بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل

[ (القسم الثانى) في اسمائه الكريمة وخلقته الوسيمة وخصائصه ومعجزاته وباهر آياته]
وفيه اربعة أبواب كما سبق
[الباب الاول الاسماء وما تضمنت من المناسبات]
«الباب الاول الاسماء وما تضمنت من المناسبات» اعلم رحمك الله وإياى ان هذا الباب واسع جدا وقد أفرده غير واحد بالتصنيف فمن أوعب التصانيف في ذلك كتاب الشيخ الفاضل أبى الحسين الحرانى المغربى فانه جاء بتسعة وتسعين أسما مبنية عن أوصاف جميلة وشرحها شافيا وأنا أنقل منه ومن غيره مستعينا بالله وبالله التوفيق فمن أجل الاسماء وأعظمها مطابقة للمسمى وأحقها بالتقديم ما ثبت في القرآن العظيم وهو اسمه أحمد ومحمد صلى الله عليه وسلم وكلاهما متضمنا للمدحة وعظيم المنحة أما أحمد فافعل مبالغة من صفة الحمد ومحمد مفعل مبالغة من كثرة الحمد وتكرره مرة بعد مرة مثل ممدوح ثم أنه لم يكن محمد حتى كان أحمد وذلك انه حمد ربه ونبّاه وشرفه وذلك تقدم فذكر في الكتب السابقة باحمد فكان حمده لربه قبل حمد الناس له فكان صلى الله عليه وسلم أجل من حمد ربه وأتم من القى عليه الحمد في نفسه فهو أحمد المحمودين واحمد الحامدين وهذا من عظيم العناية أن تضمنت أسماء الثناء عليه فمن مناسبات هذين الاسمين أن انزلت عليه سورة الحمد (والفوائد التوام) جمع تامة أى كاملة.
(القسم الثاني) في أسمائه الكريمة (وهو اسمه أحمد) قال تعالى وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (ومحمد) قال تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ وقال تعالي وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وقال تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ الآية (للمدحة) بكسر الميم أى المدح (والمنحة) أى العطية (أجل) بالنصب (أحمد المحمودين) أي أفضل من استوجب ان يحمد ويثنى عليه بخصال الكمال (وأحمد الحامدين) أي أفضل وأكثر من حمد الله تعالى وأثنى عليه فان حمده ربه جل وعلا حسب معرفته به وبصفاته وهو أفضل من عرف الله تعالى وعرف ما ينبغي ان يئني عليه به (ان تضمنت) بفتح الهمزة (أنزلت عليه سورة الحمد) وهي الفاتحة وتسمى سورة الشكر أيضا وفاتحة الكتاب وام القرآن وسورة الكنز والوافية والكافية وسورة الدعاء وتعليم المسئلة والصلاة لوجوب قراءتها

(2/174)


وجعل بيده لواء الحمد وخص بالمقام المحمود الذى تحمده فيه الاولون والآخرون ويفتح عليه من المحامد ما لم يؤت غيره وشرع له ولامته والحمد عند افتتاح الامور وختامها وعند تجدد النعم وتطاور النقم ولذلك ورد وصفهم في كتب الله القديمة بالحمادين لله على كل حال ولم يزل مولاه يرقيه في محامد الاخلاق ومكارم الشيم حتى بلغ اعلاها مرتبة وتكاملت له المحبة من الخالق والخليقة وظهر معنى اسمه فيه على الحقيقة فهو اللبنة التى استتم بها البناء وقد أتي على هذا المعنى عباس بن مرداس حيث يقول فيه:
ان الاله بنا عليك محبة ... من خلقه ومحمدا سماكا
وقال ابو جعفر:
سمي محمد أنّ الحمد مجتمع ... فيه وفي الاسم للاخلاق تأويل
ثم انه قد ظهر من هذين الاسمين اشتقاق من اسم مولاه فمن اسمائه جل وعلا الحميد ومعناه المحمود ومحمد بمعني محمود وكذا وقع اسمه في الزبور واحمد بمعنى اكثر من حمد واجل من حمد وقد اشار الى هذا المعني حسان حيث يقول:
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
ثم ان تسمية اهله له بهذا الاسم على جاهليتهم وجهالتهم لم يكن إلا من عنية فيها والشافية والشفاء والسبع المثاني والقرآن العظيم والنور والرقية وسورة المناجاة وسورة التفويض وفاتحة القرآن وأم الكتاب وسورة الحمد الاولى وسورة الحمد القصري وسورة السؤال (وجعل بيده) يوم القيامة (لواء الحمد) الذي يكون تحته آدم فمن بعده من النبيين (وخص بالمقام المحمود) سبق أول الخطبة الخلاف فيه (وتطاور النقم) اختلافها وتقلبها (ومكارم الشيم) جمع شيمة وهى الخلق أيضا (فهو اللبنة) بفتح اللام وكسر الباء ويجوز اسكانها مع فتح اللام وكسرها (استتم) أي تم وكمل (بها البناء) أشار بذلك الى ما رواه الشيخان عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلى ومثل الانبياء قبلى كمثل رجل بنا بيتا فاحسنه واجمله الا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فانا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين (سماكا) بالف الاطلاق (وقال) عبد الله (ابن جعفر) هو الجحفي (سمى) مبني للمفعول آخره سكون لضرورة الشعر (محمد) بترك التنوين لذلك أيضا (ان الحمد) بفتح الهمزة (وفي الاسم) بقطع الهمزة لذلك أيضا (أكثر من حمد) مبني للفاعل (وأجل من حمد) مبني للمفعول (من اسمه) بقطع الهمزة لذلك أيضا (عنية) بتثليث العين والكسر أشهر

(2/175)


ربانية وحكمة إلهية قيل ان امه رأت قائلا يقول لها انك قد حملت بسيد هذه الامة فسميه محمدا. ثم من عجائب خصائصه أن منع الله هذين الاسمين على شهرتهما في كتبه القديمة فلم يسم بهما قبل زمانه لئلا يدخل لبس أو شك على ضعفاء القلوب الى ان شاع قبيل وجوده على السنة الاحبار والرهبان والكهان ان نبيا قد اظل زمانه اسمه محمد فسمى قوم من العرب ابناءهم بذلك ولم يدع ممن تسمى بها النبوة ولا ادعاها له احد وصار بعضهم من اصحابه واتباعه
[فصل ومن أسمائه وصفاته في القرآن العظيم]
(فصل) ومن اسمائه وصفاته في القرآن العظيم الرؤف الرحيم ورحمة للعالمين ومزكيهم ومعلمهم الكتاب والحكمة وهاديهم الى صراط مستقيم والمزمل والمدثر والرسول الكريم والنور والمنذر والشاهد والمبشر والنذير والداعى الى الله باذنه والسراج المنير وعبد الله ورسوله وخاتم النبيين والرسول النبى الأمى وطه ويس والنجم الثاقب والشهيد والرسول المبين وسكون النون أعينا (قد أظل زمانه) بالمهملة أي أشرف ويجوز اعجامها (فسمى قوم من العرب أبناءهم بذلك) أى رجاء ان يكون أحدهم هو والله أعلم حيث يجعل رسالاته قال في الشفاء وهو محمد بن أحيحة بن الجلاح الاوسي ومحمد بن مسلمة الانصارى ومحمد بن البراء البكرى ومحمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن حمران الجعفي ومحمد بن خزاعي السلمي لا سابع لهم قال ويقال أول من سمى بذلك محمد بن سفيان واليمن تقول بل محمد بن اليحمد من الازد انتهى وليس هذا من الذين ذكرهم عياض فهم به سبعة وبقى منهم على ما في سيرة ابن مغلطاى محمد بن عزي بن ربيعة بن مسعد المنقري ومحمد بن عثمان السعدي ومحمد الاسرى ومحمد الفقيمى ومحمد بن عيّوارة الليثي ومحمد بن حرمان العمري ومحمد بن خولة الهمداني ومحمد بن يزيد بن ربيعة ومحمد بن اسامة بن مالك (وصار بعضهم من اتباعه وصحابته) منهم ابن أحيحة كما ذكره ابن عبد البر وأبو موسي وغيرهما ومحمد بن براء كما عده أبو موسي أيضا في الصحابة ومحمد بن سفيان على خلاف فيه ومحمد بن مسلمة شهد بدرا وغيرها ومات بالمدينة (الرؤف الرحيم) قال تعالى بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وهذان الاسمان من جملة ما سماه الله به من أسمائه الحسني وقد عقد لها عياض في الشفاء فصلا ذكر فيه جملة من الاسماء (ورحمة للعالمين) قال تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (ومزكيهم) أى مطهرهم وقيل يزكيهم يوم القيامة حين يشهدون للرسل (وهاديهم الى صراط مستقيم) وهو دين الاسلام (والمزمر والمدثر) روي النقاش عنه صلى الله عليه وسلم قال في القرآن سبعة أسماء محمد وأحمد ويس وطه والمدثر والمزمل وعبد الله (والمنذر) أي المخوف (والنور) أي الذي يهتدى به من ظلام الشرك والاهواء (والشاهد) على أمته يوم القيامة (والمبشر) للمطيع بالجنة (والنذير) للعاصى بالنار (والداعى الى الله) أي الي توحيده (باذنه) أي بأمره (وخاتم النبيين) بفتح الفوقية وكسرها (والامي) سمي به لانه كان أميالا يحسب ولا يكتب ولا يقرأ وهو منسوب الى الام أى هو على ما ولدته أمه وقيل منسوب الي أم القرى وهي مكة (وطه) سمى به لطهارته وهدايته (ويس) سمي به لانه سيد البشر وللمفسرين في تأويل طه ويس تأويلات أخر (والنجم الثاقب)

(2/176)


وقدم الصدق ونعمة الله والعروة الوثقى والرسول الامين. قال شيخنا الحافظ برهان الدين ابراهيم بن حسن النحوى أخبرنى شيخي الامام الحافظ على بن احمد الزينبي فيما قرأته عليه ان شاء الله تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعى في السماء احمد وفي الارض محمد وقيل في القرآن محمد وفي الانجيل أحمد وفي التوراة ابو القاسم والله أعلم.
[فصل ومن اسمائه في كتب الله القديمة]
(فصل) ومن اسمائه في كتب الله القديمة المتوكل والمختار ومقيم السنة والمقدس وقثم وهو الجامع وصاحب القضيب وهو السيف ويحتمل ان القضيب الممشوق الذى يمسكه وصاحب الهراوة وهي العصا وصاحب التاج وهي العمامة وروح الحق وهو معنى البار قليط في الانجيل قيل وهو الذى يفرق بين الحق والباطل وماذ ماذ ومعناه طيب طيب وحمطايا والخاتم والخاتم الاول بكسر الناء والثانى بفتحها ومعناه بالفتح أحسن الانبياء خلقا وخلقا ويسمى بالسريانية مشقح والمنحمنا واسمه في التوراة أحيد وفي أول سفر منها في وصف أي المضئ المستنير (وقدم صدق) سمي به لانه أول الصادقين في اخلاص العبادة لربه جل وعلا (والعروة الوثقى) سمي به لانه السبب في الوصول الى رضا الله تعالي (الزينبي) بفتح الزاي والنون وسكون التحتية وكسر الموحدة بعدها ياء النسبة (يدعي في السماء أحمد) بالفتح (وفي الارض محمدا) بالنصب والتنوين
(فصل) ومن أسمائه في كتب الله تعالى القديمة (وقثم) بالمثلثة (وهو الجامع الكامل) في خلقه وخلقه قال ابن الاثير ومنه الحديث أتاني ملك فقال أنت قثم وخلقك قثم أى مستقيم (وصاحب الهراوة) بكسر الهاء (وهى العصا) التى كانت تغرز بين يديه فيصلى اليها (وصاحب التاج) بالفوقية والجيم (البار قليط) بموحدة فالف فراء مكسورة فقاف ساكنة فلام مكسورة فتحتية ساكنة بعدها طاء مهملة (وهو الذى يفرق بين الحق والباطل) وقيل هو الحماد وقيل الحامد وقيل الحمد وقيل المخلص (ماذ ماذ) بفتح الميم بعدها ألف غير مهموزة فذال معجمة وقيل انه بميم مضمومة واشمام الهمزة ضمة بين الواو والالف (وحمطايا) بمهملة مفتوحة فميم مشددة فمهملة فالف فتحتية فالف قال أبو عمرو سألت بعض من أسلم من اليهود عنه فقال معناه يحمي الحرم ويمنع من الحرام ويوطيء الحلال (والخاتم) بالمعجمة (والحاتم) بالمهملة وزعم المصنف ان كليهما بالمعجمة (الاول بكسر التاء والثاني بفتحها) وليس ما زعمه بصحيح بل الكسر والفتح لغتان في الخاتم (بالسريانية) بضم المهملة (مشقح) بميم مضمومة فمعجمة مفتوحة فقاف مكسورة مشددة فمهملة أي ميزت اعلام الهدي بعد اخفائها (و) يسمي بالريحانية «1» (المنحمنا) هو بمعنى محمد قاله أبو الفتح اليعمري في سيرته وهو بميم مفتوحة فنون ساكنة فمهملة مفتوحة فميم مكسورة فنون مشددة مفتوحة فالف (أحيد) بضم الهمزة وسكون المهملة وفتح التحتية وكسرها آخره مهملة وهو بمعنى محمد
__________
(1) كذا بالاصل.

(2/177)


اسمعيل وسيدا عظيم الأمة عظيمة وفيها أيضا يا أيها النبى انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرز للأميين انت عبدي ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق ولا تدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بان يقولوا لا إله الا الله ويفتح به اعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وفي حديث آخر ولا صخب في الاسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للخنا أسدده لكل جميل واهب له كل خلق كريم واجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى امامه والاسلام ملته وأحمد اسمه أهدى به بعد الضلالة وأعلم به بعد الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأسمى به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وألف به بين قلوب مختلفة واهواء متشتتة وأمم متفرقة وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس.
(فصل) ومن أسمائه التي سمي بها نفسه ما رواه مسلم وغيره عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان لى خمسة اسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحى الذي يمحو الله بي الكفر وقيل معناه يحيد أمته عن النار أي يوقفهم عنها (وفيها أيضا) كما رواه البخارى (وحرزا) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها زاي أى حفظا (للأميين) هم العرب لان الكتابة عندهم قليلة والأمي من لا يحسن الكتابة (ليس بفظ) أي سيء الخلق (ولا غليظ) أي شديد القول (ولا صخاب) بالمهملة فالمعجمة المشددة من الصخب وهو رفع الصوت ولغة ربيعة فيه بالشين بدل الصاد (الملة) يعني ملة ابراهيم (العوجاء) أى التى غيرتها العرب عن استقامتها فصارت كالعوجاء (وقلوبا غلفا) جمع اغلف وهو ما كان في غلاف وغشاء بحيث لا يوصل اليه (صخب) هو بمعنى صخاب (للخنا) بفتح المعجمة والنون مع القصر وهو الفحش في الكلام (والهدي امامه) بكسر الهمزة (اهدى) بفتح الهمزة أى ارشد (واعلم) بضم الهمزة وتشديد اللام (بعد الجهالة) بفتح المعجمة أى بعد السقوط (واسمى) بضم الهمزة وتشديد الميم (واغنى) بضم الهمزة وسكون المعجمة (بعد العيلة) بفتح المهملة أي الفقر.
(فصل) ومن أسمائه التى سمى بها نفسه (ما رواه) البخارى و (مسلم) والترمذى والنسائي (وانا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر) قال العلماء المراد محوه من مكة والمدينة وبلاد العرب وما زوى له من الارض ووعدان يبلغه ملك أمته أو المراد المحو العام وذلك بظهور الحجة والغلبة وجاء في حديث آخر تفسير الماحى في بابه يمحى به سيئات من اتبعه فيكون المراد بمحو الكفر محو ما كان فيه من المعاصى

(2/178)


وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمى وأنا العاقب الذى ليس بعده أحد. وروي في حديث آخر عشرة أسماء وذكر هذه الخمسة وزاد وأنا رسول الرحمة ورسول الراحة ورسول الملاحم وأنا المقفي قفيت النبيين وأنا قيم. وروينا في صحيح مسلم أيضا عن أبى موسى الاشعري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى لنا نفسه اسماء فقال أنا أحمد وأنا محمد والمقفي والحاشر ونبيّ التوبة ونبيّ الرحمة ومن ذلك القاسم وأبو القاسم كما ورد في الصحاح النهى عنهما لغيره فقال انما بعثت قاسما أقسم بينكم وفي رواية فأنا أبو القاسم أقسم بينكم المغفورة بالاسلام (وانا الحاشر) باهمال الحاء واعجام الشين (الذى يحشر الناس على قدمى) بتخفيف الياء على الافراد وتشديدها على التثنية ولما في رواية على عقبي ومعنى ذلك انهم يحشرون على أثره صلى الله عليه وسلم وزمان نبوته ورسالاته لانه خاتم الانبياء لا نبي يبعث بعده وقيل المراد انهم يتبعوه (وأنا العاقب الذى ليس بعده نبي) قال ابن الاعرابى العاقب والعقوب الذى يخلف في الخير من كان قبله ومن ثم سمى ولد الرجل عقبه (وروى في حديث آخر) ذكره في الشفاء وغيره (لى عشرة اسماء) أي موجودة في كتب الله المتقدمة مشهورة عند الامم السالفة فلا ينافي ان له أسماء كثيرة سواها (وأنا رسول الرحمة) أى بعثت بالتراحم قال تعالي رحماء بينهم. وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (قلت) أو لانه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين للمؤمنين في الدارين وللكفار في الدنيا بتأخير العذاب عنهم (ورسول الرحمة) سمى بذلك لان الله جعل ملته حنيفية سهلة سمحة ليس فيها شيء من الآصار والاغلال التي كانت على من قبلنا من بنى اسرائيل (ورسول الملاحم) سمي بذلك لانه بعث بقتال الكفار عموما (وأنا المقفي) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء (قفيت النبيين) بتشديد الفاء أيضا قال ابن الاعرابي أي هو المتبع للاشياء يقال قفوته أقفوه مخفف وقفيته أقفيه مشدد اذا اتبعته فقافية كل شيء آخره (وأناقيم) بفتح القاف وكسر التحتية مشددة وهو الجامع الكامل قال عياض كذا وجدته ولم أروه وأري ان صوابه قثم بضم القاف وفتح المثلثة قال وهو أشبه بالتفسير قال وقد وقع قيم بالتحتية في كتب الانبياء قال داود اللهم ابعث لنا محمدا مقيم السنة بعد الفترة فيكون القيم بمعناه (ونبى التوبة) سمى بذلك لانه جاء بالتوبة التى لم تكن مقبولة قبله الابان يقتل الشخص نفسه أو نحو ذلك مما كان في التوراة من التغليظ وان قلت عندهم كما هى عندنا فقصة الذى قتل تسعة وتسعين نفسا فعلى ندور وقلة (كما ورد في) الاحاديث الصحاح (النهى عنهما لغيره) بقوله تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي رواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن أنس ورواه أحمد والشيخان وابن ماجه عن جابر (انما بعثت قاسما اقسم بينكم في رواية فانا أبو القاسم اقسم بينكم) وفي اخرى انما أنا قاسم والله يعطي من يشاء قال عياض هذا يشعر بان الكنية انما تكون نسب وصف صحيح في المكني أو نسب اسم أبيه قال ابن بطال معناه لم استأثر من مال الله تعالى شيء دونكم وقاله تطييبا لقلوبهم حين فاضل في العطاء فقال هو الله الذى يعطيكم

(2/179)


وللعلماء في جواز التسمي بالقاسم والتكني بأبى القاسم مذاهب كثيرة أقربها الى الصواب ان النهى مختص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم لئلا يشتبه اسمه باسم غيره فينادى بذلك عند النداء وذلك مصرح به في الحديث ومن ذلك الأمين والمأمون والولى وسيد ولد آدم وسيد الناس يوم القيامة ودعوة ابراهيم وأول من تنشق عنه الارض كما ورد ذلك في أحاديث متفرقة انه تسمى بها.
لا أنا وانما أنا قاسم فمن قسمت له شيئا فذلك نصيبه قليلا كان أو كثيرا (وللعلماء في جواز التكنى بابي القاسم مذاهب كثيرة) أحدها عدم الجواز مطلقا لظاهر هذا الحديث ثانيها ان النهي منسوخ لان هذا الحكم كان لمعنى مذكور في الحديث وهوان رجلا بالبقيع نادى يا أبا القاسم فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى لم اعنك انما دعوت فلانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى وقد زال ذلك المعنى ثالثها ان النهى غير منسوخ ولكن النهى للتنزيه والادب لا للتحريم رابعها ان النهي عن النكنى بابي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر سنذكره خامسها انه ينهى عن التكني بابى القاسم مطلقا وعن التسمية بالقاسم كيلا يكنى أبوه بابي القاسم سادسها ان التسمية بمحمد ممنوعة مطلقا وجاء فيه حديث عنه صلى الله عليه وسلم تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم رواه البزار وأبو يعلي والحاكم عن أنس (أقربها الى الصواب) كما قال النووي ما ذهب اليه مالك وهو أحد ثلاثة مذاهب للشافعي (ان النهى مختص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم) دون ما بعده كيلا يجد الكفار سبيلا الى أذاه صلى الله عليه وسلم (وذلك مصرح به في الحديث) كما ذكرته أولا وورد في حديث صحيح ان اليهود يكنوا وكانوا ينادون أبا القاسم فاذا التفت النبى صلى الله عليه وسلم قالوا لم نعنك والمذهب الثانى عدم الجواز مطلقا والثالث الجواز لمن ليس اسمه محمد دون غيره ودليله ما رواه ابن حبان عن جابر من تسمى باسمي فلا يكنى بكنيتى ومن تكنى بكنيتى فلا يسمي باسمى قال البيهقى اسناده صحيح (ومن ذلك الامين والمأمون) سمى بذلك لما اشتهر بامانته عند قريش وغيرهم وسماه الله أمينا على القول بانه المراد في قوله تعالى مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وسمى بذلك نفسه فقال وأنا أمين من في السماء يأتينى خبر السماء صباحا ومساء (والولى) سمى بذلك لقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وقال تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وقال صلى الله عليه وسلم أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم (وسيد ولد آدم) كما روى انه صلى الله عليه وسلم قال أنا سيد ولد آدم رواه أحمد والترمذى وغيرهما عن أبي شعبة والمراد بالحديث انه سيد آدم وولده وسائر الخلق وانما لم يقل سيد آدم تأدبا مع آدم واذا كان سيد ولد آدم وفي ولده من هو أفضل منه فلأن يكون سيده أولي (وسيد الناس يوم القيامة) كما رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة (ودعوة ابراهيم) وهو قوله رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ (وأول من تنشق عنه الارض) كما رواه الشيخان وروى الترمذى والحاكم أنا أول من تنشق عنه الارض ثم أبو بكر ثم عمر ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معى ثم انتظر أهل مكة

(2/180)


[فصل ومما اشتهر على ألسنة الأمة]
(فصل) ومما اشتهر على ألسنة الامة وروته الخلف عن السلف المصطفي والمجتبى والشفيع والمشفع والمتقى والمصلح والطاهر والصادق والمصدوق وامام المتقين وقائد الغر المحجلين وحبيب رب العالمين وصاحب الحوض المورود واللواء المعقود والمقام المحمود والمحضر المشهود وصاحب الازواج الطاهرات والعلو والدرجات العربي القرشى التهامي المكى المدنى الأبطحي وسيد المرسلين شفيع المذنبين قائد الوافدين على رب العالمين هذا وجميل صفاته وجليل أسمائه باب واسع لا يوقف على نهاية وتكبو خطباء الافكار دون بلاغ غاياته نقل أبو بكر العربى في كتابه الأحوذى في شرح الترمذي عن بعضهم ان لله ألف اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم أيضا* وذكر القاضى عياض فيما منح الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من أسمائه الحسنى ووصفه به من صفاته العلى فصلا مستقلا جاء فيه بنحو من ثلاثين اسما وذكر انه لم يسبق الى مثل ذلك ثم ذيلها بفصل آخر رأينا اثباته جملة لما فيه من عظيم الفائدة. قال رحمه الله وها أنا أذكر نكتة أذيل بها هذا الفصل وأختم بها هذا القسم وأزيح بها الاشكال فيما تقدم عن كل ضعيف الوهم سقيم الفهم تخلصه من مهاوى التشبيه وتزحزحه عن شبه التمويه وهو ان يعتقد ان الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسن أسمائه وعلي صفاته لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبّه به وانّ ما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق وعلى المخلوق فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقى اذ صفات القديم بخلاف صفات المخلوق فكما ان ذاته تعالى لا تشبه الذوات كذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين اذ صفاتهم لا تنفك عن الاعراض والاغراض (فصل) ومما اشتهر على السنة الامة (والصادق) فيما قاله (والمصدوق) فيما يأتيه له من الوحى (والمحضر) بفتح المعجمة محل الحضور (سماته) بكسر المهملة وبالفوقية جمع سمة أى علامة (وتكبو) بفتح الفوقية وسكون الكاف وضم الموحدة أى يقف يقال كبا الفرس يكبو اذا استقام ولم يبرح (ألف اسم) بالفتح (جاء فيه بنحو من ثلاثين اسما) وهي الحميد والرؤف الرحيم والحق المبين والنور والشهيد والكريم والاكرم والعظيم والجبار والخبير والفتاح والشكور والعليم والاول والآخر والقوي وذو القوة المتين والصادق والولي والمولى والعفو والهادى والمؤمن والمهيمن وطه ويس (ثم ذيلها) بفتح المعجمة والتحتية المشددة أى جعل لها ذيلا أى طرفا كذيل الثوب (وأزيح الاشكال) بضم الهمزة وكسر الزاي وفي آخره مهملة أى أبعد وأنحى وأزيل (من مهاوى) جمع مهواة وهى المحل الذي يهوي فيه من أعلي لاسفل ويخاف على صاحبه الهلاك (التشبيه) أي تشبيه الباري جل وعلا بغيره (وتزحزحه) أى تؤخره وتنحيه (عن شبه) بضم المعجمة جمع شبهة (وعلو صفاته) بضم المهملة وفتح اللام وبفتحها وكسر اللام وتشديد التحتية (صفات المخلوقين) بكسر التاء علامة الفتح (لا تنفك) أي لا تخلو (عن الاعراض والاغراض) كلاهما باعجام الضاد مع اهمال عين الاول

(2/181)


وهو تعالى منزه عن ذلك بل لم يزل بصفاته وأسمائه وكفي في هذا قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ولله در من قال من العلماء العارفين المحققين التوحيد اثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة عن الصفات وزاد هذه النكتة الواسطى رحمه الله بيانا وهي مقصودنا فقال ليس كذاته شيء ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل ولا كصفته صفة الا من جهة موافقة اللفظ اللفظ وجلت الذات القديمة أن تكون له صفة حديثة كما استحال أن تكون للذات المحدثة صفة قديمة وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة. وقد فسر الامام أبو القاسم القشيرى قوله هذا ليزيده بيانا فقال هذه الحكاية تشتمل على مسائل التوحيد وكيف تشبه ذاته ذات المحدثات وهي بوجودها مستغنية وكيف يشبه فعله فعل الخلق وهو لغيرها جلب أنس أو دفع نقص حصل ولا بخواطر واغراض وجد ولا بمباشرة ومعالجة ظهر وفعل الخلق لا يخرج عن هذه الوجوه قال وقال آخر من مشايخنا ما توهمتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم فهو محدث مثلكم وقال الاملم أبو المعالى الجويني من اطمأن الى موجود انتهى اليه فكره فهو مشبه ومن اطمأن الى النفي المحض فهو معطل وان قطع بموجود اعترف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد. وما أحسن قول ذى النون المصري حقيقة التوحيد ان تعلم ان قدرة الله في الاشياء بلا علاج وصنعه له بلا مزاج وعلة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه وما تصور في وهمك فالله بخلافه وهذا كلام عجيب نفيس محقق والفصل الآخر تفسير لقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ والثانى تفسير لقوله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ والثالث تفسير لقوله إِنَّما
واعجام عين الثاني وعكسه (الواسطى) هو أبو بكر محمد بن موسى خراساني الاصل من فرغانة قال القشيري صحب الجنيد والثورى وكان عالما كبيرا وأقام بمرو ومات بها بعد العشرين وثلاثمائة (ولا بخواطر واغراض) بالغين المعجمة (وجد) بضم الواو وكسر الجيم ثم مهملة (الامام أبو المعالى الجويني) هو إمام الحرمين عبد الملك النيسابوري جاور بمكة والمدينة أربع سنين فمن ثم قيل له امام الحرمين ثم عاد الى نيسابور ومات بها سنة ثمان وسبعين وأربعمائة (وما أحسن قول ذى النون) ثوبان ابن ابراهيم الاخميمي (المصري) قال القشيري كان أبوه نوبيا قال ومن كلامه مدار الكلام على أربعة اضرب حب الجليل وبغض القليل واتباع التنزيل وخوف التحويل توفي سنة خمس وأربعين ومايتين وكان سبب مقالته هذه انه قام رجل بين يديه فقال أخبرني عن التوحيد ما هو فقال أن تعلم أن قدرة الله الى آخره (ولا علة لصنعته) زاد القشيري في الرسالة وليس في السموات العلى ولا في الارضين السفلى مدبر غير الله عز وجل (والفصل الآخر) وهو قوله ما تصور في وهمك فالله بخلافه لانه عز وجل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (والثاني) وهو قوله علة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه فلا يسئل عما يفعل لان الشيء اذا لم يكن له علة فلا معنى للسؤال عنه (والثالث) وهو قوله أن يعلم أن قدرة الله في الاشياء بلا علاج بل

(2/182)


قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ثبتنا الله واياك على التوحيد والاثبات التنزيه وجنبنا طرفي الضلالة والغواية عن التعطيل والشبيه بمنه وكرمه ورحمته.