بهجة
المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل [القسم الاول في تلخيص سيرته]
القسم الاول في تلخيص سيرته وهو محتو
على ستة أبواب حسب ما تقدم
[الباب الاول من القسم الاول في مولده وشرف
نسبه ومحتده]
الباب الاول- «فى شرف نسبه ومحتده وما مهد الله له من الفضائل قبل وجوده
وفضل بلدي وفاته ومولده وعدد آبائه من لدنه الى آدم صلى الله عليه وآله
وسلم»
قال الله تعالى لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ. قريء بضم الفاء
وفتحها وكلاهما متضمنان لفضيلة نسبه أما قراءة الضم فقال المفسرون لم تكن
في العرب قبيلة الا ولها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولادة
وقرابة وعليه حمل ابن عباس قوله تعالى إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى
وعلى قراءة الفتح فهو أبلغ في المدح لان النفيس الخيار الجيد ومثله في
الآية الاخرى لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم وقال
تعالى كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ وروي عن على بن أبي طالب
رضى الله عنه في قوله تعالى مِنْ أَنْفُسِكُمْ قال عنه صلى الله عليه وسلم
نسبا وحسبا وصهرا ليس في آبائى من لدن آدم سفاح كلها نكاح. قال ابن الكلبي
كتبت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا
شيئا كانت عليه الجاهلية
[مطلب في الكلام على أنكحة الجاهلية]
(قال المؤلف غفر الله له) وقد كان نكاح الجاهلية على أربعة أنحاء. فنكاح
منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل الى الرجل وليته أو بنته فيصدقها ثم
ينكحها. والنكاح الآخر كان الرجل يقول لامرأته اذا طهرت من طمثها أرسلى الى
فلان فاستبضعي منه فيعتز لها زوجها فلا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك
الرجل الذي تستبضع منه فاذا تبين حملها أصابها زوجها اذا أحب وانما يفعل
ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع. ونكاح آخر يجتمع
الرهط ما دون القسم الاول (حسب ما) بفتح المهملة أي على قدره وعدده وقد
تسكن سينه أيضا (ليس في آبائي من لدن آدم سفاح كلها نكاح) أخرجه البيهقي في
الدلائل من حديث أنس رضي الله عنه (قال ابن الكلبى الخ) حكاه عنه ابن شعبة
وابن عساكر (على أربعة أنحاء) بفتح الهمزة وسكون النون وبالمهملة جمع نحو
وهو الجهة والمقصد والمراد هنا علي أربعة أقسام (وليته) بفتح الواو وكسر
اللام وتشديد التحتية أى قريبته من أخت ونحوها (طهرت) مثلث الهاء والضم
أشهر (من طمثها) بفتح المهملة وسكون الميم وبالمثلثة وهو من أسماء الحيض
وهي عشرة حيض وطمث وضحك واكبار واعصار وعراك ودراس وفراك بالفاء وطمس ونفاس
(فاستبضعى) بالموحدة والمهملة أي اطلبى منه الجماع لاجل الولد وأصله
الاصابة في البضع وهو الفرج (الرهط) الجماعة نحو العشرة لا واحد
(1/9)
العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها
فاذا حملت ووضعت ومرت ليالى بعد أن تضع أرسلت اليهم فلم يستطع رجل منهم أن
يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت وهو
ابنك يا فلان تسمى من أحبت باسمه فتلحق به ولدها لا يستطيع ان يمتنع منه
الرجل. والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من
جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أرادهن دخل
عليهن فاذا حملت احداهن ووضعت حملها جمعوا لها القافة ثم الحقوا ولدها
بالذي يرون فالتاط به ودعى به ابنه لا يمتنع الرجل من ذلك.
فلما بعث محمد صلي الله عليه وآله وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله الا
نكاح الناس اليوم رويناه في صحيح البخارى ومسلم وسنن أبى داود من رواية
عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها موقوفا عليها.
وهذا من أعظم العناية أن أجرى الله سبحانه وتعالى نكاح آبائه من آدم الى أن
أخرجه من بين أبويه على نمط واحد وفق شريعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
له من لفظه (ومرت ليالى) بسكون التحتية (بالذى يرون) بفتح الياء من الرأى
وبضمها من الظن (فالتاط به) بهمزة وصل وسكون اللام ثم فوقية ثم ألف ثم
مهملة أي التصق به (في صحيح البخارى) هو أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن
ابراهيم بن المغيرة بن بردزبه بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر المهملة وسكون
الزاي وفتح الموحدة على المشهور وبه جزم ابن ماكولا وهو بالفارسية الزارع
الجعفي مولاهم أسلم جده المغيرة على يد اليمان الجعفى فنسب اليه نسبة ولاء
ويقال انه عمي في صغره وكانت أمه مستجابة الدعوة فدعت الله فاعاد عليه بصره
ولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة
ببخارى ومات ليلة السبت ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين ودفن بخرتنك قرية
من عمل بخاري (وسنن أبى داود) هو سليمان بن الاشعث بالمثلثة السجستانى ولد
سنة ثلاثين ومائتين ومات بالبصرة يوم الجمعة سادس عشر شوال سنة خمس وسبعين
ومائتين (من رواية عروة بن الزبير) بن العوام بن خويلد بن أسد أخي عبد الله
لابويه كنيته أبو عبد الله يروي عن أبويه وخالته وعلي وخلائق قال ابن سعد
كان فقيها عالما كثير الحديث ثبتا مأمونا كان يصوم الدهر ومات صائما سنة
ثلاث وتسعين أو أربع وتسعين قولان (عن عائشة) هى بنت أبى بكر الصديق حبيبة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيهة نساء الامة ومناقبها كثيرة عاشت خمسا
وستين سنة وتوفيت سنة تسع وخمسين أو ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة
ليلة خلت من رمضان وصلى عليها أبو هريرة ودفنت بالبقيع بوصية منها (نمط)
بفتح النون والميم وبالمهملة أي نوع والنمط في الاصل نوع من أنواع البسط لا
يستعمل في غيره الا مقيدا قاله الجوهري
(1/10)
وعن ابن عباس في قوله وَتَقَلُّبَكَ فِي
السَّاجِدِينَ قال من نبي حتى أخرجتك نبيّا.
وروينا في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم. بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت
منه. وروينا في جامع أبى عيسى الترمذى عن واثلة بن الاسقع قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى
من ولد اسماعيل بني كنانة واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى
هاشم واصطفانى من بنى هاشم صححه الترمذي.
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنه انه صلى الله عليه وسلم قال ان الله عز وجل
اختار خلقه فاختار منهم (وعن ابن عباس) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب
أبو العباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه لبابة بنت الحرث بن
حزن الهلالية فضله وعلمه أشهر من أن يذكر ومناقبه لا تحصى وكان عمره يوم
وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة أو خمس عشر سنة قولان
وتوفي سنة سبع وستين أو ثمان وستين قولان بالطائف وهو ابن احدى وسبعين سنة
أو ثمان وسبعين قولان وكف بصره في آخر عمره فقال في ذلك
ان يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وقلبى منهما نور
قلبى ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مشهور
(روينا) قال المزي يقال روينا بفتح الراء والواو وبضم الراء وكسر الواو
المشددة (عن أبي هريرة) اسمه عبد الرحمن بن صخر على الاصح في اسمه واسم
أبيه من نحو ثلاثين قولا قاله النووي وقال غيره بل يزيد وأخرج الحاكم عنه
قال كان اسمى عبد الشمس بن صخر فسماني النبى صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن
واختار بعض المتأخرين فيه انه عمير بن عامر واحتج باتفاق أهل النسب على ذلك
وبذلك جزم الكلبى ومال اليه الحافظ الدمياطى كان رضي الله عنه حافظا متثبتا
صاحب صيام وقيام قال عكرمة كان يسبح في اليوم اثنى عشر ألف تسبيحة ولى امرة
المدينة مرات وتوفي سنة سبع وخمسين أو تسع وخمسين قولان (قرنا فقرنا) قال
الحسن وغيره القرن عشر سنين وقال قتادة سبعون وقال النخعى أربعون وقال
زرارة بن أبي أو في مائة وعشرون وعبد الملك بن عمير مائة وسيأتى المختار
فيه على قوله صلى الله عليه وسلم خيركم قرنى (واثلة) بمثلثة مكسورة (ابن
الاسقع) بسين وعين مهملتين وأصل الاسقع طوير في ريشه خضرة ورأسه أبيض قال
في القاموس قال الذهبي كان واثلة من أهل الصفة غزاتبوك ومات سنة ثلاث
وثمانين أو خمس وثمانين قولان وهو ابن مائة سنة أو ثمان وتسعين قولان بعد
ان كف بصره ببيت المقدس أو بدمشق قولان (صححه الترمذي) وأخرجه أيضا عن
واثلة مسلم في صحيحه (وعن ابن عمر) هو عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن
العدوي شهد الاحزاب والحديبية وفيه قال
(1/11)
بنى آدم فاختار منهم العرب ثم اختار منهم
قريشا فاختار منهم بنى هاشم ثم اختار بنى هاشم فاختارني منهم فلم أزل خيارا
من خيار ألا من أحب العرب فبحبى أحبهم ومن أبغض العرب فببغضى أبغضهم رواه
الطبرى.
قال القاضى عياض رحمه الله تعالى وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشئه فمما لا
يحتاج الى اقامة دليل ولا بيان مشكل ولا خفي منه فانه نخبة بنى هاشم وأفضل
سلالة قريش وصميمها وأشرف العرب وأعزهم نفرا من قبل أبيه وأمه ومن أهل مكة
أكرم بلاد الله على الله وعلى عباده. ثم روى بسنده الى ابن عباس رضي الله
عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ان الله سبحانه
وتعالى قسم الخلق قسمين فجعلنى من خيرهم قسما فذلك قوله تعالى أَصْحابُ
الْيَمِينِ وأَصْحابُ الشِّمالِ فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب
اليمين ثم جعل القسمين ثلاثا فجعلنى في خيرها ثلثا فذلك قوله أَصْحابُ
الْمَيْمَنَةِ وأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ فانا
من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلنى من خيرها قبيلة
وذلك قوله تعالى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ الآية فانا أتقى ولد
آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر وجعل القبائل بيوتا فجعلنى في خيرها
بيتا ولا فخر فذلك قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ومعنى قوله- ولا
فخر أى لست أقوله مفتخرا متطاولا ولا محتقرا لغيرى إنما هو من باب التحدث
بالنعم قال الله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
النبى صلى الله عليه وسلم ان عبد الله رجل صالح وقال جابر ما منا أحد الا
ومالت به الدنيا ومال بها الا ابن عمر قال ابن المسيب مات وما أحد أحب إلي
ان ألقى الله بمثل عمله منه كانت ولادته قبل المبعث بسنة على ما قيل ومات
بمكة سنة أربع وسبعين عن ثمانين أو أربع وثمانين سنة قولان وصلى عليه
الحجاج ودفن بالمحصب أو بذي طوي أو بسرف أقوال (رواه) من حديث ابن عمر
(الطبري) هو الحافظ محمد بن جرير توفي سنة عشر وثلاثمائة (نخبة) بضم النون
وسكون المعجمة ثم موحدة وهي الخيار (سلالة قريش) بضم السين المهملة وهو ما
اسئل من الشيء (وصميمها) بالمهملة أي خالصها وصميم كل شيء خالصه (ثم روي)
أي عياض (بسنده) مصدر أسند الحديث يسنده اذا نسبه الى غيره (الي ابن عباس)
وأخرج الحديث الترمذي في سننه عن العباس أيضا (قسم الخلق قسمين) قيل فيه
اشارة الى هابيل وقابيل قال الحافظ وسبب هذا الحديث ان العباس قال يا رسول
الله ان قريشا تذاكروا احسابهم فجعلوا مثلك مثل نخله في كبوة من الارض فقال
ان الله قسم الخلق الحديث.
(1/12)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول
الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أتاني جبريل فقال قلبت مشارق الارض
ومغاربها فلم أر رجلا أفضل من محمد ولم أربني اب أفضل من بنى هاشم.
وما أحسن قول أبى طالب حيث مدح قريشا وخيرها ثم خير منهم بنى عبد مناف ثم
خير منهم بني هاشم ثم خير محمدا على الكل فقال:
وان فخرت يوما فان محمدا ... هو المصطفى من سرها وصميمها
وقال أيضا
فأصبح فينا أحمد في أرومة ... تقصر عنها سورة المتطاول
وقال ابنه طالب بن أبي طالب
فما ان جنينا في قريش عظيمة ... سوى ان حمينا خير من وطيء الثرى
[فصل: وأما ما مهد الله له في قدم نبوته وذكره]
«فصل واما ما مهد الله له في قدم نبوته وذكره»
فروى القاضي عياض رحمه الله من ذلك في كتابه الشفا اخبارا كثيرة وكثيرا ما
أنقل منه الا ما كان من فن التواريخ فانه لم يأت بشئ منها قال الله تعالى
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ
وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ
بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ الآية* وفي معناها ما روى عن على بن أبى طالب رضي
الله تعالى عنه قال لم يبعث الله نبيا من لدن آدم الا وأخذ عليه العهد في
محمد صلى الله عليه وآله وسلم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأخذ
العهد بذلك على قومه* ونحوه عن السدي وقتادة* وروي عن قتادة ان النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم قال كنت أوّل الانبياء في الخلق وآخرهم في البعث
فلذلك ذكر في الآية مقدما على نوح وغيره
(وعن عائشة عنه صلي الله عليه وسلم أتاني جبريل الى آخره) أخرجه الحاكم في
الكنى وابن عساكر عنها (وما أحسن قول) بالنصب على التعجب.
(فصل) واما ما مهد الله له (ونحوه عن السدي) بضم السين وتشديد الدال
المهملتين منسوب الى سدة باب الجامع والمراد به هاهنا التابعى الكبير
اسماعيل بن عبد الرحمن الراوي عن ابن عباس لا الصغير وهو محمد بن مروان
الراوى عن هشام بن عروة والاعمش وهو متروك متهم (وقتادة) هو ابن دعامة بكسر
الدال وفتحها السدوسى الاعمى الحافظ المفسرمات كهلا سنة سبع عشرة ومائة
(وروي عن قتادة الى آخره) أخرجه عنه ابن سعد في الطبقات مرسلا (أول
الانبياء) لابن سعد أوّل الناس.
(1/13)
وعن العرباض بن سارية رضى الله عنه قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. يقول انى عبد الله وخاتم النبيين
وان آدم لمنجدل في طينته وانا عدة أبى ابراهيم وبشارة عيسى بن مريم. وكان
آدم في الازل يكنى بأبى محمد وأبى البشر* وروي انه تشفع بمحمد صلى الله
عليه وسلم حين أصاب الخطيئة فتاب الله عليه* وعن البراء قال قلنا يا رسول
الله متى وجبت لك النبوة قال وآدم بين الروح والجسد* وروي عن عمر بن الخطاب
رضى الله عنه قال في كلام بكى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأبي وأمي
أنت يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الانبياء وذكرك
في أولهم فقال وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ
وَمِنْ نُوحٍ الآية بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله
أن أهل النار يودون ان يكونوا اطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون يقولون يا
لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا.
(وعن العرباض) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها موحدة فألف فمعجمة (ابن
سارية) بالمهملة والراء والتحتية وهو السلمي قال الذهبي وابن ماكولا كان من
الثمانين ومن أهل الصفة مات سنة خمس وسبعين (لمنجدل) أى ساقط يقال جدله
بالجيم أي رماه بالجدالة وهي الارض فانجدل أى سقط (وعدة) بكسر العين وفتح
الدال المخففة المهملتين بوزن هبة أي وأنا عدة (أبي ابراهيم) الذى وعده به
ربه حين دعاه فقال ربنا (وابعث فيهم رسولا منهم) الآية (وروى انه تشفع
بمحمد الى آخره) أخرجه الحاكم وصححه من حديث ابن عباس ولفظه لما اقترف آدم
الخطيئة قال يا رب بمحمد الا ما غفرت لى قال يا آدم من أين عرفت محمدا ولم
أخلقه قال يا رب انك لما خلقتنى بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسى فرأيت على
قوائم العرش مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله فعرفت انك لم تضف الى
اسمك الا أحب الخلق اليك فقال الله عز وجل صدقت يا آدم انه لأحب الخلق الي
ان سألتنى بحقه فقد غفرت لك ولولاه ما خلقتك وفي هذا الحديث طلب التوسل به
صلى الله عليه وسلم الى الله عز وجل وان ذلك سيرة السلف الصالح الانبياء
والاولياء ولا فرق في ذلك بين ذكر التوسل والاستغاثة والتوجه والتشفع
والتضرع به صلى الله عليه وسلم وبغيره من الانبياء وكذا الاولياء وفاقا
للسبكى وخلافا لابن عبد السلام (فائدة) قال اليافعى في الارشاد روى الشيخ
تاج الدين بن عطاء الله عن شيخه ابى العباس المرسى عن شيخه أبي الحسن
الشاذلى قدس الله أسرارهم انه قال لاصحابه من كانت له حاجة الى الله تعالى
فليتوسل اليه بالامام أبي حامد الغزالي (وعن البراء) بالتخفيف هو ابن عازب
الصحابي ابن الصصابى شهد أحدا وهو أوّل مشاهده ومات بعد السبعين أيام مصعب
بن الزبير (قال وآدم بين الروح والجسد) أخرج هذا الحديث أيضا ابن سعد وأبو
نعيم في الحلية من حديث ميسرة وأخرجه الفخر بن سعد من حديث ابي الجدعاء
وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس (بأبي أنت وأمي)
(1/14)
وروى الشيخ أبو الحسن الحرانى المغربى في
كتابه الذي صنفه في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وتفسيرها أنه صلى الله
عليه وسلم نسب نفسه فقال انا احمد وانا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ثم
رفع نسبه الى آدم ثم قال وآدم من تراب والتراب من الزبد والزبد من الموج
والموج من الماء والماء من الذرة والدرة من الضبابة والضبابة أنشئت من نور
محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فان صح هذا من جهة النقل فهو صلى الله
عليه وآله وسلم أصل الوجود الانسانى خلقا وتكوينا* وما أحسن قول السيد
الحكيم ابى عبد الله الترمذي فيه صلى الله تعالى عليه وسلم
قد ورث المجد بآبائه ... وورّث المجد لابنائه
وقام قطبا لمحيط العلا ... والمجد قد حف بأرجائه
وطهرت اجزاؤه فاغتدى ... يطهر الكل باجزائه
وكان ظلا فمحاه السنا ... ومثبتا فان بافنائه
وكان في غيبة أكوانه ... يقطر ماء المجد من مائه
أي مفدي (الحرانى) بفتح المهملة وتشديد الراء وبالنون نسبة الى حران بلد
بالشام (الضبابة) بفتح المعجمة هي السحابة الرقيقة (فان صح هذا من جهة
النقل) يؤيد صحته ما أخرجه عبد الرزاق في مسنده بسند مستقيم من حديث جابر
قال قلت يا رسول الله اخبرنى باول شئ خلقه الله قبل الاشياء قال يا جابر ان
الله خلق قبل الاشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث
يشاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك
ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جنى ولا انسى فلما أراد الله تعالى
ان يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الجزء الاول السماوات ومن
الثاني الارضين ومن الثالث الجنة والنار ثم قسم الرابع أربعة أجزاء فخلق من
الاول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله تعالى
ومن الثالث نور ألسنتهم وهو التوحيد لا اله الا الله محمد رسول الله الحديث
وفيه طول ومنه يؤخذ انه صلى الله عليه وسلم أصل سائر المكونات (أبي عبد
الله الترمذى) هو محمد بن على المؤذن كان اماما حافظا زاهدا صاحب تصانيف
مفيدة (قدورث) بكسر الراء مخففا (المجد) أى الكرم (وورث) بفتح الراء مشددا
(وقام قطبا) أي فردا في مقامه الذي اقيم فيه وقطب القوم سيدهم ومن يدور
أمرهم عليه (حف) بالمهملة أى احدق (بارجائه) أي جوانبه (فمحاه السنا) أى
النور (ومثبتا) أي موجودا معنى (فان) أي غير موجود صورة ورفعه على انه خبر
مبتدإ محذوف أي وهو فان (بافنائه) بفتح الهمزة جمع فناء بكسر الفاء وبالنون
وهو في الاصل جانب الدار مما يلى وجهها واستعير هنا (يقطر ماء المجد من
مائه) اشار إلي القطرات التي تقاطرت من نوره صلى الله عليه وسلم وخلق منها
الانبياء كما ورد في حديث ضعيف أوّل ما خلق الله نوري فغلب عليه الحياء
فقطرت منه مائة ألف قطرة وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة نبيا
ويؤيد هذا الحديث
(1/15)
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما خلق
الله آدم أهبطني الله الى الارض في صلبه وجعلنى في صلب نوح في السفينة.
وقذف بى في النار في صلب ابراهيم. ثم لم يزل ينقلنى في الاصلاب الكريمة.
الى الارحام الطاهرة. حتى اخرجنى الله من بين ابوي لم يلتقيا على سفاح قط
والى هذا المعنى اشار عمه العباس رضى الله تعالى عنه. حيث قال يا رسول الله
انى احب ان امدحك. قال قل لا يفضض الله فاك فقال:
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر ... انت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا واهله الغرق
وردت نار الخليل مكتتما ... تجول فيها ولست تحترق
تنقل من صالب الى رحم ... اذا مضى عالم بدا طبق
ما أخرجه ابن مردويه من حديث أبي ذر قال قلت يا رسول الله كم الأنبياء قال
مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قلت يا رسول الله كم الرسل منهم قال ثلاثمائة
وثلاثة عشر جم غفير قلت يا رسول الله من كان أولهم قال آدم ثم قال يا أباذر
أربعة سريانيون آدم وشيث ونوح واخنوخ وهو ادريس وهو أوّل من خط بالقلم
وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أباذر وأوّل نبي من بني اسرائيل
أى من بعد اولاده موسى وآخرهم عيسى وأوّل النبيين آدم وآخرهم نبيك وأخرج
هذا الحديث ابن حبان في كتابه الأنواع والتقاسيم وصححه لكن عده ابن الجوزي
في الموضوعات واتهم به ابراهيم بن هشام والله أعلم وعن ابن عباس أخرجه عياض
في الشفا (على سفاح) بكسر المهملة وتخفيف الفاء آخره مهملة أي زنا* شعر
العباس رضي الله عنه (لا يفضض) بالفاء وتكرير المعجمة الاولى مضمومة وهو
دعاء بلفظ النهي ومعناه لا يسقط الله اسنانك (فائدة) قال ذلك رسول الله صلى
الله عليه وسلم للنابغة أيضا فعاش عشرين ومائة سنة فلم تسقط له سن ذكره
عياض في الشفا وسيذكره المصنف في المعجزات (من قبلها) قال الشمني أى قبل
الدين أو النبوة أو الولادة (مستودع) بفتح الدال (يخصف) باعجام الخاء
واهمال الصاد مبنى للمفعول (مضغة) أى قطعة لحم بقدر ما يتضغ في الفم (ولا
علق) جمع علقة وهي قطعة من دم غليظ (نطفة) هى في الاصل الماء القليل
كالنطفة (تركب السفين) قال الجوهرى السفن جمع سفينة فعيلة بمعنى فاعلة
كأنها تسفن الماء أى تقشره بالقاف والمعجمة (نسرا) بفتح النون أحد اصنام
قوم نوح قال أهل الاخبار كان لآدم خمس بنين سموا نسرا وودا وسواعا ويغوث
ويعوق وكانوا عبادا فماتوا فحزن أهل عصرهم عليهم فصور لهم ابليس أمثالهم من
صفر ونحاس ليستأنسوا بهم فجعلوا في مؤخر المجلس فلما هلك أهل ذلك العصر قال
اللعين لاولادهم هؤلاء آلهة آبائكم فعبدوهم ثم ان للطوفان دفنها فأخرجها
اللعين للعرب كما سيأتي (من صالب) قال الهروى أى من صليب يقال لهم صلب
وصليب وصالب ثلاث لغات وقال ابن الاثير الصالب الصلب وهو قليل الاستعمال
(عالم) بفتح اللام (بدا طبق) أي عالم قاله الهروى نقلا عن ابن عرفة قال
يقال مضى طبق وجاء طبق
(1/16)
حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء
تحتها النطق
وانت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الافق
فنحن في ذلك الضياء وفي ال ... نور وسبل الرشاد نخترق
عرجت سبع الطباق منتهيا ... وسرت تحت الجلال تعتبق
صلى عليك الاله دائمة ... مديد خلق وكلما نطقوا
[فصل: فيما ورد من فضل بلدى مولده ووفاته]
(فصل) فيما ورد من فضل بلدي مولده ووفاته* قال المؤلف غفر الله له جمع الله
سبحانه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم انواع التفضيل والاعزاز والتبجيل
وتخير له في البلد كما هيأله في النسب فجعل مولده ومبعثه بمكة ومهاجره
ووفاته بالمدينة* ولا خلاف بين العلماء أنهما افضل البلدان على الاطلاق ثم
اختلفوا في ايهما افضل فذهب اهل مكة واهل الكوفة الى تفضيل مكة وهو قول
الشافعي وعليه جماعة من المالكية وذهب مالك واكثر المدنيين الى تفضيل
المدينة أى مضي عالم وجاء عالم (حتي احتوى بيتك) بالرفع فاعل ومفعوله علياء
(المهيمن) أي الشاهد على فضلك (خندف) بكسر المعجمة وسكون النون وكسر
المهملة ويجوز فتحها والخندفة مشية كالهرولة وهو لقب ليلى بنت عمران بن
الحاف بن قضاعة امرأة الياس بن مضر بن نزار فهي جدة النبي صلى الله عليه
وسلم لانها أم مدركة (النطق) بضم النون والمهملة قال ابن الاثير جمع نطاق
وهي اعراض من حبال بعصها فوق بعض أي نواح وأوساطها منها شبهت بالنطق التي
يشد بها أوساط الناس ضربه مثلا له صلى الله عليه وسلم في ارتفاعه وتوسطه في
عترته وجعله تحتهم بمنزلة أوساط الحبال* وقال الجوهري النطاق شقة تلبسها
المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الاعلى على الاسفل الى الركبة والاسفل ينجر في
الارض وليس لها حجزة ولا شق ولا ساقان والجمع نطق (وضاءت) أصله اضاءت رباعي
ثلث لضرورة الشعر وهي في لغة قليلة أيضا (فائدة) في بعض كتب السنن انه لما
فرغ من هذه الابيات قال له النبى صلى الله عليه وسلم لا فض فوك ولا بر من
يجفوك
(فصل) فيما ورد من فضل بلدي مولده ووفاته (الشافعي) هو أبو عبد الله محمد
بن ادريس بن العباس ابن عثمان بن شافع بن السائب الشيبة بن عبيد بن عبد بن
يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف ولد بغزة قرية من قرى الشام سنة خمسين
ومائة فمكث بها سنتين ثم حمل الى مكة المشرفة فنشأ بها وتعلم بها القرآن
على سفيان بن عيينة وغيره ثم خرج الى المدينة وقرأ على مالك بن أنس الموطأ
وحفظه ثم دخل الى بغداد واقام بها سنتين وصنف بها كتبه القديمة ثم عاد الى
مكة وأقام بها سنة سبع وسبعين ثم عاد الى بغداد وأقام بها اشهرا ولم يصنف
بهاشيأ ثم خرج الى مصر وصنف بها كتبه الجديدة واقام بها الي ان مات ودفن
هنالك وكان موته ليلة الجمعة وقد صلى العشاء الاخيرة آخر ليلة من رجب ودفن
يوم الجمعة وقال الربيع انصرفنا من دفن الشافعي فرأينا هلال شعبان وكان ذلك
في سنة أربع ومائتين وكان عمره أربعا وخمسين سنة (وذهب مالك) هو ابن أنس
صاحب المذهب ولد سنة ثلاث وتسعين أو احدى وتسعين أو أربع وتسعين
(1/17)
وهو قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولا
خلاف ان موضع قبره افضل البقاع صلى الله عليه وسلم لما وردان كلا يدفن في
تربته التي خلق منها وهو صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات فتعين أنها
افضل البقاع والله اعلم
«فمما ورد في فضل مكة» من الآيات والاحاديث قوله تعالى وَإِذْ جَعَلْنَا
الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وقال تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ
وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً
وقال تعالي أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ
النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ وقال تعالي إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ
هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وقال تعالى أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ
حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ
لَدُنَّا. والآيات الواردة في هذا المعنى كثيرة غير منحصرة.
[مطلب في الكلام على ما ورد في فضل مكة]
واما الاحاديث فروينا في صحيح البخارى عن ابن عباس رضى الله تعالى منهما
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرمه
الله أو سبع وتسعين أقوال وتوفي سنة سبع وتسعين ومائة (ولا خلاف ان موضع
قبره أفضل البقاع) الارضية والسمائية بل أفضل من العرش والكرسى كما جزم غير
واحد من أصحابنا وغيرهم (لما ورد ان كلا يدفن في تربته الى آخره) اخرجه
الترمذي الحكيم في نوادر الاصول من حديث أبي هريرة قال العلماء وهو أحسن ما
يستدل به على تفضيل مدفنه صلى الله عليه وسلم على سائر البقاع حتي موضع
الكعبة المشرفة والعرش والكرسى كما مر آنفا وعلى فضيلة أبي بكر وعمر رضى
الله تعالى عنهما لانهما خلقا من تلك الطينة وخلق منها عيسى أيضا كما سيأتي
انه يدفن ثم (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) يعني الكعبة (مَثابَةً
لِلنَّاسِ) أي معاذا وملجأ قاله ابن عباس أو مرجعا لهم يثوبون اليه من كل
جانب ويحجونه قاله مجاهد وسعيد بن جبير أو مجتمعا قاله قتادة وعكرمة
(وَأَمْناً) أي يأمنون فيه من اذى المشركين (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ
لِلنَّاسِ) أي أوّل بيت ظهر على الماء عند خلق السماء والارض (لَلَّذِي
بِبَكَّةَ) هي مكة نفسها قاله جماعة أو بكة موضع البيت ومكة اسم البلد كله
وقيل بكة موضع البيت والمطاف (مُبارَكاً) منصوب على الحال أى ذا بركة
(وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) أي لأنه قبلة المؤمنين (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ)
قرأ ابن عباس بينة لقوله (مَقامُ إِبْراهِيمَ) ولم يذكر سواه والآخرون
بالجمع على انه أراد مقام ابراهيم وغيره من الآيات التى ثم فاقتصر عليه
لفظا ومنه الحجر الاسود وزمزم والحطيم وغير ذلك (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ
آمِناً) أي لا يباح فيه وذلك بدعاء ابراهيم حيث قال رَبِّ اجْعَلْ هذا
بَلَداً آمِناً (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) يعني العرب يسبي
بعضهم بعضا وأهل مكة آمنون (الَّذِي حَرَّمَها) أي جعلها حرما آمنا لا يسفك
فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلا خلاها (يُجْبى
إِلَيْهِ) أي يجلب ويجتمع (فروينا في صحيح البخاري عن ابن عباس) أخرجه عنه
مسلم وأبو داود أيضا (ان هذا البلد حرمه الله) زادوا في رواية يوم خلق
السموات والارض ففيه ان تحريمها من أوّل الزمان كما عليه الاكثرون وأجابوا
عن قوله ان ابراهيم حرم مكة وهو في صحيح مسلم من حديث جابر بأن تحريمها كان
خفيا فأظهره ابراهيم وأشاعه لا انه ابتدأه وقيل بل ابتدأه
(1/18)
لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا تلتقط
لقطته الا من عرّفها وفي رواية أخرى ولا يختلى خلاها قال العباس رضي الله
عنه يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم قال الا الأذخر
وروينا في جامع الترمذي عن عبد الله بن عدى بن الحمراء رضي الله عنه انه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته بالحزورة بمكة يقول لمكة
والله انك لخير أرض الله وأحب أخذا بظاهر هذا الحديث ونحوه من الاحاديث
وأجابوا عن الاول بأن معناه ان الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم
خلق السموات والارض ان ابراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى وفيه تحريم
القتال بمكة وان بغى أهلها على أهل العدل وبه قال بعض الفقهاء بل يضيق
عليهم حتى يرجعوا الى الطاعة لكن نص الشافعى على جواز قتالهم لان قتال
البغاة من حقوق الله تعالى التى لا يجوز اضاعتها فحفظها في الحرم أولى من
اضاعتها وهذا هو الصواب واختار في سير الواقدي في الحديث ان معناه تحريم
نصب القتال عليهم وقتالهم بما يعم كالمنجنيق وغيره اذا أمكن اصلاح الحال
بدون ذلك بخلاف ما اذا تحصن الكفار في بلد آخر فانه يجوز قتالهم على كل حال
بكل شيء ووقع في شرح التلخيص للقفال المروزي انه لا يجوز القتال بمكة حتى
لو تحصن فيها جماعة من الكفار لم يجز لنا قتالهم قال النووي وهذا غلط ظاهر
(لا يعضد) أي لا يقطع بالمعضد وهو آلة كالفأس (شوكه) قال النووي فيه دليل
على تحريم قطع الشوك المؤذي وهذا الذى اختاره المتولي وقال جمهور أصحابنا
لا يحرم لانه مؤذ فأشبه الفواسق الخمس ويخصون الحديث بالقياس قال والصحيح
ما اختاره المتولي (ولا ينفر صيده) أي لا يزعج فالاتلاف أولى (لقطته) بفتح
القاف على اللغة المشهورة ويجوز اسكانها وهو اسم للملقوط (ولا يختلي) أي لا
يؤخذ ولا يقطع (خلاها) بفتح المعجمة مقصور هو الرطب من الكلأ (الا الاذخر)
بالنصب ويجوز رفعه على البدل وهو بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء
المعجمتين نبت طيب الرائحة (لقينهم) بفتح القاف وسكون التحتية بعدها نون هو
الحداد والصائغ أى يحتاج اليه القين في وقود النار (ولبيوتهم) أي يحتاجون
اليه في سقوفها ويجعل فوق الخشب وبينه وفي رواية في الصحيح فانه لبيوتنا
ولقبورنا أي يسدون به خلال اللبنات في القبور (فقال الا الاذخر) هذا محمول
على انه أوحى اليه في الحال باستثناء الاذخر وتخصيصه من العموم أو أوحى
اليه قبل ذلك ان طلب أحد الاستثناء بشيء فاستثنه أو انه اجتهد في الجميع
قاله النووي (وروينا في جامع الترمذي) وسنن النسائى والدار قطنى بسند قال
البكري على شرط الشيخين (عن عبد الله بن عدي) هو قرشي زهري من أنفسهم وقيل
بل ثقفى حليف لقريش يكنى أبا عمرو وقيل أبا عمر له صحبة ورواية بعد في أهل
الحجاز وكان ينزل فيما بين قديد وعسفان وذكره الطبري فيمن روي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم من بني زهرة وهو مبني على انه من أنفسهم وذكر غيره ان
شريقا والد الاخنس بن شريق اشترى عبدا فأعتقه وأنكحه بنته فولدت له عبد
الله وعمرا ابني عدي بن الحمراء أو لهم عبد الله بن عدي آخر يروي عنه عبد
الله بن الخيار (ابن الحمراء) بالمهملة والراء والمد (بالحزورة) بفتح
المهملة والزاي والواو المشددة والراء كذا يقوله المحدثون وسكون الزاي
وتخفيف الواو بوزن قسورة كذا ضبطه ابن السراج بالوجهين فزعم الدارقطني ان
الاول تصحيف معترض ومحلها
(1/19)
أرض الله الى ولولا اني أخرجت منك ما خرجت
صححه الترمذي.
وعن أبي شريح العدوى انه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث الى مكة أذن لى
أيها الامير أحدثك حديثا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم
الفتح فسمعته اذناى ووعاه قلبى وأبصرته عيناي حين تكلم به انه حمد الله
واثنى عليه ثم قال ان مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرء يؤمن
بالله واليوم الآخر ان يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فان أحد ترخص لقتال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم
وانما اذن لى ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس وليبلغ
الشاهد الغائب.
وفي مسند أبى داود الطيالسى من رواية عبد الله بن الزبير ورفعه ان الصلاة
في المسجد بأسفل مكة عند منارة المسجد الذي على جياد وكان عندها سوق
الخياطين وما في الطبراني انها شرقى مكة تصحيف (وعن أبي شريح) أخرجه عنه
مالك والشيخان والترمذي والنسائى وهو باعجام الشين واهمال الحاء مصغر
(العدوي) قال النووي ويقال له الكعبي والخزاعى واسمه خويلد بن عمرو أو عمرو
بن خويلد أو عبد الرحمن أو هانئ بن عمرو أقوال أسلم قبل فتح مكة وتوفي
بالمدينة سنة ثمان وستين (لعمرو بن سعيد) ابن الاسد بن العاص الاموي يكني
أبا أمية قال في التوشيح ليس صحابيا ولا من التابعين باحسان قال الذهبي خرج
على عبد الملك ثم خدعه وأمنه فقتله صبرا سنة سبعين (وهو يبعث البعوث) أى
يرسل الجيوش (الى مكة) لقتال عبد الله بن الزبير لامتناعه عن متابعة يزيد
بن معاوية واعتصامه بالحرم وكان عمرو والى يزيد على المدينة (أحدثك) مجزوم
بالجزاء (الغد) بالنصب (فسمعته أذناى ووعاه قلبي وأبصرته عيناي) قال ذلك
مبالغة في تحقيق حفظه اياه وتيقنه زمانه ومكانه ولفظه (حرمها الله ولم
يحرمها الناس) أى ان تحريمها كان يوحى من الله تعالى لا انها اصطلح الناس
على تحريمها (يسفك بها دما) بكسر الفاء على المشهور وحكى ضمها أى يسل
(وانما أذن لي ساعة من نهار) كانت تلك الساعة من طلوع الفجر الى العصر وفيه
حجة لمن يقول ان مكة فتحت عنوة وهو مذهب أبي حنيفة والاكثرين وقال الشافعي
وجماعة فتحت صلحا وتأولوا الحديث على ان القتال كان جائزا له صلى الله عليه
وسلم في مكة ولو احتاج اليه لفعله ولكن لم يحتج اليه (وليبلغ الشاهد
الغائب) فيه وجوب نقل العلم وإشاعة الدين والسنن والاحكام وتتمة الحديث
فقيل لابي شريح ما قال لك عمرو قال أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح ان الحرم
لا يعيذ عاصيا أى لا يعصمه ولا فارا بخربة بفتح المعجمة وسكون الراء على
المشهور ويقال بضم المعجمة قالوا وأصلها سرقة الابل ثم أطلقت على كل جناية
وفي صحيح البخاري انها البلية وقال الخليل انها الفساد في الدين (أبي داود)
اسمه سليمان بن داود بن الجارود توفي سنة أربع وعشرين ومائتين (الطيالسى)
بفتح المهملة والتحتية المخففة وكسر اللام (من رواية عبد الله بن الزبير)
أخرجه عنه أيضا أحمد وابن حبان وأخرجه أحمد وابن ماجه من حديث
(1/20)
الحرام تفضل على الصلاة في غيره بمائة الف
صلاة وقد حسب ذلك فبلغت صلاة واحدة فى المسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة
وستة أشهر وعشرين ليلة ولا تسقط هذه التضاعيف شيأ من الفوائت كما يتخيله
كثير من الجهال نبه عليه الامام النووى رحمه الله قال بعض المفسرين في قوله
تعالى فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ
آمِناً أى من النار وقيل من الطلب وكان في الجاهلية من أحدث حدثا ولجأ اليه
امن ويمشى القاتل على قاتله فيه من غير خفاره والسباع تطلب الصيد فاذا دخل
الحرم كفت عنه وهذا كقوله تعالى وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً
لِلنَّاسِ وَأَمْناً وذلك بدعاء ابراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قال رَبِّ
اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً* ولها في القرآن ثمانية اسماء مكة وبكة وأم
القرى والقرية والبلد والبلد الامين والبلدة ومعاد ومن أسمائها في غير
القرآن الرأس والقادسية والمسجد الحرام جابر وأخرجه البيهقي من حديث ابن
عمر وأخرجه الطبرانى من حديث أبى الدرداء وأخرجه أبو نعيم في الحلية من
حديث أنس ورفعه أى الى النبى صلى الله عليه وسلم (عمر خمس وخمسين سنة وستة
أشهر وعشرين ليلة) أى باعتبار السنة عددية وهي ثلاثمائة وستون يوما أما
باعتبارها هلالية وهي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما فبلغ عمره ستا وخمسين
سنة وستة أشهر وقد يزيد يوما فيبلغ صلاة اليوم والليله عمر مائتين واثنين
وثمانين سنة وستة أشهر فيبلغ صلاة ثلاثة أيام ولياليهن عمر سبعة وأربعين
وثمانمائة سنة وستة أشهر وذلك من جملة المنافع المذكورة في قوله تعالى
لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وعن بعضهم ان صلاة واحدة جماعة بالمسجد
الحرام تفضل ثواب ما صلى ببلده فرادى عمر نوح بنحو الضعف قال فان انضم الى
ذلك أنواع اخر من الكمالات عجز الحساب عن حصر ثوابه (ولا تسقط هذه التضاعيف
شيئا من الفوائت) أى لانه محض تضعيف وهو محض فضل فلا يسقط به التكليف
(ويمشي القاتل على قاتله) أي مستحق قتله (خفارة) مثلث الخاء المعجمة
وبالفاء والراء أى خفير وهو الصاحب (مكة) قال تعالى وَهُوَ الَّذِي كَفَّ
أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ سميت بذلك
لانها تمك أعناق الفراعنة والجبابرة فلم يقصدها جبار بسوء الا هلك أو لانها
تمك الذنوب أي تنقصها أو تفنيها (وبكة) قال الله تعالى إِنَّ أَوَّلَ
بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ سميت بذلك لان الناس يتباكون
بتشديد الكاف فيها أي يزدحمون وقيل ان هذا اسم لما بين جبليها وقيل للمطاف
فقط (وأم القرى) سميت بذلك لانها أصل الارض اذ هي أوّل ما خلق منها وأم كل
شيء أصله قال الله تعالى وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى (والقرية) قال الله
تعالى الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ
سميت قرية لاجتماع الناس بها والقرى لغة الضم والجمع ومنه المقراة للحوض
(والبلد) قال تعالى لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (والبلد الامين) قال
تعالى وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (والبلدة) قال الله تعالى إِنَّما
أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ (ومعاد) قال الله تعالى
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قال بعض
المفسرين يعني مكة (الرأس) سميت بذلك لفضيلتها (والقادسية) بالقاف والدال
والسين المهملتين وتشديد التحتية واشتقاقها من القدس وهو الطهارة
(1/21)
والمكتان وأم روح وأم رحم وام الرحمة وام
كوثى (قال المؤلف) ومن الآيات البينات فيه الحجر الاسود والحطيم وآثار قدمى
ابراهيم وانبثاق ماء زمزم بعقب جبريل غياثا لهاجر واسمعيل غنية عن الطعام
والشراب ودوى للغليل ثم ان بها جماع المشاعر ومولد المصطفى ومنها بدأ الدين
(والمكتان) تثنية مكة (وأم روح) بفتح الراء وآخره حاء مهملة والروح لغة
الراحة سميت بذلك لانها يستراح فيها من الذنوب (وأم رحم) بضم الراء واسكان
الحاء المهملة سميت بذلك لتراحم الناس بها وروى أم زحم بالزاي وسميت بذلك
لتزاحمهم بها (وأم كوثى) بضم الكاف واسكان الواو وفتح الثاء المثلثة محل
بها سميت به قيل لبني عبد الدار وقيل بناحية قعيقعان وقيل بمني (تتمة) من
أسمائها أيضا صلاح بكسر المهملة والبناء على الكسر كقطام وحذام ويجوز صرفه
كما في القاموس وغيره ومنها الباسة بموحدة ومهملة والناسة بنون ومهملة
والعرش بضم المهملة والراء ثم معجمة والمقدسة والحاطمة والبنية بفتح
الموحدة وكسر النون ونادرة بالنون والمهملة والهاء بوزن فاعلة ونادر بلاهاء
والمأموم قال النووي لا نعلم أبدا أكثر من أسماء مكة والمدينة لكونهما أفضل
الارض وذلك لكثرة الصفات المقتضية للتسمية وكثرة الاسماء تدل على شرف
المسمى ولهذا كثرت أسماء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى قيل ان
لله تعالى الف اسم ولرسوله كذلك انتهى وقال شيخنا ابن حجر الهيتمي أوصل بعض
المتأخرين أسماء المدينة الى قريب من الف وكذلك مكة (الحجر الاسود) أخرج
أحمد وسمويه من حديث أنس والنسائى من حديث ابن عباس الحجر الاسود من الجنة
وأخرج أحمد وابن عدي والبيهقى في الشعب من حديث ابن عباس الحجر الاسود من
الجنة كان أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك وللطبراني من
حديثه أيضا ولولا ما مسه من رجس الجاهلية ما مسه ذو عاهة الابرأ وأخرج ابن
خزيمة من حديثه أيضا الحجر الاسود ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة وانما سودته
خطايا المشركين ومن فضائله ما أخرجه ابن خزيمة من حديث ابن عباس انه يبعث
يوم القيامة مثل أحد يشهد لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا ومنها ما أخرجه
الخطيب وابن عساكر من حديث جابر الحجر يمين الله في الارض يصافح بها عباده
زاد الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس فمن مسحه فقد بايع الله وما أخرجه
الازرقي من حديث أبي بن كعب الحجر الاسود نزل به ملك من السماء والملك هذا
هو جبريل وقيل غيره (والحطيم) هو ما بين زمزم والمقام قال بعض المفسرين ان
فيه قبر سبعين نبيا وقيل الحطيم جدار حجر البيت قال النضر يسمى حطيما لان
البيت رفع وترك ذاك محطوما (وآثار قدمي ابراهيم) قال البغوي قد اندرست من
كثرة المسح بالايدي (وانبثاق) أي انفجار وهو بنون ثم باء موحدة ثم ثاء
مثلثة (ماء زمزم) سميت بذلك لان أم اسماعيل لما أمسكت على الماء حال خروجه
قالت زم زم كذا قاله بعض المفسرين (غياثا) مصدر وهو بكسر الغين المعجمة
(لهاجر) بالهاء ويبدل همزة ممدودة والجيم مفتوحة فيهما (واسمعيل) قيل سمي
بذلك لان ابراهيم كان يدعو أن يرزقه الله ولدا ويقول اسمع ايل وايل هو الله
عز وجل على ما سيأتي فيه فلما ولد سماه اسماعيل (غنية) مصدر وهو بضم الغين
المعجمة (جماع المشاعر) بالنصب ويجوز رفعه على ارادة الشان وكذا قوله
(ومولد المصطفى) والمصطفى المختار (بدأ الدين) بالهمز كما
(1/22)
غريبا بعد ان كان قد عفا وأوّل ما نزل بها
القرآن العظيم وعكف في عرصاتها الملائكة والانبياء عليهم الصلاة والتسليم
ثم هى قبلة المصلين في جميع الآفاق واليها تنزع القلوب بدعاء الخليل وأمن
الخلاق وبها أعظم جوامع الدنيا وفي خمسة عشر موضعا منها يستجاب الدعاء ثم
لها من الخصائص التى لا تحصى ولا تعد ولا تستقصى
يا أهل تدريس العلوم جميعها ... وذوى عقول قد صفت من ريبة
هل تعلمون محلة معروفة ... جمعت كمكة في عداد فضيلة
[مطلب وأما ما جاء في فضل المدينة]
(وأما ما جاء في فضل المدينة) فروينا في صحيحى البخاري ومسلم من رواية على
وأبي هريرة وابى حميد الساعدى وسفيان بن ابى زهير وابي بكرة وأنس بن مالك
وابي سعيد الخدرى سيأتي (عفا) بالعين المهملة والفاء أي اندرس وذهب أثره
(وأوّل ما نزل بها القرآن العظيم) نزل بها من السور ما عدا البقرة وآل
عمران والنساء والمائدة والانفال وبراءة والنور والاحزاب وسورة محمد صلى
الله عليه وسلم والفتح والحجرات والحديد وما بعدها الى الملك وهي عشر
متوالية والمطففين قيل وهي أول سورة مدنية ولم يكن والنصر والمعوذتان فتلك
سبع وعشرون واختلف في الرعد وهل أتى على الانسان والكوثر والراجح انها مكية
والله أعلم (الآفاق) جمع أفق بالاسكان وهي الناحية (بدعاء الخليل) يعني
قوله فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ الآية ويحكي عن الحسن البصري كما
ذكره النووي في الاذكار وغيره انه (وفي خمسة عشر موضعا) بكسر المعجمة
(يستجاب الدعاء) وهي في الطواف وعند الملتزم وتحت الميزاب وفي البيت وعند
زمزم وعلى الصفا والمروة وفي المسعى وخلف المقام وفي عرفات والمزدلفة وفي
منى وعند الجمرات الثلاث (وذوى عقول) جمع عقل سمي به لأنه يعقل صاحبه عن
الرذائل ومن أسمائه اللب والنهي والحجر والزبر والحجا (من ريبة) أي شك
(عداد) بكسر العين* واماما جاء في فضل المدينة (البخاري) مرت ترجمته. ومسلم
هو ابن الحجاح القشيرى ولد سنة ست ومائتين ومات بنيسابور لخمس بقين من رجب
سنة احدى وستين ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة (وأبي حميد) اسمه عبد
الرحمن وقيل المنذر بن سعد هو وأبوه صحابيان (وأبي بكرة) اسمه نفيع بنون
وفاء ومهملة مصغر بن الحارث بن كلدة وقيل اسمه مشروح كني بذلك لما في
الصحيحين انه تدلى من حصن الطائف على بكرة ونزل الى النبي صلى الله عليه
وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من عبيد أهل الطائف توفي سنة احدى وخمسين (وأبي
سعيد الخدري) اسمه سعد بن مالك بن سنان استشهد أبوه مالك بن سنان يوم أحد
كما سيأتي وتوفي أبو سعيد سنة أربع وسبعين يوم الجمعة ودفن بالبقيع قال ابن
مندة وأبو نعيم وابن عبد البر كان أبو سعيد يحفى شاربه ويصفر لحيته من
فضلاء الصحابة المكثرين من الرواية عنه صلى الله عليه وسلم غزا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة روى عنه جماعة من الصحابة ومن
التابعين وخدرة بضم
(1/23)
وعائشة وعبد الله بن زيد بن عاصم وسعد بن
ابى وقاص وسهل بن حنيف وجابر بن سمرة ورافع بن خديج وابن عمر أحاديث متفرقة
انه قال صلى الله عليه وآله وسلم امرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهى
المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد وانه حرم ما بين لابتيها كما
حرم ابراهيم مكة وانه سماها طابه ونهى عن تسميتها يثرب وأخبر ان الايمان
يأرز المعجمة وسكون المهملة قبيلة معروفة من الانصار (وسعد بن أبي وقاص)
اسم أبي وقاص مالك بن أهيب بضم الهمزة ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب أسلم
سعد بعد ستة نفر وقيل بعد أربعة وهو ابن سبع عشرة سنة وشهد بدرا وما بعدها
وتوفي سنة خمس وخمسين أو ثمان وخمسين أو أربع وخمسين أقوال وكانت وفاته
بالعقيق على سبعة أميال من المدينة فحمل على أعناق الرجال الى المدينة
وأدخل المسجد وصلى عليه مروان وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكان آخر
المهاجرين موتا فلما حضرته الوفاة دعا بخلق جبة له من صوف فقال كفنوني فيها
فاني كنت لقيت المشركين فيها يوم بدر وهي علي وانما كنت أخبأها لذلك ذكر
ذلك ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر (وسهل بن حنيف) بالمهملة والنون
والفاء مصغرا ابن وهب الاوسي شهد المشاهد كلها وثبت يوم أحد وكان بايع على
الموت ومات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي قال ابن عبد البر وغيره
وكبر عليه ستا وقال انه بدرى (وجابر بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم ابن
جنادة السوائى بضم المهملة صحابي ابن صحابى (ورافع بن خديج) بالمعجمة
فالمهملة آخره جيم بوزن رغيف ابن رافع بن عدي بن جشم الحارثي شهد أحدا
وأكثر المشاهد أصابه سهم فنزع وبقي النصل ومات منه سنة أربع وسبعين وهو ابن
ثمان وستين سنة (وابن عمر) هو عبد الله بن عمر وقد مضت ترجمته (أحاديث) غير
منصرف وهو بالنصب معمول فروينا (متفرقة) بالنصب (أمرت بقرية الى آخره)
أخرجه الشيخان وأبو داود من حديث أبي هريرة ومعناه أمرت بالهجرة اليها
واستيطانها (تأكل القرى) ذكروا في معناه وجهين أحدهما انها مركز جيوش
الاسلام في أوّل الامر فمنها فتحت القرى وغنمت أموالها وسباياها والثاني ان
أكلها وميرتها من القرى المنفتحة واليها تساق غنائمها (يقولون) يعنى بعض
الناس من المنافقين (يثرب) برفع الباء أي يقولون هي يثرب (و) انما (هي
المدينة) ففيه كما قال النووي كراهة تسميتها يثرب وفيه حديث في مسند أحمد
وحكي عن عيسى بن دينار انه قال من سماها يثرب كتبت عليه خطيئة وسبب كراهته
ان لفظه من التثريب وهو التوبيخ والملامة وكان صلى الله عليه وسلم يحب
الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح وأما تسميتها في القرآن يثرب فانما هو
حكاية عن قول المنافقين الذين في قلوبهم مرض (تنفي الناس) أي شرارهم
وخبيثهم (كما ينفي الكير) بكسر الكاف وهو الذي يوقد تحته الحداد (خبث
الحديد) وفي رواية بدله الفضة وخبثهما وسخهما الذي تخرجه النار وليس ذلك
مختصا بزمنه صلى الله عليه وسلم على الاظهر خلافا لعياض (لابتيها) هما
الحرتان والمدينة بين حرتين والحرة الارض الملبسة حجارة سودا وهي غير
مهموزة كما قال النووي وغيره (يأرز)
(1/24)
اليها كما تأرز الحية الى جحرها وقال فيمن
تحمل عن المدينة والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وانها لا يدخلها رعب
المسيح الدجال ولا الطاعون وانه كان اذا قدم من سفر فنظر الى جدرات المدينة
أوضع راحلته وان كان على دابة حركها من حبها ودعا لها بمثل ما دعا به
ابراهيم لاهل مكة واخبر انه لا يدعها احد رغبة عنها الا ابدل الله فيها من
هو خير منه بتحتية فهمزة ساكنة فراء مكسورة وحكي ضمها وفتحها فزاي أي ينضم
ويجتمع (اليها) أي الى المدينة قال عياض معناه ان الايمان أولا وآخرا بهذه
الصفة لانه في أوّل الاسلام كان كل من خلص ايمانه وصح اسلامه أتى المدينة
اما مهاجرا مستوطنا واما متشوقا الى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومتعلما منه ومتقربا ثم بعد هذا الى زمن الخلفاء كذلك ولاخذ سيرة العدل
منهم والاقتداء بجمهور الصحابة فيها ثم من بعدهم من العلماء الذين كانوا
سرج الوقت وأئمة الهدى لاخذ السنن المنتشرة بها عنهم وكان كل ثابت الايمان
منشرح الصدر به يرحل اليها ثم بعد ذلك في كل وقت والى زماننا لزيارة قبره
الشريف والتبرك بمشاهدة آثار أصحابه فلا يأتيها الا مؤمن انتهى وفي رواية
لمسلم ان الايمان ليأرز الى بين المسجدين وأراد مسجد مكة والمدينة (فيمن
تحمل) بفتحات (والمدينة خير لهم) أخرجه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود من
حديث سفيان بن أبي زهير وأوّل الحديث تفتح الشام فيخرج من المدينة قوم
بأهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم تفتح اليمن فيخرج قوم
باهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم يفتح العراق فيخرج من
المدينة قوم باهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ومعنى يبسون
يسوقون الى الرحيل مسرعين في الامصار قال أبو عبيد البس سوق الابل ويبسون
بتحتية مفتوحة فموحدة بضم وبكسر وروي بضم التحتية مع كسر الموحدة* وقوله
خير لهم أي للمرتحلين عنها إلى غيرها (رعب) أي خوف (المسيح) سمي بذلك لانه
ممسوح العين وقيل لمسحه الارض اذا خرج والاشهر انه بفتح الميم وتخفيف السين
واهمال الحاء كوصف عيسى وقيل هو بكسر الميم وتشديد السين وقيل باعجام الخاء
كالاول مسيخ وقيل كالثاني (الدجال) سمي به لكذبه وتمويهه وكل كذاب ومموه
يسمى دجالا (ولا الطاعون) ان قلت أما أفضليتها بعدم دخول الدجال فظاهرة
وأما الطاعون فكيف يكون عدم دخوله اياها فضيلة لها مع انه شهادة لكل مسلم
كما أخرجه أحمد والشيخان من حديث أنس (قلت) لا مانع من ان يكون كذلك ثم
يكون عدم دخوله المدينة فضيلة لانما جعل شهادة ورحمة للمؤمنين من هذه الامة
رحمة لها اذ كانت أمة مرحومة والا فخبسه عذاب كما أخرجه أحمد والبخاري من
حديث عائشة وأخرجه الشيخان والترمذي من حديث أنس فلما كان كذلك كان عدم
دخوله المدينة فضيلة لها بهذا الاعتبار قال العلماء وفيه معجزة له صلى الله
عليه وسلم فان الاطباء قديما وحديثا عجزوا عن دفع الطاعون عن شخص واحد فضلا
عن بلد والمدينة رفع النبي صلى الله عليه وسلم الطاعون منها الى يوم
القيامة (الى جدرات) جمع جدار وفي بعض نسخ البخاري دوحات المدينة جمع دوحة
وهي الشجرة (أوضع) باعجام الضاد واهمال العين أي أسرع ومنه ولا وضعوا
خلالكم وفان البر ليس بالايضاع (الا أبدل الله فيها من هو خير منه) هذا عام
أبدا على الاصح وقيل مختص
(1/25)
ولا يثبت احد على لأوائها وجدها الا كنت له
شفيعا أو شهيدا يوم القيامة وانه لا يريدها احد بسوء الا أذابه الله ذوب
الرصاص أو ذوب الملح في الماء (وما رويناه) خارج الصحيحين انه صلى الله
عليه وآله وسلم قال المدينة مهاجري فيها مضجعى وفيها مبعثي حقيق على أمتى
حفظ جيرانى ما اجتنبوا الكبائر من حفظهم كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة
ومن لم يحفظهم سقي من طينة الخبال. وقال غبار المدينة شفاء من الجذام وقال
كل البلاد افتتحت بالسيف والمدينة افتتحت بالقرآن وقال ما على الارض بقعة
هي أحب إلي من أن بمدة حياته صلى الله عليه وسلم (لاوائها) بسكون الهمزة
وبالمد والتحتية هي الشدة وما يعظم مشقته ويحرج له الصدر من ضيق عيش أو قحط
أو خوف ونحو ذلك (وجهدها) بفتح الجيم وهي لغة قليلة وبضمها هو المشقة واما
بمعنى الطاقة فالمشهور بالضم وحكى بالفتح (الا كنت له شفيعا أو شهيدا)
الاظهر ان أوهنا ليست للشك فلا يزيد القاريء بعدها قال بل اما للتقسيم
فيكون شفيعا للعاصين وشهيدا للمطيعين أو شهيدا لمن مات في حياته وشفيعا لمن
مات بعده وهذه خصيصة زائدة لاهل المدينة على شهادته لجميع الامة واما بمعنى
الواو على حد قوله مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فيكون لاهل المدينة
شفيعا وشهيدا هذا معنى ما قال عياض (وانه لا يريدها أحد بسوء) قاله مسلم في
صحيحه قال ابن حاتم في حديث 7 بن نحس بدل سوء شرا وفي رواية بدهم بكسر
الموحدة وفتح المهملة وسكون الهاء وهي المقاتلة والامر العظيم (الا اذابه
الله) أي أهلكه (ذوب) مصدر ذاب يذوب (الرصاص) مثلث الراء والفتح أشهر أي في
النار كما في بعض روايات مسلم قال عياض وهو يرفع اشكال الاحاديث التي لم
يذكر فيها وتبين ان هذا حكمه في الآخرة قال وقد يكون المراد به من أرادها
في حياة النبى صلى الله عليه وسلم كفى المسلمون شره واضمحل كيده كما يضمحل
الرصاص في النار أو يكون ذلك لمن أرادها في الدنيا فلا يمهله الله ولا يمكن
له سلطانا بل يذهبه عن قريب كما انقض بنيان من حاربها أيام بني أمية مثل
عقبة بن مسلم فانه هلك في منصرفه عنها ثم هلك مرسله يزيد بن معاوية على أثر
ذلك وغيرهما ممن صنع صنعهما قال وقيل وقد يكون المراد من كادها اغتيالا
وطلبا لغرتها في غفلة فلا يتم له أمره (أو ذوب الملح في الماء) ليست أو
للشك قيل الاول في رواية وهذا في أخرى (مهاجري) بضم الميم وفتح الجيم أى
موضع هجرتي (فيها مضجعي) يعني قبره صلى الله عليه وسلم وهذا من اعلام
النبوة (حقيق) أي واجب (جيراني) يعني أهل المدينة ومن داناهم وأراد حفظهم
من الاذى مطلقا ما لم يرتكبوا ما يوجب حدا فان ارتكبوه أقيم عليهم كغيرهم
كما يرشد اليه قوله (ما اجتنبوا الكبائر) جمع كبيرة وهي كل ما جاء فيها
وعيد شديد في الكتاب أو السنة وان لم يوجب حدا وعرفت بانها كل جريمة تؤذن
بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة (كنت له شفيعا الى آخره) يأتى فيه
ما مر قريبا في أهل المدينة (سقى من طينة الخبال) بفتح المعجمة والموحدة
وهي عرق أهل النار وما ينحل من أجسادهم بذوبانها (غبار المدينة شفاء من
الجذام) أخرجه أبو نعيم في الطب من حديث ثابت بن قيس بن شماس ولابن السني
يبرئ الجذام وللزبير بن بكار يطفيء الجذام (كل البلاد افتتحت بالسيف الى
آخره) أخرجه البيهقي في الشعب من حديث عائشة وأراد صلى الله عليه وسلم بذلك
قدوم
(1/26)
يكون قبرى فيها منها ثلاث مرات. وقال من
مات في أحد الحرمين حاجا أو معتمرا بعثه الله يوم القيامة لا حساب عليه ولا
عذاب. وفي طريق آخر بعث من الآمنين يوم القيامة وقال من استطاع أن يموت
بالمدينة فليمت بها فانى أشفع لمن يموت بها.
وروي عن زيد بن اسلم عن أبيه في قوله تعالى وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي
مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة وسلطانا
نصيرا الانصار وسماها الله تعالى الدار في قوله تعالى وَالَّذِينَ
تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ الآيات وذكر أن لها في التوراة أربعين
إسما منها المدينة وطيبة وطابة والمسكينة وجابرة والمجبورة والمرحومة
والهدراء والعذاب والمحبة والمحبوبة والقاصمة.
وروى أن في التوراة يا مسكينة لا تقبلى الكنوز ارفع أجاجيرك على أجاجير
القرى* وقال الشيخ الامام جمال الدين ابو عبد الله محمد بن احمد المصرى
رحمه الله في كتابه تأليف ما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة بروايتى لذلك
عن شيخى الامام الحافظ محب الدين محمد مصعب بن عمير على أهل المدينة مقرئا
لهم القرآن فأسلم أكثرهم (من مات في أحد الحرمين الى آخره) أخرجه أبو داود
والدارقطني وغيرهما فظاهر الحديث حصول ذلك له وان لم يدفن بهما أو يكون ذلك
جرى مجرى الغالب ان من مات بارض دفن بها (وفي طريق آخر) أخرجها من مر آنفا
لكن بلفظ (بعث من الآمنين) (من استطاع أن يموت بالمدينة الى آخره) أخرجه
أحمد والترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر قال الترمذي حديث صحيح ومنه يؤخذ
تفضيل الموت بالمدينة عليه بمكة كما جزم به بعضهم والصحيح عكسه (عن زيد بن
أسلم عن أبيه) هو أسلم الحبشى مولى عمر رضي الله عنه وقيل انه من سبى اليمن
والاصح انه من بجاوة بكسر الموحدة ثم جيم يكنى أبا خالد وأبا زيد مات سنة
ثمانين وفي صحبته خلاف مشهور (منها المدينة) مشتقة من دان بمعنى أطاع
والدين الطاعة أو من مدن بالمكان اذا أقام به قولان لاهل العربية (وطيبة
وطابة) مشتقان من الطيب وهو الرائحة الحسنة والطاب والطيب لغتان وقيل من
الطيب بفتح الطاء وكسر الياء التحتية المشددة وهو الطاهر لخلوصها من الشرك
وطهارتها وقيل من طيب العيش (والهدراء) بهاء مفتوحة ثم مهملة ساكنة ثم راء
ممدودة سميت بذلك لنمو الاعمال فيها وتضعيفها من قولهم أرض هادرة اذا كانت
كثيرة العشب متناهية (والقاصمة) بالقاف والمهملة أي المهلكة لكل جبار بها
وفي نسخة والعاصمة بمهملتين أي لكل من لجا اليها من كل مخوف أو من الدجال
والطاعون (وروي ان) بفتح الهمزة (الكنوز) جمع كنز وهو كل مال لا تؤدي زكاته
(ارفع) بالرفع (أجاجيرك) بهمزة مفتوحة ثم جيم ثم ألف ثم جيم مكسورة ثم
تحتية ساكنة ثم راء أي جوانبك وارجائك (تأليف) جمع (الهجرة) الترك (دار
الهجرة) يعني المدينة الشريفة
(1/27)
ابن أبي حامد المصري حفيد المصنف قراءة منى
عليه لجميع الكتاب بالمسجد النبوي الشريف الى جانب المنبر المنيف وسمعته
جميعا بالمسجد الحرام من لفظ شيخنا إمام الوقت أبي الفتح محمد ابن أبي بكر
بن الحسين المراغي نضر الله وجوههما قالا اخبرنا به الشيخ الامام ابراهيم
بن على اليعمرى عن المؤلف قال وبعد فان العناية بالمدينة الشريفة متعينة
والرعاية لعظم حرمتها لكل خير متضمنة والوسيلة بنشر شرفها شافعة والفضيلة
لاشتات معاهدها جامعة لأنها طابة ذات الحجرة المفضلة ودار الهجرة المكملة
وحرم النبوة المشرف بالآيات المنزلة والمسجد الذى تشد اليه الرحال المرقلة
والبقعة التي تهبط الاملاك عليها والمدينة التى يأرز الايمان اليها والمشهد
الذى تفوح أرواح نجد من ثياب زائريه والمورد الذى لا يروي من الشوق غلة
وارديه والعرصة التى خصها الله تعالى بالنبى الاطهر والحرمة التي فيها
الروضة المقدسة بين القبر والمنبر والتربة التى سمت بساكنها على الآفاق
وفضلت بقاع الارض على الاطلاق فهي كما قيل شعرا:
جزم الجميع بأن خير الارض ما ... قد حاط ذات المصطفى وحواها
ونعم لقد صدقوا بساكنها علت ... كالنفس حين زكت زكي مأواها
وقال القاضى عياض رحمه الله وجدير بمواطن عمرت بالوحى والتنزيل وتردد فيها
جبريل وميكائيل وعرجت منها الملائكة والروح وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح
واشتملت تربتها على جسد سيد البشر وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله ما
انتشر مدارس آيات ومساجد صلوات ومشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين
والمعجزات ومناسك الدين ومشاعر المسلمين ومواقف سيد المرسلين ومتبوء خاتم
النبيين حيث انفجرت النبوة وفاض عبابها ومواطن مهبط الرسالة وأوّل أرض مس
جلد المصطفى ترابها أن تعظم عرصاتها (حفيد) هو ولد الولد (المنيف) الزائد
بالفضل على غيره (المراغي) نسبة الى المراغ قبيلة معروفة من الازد وهي بفتح
الميم والراء المخففة آخره معجمة (نضر الله) بتشديد الضاد المعجمة وتخفيفها
والتشديد أكثر أي حسن وجمل (اليعمري) بفتح الميم وضمها (الاشتات) بالمعجمة
والفوقية المكررة أي المتفرقات (المرقلة) بالقاف أي المسرعة (والمورد) بفتح
الميم وكسر الراء (غلة) بضم الغين المعجمة وهى العطش (المقدسة) أي المطهرة
والقدس الطهارة وسمى جبريل روح القدس لانه لم يقارف ذنبا (سمت) أي علت
والسمو العلو (على الآفاق) جمع أفق وهو الناحية كمامر (وفضلت) وبفتح الضاد
(زكت) بالزاي بمعنى طهرت (جدير) بالجيم والاهمال بوزن عظيم أي حقيق ويرادفه
حرى وخليق وقمن في المعنى وخليق في الوزن أيضا (بمواطن) لا ينصرف (وضجت)
بالمعجمة والجيم من الضجيج وهو رفع الصوت (حيث) مبنى على الضم (عبابها) بضم
المهملة وبموحدتين وهو معظم السيل وارتفاعه
(1/28)
وتتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدراتها
وأنشد شعرا:
يادار خير المرسلين ومن به ... هدي الانام وخص بالآيات
عندى لاجلك لوعة وصبابة ... وتشوق متوقد الجمرات
وعلي عهد إن ملأت محاجرى ... من تلكم الجدرات والعرصات
لاعفرنّ مصون شيبى بالثرى ... من كثرة التقبيل والرشفات
لولا العوادي والاعادى زرتها ... أبدا ولو سحبا على الوجنات
لكن سأهدى من حفيل تحيتى ... لقطين تلك الدار والحجرات
اذكى من المسك المفتق نفحة ... تغشاه بالآصال والبكرات
ونخصه بزواكى الصلوات ... ونوامى التسليم والبركات
وكثرته (وأنشد) مبنى للفاعل والمراد عياض كما قال الشمني زاد هذه الابيات
له (لوعة) بفتح اللام حرارة الشوق (وصبابة) بالمهملة والموحدة المكررة بوزن
سحابة هي رقة الشوق (لولا العوادى) ما يعدو على الانسان ويصول من النوائب
شبهها بعد والسبع (والاعادي) جمع عدو (من حفيل) بالمهملة والفاء بوزن عظيم
أي جميع قال الجوهري في الصحاح حفل القوم واحتفلوا أى اجتمعوا (القطين)
بالقاف ثم مهملة بوزن الاول والقطين هو القاطن أي المقيم (المفتق) بتشديد
الفوقية المفتوحة أي المستخرج الرائحة (بزواكى ونوامي) بفتح الياءين لاقامة
الوزن (تنبيهان) الاول فات المصنف ذكر الاحاديث الواردة في فضل الصلاة في
مسجده صلى الله عليه وسلم وكان ينبغي له الاتيان بذلك كما أتى به في فضل
الصلاة في المسجد الحرام. وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا
أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام أخرجه أحمد
والشيخان والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
وابن ماجه من حديث ابن عمر وأخرجه مسلم من حديث ميمونة وأخرجه أحمد من حديث
جبير بن مطعم وسعد بن أرقم وأخرجه أحمد وابن ماجه من حديث جابر وأخرجه أحمد
وابن حبان من حديث ابن الزبير وأخرجه البيهقي من حديث ابن عمر وأخرجه
الطبراني من حديث أبي الدرداء فتبلغ صلاة واحدة في مسجده صلى الله عليه
وسلم عمر ستة أشهر هلالية وثلاثة وعشرين يوما والنفل في ذلك كالفرض خلافا
للطحاوي قال النووي وذلك فيما يرجع الى الثواب ولا يتعدى الى الاجزاء عن
الفوائت بلا خلاف وقد مرّ عنه نظير ذلك في الصلاة في المسجد الحرام قال
وهذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذى كان في زمانه دون
ما زيد بعده وهذا هو الصحيح وان نظر فيه السيوطي مستشهدا بحديث أخرجه
الزبير بن بكار (الثاني) هل المسجد الذي أسس على التقوى هو أو مسجد قبا قال
النووي بالاول مستدلا بالحديث الصحيح في صحيح مسلم وسنن الترمذي والنسائي
عن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى
أخذ كفا من حصا فضرب به الارض ثم قال هو مسجدكم
(1/29)
[فصل في ذكر
آبائه صلى الله عليه وسلم]
(فصل) وأما عدد آبائه فهو صلي الله عليه وآله وسلم أبو القاسم وأبو الارامل
وأبو ابراهيم (محمد بن عبد الله) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى
بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة
بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أددبن مقوم
بن ناحور هذا لمسجد المدينة قال هذا نص بانه المسجد الذي أسس على التقوى
المذكور في القرآن قال السيوطي في الديباج قلت تعارضه أحاديث أخر منها ما
أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال نزلت هذه الآية (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب
المتطهرين) في أهل قبالانهم كانوا يستنجون بالماء والحق ان القولين شهيران
والاحاديث لكل منهما شاهدة ولهذا مال الحافظ عماد الدين ابن كثير الى الجمع
وترجيح التفسير انه مسجد قبا لكثرة أحاديثه الواردة وبيان سبب نزول الآية
قال ولا ينافي ذلك حديث مسلم وغيره لانه اذا كان مسجد قبا أسس على التقوي
فمسجد النبي صلي الله عليه وسلم أولى بذلك (خاتمة) الشام بعد الحرمين أفضل
البقاع لحديث الشام صفوة الله من بلاده أخرجه الطبراني والحاكم من حديث أبي
امامة ولانها أرض المحشر والمنشر كما أخرجه أبو الحسن بن شجاع الربعي في
فضائل الشام من حديث أبي ذر ولان نوره صلى الله عليه وسلم ليلة الولادة سطع
عليها ثم اليمن لحديث الايمان يمان وهو مشهور في الصحيحين وغيرهما ثم الغرب
لحديث لا يزال أهل الغرب ظاهرين الى آخره وهو في صحيح مسلم ولا يقال هذا
الحديث فيه فضيلة أهل الغرب لهذا لانا نقول تقرر ان المفاضلة في الاشخاص
حقيقة انما هي بحسب الديانة والتقوى ولا شك ان للبقاع تأثيرا في صلاح
الطباع وفسادها من حيث إثارة الشهوات وغيرها كما ذكروا نظير ذلك في الفصول
فصلاح الاشخاص حينئذ سببه صلاح البقعة واعتدالها وعدم خروجها عن الحد في
تأثير الطبائع الاربع والله أعلم*
(فصل) وأما عدد آبائه (محمد) سمى به لخصاله المحمودة وكان ذلك بالهام من
الله لجده (ابن عبد الله) قيل كان اسمه عبد الدار وقيل عبد قصى فلما فدى من
الذبح سماه أبوه عبد الله (فهر) بفاء مكسورة فهاء ساكنة فراء قال في
التوشيح هو قريش فقيل الاول اسمه والثاني لقبه وقيل عكسه (النضر) بالمعجمة
(مدركة) اسمه عمرو وقيل عامر (الياس) بفتح الهمزة على لفظ الياس الذي هو ضد
الرجاء واللام فيه للمح الصفة وقيل بالكسر كاسم النبي الياس وهو مشتق من
قولهم أليس الشجاع أى لم يفر. قال النووي في التهذيب هو بكسر الهمزة على
الصحيح الاشهر. وقال عياض في المشارق ضبطه ابن الانباري بفتح الهمزة ولام
التعريف (مضر) بالمعجمة والراء بوزن عمر سمى بذلك لمحبته اللبن الماضر أي
الحامض قيل وهو أول من حدا الابل وكان حسن الصوت وأخرجه ابن سعد عن عبد
الله بن خالد مرسلا لا تسبوا مضر فانه كان قد أسلم (نزار) بنون وزاي فراء
ككتاب قاله في القاموس وضبطه غيره بكسر النون وفتحها وهو مشتق من النزر وهو
القليل سمى به لانه كان فريد عصره قاله أبو الفرج الاصبهاني (معد) بفتح
الميم والعين وتشديد الدال المهملتين (عدنان) بالمهملة والنون بوزن مروان
(ادد) بضم ففتح كعمر وبضمتين أيضا قال في القاموس وهو مصروف (مقوم) بكسر
الواو اسم فاعل وبفتحها اسم مفعول (ناحور) بنون ومهملة وراء
(1/30)
ابن تيرخ بن يعرب بن يشجب بن قيدار بن نابت
بن اسمعيل بن ابراهيم صلي الله عليه وعلى آله ابن آزر بن تارح بن ناحور بن
ساروخ بن راعو بن فالج بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح صلى الله
عليه وسلم ابن لامك بن (تيرخ) بفوقية مفتوحة فتحتية ساكنة فراء مهملة
(يعرب) بتحتية مفتوحة فمهملة ساكنة فراء مضمومة فموحدة (يشجب) بتحتية
فمعجمة فجيم فموحدة بوزن يعرب (نابت) بالنون والموحدة والفوقية كفاعل وقيل
انه نبت بحذف الالف وسكون الموحدة (اسماعيل) تقدم سبب تسميته بذلك قريبا
(ابراهيم) كان مولده بالسوس من أرض الاهواز وقيل كوثى وقيل كسكر وقيل حران
ولكن أبوه نقله الى بابل أرض نمرود ابن كنعان (آزر) لقب أبى ابراهيم قاله
مقاتل بن حبان وغيره (ابن تارح) بفوقية فالف فراء مفتوحة فمهملة وقال ابن
اسحق والضحاك بل هما اسمان له وقال بعضهم بل تارح أبوه وآزر عمه والعرب
تسمى العم أبا وبه تشبث من قال من العلماء ان آباء النبي صلي الله عليه
وسلم كانوا مؤمنين وسيأتي ما فيه قريبا وقال سليمان التيمي تارح سب وعيب
ومعناه في كلامهم المعوج وقيل هو بالفارسية الشيخ الهم (ناحور) هو كناحور
الاول وقيل ان هذا بألف في آخره (ساروخ) بمهملة فراء مضمومة آخره معجمة
وقيل باعجام أوله وآخره وقيل شاروع (راعو) بالراء وضم المهملة وقيل انه
أرعو بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح المهملة قالوا وآخره ألف (فالج) بفتح
اللام آخره معجم وقيل فالغ بغين معجمة وهو أخو هود بن عيبر على ما قيل
وكلام مغلطاي في سيرته يخالفه كما سيأتي قريبا وقيل ان فالج أخو قحطان وهما
ابنا يعرب ويقال عارب وفي عدنان وقحطان جماع العرب واتفق أهل النسب على ان
عدنان من ولد اسماعيل واختلفوا في قحطان فقيل هو من ولد اسماعيل لقوله صلى
الله عليه وسلم للاسلميين ارموا بني اسماعيل فان أباكم كان راميا وهم من
قحطان وقيل ان قحطان من ولد هود وقيل غير ذلك (عيبر) بوزن جعفر وهو بمهملة
فتحتية قد تبدل ألفا فموحدة وهو هود نبه عليه مغلطاي في سيرته (شالخ)
باعجام أوله وآخره بوزن فالج ومعناه الوكيل (ارفخشذ) بهمزة مفتوحة فراء
ساكنة ففاء مفتوحة فمعجمات الاولى ساكنة والثانية مفتوحة قيل معناه
بالسريانية مصباح مضيء (سام) بالمهملة وهو أبو العرب وفارس والروم قيل لما
حضرت نوحا الوفاة قسم البلاد بين أولاده فجعل لسام وسط الارض الحرم وما
حوله واليمن وحضرموت الى عمان الى البحرين الى عالج وتبريز ووبار والدهناء
وجعل لحام وهو بالمهملة أرض المغرب وسواحل الهند الى حدود بنجالة ما خلا
الكوش من بعدها وجعل ليافث وهو بالتحتية والفاء والمثلثة مشرق الارض جميعها
وجعل الوصية بعد ذلك الى ولده سام (نوح) اسمه عبد الغفار. قال البغوي وهو
أوّل نبى بعث بعد ادريس وسيأتي في ذلك مزيد كلام في حديث الاسراء كان نوح
نجارا بعثه الله الى قومه وهو ابن أربعين أو خمسين أو مائتين وخمسين أو
مائة أقوال قال بالاول ابن عباس وبالاخير مقاتل سمى نوحا لكثرة ما ناح على
نفسه وسبب نوحه دعوته على قومه بالهلاك ومراجعته ربه في شأن ابنه كنعان أو
قوله لكلب مجذوم قد مر عليه اخسأ يا قبيح فأوحى الله اليه اعبتني أم عبت
الكلب أقوال كان عمره ألفا وخمسين سنة قال ابن عباس وقيل ألفا ومائتين
وخمسين والصحيح الاول (لامك) بفتح الميم ويقال لمك بفتح اللام وكسر
(1/31)
متوشلخ بن خنوخ وهو ادريس صلى الله عليه
وسلم عند الاكثر ابن يرد بن مهليل بن قينين ويقال قينان بالقاف ابن يانش بن
شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم* قال المؤلف غفر الله له وما ذكرنا من النسب
الى عدنان متفق عليه وفيما بعده الى آدم خلاف واضطراب في العدد والضبط
والمشهور في ذلك ما ذكرنا ثم اتفقوا على أن النسب يرجع الى اسمعيل بن
ابراهيم صلي الله عليهما وسلم
وروى ابن سعد في الطبقات حديثا مسندا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى
صلي الميم مصروف قيل وهو أوّل من اتخذ العود للغناء (متوشلخ) بضم الميم
وفتح الفوقية والواو بعدها معجمة ساكنة فلام مكسورة فمعجمة وقيل انه بتشديد
الفوقية وسكون الواو وفتح الشين وسكون اللام قيل ومعناه مات الرسول سمى به
لان أباه ادريس مات وأمه حامل به (خنوخ) بالمعجمة أوله وآخره على وزن تبوك
وضبط اخنوخ على وزن عصفور (وهو ادريس) سمي به لكثرة درسه وكان خياطا وهو
أوّل من خط بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبس المخيط وكان من قبله يلبسون
الجلود وأوّل من اتخذ السلاح وقاتل الكفار وأوّل من نظر في علم الحساب رفعه
الله عز وجل اليه على تمام ثلثمائة وخمس وستين سنة وقال الكلبى ثلاثمائة
وست وستين سنة وهو ثالث الانبياء (يرد) بفتح التحتية وسكون الراء ثم مهملة
ويقال فيه اليرد بالة التعريف ومعناه الضابط (مهليل) بفتح الميم وسكون
الهاء وبين اللامين تحتية ويقال فيه مهلائيل ومعناه الممدح وفي زمنه كان
أوّل عبادة الاصنام (قينين وقينان) بفتح القاف فيهما ومعناه المستوي (يانش)
بالتحتية والنون والمعجمة بوزن فاعل ويقال أنوش بوزن صبور ومعناه الصادق
وهو أوّل من غرس النخلة وبذر الحبة وبوب الكعبة (شيث) بمعجمة فتحتية فمثلثة
بوزن ليف ومعناه هبة الله لانه خلف من هابيل المقتول علمه الله ساعات الليل
والنهار وعبادته في كل ساعة وأنزل عليه خمسين صحيفة وصار وصي آدم وولى
عهده. قيل ان حواء كانت تلد في كل بطن ولدين ذكرا وأنثي الا شيثا فانها
حملت به وحده كرامة لمحمد صلى الله عليه وسلم وكان مولده بعد قتل هابيل
بخمسين سنة وقد مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وقيل مائتان وخمس وأربعون
سنة وكان مدة عمره ألف سنة وفي التوراة الا سبعين (آدم) كني به لانه خلق من
اديم الارض وقيل لانه كان آدم اللون وكان خلقه آخر ساعة من يوم الجمعة فيما
بين العصر الى الليل كما في مسند أحمد وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة وخلق
من تراب الجاثية ودخنا وعجن بماء الجنة كما أخرجه الحكيم وابن أبي عدي من
حديثه ولا ينافيه ما في حديث آخر انه خلق من جميع أجزاء الارض فلعل أكثر
طينته كانت من هاتين الارضين وكان طوله ستين ذراعا كما في مسند أحمد
والصحيحين من حديثه أيضا قيل بذراعه وقيل بذراعنا لان ذراع كل واحد ربعه
ولو كان بذراعه لكانت يده قصيرة في جنب طول جسمه كالاصبع أو الظفر (تنبيه)
حملة من ذكره المصنف من الآباء تسعة وأربعون. وزاد المحب الطبري وغيره ادا
بضم الهمزة وتشديد المهملة بين عدنان وادد فيتم العدد خمسين وقد بين المصنف
محل الاتفاق وهو الى عدنان فقط وفيه من الانبياء آدم وشيث وادريس ونوح وسام
على القول بنبوته وهو مقتضي ما نقل عن كعب الاحبار وهود وهو عيبر على ما مر
فيه وابراهيم واسماعيل (وروى ابن سعد) هو محمد بن سعد الكاتب مولى بني هاشم
مات سنة ثلاث ومائتين (عن ابن عباس) وأخرجه عنه ابن
(1/32)
الله عليه وآله وسلم كان اذا انتسب لم
يجاوز في نسبه معد بن عدنان بن أدد ثم يمسك ثم يقول كذب النسابون قال الله
تعالى وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً.
وروى نحوه عن ابن مسعود موقوفا عليه في قوله تعالى أَلَمْ يَأْتِهِمْ
نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ
وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ.
قال ابن عباس رضي الله عنهما لو شاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن
يعلمه لعلمه وذكر ابن عبد البر حديثا موقوفا على ابن عباس قال بين معد بن
عدنان الى اسمعيل ثلاثون أبا قال وليس هذا الاسناد مما يقطع بصحته والانساب
صعبة.
قال شيخ شيوخنا سراج الدين ابن الانصارى في شرح البخارى كره مالك رفع
الانساب الي آدم وقال غيره بذلك وذهب كثيرون الى جوازه وهو الاظهر لانه
يترتب عليه معرفة العرب من غيرهم وقريش من غيرهم وتنبني عليه الاحكام
كالامامة والكفاءة والتقديم في قسم الفيء عساكر أيضا (عن ابن مسعود) هو عبد
الله بن مسعود بن غافلة الهذلي أسلم قديما وشهد بدرا والمشاهد كلها توفي
سنة اثنين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين وهو ابن بضع وستين سنة وورد في حديث
مسند ذكره الكاشغري في مختصر أسد الغابة انه دخل عليه عثمان بن عفان يعوده
في مرضه الذي مات فيه فقال له ما تشتكي فقال أشتكي ذنوبي قال فما تشتهي قال
أشتهي رحمة ربي قال أفلا ندعو الطبيب قال الطبيب أمرضني قال قما تأمرنا ان
نفعل بعطائك قال لا حاجة لي فيه قال ندفعه الى بناتك قال لا حاجة لهن به قد
أمرتهن ان يقرأن سورة الواقعة لانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
من قرأ سورة الواقعة لم تصبه فاقة أبدا (موقوفا عليه) أي غير مرفوع الي
رسول الله صلى الله عليه وسلم (وعاد) هو عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح
(وثمود) هو ثمود بن عامر بن ارم بن سام بن نوح سميت ثمود لقلة مائها قاله
أبو عمرو زبان بالزاي والموحدة ابن العلاء المازني أحد القراء (ان يعلمه
لعلمه) أى بوحي من الله عز وجل (ابن عبد البر) كنيته أبو عمر واسمه يوسف
ابن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمرى حافظ المغرب ولد في ربيع الآخر
سنة ثمان وستين وثلاثمائة وتوفي بشاطبة من بلاد الاندلس في شهر ربيع الآخر
سنة ثلاث وستين وأربعمائة وهو ابن خمس وسبعين سنة (ابن الانصارى) اسمه عمر
بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الانصارى الاندلسي الاصل المصرى
المعروف بابن الملقن كان أبوه نحويا معروفا بالتقدم في ذلك ومات وولده صغير
فرباه زوج أمه الشيخ عيسى الغزي الملقن فعرف به وولد في ربيع الاول سنة
ثلاث وعشرين وسبعمائة ذكره ابن قاضى شهبة في الطبقات ولم يذكر وقت وفاته
(وذهب كثيرون الى جوازه) قلت بل الى ندبه ولو قيل بانه من جملة فروض
الكفايات لم يبعد لما ذكره المصنف من الامور والاحكام المترتبة عليه وقد
أخرج مالك وأحمد والترمذي من حديث أبي هريرة تعلموا من أنسابكم ما تصلون به
أرحامكم (و) معرفة (قريش) سموا بذلك
(1/33)
وغير ذلك وفي الصحيح حدثوا عن بنى اسرائيل
ولا حرج* وقريش هم ولد النضر بن كنانة في قول الاكثرين وقيل هو فهر. وقيل
هم ولد الياس وقيل ولد مضر والله أعلم.
[فصل فيما نقل من مزايا آبائه عليه الصلاة
والسلام]
(فصل) فيما نقل من مزايا آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الادنين* قال
أهل لغلبتهم وقهرهم الناس من القرش وهو حوت في البحر يقهر دواب البحر والبر
وقيل غير ذلك والصحيح الاول قال الشاعر*
وقريش هى التي تسكن البح ... ر بها سميت قريش قريشا
وكذا في الكتاب حي قريش ... يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبي ... يكثر الهرج فيهم والخموشا
(وفي) الحديث (الصحيح) في مسند أحمد وصحيح البخاري وسنن الترمذي من حديث
ابن عمرو بلغوا عني ولو آية و (حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج) وأخرج هذا
فقط أبو داود من حديث أبي هريرة واسرائيل يعقوب ولا حرج أي لا ضيق ولا خطر
عليكم في الحديث عنهم وسبب هذا انه كان قد نهى عن الحديث عنهم والنظر في
كتبهم ثم حصلت التوسعة في ذلك لما استقرت الاحكام الاسلامية والقواعد
الدينية وأمنت الفتنة والمراد كما قال الشافعي الحديث بما لا نعلم كذبه
وقيل المراد التحديث عنهم باي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الاتصال
في التحديث عنهم بخلاف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم فانها لا تجوز الا
بما علم المحدث صحته أو حسنه أو بين ضعفه أو عزاه الى من خرجه لتكون العهدة
عليه وذلك لترتب الاحكام الاسلامية عليه ولا يتعذر الاتصال لقرب العهد منه
صلى الله عليه وسلم وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد لا تكتبوا عني شيئا سوى
القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج فساوي في هذا
الحديث بين الحديث عنه وبين الحديث عن بني اسرائيل لكن الحرج المنفي عنه
انما هو الحرج اللاحق في كتب الحديث كانه صلى الله عليه وسلم خشى ان يتوهم
متوهم من منع كتب الحديث والحرج فيه منع نقله لفظا والحرج فيه فأزال ذلك
الوهم بقوله وحدثوا عني ولا حرج فكانه قال لا تنقلوا عنى الحديث كتبا وان
كان في أعلى درجات الصحة فان عليكم حرجا في ذلك ولكن حدثوا عني حديثا
بالسنتكم ولا حرج في ذلك لان المحذور من كتب الحديث وهو خوف اختلاطه
بالقرآن منتف في التلفظ به ومعلوم ان النهى عن الكتب عنه منسوخ بالاحاديث
الصحيحة الواردة في الاذن في الكتابة عنه فانتفى بحمد الله الحرج في نقل
الحديث عنه كتبا كما انتفى في نقله عنه لفظا ومن تتمة الحديثين ومن كذب
علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار والتبوء اتخاذ المنزل وهو خبر بلفظ
الامر أي فقد استوجب ذلك فليوطن نفسه عليه وقيل دعاء أي بوأه الله ذلك
(فائدة) حديث من كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار رواه من الصحابة
نيف وستون بل قيل أكثر من مائة وقيل مائتين منهم العشرة المبشرة (وقيل هو
فهر) وعليه اقتصر السيوطي في التوشيح كما مر*
(فصل) (فيما نقل من مزايا) جمع مزية بالزاي والتحتية كفضيلة وزنا ومعنى
(الادنين) بفتح النون أى
(1/34)
السير كان عبد الله والد النبى صلى الله
عليه وآله وسلم انهد فتى في قريش وأصبحهم خلقا وأحسنهم أخلاقا وكان نور
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيّنا في وجهه فلما خرج منه فقد ذلك النور
وانتقل الى وجه آمنة وهدى الله أهله فسموه باحب الاسماء اليه كما هداهم في
تسمية ولده محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفدى بمائة من الابل حين نذر عبد
المطلب عند حفر بئر زمزم لئن رزقه الله عشرة من الولد يمنعونه لينحرن أحدهم
فلما تم عددهم عشرة أسهم بينهم فخرج السهم على عبد الله ثم أسهم عليه وعلى
عشر من الابل وكانت العشر دية العرب فخرج السهم على عبد الله فزاد عشرا ثم
عشرا حتى بلغ مائة من الابل فخرج السهم على الابل فنحرها عنه ثم استمرت
الدية كذلك واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم انا ابن الذبيحين يعنى
أباه واسمعيل بن ابراهيم صلى الله عليه وسلم وأمه وأم أبي طالب فاطمة بنت
عمرو بن عائذ المخزومية وتوفي عبد الله والنبي صلى الله عليه في بطن أمه
وقيل بعد ما ولد بثمانية وعشرين شهرا وقيل سبعة أشهر وقيل شهرين والله
أعلم.
الاقربين الذين دون اسماعيل (أنهد) بالنون والمهملة كاقوى وأجدر وزنا ومعنى
(فتي) هو من اسماء الشباب (أسهم عليه وعلى عشر من الابل) أي بمشورة المرأة
الكاهنة (فخرج السهم على الابل فنحرها عنه) أي بعد ان أسهم عليه وعليها
ثلاثا وفي كلها يخرج السهم على الابل وذلك بمشورتها أيضا (أنا ابن
الذبيحين) أخرجه الحاكم في المستدرك وابن مردويه والثعلبي في تفسيريهما عن
الصنابحي عن معاوية رضي الله عنه (يعني أباه واسماعيل) استدل بذلك من قال
ان الذبيح اسماعيل قال البيضاوي وغيره وهو الاظهر لانه الذي وهب له أثر
الهجرة ولان البشارة باسحق معطوفة على البشارة بهذا الغلام في التنزيل ولان
ذلك كان بمكة وكان قرنا الكبش الذي فدى به معلقين بالكعبة حتى احترقا معها
أيام ابن الزبير واسحق لم يكن ثم ولان البشارة كانت مقرونة بولادة يعقوب
منه أي في قوله تعالى فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ
يَعْقُوبَ فلا يناسبها الامر بذبحه مراهقا انتهى قال القرطبي في تفسيره وهو
قول أبي هريرة وأبي الطفيل عامر بن وائلة وروي عن ابن عمر وابن عباس وسعيد
بن المسيب والشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد وقال ابن قيم الجوزية هو الصواب
عند علماء الصحابة والتابعين بعدهم وقيل انه اسحاق وهو قول الاكثرين وممن
قال به العباس وعمر وجابر في آخرين من الصحابة وجماعة من التابعين قال سعيد
بن جبير سار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمني فلما صرف
الله عنه الذبح سار به مسيرة شهر في غداة واحدة قال ابن قيم الجوزية وهذا
القول مردود باكثر من عشرين وجها (أمه وأم أبي طالب) وأم الزبير أيضا (ابن
عائذ) بالتحتية والمعجمة بن عمران بن يقظة بتحتية فقاف فمعجمة على وزن شجرة
وفي بعض السير ان عبد الله والد النبى صلى الله عليه وسلم كان أصغر بني
أبيه وليس كذلك لان حمزة والعباس أصغر منه فقد روي عن العباس قال شهدت مولد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث سنين ونحوها
(1/35)
وكانت وفاته بيثرب وكان بعثه أبوه يمتار له
تمرا منها وقيل توفي بالأبواء بين مكة والمدينة وكان بينه وبين ابنه محمد
صلى الله عليه وآله وسلم في السن ثمانية عشر عاما والله أعلم. وأما عبد
المطلب واسمه شيبة الحمد وقيل عامر وعاش مائة وأربعين سنة سمي عبد المطلب
لأن أباه هاشما توفي وهو صغير فغلبت عليه أمه سلمى الانصارية النجارية
بالمدينة فلما شب وترعرع ذهب له عمه المطلب بن عبد مناف فقدم به مكة مردفه
خلفه وكان آدم اللون فقال الناس عبد المطلب فلزمه ذلك. وكان شريفا في قومه
مبجلا معظما عندهم يوضع له بساط في ظل الكعبة لا يجلس عليه غيره وكانوا
يسمونه الفيض والفياض لسماحته وكرمه ورأى الرؤيا المشهورة في أمر زمزم
وأثارها بعد ان درست آثارها. وتم له مع قومه ماتم في حفرها وله أخبار طويلة
ومآثر جليلة. وأما هاشم فاسمه عمرو وسمي هاشما لانه هشم الثريد لقومه في
المجاعة وبلغ في الكرم مبلغا وأطعم الوحوش في رؤس الجبال. وأما عبد مناف
فاسمه المغيرة وكان يقال له قمر البطحاء لسماحته وجماله وورّثه قصي المجد
فاعرق فيه وأطاعته قريش كما دانت لابيه. وأما قصي واسمه زيد فهو الذى ألف
قريشا وجمعها وجعلها اثنتي عشرة قبيلة وجعل لكل قبيلة منزلا ولذلك سماه
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مجمعا وزاد في مكة وجعل النسوة يقلن قبل
أخاك والصواب ان عبد الله أصغر بني أمه وأكبرهم الزبير (وكانت وفاته بيثرب)
كان الاولى العدول عن هذا الاسم لما مر من كراهة تسميتها به (يمتار) بتحتية
وراء أي يشتري لهم التمر فيحمله اليهم يقال امتار يمتار امتيارا اذا حمل
الطعام لاهله من بلد آخر ومثله مار يمير ميرا ومنه نمير أهلنا والاسم منه
ميرة بكسر الميم (بالابواء) بالموحدة والمد قرية بين مكة والمدينة قريبة من
الجحفة من عمل الفرع بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلا
سميت بذلك لتبوء السيول بها (شيبة الحمد) سمى بذلك لانه ولد وبرأسه شعرة
بيضاء (سلمى) بفتح السين بنت عمرو بن زيد (ترعرع) بمهملات أي شب وتحرك قال
أهل اللغة وتركيبه يدل على الاضطراب ومنه الرعرعة وهي اضطراب الماء على وجه
الارض ويسمى من لا عقل له ثابت رعاعة (مردفه) بالنصب على الحال (آدم)
بالنصب خبر كان واسمها مستتر (عبد المطلب) بالرفع خبر مبتدإ محذوف (أثارها)
بالمثلثة أي استخرجها (درست) أي عفت وذهبت (آثارها) أي علاماتها (وتم له مع
قومه ماتم) هو انهم أرادوا منعه من ذلك ثم اتفقوا على ان يرحلوا الى الشام
للتحاكم الى بعض الكهان فلما كانوا أثناء الطريق عطشوا عطشا شديدا فنبعت من
تحت رجله عين ماء فشربوا واستقوا واكتفوا بذلك حكما بينهم وبينه فرجعوا
أيضا الى مكة فاستأثر بحفرها حسب ما ذكره أهل السير (ومآثر) على وزن منابر
جمع مأثرة وهي الخير (وكان يقال له قمر البطحاء) بالرفع (وورثه) بالتشديد
(قصي) فاعل (المجد) مفعول ثان (فاعرق) بالمهملة والراء أي صار عريقا وهو
الذي له أصل في المجد (كما دانت)
(1/36)
شيأ من الحرم وجعل دار الندوة التى يجتمعون
فيها لمهماتهم وعظم البيت الحرام والمشاعر العظام وسن الرفادة وهي طعام أمر
قريشا أن يهبوه للحجيج في كل عام فاطاعوه بذلك ولقب قصيا لانه بعد عن
عشيرته في بلاد قضاعة حين احتملت أمه فاطمة. وكلاب اسمه حكيم ويقال حكم
ويقال المهذب سمي كلابا لمحبته الصيد بالكلاب. ولؤي بالهمزة عند الاكثرين.
وفهر قيل لقب له واسمه قريش والصواب انه اسمه وان النضر أبو قريش كما تقدم
والله أعلم. وأم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمنة بنت وهب بن عبد
مناف بن زهرة بن كلاب وكانت سيدة نساء بنى زهرة وكذلك كان أبوها. ولم تلد
هي ولا عبد الله غير النبي صلى الله عليه وسلم ففى ذلك اشارة الى انه صلى
الله عليه وعلى آله وسلم نسيج وحده في العالم (قلت) لا أعلم أيضا لآمنة
اخوة ولو كان لنقل وعدوا اخوالا للنبي صلى الله عليه وسلم كما نقل أعمامه
وأختانه وغيرهم والله أعلم. وتوفيت آمنة بالابواء بالمهملة والنون أي
انقادت مطيعة (دار الندوة) بفتح النون وسكون الدال المهملة وهي دار بناها
جعل بابها الى الكعبة (يجتمعون فيها لمهماتهم) أي كالمشاورة والختان
والنكاح وتنزل فيها القوافل وترتحل منها واشتقاقها من الندي بتشديد التحتية
وهي مجتمع القوم وقال بعضهم وهي الآن داخلة في المسجد الحرام وهي الزيادة
التي في ناحية الشام (وسن الرفادة) بكسر الراء اسم من رفد يرفد بفتح الفاء
في الماضى وكسرها في المستقبل اذا أعطى وهو ثلاثى وأما ارفد يرفد فهو رباعي
فهو بمعنى اعان (بلاد قضاعة) بضم القاف واعجام الضاد وإهمال العين لقب بذلك
عمر بن حمير كان له قضاع أي فهد فلقب به أو لانقضاعه من قومه أو من قضعه أي
قهره قاله في القاموس (بنت وهب) بالموحدة بوزن حرب (زهرة) بضم الزاي وسكون
الهاء (وكانت سيدة) بالنصب خبر كان واسمها مستتر فيها (ففى ذلك اشارة) أي
وفي ولادة شيث وحده كما تقدم وفي عدم ولادة اسماعيل نبيا سواه مع ولادة
اسحق أخيه كل الانبياء الذين جاؤا من بعده (نسيج) بالنون والمهملة والجيم
مصغر (وحده) بالجر بالاضافة وهو خارج عن القياس ومعناه لا نظير له في كماله
(قلت لا أعلم لآمنة أيضا إخوة) أي ذكور أما الاناث فذكر ابن الاثير ان
لآمنة أختا اسمها فريعة بالفاء مصغر بنت وهب قال ابن الاثير رفعها النبي
صلي الله عليه وسلم بيده وقال من أراد أن ينظر الى خالة رسول الله فلينظر
الى هذه انتهى (قلت) يحتمل انها ليست أختها بل وافق اسم أبيها اسم أبي آمنة
وكانت زهرية فاطلق عليها صلى الله عليه وسلم الخالة مجازا (وأختانه) جمع
ختن بفتح المعجمة والفوقية بعدها نون وهو صهر الرجل سواء كان أبا زوجته أو
أخاها أو زوج ابنته أو أخته على الاصح (توفيت بالابواء) فمن ثم لما مر رسول
الله صلى الله عليه وسلم من عمرة الحديبية زار قبرها هذا هو الصحيح وقيل
توفيت بمكة ودفنت في شعب أبي دب بضم المهملة وتشديد الموحدة شعب من شعاب
الحجون
(1/37)
مرجعها من المدينة حين ذهبت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم تزيره أخوال
جده عبد المطلب وبقي صلى الله عليه وسلم بعد موتها بالابواء حتى انتهى
الخبر الى مكة. وجاءت أم أيمن مولاة أبيه عبد الله فاحتملته وذلك لخامسة من
موت أمه وله صلى الله عليه وسلم يومئذ ست سنين وقيل أربع والله أعلم وروي
ان آمنة آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موتها وأورد المحب الطبرى فيه
حديثا مسندا الى عائشة والله أعلم. |