَّه عليه وسلم في الأعراب:
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ
لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا
مَعِيَ عَدُوًّا [ (1) ] وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد
غزوة تبوك بثلاث، وهي الغزاة التي تخلف فيها الثلاثة المعتذرون الذين تاب
اللَّه عليهم في سورة براءة، ولم يغزو صلى اللَّه عليه وسلم بعد تبوك إلى
أن مات.
وقال تعالى في مكان آخر: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ
إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ
يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ
مِنْ قَبْلُ [ (2) ] فبين تعالى أن الأعراب لا يغزون مع رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم بعد تبوك أبدا، ثم عطف تعالى منعه إياهم من الغزو مع
رسول، فقال تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ
إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ
فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا
كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً [ (3) ] .
__________
[ (1) ] التوبة: 83.
[ (2) ] الفتح: 15.
[ (3) ] الفتح: 16.
(14/491)
فأخبرهم تعالى أنهم سيدعوهم غير النبي صلى
اللَّه عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون، ووعدهم على طاعة من دعاهم
إلى ذلك الأجر الحسن، ووعدهم على عصيانه بالعذاب الأليم وما دعا أولئك
الأعراب أحد بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى قتال قوم يسلمون إلا
أبو بكر، ثم عمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، فإن هؤلاء دعوهم
إلى قتال: من بدا للعرب والفرس والروم ووجوب طاعة أبي وعمر وعثمان- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهم- بنصّ القرآن الّذي لا يحتمل تأويلا.
وزاد: قد وجبت طاعتهم فرضا، فقد صحت إمامتهم وخلافتهم، وليس هذا بموجب
تقليدهم بغير ما أمر اللَّه تعالى فيه بطاعتهم من سائر ما أفتوا فيه
باجتهادهما، إذ ليس يجب طاعة الإمام إلا فيما نصّه اللَّه تعالى ورسوله صلى
اللَّه عليه وسلم فقط، لا فيما لا نصّ فيه، ولا أوجبوهم- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهم- قط طاعتهم فرضا في غير، ذلك فارتفع الإشكال.
وأيضا فهذا إجماع من الأمة كلها إذ ليس أحد إلا وخالف بعض فتاويه هؤلاء
الثلاثة، فصح إجماع الأمة على ما ذكرناه.
(14/492)
ذكر ما حفظ عنه صلى اللَّه عليه وسلم في
مرض موته من الأحكام والوصايا ونحو ذلك حتى توفاه اللَّه- تبارك وتعالى-
خرج البخاري ومسلم والنسائي من حديث يونس عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني
عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال: إن ابن عباس وعائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهم- قالا: لما نزل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طفق يطرح
خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة اللَّه
تعالى على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا.
وقال مسلم والنسائي: مثل ما صنعوا.
ذكره البخاري في آخر كتاب الأنبياء [ (1) ] ، وذكره أيضا في كتاب الصلاة [
(2) ] من حديث شعيب عن الزهري، قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال:
إن عائشة وعبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قالا:
لما نزل ... الحديث.
وذكره في كتاب اللباس [ (3) ] في باب الأكسية والخمائص من طريق يحيي ابن
بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد
اللَّه بن عتبة قال: إن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-
قالا: الحديث ... مثله، وذكره في آخر المغازي [ (4) ] في مرض النبي صلى
اللَّه عليه وسلم ووفاته، عن سعيد بن جبير عن الليث عن عقيل بهذا الإسناد
مثله، وقال في طرقه كلها: يحذر ما صنعوا.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 612، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (50) ما ذكر عن
بني إسرائيل، حديث رقم (3453) ، (3454) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 700، باب (55) حديث رقم (435) ، (436) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 10/ 340، باب (19) الأكسية والخمائص حديث رقم
(5815) ، (5816) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 8/ 177، باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه
وسلم ووفاته، حديث رقم (4443) ، (4444) .
(14/493)
وخرجه البخاري ومسلم [ (1) ] من حديث شيبان
عن هلال بن أبي حميد عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-
قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن
اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت: فلولا ذاك أبرز
قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا، ذكره في الجنائز [ (2) ] وترجم عليه باب
ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور.
وخرج في آخر الجنائز في باب ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي
بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من حديث أبي عوانة عن هلال، عن
عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن اللَّه اليهود والنصارى
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لولا ذلك أبرز صلى اللَّه عليه وسلم قبره، غير
أنه خشي أن يتخذ مسجدا.
وخرّج في المغازي [ (3) ] في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته من
حديث أبي عوانة ولفظه: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبورهم أنبيائهم
مساجد قالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- لولا ذلك لأبرز قبره صلى
اللَّه عليه وسلم خشي أن يتخذ مسجدا.
وخرج البيهقي من طريق عثمان بن سعيد الدارميّ، حدثنا القعنبي فيما قرأ على
مالك، عن إسماعيل ب أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز- رحمه اللَّه
تعالى- يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن
قال:
قاتل اللَّه اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد لا يبقين دينان
بأرض العرب [ (4) ] ورواه الواقدي عن مالك به نحوه.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 16، باب (3) النهي عن بناء المساجد على
القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، حديث رقم (21) ،
(22) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 3/ 257، باب (61) ما يكره من اتخاذ المساجد على
القبور، حديث رقم (1330) ، وباب (96) ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه
وسلم وأبي بكر وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما (فأقبره) أقبرت الرجل:
إذا جعلت له قبرا. وقبرته: دفنته (كفاتا) يكونون فيها أحياء ويدفنون فيه
أمواتا، حديث رقم (1390) .
[ (3) ] (سبق تخريجه) .
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 204.
(14/494)
وخرج مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان،
عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم قبل وفاته بثلاث يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه الظن
[ (1) ] .
وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث عيسى بن يونس، حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان،
عن جابر بن عبد اللَّه، قال سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول
قبل وفاته أو موته بثلاث ...
وخرجه من حديث سفيان بن زهير عنه الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته
بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه تعالى الظن [ (3) ]
.
وخرجه من حديث عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر
الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن
باللَّه عز وجل [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 514- 515 كتاب الجنة ونعيمها باب (19)
الأمر بحسن الظن باللَّه تعالى عند الموت، حديث رقم (81) - (82) .
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 3/ 484- 485، كتاب، الجنائز، باب (17) ما يستحب
من حسن الظن باللَّه عند الموت. حديث رقم (3113) قلت: إنما يحسن الظن من
حسن عمله، فكأنه قال: أحسنوا أعمالكم يحسن ظنكم باللَّه، فإن من ساء عمله
ساء ظنه، وقد يكون أيضا حسن الظن باللَّه من ناحية الرجاء، وتأميل العفو
والله جواد كريم لا يؤاخذنا بسوء أفعالنا ولا وكلنا إلى حسن أعمالنا
برحمته. (معالم السن) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 214 حديث رقم (81) .
[ (4) ]
(المرجع السابق) حديث رقم (82) قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم
إلا وهو يحسن باللَّه الظن باللَّه» وفي رواية: إلا وهو يحسن الظن باللَّه
تعالى.
قال العلماء: هذا تحذير من القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة، وقد سبق
الحديث الآخر قوله سبحانه وتعالى: «أنا عند ظن عبدي بي» قال العلماء: معنى
(14/495)
وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة من حديث ابن أبي
ليلى عن أبى الزبير عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من استطاع منكم ألا يموت إلا وهو يحسن
باللَّه تعالى الظن فليفعل، ثم تلا هذه الآية:
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ [ (1) ] .
وخرج البيهقي من طريق عيسى بن يونس، عن سليمان التيمي، ومن حديث محمد بن
إسحاق الصغاني حدثنا زهير بن حرب، ومن حديث أبي خثيمة، حدثنا جرير عن
سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كانت
عامة وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين حضره الموت:
الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه [
(2) ] .
وخرجه الحاكم من حديث سليمان التيمي عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
من حديث أبي عوانة عن قتادة، عن شعبة مولى أم سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- قالت: كانت عامة وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
حين حضرته الوفاة:
الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه [ (3) ]
كذا قال.
__________
[ () ] حسن الظن باللَّه تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي
حالة الصحة يكون خائفا راجيا ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح فإذا دنت
أمارات الموت غلب الرجاء أو محضه لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي
والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه
في هذه الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى اللَّه تعالى
والإذعان له، يؤيده الحديث المذكور بعده: يبعث كل عبد على ما مات عليه،
ولهذا أعقبه مسلم للحديث الأول: قال العلماء: معناه يبعث على الحالة التي
مات عليها، ومثله الحديث الآخر بعده ثم بعثوا على نياتهم.
[ (1) ] فصلت: 23.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 205.
[ (3) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 900- 901، كتاب الوصايا، باب (2) هل أوصى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟
حديث رقم (2697) ، وإسناده صحيح وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 3/
564. حديث رقم (11759) ، من مسند أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- 7/ 445، حديث رقم (26144) من حديث أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه
وسلم.
(14/496)
ومن حديث عفان، حدثنا قتادة عن أبي الخليل،
عن سفينة مولى أبي سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول في مرضه: اللَّه، اللَّه،
الصلاة وما ملكت أيمانكم، قالت: فجعل يتكلم بها، ما يفيض [ (1) ] . قال
البيهقي: هذا هو الصحيح.
وخرج البخاري من حديث عفان، عن صخر بن جويرية، عن عبد الرحمن ابن القاسم،
عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت:
دخل عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على النبي صلى
اللَّه عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- سواك رطب يستن به فأبداه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
بصره، فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلي النبي صلى اللَّه
عليه وسلم فاستن به، فما رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم استن استنانا قط
أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رفع يده أو
إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى. ثلاثا. ثم قبض. وكانت تقول: مات صلى
اللَّه عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي [ (2) ] وخرج من طريق الليث قال:
حدثني ابن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- قالت: مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم وإنه لبين حاقنتى
وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم [
(3) ] .
ذكره في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإنه ذكر فيه من حديث عيسى بن
يونس عن عمر بن سعيد قال: أخبرنى ابن أبي مليكة قال: إن ابن عمر ذكر أن
مولى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبره أن عائشة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- كانت تقول: إن من نعم اللَّه تعالى أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري، ونحري وإن اللَّه جمع
بين ريقي وريقه عند موته. دخل عليّ عبد الرحمن بن أبي بكر، وبيده السواك،
وأنا مسندة رسول
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 205.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4446) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4449) .
(14/497)
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرأيته ينظر
اليه، وعرفت أنه يجب السواك، فقلت: آخذه لك؟
فأشار برأسه: أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه:
أن نعم، فلينته، فأمره وبين يديه ركوة- أو علبة يشك عمر- فيها ماء، فجعل
يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: لا إله إلا اللَّه، إن للموت
سكرات. ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قبض ومالت يده [ (1) ]
.
وخرجه من حديث سليمان بن بلال، قال هشام بن عروة: أخبرنى أبي عن عائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يسأل
في مرضه الّذي مات فيه يقول: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فأذن له أزوجه يكون حيث شاء، فكان صلى اللَّه
عليه وسلم في بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فمات في اليوم
الّذي يدور فيه في بيتي، فقبضه اللَّه تعالى، وإن رأسه لبين نحري وسحري،
وخالط ريقه ريقي ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبى بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما- ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم فقلت أعطنى هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته ثم مضغته،
فأعطيته رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاستن به، وهو مستند إلى صدري [
(2) ] وذكره أيضا في كتاب الجمعة [ (3) ] بهذا الاسناد مختصرا، وأوله ك دخل
عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ... إلى آخره ترجم
عليه باب من تسوك بسواك غيره.
وخرج مسلم من طريق أبى أسامه، عن هشام عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها- قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليتفقد يقول
أين أنا اليوم؟ أين انا غدا؟
استبطاء ليوم عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4449) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 182، حديث رقم (4450) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 2/ 478- 479، باب (9) من تسوك بسواك غيره، حديث
رقم (890) .
(14/498)
عنها- قالت: فلما كان يومي قبضه اللَّه بين
سحري ونحري. [ (1) ] ذكره في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-.
وخرّج البخاري من حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم في بيتي، وفي يومي وبين سحري ونحري، وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا
مرض، فذهبت أعوّذه فرفع رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى.
ومر عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة. فنظر إليه صلى اللَّه عليه
وسلم فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه،
فاستن بها كأحسن ما كان مستنا، ثم ناولنيها- فسقطت يده- أو سقطت من يده-
فجمع اللَّه تعالى بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من
أيام الآخرة.
ذكره في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته [ (2) ] .
وخرج في كتاب فرض الخمس [ (3) ] في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى
اللَّه عليه وسلم وما ينسب من البيوت إليهن، من حديث نافع قال: سمعت ابن
أبي مليكة قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- توفّي النبي صلى
اللَّه عليه وسلم في بيتي وفي نوبتي، وبين سحري ونحري، وجمع اللَّه بين
ريقي وريقه. قالت: دخل عبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بسواك
فضعف النبي صلى اللَّه عليه وسلم عنه فأخذته فمضغته ثم سننته به.
قال سيف عن محمد بن إسحاق عن أصحابه قالوا: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها-: لما تفرق عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أهله لما رأوه من
أفعال حاله وهيئته اضطجع في حجري فاستند به إليّ ودخل رجل من آل أبي بكر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفي يده سواك اخضرّت، قالت: فنظر إليه رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: أتعجبك؟ أو تحب يا رسول اللَّه أن تستن
بهذا السواك؟ قال:
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 216، كتاب فضائل الصحابة باب (13) فضل
عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (84) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 182، حديث رقم (4451) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 258، باب (4) ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى
اللَّه عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهن حديث رقم (3100) .
(14/499)
نعم فأخذته من الّذي كان معه وسرحته إلى
أبي فمضغته، ثم أعطيته إياه فاستن به. قد كنت أسمع رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم يقول ما قبض اللَّه تعالى نبيا قط يخبر مع الّذي كان أمره.
قالت: [ (1) ] فوجدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتفل في حجري وعلى
صدري وسقط السواك من يده، وسمعته يقول: بل الرفيق الأعلى من الجنة،
فعلمت أنه كان يحدثنا، وأن اللَّه تعالى فضله بإعادة الخيار عليه، قالت:
فذهبت انظر في وجهه فإذا قد علاه صفار، وإذا بصره شاخص، وقبضه اللَّه عز
وجل إليه، وتصالح أهل البيت.
وخرج البخاريّ [ (2) ] من حديث عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد قال:
أخبرني ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها- أخبره أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كانت تقول: إن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء- يشك
عمر- فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: لا إله إلا اللَّه، إن
للموت سكرات. ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده
صلى اللَّه عليه وسلم. ذكره في الرقاق [ (3) ] في باب سكرات الموت.
خرج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن الحكم وشعيب بن الليث، عن الليث عن يزيد
بن الهاد عن موسي بن سرجس، عن القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها- قالت: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يموت وعنده قدح
فيه ماء يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: اللَّهمّ أعنّي
على سكرة الموت [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 179، كتاب الدعوات، باب (29) دعاء النبي صلى
اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ الرفيق الأعلى* حديث رقم (6348) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 207.
[ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 435 حديث رقم (6509) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 217، كتاب فضائل الصحابة، باب (13) فضائل
عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه عنها، حديث رقم (86) .
(14/500)
وخرج البخاري في كتاب المغازي [ (1) ] وخرج
مسلم في مناقب عائشة [ (2) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث الليث،
عن عقيل بن خالد قال:
قال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم
قال: أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه
وسلم قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول وهو صحيح: لن يقبض
نبي قط حتى يرى مقعدة من الجنة، ثم يحيا- أو يخير- فلما أشتكى وحضره القبض
ورأسه على فخذي- غشي عليه ساعة- ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف، ثم قال:
اللَّهمّ الرفيق الأعلى، قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قلت:
إذا لا يختارنا قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فكانت تلك آخر
كلمة تكلم به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قوله: اللَّهمّ الرفيق صلى
اللَّه عليه وسلم.
وخرجه البخاري في كتاب الرقاق [ (3) ] في باب من أحب لقاء اللَّه أحب
اللَّه لقاءه، به مثله، وخرجه أيضا في آخر كتاب المغازي في باب آخر ما تكلم
به النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرج في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، من حديث شعيب عن
الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم
يقبض نبي قط حتى يرى مقعدة من الجنة ثم يحيا- أو يخير- فلما اشتكى وحضره
القبض ورأسه صلى اللَّه عليه وسلم على فخذ عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها- غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: اللَّهمّ في
الرفيق الأعلى.
فقلت إذا لا يخترنا فعرفت أنه حديثه الّذي كان يحدثنا وهو صحيح.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 8/ 172 حديث رقم (4437) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 217، حديث رقم (87) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 8/ 323 كتاب التفسير، باب (13) (فَأُولئِكَ مَعَ
الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) حديث رقم
(4586) .
(14/501)
وخرج البخاري في باب مرض النبي صلى اللَّه
عليه وسلم ووفاته، وخرج مسلم في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها- من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- قالت: كنت أسمع أنه لن يموت نبي حتى يخير بين الدنيا
والآخرة، قالت: فسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه
وأخذته بحّة يقول: مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال: فظننته صلى اللَّه عليه وسلم خير
حينئذ. اللفظ لمسلم.
وفي لفظ البخاري عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما مرض
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي مات فيه جعل يقول: في الرفيق
الأعلى.
وخرج في كتاب التفسير [ (1) ] من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عروة،
عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-.
قالت: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ما من نبي يمرض إلا خيّر
بين الدنيا والآخرة وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحّة شديدة، فسمعته
يقول: مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين، فعلمت أنه خيّر.
وخرج النسائي [ (2) ] من حديث سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بردة عن
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: أغمى على النبي صلى اللَّه عليه
وسلم وهو في حجري فجعلت أمسح وجهه أدعو له بالشفاء فقال: لا بل أسأل اللَّه
الرفيق الأعلى الأسعد، مع جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، عليهم الصلاة
والسلام.
وخرج البخاري في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ووفاته من
حديث عبد اللَّه بن المختار، حدثنا هشام بن عروة عن عبّاد بن عبد اللَّه بن
الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أخبرته أنها سمعت رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأصغت
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 174- 175، حديث رقم (4440) .
[ (2) ] (سبق تخريجه) .
[ (3) ] (سبق تخريجه) .
(14/502)
إليه قبل أن يموت وهو مسند إلى ظهره يقول:
اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى.
وخرجه مسلم في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث مالك بن
أنس، عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبد اللَّه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها- بنحوه. قال الواقدي في (مغازية) حدثني الحكم بن القاسم، عن
أبى الحويرث قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يشتك شكوى إلا
سأل اللَّه تعالى العافية، حتى كان مرضه الّذي مات فيه فإنه لم يكن يدعو
بالشفاء، ويقول: يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ، قال: وأتاه جبريل، - عليه
السلام- في مرضه ويقول: إن ربك يقرئك السلام ورحمة اللَّه، يقول:
إن شئت شفيتك وكفيتك، وإن شئت توفيتك وغفرت لك. قال صلى اللَّه عليه وسلم:
ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء، وكان لما نزل به، دعا بقدح من ماء فجعل يمسح
به وجهه ويقول: اللَّهمّ أعني على كرب الموت. أدن مني يا جبريل، أدن مني يا
جبريل. هذا إسناد منقطع [ (1) ] .
وقال سيف: عن أبي القاسم عن العلاء بن زياد، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن خروج النبي صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ
إنما كان بشارة إليه من السماء بقتل العنسيّ الكذاب، فقال: قد قتل العنسيّ
البارحة قد قتله رجل مبارك من بيت مبارك.
وقال: عن سعيد بن عبد الجمحيّ عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- قال: لما دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ والناس مسرورون
قد ملئوا البيت والحجرة وما بينهما من المسجد، فقال: ناد يا علي وارفع
صوتك: من اللَّه [لا مني] : ألا لا تدعين أحدا إلى غير أبيه، ولا مولى إلى
غير مواليه، ولا تظلمن أحدا لأحد، فمن فعل ذلك لعنه اللَّه، ولم يقبل منه
صرفا ولا عدلا ومن اللَّه تعالى حصنهم المانع مع غير مكروه، والظالم المرأة
مهرها، والظالم الأجير أجره، وقد أداه عمله، وتفرق الناس عنه، فما انتصف
النهار حتى قبضه اللَّه تعالى.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 210.
(14/503)
قال: عن عبد اللَّه بن سعيد، عن أبي سعيد،
عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: يومئذ يا بني عبد مناف،
ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية بنت عمة
رسول اللَّه ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا يا فاطمة بنت محمد، ويا
صفية بنت عمة رسول اللَّه، ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا فاعملا لما
عنده، وأطيعا أمره ولا تتكلا.
وقال: عن محمد بن إسحاق، عن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن ملك
الموت خيرني ما عند ربي عز وجل فاخترت ذلك إلى مجيء الملك، يعني جبريل عليه
السلام.
قال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن أبي مليكة عن عائشة رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان جبريل عليه الصلاة والسلام يأتي النبي
صلى اللَّه عليه وسلم في وجعه في كل يوم فيسلم عليه ويقول: إن اللَّه يقرأ
عليك السلام ويقول: كيف تجدك يا محمد؟ وهو أعلم بالذي تجد منك، ولكنه أراد
أن يزيدك كرامة وشرفا وأن يتم كرامتك وشرفك على الخلق، وأن يكون سنة في
أمتك فيجد به بقدر الّذي يجد من شدة أو رخاء، فإذا قال: أخذني بى شاكيا قال
جبريل- عليه السلام- يا محمد إن اللَّه عزّ وجلّ لم يشدد عليك أن يكون أحد
من خلقه هو أكرم عليه منك ولكنه أحب أن تدعوه وتضرع إليه، ولا تكف عن ذلك
حتى تلقاه للذي أعد لك في ذلك من الثواب والفضيلة على الخلق، وإذا قال:
الحمد للَّه وأشكره قال: ربك يحب أن يحمد ويشكر ليزيدك على ما أعطاك.
وقال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر، عن
أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: حتى إذا كان اليوم
الّذي مات فيه صلوات اللَّه عليه، رأوا منه في أول النهار خفة فتفرق عنه
الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين، وأخلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم بالنساء، فبينا نحن على ذلك لم يكن على مثال جالسا في الرخاء والفرح
قبل ذلك.
(14/504)
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
أخرجي عني- يعني هؤلاء- فهذا الملك يستأذن عليّ فخرج من البيت غيري، ورأسه
في حجري، فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتنحيت في ناحية البيت،
فناجى الملك طويلا، ثم إنه دعاني ورأسه في حجري، وقال للنسوة: ادخلن، فقلن:
ما هذا بحسّ جبريل، فقال رسول صلى اللَّه عليه وسلم أجل يا عائشة هذا ملك
الموت جاءني، فقال: إن اللَّه عزّ وجلّ أرسلني إليك، وأمرني أن لا أدخل
عليك إلا بإذن، فإن لم تأذن لي لم أدخل عليك، وإن أذنت لي دخلت، وأمرني أن
لا أقبضك حتى تأمرني، فمرني أمرك، فقلت: اكفف حتى يأتيني جبريل، فهذه ساعة
جبريل، واستقبلنا بأمر لم يكن عندنا جواب ولا رأي وجوهنا، وكأني ضربنا
بصاخة ما يخسر إليه شيئا، وما يتكلم أحد من أهل البيت إعظاما لذلك الأمر
وهيبته وقد ملأت جوا.
قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها- قالت: وجاء جبريل- عليه الصلاة والسلام- في ساعته فسلم فعرفنا
حسّه، وخرج أهل البيت ودخل، فقال: إن اللَّه عز وجل يقرأ عليك السلام يا
محمد ويقول: كيف تجدك؟ وهو أعلم بالذي تجد منك، ولكن أراد أن يزيدك كرامة
وشرفا على الخلق، وأن يكون سنة في أمتك فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أجدني
راجعا فقال: أبشر فإن اللَّه عزّ وجلّ أراد أن يبلغك ما أعدّ لك، فقال صلى
اللَّه عليه وسلم: يا جبريل إن ملك الموت استأذن عليّ وأخبره الخبر، فقال
جبريل- عليه السلام-: إن ربك متمّ شرفك، وهو إليك مشتاق، قال: فلا تبرح إذا
حتى يجئ وأذن للنساء، فقال: أدن يا فاطمة، فأكبّت عليه، فناجاها، فرفعت
رأسها وعيناها تذرفان وما تطيق الكلام، ثم قال: أدن مني رأسك، فأكبت عليه،
فناجاها، فرفعت رأسها وهي تضحك، وما تطيق الكلام، وكان الّذي رأينا منها
عجبا، فسألناها بعد ذلك فقالت: أخبرني أنه قال:
إني ميت، فبكيت ثم قال: إني دعوت اللَّه أن يلحقك بي في أول أهلي، وأن
يجعلك معي فأضحكني ذلك.
قال: جاء ملك الموت فسلم واستأذن فأذن له، قال ملك الموت أفتأمرنا يا محمد؟
فقال: ألحقني بربي الآن، فقال: بل من يومك هذا، أما إن ربك
(14/505)
إليك مشتاق، ولكن ساعتك أمامك.
قالت: وخرج جبريل- عليه السلام- وقال: يا رسول اللَّه، هذا آخر ما أنزل فيه
إلي الأرض أبدا، طوي الوحي، وطويت الدنيا، وما كانت لي في الأرض حاجة غيرك،
وما لي فيها حاجة إلا حضورك، ثم لزومي موقفي، ولا والّذي بعث محمدا بالحق،
ما في البيت أحد أن يستطع أن يخير إليه في ذلك كله، ولا يبعث إلي أحد من
رجاله لعظم ما سمع من حديثه.
وقال سيف: عن سليمان بن أبي المغيرة، عن فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها- مثل حديث سعيد، عن عبيد بن عمير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها- إلا أن في آخره: فاخترت لقاء اللَّه عز وجل وما عند اللَّه وإني سألت
اللَّه عز وجل أن يجعلك معي. يا فاطمة بنت رسول اللَّه، ويا صفية عمة رسول
اللَّه، اعملا لما عند اللَّه فإنّي لا أغني عنكما من اللَّه شيئا، مثلا
ضربه ليعبد ربه، وإنما أراد من ذلك من يخاف عدته.
وروي الواقدي في (المغازي) عن محمد بن عمر، عن أسامه بن زيد، عن الزهري، عن
سعيد بن المسيب، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما- قال جبريل- عليه السلام-: لمفاتيح خزائن الأرض فقال: يا محمد هذه
مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة أحبّ إليك أم لقاء ربك ثم
الجنة؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لقاء ربي ثم الجنة، وكان مع
جبريل عليه الصلاة والسلام ملك الموت، فقبض نفسه، وأشخص رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم وجهه إلي سقف البيت وهو يقول: مع الرفيق الأعلى، وقبض صلى
اللَّه عليه وسلم.
قال سيف: عن أبي المهلب، عن بشر عن القاسم عن أبي أمامة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- قال: وكان جبريل عليه السلام يأتيه بالليل والنهار فيقول: إن
اللَّه عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول: كيف تجدك؟ ثم يوصيه بالجار،
وبالسواك، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما جاءني قط صاحبي إلا
وهو يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه، وبالسواك حتى ظننت أنه سيفرضه حتى
إذا كان الثاني عشر من ربيع الأول، اشتد وجعه من الليل، فأصبح وقد أفاق.
(14/506)
وخرج البيهقي من طريق سيار بن حاتم حدثنا
عبد الواحد بن سليمان الحارثي قال: حدثنا الحسن بن علي، عن محمد بن علي
قال: لما كان قبل وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث، هبط إليه
جبريل عليه السلام فقال: إن اللَّه تعالى أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا،
وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل
مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا: فلما كان يوم الثاني، هبط جبريل عليه
السلام فقال له مثل ذلك.
فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل
مكروبا، فلما كان اليوم الثالث، هبط جبريل- عليه السلام- ومعه ملك الموت
ومعهما ملك الهواء يقال له إسماعيل، على سبعين ألف ملك، كل ملك منهم على
سبعين ألف ملك.
قال: فسبقهم جبريل- عليه السلام- فقال: يا أحمد إن اللَّه تعالى أرسلني
إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك يقول كيف تجدك؟
قال أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا قال: واستأذن ملك الموت
على الباب فقال له جبريل- عليه السلام- يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك
ولم يستأذن على آدمي من قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك.
فقال صلى اللَّه عليه وسلم ائذن له يا جبريل. فقال: عليك السلام يا أحمد،
إن اللَّه تعالى أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني، إن أمرتني أن
أقبض نفسك، قبضتها، وإن أمرتني أن أتركها تركتها، قال صلى اللَّه عليه
وسلم: وتفعل ذلك يا ملك الموت؟
قال: نعم! قال: بذلك أمرت. قال جبريل- عليه السلام-: يا أحمد إن اللَّه
تعالى قد اشتاق إلى لقائك، قال صلى اللَّه عليه وسلم: يا ملك الموت أمض لما
أمرت به، قال فأتاهم آت يسمعون حسه، ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم أهل
البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه تعالى خلفا من كل هالك، وعزاء من
كل مصيبة، ودركا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فأجروا، فإن المصاب من
حرم الثواب.
قال البيهقي: قوله: إن اللَّه قد اشتاق إلى لقائك، إن صح إسناد هذا الحديث.
فإنما معناه قد أراد زيادة في قربك وكرامتك.
(14/507)
وخرج من حديث يونس بن بكير عن المبارك بن
فضالة، عن الحسن. قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لفاطمة-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا بنية واللَّه لقد حضر أباك ما ليس
اللَّه تبارك منه أحدا من الناس لموافاة يوم القيامة.
ومن طريق آدم بن أبى إياس، حدثنا المبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما قالت فاطمة عليها السلام: وا كرباه! قال
لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك
كمنه أحدا لموافاة يوم القيامة [ (1) ] .
وخرج البخاري من حديث سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما
ثقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: وا
كرب أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، يا أبتاه إلي جبريل
ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس! أطابت نفوسكم أن تحشوا
على رسول اللَّه التراب؟ [ (2) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث عفان بن مسلم، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم ورأسه بين سحري ونحري فلما خرجت نفسه صلى اللَّه عليه وسلم لم
أجد ريحا قط أطيب منها [ (3) ] .
قال سيف: عن سلمه بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند عن شقيق، عن عائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قمت إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى
أضع رأسه بين ثدييّ وأمسكت بصدره فجعل يغمض عينيه حتى يغلب، وجبهته ترشح
رشحا ما رأيته من إنسان قط، فجعلت أسلت ذلك العرق، ما رأيت ولا وجدت رائحة
شيء أطيب منه، وكنت أقول له إذا أفاق: بأبي وأمي ونفسي وأهلي! ما تقلي
جبهتك من العرق فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا عائشة إن نفس المؤمن تخرج
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 210- 212.
[ (2) ] (فتح الباري) : 1887، حديث رقم (4462) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 175، حديث رقم (34384) من حديث السيدة عائشة.
(14/508)
بالرشح، والكافر تخرج من شدته كنفس الحمار،
فعند ذلك ارتعنا وبعثنا إلى أهلينا، فكان أول رجل جاءنا فلم يشهده أخي،
فبعثته إلى أبي، فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يجيئنا.
قال: عن سليمان بن أبى المغيرة، عن فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-
قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن الأنبياء تخرج أنفسهم
بالرشح، وجعل إذا أغمي عليه قال: بل الرفيق الأعلى، كأن الخيرة تعاد عليه،
فإذا أفاق قال: الصلاة، الصلاة، إنكم لا تزالون متماسكين ما صليتم جميعا،
الصلاة، الصلاة، يوصي بها حتى الموت، فهي آخر ما سمع منه.
قال: عن سعيد بن عبد اللَّه عن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، عن عائشة-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: فسالت مهجة رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم فرأيتها من في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين الأرض وما
هي متعلقة بشيء.
وقال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبي مليكة قال: قالت عائشة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها-: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتي وفي
يومي، لم أظلم فيه أحدا ومات بين سحري ونحري، فلما رأيت النساء يبكين
ويعددن، وضعت رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الوسادة، فرأيته
يحرك يديه ورجليه فأكبيت عليه وأنا أري أنها غشيه أفاق منها، فإذا هو كأنّه
إذا كان يضاجعني نائما، وإذا تلك الحركة تمديد من الملائكة وقيام منهم
عليه.
وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني يحيي بن عباد عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- قالت: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بين
سحري ونحري، في بيتي، وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا. فمن سفاهة رأيي، وحداثة
سني، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجري، فأخذت وسادة، فوسدتها
رأسه، ووضعته من حجري ثم قمت مع النساء أبكي وألتدم.
وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق أبي عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس، قال
إنه أتي عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: كان رسول اللَّه
تبارك وتعالى عنها- فقالت: كان رسول اللَّه
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 8/ 213.
(14/509)
صلى اللَّه عليه وسلم إذا مر بحجرتي ألقى
إليّ الكلمة، يقر بها عيني، فمر ولم يتكلم فعصبت رأسي، ونمت على فراشي، فمر
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: مالك يا عائشة؟:
فقلت: أشتكي رأسي، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: بل أنا وا رأساه، وأنا الّذي
أشتكى رأسي، وذلك حين أخبره جبريل عليه الصلاة والسلام أنه مقبوض. فلبثت
أياما، ثم جيء به يحمله في كساء أربعة، فأدخل عليّ، فقال: يا عائشة أرسلي
إلي النسوة. فلما جئن قال: إني لا أستطيع أن أختلف بينكن فأذن لي فأكون في
بيت عائشة، قلن: نعم. فرأيته يحمر وجهه، ويعرق، فلم أكن رأيت ميتا قط.
فقال: أقعديني فأسندته إلي، ووضعت يدي عليه، فقبلت رأسه، فرفعت يدي عنه،
وظننت أنه يريد أن يصيب من رأسي فوقعت من فيه نقطة باردة علي ترقوتي أو
صدري ثم مال فسقط علي الفراش،
فسجيته بثوب فلم أكن رأيت ميتا قط، فعرفت الموت بغيره، فجاء عمر- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستأذن ومعه المغيرة بن شعبة، فأذنت لهما، ومددت
الحجاب، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا عائشة ما لنبي اللَّه؟
قالت: غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه، فقال: وا غماه إن هذا لهو الغم، ثم
غطاه، ولم يتكلم المغيرة. فلما بلغ عمر الباب، قال المغيرة: مات رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا عمر. فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه-: كذبت، ما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا يموت حتى يأمر
بالمنافقين، بل أنت تجوشك فتنه، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- فقال: ما لرسول اللَّه يا عائشة؟ قلت:
غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه، فوضع فمه بين عينية، ووضع يده على صدغيه،
ثم قال: وا نبياه! وا صفياه! وا خليلاه! صدق اللَّه ورسوله:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (1) ] وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ
مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [ (2) ] ثم
غطاه، وخرج إلي الناس فقال: أيها الناس: هل مع أحد منكم عهد من رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالوا: لا. قال: من
__________
[ (1) ] الزمر: 30.
[ (2) ] الأنبياء: 34.
(14/510)
كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت،
ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد ملت.
ثم قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وقال: كُلُّ نَفْسٍ
ذائِقَةُ الْمَوْتِ فقال عمر: أفي كتاب اللَّه هذا يا أبا بكر؟ قال: نعم،
قال عمر: هذا أبو بكر صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الغار
وثاني اثنين فبايعوه، فحينئذ بايعوه [ (1) ] .
وخرج البخاري من حديث الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، قال:
أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها- أخبرته، ان أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أقبل على فرس من
مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها- فتيمم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو
مغشي عليه ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه يقبله ثم بكي ثم قال: بأبي
أنت وأمي يا رسول اللَّه، واللَّه لا يجمع اللَّه عليك موتتين أبدا، الموتة
التي كتبت عليك فقدمتها.
قال: وحدثني أبو سلمة، عن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خرج وعمر بن الخطاب-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر! فأبى عمر أن
يجلس، فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أما بعد فمن كان
منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان منكم يعبد اللَّه فإن اللَّه
تبارك وتعالى حي لا يموت، قال اللَّه تعالى:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلى
قوله: الشاكرين [ (2) ] وقال: لكأن الناس لم يعلموا أن اللَّه تعالى أنزل
هذه الآية، حتى تلاها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتلقاها منه
الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 214- 215.
[ (2) ] آل عمران: 144.
(14/511)
قال: وحدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب،
أنه قال: أخبرني سعيد ابن المسيب، أن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
قال: واللَّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعرفت، أو قال: فعقرت حتى
ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات. [ (1) ]
وخرجه مسلم من طريق معمر ويونس، عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمه أن عائشة
زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته قالت: أقبل أبو بكر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- على فرسه من مسكنه بالسنح، وذكره بنحو أو قريب مما تقدم،
وخرجه النسائي. [ (2) ]
وذكر البيهقي من طريق الواقدي عن شيوخه، قالوا: لما شكوا في موت النبي قال
بعضهم: قد مات، وقال بعضهم: لم يمت فوضعت أسماء بنت عميس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها- يدها بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: قد
توفي الرسول صلى اللَّه عليه وسلم قد رفع الخاتم من بين كتفيه، فكان هذا
الّذي عرف به موته.
وروي من طريق يونس عن أبي معشر، عن محمد بن قيس عن أم سلمة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنها- قالت: وضعت يدي على صدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم يوم مات، وهو في جمع، آكل، وأتوضأ، ما يذهب ريح المسك من يدي.
ومن طريق يونس [ (3) ] عن الحجاج بن أبي ذؤيب عن طلحة مولى ابن الزبير عن
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مات رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم وهو خميص البطن.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 183، حديث رقم (4452- 4453) .
[ (2) ] لعله في (الكبرى) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 219- 220.
(14/512)
ذكر ما نزل به صلى اللَّه عليه وسلم من شدة
الوجع
خرج البخاري في كتاب المرض [ (1) ] من حديث سفيان وشعبة، عن الأعمش، عن أبي
وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت
أحدا اشتدّ عليه الوجع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرجه مسلم في كتاب البرّ والصلة [ (2) ] من حديث جرير، عن الأعمش، عن أبي
وائل عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت:
ما رأيت رجلا أشد عليه الوجع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفي
رواية مكان الوجع وجعا.
وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث سفيان عن سليمان عن شقيق عن مسروق عن عائشة-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت الوجع علي أحد أشد منه على
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وخرجه قاسم بن أصبغ وابن أيمن بمثله.
وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث الأعمش، عن إبراهيم التيمي عن
الحارث بن سويد، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
قال: دخلت علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يوعك، فمسسته بيدي
فقلت: يا رسول اللَّه: إنك توعك وعكا شديدا فقال صلى اللَّه عليه وسلم:
أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك بأن لك أجرين، قال رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أجل ذلك كذلك، ثم قال: ما من مسلم يصيبه أذى
شوكة فما فوقها إلا كفر اللَّه- تعالى- بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها [
(6) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 136، باب (2) شدة المرض حديث رقم (5646) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 362- 363، باب (14) ثواب المؤمن فيما
يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها، حديث رقم (44) .
[ (3) ] لعله في (الكبرى) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 137، كتاب المرض، باب (2) شدة المرض حديث رقم
(5647) وباب (2) أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، حديث رقم
(5648) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 363، حديث رقم (45) .
[ (6) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 208، ذكر شدة المرض على رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم.
(14/513)
وروي ابن سعد من طريق موسي بن عبيدة
الزبيدي عن زيد بن أسلم، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- قال: جئنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا عليه صالب من الحمي ما
يكاد يقربه أحدنا عليه من شدة الوجع، فجعلنا نسبح، فقال: ليس أحد أشد بلا
من الأنبياء، كما يشدد علينا، كذلك يضاعف لنا الأجر.
وروي أحمد بن المقدام، حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة. قال:
أخبرني حصين قال: سمعت أبا عبيد يحدث عن عمته فاطمة أنها قالت: أتينا رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه نعوده، فإذا سقاء عليه من شدة ما يجد
من الحمي فقلنا: يا رسول اللَّه لو دعوت اللَّه يكشف عنك، فقال صلى اللَّه
عليه وسلم: إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم،
وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: جعل يشتكي ويتقلب على رأسه،
فقلت: لو فعل هذا بعضنا وجد عليه قال إن المؤمنين يشدد عليهم.
وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء ويدخل يده في القدح ثم يمسح به وجهه
بالماء ثم قال: اللَّهمّ أعني على سكرات الموت [ (1) ]
وعن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أغبط أحدا بهوان موت بعد
الّذي رأيت من شدة موت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 65، حديث رقم (23835) ، (23895) ، (23960) ،
(24650) من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وأخرجه أيضا
في (سنن الترمذي) : 3/ 308، كتاب الجنائز، باب (8) ما جاء في التشديد عند
الموت، حديث رقم (978) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 3/ 309 كتاب الجنائز، باب (8) ما جاء في التشديد
عند الموت حديث رقم (979) .
(14/514)
ذكر إخراجه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه
مالا كان عنده وعتقه أرقّاءه
خرّج الإمام أحمد من حديث يحيي عن محمد بن عمر قال: حدثني أبو سلمه قال:
قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما فعلت بالذهب؟ فجاءت ما بين
الخمسة إلى السبعة، أو الثمانية، أو التسعة، فجعل صلى اللَّه عليه وسلم
يقلبها بيده ويقول: ما ظن محمد باللَّه عزّ وجلّ إن لقيه اللَّه تعالى وهذه
عنده؟ أنفقيها [ (1) ] .
ومن حديث أبي حازم عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-
قالت: أمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أتصدق بذهب كانت عندنا في
مرضه، قالت: فأفاق، فقال: ما فعلت بالذهب؟ قالت: لقد شغلني ما رأيت منك،
قال: فهلميها، قال: فجاءت بها إليه، سبعة، أو تسعة.
قال الواقدي في (مغازيه) : [ (2) ] حدثني موسي بن محمد عن أبيه. عن أم
سلمة. عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالت: حضر رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم وهو في صدري فقال: ما فعلت الذهبة؟ فأتيته بها وهي تسعة
دنانير، فقال: أنفقيها، ما ظن محمد بربه لو لقي اللَّه تعالى وهي عنده؟
وقال محمد بن سعد: أخبرني سعيد بن منصور قال: أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن،
عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: أخبرني سعيد بن منصور، قال يعقوب بن عبد
الرحمن عن أبي حازم، عن سهل بن سعد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:
كانت عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة-
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما كان في مرضه قال:
يا عائشة ابعثي الذهب إلى عليّ، ثم أغمى عليه، وشغل عائشة ما به، فبعثت به
إلى عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتصدق به.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 74، حديث رقم (23702) ، حديث رقم (24964) السيدة
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1117 وما بعدها، غزوة أسامة بن زيد إلى مؤتة.
(14/515)
قال: أخبرنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب،
حدثنا عبد العزيز بن محمد ابن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد اللَّه
بن حويطب، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لعائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهي مستندته إلى صدرها: يا عائشة! ما فعلت تلك
الذهب؟ قال: فدعا بها فوضعها في كفه فقال: ما ظنّ محمد بربه أن لو لقي
اللَّه تعالى وهذه عنده؟ فأنفقها كلها، ومات صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك
اليوم.
وقال سيف: عن سهل بن يوسف، عن أبيه، عن جده، قال: أعتق النبي صلى اللَّه
عليه وسلم في مرضه أربعين نفسا.
(14/516)
ذكر تأميره صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه
أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عروة بن
الزبير قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد بعث أسامة وأمّره أن
يوطئ الخيل نحو البلقاء حيث قتل أبوه وجعفر، فجعل أسامة وأصحابه يتجهزون
وقد عسكر بالجرف، فاشتكي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على ذلك، ثم
وجد من نفسه راحة، فخرج عاصبا رأسه فقال: أيها الناس! أنفذوا بعث أسامة،
ثلاث مرات، ثم دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتوفي.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد اللَّه بن يزيد بن قسيط، عن أبيه، عن محمد
بن أسامه بن زيد عن أبيه قال: بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم قول الناس:
استعمل أسامة بن زيد على المهاجرين والأنصار، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم حتى جلس علي المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها
الناس! أنفذوا بعث أسامة! فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة
أبيه من قبله، وإنه لخليق بالإمارة، وإن كان أبوه لخليقا بها.
قال: فخرج جيش أسامة حتى عسكروا بالجرف وتتامّ الناس إليه فخرجوا، وثقل
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأقام أسامة والناس ينتظرون ما اللَّه
قاض في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال أسامة: فلما ثقل هبطت من
معسكري وهبط الناس معي وقد أغمي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلا
يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها علي فأعرف أنه يدعو لي.
حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجليّ قال: أخبرنا العمري عن نافع، عن ابن عمر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث سرية
فيهم أبو بكر وعمر واستعمل عليهم أسامة بن زيد، فكان الناس طعنوا فيه أي في
صغره، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فصعد المنبر فحمد اللَّه
وأثنى عليه وقال: إن الناس قد طعنوا في إمارة أسامة وقد كانوا طعنوا في
إمارة أبيه من قبله، وإنهما لخليقان لها، وإنه لمن أحب الناس إليّ، ألا
فأوصيكم بأسامة خيرا.
أخبرنا أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي أويس وخالد بن مخلد قالا: أخبرنا
(14/517)
سليمان بن بلال وأخبرنا عبد اللَّه بن
مسلمة بن قعنب الحارثي، أخبرنا عبد العزيز بن مسلم وأخبرنا معن بن عيسى،
قال: أخبرنا مالك بن أنس، جميعا عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن
عمر قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعثا، وأمّر عليهم أسامة بن زيد
فطعن بعض الناس في إمارته، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن
تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله! وأيم اللَّه إن
كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس
إليّ بعده!
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب وأخبرنا المعلى بن أسد، أخبرنا عبد
العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة، حدثني سالم بن عبد اللَّه بن أبيه أنه
كان يسمعه يحدث عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين أمر أسامه بن زيد،
فبلغه أن الناس عابوا أسامة وطعنوا في إمارته، فقام رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم في الناس فقال:
ألا إنكم تعيبون أسامة وتطعنون في إمارته وقد فعلتم ذلك بأبيه من قبل! وأيم
اللَّه إن كان لخليقا للإمارة. وإن كان لأحب الناس كلهم إليّ وإن ابنه هذا
من بعده لأحب الناس إلي فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم. [ (1) ]
وخرج البخاري في كتاب الأحكام [ (2) ] في باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم
في الأمراء، حديثا من حديث عبد اللَّه بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن في إمارته، فقال صلى اللَّه عليه وسلم:
إن تطعنوا في إمارته ... الحديث إلي آخره. وقال: لخليق للإمارة. وخرجه في
المغازي [ (3) ] في غزوة زيد بن حارثة. [ (4) ]
وقال الواقدي في (مغازيه) : قالوا: لم يزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-
ووجد عليه
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 248- 250.
[ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 223، كتاب الأحكام، باب (33) من لم يكترث بطعن
من لا يعلم في الأمراء حديثا، حديث رقم (8187) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 7/ 634، حديث رقم (4250) .
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 117 وما بعدها، غزوة أسامة بن زيد مؤتة.
(14/518)
وجدا شديدا، فلما كان يوم الاثنين لأربع
ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة، أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالانكماش [ (1) ] في غزوهم فتفرق
المسلمون من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد،
فلما أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث
بقين من صفر دعا أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا
أسامة، سر على اسم اللَّه وبركته حتى تنتهي إلي مقتل أبيك فأوطئهم الخيل،
فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم، وأسرع السير
تسبق الخير، فإن أظفرك اللَّه تعالى فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء،
وقدم العيون أمامك والطلائع.
فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، بدئ رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم فصدع وحمّ، فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر، عقد رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده لواء ثم قال: يا أسامة، اغز باسم اللَّه،
في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا
وليدا، ولا امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم،
ولكن قولوا: اللَّهمّ اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا
وصيّحوا، فعليكم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا فتفشلوا [ (2) ] فتذهب
ريحكم، وقولوا: اللَّهمّ إنا نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك،
وإنما تغلبهم أنت، واعلموا أن الجنة تحت البارقة. [ (3) ]
ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأسامة: امض على اسم اللَّه، فخرج
بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلميّ- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- فخرج به إلي بيت أسامة وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعسكر بالجرف، وجعل الناس يجدّون
بالخروج إلي العسكر وخرج من فرغ من حاجته إلي معسكره، ومن لم يقض حاجته فهو
على فراغ، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر
بن الخطاب، وأبو عبيدة بن
__________
[ (1) ] الانكماش: الإسراع.
[ (2) ] في (المغازي) : «ولا تفشلوا» وما أثبتناه من الأصل، فهو أصوب.
[ (3) ] البارقة: بارقة السيوف.
(14/519)
الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، في رجال من
المهاجرين والأنصار عدة: قتادة ابن النعمان، وسلمه بن أسلم بن حريش، فقال
رجال من المهاجرين، وكان أشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا
الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت المقالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعض ذلك القول، فردّه على من تكلّم به، وجاء
إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره بقول من قال، فغضب رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غضبا شديا، وخرج قد عصب على رأسه عصابة، وعليه
قطيفة، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، يا
أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولقد طعنتم في
إمارتي أباه من قبله، وأيم اللَّه إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده
لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ
وإنهما لمخيلان لكل خير [ (1) ] فاستوصوا به خيرا فإنه لمن خياركم.
ثم نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر
ليال خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامه يودعون رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول:
أنفذوا بعث أسامة! ودخلت أم أيمن فقالت: أي رسول اللَّه! لو تركت أسامة
يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج علي حالته هذه لم ينتفع
بنفسه.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أنفذوا بعث أسامه، فمضى الناس إلي
المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أسامة يوم الأحد، ورسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم ثقيل مغمور، وهو اليوم الّذي لدوه [ (2) ] فيه فدخل على رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله
فطأطأ عليه أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقبّله، ورسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها على أسامة
قال: فأعرف أنه كان يدعو لي.
__________
[ (1) ] فلان مخيل للخير: أي خليق له.
[ (2) ] لدوه: أعطوه الدواء، واللدود: ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي
الفم.
(14/520)
قال أسامة فرجعت إلي معسكري، فلما أصبح يوم
الاثنين غدا من معسكره، وأصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيقا،
فجاءه أسامة فقال: أغد على بركة اللَّه، فودعه أسامة ورسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم مفيق مريح [ (1) ] وجعل نساؤه يتماشطن سرورا براحته، فدخل
أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه:
أصبحت مفيقا بحمد اللَّه، واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي، فأذن له، فذهب
إلي السنح [ (2) ]
وركب أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي معسكره، وصاح في أصحابه
باللحوق بالعسكر، فانتهي إلي معسكره، فنزل وأمر الناس بالرحيل وقد متع [
(3) ] النهار فينا أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يريد أن يركب من
الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه يخبره أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم يموت، فأقبل أسامة إلي المدينة، معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فانتهوا
إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
يموت فتوفي صلى اللَّه عليه وسلم حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة
خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلي المدينة، ودخل
بريدة بن الحصيب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بلواء أسامة معقودا حتى أتي
به باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فغرزه عنده، فلما بويع لأبي بكر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أمر بريدة أن يذهب باللواء إلي بيت أسامة وأن
لا يحله أبدا، حتى يغزوهم أسامة قال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به
إلى بيت أسامة، خرجت به إلى الشام معقودا مع أسامة ثم رجعت به إلي بيت
أسامة، فما زال في بيت أسامة حتى توفي أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
وذكر بقيمة الخبر.
قال الواقدي: فحدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد، عن أهله، قال ك توفى
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأسامة ابن تسع عشرة سنة، وكان رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زوجه وهو ابن خمس عشر سنة وامرأة من طيِّئ،
ففارقها، وزوجه أخرى، وولد له في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
وأولم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بنائه بأهله.
__________
[ (1) ] يقال: أراح الرجل إذا رجعت نفسه إليه بعد الإعياء.
[ (2) ] موضع بأعالي المدينة.
[ (3) ] متع النهار، إذا طال وامتد وتعالى.
(14/521)
ذكر وثوب الأسود العنسيّ قبيل وفاة رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
وهو: عيهلة بن كعب بن عوف بن صعب بن مالك بن عباس واسمه زيد ابن مالك، وهو
مذجح بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن
يعرب بن قحطان.
قال الدولابي: وكان معه شيطانان: سحيق وشفيق، يخبرانه بكل شيء، وأعلماه
بموت باذان فخرج من ساعته فغلب علي صنعاء.
وقال سيف: عن أبي مويهبة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: رجع
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة بعد ما قضى حجة التمام فتحلل
وضرب على الناس بعثا وأمر عليهم أسامه بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما- وأمره أن يوطئ إبل الزيت من مشارق الشام بالأردن [ (1) ] ، فقال
المنافقون في ذلك، وردّ عليهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم:
إنه لخليق لها أي حقيق بالإمارة، ولئن قلتم فيه، لقد قلتم في أبيه من قبله
وإن كان لخليقا، وطارت الأخبار بتحليل السير بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم
بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد اشتكى، فوثب الأسود باليمن، ومسيلمة
باليمامة، وجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم الخبر عنهما، ثم وثب طلحة في
بلاد بني أسد بعد ما أفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم اشتكى في المحرم
وجعه الّذي توفاه اللَّه تعالى فيه.
وقال: حدثناه هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما رجع النبي صلى اللَّه عليه
وسلم إلى المدينة أمر أسامة بن زيد وضرب البعث على عامة أهل المدينة بعد ما
أمره أن يسير حتى يوطئ بهم إبل الزيت، ويحلل به السير، فطار في الآفاق أن
النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشتكى، فوثب الأسود باليمن، ومسيلمة باليمامة،
ثم إن طلحة وثب بعد ما أفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم وبعد ما جاء الخبر
عن الأسود ومسيلمة، ثم إنه اشتكى وجعه الّذي توفاه اللَّه تعالى فيه في عقب
المحرم.
قال سيف: حدثنا سهل بن يوسف بن سهل بن مالك الأنصاري، عن
__________
[ () ] (4) (مغازي الواقدي) : 3/ 1125.
[ (1) ] لم أجد هذا الموضع فيما عندي من معاجم البلدان.
(14/522)
القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: أول ردة
كانت ردة الأسود، واسمه عيهلة بن كعب، وكان يقال له ذو الخمار، ويقال ذو
الحمار- بالحاء المهملة- لأنه مر به حمار [ (1) ] فخر علي وجهه فقام الأسود
يتحدث ولم يقم الحمار حتى تكلم إليه.
قال سيف: ومسيلمة واسمه ثمامة بن قيس، وكان يقال له: رحمان، بأن الّذي
يأتيه رحمان، وطليحة بن خويلد ويقال له: ذو النون، فإن الّذي يأتيه ذو
النون، يقال: حدثني المسير بن يزيد النخعي، عن عروة بن عرية عن الضحاك بن
فيروز الديلمي، عن أبيه قال: إن أول ردة كانت في الإسلام ردة كانت باليمن،
على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على يدي ذي الخمار عيهلة بن كعب،
وهو الأسود في عامة مذجح بعد حجة الوداع، وكان الأسود كاهنا، شعباذا، وكان
يريهم الأعاجيب، وسبي قلوب من سمع منطقه.
وقال ابن أبي خثيمة: وأنكر نبوءته فقال: لا أكلمك ولكن أسأل ربي يكلمك
وأمسك فاه، فسمع الرجل متكلما يقول: سل عما بدا لك، وراجعه بكلام.
وقال سيف: وكان أول ما خرج أن خرج كهف حنان وهي كانت داره وبها ولده
ونساؤه، فكاتبته مذجح وواعدته بحران، فوثبوا بها وأخرجوا عمرو ابن حزم،
وخالد بن سعيد بن العاص، فأنزلوه منزلهما.
ووثب قيس بن عبد يغوث علي فروة بن مسيك وهو على مراد، فأخلاه ونزل منزله
فلم يلبث عيهلة بنجران أن سار إلى صنعاء فأخذها، وكتب إلى النبي صلى اللَّه
عليه وسلم في ذلك من فعله ونزوله صنعاء، وكان أول حين وقع به عنه من قبل
فروة بن مسيك، فلحق بفروة من تم إسلامه من مذجح ولم يكاتب الأسود صلى
اللَّه عليه وسلم ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يساعيه وضوى له ملك
اليمن.
قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال: لما اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم ارتاب من شاء اللَّه فلم يقم منهم أحد على دينه إلا الأسود
العنسيّ،
__________
[ (1) ] غير واضحة بالأصل.
(14/523)
ومسيلمة، فإنّهما كفرا وادعيا النبوة، وكفر
من اتبعهما، فلما بلغا النبي صلى اللَّه عليه وسلم خبرهما، قام في الناس
فقال: أيها الناس، إني قد كنت أريت ليلة القدر فأنسيتها وأريت في ذراعي
سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين: صاحب
اليمامة، وصاحب صنعاء، ولن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يزعم
أنه نبي.
وعن محمد بن إسحاق عن عبيد اللَّه بن أبي بكر، قال: إن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم قال يوما وهو يخطب على المنبر وقد تكلم في زمانه قبل إن
يقبض مسيلمة وادعى النبوة والأسود بن كعب العنسيّ باليمن، وادعى النبوة،
وكان يقال له في الجاهلية ذو الخمار: يا أيها الناس إني قد أريت ليلة القدر
ثم انتزعت مني ورأيت في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما، فطارا،
فأولتهما هذين الكذابين: صاحب اليمامة، وصاحب صنعاء، ولن تقوم الساعة حتى
يخرج ثلاثون دجالا كلهم يزعم أنه نبي.
فقد كان غلظ أمر الأسود واستكنف، وبايعه أهل اليمن إلا أن قوما قليلا
خالفوا عليه.
قال المؤلف: وقد خرج البخاري ومسلم طرفا من ذلك، فخرج البخاري في كتاب
المغازي في وفد بني حنيفة من حديث عبد الرزاق عن معمر بن همام أنه سمع أبا
هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم وخرج مسلم أيضا من طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه،
قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة. عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكر
أحاديث منها، وقال:
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بينما أنا نائم أتيت خزائن الأرض. قال
البخاري: في كفي سوارين من ذهب فكبرا عليّ فأوحي إلي أن انفخهما، فنفختهما،
فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة [
(1) ] .
وخرج البخاري في التعبير من حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 112، كتاب المغازي، باب (71) وفد بني حنيفة،
وحديث ثمامة بن أثال، حديث رقم (4375) .
(14/524)
همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو
هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
نحن الآخرون السابقون.
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض
فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا علي ... الحديث إلى آخره. وترجم عليه باب
النفخ في المنام [ (1) ] .
وقال ابن أبي خثيمة: بعث الأسود إلى أبي مسلم عبد اللَّه بن أيوب
الخولانيّ. فأتاه فقال: أشهد أني رسول اللَّه، قال: ما أسمع، قال: أشهد أن
محمدا رسول اللَّه، قال: نعم فردد ذلك مرارا، فأوقد له نارا عظيمة وألقاه
فيها فلم يضره، فنفاه، فأتى المدينة.
وقال سيف: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: حاربهم رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم بالرسل والكتب فأرسل إلى نفر من الأبناء رسولا وكتب إليهم أن
تحاولوا الأسود وأمرهم أن يتخذوا رجالا قد سماهم لهم ممن حولهم من حمير
وهمذان وأرسل إلى أولئك النفر من حمير وهمذان أن يتخذوهم. وأرسل إلى ثمامة
بن أثال ومن يسمع عليه، أن تحاولوا مسلمة، وأمره أن يتخذوا رجالا قد سماهم
ممن والاه من تميم وقيس، وأرسل إلي أولئك النفر من تميم وقيس أن يتخذوه
وأرسل إلي عون وورقاء بن نوفل، وإلى سنان وقضاعة أن تحاولوا طليحة وأمرهم
أن يتخذوا رجالا قد سماهم لهم من تميم وقيس، وأرسل إلي أولئك النفر من تميم
وقيس أن يتخذوهم، ففعلوا، وانقطعت سبل المرتدة، وطعنوا في نقصان، وأغفلهم
فاستغفلوا في أنفسهم فأصيب الأسود في حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل
وفاته بيوم أو بليلة وكذا مسيلمة، وطلحة.
قال: حدثنا الضحاك بن يربوع عن أبيه عن ماهان، قال: قال ابن عباس- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاتل النبي صلى اللَّه عليه وسلم الأسود وطليحة
ومسيلمة وأشياعهم بالرسل فلم يشغله.
قال سيف: عن طلحة بن الأعلم عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) 12/ 523، حديث رقم (7036) ، (7037) .
(14/525)
تبارك وتعالى عنهما-: أول من اعترض على
العنسيّ وكابره عامر بن شهر الهمذاني في ناحية، وفيروز ودادوبه في ناحيتهما
ثم تتابع الذين كتب إليهم على ما أمروا به.
وقال سيف: عن سهل بن يوسف عن أبيه عن عبيد بن صخر قال: بينما نحن بالجد قد
أفتاهم على ما ينبغي وكتبنا بينهم الكتب إذ جاءنا كتاب من الأسود: أيها
المتوردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا ووفروا ما جمعتم، فنحن
أولى به، أنتم على ما كنتم عليه، فقلنا للرسول من أين جئت؟ قال من كهف
حنان، ثم كان وجهه إلى نجران حتى أخذها لمحرجه فتابعه عوام مذجح، فبينا نحن
ننظر في أمرنا ونحن جميعا إذا نبيا فقيل:
هذا الأسود يشعوب، وقد خرج إليه شهر بن باولم وذلك لعشرين ليلة من منحمة
فبينا نحن ننتظر الخبر على من تكون الدبرة، إذ أتانا به قبل شهر، أن هرم
الأبناء، وغلب على صنعاء، لخمس وعشرين ليلة من منحمه، خرج معاذ ابن جبل-
رضي اللَّه تبارك وتعالى هاربا حتى يمر بأبي موسي الأشعري- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- وهو يحارب فافتتحا حضرموت، فأما معاذ- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- فإنه نزل في السكون، وأما أبو موسي- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- فإنه نزل السكون، وأما أبو موسى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه
نزل في السكاسك مما يلي المقود والمفازة، بينهم وبين مأرب وبجاد سائر من
اليمن إلى الظاهر بن أبي هالة إلا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن العاص،
فإنّهما رجعا إلى المدينة، والظاهر بن أبي هالة في بلاد جبال صنعاء وغلب
الأسود على ما بين مهد مفازة حضرموت إلي عمل الطائف إلى البحرين قبل عدن،
وطافت عليه اليمن وعك بتهامة حضرموت.
وجعل يستطير استطارة الحريق، وكان معه سبعمائة فارس سوى الركبان وكان
قواده: قيس بن عبد يغوث المراديّ، معاوية فلان الحبيّ، يزيد بن محرم ويزيد
بن حصن الحاري، ويزيد بن الأفكل الأزدي، ابنا مليكة، واستغلظ أمره، ودانت
له سواحل من السواحل، والسرجة، والحردة، والخدرة، وعدن ثم صنعاء، إلى عمل
الطائف إلي الأحنة، وغلب، وعامله المسلمون بالبعير،
(14/526)
وعامله أهل الردة بالكفر والرجوع عن
الإسلام وكان خليفته في مذجح عمرو بن معديكرب، وأسند أمر الناس الى نفر،
فأما أمر جنده فآل إلى قيس ابن عبد يغوث وأسند أمور الآباء إلى فيروز
ودادويه، فلما أنجز في الأرض استخلف مقيس بن عبد يغوث وفيروز ودادويه وأخذ
امرأة شهر بن باذام، وهي ابنة عم فيروز فبينما نحن كذلك بحضرموت، ولا نأمن
أن يسير إلينا الأسود، أو يبعث إلينا جيشا، أو يخرج بحضرموت، خارج يدعي
بمثل ما ادعى به الأسود فنحن على ظهر، يروح معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- إلى بني بكرة، حي من السكون إلى امرأة يقال لها رملة فحدبوا
عليها لصهره وكان معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بها معجبا فإن كان
ليقول فيما يدعو اللَّه تعالى: اللَّهمّ ابعثني يوم القيامة مع السكون، إذ
جاء كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأمرنا أن يبعث الرجّال لمحاربته أو
محاولته يعني الأسود، وأن يبلغ كل من رجا عنده شيئا من ذلك عن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم فقام مقامه معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
بالذي أمرته فعرفنا القوة ووثقنا بالبعير.
قال سيف: عن أبي القاسم، عن العلاء بن زياد عن أبي عمر قال: أتى الخبر إلى
النبي صلى اللَّه عليه وسلم من السماء، الليلة التي قتل فيها الأسود
العنسيّ، فخرج ليسرنا، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: قتل العنسيّ البارحة،
قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين.
(14/527)
ذكر وثوب مسيلمة في بني حنيفة ورسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم حي
هو أبو ثمامة مسيلمة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن
حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هيت بن أفصى بن
دعمي بن جديله بن أسد بن ربيعة القرشي بن نزار بن معد بن عدنان.
فلما بعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين، أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى
مسيلمة وأتبعه شرحبيل بن حسنة، فعجل عكرمة ليذهب بصوتها، فواقعهم فنكبوه،
وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر، وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر.
فكتب إليه أبو بكر: لا أرينّك ولا تراني، لا ترجعنّ فتوهن النّاس، امض إلى
حذيفة وعرفجة فقاتل أهل عمان ومهرة، ثمّ تسير أنت وجندك تستبرون النّاس حتى
تلقى مهاجر بن أبي أميّة باليمن وحضرموت.
فكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد، فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق
بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة.
فلمّا رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه قبل عذره ورضي عنه
ووجّهه إلى مسيلمة وأوعب معه المهاجرين والأنصار، وعلى الأنصار ثابت بن قيس
بن شمّاس، وعلى المهاجرين أبو حذيفة وزيد بن الخطّاب، وأقام خالد بالبطاح
ينتظر وصول البعث إليه. فلمّا وصلوا إليه سار إلى اليمامة وبنو حنيفة يومئذ
كثيرون كانت عدّتهم أربعين ألف مقاتل، وعجل شرحبيل ابن حسنة، وبادر خالدا
بقتال مسيلمة، فنكب، فلامه خالد، وأمدّ أبو بكر خالدا بسليط ليكون ردءا له
لئلّا يؤتى من خلفه. وكان أبو بكر يقول: لا أستعمل أهل بدر، أدعهم حتى
يلقوا اللَّه بصالح أعمالهم، فإنّ اللَّه يدفع بهم وبالصالحين أكثر ممّا
ينتصر بهم. وكان عمر يرى استعمالهم على الجند وغيره.
وكان مع مسيلمة نهار الرّجّال بن عنفوة، وكان قد هاجر إلى النبيّ، صلى
اللَّه عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، وبعثه معلّما لأهل اليمامة
وليشغب على مسيلمة، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد أن محمدا
صلى اللَّه عليه وسلم، يقول: إنّ مسيلمة قد أشرك معه، فصدقوه واستجابوا له،
وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره، وكان يؤذّن له عبد اللَّه بن النواجة، والّذي
يقيم له حجير بن عمير، فكان حجير يقول: أشهد أنّ مسيلمة يزعم أنّه رسول
اللَّه. فقال له مسيلمة: أفصح حجير، فليس في المجمجمة خير. وهو أوّل من
قالها.
(14/528)
وكان ممّا جاء به وذكر أنّه وحي: يا ضفدع
بنت ضفدع نقّي ما تنقّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب
تمنعين، ولا الماء تكدّرين.
وقال أيضا: والمبديات ذرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات
طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما إهالة وسمنا، لقد
فضّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريقكم فامنعوه، والمعيي
فأوّوه، والباغي فناوئوه. وأتته امرأة فقالت: إنّ نخلنا لسحيق، وإنّ آبارنا
لجرز، فادع اللَّه لمائنا ونخلنا كما دعا محمّد، صلى اللَّه عليه وسلم،
لأهل هزمان.
فسأل نهارا عن ذلك، فذكر أنّ النبيّ، صلى اللَّه عليه وسلم، دعا لهم وأخذ
من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجّه في الآبار ففاضت ماء وأنجيت كلّ نخلة
وأطلعت فسيلا قصيرا مكمّما، ففعل مسيلمة ذلك، فغار ماء الآبار ويبس النخل،
وإنّما ظهر ذلك بعد مهلكه.
وقال له نهار: أمرّ يدك على أولاد بني حنيفة مثل محمّد، ففعل وأمرّ يده على
رءوسهم وحنّكهم فقرع كلّ صبيّ مسح رأسه، ولثغ كلّ صبيّ حنكه، وإنّما استبان
ذلك بعد مهلكه.
وقيل: جاءه طلحة النّمريّ فسأله عن حاله، فأخبره أنّه يأتيه رجل في ظلمة،
فقال: أشهد أنّك الكاذب، وأنّ محمّدا صادق، ولكنّ كذّاب ربيعة أحبّ إلينا
من صادق مضر. فقتل معه يوم عقرباء كافرا.
ولما بلغ مسيلمة دنوّ خالد ضرب عسكره بعقرباء، وخرج إليه النّاس وخرج
مجّاعة بن مرارة في سريّة يطلب ثأرا لهم في بني عامر، فأخذه المسلمون
وأصحابه، فقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة، وكانوا ما بين أربعين
إلى ستّين.
وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره، فقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بني حنيفة
قاتلوا فإنّ اليوم يوم الغيرة، فإن انهزمتم تستردف النساء سبيّات، وينكحن
غير خطّيبات، فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم. فاقتتلوا بعقرباء، وكانت
راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وكانت قبله مع عبد اللَّه بن حفص
بن غانم، فقتل، فقالوا: تخشى علينا من نفسك [شيئا] فقال: بئس حامل القرآن
أنا إذا! وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شمّاس، وكانت العرب على
راياتهم، والتقى النّاس، وكان أوّل من لقي المسلمين نهار الرّجّال بن عنفوة
فقتل، قتله زيد بن الخطاب، واشتدّ القتال،
(14/529)
ولم يلق المسلمون حربا مثلها قطّ، وانهزم
المسلمون، وخلص بنو حنيفة إلى مجّاعة وإلى خالد، فزال خالد عن الفسطاط
ودخلوا إلى مجّاعة وهو عند امرأة خالد، وكان سلّمه إليها، فأرادوا قتلها،
فنهاهم مجّاعة عن قتلها وقال:
أنا لها جار، فتركوها، وقال لهم: عليكم بالرجال، فقطّعوا الفسطاط. ثم إنّ
المسلمين تداعوا، فقال ثابت بن قيس: بئس ما عودّتم أنفسكم يا معشر
المسلمين! اللَّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا يصنع هؤلاء، يعني أهل اليمامة،
وأعتذر إليك ممّا يصنع هؤلاء، يعنى المسلمين، ثمّ قاتل حتى قتل.
وقال زيد بين الخطّاب: لا نحور بعد الرجال، واللَّه لا أتكلّم اليوم حتى
نهزمهم أو أقتل فأكلمّه بحجّتي. غضّوا أبصاركم وعضّوا على أضراسكم أيّها
النّاس، واضربوا في عدوّكم وامضوا قدما. وقال أبو حذيفة: يا أهل القرآن
زيّنوا القرآن بالفعال. وحمل خالد في النّاس حتى ردّوهم إلى أبعد ممّا
كانوا، واشتدّ القتال وتذامرت بنو حنيفة وقاتلت قتالا شديدا، وكانت الحرب
يومئذ تارة للمسلمين وتارة للكافرين، وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطّاب
وغيرهم من أولي البصائر. فلمّا رأى خالد ما النّاس فيه قال: امتازوا أيّها
النّاس لنعلم بلاء كلّ حيّ ولنعلم من أين نؤتي. فامتازوا، وكان أهل البوادي
قد جنّبوا المهاجرين والأنصار وجنّبهم المهاجرون والأنصار. فلمّا امتازوا
قال بعضهم لبعض: اليوم يستحي من الفرار، فما رئي يوم كان أعظم نكاية من ذلك
اليوم، ولم يدر أيّ الفريقين كان أعظم نكاية، غير أن القتل كان في
المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في أهل الوادي.
وثبت مسيلمة فدارت رحاهم عليه، فعرف خالد أنّها لا تركد إلّا بقتل مسيلمة،
ولم تحفل بنو حنيفة بمن قتل منهم. ثمّ برز خالد ودعا إلى البراز ونادى
بشعارهم، وكان شعارهم: يا محمّداه! فلم يبرز إليه أحد إلّا قتله.
ودارت رحى المسلمين، ودعا خالد مسيلمة فأجابه، فعرض عليه أشياء ممّا يشتهي
مسيلمة فكان إذا همّ بجوابه أعرض بوجهه ليستشير شيطانه فينهاه أن يقبل.
فأعرض بوجهه مرّة وركبه خالد وأرهقه، فأدبر وزال أصحابه، وصاح خالد في
النّاس فركبوهم، فكانت هزيمتهم، وقالوا لمسيلمة: أين ما كنت تعدنا؟ فقال:
قاتلوا عن أحسابكم. ونادى المحكّم: يا بنى حنيفة الحديقة الحديقة! فدخلوها
وأغلقوا عليهم بابها.
وكان البراء بن مالك، وهو أخو أسد بن مالك، إذا حضر الحرب أخذته رعدة حتى
يقعد عليه الرجال ثمّ يبول، فإذا بال ثار كما يثور الأسد، فأصابه
(14/530)
ذلك، فلمّا بال وثب وقال: إليّ أيّها
النّاس، أنا البراد بن مالك! إليّ إليّ! وقاتل قتالا شديدا، فلمّا دخلت بنو
حنيفة الحديقة قال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة.
فقالوا: لا نفعل. فقال: واللَّه لتطرحنّني عليهم بها! فاحتمل حتى أشرف على
الجدار فاقتحمها عليهم وقاتل على الباب وفتحه للمسلمين ودخلوها عليهم
فاقتتلوا أشدّ قتال، وكثر القتلى في الفريقين لا سيّما في بني حنيفة، فل
يزالوا كذلك حتى قتل مسيلمة. واشترك في قتله وحشيّ مولى جبير بن مطعم ورجل
من الأنصار، أمّا وحشيّ فدفع عليه حربته، وضربه الأنصاريّ بسيفه، قال ابن
عمر: فصرخ رجل: قتله العبد الأسود، فولّت بنو حنيفة عند قتله منهزمة،
وأخذهم السيف من كل جانب، وأخبر خالد بقتل مسيلمة، فخرج بمجّاعة يرسف في
الحديد ليد له على مسيلمة، فجعل يكشف له القتلى حتى مرّ بمحكّم اليمامة،
وكان وسيما، فقال: هذا صاحبكم؟ فقال مجّاعة: لا، هذا واللَّه خير منه
وأكرم، هذا محكّم اليمامة، ثمّ دخل الحديقة فإذا رويجل أصيفر أخينس، فقال
مجّاعة:
هذا صاحبكم قد فرغتم منه. وقال خالد: هذا الّذي فعل بكم ما فعل.
وكان الّذي قتل محكّم اليمامة عبد الرحمن بن أبي بكر، رماه بسهم في نحره
وهو يخطب ويحرّض النّاس فقتله. وقال مجّاعة لخالد: ما جاءك إلّا سرعان
النّاس، وإنّ الحصون مملوّة، فهلمّ إلى الصلح على ما ورائي، فصالحه على كلّ
شيء دون النفوس، وقال: أنطلق إليهم فأشاورهم. فانطلق إليهم وليس في الحصون
إلّا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفي، فألبسهم. الحديد وأمر
النساء أن ينشرن شعورهنّ ويشرفن على الحصون حتى يرجع إليهم. فرجع إلى خالد
فقال: قد أبوا أن يجيزوا ما صنعت، فرأى خالد الحصون مملوّة وقد نهكت
المسلمين الحرب وطال اللّقاء وأحبّوا أن يرجعوا على الظفر ولم يدروا ما هو
كائن، وقد قتل من المهاجرين والأنصار من أهل المدينة ثلاثمائة وستّون، ومن
المهاجرين من غير المدينة ثلاثمائة رجل، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من
المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من
المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل من بني حنيفة بعقرباء
سبعة آلاف، وبالحديقة مثلها، وفي الطلب نحو منها. وصالحه خالد على الذهب
والفضة والسلاح ونصف السّبي، وقيل ربعه.
فلمّا فتحت الحصون لم يكن فيها إلّا النساء والصبيان والضعفاء، فقال خالد
لمجاعة: ويحك خدعتني! فقال: هم قومي ولم أستطع إلّا ما صنعت.
(14/531)
ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كلّ
محتلم، وكان قد صالحهم، فوفى لهم ولم يغدر. ولما رجع النّاس قال عمر لابنه
عبد اللَّه، وكان معهم:
ألا هلكت قبل زيد؟ هلك زيد وأنت حيّ! ألا واريت وجهك عني؟ فقال عبد اللَّه:
سأل اللَّه الشهادة فأعزيتها وجهدت أن تساق إليّ فلم أعصها [ (1) ] .
وقال سيف: حدثنا طلحة بن الأعلم، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد ضرب بعث أسامة بن زيد
فلم يسر لوجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر
المنافقون في تأمير أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى بلغ النبي صلى
اللَّه عليه وسلم فخرج عاصبا رأسه من الصداع لذلك الشأن، لرؤيا أريها صلى
اللَّه عليه وسلم في بيت عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- وقال: إني
رأيت البارحة فيما يرى النائم أن في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما،
فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين.
صاحب اليمامة وصاحب اليمن، وقد بلغني أن أقواما يقولون في إمرة أسامة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة
أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقا لها، وإنه لها لخليق فأنفذوا بعث أسامة-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: لعن اللَّه
الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فخرج أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- فعرس بالجرف وأنشأ الناس في العسكر ونجم طليحة، وثقل رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم فلم يستتم الأمر.
وقد خرج البخاري ومسلم [ (2) ] طرقا من ذلك، وخرج البخاري في باب علامات
النبوة في الإسلام [ (3) ] من حديث أبي اليمان، أخبرنا شعيب عن عبد اللَّه
بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما، قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
فجعل يقول: إن
__________
[ (1) ] عامة هذا الفصل مطموس في (الأصل) أو مضطرب السياق فأثبتناه من
(الكامل في التاريخ لابن الأثير) :
2/ 360- 366.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 38- 40، كتاب الرؤيا، باب (4) رؤيا النبي
صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (18) ، (19) ، (20) ، (21) ، (22) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 777، كتاب المناقب، حيث رقم (3620) .
(14/532)
جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها
في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه
ثابت بن قيس بن شماس- وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قطعة جريد-
حتى وقف علي مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن
تعدو أمر اللَّه فيك ولئن أدبرت ليغفرنك اللَّه.
وإني لأراك الّذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني. ثم انصرف.
قال ابن عباس: فسألت عن
قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني أرى الّذي أريت فيه ما أريت،
فأخبرني أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني
شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما، فنفحتهما فطارا، فأولتهما كذابين
يخرجان بعدي: أحدهما العنسيّ، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة [ (1) ] .
وقال فيه البخاري: وإني لأراك الّذي أريت فيه ما أريت، وقال مسلم: ولن
أتعدى أمر اللَّه تعالى فيك.
وخرج البخاري من حديث يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن عبيدة
بن نشيط- وكان في موضع آخر اسمه عبد اللَّه- أن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه
بن عتبة قال: بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث،
وكانت تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد اللَّه بن عامر، فأتاه رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وهو الّذي يقال له:
خطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم قضيب فوقف عليه فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئت خلينا بينك وبين
الأمر، ثم جعلته لنا بعدك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لو سألتني هذا
القضيب ما أعطيتكه، وإني لأراك الّذي أريت فيه ما أريت. هذا ثابت بن قيس
سيجيبك عني، فانصرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
قال عبيد اللَّه بن عبد اللَّه: سألت عبد اللَّه بن عباس، عن رؤيا رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي ذكر، فقال ابن عباس: ذكر لي أن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي
سواران من ذهب، ففظعتهما وكرهتهما، فأذن لي فنفختهما فطارا، فأولتهما
كذابين يخرجان. فقال عبيد اللَّه: أحدهما العنسيّ
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3621) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 115، باب (72) قصة الأسود العنسيّ حديث رقم
(4378) .
(14/533)
الّذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة
الكذاب [ (1) ] . ترجم عليه قصة الأسود العنسيّ. ذكره في كتاب المغازي.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4379) .
قوله: «قصة الأسود العنسيّ» بسكون النون، وحكى ابن التين جواز فتحها ولم أر
له في ذلك سلفا.
قوله: «حدثنا سعيد بن محمد الجرمي» بفتح الجيم وسكون الراء، كوفي ثقة مكثر،
ويعقوب بن إبراهيم هو ابن سعد الزهري، وصالح هو ابن كيسان.
قوله: «عن ابن عبيدة بن نشيط» بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها تحتانية
ساكنة ثم مهملة.
قوله: «وكان في موضع آخر اسمه عبد اللَّه» أراد بهذا أن ينبه على أن المبهم
هو عبد اللَّه بن عبيدة لا أخوه موسى، وموسى ضعيف جدا وأخوه عبد اللَّه
ثقة، وكان عبد اللَّه أكبر من موسى بثمانين سنة. وفي هذا الإسناد ثلاثة من
التابعين في نسق: صالح بن كيسان وعبد اللَّه بن عبيدة وعبيد اللَّه بن عبد
اللَّه وهو ابن عتبة ابن مسعود. وساق البخاري عنه الحديث مرسلا. وقد ذكره
في الباب الّذي قبله موصلا لكن من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس.
قوله: «في دار بنت الحارث وكان تحته ابنة الحارث بن كريز» وهي أم عبد
اللَّه بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، والّذي وقع هنا أنها
أم عبد اللَّه بن عامر، قيل: الصواب أم أولاد عبد اللَّه بن عامر لأنها
زوجته لا أمه، فإن أم ابن عامر ليلى بنت أبي حثمة العدوية. وهو اعتراض
متجه. ولعله كان فيه أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عامر فإن لعبد اللَّه
بن عامر ولدا اسمه عبد اللَّه كاسم أبيه، وهو من بنت الحارث واسمها كيسة
بتشديد التحتانية بعدها مهملة وهي بنت عبد اللَّه بن عامر بن كريز تحت
مسيلمة الكذاب، وإذا ثبت ذلك ظهر السر في نزول مسيلمة وقومه عليها لكونها
كانت امرأته وأما ما وقع عند ابن إسحاق أنهم نزلوا بدار بنت الحارث وذكر
غيره أن اسمها رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد وهي من الأنصار
ثم من بني النجار ولها صحبة وتكنى أم ثابت، وكانت زوج معاذ بن عفراء
الصحابي المشهور، فكلام ابن سعد يدل على أن دارها كانت معدة لنزول الوفود،
فإنه ذكر في وفد بني محارب وبني كلاب وبني تغلب وغيرهم أنهم نزلوا في دار
بنت الحارث، وكذا ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة حبسوا في دار بنت الحارث
وتعقب السهيليّ موقع عند ابن إسحاق في قصة مسيلمة بأن الصواب بنت الحارث،
وهو تعقب صحيح إلا أنه يمكن الجمع بأن يكون وفد بني حنيفة نزلوا بدار بنت
الحارث كسائر الوفود ومسيلمة وحده نزل بدار زوجته بنت الحارث
(14/534)
وقال سيف: عن الضحاك بن يربوع عن أبيه قال:
رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى
__________
[ () ] ثم ظهر لي أن الصواب ما وقع عند ابن إسحاق، وأن مسيلمة والوفد نزلوا
في دار بنت الحارث وكانت دارها معدة للوفود، وكان يقال لها أيضا بنت
الحارث، كذا صرح به محمد بن سعد في (طبقات النساء) فقال:
رملة بنت الحارث ويقال لها ابنة الحارث بن ثعلبة الأنصارية، وساق نسبها.
وأما زوجة مسيلمة وهي كيسة بنت الحارث فلم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت
عند مسيلمة باليمامة، فلما قتل تزوجها ابن عمها عبد اللَّه ابن عامر بعد
ذلك. واللَّه أعلم.
قوله: «ثم جعلته لنا بعدك» هذا مغاير لما ذكر ابن إسحاق أنه ادعى الشركة،
إلا أن يحمل على أنه ادعى ذلك بعد أن رجع.
قوله: «فقال ابن عباس ذكر لي» كذا فيه بضم الذال من ذكر على البناء
للمجهول، وقد وضح من حديث الباب قبله أن الّذي ذكر له ذلك هو أبو هريرة.
قوله: «إسواران» بكسر الهمزة وسكون المهملة تثنية إسوار وهي لغة في السوار،
وإسوار بالكسر ويجوز الضم، والأسوار أيضا صفة للكبير من الفرس: وهو بالضم
والكسر معا بخلاف الإسوار من الحلي فإنه بالكسر فقط.
قوله: «ففظعتهما وكرهتهما» بفاء وظاء مشالة مكسورة بعدها عين مهملة، يقال:
فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار، قال ابن الأثير: الفظيع الأمر
الشديد، وجاء هنا متعديا، والمعروف فظعت به وفظعت منه فيحتمل التعدية على
المعنى أي حفتهما، أو معنى فظعتهما اشتد علي أمرهما. قلت: يؤيد الثاني قوله
في الرواية الماضية قريبا «وكبرا علي» .
قوله: «فقال عبد اللَّه أحدهما العنسيّ الّذي قتله فيروز باليمن، والآخر
مسيلمة الكذاب» أما مسيلمة فقد ذكرت خبره، وأما العنسيّ وفيروز فكان من
قصته أن العنسيّ وهو الأسود واسمه عبهلة بن كعب وكان يقال له أيضا ذو
الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه، وقيل هو اسم شيطانه. وكان
الأسود قد خرج بصنعاء وادعى النبوة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي
أمية، ويقال إنه مر به فلما حاذاه عثر الحمار فادعى أنه أنه سجد له، ولم
يقم الحمار حتى قال له شيئا فقام، وروى يعقوب بن سفيان والبيهقي في
«الدلائل» من طريقه من حديث ان عمان بن بزرج بضم الموحدة وسكون الزاي ثم
راء مضمومة ثم جيم قال: خرج أسود الكذاب وهو من بني عنس بعني بسكون النون
وكان معه شيطانان يقال لأحدهما سحيق بمهملتين وقاف مصغر والآخر شقيق بمعجمة
وقافين مصغر، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس، وكان ياذان أمل
النبي
(14/535)
المدينة عام حجة الوداع وعامله على اليمامة
ثمامة بن أثال ثم بعث نهارا بعد ما بلغه خروج مسيلمة معلما وكان مسيلمة من
أهل هذا، وبعث إلى أهل حجر فاستجلبه فلما شهد له نهار الرجّال أن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم زعم أنه أشرك معه في الأمر أخرجا عامة من بحجر.
عن طلحة بن الأعلم عن عبد اللَّه بن عمير الحنفي، قال: لما قدم بكتاب النبي
صلى اللَّه عليه وسلم إلى إلي اليمامة إلى ثمامة بن أثال بخيل له وطلب
عورته وقد أخبره أن معه شيطانا ماردا وأنه يصغي إليه وادعى إلى شيء فلا
يعمل إلا بأمره وأنه ذلك إن سد فيه يريد أن فتعلموها زيدتان كأنهما زبيبتان
فلا نشهد عليه حتى ترى ذلك فإن قلبه عند ذلك في سعل وإنك أن عاجله أحد ثم
أمنه عليه وقال ان قويت على مكابرته فكابره واستعن بفلان ممن حول اليمامة
من تميم وقيس فلما لم يقدر علي مرضه منه وكاتبه الّذي كتب اليهم النبي صلى
اللَّه عليه وسلم من حوله وقطع طريق اليمامة اعتزل تمامة فيمن ثبت على
الإسلام من بني حنيفة وكانوا فرقتين فرقه معه وفرقة مع مسيلمة الموسم فنزل
الوسم وجعل تميما وقيسا من خلفه واستهدهم وأمده الزبرقان بن بدر وقيس
وصفوان ووكيع وعمرو ابن حرم انميرى وعمرو بن فلان الحفاحى فاقتحم بهم ثمامة
عليهم فالتقى هو مسيلمة يملهم بقتل حبيب بن قيس بن حبيب أخو مسيلمة وجعفر
بن مسيلمة بن قتادة وعزاء بن علي وخرج تمامه وأصحابه علي الغنم والظفر
فعادوا وأصحابه إلى الموسم وتضعضع عنه مسيلمة، وقال ثمامة بن أثال في ذلك.
قالت رميلة أين ترحل بعد ما ... جدا الرحيل يحفل حدار
وتعرضت لتلومني في عزوتى ... مشفقا على مخافة الأقدار
فقصبت بما دلتى وقلت لها أحمقي ... وقضضت جميع مغامر حبار
__________
[ () ] صلى اللَّه عليه وسلم بصنعاء فمات، فجاء شيطان الأسود فأخبره، فخرج
في قوة حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجه باذان، فذكر القصة في مواعدتها
دادويه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود ليلا، وقد سقته المرزبانة
الخمر صرفا حتى سكر، وكان على بابه ألف حارس، فنقب فيروز ومن معه الجدار
حتى دخلوا فقتله فيروز واحتز رأسه، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع
البيت، وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى بذلك عند وفاة النبي صلى اللَّه
عليه وسلم. قال أبو الأسود عن عرة: أصيب الأسود قبل وفاة النبي صلى اللَّه
عليه وسلم بيوم وليلة، فأتاه لوحي فأخبر به أصحابه، ثم جاء الخبر إلى أبي
بكر رضى اللَّه عنه، وقيل وصل الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى اللَّه عليه
وسلم.
(14/536)
ورميت مشتبه الفلات بفيلق ... شهبا ذات
نوارح وأوار
وفتحت بالجيش الموبر جمعهم ... ورياح كل مصلصل حران
وخدعت عربين اليمامة كلهم ... بخيبهم ويجعفر وعزار
وكانت بنو حنيفة فرقتين فرقة مع مسيلمة وهو أهل هجر وحشدوا ثم خرجوا نحو
الوشم وفرقة مع تمامه من بني سحيم وأهل القرى من فينا حنيفة فغضب أهل حجر
ثم خرجوا نحو الوشم يغزون يمامه ومن بيعة من بني تميم سحيم وأهل القرى ومن
أمره من تميم وقيس فالتفوا بالوشم فاقتتلوا قتالا شديدا فهزم مسيلمة
وأصحابه واتبعهم تمامه بمن معه يقتلونهم قاهرين لهم ثم رجعوا وقد بنوا
أيديهم مما أصابوا من جند مسيلمة فقال ثم في ذلك.
قالت رميلة لا يهد وقد جرى ... يوم الغوير بحكهما استعار
أرميل لي أني لم اربح مودتي ... حتى تزيل مساقتى الأقدار
أرميل أني شاري لمحمد نفسي ... وأهلي الدهور عمار
فغضبت جميعهم يطعن مصائب ... حتى نزهده بيننا الأكوار
وركبت غازى القرى في أثره ... أقرى المنان وجعنا سيار
قال سيف عن طلحة عن ماهان عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
قال: فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم الخبر بما ألقي مسيلمة فقال: هداك
مسيلمة قد سحى وضاق ضرعا واللَّه مخزيه ومن لقيه فليبرأ منه فأن له شيطانا
لا يقطع أمرا دونه يصغي إليه فإذا اصغي إليه فليغتنم شغله فإن قلبه مخامر
وأنه ذلك أرشد سفيه يزيد أن حتى فعلوهما زبيبتان وأنه لا يصاب إلا في تلك
الحال.
(14/537)
ذكر خروج طليحة في حياة رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم
هو طليحة بن خويلد بن نوفل بن نصلة بن الأشتر بن حجوان ابن فقعس بن طريف بن
عر بن عمرو بن معين بن الحارث بن ثعلبة بن دوقا بن راشد بن خزيمة بن دركة
بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو الجبال الأسدي ذو النون كان
يعدل بألف فارس.
كان قد تنبأ في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فوجه إليه النبي
صلى اللَّه عليه وسلم ضرار بن الأزور عاملا على بني أسد وأمرهم بالقيام على
من ارتد، فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه، فضربه بسيف، فلم يصنع فيه
شيئا، فظهر بين الناس أن السلاح لا يعمل فيه، فكثر جمعه. ومات النبي صلى
اللَّه عليه وسلم، وهم على ذلك، فكان طلحة يقول: إن جبرائيل يأتيني، وسجع
للناس الأكاذيب، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول: إن اللَّه لا
يصنع بتعفر وجوهكم وتقبح أدباركم شيئا، اذكروا اللَّه أعفة قياما، إلى غير
ذلك، وتبعه كثير من العرب عصبية، فلهذا كان أكثر أتباعه من أسد وغطفان
وطيِّئ. فسارت فزارة وغطفان إلى جنوب طيبة، وأقامت طيِّئ على حدود أراضيهم
وأسد بسميراء، واجتمعت عبس وثعلبة بن سعد ومرة بالأبرق من الرَّبَذَة،
واجتمع إليهم ناس من بني كنانة، فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين، أقامت
فرقة بالأبرق، وسارت فرقة إلى ذي القصة، وأمدهم طليحة بأخيه حبال، فكان
عليهم وعلى من معهم من الدئل وليث ومدلج، وأرسلوا إلى المدينة يبذلون
الصلاة ويمنعون الزكاة، فقال أبو بكر: واللَّه لو منعوني عقالا لجاهدتهم
عليه. وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة وردهم، فرجع وفدهم، فأخبروهم بقلة من
في المدينة وأطمعوهم فيها.
وجعل أبو بكر بعد مسير الوفد على أنقاب المدينة عليا وطلحة والزبير وابن
مسعود، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو لقربهم، فما
لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل وخلفوا بعضهم بذي حسي
ليكونوا لهم ردءا، فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم، وأرسلوا
إلى أبي بكر بالخبر، فخرج إلى أهل المسجد على النواضح، فردوا العدو
واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسي، فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها
الحبال، ثم دهدهوها على الأرض، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت بهم إلى
المدينة ولم يصرع مسلم.
(14/538)
وظن الكفار بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى
أهل ذي القصة بالخبر، فقدموا عليهم، وبات أبو بكر يعبي الناس، وخرج على
تعبية يمشي وعلي ميمنته النعمان بن مقرن وعلى ميسرته عبد اللَّه بن مقرن
وعلى أهل الساقة سويد بن مقرن. فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد
واحد، فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى
ولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل رجال، واتبعهم أبو بكر حتى نزل
بذي القصة وكان أول الفتح، ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى
المدينة، فذل له المشركون. فوثب بنو عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين
فقتلوهم فحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة،
وازداد المسلمون قوة وثباتا.
وطرقت المدينة صدقات نفر كانوا على صدقة الناس، بهم صفوان والزبرقان بن بدر
وعدي بن حاتم، وذلك لتمام ستين يوما من مخرج أسامة، وقدم أسامة بعد ذلك
بأيام، وقيل: كانت غزوته وعوده في أربعين يوما.
فلما قدم أسامة استخلفه أبو بكر على المدينة وجنده معه ليستريحوا ويريحوا
ظهرهم، ثم خرج فيمن كان معه، فناشده المسلمون ليقيم، فأبي وقال:
لأواسينكم بنفسي. وسار إلى ذي حسي وذي القصة حتى نزل بالأبرق فقاتل من به،
فهزم اللَّه المشركين وأخذ الخطبة أسيرا، فطارت عبس وبنو بكر، وأقام أبو
بكر بالأبرق أياما، وغلب على بني ذبيان وبلادهم وحماها لدواب المسلمين
وصدقاتهم.
ولما انهزم عبس وذبيان رجعوا إلى طليحة وهو ببزاخة، وكان رحل من سميراء
إليها، فأقام عليها، وعاد أبو بكر إلى المدينة. فلما استراح أسامة وجنده،
وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليها، قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية،
فعقد أحد عشر لواء، عقد لواء لخالد بن الوليد وأمره بطليحة ابن خويلد فإذا
فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له، وعقد لعكرمة ابن أبي جهل
وأمره بمسيلمة، وعقد للمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسيّ ومعونة
الأبناء على قيس بن مكشوح، ثم يمضي إلى كندة بحضرموت، وعقد لخالد بن سعيد
وبعثه إلى مشارف الشام، وعقد لعمرو بن العاص وأرسله إلى قضاعة، وعقد لحذيفة
بن محصن الغلفاني وأمره بأهل دبا، وعقد لعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة وأمرهم
أن يجتمعا وكل واحد منهما على صاحبه في عمله.
وبعث شرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة بن أبي جهل وقال: إذا فرغ من
(14/539)
اليمامة فالحق بقضاعة وأنت على خيلك تقاتل
أهل الردة. وعقد لمعن بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن، وعقد
لسويد بن مقرن وأمره بتهامة باليمن، وعقد للعلاء بن الحضرميّ وأمره
بالبحرين، ففصلت الأمراء من ذي القصة ولحق بكل أير جنده، وعهد إلى كل أمير
وكتب إلى جميع المرتدين نسخة واحدة يأمرهم بمراجعة الإسلام ويحذرهم، وسير
الكتب إليهم مع رسله.
ولما انهزمت عبس وذبيان ورجعوا إلى طليحة ببزاخة أرسل إلى جديلة والغوث من
طيِّئ يأمرهم باللحاق به، فتعجل إليه بعضهم وأمروا قومهم بالحاق بهم،
فقدموا على طليحة.
وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم قبل خالد إلى طيئ وأتبعه خالدا وأمره ان يبدأ
بطئ ومنهم يسير إلى بزاخة ثم يثلث بالبطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى
يأذن له. وأظهر أبو بكر للناس أنه خارج إلى خيبر بجيش حتى يلاقي خالدا،
يرهب العدو بذلك.
وقدم عدي علي طيئ فدعاهم وخوفهم، فأجابوه قالوا له: استقبل الجيش فأخره عنا
حتى نستخرج من عند طليحة منا لئلا يقتلهم. فاستقبل عدي خالدا وأخبره
بالخبر، فتأخر خالد، وأرسلت طيئ إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم، فعادت
طيئ إلي خالد بإسلامهم، ورحل خالد يريد جديلة، فاستمهله عدي عنهم، ولحق بهم
عدي يدعوهم إلى الإسلام، فأجابوه، فعاد إلى خالد بإسلامهم، ولحق بالمسلمين
ألف راكب منهم، وكان خير مولود في أرض طيئ وأعظمه بركة عليهم.
وأرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم الأنصاري طليعة، فلقيهما
حبال أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة، فقتل طليحة
عكاشة وقتل أخوه ثابتا ورجعا.
وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتا قتيلين، فجزع لذلك المسلمون، وانصرف
بهم خالد نحو طيئ، فقالت له طيئ: نحن نكفيك قيسا، فإن بني أسد حلفاؤنا.
فقال: قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم: لو نزل هذا على الذين
[هم] أسرتي الأدنى فالأدنى لجاهدتهم عليه، واللَّه لا أمتنع عن جهاد بني
أسد لحلفهم. فقال له خالد: إن جهاد الفريقين جهاد، لا تخالف رأي أصحابك
وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط، ثم تعبى لقتالهم، ثم سار حتى
التقيا على بزاخة، وبنو عامر قريبا يتربصون على من
(14/540)
تكون الدائرة قال: فاقتتل الناس على بزاخة.
وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة، فقاتلوا قتالا شديدا
وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم، فلما اشتدت الحرب كرّ عيينة على طليحة
وقال له: هل جاءك جبرائيل بعد؟ قال: لا فرجع فقاتل، ثم كر على طليحة فقال
له: لا أبا لك! أجاءك جبرائيل؟ قال: لا. فقال عيينة: حتى متى؟ قد واللَّه
بلغ منا! ثم رجع فقاتل قتالا شديدا ثم كر على طليحة فقال: هل جاءك جبرائيل؟
قال: نعم. قال: فماذا قال لك؟ قال:
قال لي: إن لك رحى كرحاه، وحديثا لا تنساه. فقال عيينة: قد علم اللَّه أنه
سيكون حديث لا تنساه، انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب، فانصرفوا وانهزم
الناس.
وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار، فلما غشوه ركب فرسه وحمل
امرأته ثم نجا بها وقال: يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو
بامرأته فليفعل. ثم انهزم فلحق بالشام، ثم نزل على كلب فأسلم حين بلغه أن
أسدا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر.
وكان خرج معتمرا [في إمارة أبي بكر] ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر:
هذا طليحة! فقال: ما أصنع به؟ قد أسلم! ثم أتي عمر فبايعه حين استخلف. فقال
له: أنت قاتل عكاشة وثابت؟ واللَّه لا أحبك أبدا! فقال: يا أمير المؤمنين
ما يهمك من رجلين أكرمهما اللَّه بيدي ولم يهني بأيديهما! فبايعه عمر وقال
له: ما بقي من كهانتك؟ فقال: نفخة أو نفختان [بالكير] . ثم رجع إلى قومه
فأقام عندهم حتى خرج إلى العراق.
ولما انهزم الناس عن طليحة أسر عيينة بن حصن، فقدم به على أبي بكر فكان
صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف: يا عدو اللَّه أكفرت بعد إيمانك؟
فيقول: واللَّه ما آمنت باللَّه طرفة عين. فتجاوز عنه أبو بكر وحقن دمه.
وأخذ من أصحاب طليحة رجل كان عالما به، فسأله خالد عما كان يقول، فقال: إن
مما أتي به: والحمام واليمام، والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن
ملكنا العراق والشام.
قال: ولم يؤخذ منهم سبي لأنهم كانوا قد أحرزوا حريمهم، فلما انهزموا أقروا
بالإسلام خشيه على عيالاتهم، فآمنهم [ (1) ] .
__________
[ (1) ] عامة هذا الفصل مطموس في (الأصل) أو مضطرب السياق، فأثبتناه من
(الكامل في التاريخ) لابن الأثير:
2/ 343- 349.
(14/541)
وخرج البيهقي من طريق محمد بن يوسف
الغمرياني، قال: حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قال:
قال لي أبو بكر أي يوم توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: يوم
الاثنين، قال: إني أرجو أن أموت فيه، فمات فيه.
ومن طريق خالد بن أبي عمران، عن حنش، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- قال: ولد نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين،
وخرج من مكة يوم الإثنين، وفتح مكة يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة يوم
الإثنين:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. وتوفي يوم الاثنين.
وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن
جعفر بن درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، عن يحيى بن عبد اللَّه بن
بكير، قال حدثنا ابن لهيعة عن خالد، عن حنش، عن ابن عباس فذكره بنحوه، زاد:
ودخل المدينة يوم الإثنين، ولم يذكر قوله: ونبي يوم الإثنين قلت: وقد خولف
في قوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، قال عمر بن الخطاب:
نزل يوم الجمعة، يوم عرفة، وكذلك قال عمار بن أبي عمار عن ابن عباس.
ومن طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا ابن لهيعة،
عن أبي الأسود، عن عروة، قال: وحدثنا يعقوب، حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن
ابن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قالا:
اشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوجع، فأرسلت عائشة إلى أبي بكر،
وأرسلت حفصة إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى علي، ولم يجتمعوا حتى توفي رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على صدر عائشة، وفي يومها يوم الاثنين. زاد
إبراهيم: حين زاغت الشمس بهذا ربيع الأول.
ومن طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وبدأه وجعه عند وليدة له، يقال لها
ريحانة، كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت، وكانت وفاته
اليوم العاشر، يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، لتمام عشر سنين
من مقدمه المدينة.
ومن طريق الواقدي: قال حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس، قال:
اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من
صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، واجتمع عنده نساؤه
كلهن، اشتكى ثلاثة عشر يوما وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول
سنة إحدى عشرة.
(14/542)
قال الواقدي: حدثنا سعيد بن عبد اللَّه بن
أبي الأبيض عن المقبري، عن عبد اللَّه بن رافع، عن أم سلمة، أن رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم بدئ في بيت ميمونة زوجته.
ومن طريق عبد اللَّه بن جعفر، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا أحمد
بن يونس، عن أبى معشر، عن محمد بن قيس، قال:
أشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة عشر يوما، فكان إذا وجد خفة
صلى، وإذا ثقل، صلى أبو بكر.
ومن طريق سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، قال: توفي رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، اليوم الّذي قدم
فيه المدينة مهاجرا، فاستكمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هجرته
عشر سنين كوامل [ (1) ] .
وقال الرافعي وعاش صلى اللَّه عليه وسلم بعدها يعني حجة الوداع ثمانين يوما
وقيل ويوما وقال النووي في (الروضة) : وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم يوم
الاثنين ضحوة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول وقال أبو الفتح محمد بن سيد
الناس في (سيرته) :
والجمهور على أنه توفي صلى اللَّه عليه وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول
يوم الاثنين. وقال أبو الربيع ابن سالم وهذا لا يصح وقد جرى فيه من الغلط
على العلماء ما علينا إثباته وقد تقدمه السهيليّ الى بيانه لأن حجة الوداع
كانت وقفتها يوم الجمعة بالاتفاق فلا يستقيم أن يكون يوم الإثنين ثانى عشر
ربيع الأول سواء تمت الشهور أو نقصت أم تم بعضها.
قال الطبري: توفي صلى اللَّه عليه وسلم يوم الإثنين من ليلتين مضتا من ربيع
الأول.
وقال أبو بكر الخوارزمي: في أول يوم منه، وبيان قول أبى الربيع أن الأشهر
الثلاث التي بقيت من عمره صلى اللَّه عليه وسلم إذا كانت تامة كان الثاني
عشر من ربيع الأول وإنما هو الأحد فإنه يكون أول ذي الحجة الخميس، وآخره
يوم الجمعة، وأول المحرم يوم السبت، وآخره الأحد، وأول صفر الإثنين، وآخره
الثلاثاء، وأول ربيع الأربعاء، فحينئذ الثاني عشر الأحد، وإن نقص شهران فتم
شهر كان أول ربيع الإثنين، وثاني عشر الجمعة، وإن نقص الأشهر الثلاث كان
أول ربيع الأحد، والثاني عشر الخميس.
وقد اعترض في (المهمات) على صاحب (الروضة) وغلط فيما قال بهذا
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 233- 235.
(14/543)
الاعتراض ولم ينسبه إلى قائله لقد أجيب عن
هذا الاعتراض بأن التاريخ إنما يقع برؤية الأهلة والأهلة، تختلف بحسب
المطالع وكل قطر يؤرخون ويحولون برؤيتهم ولا يعتبرون برؤية من بعد عنهم في
التاريخ وسائر الأحكام.
وأهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، ووقفوا يوم الجمعة، وأهل المدينة
يجوز أنهم رأوه ليلة الجمعة، لأن مطلعهم مختلف عن أهل مكة، فإذا تمت الشهور
كان أول ذي الحجة الجمعة وآخره السبت وأول المحرم الأحد وأخره الاثنين وأول
سفر الثلاثاء، وآخره الأربعاء، وأول ربيع يوم الخميس، فيكون ثانى عشر
الاثنين.
قول الرافعي رحمه اللَّه: إنه صلى اللَّه عليه وسلم عاش بعد حجته ثمانين
يوما، يقتضي أن وفاته أول يوم من ربيع الأول، وقد ذهب اليه طائفه كما تقدم.
وقال محمد بن عابد في (مغازيه) حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير انه
حدثهم عن محمد بن السيد الكلبي عن أبى صلح بن العباس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما- أن اللَّه عز وجل أنزل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
سورة المائدة وهو واقف صلى اللَّه عليه وسلم بعرفة قوله تعالى الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [ (1) ] فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام وإنه
إنما عاش صلى اللَّه عليه وسلم بعدها ثمانين يوما حتى قبضه اللَّه تعالى
وقوله يوما بعد الثمانين يقضى وفاته لليلتين مضتا من ربيع الأول.
قال سيف في كتاب (الردة) : عن محمد بن عبيد اللَّه عن الحكم عن [مقسم] عن
ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: فلما قضي رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم حجته أو نفر نزل الحصبة ثم ارتجل منها حتى قدم المدينة
فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم يوم
الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول وقال عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة
عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثله إلا أن ابن العباس- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: في أول الأيام مضينا منه وقالت عائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها- بعد ما مضي منه واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
__________
[ (1) ] المائدة: 3.
(14/544)
ذكر مبلغ عمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم
اعلم أن الروايات قد اختلفت عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
وعن عائشة وأنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- في سنّ النبي صلى
اللَّه عليه وسلم فروى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم ستون، وروي ويتبين
ثلاث وستون وروى عن ابن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أيضا خمسة
وستون ويتبين هذا مما يوردهم عنهم إنشاء اللَّه تعالى.
خرج البخاري في أول المناقب [ (1) ] ، وفي آخر المغازي [ (2) ] ، وخرج
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 694، كتاب المناقب، باب (19) وفاة النبي صلى
اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3536) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 8/ 190، كتاب المغازي باب (86) حديث رقم (4466)
. قوله: باب وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أي في أي السنين وقعت؟ قوله:
(عن يحيي) هو ابن أبي كثر.
قوله: (لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا) هذا يخالف
المروي عن عائشة عقبة أنه عاش ثلاثا وستين، إلا أن يحمل على إلغاء الكسر
كما قيل مثله في حديث أنس المتقدم في باب صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم
من كتاب المناقب. وأكثرها ما قيل في عمره أنه خمس وستون سنه، أخرجه مسلم من
طريق عمار بن أي عمار، عن ابن عباس، ومثله لأحمد عن يوسف بن مهران، عن ابن
عباس، وهو مغاير لحديث الباب لأن مقتضاه أن يكون عاش ستين إلا أن يحمل على
إلغاء الكسر، أو على قول من قال: إنه بعث ابن ثلاث وأربعين وهو مقتضى رواية
عمرو بن دينار، عن ابن عباس أنه مكث بمكة ثلاث عشرة ومات ابن ثلاث وستين،
وفي رواية هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس: لبث بمكة ثلاث عشرة وبعث
لأربعين ومات وهو ابن ثلاث وستين. وهذا موافق لقول الجمهور، وقد مضى في باب
هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والحاصل أن كل من روى عنه من الصحابة ما
يخالف المشهور- وهو ثلاث وستون- جاء عنه المشهور، وهم ابن عباس وعائشة
وأنس، ولم يختلف على معاوية أنه عاش ثلاثا وستين، وبه جزم سعيد بن المسيب
والشعبي ومجاهد، وقال أحمد:
هو الثبت عندنا، وقد جمع السهيليّ بين القولين المحكيين بوجه آخر، وهو أن
من قال: مكث ثلاث عشرة عد من أول ما جاء الملك بالنّبوّة، ومن قال: مكث
عشرا أخذ ما بعد فترة الوحي ومجيء الملك بيا أيها المدثر، وهو مبني على صحة
خبر الشعبي الّذي نقلته من تاريخ الإمام أحمد في بدء الوحي، ولكن وقع في
حديث ابن عباس عند بن سعد ما يخالفه كما أوضحته في الكلام على حديث عائشة
في بدء الوحي المخرج من رواية
(14/545)
مسلم [ (1) ] من حديث عقيل بن شهاب أخبرنى
سعيد بن المسيب بمثل ذلك وأخرجه مسلم من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب مثل
حديث عقيل.
وأخرجه النسائي [ (2) ] أيضا.
وخرج البخاري من هشام حدثنا عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما- قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأربعين سنه، فمكث بمكة
ثلاث عشرة يوحي إليه، عشرة سنه بالهجرة ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات
وهو ابن ثلاثة وستين [ (3) ] .
ومن طريق مطر بن الفضل حدثنا روح بن عبادة، حدثا زكريا بن إسحاق حدثنا عمرو
بن دينار، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى- قال:
مكث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث
وستين. خرج في أول كتاب فضائل القرآن [ (4) ] من طريق يحيى عن ابن سلمة
قال: أخبرتنى
__________
[ () ] معمر عن الزهري فيما يتعلق بالزيادة التي أرسلها الزهري، ومن الشذوذ
ما رواه عمر بن شبة أنه عاش إحدى أو اثنتين وستين ولم يبلغ ثلاثا وستين،
وكذا رواه ابن عساكر من وجه المذكور أنه شاذ من القول، وقد جمع بعضهم بين
الروايات المشهورة بأن من قال: خمس وستون جبر الكسر، وفيه نظر لأنه يخرج
منه أربع ستون فقط وقل من تنبه لذلك.
قوله: قال ابن شهاب: واخبرني سعيد بن المسيب مثله. وهو موصول بالإسناد
المذكور، وقوله: [مثله] يحتمل أن يريد أنه حدثه بذلك عن عائشة أو أرسله،
والقصد بالمثل المتن فقط، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يونس، عن الزهري،
عن سعيد بن المسيب، عن عائشة- رضي اللَّه عنها، وقد جوزت أن يكون موصولا
لما شرحت هذا الحديث في أوائل صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى ظفرت به
الآن كما حررت، واللَّه الحمد.
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ك 15/ 108، كتاب الفضائل، باب (32) باب كم سن
النبي. ص) يوم قبضه، حديث رقم (114) ، وباب (33) كم أقام النبي صلى اللَّه
عليه وسلم بمكة والمدينة، حديث رقم (117) .
[ (2) ] لعله في (الكبرى) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 287، كتاب مناقب الأنصار، باب (450) هجرة النبي
(ص) وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3902) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 9/ 3، كتاب فضائل القرآن، باب (1) كيف نزل
الوحي، وأول ما نزل حديث رقم (4978) ، (4979) .
(14/546)
عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما- قالا: لبث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشر سنين ونزل
عليه القرآن، بالمدينة عشر سنين. وخرجه أيضا في آخر كتاب [ (1) ] المغازي
عن يحيى، عن أبى سلمى، عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
قال: لبث بمكة الحديث بمثله.
وخرج مسلم عن طريق يزيد بن زريع حدثنا يونس بن عبيد، عن عمار مولى بنى هاشم
قال سألت ابن عباس كم أتى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم مات فقال
ما كنت أحسب، مثلك من قومه يخفي عليه ذلك! قال: قلت إني قد سألت الناس
فاختلفوا عليّ فأحببت أن أعلم قولك فيه، قال: أتحسب؟ قال: قلت:
نعم قال: أمسك أربعين بعث لها، وخمس عشرة بمكة يأمن ويخاف فأمرها وخاف،
وعشرة من مهاجره إلى المدينة [ (2) ] ، وخرجه من حديث شبانة بن سوار حدثنا
شعبه عن يونس بهذا الإسناد [ (3) ] ، نحو حديث ابن ذريع من حديث روح وخالد
الجد، وحدثنا حماد بن سلمة، عن عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما- قالا: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنه
يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا، وثمان سنين يوحى إليه، وأقام
بالمدينة عشرا [ (4) ] .
وخرج الترمذي من حديث نصر بن علي عن بشر بن الفضل عن خالد، الخبر بمثله
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وخرج مسلم من حديث سفيان عن عمرو قال: قلت لعروة كم لبث النبي صلى اللَّه
عليه وسلم بمكة؟ قال: عشرا، قلت: فإن ابن عباس يقول: بضع عشرة، فقال:
فغفره. وقال: إنما أخذه من قول الشاعر، قلت: يعنى حسان [ (5) ] :
ويؤتى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى خليلا مواسيا.
وذكر ذلك كله مسلم في كتاب المناقب وخرج مسلم من حديث روح بن
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : حديث رقم (199) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث رقم (121) بدون رقم.
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (123) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : باب (33) ، الحديث الّذي يلي الحديث (116) بدون
رقم.
(14/547)
عبادة حدثنا زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن
دينار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة سنة، وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم وهو
ابن ثلاث وستين [ (1) ] .
وخرجه الترمذي من طريق روح به، قال: حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما- حديث حسن غريب من حديث عمرو بن دينار.
وخرج مسلم من حديث حماد عن أبى حمرة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما- قال: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة
يوحى إليه وبالمدينة عشرا، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة [ (2) ] .
وخرج مسلم من حديث حكام مسلم حدثنا عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس
وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قبض وهو ابن ثلاث وستين [ (3)
] وروى مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن أنس ابن مالك- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنه سمعه يقول كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ولا
بالجعد القطط ولا بالسبط. بعثه اللَّه تعالى على رأس أربعين سنه وليس فيه
لحيته ورأسه عشرين شعرة بيضاء [ (4) ] .
قال أبو عمر بن عبد البر رحمه اللَّه: أما قول: بعثه اللَّه تعالى على رأس
أربعين سنه فأقام بمكة عشر سنين فاختلف في ذلك، وأما قوله بالمدينة عشر
سنين فاجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه، وأما قوله: وتوفاه اللَّه تعالى
على رأس الستين فمختلف فيه على حسب اختلافهم في مقامه صلى اللَّه عليه وسلم
بمكة، فحديث ربيعة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على ما يرى أن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ستين.
ورواه عن ربيعة جماعة من الأئمة منهم مالك بن أنس، وأنس بن عياض، وعمارة بن
عونة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأوزاعي، وسعيد ابن أبي هلال، وسليمان بن
بلال، كلهم عن ربيعة بمعنى حديث مالك سواه.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (117) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (118) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (114) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 700، كتاب المناقب، باب (23) صنعة النبي صلى
اللَّه عليه وسلم حديث رقم (3549) .
(14/548)
وقد ذكر البخاري حديث ربيعة عن أنس- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما- هذا بما تبعه، فذكر حديث حكام بن مسلم الّذي
تقدم، ثم قال البخاري: وهذا أصح عندي من حديث ربيعة.
قال أبو عمر: إنما قال البخاري ذلك واللَّه تعالى أعلم، لأن عائشة ومعاوية
وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على اختلاف عنه، كلهم يقول: إن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين ولم يختلف عن
عائشة ومعاوية وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ولم يختلف عن
عائشة ومعاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في ذلك، رواه جرير عن
معاوية.
وجاء عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كما ذكره ربيعة عنه، وذلك مخالف
لما ذكره هؤلاء كلهم، وروى الزبير بن عدي وهو عن أنس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- ما يوافق ما قالوا، فقطع البخاري بذلك، لأن المنفرد اولى
بإضافة الوهم إليه من الجماعة.
وأما عن طريق الأسناد فحديث ربيعة أحسن اسنادا في ظاهره، إلا أنه قد بان من
باطنه ما يضعفه، وذلك مخالفة لأكثر الحفاظ له.
قال: وقد تابع ربيعة على روايته عن ابن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
نافع أبو غالب، روي عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وله أربعون سنة.
وذكر البخاري من طريق عبد الرزاق قال أبو غالب نافع إنه سمع أنس بن مالك-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
بمكة عشرا بعد أن بعث.
وذكره ابن أبي خثيمة فبيا محمد بن عمر، حديثا نافع أبو غالب، قال:
قلت لأنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا أبا حمزة، لم كان سنّ رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم قبض؟ قال: ستون سنة، وقد روى ابن وهب عن
قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال
نبئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، ومكث بمكة عشرا،
وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ستين سن.
وقد روى من حديث ابن عمر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال:
إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن اثنين وستين سنة وذكر
إبراهيم بن المنذر عن سعيد بن سعيد بن أبي سعيد عن أخيه عن أبيه عن أبي
هريرة- رضي اللَّه
(14/549)
تبارك وتعالى عنهم- قال: نبئ رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا،
وتوفي وهو ابن ستين سنة.
قال أبو عمر: وممن قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث علي رأس
أربعين سنة قبات بن أشيم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، قال: نبئ رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رأس أربعين من عام الفيل.
قال أبو عمر: لا خلاف أنه صلى اللَّه عليه وسلم ولد بمكة عام الفيل وساقه
الحبشة إلى مكة يغزون البيت.
قال المؤلف: قد تقدم الخلاف في ذلك، قال أبو عمر: وروي هشام بن حسان عن
عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: بعث رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة. رواه جماعة عن هشام بن حسان وهو
قول عروة بن الزبير ورواه عن عروة هشام بن عروة وعمرو بن دينار وكان عروة
يقول:
إنه أقام بمكة عشرا، وأنكر قول من قال: أقام بها ثلاث عشرة بقوله كقول
ربيعة سواء، كان الشعبيّ يقول بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونبئ
لأربعين، ثم وكل به إسرافيل ثلاث سنين قرن بنبوته، فكان يعلمه الكلمة
والشيئ، ولم ينزل عليه القرآن علي لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته
جبريل عليه الصلاة والسلام، ونزل القرآن على لسانه صلى اللَّه عليه وسلم
عشر سنين، هذا كله قول الشعبي.
وكذلك قال محمد بن جبير بن مطعم، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نبئ
على رأس ثلاث وأربعين وهو قول عطاء الخراساني وممن قال: إنه بعث على رأس
ثلاث وأربعين ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، من رواية هشام
الدستواني عن عكرمة عنه، خلاف ما روى هشام بن حسان، وقاله أيضا سعيد بن
المسيب فذكر من طريق أحمد بن حنبل أبا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا هشام
قال:
أخبرنا عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أنزل على
النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين.
قال أحمد بن زهير: وأخبرني أن فتى جرير بن عبد الحميد قال: أخبرنا عبد
اللَّه بن عمر وفتى حماد بن زيد جميعا عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب
قال: أنزل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم الوحي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة.
خالف القواريري عامتهم في هذا الخبر عن حماد بن زيد فقال فيه: نزل عليه صلى
اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة.
ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد مثل رواية القواريري، وهو عبد اللَّه
بن عمر بن حماد بن يزيد.
(14/550)
ثم ذكر من حديث أبي زرعة: حدثنا أحمد بن
صالح بن وهب قال:
حدثني قرة بن عبد الرحمن المغازي عن ابن شهاب وربيعة عن أنس- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- قال نبّئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن
أربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، قال أبو عمر: لا أعلم أحدا رواه
عن ابن شهاب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- غير قره. وأما مكثه صلى
اللَّه عليه وسلم بمكة فمن قول أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من رواية
ربيعة وابن طالب أنه مكث بمكة عشر سنين. وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وابن
عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وهو قول عروة الشعبيّ وسعيد بن
المسيب على اختلاف عنه وابن شهاب، والحسن، وعطاء الخراسانىّ، وكذلك روى
هشام الدستواني عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال:
إنه مكث بمكة بعد ما بعث صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث عشرة سنة. وكذلك روي
أبو حمزة وعمرو بن دينار جميعا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم،
وهو قول أبو جعفر محمد بن علي.
(14/551)
وأما سنه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفي
ففي حديث ربيعة وأبي غالب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال:
توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ستين، وهو قول عروة بن
الزبير.
وروى حميد عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: توفى رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. ذكره أحمد بن زهير، عن ابن معاذ، عن
بشر بن المفضل عن حميد، وروى الحسن عن دعفل النسابة- وهو دعفل بن حنظلة-
قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين سنة، ولم يدرك
دعفل النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقال البخاري: ولا يعرف للحسن سماعا من
دعفل. قال البخاري:
وروى عمار بن أبي عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال:
أنزل علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشر سنين وخمس سنين وأشهر ولم
يوافق عليه الصلاة والسلام شيئا إلا مثل له.
قال: وروى عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبض وهو ابن ثلاث وستين. قال أبو عمر: قد روى
على بن زيد عن يوسف بن مهران عن بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
قال إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين. ذكره
أحمد بن زهير عن أحمد بن حنبل، عن هيثم عن علي بن زيد. وإنما ذكرنا هذا وإن
كان صحيحا عندنا غيره، لقول البخاري: إنه لم يتابع عمار بن أبي عمار مولى
بني هاشم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين كما ذكرنا.
وقد روى أبو حمزة ومحمد بن سيرين أيضا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث
وستين ولم يختلف عن عائشة ومعاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين.
وأم حديث عمار بن أبي عمار فرواه سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن عمار مولى
بني هاشم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال:
بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فأقام بمكة خمس عشرة
سنة، وبالمدينة عشر سنين، وقبض وهو ابن خمس وستين. رواه شعبة عن يونس بن
عبيد عن أبي عمار مولى بني هاشم. ثم قال: سألت ابن عباس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما: أبن كم توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: إن هذا
الشديد على
(14/552)
مثلك أن يعلم بمثله ورواه حماد بن سلمة عن
عمار بن أبي عمار، قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس
وستين.
ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما في هذا أقوى، لأن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم، وسعيد ابن
جبير من رواية العلاء بن صالح عن المنهال، عن سعيد بن جبير ويوسف بن مهران
كلهم قد تلقوا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن خمس وستين وروى أبو سلمة،
وعكرمة، ومحمد بن سيرين، وأبو حصين ومقسم، وأبو طيبان، وعمرو بن دينار،
كلهم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين.
وقد روى معاذ عن بشر بن المفضّل، عن حميد بن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين.
وذكره ابن أبي خثيمة عن المغني بن معاذ هكذا. ورواه أبو مسلم المشتمل عن
معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مثله،
قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين. وقد روى
معاذ ابن معاذ عن بشر بن المفضل، عن حميد عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهم- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. ثم
ذكر أبو عمير من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة عن عائشة-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم وهو ابن ثلاث وستين.
ومن طريق قاسم بن أصبغ، حدثني أحمد بن زهير. حدثنا إسماعيل بن كريم
الفرجمانى، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا يونس بن زيد، عن الزهري، قال:
أخبرنى عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. قال الزهري: أخبرنى سعيد
بن المسيب عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن النبي صلى اللَّه
عليه وسلم مثل ذلك.
قال أبو عمر هذا أصحّ شيء في هذا الباب إلا أني أعجب من رواية هشام ابن
عروة وعمرو بن دينار عن عروة قوله خلاف هذا الحديث على ما قدمناه عنه وما
أدري كيف هذا؟ وروى شعبة وإسرائيل عن أبى إسحاق، عن عامر بن سعيد عن جرير
عن عبد اللَّه، قال: إنه سمع معاوية يقول: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم وهو ابن ثلاث وستين. قاله أبو إسحاق وعامر بن سعد وعبد اللَّه بن عتبة
وسعيد بن المسيب والشعبي عليه أقره الناس لأنه يجتمع على هذا القول
(14/553)
كل من قال نبئ على رأس أربعين، وأقام بمكة
ثلاث عشر سنة، وكل من قال:
بعث على رأس ثلاث وأربعين، وأقام بمكة عشرا، وهو الّذي يسكن إليه القلب في
وفاته صلى اللَّه عليه وسلم ولا خلاف في أنه ولد يوم الاثنين بمكة في ربيع
الأول عام الفيل وأن يوم الاثنين أول يوم أوحي إليه فيه وأنه قدم المدينة
في ربيع الأول.
قال ابن إسحاق هو ابن ثلاث وخمسين، وأنه توفي يوم الاثنين في شهر ربيع
الأول سنة إحدى من الهجرة. وروى كريب عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهما- قال: أوحي اللَّه تعالى إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن
أربعين، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرا، وتوفى وهو ابن ثلاث
وستين، وأنزل عليه وهو ابن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة
عشرا، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وأنزل عليه وهو ابن أربعين سنة، وأقام
بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا.
قال أبو عمر: هذا أصح ما في ذلك عندي، ثم ذكر من طريق أبي زرعة حدثنا أحمد
بن صالح حدثنا عيينة بن خالد، حدثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين،
وصدق ذلك حديث علي بن حسين، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي
ابن ثلاث وستين. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
قال المؤلف: وحديث معاوية الّذي ذكره الحافظ أبو عمر، وخرجه مسلم من طريق
سلام بن أبي الأحوص عن أبي إسحاق، قال: كنت جالسا مع عبد اللَّه بن عتبة
فذكروا سنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال بعض القوم: كان أبو
بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أكبر من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم فقال عبد اللَّه: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث
وستين، ومات أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين،
وقيل: عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين، فقال رجل من
القوم: كنا قعودا عند معاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قبض رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، ومات أبو بكر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين وقيل:
عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين.
وخرجه من طريق شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عامر بن سعد البجلي، عن
جرير أن سمع معاوية يخطب، فقال: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو
ابن ثلاث وستين.
(14/554)
وخرجه الترمذي [ (1) ] من طريق شعبة عن أبي
إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير بن عبد اللَّه بن أبي سفيان، أنه قال: سمعته
يخطب ويقول: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مثله سواء.
وخرجه النسائي من طريق الشعبي عن جرير، قال: كنا عند معاوية- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- فقال: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [وهو] ابن
ثلاث وستين.
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 564- 565، كتاب المناقب، باب (13) في سن النبي
صلى اللَّه عليه وسلم كم كان حين مات، أحاديث أرقام (3650) ، (3651) ،
(3652) ، (3653) ، (3654) .
(14/555)
ذكر ما نزل من المصيبة بالصحابة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهم- لوفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وما حل
بالمسلمين عامة من عظم الرزيّه بفقده صلى اللَّه عليه وسلم.
قال أبو محمد الدرامي: حدثنا أبو نعيم حدثنا فطر، عن عطاء قال:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته
بي فإنّها من أعظم المصائب [ (1) ] .
وخرج البخاري في المناقب من حديث سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة قال:
أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي
صلى اللَّه عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مات وأبو بكر
بالسّنح- قال إسماعيل: يعني بالعالية- فقام عمر يقول: واللَّه ما مات رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
قالت: وقال عمر: واللَّه ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه اللَّه،
فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم فقبّله فقال: بأبي أنت وأمّي، طبت حيا وميتا، والّذي نفسي بيده
لا يذيقك اللَّه الموتتين أبدا. ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رسلك. فلما
تكلم أبو بكر جلس عمر [ (2) ] .
فحمد اللَّه [تعالى] أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدا صلى
اللَّه عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حيّ لا
يموت، وقال:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (3) ] وقال: وَما مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ
فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (4) ]
.
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 1/ 40.
[ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 23، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب (5) قول النبي
صلى اللَّه عليه وسلم (لو كنت متخذا خليلا) قاله أبو سعيد حديث رقم (3667)
.
[ (3) ] الزمر: 30.
[ (4) ] آل عمران: 144.
(14/556)
قال: فنشج الناس يبكون. قال: واجتمعت
الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم
أمير، فذهب إليهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة كما عرج بروح موسى،
واللَّه لا يموت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يقطع أيدي أقوام
وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلم حتى أزيد شدقاه مما يوعد، ويقول.
فقام العباس فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات وإنه لبشر
وإنه يأسن كما يأسن البشر، أي قوم: فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على اللَّه من
أن يميته إماتتين أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين. وهو أكرم على اللَّه
من ذلك؟ أي قوم فادفنوا صاحبكم فإن يك كما تقولون فليس بعزيز على اللَّه أن
يبحث عنه التراب. إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واللَّه ما مات حتى
ترك السبيل نهجا واضحا، فأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح، وطلق، وحارب،
وسالم، وكان يرعى الغنم، يتبع بها صاحبها رءوس الجبال، يخبط عليها العضاة
بمخبطه، ويمدد حوضها بيده بأنصب، ولا أدأب من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم، كان فيكم أي قوم، فادفنوا صاحبكم.
قال: وجعلت أم أيمن تبكي فقيل لها: يا أم أيمن تبكي على رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم؟ قالت: إني واللَّه ما أبكى على رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم إلا أن أكون أعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا، ولكني
أبكي على خبر السماء انقطع، قال حماد: خنقت العبرة أيوب حين بلغ هاهنا [
(1) ] .
وقال أبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول:
واللَّه ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبنى، خشيت أن لا يبلغه
أبو بكر- ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء
وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا واللَّه لا نفعل، منا أمير ومنكم
أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا،
وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت
سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال
عمر: قتله اللَّه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 1/ 39- 40.
[ (2) ] (فتح الباري) : حديث رقم (3668) .
(14/557)
وروى أبو محمد الدارميّ عن سليمان، حدثنا
حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم يوم الاثنين فحبس بقية يومه [ (1) ] وليلته والغد حتى دفن ليلة
الأربعاء. قالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن عرج
بروحه كما عرج بروح موسى عليه السلام.
فقام عمر فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن عرج
بروحه.
وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق عن معمر قال: قال الزهري:
وأخبرني أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قبض رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، فقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي ولكن ربه أرسل إليه كما
أرسل إلى موسى عليه الصلاة والسلام فمكث عن قومه أربعين ليلة وإني لأرجو أن
يعيش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين
وبألسنتهم يزعمون أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات [ (2) ] .
وقال عبد اللَّه بن أحمد: حدثنا الليث بن خالد البلنجي قال: كان اليوم
الّذي دخل فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل
شيء، ولما كان اليوم الّذي مات فيه صلى اللَّه عليه وسلم أظلم منها كل شيء،
وإنا لفي دفنه، ما رفعن أيدينا عن دفنه، حتى أنكرنا قلوبنا [ (3) ] .
وروى البيهقي من طريق جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت، عن أنس بن مالك،
قال: لما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أظلمت المدينة، حتى لم ينظر
بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبطيده، فلا يبصرها، فلما فرغنا من دفنه حتى
أنكرنا قلوبنا [ (4) ] .
ومن طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: شهدت اليوم الّذي توفي فيه
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم أر يوما كان أقبح منه [ (5) ] .
وقال الواقدي: حدثني حارثة بن أبي عمران، عن هلال بن أسامة عن
__________
[ (1) ] في (الأصل) : «يوم الأربعاء» وفي (سنن الدارميّ) : 1/ 39: «ليلة
الأربعاء» .
[ (2) ] (سبق تخريجه) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 265.
[ (4) ] (المرجع السابق) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : 266.
(14/558)
علة بن أبي علة قال: كان أول من دخل عليه
عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم مسجى فخرج إلي الناس وهو يصيح: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
لم يمت ولكن رفع كما رفع عيسى ابن مريم عليه السلام وليرجعن ولا يسمح أحد
أن يقول: إن محمدا مات، إلا قطع لسانه، فإنّي أعلم أن قوما من المنافقين
يقولون مات فأولئك يمثل بهم وتكون عليهم دائرة السوء، ثم غلبه البكاء. فدخل
إلى بيته فمكث يومه ذلك يبكى بكاء شديدا ما يقدر الخروج حتى خيف عليه.
قال سيف: عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال:
قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عنها إن رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم لفي حجري حين قبضه اللَّه تبارك وتعالى فتناولت وسادة من أدم
فوضعتها تحت رأسه ثم قمت أصيح مع النساء وألتدم وتفاقم الناس وسجي رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثوبه ودخل عمر ثم خرج إلي الناس فقال: يا
أيها الناس، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما مات، وليرجعنه اللَّه
تعالى فليقطعن أيد وأرجل من المنافقين يتمنون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم الموت.
وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن أبي ملكية، قال:
قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فاقتحم الناس حين ارتفعت
[الربة] وسجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والملائكة تثوبه، ونقل
الرجال، فكانوا كأقوام سحبوا منهم الأرواح، وحق لهم في أحوال من البلاء
قسمت بينهم، فكذب بعضهم بموته، وأخرس بعضهم فما تكلم إلا بعد النعت، وخلط
آخرون فلانوا الكلام بغير شأن، وبقي ومعهم عقولهم وأقعدوا آخرون، فكان عمر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى- فيمن كذب بموته، وعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنهم- فيمن أقعدوا [وعثمان]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فيمن أخرس فخرج
من في البيت من الناس ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجى، فقال: أن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت، وليرجعن اللَّه تعالى، وليقطعن
أيد وأرجل من المنافقين، فتمنون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت،
إنما أعده ربه كما وعد موسى، واللَّه لا أسمع أحدا يذكر أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم توفي إلا أعلون بسيفي هذا.
وأما عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه لما أعلونه يطق كلاما، وأما
علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه أقعد، ولم يكن أحد من المسلمين في
مثل حال أبي بكر والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فإن اللَّه عز
وجل عزم لهما على التوفيق والسداد، وكان الناس لم يرضوا إلا
(14/559)
لقول أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- وجاء العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من قبله فتكلم بنحو من
كلامه فما انتهى له أحد ممن ابتلي، حتى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- فانتهي الناس كلهم إلي قوله، وتفرقوا عن كلامه.
وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما قبض اللَّه عزّ وجل نبيه، وأعلن أهل
البيت وفاته بالصيحة، وسمعها الناس جزعا من ذلك جزعا شديدا، فقام عمر ابن
الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: كيف نكون شهداء على الناس
ويكون الرسول علينا شهيدا؟ وبموت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم
يظهر على الناس فإياكم أيها الناس أن تفتتنوا كما افتتن قوم موسى إذ غاب
عنهم إلي الطور، فرجع إليهم فعاقبهم، وظن كثير من الناس أنه كما قال عمر-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فأقبل الناس حتى نادوا على الناس، وقالوا:
إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حي، فلا تحركوه ولا تدفنوه، وأوعد
عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- الناس حين سمعهم يقولون: توفي رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على
الناس فقال: أيها الناس هل عندكم أو عند أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم من أمر وفاته؟ قالوا: لا، قال: هل عندكم يا عمر من ذلك
علم؟
قال: لا واللَّه، قال: اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يأخذ علي رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم بعد عهد اللَّه تعالى في شأن وفاته، واللَّه الّذي لا
إله إلا هو لقد ذاق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت،
ولقد قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بين ظهرانيكم إِنَّكَ
مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ
رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
فلما عرفوا، قال بعضهم: خلوا بينهم وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
فلم يكف بعضهم لبعض.
وقال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن أبي هند، عن سالم بن عبيد اللَّه
وكان من أهل الصفة- قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في اليوم الّذي
مات فيه، قال حين ثقل أو أغمي عليه فأفاق: حضرت الصلاة؟ قالوا: نعم. قال
صلى اللَّه عليه وسلم: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس،
قالت: فأمرت بلالا أن يؤذن، وأمرت أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم قال، أقيمت
الصلاة؟
قيل: نعم، فدعا بربزة خادما كانت له وإنسانا آخر معها فاعتمد عليهما، ثم
قال: انطلقا، فذهبا به إلي المسجد حتى أتيا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك
(14/560)
وتعالى عنه- وهو يصلي بالناس فجلس إلى جنب
أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذهب أبو بكر يتأخر، فجلس حتى فرغ
من الصلاة، فلما توفي صلى اللَّه عليه وسلم وقوم آمنون لم يكن فيهم نبي
قبله.
قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لئن تكلم أحد بموته إلا ضربته
بسيفي، قال: فأخذ بيدي حتى أتينا البيت، فدخل، فقال: وسعوا كذا، فوسعوا حتى
أتى نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأكبّ عليه ثم مشى روبده، ثم نظر حتى
تبين له، قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قالوا: يا صاحب رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال:
نعم، فعلموا كلهم أن قد مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: يا
صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل نصلي على النبي صلى اللَّه عليه
وسلم؟ قال: نعم، قالوا: كيف نصلي عليه؟ فما أدري قال: عشاء أو قال: يجئ نفر
فيكبرون، ويصلون ويدعون، ثم ينصرفون، ويجئ آخرون حتى يفرغوا من آخرهم،
فعلموا أنه كما قال: عندكم نبي اللَّه يعني عمته وابن عمه فجلس في المسجد
وجلس الناس حوله.
وقال سيف: عن عمر بن محمد عن تمام، عن العاصي عن القعقاع بن عمرو، قال: جاء
الخبر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بنقل النبي صلى اللَّه عليه
وسلم وتواتر أهل البيت عليه أرسلا، فجاء فلقيه آخرهم بعد ما مات النبي صلى
اللَّه عليه وسلم، وعيناه تهملان، فأكبّ عليه، وكشف عن وجهه، وقيل جبينه
وخديه، ومسح وجهه، وجعل يبكى ويقول: بأبي وأمي ونفسي وأهلي طبت حيا وميتا،
وانقطع بموته ما لم ينقطع بموته أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصفة، وحللت عن
البكاء، وخصصت حتى ضرب مسيلمة، وعميت، ولولا أن موتك كان إخبارا لحربك
بالنفوس، وإنك نهيت عن البكاء، لأنفدنا عليك ما التشوف، فأما ما لا نستطيع
حقه عنا فكمدوا، وإن كان مخالفا له.
قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبي عمر قال: جاء أبو بكر- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- حتى صلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاسترجع وصلى
وأثنى، فعجّ أهل البيت عجيجا سمعه أهل المصلى، كلما ذكرت شيئا أرادوا فما،
سكن عجيجهم إلا [صوت] يقول: السلام عليكم يا أهل البيت كُلُّ نَفْسٍ
ذائِقَةُ الْمَوْتِ الآية. إن في اللَّه خلفا من كل هالك ودركا لكل رغبة،
ونجاة من كل مخافة، فاللَّه فارجوا وبه فثقوا، فاستمعوا له وأنكروه، وقطعوا
البكاء، فلما انقطع البكاء فقد صوته، واطلع أحدهم فلم ير أحدا، ثم ناداهم
مناد آخر لا يعرفون صوته: يا أهل البيت، اذكروا اللَّه واحمدوه على كل حال
(14/561)
من المخلصين، إن في اللَّه عزاء من كل
مصيبة، وعوضا من كل رغبة، فأطيعوا أمره فاعلموا.
وقال الواقدي في كتاب (الغازي) : حدثني ابن أبي سبرة، عن الحبيش بن هاشم،
عن عبد اللَّه بن وهب، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت:
نحن مجتمعون نبكي لم ننم ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيوتنا،
ونحن نسكن برؤيته على السرير، إذ سمعنا صوت الكرار من السحر ليلة الثلاثاء.
قالت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فصحنا، فصاح أهل المسجد،
فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذن بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
بالفجر، فلما بلغ ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بكى فانتحب فزادنا عجيجا،
وعالج الناس الدخول إلي قبره، فغلق دونهم فيا لها من مصيبة، فما أصبنا بعده
بمصيبة إلا هانت علينا إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرج البيهقي من طريق المزني، قال: حدثنا الشافعيّ، عن القاسم بن عبد
اللَّه بن عمر بن حفص، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رجالا من قريش دخلوا
على أبيه عليّ بن الحسين، فقال: ألا أحدثكم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم قالوا: بلى، فحدثنا عن أبي القاسم، قال: لما مرض رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم أتاه جبريل، فقال: يا محمد! إن اللَّه أرسلني إليك،
تكريما لك، وتشريفا لك، وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك. يقول: كيف
تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا، ثم جاءه اليوم
الثاني، وقال له:
ذلك، فردّ عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم كما ردّ أول يوم، ثم جاءه اليوم
الثالث فقال له كما قال أول يوم، وردّ عليه كما ردّ.
وجاء معه ملك، يقال له إسماعيل على مائة ألف، كل ملك على مائة ألف ملك،
استأذن عليه، فسأل عنه، ثم قال جبريل: هذا ملك الموت، يستأذن عليك، ما
استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال عليه السلام: ائذن
له، فأذن له، فسلم عليه، ثم قال: يا محمد، إن اللَّه أرسلني إليك، فإن
أمرتني أن أقبض روحك قبضته، وإن أمرتني أن أتركه تركته، فقال: أو تفعل يا
ملك الموت؟ قال: نعم: بذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك. فنظر النبي إلى جبريل؟
فقال له جبريل: يا محمد إن اللَّه اشتاق إلى لقائك. فقال النبي صلى اللَّه
عليه وسلم لملك الموت: أمضي لما أمرت به، فقبض روحه.
فلما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا صوتا من
ناحية البيت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه
عزاء من
(14/562)
كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل
فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب. فقال
عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه
السلام.
قال البيهقي: لقد روينا هذا في الخبر الّذي قبله بإسناد آخر، والمراد
بقوله: إن اللَّه اشتاق إلى لقائك، أي أراد ردك من دنياك إلى آخرتك ليزيد
في كرامتك، ونعمتك وقربتك.
قال: أخبرنا القاسم بن عبد اللَّه بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن
جده قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا
قائلا يقول: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل
ما فات، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب [ (1) ] .
قال المؤلف: قد روينا هذا الحديث في كتاب تبين الشافعيّ رحمه اللَّه، وذكره
في باب زكاة الفطر، ولا يحضرني الآن.
وخرجه البيهقي من طريق الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعيّ، قال:
أخبرني الهيثم بن عبد اللَّه عن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده،
قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا
يقول: إن في اللَّه تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل
ما فات، فباللَّه فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
وخرج من طريق أبي الوليد المخزومي، حدثنا أنس بن عياض، عن جعفر ابن محمد عن
أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: لما
توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عزتهم الملائكة، يسمعون الحسّ، لا
يرون الشخص، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في
اللَّه تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه
فأرجو، فإن المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
قال البيهقي: هذان الإسنادان وإن كانا ضعيفين، فبأحدهما يتأكد الآخر، وبدل
ذلك على أن له أصلا من حديث جعفر.
قال المؤلف: وقد خرج الحاكم في (مستدركه) [ (2) ] حديث جابر هذا من طريق
أبي الوليد بهذا السند، فقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه،
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 267- 268.
[ (2) ] (المستدرك) : 30/ 59- 60، كتاب المغازي والسرايا، حديث رقم 33
(4391) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
(14/563)
والمخزومي هذا ليس بخالد بن إسماعيل
الكوفي، وإنما هو هشام بن إسماعيل الصغاني، وهو ثقة مأمون.
وخرج الحاكم من طريق محمد بن بشر بن مطر، حدثنا كامل بن طلحة حدثا عباد بن
عبد الصمد، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما قبض
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدق به أصحابه، فبكوا حوله، واجتمعوا،
فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح قيحا رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة،
وعوضا من كل فائت، وخلفا من هالك، وإلى اللَّه فأنيبوه إليه، فارغبوا
الآخرة، ونظر إليكم البلاء، فانظروا، فان المصاب من لم يخبر، وانصرف.
فقال بعضهم لبعض: أتعرفون الرجل؟ قال أبو بكر وعلي- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما-: نعم: هذا أخو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخضر عليه
السلام [ (1) ] ، قال الحاكم: هذا شاهد بما تقدم وإن كان عباد بن عبد الصمد
ليس من شرط هذا الكتاب.
قال المؤلف وقد أخرج هذا الحديث البيهقي، وقال عباد بن عبد الصمد ضعيف وهذا
منكر بمرة.
وقال سيف: عن عبد اللَّه بن سعيد بن ثابت بن الجدع عن عبدة بنت عبد الرحمن،
عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم قبل وفاته: لا يبقى في جزيرة العرب دينان.
وقال سيف: عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أبي كعب- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه-: قال: لقد رأيتني يوم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
وإني لأعد المخلصين من قبلهم وكانت قلة، قام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- دونها فما استأنى حتى استناء العزاء. وقال: عن مبشر، عن سالم
بن عبد اللَّه قال: قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كانت إمارة أبي
بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتله وقى اللَّه شرها، قلت وما الفلتة؟
قال: كان أهل الجاهلية يتناحرون في الحرم، فإذا كانت الليلة التي يشك فيها
إذ علموا فيها فأغاروا، وكذلك كان يوم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم أدخل الناس من مدعى إمارة، أو جاحد زكاة، أو مستتر بصلاة، أو جاحد
الأحكام كلها، فكان المدعي الإمارة، والمقر بالإسلام، والجاحد بالزكاة
فالجاحد للأحكام كلها، فلولا اعتراض أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
دونها كانت الفضيحة.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4392) ، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : هذا شاهد لما قبله.
(14/564)
|