بهجة
المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل [الباب الثانى
في الأخلاق المعنويات]
(الباب الثانى في الاخلاق المعنويات) التي حمدت شرعا وعقلا وشرف المتخلق
بها أو بالوا حد منها عرفا وعادة كالعلم والحلم والصبر والشكر والعدل
والزهد والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءة والصمت
والتؤدة والوقار والرحمة وحسن الأدب والمعاشرة وأخواتها وهي التى جماعها
حسن الخلق الذى عظمه الله من نبيه وأصلها العقل الذى يحمل صاحبه على اقتناء
الفضائل وتجنب الرذائل وبه ظهر شرف الحيوان الانسانى على سائر الحيوانات
وبتفاوته «فصل» في ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بملاعبة الزوجة (وأمر
بملاعبة الزوجة) كقوله لجابر هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك وجاء فيه وفي تأديب
الفرس وتعلم الرمى حديث حسن اخرجه احمد والترمذي والبيهقي في الشعب عن عقبة
بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارموا واركبوا وان ترموا أحب
الى من ان تركبوا كل شيء يلهو به الرجل باطل الارمي الرجل بقوسه أو تأديبه
فرسه أو ملاعبته امرأته فانهن من الحق ومن ترك الرمى بعد ما علمه فقد كفر
الذى علمه (والسباحة) اخرج النسائى عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير كل
شيء ليس من ذكر الله لهو ولعب الا ان يكون أربعة ملاعبة الرجل امرأته
وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الفرضين وتعليم الرجل السباحة (وحث على
ذلك) كقوله عليكم بالرمي فانه من خير لهوكم اخرجه البزار عن سعد واخرجه عنه
أيضا الطبراني في الاوسط بلفظ فانه من خير لعبكم (ورخص في اللعب بالدف) بل
أمر به فقال اعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف
أخرجه الترمذي عن عائشة واخرج احمد والترمذى وابن ماجه عن محمد ابن حاطب
(فصل) ما بين الحلال والحرام ضرب الدفوف والصوت في النكاح وأخرج عبد الله
بن احمد بن حنبل في زوائد مسند أبيه عن أبي حسن المازني قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يكره نكاح السر حتى يضرب بدف والدف بضم الدال وفتحها
(للعرس) بضم الراء وسكونها (والعيد) والحديث فيه مشهور في الصحيحين.
(الباب الثانى) في الاخلاق المعنويات (والصمت) بفتح المهملة وكسرها
(والتوءدة) بضم الفوقية وفتح الهمزة ثم مهملة وهي التأنى (جماعها) أي
الجامع لها (اقتناء) اكتساب وزنا ومعنا
(2/276)
تتفاوت درجات الرجال وقد نزل رسول الله صلى
الله عليه وسلم منه منزلا لا يقدر قدرها ولا يرام سبرها قال وهب بن منبه
قرأت في أحد وسبعين كتابا فوجدت في جميعها ان الله تعالى لم يعط جميع الناس
من بدء الدنيا الى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلم الا
كحبة رمل بين رمال الدنيا.
[فصل اعلم أن الأخلاق الحميدة تكون غريزة
ومكتسبة]
(فصل) * اعلم ان الاخلاق الحميدة تكون غريزة ومكتسبة ومع الاكتساب لا بد أن
يكون في أصل الجبلة شعبة من أصولها فتكون جالبة لبقيتها ثم انها قد تكون
دنيوية اذا لم يرد بها وجه الله ولكنها تعد محاسن على كل حال باتفاق
الفضلاء وقد كان صلى الله عليه وسلم محتويا على كمالها مجبولا عليها في أصل
خلقته وأول فطرته وكذلك سائر الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لم يحصلوه
بممارسة ولا رياضة بل بجود إلهي وخصوصية ربانية* قال القاضي عياض وقد نجد
غيرهم على بعض هذه الأخلاق دون بعض جميعها ويولد عليها فيسهل عليه اكتساب
تمامها عناية من الله تعالى كما نشاهد من خلقة بعض الصبيان على حسن الصمت
والشهامة وصدق اللسان والسماحة وقد نجد بعضهم على ضدها فبالاكتساب يكمل
ناقصها وبالرياضة والمجاهدة يستجلب معدومها ويعتدل محترفها وكل ميسر لما
خلق له (لا يقدر) أى لا يعبر عنه بقدر لخروجه عن التقدير (سبرها) بفتح
المهملة وكسرها وسكون الموحدة وهى قدرها أيضا (وهب) بفتح الواو وسكون الهاء
ثم موحدة (ابن منبه) بالنون فالموحدة كأسم الفاعل ابن سيج بكسر المهملة
وقيل بفتحها وسكون التحتية ثم جيم قال الشمني تابعى جليل مشهور بمعرفة
الكتب الماضية (كحبة رمل بين رمال الدنيا) وعن كعب الاحبار قال خلق الله
العقل ألف جزء فقسم جزأ بين الخلائق كلها وأعطى نبيه محمدا تسعمائة وتسعة
وتسعين.
(فصل) في بيان ان الاخلاق الحميدة هل هى مكتسبة أو غريزية (غريزية) بفتح
المعجمة وكسر الراء والزاى بينهما تحتية ساكنة وتحتية مشددة وهى ما جبل
عليه الشخص وكان في أصل خلقته (الجبلة) بكسر الجيم والموحدة وتشديد اللام
أى الخلقة (شعبة) بضم المعجمة وسكون المهملة ثم موحدة أي فرقة وقطعة (لم
يرد) مبنى للمفعول وللفاعل فعلى الاول (وجه الله) مرفوع وعلى الثانى منصوب
(محاسن) بالنصب (باتفاق العقلاء) زاد في الشفاء وان اختلفوا في موجب حسها
وتفضيلها (محتويا) يقال احتوي على الشيء اذا استأثر به دون غيره (حسن
السمت) بفتح المهملة وسكون الميم وهي الطريقة وهيئة الحسن (والشهامة) بفتح
المعجمة قال الشمنى مصدر شهم الرجل بضم الهاء فهو شهم أى جلد ذكي الفؤاد
(وكل ميسر لما خلق له) هو حديث أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن عمران بن
حصين وأخرجه الترمذى عن عمر وأخرجه أحمد عن أبي بكر.
(2/277)
وهذا حين أذكرها مفصلة من نبينا صلى الله
عليه وسلم.
[فصل في علمه وحلمه واحتماله وعفوه وصبره صلى
الله عليه وسلم]
«فصل» في علمه وحلمه واحتماله وعفوه وصبره صلى الله عليه وسلم أما العلم
فقال الله تعالى وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ
عَظِيماً. وقال تعالى وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً. كلت الألسن عن وصف قدر
منحته من العلم وأمر بسؤال الزيادة عليها وقال تعالى فَأَوْحى إِلى
عَبْدِهِ ما أَوْحى
. قال القاضي عياض ولما كان ما كاشفه من ذلك الجبروت وشاهد من عجائب
الملكوت لا تحيط به العبارات ولا تستقل لحمل سماع أدناه العقول رمز عنه
تعالى بالايماء والكناية الدالة على التعظيم فقال فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ
ما أَوْحى
وقال في قوله تعالى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى. انحصرت
الافهام عن تفصيل ما أوحى وتاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى. قال
المؤلف واذا أردت ان تعلم مكانته صلى الله عليه وسلم من العلم فانظر الى ما
تضمنته شريعته من الأصول والفروع ودقائق الاحكام وأسرار المعانى التي جهل
وجه الحكمة في أكثرها ولزم الخلق (فصل) في علمه وحلمه (وَأَنْزَلَ اللَّهُ
عَلَيْكَ الْكِتابَ) يعنى القرآن (وَالْحِكْمَةَ) يعني القضاء بما أوحي
اليه (وَقُلْ رَبِّ) أي يا رب (زِدْنِي عِلْماً) أى بالقرآن ومعانيه أو
علما الى علمى قال البغوى وكان ابن مسعود رضى الله عنه اذا قرأ هذه الآية
قال اللهم زدنى ايمانا ويقينا (كلت الالسن) أى ضعفت وأعيت (فَأَوْحى إِلى
عَبْدِهِ ما أَوْحى) وكان الذي أوحاه اليه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى
الى قوله وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قاله سعيد بن جبير وقال ابن عباس وأكثر
المفسرين أوحى الله الى جبريل وجبريل الى محمد وذكر عن جعفر بن محمد الصادق
قال أوحي الله اليه بلا واسطة وذكر مثله عن الواسطي وحكي عن ابن مسعود وابن
عباس والاشعري وقيل أوحي اليه ان الجنة محرمة على الانبياء حتى تدخلها أنت
وعلى الامم حتى تدخلها أمتك (قال القاضي) عياض في الشفاء (الجبروت) بفتح
الجيم والموحدة وضم الراء ثم واو ثم فوقية هي مقلوب من الجبر وهو القهر
(الملكوت) فعلوت من الملك وكذلك الرهبوت من الرهبة والرحموت من الرحمة (ولا
تستقل) أى لا تحمل (أدناه) بفتح الهمزة وسكون المهملة (رمز عنه) أي أشار
اليه والرمز الاشارة ومنه قوله تعالى أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ
أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) قال في الشفاء
وهذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد والبلاغة بالوحي والاشارة وهو عندهم
أبلغ أبواب الايجاز (لَقَدْ رَأى) هذه لام القسم أى والله لقد رأي محمد صلى
الله عليه وسلم ليلة الاسراء جملة (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) أي
العظام وأراد ما رآه في مسيره تلك الليلة وعوده بدليل لنريه من آياتنا وقيل
معناه لقد رأي من آيات ربه الكبري وأخرج البخاري عن ابن مسعود رأى رفرفا
أخضر سد أفق السماء (انحسرت) أى كلت وانقطعت (وتاهت) تحيرت (ولزم الخلق)
بالنصب
(2/278)
الانقياد لها والتسليم فقال تعالى فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيماً الى علمه صلى الله عليه وسلم بكتب الله القديمة وحكم الحكماء
وسير الامم الخالية وفنون العلم الثابتة كالعبارة والطب والحساب والفرائض
والنسب وغير ذلك مما قدمنا الاشارة اليه في باب المعجزات* وأما الحلم
والاحتمال والعفو مع القدرة والصبر على ما يكره ومعانيها متقاربة وهى مما
يلقاها صلى الله عليه وسلم عن أمر ربه بالقبول والاقبال وبلغ فيها أعلى
درجات الكمال فقال تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ
عَنِ الْجاهِلِينَ. وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه سأل
جبريل عن تأويلها فقال له (الانقياد) بالرفع (فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ الآية) سبب نزولها ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن الزبير انه
خاصم رجلا من الانصار قد شهد بدرا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
سراج الحرة كانا يسقيان به كلاهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للزبير يا زبير اسق يا زبير ثم أرسل الى جارك فغضب الانصاري فقال يا رسول
الله أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اسق
يا زبير ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر الحديث وهذا الرجل هو حاطب بن أبي
بلتعة وهو لخمي أو مذحجي قولان ولكن كان له حلف في قريش وفي الانصار فمن ثم
نسب في هذا الحديث الى الانصار وقوله تعالى فَلا أي ليس الامر كما زعموا
انهم مؤمنون بك ثم لا يرضون بحكمك وقوله وَرَبِّكَ استئناف قسم قال البغوى
ويجوز أن تكون لا صلة كقوله لا أُقْسِمُ (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) أي يجعلوك
حكما (فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) أى اختلف واختلط من أمرهم والتبس حكمه
عليهم وسمى الشجر لالتفاف اغصانه بعضها الى بعض (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) من حكمك أى شكا قاله مجاهد أو ضيقا قاله غيره أو
اثما بانكارهم قضاءك قاله الضحاك (وَيُسَلِّمُوا) أى ينقادوا الحكمك
(تَسْلِيماً) أي انقيادا (وحكم) جمع حكمة (والحلم) قال في الشفاء الحلم
حالة توقر وثبات عند الاسباب المحركات (والاحتمال) قال هو حبس النفس عند
الآلام والمؤذيات ومثله الصبر (والعفو) قال هو ترك المؤاخذات (ومعانيها
متقاربة) لكن يظهر أن الاحتمال أبلغ من الحلم لان من حبس نفسه عند الآلام
والمؤذيات سهل عليه التوقر والثبات عند الاسباب المحركات اذ هذا حبس النفس
أيضا ولا شك ان العفو أبلغ منهما لان الحليم والمحتمل ربما عاقب بخلاف
العفو (خُذِ الْعَفْوَ) أي من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تحسن وذلك مثل
قبول العذر والعفو والمساهلة وترك البحث عن مالا يعنى قاله ابن الزبير
ومجاهد او معناه خذ ما عفي لك من الاموال وهو الفضل عن العيال ثم نسخ بفرض
الزكاة قاله ابن عباس والسدى والضحاك والكلبي (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي
بالمعروف وهو كل ما يعرفه الشرع أو لا إله الا الله قولان (وَأَعْرِضْ عَنِ
الْجاهِلِينَ) كابي جهل وأصحابه نسختها آية القتال (روي ان النبي صلى الله
عليه وسلم الى آخره) هكذا هو في تفسير البغوى والشفاء
(2/279)
حتى اسئل العالم ثم ذهب فأتى فقال يا محمد
ان الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعف عمن ظلمك وقال تعالى
(وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وقال
تعالى (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) فغير خاف
على من تأمل أحواله وأقواله وحققها معرفة أنه صلى الله عليه وسلم قد نزل من
هذه الاخلاق منزله لا ترتقى وامتطى منها مطية لا تمطى وانه كان لا يستخفه
كثرة الأذي ولا طيش الجهال وفي بعض كلام عمر بن الخطاب الذى بكى به النبي
صلى الله عليه وسلم بأبى أنت وأمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال
رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ولو دعوت
علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك
فأبيت أن تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون.
[فصل وأما جوده وكرمه وسخاؤه وسماحته صلى الله
عليه وسلم]
«فصل» وأما جوده وكرمه وسخاؤه وسماحته صلى الله عليه وسلم وبين هذه الألفاظ
فروق لطيفة ويجمعها بذل المال على وجه التكرم وغير مدافع ان النبي صلى الله
عليه وسلم بهذه الصيغة (حتى أسئل العالم) بكسر اللام يعنى الله عز وجل
(وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من الاذى وهذه احدى الجمل الاربع التي أمر
لقمان ابنه بها وهي اقامة الصلاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر
(فَإِنَّ ذلِكَ) المذكور وهى الخصال الاربع (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أى من
الامور التي يعزم عليها لوجوبها (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ)
أي ذو والحزم قاله ابن عباس أو ذو والجد والصبر قاله الضحاك ومر ذكر أولى
العزم والكاف في قوله كما هي لسبقية أصل الصبر بالصبر والا فمقدار صبره صلى
الله عليه وسلم لا يبلغه مقدار صبرهم أو معناه اصبر صبرا يناسب حالك كما
صبر أولو العزم صبرا يناسب حالهم (فائدة) أخرج أبو الشيخ في مسنده عن عائشة
قالت قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ان الدنيا لا ينبغي
لمحمد ولآل محمد يا عائشة ان الله لم يرض من أولى العزم الا بالصبر على
مكروهها والصبر عن محبوبها ولم يرض الا ان كلفني ما كلفهم فقال فاصبر كما
صبر أولو العزم من الرسل وانى والله ما يدمن طاعته والله لا صبرن كما صبروا
واجهدن ولا حول ولا قوة الا بالله (وامتطى) بهمز وصل وسكون الميم وفتح
الفوقية والمهملة والامتطاء الركوب على مطاء الدابة بفتح الميم فالمهملة أى
ظهرها (رَبِّ لا تَذَرْ) أي لا تترك (دَيَّاراً) أي دائرا في الارض يذهب
فيها ويجيء فيقال من الدوران وقال القتيبي أصله من الدار أي نازل دارا
(مثلها) بالنصب (لهلكنا من عند آخرنا) كما هلك الذين دعا عليهم نوح من
آخرهم (وطيء ظهرك) هذا مثل لمن يجترأ عليه ويهان ولعله أراد ما فعله عقبة
بن أبي معيط من وضع السلا على رقبته.
(فصل) في جوده وكرمه وسخائه وسماحته (فروق لطيفة) فرق بها بعضهم فقال الكرم
الانفاق بطيب النفس فيما يعظم خطره ونفعه ويسمى حرية وهو ضد الندالة
والسخاء سهولة الانفاق وتجنب اكتساب
(2/280)
خص من هذه الخلق بأتمها وأعمها وانه ما سئل
شيئا قط فقال لا وأشتهرت الأخبار بجوده وعطاياه في حنين المائتين من الأبل
ورده يومئذ على هوازن سباياها وكانوا ستة آلاف رأس وأعطى العباس عمه من
الذهب ما لا يطيق حمله وأعطى رجلا يسئله غنما بين جبلين فرجع الى قومه فقال
اسلموا فان محمدا يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة وحمل اليه تسعين ألف درهم
فوضعت على حصير فما قام وثم منها درهم والأخبار في ذلك واسعة وقد قال صلى
الله عليه وسلم انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
[فصل في شجاعته ونجدته صلى الله عليه وسلم]
«فصل» في شجاعته ونجدته صلى الله عليه وسلم لا خلاف انه صلى الله عليه وسلم
قد كان أشجع الناس وأشدهم شكيمة وانه قد شهد جملة من الحروب وأبلى فيها
وحفظت لكل من كماة أصحابه جولة سواه. قال علىّ كرم الله وجهه كنا اذا اشتد
البأس واحمرت الحدق أتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد
أقرب من العدو منه ولقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ به وهو أقربنا الى العدو
وقال أنس بن مالك كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس واجود الناس
واشجع الناس لقد فزع اهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم النبي
صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم الى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبى
طلحة ما لا يحمد وهو الجود وهو ضد التقتير والسماحة التجافي غما يستحقه
المرء عند غيره بطيب نفس وهو ضد الشكاسة (فغير مدافع) بفتح الفاء (ما سئل
شيأ قط فقال لا) للحاكم من حديث أنس كان لا يسأل شيأ الا أعطاه أو سكت
معناه ان كان عنده أعطاه وان لم يكن عنده سكت (فما قام وثم منها درهم) لفظ
عياض في الشفاء فما رد سائلا حتى فرغ منها واخرج الترمذى ان رجلا سأله فقال
ما عندى شيء ولكن ابتع على فاذا جاءنا شيء قضيناه فقال له عمر ما كلفك الله
ما لا تقدر عليه فكره مقالة عمر فقال له رجل من الانصار يا رسول الله انفق
ولا تخش من ذى العرش اقلالا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف البشر
في وجهه وقال بهذا أمرت (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق) أخرجه ابن سعد
والبخارى في الادب والحاكم والبيهقى في الشعب عن أبي هريرة.
(فصل) في شجاعته ونجدته قال في الشفاء الشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها
للعقل والنجدة ثقة النفس عند استرسالها الي الموت حيث يحمد فعلها دون خوف
(شكيمة) بالمعجمة بوزن عظيمة وهي أن يكون الانسان شديد النفس أنفا أبيا كما
مر في ذكر اسلام حمزة (جولة) بفتح الجيم أي نفور وانهزام (البأس) بالهمز
الحرب (واحمرت الحدق) كناية عن اشتداد الحرب وتغير حدق الاعين من الفشل
(اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم) أى جعلناه واقيا وحاجزا بيننا وبين
العدو (فما يكون أحد) بالرفع (أقرب) بالنصب (وقال أنس) أخرجه عنه الشيخان
والترمذي وابن ماجه (لن تراعوا) أي لن
(2/281)
عرى والسيف في عنقه وهو يقول لن تراعوا
وقصة قتله لأبى بن خلف مبينة عن ثبات قلبه وقوة جأشه وقد سبق ذكرها في قسم
السير.
[فصل وأما حياؤه وإغضاؤه صلى الله عليه وسلم]
«فصل» واما حياؤه واغضاؤه صلى الله عليه وسلم فقد كان اشد الناس حياء
واكثرهم عن العورات اغضاء قال الله تعالى إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي
النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ
وعن ابى سعيد الخدرى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشد حياء من
العذارى في خدرها وكان اذا كره شيئا عرفناه في وجهه وكان صلى الله عليه
وسلم لا يواجه احدا بما يكره ولا يثبت بصره في وجه احد خافض الطرف نظره الى
الأرض اطول من نظره الى السماء جل نظره الملاحظة وكان يكني عما اضطره
الكلام اليه مما يستحى من ذكره كقوله تتبعي بها أثر الدم في نظائر له كثيرة
قالت عائشة ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط.
[فصل في حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لأصحابه
وحسن أدبهم معه]
«فصل» في حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لأصحابه وحسن أدبهم معه كان صلى
الله عليه وسلم أشد الناس كرامة لأصحابه يؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل
قوم ويوليه عليهم يأتيكم روع أو فزع (جأشه) بالجيم والمعجمة والهمز أى قلبه
(فصل) في حياته (واما حياؤه) وهو رقة تعترى وجه الانسان عند فعل ما يتوقع
كراهته أو ما يكون تركه خيرا من فعله قاله في الشفاء (واغضاؤه) بكسر الهمزة
وسكون الغين ثم ضاد معجمتين مع المد وهو التغافل عما يكره الانسان بطبيعته
قاله فيه أيضا (أشد) بالنصب خبر كان واسمها مضمر وكذا وأكثرهم (وعن أبي
سعيد الخدرى) أخرجه عنه أحمد والشيخان وابن ماجه (العذراء) بفتح المهملة مع
المد هي المرأة التى لم تتزوج (في خدرها) بكسر الخاء أى سترها (كان اذا كره
شيأ عرفناه في وجهه) أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في الاوسط عن أنس (كان لا
يواجه أحدا بما يكره) أخرجه أحمد والبخارى في الادب وأبو داود والنسائي عن
أنس (ولا يثبت) بضم أوله وسكون المثلثة وكسر الموحدة (بصره) بالنصب (جل
نظره) أي معظمه (يكنى) بفتح أوله وسكون ثانيه ويجوز ضم أوله وفتح ثانيه
مشددا (كقوله) للسائلة عن دم الحيض وهي أسماء بنت يزيد بن السكن ووقع في
مسلم انها فاطمة بنت شكل (تتبعى بها) أي بالفرضة الممسكة (أثر الدم) أي
اجعليها في فرجك فكنى عن ذلك بقوله تطهرى بها قالت كيف اتطهر بها يا رسول
الله قال سبحان الله تطهرى بها قالت عائشة فاخذتها الى وقلت يعنى تتبعي بها
أثر الدم أخرجه الشيخان والنسائى عن عائشة وتتبعي بها أثر الدم من لفظها لا
من لفظه صلى الله عليه وسلم فقول المصنف كقوله نظرا الى المعنى لا الى
اللفظ.
(فصل) (في حسن عشرته) وهي بكسر المهملة أشهر من ضمها وسكون المعجمة
المخاطبة والعشير المخالط
(2/282)
ويحذر الناس ويحترس منهم من غير ان يطوي عن
أحد منهم بشره ولا خلقه ويعطى كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه ان أحدا
أكرم عليه منه. من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ومن
سأله حاجة لم يرده الا بها أو بميسور من القول قد وسع بسطه الناس وخلقه
وصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء بهذا وصفه ابن أبى هالة قال وكان
دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ وبذلك وصفه ربه فقال
فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وقال
تعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وكان صلى الله عليه وسلم
يمازحهم ويخالطهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره ويعود مرضاهم ويشهد
موتاهم ويقبل عذر المعتذر منهم ويكنيهم ويدعوهم بأحب أسمائهم اليهم ويقبل
هداياهم ويكافئ عليها ويجيب من دعاه الى طعام أو الى وليمة ويذهب اليها
وكان يشيع مسافرهم ويودعهم ويوصيهم ويتلقى قادمهم واذا قدم من سفر تلقى
بصبيان أهل بيته فيتحملهم بين يديه وخلفه وكان يتحمل لأصحابه فضلا عن تحمله
لاهله فاذا أراد أن يخرج اليهم نظر في الماء والمرآة وسوى شعره وعدل عمامته
ويقول ان الله يحب من عبده اذا خرج الى اخوته ان يتهيأ اليهم ويتجمل وكان
يتفقد أصحابه فمن خاف ان يكون وجد في نفسه شيئا قال لعل فلانا وجد علينا في
شي أو رأى منا تقصير اذهبوا بنا اليه فينطلق الى منزله وكان ينزل الناس
منازلهم فيكرم أهل الشرف من غير تقصير في حق غيرهم وكان لا يدع أحدا يمشى
ولا يجلس خلفه ويقول خلوا ظهري للملائكة ولا يمد رجليه بينهم ويوسع عليهم
اذا ضاق المكان ولا يقدم ركبتيه أمام ركبهم (ويحذر الناس) بفتح أوله وسكون
ثانيه وفتح ثالثه (الشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (لا يحسب) بالرفع
والضم (أكرم) بالرفع (قاربه) بالموحدة (هو المنصرف) بالفتح وهو صلة (الناس)
بالنصب (بسطه وخلقه) بالرفع (سواء) بالنصب (ابن أبي هالة) اسمه هند كما مر
(فيما رحمة من الله) أي فبرحمة وما صلة (لنت لهم) أى سهلت اخلاقك لهم
واحتملتهم ولم تسرع اليهم بالمعاقبة فيما كان منهم يوم أحد من الفرار (ولو
كنت فظا) أي جافيا سيء الخلق قليل الاحتمال (غليظ القلب) قاسيه (لانفضوا)
أي لنفروا (من حولك) وتفرقوا عنك (في حجره) بفتح المهملة وكسرها (كان
يتجمل) بالجيم (فضلا) أى زيادة (وجد) أى غضب (خلوا ظهري للملائكة) أخرجه
ابن سعد عن جابر
(2/283)
ولا يدع أحدا منهم يمشى معه وهو راكب حتى
يحمله فان أبى قال له تقدمني الى المكان الذى يريد وركب صلى الله عليه وسلم
حمارا عريا الى قبا وأرادان يردف خلفه أبا هريرة فاستمسك برسول الله صلى
الله عليه وسلم فوقعا جميعا ثم أراد ان يركب ثانية فاستمسك برسول الله صلى
الله عليه وسلم فوقعا جميعا ثم عرض عليه الثالثة فقال لا والذي بعثك بالحق
لا صرعتك ثالثا. وكان صلى الله عليه وسلم يكرم الداخل عليه وربما بسط له
ثوبه وآثره بالوسادة وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس اليه أحد وهو يصلى
إلا خفف صلاته وسأل عن حاجته وكان له صلى الله عليه وسلم خدم وعبيد واماء
فكان لا يترفع عليهم في مأكل ولا ملبس ويخدم من خدمه* قال أنس خدمته نخوا
من عشر سنين فكانت خدمته لى أكثر من خدمتى له وأمر صلى الله عليه وسلم في
بعض الاسفار باصلاح شاة فقال رجل على ذبحها وقال آخر على سلخها فقال صلى
الله عليه وسلم وعلى جمع الحطب فقالوا نحن نكفيك فقال قد علمت انكم تكفونى
ولكنى أكره ان أتميز عليكم ثم قام وجمع الحطب وذهب مرة ليعقل ناقته فقالوا
نحن نكفيك فقال لأن يستغنى أحدكم من الناس ولو في قضمة من سواك. وأما أدب
أصحابه معه صلى الله عليه وسلم فسبق في حديث صلح الحديبية قول عروة بن
مسعود لقريش أي قوم لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر والنجاشى وكسرى
والله ان رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد والله ان تنخم
نخامة الا وقعت في كف رجل الا ذلك بها وجهه وجلده فاذا أمرهم ابتدروا أمره
واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون
اليه النظر تعظيما له.
[فصل وأما شفقته ورأفته ورحمته بجميع الخلق]
(فصل) وأما شفقته ورأفته ورحمته بجميع الخلق فقال تعالى لَقَدْ جاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وقال وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا
رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فمن شفقته صلى الله عليه وسلم تألفه العرب ورؤساء
القبائل بالعطايا حتى كان (ولو في قضمة) بفتح القاف وسكون المعجمة والجواب
محذوف أى لكان خيرا له.
(فصل) في بيان شفقته ورحمته ورأفته (لقد جاءكم رسول) هو محمد صلى الله عليه
وسلم (من أنفسكم) تعرفون حسبه ونسبه وقال السدى من العرب من بنى اسماعيل
وقد مر أول الكتاب انه قرئ بفتح الفاء (عزيز عليه) أي شديد وعظيم (ما عنتم)
قيل ما صلة أى عنتكم وهو دخول المشقة عليكم والمضرة لكم وقال القتبي ما
أعنتكم وقال ابن عباس ما ضللتم وقال الكبى ما اثمتم (حريص عليكم) أى على
هدايتكم وصلاحكم أو على ضالكم ان يهديه الله (بالمؤمنين رؤف رحيم) قيل رؤف
بالمطيعين رحيم بالمذنبين (كان
(2/284)
سبب اسلامهم وفلاحهم قال صفو ان بن أمية
والله لقد أعطانى ما أعطانى وانه لا بغض الخلق الى فما زال يعطينى حتى انه
لاحب الخلق الى وأعطى اعرابيا عطاء ثم قال له أحسنت اليك قال الاعرابى لا
ولا أجملت فغضب المسلمون وقاموا اليه فأشار اليهم ان كفوا فزاده شيأ ثم قال
له أحسنت اليك قال نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا فأمره ان يخبرهم بذلك
فأخبرهم ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت
عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها الا نفورا فناداهم صاحبها خلوا بينى وبين
ناقتى فانى أرفق بها منكم واعلم فتوجه لها بين يديها فأخذ لها من قمام
الارض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها وانى لو
تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار وقال صلى الله عليه وسلم
لا يبلغني أحد منكم على أحد من أصحابي شيأ فانى أحب ان أخرج اليهم وأنا
سليم الصدر ومن شفقته صلى الله عليه وسلم سؤاله ربه التخفيف عن أمته وتركه
أشياء خشية ان تفرض عليهم فيعجزوا عنها فيقعوا في الحرج. وكان صلى الله
عليه وسلم يدخل في الصلاة يريد اطالتها فيسمع بكاء الصبي فيخفف خشية ان يشق
على أمه وربما أصغى الاناء للهرة فما يرفعه حتى تروى. وروي انه صلى الله
عليه وسلم لما تناها اذى قريش وحرج صدره سبب) بالفتح (ولا اجملت) بالجيم أي
ولا فعلت جميلا (فامره أن يخبرهم بذلك) لفظ الشفاء فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم انك قلت ما قلت وفي أنفس أصحابى من ذلك شيء فان أحببت فقل بين
أيديهم ما قلت بين يدى حتى يذهب ما في صدورهم عليك قال نعم فلما كان الغداة
وقال العبشمى جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا الاعرابي قال
ما قال فرددناه فزعم انه رضي أكذلك قال نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا
(من قمام الارض) بضم القاف وتخفيف الميم جمع قمامة وفي ذلك من بديع المثل
تمثيل عرض الدنيا التى دفعها للاعرابى بالقمامة (وقال لا يبلغنى أحد الى
آخره) أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن مسعود (سؤاله) بالرفع (ربه) مفعول
(التخفيف) مفعول ثان (عن أمته) أي من الصلاة من خمسين الي خمس وغير ذلك
(وتركه) بالرفع (أشياء) منها قيام رمضان وترك قول نعم للاقرع بن حابس حين
قال له في الحج أكل عام يا رسول الله وغير ذلك (وكان يدخل في الصلاة يريد
اطالتها الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه عن أنس (فيسمع بكاء
الصبى) أى وتكون أمه في المصلين خلفه صلى الله عليه وسلم (فيخفف) كى تسرع
الانصراف الى ولدها وهو معنى التجوز في رواية اخرى (حسنة ان يشق على أمه)
في رواية اخري مما اعلم من شدة وجد أمه من بكائه (وربما أصغى الاناء للهرة
الى آخره) للطبراني في الاوسط وأبي نعيم في الحلية من حديث عائشة كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصغي للهرة الاناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها (وروى
انه صلى الله عليه وسلم لما تناهي أذى قريش الي آخره) أخرجه
(2/285)
لذلك ناداه ملك الجبال وسأله ان يطبق عليهم
الاخشبين فأبى صلى الله عليه وسلم وقال أرجو ان يخرج الله من أصلابهم من
يعبد الله وحده لا يشرك به شيأ وقال ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا.
[فصل وأما خلقه صلى الله عليه وسلم في الوفاء
وحسن العهد وصلة الرحم]
(فصل) وأما خلقه صلى الله عليه وسلم في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم فقد
حاز السبق فيها وأبرز خافيها حتى ورد في الصحاح انه كان يكرم صدائق خديجة
ويصلهم ويرتاح لهم فسئل عن ذلك فقال ان حسن العهد من الايمان. ومن ذلك فعله
صلى الله عليه وسلم بأمه وأخته من الرضاعة كما سبق في غزوة حنين وأعتق
بسببهم ستة آلاف رأس ومنه ما روي عن عبد الله بن أبى الحمساء قال بايعت
النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل ان يبعث وبقيت له بقية فوعدته ان آتيه
بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فاذا هو في مكانه فقال يافتى لقد شققت
على انا هنا منذ ثلاث انتظرك ولقد صدقت فراسة خديجة فيه حيث قالت في ابتداء
الوحى ابشر فو الله لا يخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب
المعدوم وتعين على نوائب الحق.
الشيخان وغيرهما وقد مر في صدر الكتاب (وقال ابن مسعود) أخرجه عنه البخارى
وغيره (يتخولنا) بالمعجمة وتشديد الواو ثم لام أى يتعهدنا وقال أبو عمرو بن
العلاء الصواب ينحو بنا بالنون ومعناه يتعهدنا وقال أبو عمرو الشيباني
الصواب يتحولنا بالمهملة واللام أي يتطلب أحوالنا التي يبسط فيها للموعظة
والصواب من حيث الرواية كما قاله الحافظ ابن حجر في الاول وقد صح المعني
فيه (مخافة) كذا في موضع من صحيح البخاري وفي آخر كراهة وزعم في التوشيح
انه من تصرف الرواة (السآمة) بالمهملة على وزن المخافة وهى الفتور والملال
(علينا) هو ظاهر على رواية مخافة وكذا على رواية كراهة اذهى بمعنى مخافة.
(فصل) في بيان خلقه (السبق) بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر سبق يسبق سبقا
وأما بفتح الموحدة فهو المال المبذول في السبق (وابرز) أى أظهر (خافيها)
ياؤه في الاصل مفتوحة لانه مفعول ويجوز أن تسكن لمجاورة فيها (وورد في)
الاحاديث (الصحاح) في الصحيحين وغيرهما عن عائشة (ويرتاح) أي يستأنس (حسن
العهد من الايمان) أخرجه الحاكم عن عائشة (ومنه ما روي) في سنن أبي داوود
وغيرها (ابن أبي الحمساء) بفتح المهملة وسكون الميم ثم مهملة مع المد ووقع
في بعض النسخ الشفاء الخنساء بالمعجمة والنون قال الشمنى وهو تصحيف وفي
بعضها عن أبي الحمساء وهو غلط اذ ابو الحمساء لم يسلم (فراسة) بكسر الفاء
والمهملة وهو النظر بالفعل والتدبر به وربّما كانت فيه زيادة قوة بحسب صفاء
القلب وكدورته فيصل بسبب التفرس شيء يقع في القلب تسميه أهل الطريقة مكاشفة
وفي الحديث اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله أخرجه البخاري في
التاريخ والترمذى عن أبى سعيد وأخرج الحكيم وسيبويه
(2/286)
[فصل وأما
تواضعه صلى الله عليه وسلم على علو منصبه]
«فصل» وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم على علو منصبه فانه منتشر والخبر به
مشهور وحسبك انه خيّر بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار أن يكون
نبيا عبدا فقال له اسرافيل فان الله قد أعطاك بما تواضعت له انك سيد ولد
آدم يوم القيامة وأول من تنشق عنه الارض وأول شافع. وكان صلى الله عليه
وسلم يجيب من دعاه وان كان دنيا بلبيك ويعود المساكين ويسلم على الصبيان اذ
امر عليهم ويجالس الفقراء ويجلس بين أصحابه محيطا بهم حيث ما انتهى به
المجلس ويعجب مما يعجبون ويضحك مما يضحكون. وقالت عائشة كان في بيته في
مهنة أهله يفلى ثوبه ويحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويقم
البيت ويعقل البعير ويهنئه ومر بغلام يسلخ شاة وما يحسن فقال له تنح حتى
أريك فادخل يده صلى الله عليه وسلم بين اللحم والجلد فدحس حتى دخلت الى
الابط وكان يذبح أضحيته وبدنه ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن مع أزواجه
ويحمل بضاعته من السوق ودخل عليه صلى الله عليه وسلم رجل فارتعد من هيبته
فقال هون عليك فانى لست بملك انما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد ودخل
صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح مطأطئا رأسه حتى كاد يمس عثنونه قادمة
الرحل والطبراني وابن أبى عدى عن أبي امامة وأخرجه ابن جرير عن ابن عمر.
(فصل) في تواضعه صلى الله عليه وسلم (وحسبك أنه خير الي آخره) هذا لفظ عياض
في الشفاء (ويسلم على الصبيان) فيه استحباب السلام على الصبى المميز وذكر
أبو نعيم في كتابه عمل اليوم والليلة أن صفة السلام على الصبيان السلام
عليكم يا صبيان (في مهنة أهله) أي خدمتهم وهو بفتح الميم وحكي أبو زيد
والكسائي الكسر وانكره الاصمعي وعن المزي أن كسر الميم أحسن ليكون على
الخدمة وزنا ومعني (وكان يفلي ثوبه) أخرجه أبو نعيم في الحلية عن عائشة.
قال الشمنى قيل إنه عليه الصلاة والسلام لم يقع عليه ذباب قط ولم يكن القمل
يؤذيه تكريما له وتفخيما (ويحلب شاته) أخرجه أبو نعيم أيضا عنها وكذا قوله
ويخدم نفسه (ويرقع ثوبه ويخصف نعله) أخرجه أحمد عنها والخصف باعجام الخاء
واهمال الصاد هو الخرز (ويقم) بضم القاف أي يكنس (البيت) زاد أحمد ويعمل ما
يعمل الرجال في بيوتهم (ويهنئه) بالنون بوزن يلزمه أى يطلبه بالبناء بالهمز
والمد وهو القطران (فدحس) بمهملات (وكان يذبح أضحيته) بيده أخرجه أحمد عن
أنس (ناضحه) باعجام الضاد واهمال الحاء أي بعيره وأصل الناضح الذي يستقى
عليه ثم استعمل في غيره توسعا (فارتعد من هيبته) ولعياض في الشفاء فاصابته
من هيبته رعدة (تأكل) بالفوقية (القديد) اللحم المقدد أي المقطع (عثنونه)
بضم المهملة والنون المكررة وسكون المثلثة بينهما قال في القاموس العثنون
اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين أو نبت على الذقن وتحته سفلى أو هو
طولها أو شعرات
(2/287)
وذلك حين عجب النفوس وحج في حجة الوداع على
رحل رث عليه قطيفة ما تساوى أربعة دراهم. وقال اللهم اجعله حجا لا رياء فيه
ولا سمعة واهدى فيها مائة بدنة وعن أنس ان امرأة كان في عقلها شيء جاءت الى
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ان لى اليك حاجة قال اجلسى يا أم فلان في
أى طرق المدينة شئت اجلس اليك قال وكانت الامة تأخذ بيده صلى الله عليه
وسلم فتنطلق به حيث شاءت وقال أبو هريرة اشترى رسول الله صلى الله عليه
وسلم سراويل من السوق فذهبت لاحملها عنه فقال صاحب الشيء أحق بشيئه أن
يحمله ولما جاء أبو بكر بابيه يوم الفتح قال له صلى الله عليه وسلم لم عنيت
الشيخ الا تركته حتى أكون انا آتيه في منزله وكان صلى الله عليه وسلم يقول
لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى انما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله وقال
لا تفضلوا بين الانبياء ولا تفضلونى على يونس بن متى ولا تخيرونى على موسى
ونحن أحق بالشك من ابراهيم طوال تحت حنك البعير (رث) بتشديد المثلثة أي خلق
بال (وقال) تعليما لامته (اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة) أخرجه ابن
ماجه عن أنس (حاجة) بالنصب (يا ام فلان) هي ام زفر بضم الزاى وفتح الفاء ثم
راء ماشطة خديجة واسمها شعيرة الحبشية (وقال أبو هريرة) كما أخرجه عنه
الطبراني في الاوسط وابن عساكر (سراويل) قال الشمنى لم يثبت أنه صلى الله
عليه وسلم لبسها ولكنه اشتراها ولم يلبسها وفي الهدى لابن قيم الجوزية انه
لبسها قالوا وهو سبق قلم قال واشتراها باربعة دراهم وفي الاحياء أنه
اشتراها بثلاثة دراهم (ألا تركته) بالتخفيف على العرض وبالتشديد بمعن هلا
(لا تفضلوا بين الانبياء) قال العلماء هو محمول على تفضيل يؤدي الى تنقيص
المفضول أو يؤدي الى الخصومة والفتنة كما هو سبب الحديث أو مختص بالتفضيل
في نفس النبوة ولا تفاضل فيها وانما التفاضل بالخصائص وفضائل اخرى. قال
النووي ولا بد من اعتقاد التفضيل بعد ما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ (لا تخيروني على موسى) قال ذلك قبل أن
يعلم أنه أفضل منه أو هضما لنفسه وتواضعا (لا تفضلوني على يونس) في رواية
اخرى في الصحيحين من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب وفي الاخرى ما
ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى فاما على الرواية الاولى
فالكلام عليه كما سبق في قوله لا تخيرونى على موسى وكذلك في الروايتين
الأخيرتين ان قلنا ان الضمير في اناله صلى الله عليه وسلم وأما ان قلنا
الضمير للقائل فمعناه لا يقول ذلك بعض الجاهلين المجتهدين في نحو العبادة
فانه لو بلغ من الفضائل ما بلغ لم يبلغ درجة النبوة (نحن أحق بالشك من
ابراهيم) قال في التوشيح قيل هو شك كان قبل النبوة وقال ابن جرير سببه حصول
وسوسة من الشيطان لكنها لم تستقر ولا زلزلت الايمان الثابت والمختار خلاف
ذلك وأن معنى الحديث نفي ذلك الشك عنه أى لم يحصل لابراهيم شك حين قال ربى
أرني كيف تحيى الموتى وأنه لا أعظم من ذلك ولو شك لكنا نحن أحق منه بذلك
قال ذلك تواضعا منه أي وقد علمتم اني لم أشك وابراهيم لم يشك وانما أراد
طمأنينة القلب بالترقى الى مرتبة عين اليقين التى هي أبلغ من علم اليقين
وقيل سأل ذلك
(2/288)
ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاء
الداعى لاجبته.
[فصل وأما عدله صلى الله عليه وسلم وأمانته
وعفته وصدق لهجته]
(فصل) وأما عدله صلى الله عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته فكان صلى
الله عليه وسلم آمن الناس واعدل الناس واعف الناس واصدقهم لهجة منذ كان
اعترف به محادوه وعداه وكانوا يسمونه الأمين ولذلك رضوه حكما بينهم في وضع
الحجر الاسود وفي سؤال هرقل لابى سفيان هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول
ما قال قال لا وقال ابو جهل للنبى صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكن
نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ
الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وفي وصف على له أصدق الناس لهجة
وأليتهم عريكة.
وكان صلى الله عليه وسلم أعف الناس لم تمس يده يد امرأة قط لا يملك رقها أو
نكاحها أو تكون استئنافا ومحبة للمشاهدة حيث استدل بذلك نمروذ في قوله
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وقيل المراد ليطمئن قلبى بالخلة وقيل
باجابة دعائي انتهى قال البغوى قيل لما نزلت هذه الآية يعنى قوله وَإِذْ
قالَ إِبْراهِيمُ الآية قال قوم شك ابراهيم ولم يشك نبينا صلى الله عليه
وسلم فقال صلى الله عليه وسلم هذا القول تواضعا منه وتقديما لابراهيم (ولو
لبثت في السجن ما لبث يوسف) وهو اثنتي عشرة سنة (لاجبت الداعي) الذى أرسله
الملك ليأتي بيوسف فقال ارجع الى ربك ولم يبادر بالخروج مع طول مدة حبسه
وحاصل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وصف يوسف بقوة الصبر وذلك منه أيضا على
سبيل التواضع
(فصل) في عدله وأمانته (آمن الناس) بمد الهمزة وفتح الميم (وأصدقهم لهجة)
قال الجوهري اللهجة اللسان قال وقد يحرك فيقال فلان فصيح اللهجة بفتح الهاء
واللهجة بسكونها (محادّوه) بالحاء والدال المشددة المهملتين أي مخالفوه
(وعداه) بكسر المهملة وضمها والقصر أى أعداءه (يسمونه الامين) بالنصب
(رضوه) بضم المعجمة وأصله رضوء فاستثقلت الكسرة مع الياء (وقال أبو جهل)
فيما حكاه ناجية بن كعب (انا لا نكذبك) فانك نشأت فينا صغيرا الى أن كبرت
وبلغت أشدك فلم نجرب عليك قط كذبا قال البغوي قال السدي التقى الاخنس بن
شريق وابو جهل بن هشام فقال الاخنس لابي جهل يا أبا جهل اخبرني عن محمد
أصادق هو أم كاذب فانه ليس هنا أحد يسمع كلامك غيري فقال أبو جهل والله ان
محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن اذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية
والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فانزل الله عز وجل قَدْ
نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ انك كاذب (فَإِنَّهُمْ
لا يُكَذِّبُونَكَ) قرأ نافع والكسائي من الاكذاب وهو أن يتخذ الشخص كاذبا
وقرأ غيرهم من التكذيب وهو النسبة الى الكذب يعنى انهم لا يكذبونك في السر
لانهم قد عرفوا صدقك فيما مضى (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين (بِآياتِ
اللَّهِ) ومنها ان جعلك نبيا (يَجْحَدُونَ) ظاهرا مع اعترافهم اذ هذا حقيقة
الجحد (عريكة) بالمهملة
(2/289)
ذارحم محرم وفي وصف عائشة له ما خير بين
أمرين الا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فان كان إثما كان أبعد الناس منه.
قال المبرد قسم كسرى أيامه فقال يصلح يوم الريح للنوم ويوم الغيم للصيد
ويوم المطر للشرب واللهو ويوم الشمس للحوائج قال ابن خالويه ما كان أعرفهم
بسياسة دنياهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ولكن
نبينا صلى الله عليه وسلم جزأ نهاره ثلاثة اجزاء جزأ لله وجزأ لاهله وجزأ
لنفسه ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس فكان يستعين بالخاصة على العامة ويقول
ابلغونى حاجة من لا يستطيع ابلاغى فانه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع
ابلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة.
[فصل وأما وقاره صلى الله عليه وسلم وصمته
وتؤدته ومروءته وحسن هديه]
(فصل) وأما وقاره صلى الله عليه وسلم وصمته وتؤدته ومروءته وحسن هديه فكان
صلى الله عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه مجلسه
مجلس حلم وحياء وخير وامانة لا ترفع فيه الاصوات ولا تؤبن فيه الحرم واذا
مشى مشى مجتمعا يعرف في مشيته والراء طبيعة وزنا ومعنى (ما خير بين أمرين
الا اختار أيسرهما) قال عياض يحتمل ان يكون تخييره من الله تعالى فيخيره
فيما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية أو في حق
أمته في المجاهدة في العبادة والاقتصاد فكان يختار الايسر في هذا كله واما
قولها (ما لم يكن اثما) فانما يتصور اذا خيره الكفار والمنافقون أو يكون
التخيير من الله او من المسلمين ويكون الاستثناء منقطعا (فايدة) أخرج
الترمذي والحاكم عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم قال ما خير عمار بين
أمرين الا اختار أيسرهما قلت لعله يشير الى قصته التى وقعت له من الاكراه
فانهم خيروه بين الكفر وبين أن يقتلوه فاختار الكفر ظاهرا وكان هو الايسر
لانه سلم من القتل ومن الكفر (المبرد) بضم الميم وفتح الموحدة والراء
المشددة ثم مهملة اسمه محمد بن يزيد (ابن خالويه) بالمعجمة وفيه ما مر أول
الكتاب في يعطونه ونحوه (يستعين بالخاصة على العامة) قال ابن الاثير أى ان
العامة لم تكن تقدر على الوصول اليه في هذا الوقت فكانت الخاصة تخبر العامة
بما سمعت منه فكأنه أوصل الفوائد الى العامة بالخاصة (ويقول أبلغوني حاجة
من لا يستطيع ابلاغي الى آخره) أخرجه الطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء
بلفظ أبلغوا حاجة من لا يستطيع ابلاغ حاجته (ثبت الله قدميه) زاد الطبراني
على الصراط (يوم القيامة) فيه عظيم فضل معاونة المؤمن وموازرته ولو بنحو ما
ذكر. (فصل) في وقاره (كان أوقر الناس في مجلسه الى آخره) أخرجه أبو داود في
مراسيله عن خارجة ابن زيد (ولا تؤبن) بضم الفوقية وسكون الهمزة وفتح
الموحدة ثم نون قال الجوهري فلان يؤبن بكذا أى يذكر بقبيح وفي مجلسه صلى
الله عليه وسلم لا يؤبن فيه الحرم أى لا تذكر بسوء انتهى وكذا فسره عياض في
الشفاء فما ذكر بعض شراحه أنه بالمثلثة والزاى من الاثر وهو الرمي أو
بالموحدة والراء من أبرته العقرب أي لدغته بابرتها وان كان صحيحا في المعني
فليس في الرواية زاد عياض بعد هذا ولا تثني فلتاته وهو بالنون
(2/290)
انه غير غرض ولا وكل ان صمت فعليه الوقار
وان تكلم سما وعلاه البهاء. وقال عبد الله بن مسعود ان أحسن الهدي هدى محمد
وفي وصف ابن ابى هالة انه صلى الله عليه وسلم كان يحسن الحسن ويصوبه ويقبح
القبح ويوهنه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة ان يغفلوا او يميلوا لكل
حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه الى غيره الذين يلونه من الناس
خيارهم وافضلهم عنده اعمهم نصيحة واعظمهم عنده منزلة احسنهم مواساة ومؤازرة
وسبق في سيرته مع اصحابه كثير مما يدخل في هذا الفصل.
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ازهد الناس ويكفيك في تعريف ذلك
ان فقره صلى الله عليه وسلم كان فقر اختيار لا فقر اضطرار لانه صلى الله
عليه وسلم فتحت عليه الفتوح وجلبت اليه الاموال ومات ودرعه مرهونة عند
يهودى في نفقة عياله وهو يدعو اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا. وقالت عائشة ما
شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله
ولو شاء لا عطاه الله ما لا يخطر ببال. وعنها قالت ما ترك رسول الله صلى
الله عليه وسلم دينارا ولا شاة ولا درهما ولا بعيرا ولقد مات وما في بيتى
شيء يأكله ذو كبد الاشطر شعير في رق لى وقال لى انى عرض على ربي أن يجعل لى
بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب أجوع يوما وأشبع يوما فاما اليوم الذى أجوع
فيه فأتضرع اليك وأدعوك وأما اليوم الذى أشبع والمثلثة أى لا يتكلم بغليان
أي لم يكن في مجلسه فان كانت من أحد سترت (غير غرض) بفتح الغين المعجمة
وكسر الراء ثم معجمة أي غير ضجر ولا قال من الغرض بفتحتين وهو الضجر
والملال (ولا وكل) بفتح الواو وكسر الكاف أى عاجز يكل امره الى غيره ويتكل
عليه ويقال وكله ويكله ومواكل (ان أحسن الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال
المهملة أي الطريقة وبضم الهاء وفتح المهملة (يحسن الحسن) بالتشديد
(ويوهنه) بالتحتية والنون أى يضعفه (عتاد) بفتح المهملة وتخفيف الفوقية
والعتاد ما يهيء للشيء ويعدله
(فصل) في بيان زهده (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) أخرجه مسلم والترمذى
وابن ماجه عن أبى هريرة ومعنى قوتا كفافا كما جاء في رواية والكفاف الذى لا
زيادة فيه عن قدر الحاجة (ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره)
أخرجه مسلم عن عائشة (تباعا) بكسر أوله أى متتابعة (ما لم يخطر) بكسر
المهملة أى يحدث ويجوز ضمها أي يمر (اني عرض على ربى أن يجعل لي بطحاء مكة
ذهبا الى آخره) أخرجه أحمد والترمذى عن أبي امامة وفي حديث آخر أن جبريل
نزل عليه فقال له ان الله يقرئك السلام ويقول لك أتحب أن أجعل لك هذه
الجبال ذهبا وتكون معك حيث ما كنت فاطرق ساعة ثم قال يا جبريل ان الدنيا
دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له أخرجه أحمد
والبيهقي في الشعب
(2/291)
فيه فأحمدك وأثنى عليك. وعنها قالت ان كنا
آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد نارا ان هو الا التمر والماء. وعنها قالت لم
يمتل جوف النبي صلى الله عليه وسلم شبعا قط ولم يبث الى أحد شكوى وكانت
الفاقة أحب اليه من الغنى وان كان ليظل جائعا يلتوي طول ليلته من الجوع فلا
يمنعه من صيام يوم ولو شاء سأل ربه جميع كنوز الارض وثمارها ورغد عيشها
ولقد كنت أبكى له رحمة مما أرى به وأمسح بيدي على بطنه مما به من الجوع
وأقول نفسى لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بما يقوتك فيقول يا عائشة مالى
وللدنيا اخوانى أولوا العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على
حالهم فقدموا على ربهم وأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم وأجدنى أستحى ان ترفهت في
معيشتى ان يقصرنى غدا دونهم وما من شيء هو أحب الى من اللحوق باخوانى
واخلائى قالت فما أقام بعد الاشهرا ثم توفي صلى الله عليه وسلم.
[فصل وأما خوفه صلى الله عليه وسلم لربه وطاعته
له وشدة عبادته فعلى قدر علمه به]
(فصل) وأما خوفه صلى الله عليه وسلم لربه وطاعته له وشدة عبادته فعلى قدر
علمه به ولذلك قال فيما رواه أبو هريرة رضى الله عنه لو تعلمون ما أعلم
لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا زاد في رواية أبى ذر رضي الله عنه انى أرى ما
لا ترون واسمع ما لا تسمعون أطت السماء عن عائشة مرفوعا وأخرجه البيهقي في
الشعب أيضا عن ابن مسعود موقوفا (آل محمد) اختصاص (ان هو) أي ما هو أي
مأكولنا الذى نأكله (لم يبث) بالموحدة (الفاقة) بالرفع وهي الحاجة (أحب)
بالنصب (الغنى) بكسر المعجمة مقصور (وثمارها) بالنصب عطفا على جميعها
وبالجر عطفا على كنوز (ورغد) بفتح المعجمة (يقوتك) بضم أوله وفتح القاف
وكسر الواو والمشدد (مآبهم) بمد الهمزة وبالموحدة مرجعهم (أن يقصر) بالبناء
للمفعول (هو أحب) بالنصب والرفع.
(فصل) في بيان خوفه (فيما روي أبو هريرة عنه) وأخرجه عنه البخاري وغيره
وأخرجه أيضا أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس (لو تعلمون
ما أعلم لضحتكم قليلا ولبكيتم كثيرا) أي لازددتم خوفا من الله عز وجل ولكان
حالكم ما ذكر لان خوف المرء على قدر علمه بربه جل وعلا قال تعالى إِنَّما
يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ وأنشد بعضهم:
على قدر علم المرء يعظم خوفه ... فلا عالم الا من الله خائف
فآمن مكر الله بالله جاهل ... وخائف مكر الله بالله عارف
(زاد في رواية أبي ذر) عند الترمذي (اني أرى ما لا ترون) يعني مواقع الفتن
(وأسمع ما لا تسمعون) يعنى قوله (أطت السماء الى آخره) وهو بفتح الهمزة
والمهملة المشددة ثم فوقية قال ابن الاثير أطيط الاقتاب وأطيط الابل
أصواتها وحنينها أي ان كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت وهذا
على
(2/292)
وحق لها ان تئط ما فيها موضع أربع أصابع
الا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا
ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم الى الصعدات تجأرون
الى الله بالدعاء ومن خوفه صلى الله عليه وسلم بكاؤه عند تلاوة القرآن وفي
تهجده وعند سماعه من غيره كما ورد في جملة من الاحاديث وفي حديث ابن أبى
اهالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الاحزان دائم الفكر ليست له
راحة وقال إنى لاستغفر الله في اليوم مائة مرة وجماع خلقه صلى الله عليه
وسلم فيما رواه على كرم الله وجهه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن سنته فقال المعرفة رأس مالى والعقل أصل دينى ضرب المثل لكثرة الملائكة
وان لم يكن ثم أطيط وانما هو كلام للتقريب أريد به تقريب عظمة الله تعالى
(وحق لها) بضم المهملة وفتح القاف ولابن مردويه من حديث أنس ويحقها (أن
تئط) والذى نفسي بيده (ما فيها موضع) شبر بدل (أربع أصابع) في حديث أبي ذر
وكلاهما على وجه المثل لكثرة الملائكة قاله صلى الله عليه وسلم مرتين قال
في مرة أربع اصابع فسمع ذلك ابو ذر فرواه وقال في اخرى موضع شبر فسمعه انس
فرواه (ساجدا لله تعالى) زاد ابن مردويه يسبح الله ويحمده (ولبكيتم كثيرا)
زاد الحاكم من حديث أبى ذر ولما ساغ لكم الطعام ولا الشراب (الصعدات) بضم
الصاد والعين ثم دال مهملات أي الطرقات جمع صعد والصعد جمع صعيد كطريق وطرق
وطرقات وقيل جمع صعدة الظلمة وهي فناء الباب وممر الناس بين يديه (تجأرون)
بالجيم فالهمز فالراء بوزن يعلمون أي يرفعون أصواتهم والجؤار رفع الصوت
(الى الله تعالى) زاد الطبرانى في الكبير والحاكم والبيهقى في الشعب من
حديث أبي الدرداء لا يدرون أينجون أو لا ينجون وللحاكم من حديث أبي هريرة
لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكتيم كثيرا يظهر النفاق وترتفع الامانة
وتقبض الرحمة ويتهم الامين ويؤتمن غير الامين اناخ بكم الشر والجور الفتن
كامثال الليل المظلم (وقال) صلى الله عليه وسلم انه ليغان على قلبي (واني
لاستغفر الله في اليوم مائة مرة) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عن الاغر
المزني قالوا وليس له في الكتب الستة سوي هذا الحديث وقوله ليغان على قلبى
بالمعجمة قال السيوطي المختار ان هذا من المتشابه التى لا يخاض في معناه
وقد سئل عنه الاصمعي فقال لو كان قلب غير النبي صلى الله عليه وسلم لتكلمت
عليه ولكن العرب تزعم أن الغين الغيم الرقيق واخرج البخاري والنسائي وابن
ماجه من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والله
انى لاستغر الله وأتوب اليه في اليوم أكثر من سبعين مرة وأخرج البخاري في
الادب من حديث ابن عمر توبوا الى الله فاني أتوب اليه كل يوم مائة مرة (عن
سنته) أي طريقته اللازمة له (والمعرفة) بالله عز وجل (رأس مالي) أى لان من
عرف الله عز وجل وعرف أنه هو المتكفل بارزاق العباد وان لا مانع لما أعطى
ولا معطى لما منع وثق به جل وعلا كما يثق صاحب التجارة برأس ماله (والعقل)
أراد به الذي ينظر به الشخص في عواقب الامور (أصل ديني) أي لانه الباعث
(2/293)
والحب اساسي والشوق مركبى وذكر الله انيسى
والثقة كنزى والحزن رفيقى والعلم سلاحى والصبر زادى والرضى غنيمتى والعجز
فخرى والزهد حرفتي واليقين قوتى والصدق شفيعى والطاعة حسبى والجهاد خلقى
وقرة عيني في الصلاة وفي حديث آخر وثمرة فؤادي في ذكره وغمى لاجل أمتى
وشوقى الى ربى.
«فصل» قال القاضى عياض اذا كانت خصال الكمال والجلال ما ذكرنا ووجدنا
الواحد منا يشرف بواحدة منها أو اثنتين ان اتفقا له في كل عصر حتى يعظم
قدره وتضرب باسمه الامثال فما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الخصال
الى ما لا يأخذه عدّ ولا يعبر عنه مقال ولا ينال بكسب ولا حيلة الا بتخصيص
الكبير المتعال من فضيلة النبوة والرسالة والخلة والمحبة والاصطفاء
والاسراء والرؤية والقرب والدنو والوحى والشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة
الرفيعة والمقام المحمود والبراق والمعراج والبعث الى الاحمر والاسود
والصلاة بالانبياء والشهادة بينهم وبين أممهم وسيادة ولد آدم ولواء الحمد
والبشارة والنذارة والمكانة عند ذى العرش والطاعة ثم الامانة والهداية
ورحمة للعالمين واعطاء الرضا والسؤال والكوثر وسماع القول واتمام النعمة
والعفو عن ما تقدم وما تأخر وشرح الصدر ووضع الوزر على الاعمال الصالحة
وترك ما يسخط الباري تعالى من المعاصي والخلود الى الدنيا الفانية (والحب)
لله عز وجل (أساسي) أي أصلي كأساس البناء يعني أن خلقتى ركبت في الاصل على
المحبة لا أحتاج فيها الى تكلف (والشوق) الى ربي (مركبي) الذى أقطع عليه
الطريق اليه سبحانه وتعالى وأراد أن شوقى اليه يعيننى على التقرب اليه
بطاعته ومجانبة سخطه (وذكر الله أنيسي) الذى آنس به أي لان ذاكر الله تعالى
واقف على درجات القرب ومقام المشاهدة والحضور وكيف يدخل الخوف ممن سوى الله
على من هو كذلك (والثقة) بالله (كنزي) الذي لا أخاف عليه نفادا كما يخافه
صاحب الكنز (والحزن) أى لاجل امتى (رفيقي) أي لا يفارقني (والعلم) بالله
واحكامه (سلاحى) الذي أسطوبه على ابليس وجنوده فلا يستطيع أحد منهم أن
يكيدني (والصبر) بانواعه (ردائى) أي خلقى وسجيتى فعبر عن ذلك بالرداء
(والرضى) بقضاء الله (والزهد) في الدنيا وفيما في أيدي الناس (والصدق) في
القول والعمل (والطاعة) لله في اتيان ما أمر به واجتناب ما نهي عنه (حسبي)
أي كفايتى (والجهاد) للكفار (وغمي) هو الحزن الذى يأخذ بالنفس.
(فصل) قال القاضي (ووجدنا الواحد) في بعض نسخ الشفاء ورأينا (والخلة) بضم
المعجمة (ووضع)
(2/294)
ورفع الذكر وعزة النظر ونزول السكينة والتأييد بالملائكة وايتاء الكتاب
والحكمة والسبع المثانى والقرآن العظيم وتزكية الامة والدعاء الى الله
تعالى وصلاة الله وملائكته عليه والحكم بين الناس بما آتاه الله ووضع الاصر
والاغلال عنهم والقسم باسمه واجابة دعوته وتكليم الجمادات والعجم واحياء
الموتى واسماع الصم ونبع الماء من بين أصابعه وتكثير القليل وانشقاق القمر
ورد الشمس وقلب الاعيان والنصر بالرعب والاطلاع على الغيب وظل الغمام
وتسبيح الحصا وأبراء الآلام والعصمة من الناس الى ما لا يحويه محتفل ولا
يحيط بعلمه الا مانحه ذلك ومفضله به لا إله غيره الى ما اعدله في الدار
الآخرة من منازل الكرامة ودرجات القدس ومراتب السعادة والحسني والزيادة
التي تقف دونها العقول ويحاردون درايتها الوهم |