بهجة
المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل [الكلام على المؤلفات في التاريخ النبوى
وتقسيم الكتاب الى قسمين]
فمن أجل التواريخ النبوية السيرة الكبرى لمحمد بن اسحق المطلبي مولاهم ثم
تهذيبها لعبد الملك بن هشام النحوى.
عليه وسلم وأصحابه يأتون بأصلها وهو اما بعد في خطبهم وقد عقد البخاري بابا
في استحبابها وذكر فيه جملة من الاحاديث وأوّل من تكلم بها داود وهو فصل
الخطاب الذي أوتيه قاله بعض المفسرين وقال المحققون فصل الخطاب الفصل بين
الحق والباطل وقيل أوّل من تكلم بها يعرب بن قحطان وقيل قس بن ساعدة
الايادي وقيل يعقوب وفيه حديث ضعيف أخرجه الدارقطني وقيل كعب بن لؤى وقيل
سحبان ابن وائل ولذلك يقول
لقد علم الحي اليمانون انني ... إذا قلت أما بعد أنى خطيبها
قال الحافظ ابن حجر تتبع الحافظ عبد القادر الرهاوي طرق الاحاديث التي رفع
فيها أما بعد فأخرجه عن اثنين وثلاثين صحابيا انتهى قلت منهم جابر وعمرو بن
تغلب وعائشة وأبو حميد الساعدي وزيد بن أرقم وعقبة بن عامر وأبو الدرداء
وأبو مسعود وأبو سعيد (ما ينبغي) أي يفرض كفاية (العناية) بكسر العين
المهملة وتخفيف النون الاعتناء بالشئ والتعب فيه والتهمم بشأنه (تدوينه)
كتبه في الديوان وهو بكسر المهملة وقد يفتح فارسي معرب قال الجوهري أصله
دوان فعوض من احدى الواوين ياء وفي سبب تسميته بذلك وجهان أحدهما ان كسرى
اطلع يوما على كتاب ديوانه وهم يحسبون مع أنفسهم فقال ديوانه أي مجانين ثم
حذفت الهاء لكثرة الاستعمال الثاني ان الديوان بالفارسية اسم للشياطين فسمي
الكتاب باسمهم لحذقهم بالامور ووقوفهم على الجلي والخفي منها (تصنيفه) أي
جعله أصنافا أي أنواعا (الكلام) بالنصب اسم ان «1» (عن الصدر) بسكون الدال
وهو السيد الذي صدر عن رأيه (فشرف العلم) بضم الراء وفتح الفاء والعلم
بالرفع فاعل ويجوز بفتح الراء وضم الفاء مصدر والعلم بالجر بالاضافة (ما
بين تاريخ) هو ذكر أوقات الحوادث والارخ بالضم والفتح الوقت وكذا الاراخ
والاسم الارخة بالضم قاله في القاموس (وشمائل) جمع شمال بكسر المعجمة
وتخفيف الميم وهي الخلق (وفوق كل ذي علم عليم) أي أعلم منه حتى ينتهى العلم
الى الله عز وجل (محمد بن اسحق) بن يسار (المطلبي مولاهم) أي مولى بني
المطلب مدني امام يكني أبا بكر قال الذهبي رأى أنسا وروي عن عطاء والزهري
وعنه شعبة والحمادان والسفيانان ويونس بن بكير وأحمد ابن خالد كان صدوقا من
بحور العلم وله غرائب في سعة ما روي يستنكر واختلف في الاحتجاج به والاصح
ان حديثه حسن بل قد صححه جماعة مات سنة احدى وخمسين ومائة وجده يسار صحابي
روي انه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه ودعا له بالبركة ذكره
ابن مندة وأبو نعيم بهذا اللفظ (عبد الملك ابن هشام) بن أيوب قال الشمني
أصله من البصرة وتوفي بمصر سنة ثلاث عشرة ومائتين (النحوي)
__________
(1) لعل نسخة الشارح وبعد فإن من أجل.
(1/5)
وأحسن مختصر في ذلك خلاصة السير للمحب
الطبري وفي الشمائل كتاب أبي عيسى الترمذي وجامع أبي محمد ابن حبان رحمهما
الله تعالى ومما لم ينسج على منواله ولا سمحت القرائح بمثاله كتاب الشفا
للقاضى الامام عياض بن موسى اليحصبي رحمه الله تعالى فانه تكلم في ذات
النبوة وأحكامها والمجوزات عليها ولها مع ما وشحه به من الشمائل المرضيات
والهدى والمعجزات بقوة عبارة وتلويح إشارة على أحسن أسلوب وامنح تقسيم
وترتيب فشكر الله سعيه وأعاد عليه نفعه ولما رأيت ما حبى به القوم من محبة
سيد البشر وما يرجون من نفعه يوم غد في المحشر وانتهى اليّ قوله صلى الله
عليه وآله وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ باسكان
المهملة (المحب الطبري) هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن
ابراهيم المكي الحسيني يكني أبا العباس ولد في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة
وستمائة وتوفي في جمادى الآخرة وقيل في رمضان وقيل في ذي القعدة سنة أربع
وتسعين وستمائة (وفي الشمائل) أي وأحسن مختصر في الشمائل (كتاب) بالرفع
(أبي عيسى) هو محمد بن عيسى بن سورة بفتح المهملة والراء بينهما واو ساكنة
السلمى الضرير قيل ولد أكمه أخذ عن البخاري وغيره من المشايخ وشارك البخاري
في بعض شيوخه وكان أحد الأئمة المقتدى بهم في علم الحديث (الترمذي) نسبة
الى ترمذ بفتح الفوقية وكسر الميم وبكسرهما وبضمهما آخره معجمة وتوفي بها
في شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين (ابن حبان) بكسر المهملة وبالموحدة اسمه
محمد بن أحمد بن حبان (وممالم ينسج) أي لم يحك والنسج الحياكة وهي بالجيم
(منواله) بكسر الميم وسكون النون هو في الاصل عود النساج الذي يلف عليه
الثوب واستعير هنا (ولا سمحت) أي جادت (القرائح) جمع قريحة بالقاف والمهملة
وهي الذكاء والفطنة قال أهل اللغة وأصلها أوّل ما يستنبط من ماء النهر يقال
لفلان قريحة أي استنباط للعلم بجودة الطبع (عياض) بكسر المهملة وتخفيف
التحتية آخره معجمة (ابن موسى) بن عياض هو الامام الجليل الحافظ النبيل
الجامع لاشتات الفنون ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة ونشأ في طلب العلم
والاجتهاد في تحصيله فبهر بجودة ذهنه وذكاء فهمه عارفا بالشروط والاحكام
والوثائق ضابطا لكتبه جيد الشعر حسن التأليف لم يوجد بسبتة في عصر من
الاعصار من التعاليق مثل ماله وحاز من الرياسة في بلده ومن الرفعة ما لم
يصل اليه أحد من أهلها وما زاده ذلك الا تواضعا وخشية لله تعالى قال ابن
خلكان وهو امام الحديث في وقته وأعرف الناس بعلومه وبالنحو واللغة وكلام
العرب وأيامها توفي في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة ودفن بمراكش
(اليحصبي) بالتحتية والمهملتين فالموحدة نسبة الى يحصب بن مالك قبيلة من
حمير وصاده مثلثة في الاسم وكذا في النسب قاله في القاموس قال وزعم الجوهري
انه في النسب بالفتح فقط (وانتهى الى) أي بالاسناد الصحيح (نعمتان مغبون
فيهما الخ) أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة (الصحة
والفراغ) للطبراني من حديث ابن عباس الامن والعافية قال العلماء معنى
الحديث ان الانسان لا يتفرغ لطاعة
(1/6)
سارعت الى جمع مختصر جامع في هذا المعنى
يتلخص الكلام فيه (في ثلاثة أقسام) مبنية على فنون حقها أن يفرد كل واحد
منها بالتصنيف على حدته
«القسم الاول» فى تلخيص سيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مولده الى
وفاته وما يتعلق بذلك وفيه ستة أبواب
(الباب الاول) في شرف نسبه ومحتده وفضل بلدي وفاته ومولده وما مهد الله له
من الفضائل قبل وجوده وعدد آبائه من لدنه الى آدم صلى الله عليه وسلم
(الباب الثاني) في تاريخ مولده الى نبوته وماجرى في تضاعيف ذلك من عيون
الحوادث
(الباب الثالث) فيما كان من ذلك من نبوته الى هجرته صلى الله عليه وآله
وسلم
(الباب الرابع) في هجرته وما بعدها الى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم
(الباب الخامس) فى ذكر بنيه وبناته وأزواجه وأعمامه وعماته ومرضعاته واخوته
من الرضاعة وأخواته وذكر مواليه وخدامه من الاحرار ومن كان يحرسه ورسله الى
الملوك وكتابه وأصحابه العشرة النجباء وأنصاره النقباء وأهل الفتوى في
حياته
(الباب السادس) فى ذكر دوابه من الخيل والبغال والحمير ونعمه وغنمه وسلاحه
ومساكنه وملبوساته وغير ذلك من أنواع آلاته وخاتمه وعدد سراياه وغزواته صلى
الله عليه وآله وسلم
«القسم الثاني» في أسمائه الكريمة وخلقته الوسيمة وخصائصه ومعجزاته وباهر
آياته الله الا اذا كان مكفيا صحيح الجسم آمنا وقد يحصل له خصلة أو خصلتان
فقط ثم لا تحصل له الثالثة فمن حصل له الخصال الثلاث وكسل عن طاعة ربه كان
مغبونا في بحارة الآخرة أي خاسرا (سارعت) من المفاعلة المختصة بالواحد
كبادرت وعاقبت وطارفت ويصح ان تكون المفاعلة في كلامه على بابها ويكون
معناه سابقت هجوم ضد الصحة والفراغ من المرض والاشتغال أو سابقت هجوم الاجل
(مختصر) هو في الاصطلاح قليل اللفظ كثير المعنى ويرادفه الوجيز (يتلخص) أي
يتبين (حدته) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين أي على انفراده (القسم
الاول) (ومحتده) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر الفوقية بعدها مهملة وهو
الاصل والطبع قاله في القاموس (ونعمه) أي ابله والنعم الابل خاصة فاذا قيل
انعام دخل فيها البقر والغنم وقيل بل النعم شامل لها وللبقر والغنم أيضا
سميت بذلك لانعام الله عز وجل بها فقوله (وغنمه) على الثاني من باب ذكر
الخاص بعد العام على حد فاكهة ونخل ورمان (وخلقته الوسيمة) بالمهملة أي
الحسنة والوسامة الحسن والجمال يقال منه وسم بفتح الواو وضم السين وسامة
ووساما بفتحهما فهو وسم وجمعه
(1/7)
وفيه أربعة أبواب
(الباب الاول) فى الاسماء وما تضمنت من المناسبات
(الباب الثاني) في صفة خلقه الوسيم وتناسب أعضائه واستواء اجزائه وما جمع
الله فيه من صفة الكمالات
(الباب الثالث) في الخصائص وهو نوعان
(الاول) في خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون الانبياء قبله وما
اختصت به أمته ببركته
(الثاني) فيما اختص به دون أمته من الواجبات والمباحات والمحرمات
(الباب الرابع) فيما أيده الله به من المعجزات وخرق العادات
«القسم الثالث» في شمائله وفضائله وأقواله وأفعاله في جميع أحواله وفيه
ثلاثة أبواب
(الباب الاول) في عادته وسجيته في المباحات والمعتادات الضروريات
(الباب الثاني) في الاخلاق المعنويات التى جمعها حسن الخلق
(الباب الثالث) في شمائله في العبادات المتكررات
وهذا القسم رحمك الله واسطة عقد هذه الاقسام ومحله منها محل اللطائف من
الاجسام لما حوى من التنبيه على جمل شرعية وآداب مرعية وسنن مأثورة وهيآت
مهجورة لقلة الاستعمال واقتداء الجهال بأهل الاهمال وأذيله بباب جامع في
فضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته ومن يعظم لا جله
وفضل حديثه ومحدثيه واختم جميع ذلك بفضل الصلاة عليه وعلى آله والتسليم صلى
الله عليه وآله وسلم واسئل الله الكريم الرحمن الرحيم أن يعظم لي في جمعه
الفائدة ويعيد على من بركاته أعظم عائدة وأن يجعل إجازتي فيه الرضى والنزول
في جوار المصطفى وأولادي ووالدي واخواني وحامتى والمسلمين وجميع الاصحاب
انه عظيم الرجاء سميع الدعاء وهو حسبي ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير
وسماء (وسجيته) بفتح المهملة وكسر الجيم وتشديد التحتية أي عادته (مأثورة)
بالمثلثة أي منقولة (مهجورة) أي متروكة (ووالدي) بكسر الدال وتشديد التحتية
جمع والد (وحامتي) بالمهملة والمد وتشديد الميم وفي بعض النسخ وخاصتى
باعجام الخاء واهمال الصاد والحامة الخاصة الذين يختص بهم ويختصون به ويهتم
بأمرهم ويحرقه قيل وهو مأخوذ من الماء الحميم وهو الحار
(1/8)
|