بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل

[الباب الثالث في شماله صلى الله عليه وسلم في العبادات المتكررات]
(الباب الثالث في شماله صلى الله عليه وسلم في العبادات المتكررات) اعلم علمنا الله واياك ان مما يذم في التقليد التعصب للمذاهب والجمود عليها واستثقال كل بخلاف ما وطن نفسه عليه من تبعية امامه ولا يقبل غيره وان قام الدليل على خلافه حتى كأن الحق منحصر فيه أو كأن امامه نبيه وكل ذلك لعدم الانصاف ولقد انصف الشافعى حيث قدم الى أصحابه ما معناه اذا صح الحديث فاعملوا به ودعوا قولى اشفاقا منه عليهم ان توقعهم العصبية في المخالفة وقد كان له تضلع في علم الحديث فلم يقم الدليل على خلاف مذهبه الا باداء مما لا يعصم البشر عن وقوع مثله وربما اعتل بعض المقلدين عند قيام الحجة الاصر وهو العهد والذنب والثقل (ونزول السكينة) هي فعيلة من السكون وهى الرحمة أو الطمأنينة أو الوقار أو ما يسكن اليه الشخص أقوال (والاغلال) أي المواثيق اللازمة لزوم الغل للعنق (وتكليم الجمادات) جمع جماد وهو ما ليس بحيوان (والعجم) بضم المهملة وسكون الجيم جمع أعجم وهو من لا يقدر على الكلام أصلا (محتفل) بضم الميم وسكون المهملة وفتح الفوقية وكسر الفاء والمحتفل بالشيء هو المعتنى به والمبالغ فيه (ما أعدله) مبنى للفاعل والمفعول
(الباب الثالث) في شمائله في العبادات (التعصب) بالفتح (والجمود) بضم الميم أى الوقوف كوقوف الشيء الجامد (كان الحق) بفتح الهمزة وتشديد النون (اذا صح الحديث فاعملوا به ودعوا قولي) وفي رواية اخرى عنه فهو مذهبي وفي اخرى عنه فاضربوا بمذهبي عرض الحائط (تضلع) باعجام الضاد واهمال العين أى صار ضليعا أي عظيما (اعتل) بهمز وصل وسكون المهملة وفتح الفوقية وتشديد اللام

(2/295)


عليه قال لعل امامي علم في ذلك ما لم اعلمه أو يرى من ينهه عن ذلك لا يتأهل للترجيح والاجتهاد وكل ذلك قصور وتقصير فقد نص جهابذة العلماء على ان الاجتهاد يتجزأ وان يجوز ان يكون الانسان محتهدا من حج في مسئلة أو باب دون غيره ومظنة الترجيح عليه الظن بعد البحث في وجوه الادلة وسيأتي في طي هذا الباب ما يفهمك فائدة تقديم هذه القاعدة جعلنا الله ممن يقبل الهدي أينما كان وعلى لسان من ظهر واصفين منصفين آمين* اعلم رحمك لله واياى ان هذا الباب واسع جدا موضع بسطه الحديث ومبسوطات كتب الفقه وانما أذكر نكتا وعيونا من أسرار عوائده التي واظب عليها صلى الله عليه وسلم وكادت لكثرة التسهيل والاهمال ان يذهب أكثرها فأنبه على ذلك على وجه الاختصار والايجاز مستعينا بالله وسائلا منه التوفيق
[فصل في عادته صلى الله عليه وسلم في الوضوء]
فمن ذلك عادته صلى الله عليه وسلم في الوضوء كان في غالب الأحوال يتوضأ لكل فريضة وقال من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات قال العلماء وانما يحصل هذا الثواب لمن استعمل الوضوء الأول وربما صلى في بعض الأوقات بوضوء واحد عددا من الصلوات وكان صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع بالمد ونهى عن كثرة استعمال الماء وقال لسعد بن أبى وقاص لا تسرف وان كنت على نهر جار وقال ان للوضوء شيطانا يقال له الولهان واعتل بكذا معناه جعله علة له (لا يتأهل) أي لا يصير أهلا (جهابذة) جمع جهبذ بكسر الجيم والموحدة بينهما هاء ساكنة وآخره معجمة النقاد الخبير قاله في القاموس (كان في غالب الاحوال يتوضأ لكل فريضة) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن أنس (من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات) أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمرو ذلك لان هذا الوضوء من جملة الحسنات وهي مضاعفة الى ما ذكر (وانما يحصل هذا الثواب) ان صح كون الوضوء الثانى عبادة ولا يكون ذلك الا (لمن استعمل الوضوء الاول) أى صلى به صلاة ما ولو ركعة لا سجدة تلاوة ونحوها وليس الطواف في ذلك كالصلاة لان للصلاة أثرا عظيما في هذا الدين فكانت سببا لضعف الوضوء المحوج الى التجديد بخلاف غيرها هذا ان قلنا ان سنية التجديد معقولة وان قلنا تعبدية فكذلك أيضا لان التجديد انما ورد فيها ولا يقاس عليها العظمها (وربما صلى في بعض الاوقات بوضوء واحد عددا من الصلوات) كما فعل يوم الخندق صلى أربع صلوات بوضوء واحد وصلى أيضا يوم فتح مكة الخمس بوضوء واحد (كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد) أخرجه الشيخان وأبو داود عن أنس ولمسلم من حديث سفينة كان يغسله الصاع ويوضئه المد والمد رطل وثلث وهو ربع الصاع وأخرج أبو داود باسناد حسن انه صلى الله عليه وسلم توضأ باناء فيه قدر ثلثى مد (ان للوضوء شيطانا الى اخره) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبىّ بن كعب (الولهان) بفتح الواو واللام

(2/296)


فاتقوا وساوس الماء وقال انه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون بالطهور والدعاء ففي هذه الأخبار ذم الاسراف في صب الماء فانه من الشيطان وقد صحت الأخبار عن محمد المختار انه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وغالب أحواله ثلاثا ثلاثا وكره الزيادة عليها والنقصان منها فكأنها حد بين الاقلال والاكثار وقد كانت أموره صلى الله عليه وسلم على حد الاعتدال ويصلح لمن كان على بعض أعضائه اذى أن يغسله قبل الوضوء ثم يتوضأ ليتم له الاقتصار على التثليث مع انه قد صحح الأكثرون ان غسلة واحدة تنوب عنهما وربما ثلث صلى الله عليه وسلم في بعض الأعضاء ونقص في بعضها وربما ثلث في الكل وغسل الرجلين بغير عدد وأما الرأس فأكثر الروايات وأصحها على التوحيد في مسحه وروي التثليث في حديث حسن فينبغي التثليث من أجله وكان صلى الله عليه وسلم يعم جميع رأسه بالمسح ويقبل بيديه ويدبر وحيث ما اقتصر على بعضه لعمامة ونحوها كمل بالمسح عليها ولم يقتصر (وسواس الماء) بفتح الواو (سيكون في هذه الامة قوم يعتذرون الى آخره) أخرجه أبو داود عن عبد الله بن معقل المزني وأخرجه أيضا عن سعد بدون ذكر الطهور (في الطهور) بضم الطاء (والدعاء) قال الخطابي ليس معني الاعتداء الاكثار وانما هو مثل ما روي عن سعد يعنى انه سمع ابنه يقول اللهم اني اسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا وأعوذبك من النار وسلاسلها واغلالها وكذا وكذا أي ومثل ما روي عن عبد الله بن معقل انه سمع ابنه يقول اللهم إنى أسألك القصر الابيض عن يمين الجنة اذا دخلتها وقال ابن جريج من الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء والصياح وقال عطية الذين يدعون على المؤمنين فيما لا يحل فيقولون اللهم اخزهم اللهم العنهم وقال أبو مجلزهم الذين يسألون منازل الانبياء (وقد صحت الاخبار) في صحيح البخاري وغيره (وكره الزيادة عليها) أى الثلاث (والنقصان منها) بقوله هكذا الوضوء فمن أزاد أو نقص فقد أساء وظلم أخرجه أبو داود باسانيد صحيحة وفي رواية للنسائى فقد أساء وتعدي وظلم قال امام الحرمين أساء معناه ترك الافضل وتعدى السنة وظلم أى وضع الشيء في غير موضعه (ويصلح) بمعني ويسن (اذي) طاهرا كان أو نجسا (صحح الاكثرون) ومنهم النووي وكذا الرافعي في غير النجس (ان غسلة واحدة تنوب عنهما) ما لم تكن نجاسة عينية أو غير نجاسة وصعب وصول الماء الى المحل أولم يمنعه ولكنها غيرته تغيرا يخرج به الماء عن كونه طهورا (وروي التثليث في حديث) أخرجه أبو داود باسناد حسن (و) كان (يقبل بيديه ويدبر) اخرج الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن زيد انه صلى الله عليه وسلم مسح بيديه فاقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما الى قفاه ثم ردهما الى المكان الذي بدأ منه قال العلماء واستحباب الرد يختص بمن له شعر ينقلب بالذهاب والرد ليصل البلل الى جميعه والا اقتصر على الذهاب (كمل بالمسح عليها) كما أخرجه مسلم عن المغيرة بن شعبة بلفظ فمسح بناصيته وعلى العمامة ففيه ندب استيعاب

(2/297)


على بعض مسح الرأس من غير تتميم على العمامة أبدا وأما المضمضة والاستنشاق فأصح الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بثلاث غرفات يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها بيمينه ويستنثر بشماله قال ابن الصلاح ولم يثبت في الفصل شيء. قلت رواه أبو داود بسند لم يضعفه فهو حجة عنده والله أعلم. وكان صلى الله عليه وسلم يمسح الاذنين ظاهرهما وباطنهما قال شيخ شيوخنا القاضي مجد الدين الشيرازي ولم يثبت في مسح الرقبة حديث (تنبيه) في سنن أبى داود من رواية ابن عباس رضى الله عنهما عن علىّ كرم الله وجهه حين أراه كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ففيه انه أدخل يده في الاناء جميعا فغسل وجهه ثلاثا وهو فعل حسن يعرف حسنه بالمشاهدة وفيه انه بعد غسل الوجه أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته فتركها تشتر على وجهه وكأنه والله أعلم فعل ذلك استظهارا على غسل مقدم الوجه فهاتان سنتان قل من يعمل بهما ويثابر عليهما وفيه انه غسل رجليه في النعلين وفتلهما ليصل الماء الى ما تحت السيور* قال ابن عباس قلت وفي النعلين قال وفي النعلين قال ذلك ثلاثا ففيه تأييد لقوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة وقد كان صلى الله عليه وسلم ربما صلى في نعليه وقال تفقدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم وقد صحح جماعة من أصحابنا جواز الصلاة في الخف المتنجس أسفله اذا دلكه بالارض حتى تذهب العين وكان صلى الناصية ثم التتميم (جمع بينهما بثلاث غرفات الي آخره) أخرجه الشيخان عن عبد الله بن زيد بن عاصم (ويستنثر) بفوقية فنون فمثلثة أى يستخرج الماء من انفه واشتقاقه من النثرة وهي طرف الانف (رواه أبو داود) عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده (بسند لم يضعفه) لكن ضعفه غيره (كان يمسح الاذنين ظاهرهما وباطنهما) أخرجه أبو داود عن ابن عباس وصححه الترمذى وابن حبان وكان يمسحهما بماء خلاف الماء الذي لرأسه أخرجه البيهقى عن عبد الله بن زيد (لم يثبت في مسح الرقبة حديث) وأما خبر مسح الرقبة امان من الغل وأثر ابن عمر من توضأ ومسح عنقه وقى الغلى يوم القيامة فقال النووي وغيره الخبر المذكور موضوع والاثر غير معروف ومسح الرقبة بدعة وتعقب بعض المتأخرين كلام النووي بان الخبر روى بسند ضعيف أي وهو يعمل به في الفضائل وقد صحح الرافعي في الصغير انه سنة (قبضة) بضم القاف اسم للشيء المقبوض وبالفتح المرة من القبض (تشتر) بالمعجمة أي تنصب متفرقة (يثابر) بالمثلثة والموحدة يحافظ وزنا ومعني (وفتلهما) بالفاء أى ادارهما يعنى رجليه (وربما صلى في نعليه) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى عن أنس (تفقدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم) أخرجه أبو نعيم في الحلية عر أنس (وقد صحح جماعة من أصحابنا) أحد قولى الشافعي وهو (جواز الصلاة في الخف المتنجس أسفله) نجاسة جافة لا جرم لها ولم يتعمدها (اذا دلكه بالارض حتى تذهب العين) وذلك بالقياس على موضع الاستنجاء والثاني وهو الاصح لا تجزئه كما لو مسح النجاسة عن ثوبه وصلى فيه وفارق الاستنجاء بانه

(2/298)


الله عليه وسلم يرفّع في غسل أعضاء الوضوء وقال ان أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم ان يطيل غرته وتحجيله فليفعل أخرجه الشيخان والغرة مقدم الرأس مع الوجه والتحجيل غسل بعض العضدين مع الذراعين وبعض الساقين مع الرجلين وغايته استيعاب العضد والساق فكان صلى الله عليه وسلم يسمى الله أوله ووردت أحاديث تدل على التحتم في التسمية وكلها مؤولة أو ضعيفة وكان يقول في أثنائه ما رواه النسائي وابن السنى باسناد صحيح عن أبى موسى الأشعري قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يقول اللهم اغفر لى ذنبى ووسع لى في داري وروى في ذاتى وبارك لى في رزقى فقلت يا رسول الله سمعتك تدعو بكذا وكذا قال وهل تركن من شيء وكان يقول بعد فراغه ما رواه عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء رواه مسلم وزاد الترمذى فيه اللهم اجعلني يتكرر بخلاف هذا (غرا) بضم المعجمة جمع أغر والغرة بياض يكون في وجه الفرس (محجلين) أى بيض الاوجه والايدى والارجل (أخرجه الشيخان) عن أبي هريرة ولمسلم عنه أيضا أنتم الغر المحجلون الى آخره (مقدم الرأس مع الوجه) وكذا صفحة العنق (استيعاب العضد) بان يغسل الى المنكب (والساق) بان يغسل الى الركبة (فكان يسمى الله أوله) أخرجه النسائي بسند جيد كما في المجموع عن أنس قال طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوأ فلم يجدوا فقال صلى الله عليه وسلم هل مع أحد منكم ماء فاتي بماء فوضع يده في الاناء الذى فيه الماء ثم قال توضؤا بسم الله وهذا اقل مجزى فيها والاكمل كما في المجموع بسم الله الرحمن الرحيم لحديث كل أمر ذى بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع أخرجه الخطيب (وورد أحاديث تدل على التحتم في البسملة) كحديث لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبرانى والحاكم عن أبي هريرة وأخرجه ابن ماجه عن سعيد بن زيد وأبى سعيد وسهل بن سعد (وكلها مؤولة) بان المراد نفي كمال الوضوء كحديث لا صلاة بحضرة طعام (أو ضعيفة) يرد هذا ان الحاكم صحح اسناده وقال الترمذى قال محمد بن اسماعيل يعنى البخاري أحسن شيء في هذا الباب هذا الحديث (ما رواه النسائي وابن السنى باسناد صحيح) لكن فيه عباد بن عباد بن علقمة وقد وثقه أيضا أبو داود ويحيى بن معين وابن حبان واسم ابن السنى أحمد بن محمد بن اسحاق (عن أبي موسى الاشعرى) وأخرجه الترمذي من حديث أبى هريرة ولم يذكر الوضوء (وروي في ذاتي) بالمعجمة والفوقية أى اجعل ذاتي واسعة لا ضيق فيها (وهل تركن من شيء) ينبغى الدعاء به من امور الدنيا والآخرة (من توضأ) زاد أبو داود والنسائى فاحسن الوضوء (فقال) زاد ابن ماجه من حديث أنس ثلاث مرات (الثمانية) بالرفع (رواه مسلم) وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (وزاد الترمذي) من حديث أبي ادريس الخولاني وأبى عثمان النهدى عن

(2/299)


من التوابين واجعلنى من المتطهرين زاد النسائى سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب اليك. وأما الدعاء المفرق على الأعضاء فقد ادعى الامام النووي رحمه الله انه لا أصل له واستدرك عليه في هذه العبارة فقد روى فيه ابن حبان حديثا من جهة عباد بن صهيب. وقد قال أبو داود فيه انه صدوق والله أعلم.
[فصل في تيممه صلى الله عليه وسلم]
(فصل) في تيممه صلى الله عليه وسلم أصح الاحاديث في كيفيته ما اتفق الشيخان على تخريجه عن عمار بن ياسر قال بعثنا النبى صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال انما يكفيك ان تضرب بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه وفي رواية لهما وضرب بيديه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه ففي هذا الحديث أدل دليل على انه لا يشترط فوق ذلك ولا يجزئ دونه لأنه خرج مخرج التعليم والارشاد الى القدر الكافي في التيمم وبه أخذ عامة المحدثين قيل ولا يعلم في حديث يقطع بصحته اشتراط ضربتين ولا مجاوزة الكفين في المسح وبلوغ المرفقين عمر (فقد ادعى النووى انه لا أصل له) كذا قاله في الروضة والمنهاج ومراده أنه لم يرد فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به في الاذكار والتنقيح (فقد روي فيه ابن حبان) في التاريخ وابن أبى حاتم في العلل وجمع فيه ابن عساكر جزأ.
(فصل) في تيممه (كما تتمرغ) للبخاري بحذف تاء الاستقبال (ففي هذا الحديث أدل دليل على) ما في القديم واختاره النووي في المجموع والشيخ من حيث الدليل (أنه لا يشترط) بمعنى لا يجب (فوق ذلك) أى فوق مسح اليدين الى الكوعين فقط (ولا يعلم في حديث يقطع بصحته اشتراط ضربتين) الا ما أخرجه الطبراني والحاكم عن ابن عمر موقوفا عليه التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين وأخرج أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم تيمم بضربتين مسح باحداهما وجهه وبالاخرى ذراعيه لكن فيه راو ليس بالقوي عند أكثر المحدثين ذكره في المجموع فمن ثم صحح ان الضربتين انما هما سنة لكن الثاني هو المعروف من مذهب الشافعى (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته اشتراط (مجاوزة الكفين في المسح وبلوغ المرفقين) الا ما مر في حديث الطبراني والحاكم لكن قال الشافعى صح عنه صلى الله عليه وسلم مسح وجهه وذراعيه قال وهذا الذى منعنا أى في القول الجديد أن نأخذ برواية عمار قال وهذا أحفظ وأشبه بالقرآن فانه تعالى أوجب طهارة الاعضاء الاربعة في الوضوء في أول الآية ثم أسقط منها عضوين في التيمم في آخر الآية فبقى العضوان في التيمم على ما ذكر في الوضوء اذ لو اختلفا لبينهما انتهى قال الخطابي الاقتصار على الكفين أصح رواية ووجوب مسح الذراعين أشبه في

(2/300)


ولا التحتم في التيمم لكل فريضة ولأنه لا يجزى غير التراب الذى له غبار بل قال النبى صلى الله عليه وسلم جعلت لى الارض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل وفي حديث آخر فحيث ما أدركت رجلا من أمتى الصلاة فعنده مسجده وطهوره والله أعلم.
[فصل في عادته صلى الله عليه وسلم في الصلوات]
(فصل) في عادته صلى الله عليه وسلم في الصلوات وما اشتملت عليه صلاته من الكيفيات المختلفات والاسرار الخفيات. اعلم ان الصلاة أعظم شعائر الاسلام ولم يعبد بها أحد غير الله ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم اسلام أحد دونها ولهذا ما ورد ان أهل الطائف سألوه ان يقبل اسلامهم ويحط عنهم الصلاة فأبى عليهم وقال لا خير في دين ليس فيه ركوع وقال أول ما يحاسب به العبد الصلاة فهى في هذا الدين كالعنوان أو كأساس البنيان لذلك ما ذكر في أصل مشروعيتها من عظيم الشأن وترديد النبي صلى الله عليه وسلم بين موسى وربه في التحطيط منها حتى رجعت من خمسين الى خمس قال تعالى هي خمس وهن خمسون يعني في الثواب كما هو في أم الكتاب ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد. وقد نطق القرآن العظيم بفضلها وعظم موقعها وجلالة قدرها وجاءت السنة بأضعاف ذلك فمن مجموع ذلك انها معينة على قضاء الاصول وأصح في القياس (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته (التحتم في التيمم لكل فريضة) أراد حديثا مرفوعا اليه صلى الله عليه وسلم والا فقد أخرج البيهقي باسناد صحيح عن ابن عمر قال يتيمم لكل صلاة وان لم يحدث واستدل لذلك بقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الى أن قال فَتَيَمَّمُوا فاقتضى وجوب الطهر لكل صلاة خرج الوضوء بالسنة فبقى التيمم على مقتضاه وعلله الاصحاب بانه طهارة ضرورة فتتقدر بقدرها (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته (أنه لا يجزي) بفتح أوله بلا همز وضمه مع الهمز (غير التراب الذي له غبار) بل أخذ أصحابنا من قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أى اقصدوا ترابا طاهرا كما نقل عن تفسير ابن عباس وغيره (جعلت لي الارض مسجدا وطهورا) أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه عن أبي هريرة وأخرجه أبو داود عن أبي ذر وهو عام خصصه رواية مسلم وتربتها لنا طهورا ورواية الدارقطني وأبي عوانة عن حذيفة وترابها وزيادة الثقة مقبولة.
(فصل) في عادته في الصلاة (غير الله) بالرفع والنصب (أول ما يحاسب به العبد الصلاة) فان صلحت صلح له سائر عمله وان فسدت فسد سائر عمله أخرجه الطبراني في الاوسط والضياء عن أنس ولا يعارض هذا الحديث ما أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء لان هذا فيما بين العباد وذاك فيما بين العبد وبين الله تعالى قاله النووي ويؤيد قول النووى ما أخرجه النسائي

(2/301)


الحاجات المهمات لقوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ومنه قوله تعالى فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتضاعف الحسنات وتغسل ادران الذنوب وترفع الدرجات وجاء فيها انها نور مطلق وشافعة للمصلى عند ربه ومسهلة عليه المرور على الصراط وكاشفة لكربه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حزبه شيء فزع الى الصلاة ثم انها جالبة للرزق كما في قوله تعالى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى وجاء انها شفاء من وجع البطن قم فصل فان الصلاة شفاء وفضلها أجل من ان يحصر وأشهر من ان يذكر ولأجل ما استجمعت من الخيرات ودفع المكروهات قال النبي صلى الله عليه وسلم وجعلت قرة عيني في الصلاة. وفي رواية الجائع يشبع والظمآن يروى وأنا لا أشبع من حب الصلاة وقال أقم الصلاة يا بلال وأرحنا بها* وقد قدمنا ما يلحق مفوتها من الوبال والخزي والنكال في صلاة الخوف في طى غزوة ذات الرقاع. ونشرع الآن في مهمات من وجوه تحسينها والأمور المؤدية الى قبولها فركنها الأعظم بعد النية وأعمالها الطاهرة التي لا تصلح الا بها الخشوع والتدبر والخضوع* قال الله تعالى الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وقال تعالى من حديث ابن مسعود أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضي بين الناس في الدماء (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) أي نادت زكريا (فِي الْمِحْرابِ) أى في الغرفة (وتغسل أدران) بالمهملة والراء أي أو ساخ (الذنوب) ففي الحديث الصحيح أرأيتم لوان نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقي من درنه شيء قالوا لا قال كذلك الصلوات الخمس يكفر الله بهن الخطايا لفظ مسلم (وجاء فيها أنها نور مطلق) أخرجه القضاعى وابن عساكر عن أنس (وكان اذا حزبه أمر فزع الى الصلاة) أخرجه أحمد وأبو داود عن حذيفة وحزبه بالمهملة فالزاى أهمه وانما كان يفزع الي الصلاة امتثالا لامر ربه في قوله وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (قم فصل فان في الصلاة شفاء) أخرجه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة (وأرحنا بها) أي ادخل علينا الروح والراحة التى نجدها في الصلاة ومناجاة الله تعالى (الخشوع) هو غض البصر وخفض الصوت ومحله القلب وعن علي أن الخشوع أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا وعن ابن جبير أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره وعن عمرو بن دينار هو السكون وحسن الهيئة وعن ابن سيرين هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك وعن عطاء هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة وقيل هو جمع الهيئة والاعراض عما سوى الصلاة (والتدبر) فيما يجرى على لسانه من القراءة والذكر وأصل التدبر اتباع الدبر أي القفا فكان المتدبر يتقفي ما يلفظ به لسانه فيتعقل معناه (والخضوع) قال البغوي هو قريب من الخشوع الا أن الخضوع في البدن والخشوع في القلب (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) أى مخبتون أذلاء قاله ابن عباس

(2/302)


يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ قال بعضهم وان كانت الآية في سكر الخمر ففي قوله تعالى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ تنبيه على سكر الدنيا فكم من مصل لم يشرب الخمر وهو لا يعلم ما يقول ولا يدري كم صلى من استغراق همه بالوساوس الدنيوية وربما كانت في معصية فيكون الوبال فيها أعظم. ومثل من انطوت صلاته على هذه القاذورات مثل من اتخذ صناديق المصاحف وعاء للخمر والنجاسات. وروي عنه صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله الى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه وروي عن الحسن البصرى كل صلاة لم يحضر فيها القلب فهى الى العقوبة أسرع وقد أتى على هذا المعنى الفقيه الفاضل صفي الدين اسماعيل بن أبى بكر المقري في قصيدته الواعظة المشهورة فقال
ذنوبك في الطاعات وهى كثيرة ... اذا عددت تكفيك عن كل زلة
تصلى صلاة يعلم الله أنها ... بفعلك هذا طاعة كالخطيئة
وقد مثلت الصلاة في صورة حيوانية روحها النية والاخلاص وحضور القلب ويديها الاعمال كالقيام والقعود. ورأسها الركوع والسجود والاركان التى لا بد منها. وجوارحها ووجوه تحسينها يجرى مجرى الابعاض والسنن ومثلوا المصلى في توجهه بها الى ربه كمثل من يهدي جارية الى ملك معظم فان أداها بلا نية فهو كمن أهدى الجارية ميتة وان أداها فاقدة الاركان فهى كمن أداها مقطوعة الاعضاء وان أداها فاقدة الابعاض والآداب فهى كمن أداها مشوهة فيكون المهدى في جميع ذلك مستحقا للعقوبة لا للمثوبة لان هديته لمن يعظم قدره ممن هو بهذه الصفات المذمومة فيه نوع استهزاء وتهاون بقدر المهدى اليه. وروى البيهقى وغيره عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فابلغ الوضوء ثم قام الى الصلاة فاتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت حفظك الله كما حفظتنى ثم يصعد بها الى السماء ولها ضوء ونور فتفتح أبواب السماء حتى ينتهى بها الى الله تعالى فتشفع لصاحبها واذا لم يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة قالت ضيعك الله كما ضيعتنى ثم يصعد بها الى السماء وعليها ظلمة فتغلق دونها أبواب السماء ثم تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب أو خائفون قاله الحسن وقتادة أو متواضعون قاله مقاتل أو ما مر من الأقوال (وان كانت الآية في شرب الخمر) على ما قاله الأكثرون أو في النوم على ما قاله الضحاك (لا ينظر الله) أي لا يقبل (لا للمثوبة) بفتح الميم وضم المثلثة أي الثواب (لمن يعظم) بفتح الياء وسكون المهملة وضم المعجمة (المهدى اليه)

(2/303)


بها وجه صاحبها. وخرج أيضا عن أبى هريرة ذكرت السرقة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أى السرقة تعدون أقبح. قالوا الرجل سرق من أخيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أقبح السرقة الذى سرق صلاته قالوا وكيف يسرق أحدنا صلاته قال لا يتم ركوعها وسجودها ولا خشوعها. ومن تخريجه أيضا مرفوعا من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها اذا خلا فتلك استهانة استهان بها ربه. ومن تخريجه أيضا مرفوعا ان الرجل ليصلى الصلاة ماله منها الا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها يعنى بمقدار ما استحضر منها وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ميزان فمن أوفا استوفي ونحوه عن سلمان موقوفا الصلاة مكيال فمن وفا أوفي له ومن نقص فقد علمتم ما للمطففين. وقال عبادة بن الصامت رضى الله عنه أشهد انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له على الله عهدا أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهدا ان شاء غفر له وان شاء عذبه رواه أبو داود وغيره. وروي عن عمر بن الخطاب انه قال وهو على المنبر الرجل لتشيب عارضاه في الاسلام وما أكمل الله له صلاة قيل وكيف ذلك قال لا يتم خشوعها وتواضعها واقباله على الله تعالى فيها. وكان الحسن البصري يقول يا ابن آدم أي شيء يعز عليك من دينك اذا هانت عليك صلاتك. وقال أيضا تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء في الصلاة والذكر وقراءة القرآن فان وجدتم والا فاعلموا ان الباب مغلق والاحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة معلومة فانظر يا أخى عظم موقع الصلاة من الدين وما ورد في أصل تفويتها من الوعيد الشديد المفضى الى شقاوة الدارين والعياذ بالله ثم ما ورد في التساهل في أفعالها والتهاون بها من الخسران والخيبة والحرمان والله المستعان فينبغى للعاقل المتصف بالسنة أن يحيط بعلومها بضم الميم وسكون الهاء وفتح الدال المهملة (ومن تخريجه) أي البيهقى عن ابن مسعود (مرفوعا) الى رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحسن الصلاة الى آخره) وأخرجه عن ابن مسعود أيضا أبو يعلى وعبد الرزاق في الجامع (استهانة) أي اختيارا (ومن تخريجه أيضا) عن عمار بن ياسر (ان الرجل ليصلى الصلاة الى آخره) وأخرجه أيضا أبو داود وأحمد وابن حبان (تسعها) بضم ثانيه وسكونه وكذا ما بعده الا نصفها فليس فيه سوى السكون (يعنى بمقدار ما استحضر منها) مدرج من كلام الراوي (وروي أيضا) البيهقى في الشعب (فقد علمتم ما للمطففين) وهو الويل المذكور في القرآن (رواه أبو داود وغيره) كالبيهقي في السنن (المفضي) بضم الميم وسكون الفاء وكسر المعجمة أى الموصل

(2/304)


وان يفرغ وسعه في تقويمها ويتعرف الآيات الواردة في فضلها والحث عليها ويراجع تفسيرها ويتأمل المأثور من صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فبذلك يتجوهر باطنه ويتزين بالشرع ظاهره ويتروح بالعبادات وتخف على قلبه كلف المجاهدات كما قال بعض السادة جاهدت للصلاة عشرين سنة وتنعمت بها بقية العمر وهذا المقام الذي أشار اليه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله قرة عينى في الصلاة ويا بلال أقم الصلاة وارحنا بها. واعلم ان التفريط والتساهل في أفعال الصلاة ان جرى من العلماء المقتدي بهم الذى تلاحظ العامة أفعالهم عظم خطره وعم ضرره لانهم سبب الهداية والضلال وطباع الناس الى المتابعة في الافعال أميل منها الى المتابعة في الاقوال ومثل من يأمر بالاستقامة وينحرف عنها كمن يكذب بعضه بعضا ويتبع ابرامه نقضا ويحل عليه مقت الله تعالى قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ. قال ابن السماك وعظت الناس يوما فأعجبنى وعظي فسمعت هاتفا يقول
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فاذا انتهت عنه فأنت حكيم
لاتنه عن خلق وتأنى مثله ... عار عليك اذا فعلت عظيم
وقال صاحب البردة:
أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به ... وما استقمت فما قولى لك استقم
(وأن يفرغ وسعه) أى يبذل طاقته (يتجوهر باطنه) أى يصبر كالجوهر صافيا لا كدر فيه (ويتروح بالعبادات) أي يستريح بها (كلف) بضم الكاف وفتح اللام جمع كلفة وهي المشقة (ويتبع ابرامه) بالنصب والا برام الاحكام (نقضا) بالنصب مفعول ثان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) نزلت حين قالوا لو علمنا أحب الاعمال الى الله تعالى لعملناه ولبذلنا أنفسنا وأموالنا فأنزل الله عز وجل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين قاله أكثر المفسرين أو لأن الله أخبر رسوله بثواب شهداء بدر قالت الصحابة لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الآية قاله محمد بن كعب القرظي أو نزلت فيمن قال قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب قاله الضحاك أو نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين بان ينصرون وهم كاذبون قاله ابن زيد (كبر) أي عظم (مقتا) أي بغضا شديدا (ان تقولوا ما لا تفعلون) أي ان تعدوا من أنفسكم شيأ ثم لم توفوا به (ابن السماك) بفتح المهملة وتشديد الميم (وتأتي مثله) بالنصب على جواب النهي (ائتمرت)

(2/305)


وأعظم ما في ذلة العالم من الخطر ان تبقى سنة مأثورة بعده ويدخل في قوله صلى الله عليه وسلم من سن في الاسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة وطوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه ولذلك قيل ان الصغائر من العلماء كالكبائر من العامة وقال صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه وان كان التساهل في الصلاة والاخلال جرى من العامة الجهال فينبغى للعلماء تعريفهم لما أخذ الله على الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه وقد ردد النبي صلى الله عليه وسلم المسئ صلاته ثلاث مرات كل ذلك يقول له ارجع فصل فانك لم تصل وانما لم يعلمه اول مرة ليكون أبلغ في التبكيت وأوقع في النفس. وقال صلى الله عليه وسلم لرجل ممن صلى خلفه يا فلان ألا تحسن صلاتك ألا تنظر المصلى اذا صلى كيف يصلى فانما يصلى لنفسه. انى والله لأبصر من ورائى كما أبصر من بين يدى. ورأى حذيفة رجلا يصلى لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال حذيفة منذكم صليت قال منذ أربعين سنة قال له حذيفة ما صليت ولو قدمت مت على غير الفطرة التى فطر الله عليها محمد صلى الله عليه وسلم كل ذلك مروي في الصحيحين. وقال ميمون بن مهران مثل الذي يرى الرجل يسيء صلاته فلا ينهاه مثل الذي يرى النائم تنهشه حية فلا يوقظه* واعلم ان العالم الذي تنجع موعظته وتؤثر كلمته هو الذي صلحت منه النية وحاز الوراثة النبوية وصدقت عليه الأوصاف الرسولية وصدق عليه المثل الأول من أمثال الغيوب السماوية وكان مقامه في الخلق مقام الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والتسليم ولذلك صار موته ثلمة في الاسلام قال بعضهم اذا صدرت الموعظة من القلب وقعت في وسط القلب واذا صدرت من ظاهر اللسان لم تجاوز الآذان وقيل لبعضهم ما بال علماء السلف كانت تؤثر موعظتهم وليس كذلك علماء الوقت فقال سبب ذلك ان علماء السلف كانوا ايقاظا والناس نياما والمستيقظ يوقظ النائم وعلماء الوقت نيام بياء المتكلم (من سن في الاسلام الى آخره) أخرجه الشيخان وغيرهما (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه) أخرجه الطبراني في الصغير وابن أبى عدى والبيهقى في الشعب بسند ضعيف عن أبي هريرة (المسىء صلاته) هو خلاد بن رافع الزرقي أخو رفاعة بن رافع (ورأي حذيفة رجلا يصلي) أخرجه البخاري معلقا وأخرجه أحمد مسندا (لا يتم الركوع والسجود) زاد أحمد (فقال له حذيفة منذ كم صليت قال منذ أربعين سنة) قال في التوشيح هذه الزيادة اما شاذة أو وهم وذلك لان حذيفة مات سنة ست وثلاثين والصلاة لم تفرض قبل هذه المدة باربعين سنة انتهى (قلت) لعل حذيفة قال له ذلك قرب موته والصلاة فرضت قبل هذا بسبع وثلاثين سنة فقال منذ أربعين تقريبا لا تحديدا (مقام الانبياء) بالنصب

(2/306)


والناس موتى والنائم لا يوقظ الميت اللهم انا نسئلك التوفيق ونعوذ بك من الخذلان.
[فصل فيما ذكر من صلاة سلف الصالحين رحمهم الله]
(فصل) فيما ذكر من صلاة سلف الصالحين رحمهم الله من ذلك ما روي ان زين العابدين علىّ بن الحسين رضى الله عنهم كان يتغير عند كل وضوء ويصغر لونه فاذا قام الى الصلاة أخذته رعدة فقيل له في ذلك فقال ما تدرون بين يدى من أقوم ووقعت نار في بيت وهو ساجد فيه فجعلوا يصيحون به فلم يرفع رأسه حتى وقعت النار في جانب البيت ولم تتعداه فلما رفع رأسه كلموه في ذلك فقال الهتني عنها النار الآخرة* وقال عبد الرزاق ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج يركد كأنه اسطوانة ولا يلتفت يمينا ولا شمالا وكان عبد الله بن الزبير اذا سجد تنزل العصافير على ظهره لا تحسبه الا جذم حائط من طول السجود وقال سعد بن معاذ رضى الله عنه ثلاث أنا فيهن رجل وما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شيأ قط الا علمت انه الحق من عند الله لا شك فيه ولا صليت صلاة قط فحدثت نفسى بغيرها حتى أفرغ منها ولا شهدت جنازة قط فحدثت نفسى بغير ما هى قائلة أو مقول لها. وقال الزهرى رحمه الله وسعدا أن كان لمؤتمنا على ما قال ولقد بلغنى انها خصال لا يعطاهن الا نبي أو من كان شبيها بنبي. وقال أبو بكر الوراق ربما أصلى فأنصرف منها وأنا أستحى من الله حياء رجل انصرف من الزنا. وحكي عن محمد بن يوسف الفرغانى انه رأى حاتم الأصم واقفا يعظ الناس فقال يا حاتم أراك تعظ الناس فتحسن ان تصلى قال نعم قال كيف تصلى قال أقوم بالأمر وأمشى بالسكينة وأدخل بالهيبة وأكبر بالعظمة وأقرأ بالترتيل وأجلس للتشهد بالتمام وأسلم على السنة وأسلمها الى ربى وأحفظها أيام حياتى وأرجع (فصل) (فيما ذكر من صلاة السلف الصالحين) (على بن الحسين) بن على بن أبى طالب كان رضي الله عنه نهاية في العلم غاية في العبادة قال الزهرى ما رأيت قرشيا أفضل منه توفي سنة ثلاث وتسعين وجميع الحسنيين من نسله وأمه أم ولد واسمها سلافة قال السهيلى وهى بنت كسرى يزدجرد (رعدة) بكسر الراء كما مر (الهتني) أي شغلتني (اسطوانة) أى دعامة (جذم حائط) بكسر الجيم وسكون المعجمة أي أصل حائط (وقال سعد بن معاذ) أخرجة ابن عبد البر بسنده عن ابن عباس قال قال سعد فذكره (وقال أبو بكر) اسمه محمد بن عمر (الوراق) بفتح الواو وتشديد الراء آخره قاف الترمذى قال القشيري أقام ببلخ وصحب أحمد ابن حصرويه وغيره وله تصانيف في الرياضات (أصلى فانصرف الي آخره) قال ذلك لعظم الادب عنده ومعرفة كل انسان بأدب الصلاة على قدر حظه من القرب قاله السهروردى في عوارف المعارف (الفرغاني) بفتح الفاء وسكون الراء ثم معجمة وبعد الالف نون منسوب الى فرغانة ناحية بالشرق (بالترتيل) أي بالتنزيل

(2/307)


باللوم على نفسى وأخاف ان لا تقبل مني وأرجو أن تقبل مني وأنا بين الرجاء والخوف وأشكر من علمني وأعلمها من سألني وأحمد ربى إذ هداني. قال له محمد بن يوسف مثلك يصح ان يكون واعظا فرحم الله حاتما ما أحسن ما وصف من حال صلاته ولقد صدق عليه وعلى أمثاله قوله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ. وقال الشيخ الصالح القانت عبد الله بن خليل المقدسى سمعت بعض العلماء المحدثين يثنى على والدى بأنه يحسن الصلاة قال فتغير باطني لها لما علمت من جلالة قدر والدى وغزارة علمه ومعرفته بالله تعالى ثم بعد ذلك ظهر لى انه قد أبلغ في الثناء. قلت وتصديق ذلك عن بعض المحققين انه قال للصلاة ستمائة أداب ولا يحيط بذلك الا من زين الله باطنه بالمراقبة والخشوع وظاهره باتباع السنة والآن نرجع الى ما نحن بصدده من تسيير صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحر المعارف ومعدن اللطائف فنذكرها على الولاء من التحريم الى السلام ثم ما يتبعها من الاذكار عنه عليه أفضل الصلاة والتسليم وبالله التوفيق وقبل ذلك انه صلى الله عليه وسلم كان اذا فرغ المؤذن من الاقامة وقام الى الصلاة لا بد ان يتخذ سترة بين يديه شيأ خطا أو غيره وكان المقصود من ذلك والله أعلم تهيئة حريم للصلاة حتى يمنع من مرّ دونها ويسكن في حركاته اليها وينكف بصره عليها ثم يأمرهم بتسوية الصفوف وتعديلها والتراص فيها ووصلها وسد الفرج وتقاربها ويحض على ذلك ويبالغ فيه بالقول والفعل والترغيب والترهيب والوعد والوعيد والتهديد على من خالف ذلك حتى ورد انه صلى الله عليه وسلم كان يتخلل الصف من ناحية الى ناحية ويمسح بيده الشريفة مناكبهم وصدورهم ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم (مثلك) بكسر الميم وسكون المثلثة (والذين يؤتون ما أتوا) وقرائة عائشة والذين يأتون ما أتوا أى يعملون ما عملوا من اعمال البر (وقلوبهم وجلة) أى خائفة ان ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وان أعمالهم لا تقبل منهم (انهم الي ربهم راجعون) لانهم يوقنون بالرجوع اليه تعالى قال الحسن عملوا والله بالطاعات واجتهدوا وخافوا ان يرد عليهم وأخرج الثعلبى عن عائشة قالت قلت يا رسول الله والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه (من خال) بالمعجمة مكبر (من تسيير) بتقديم المهملة على التحتية المكررة (لا بد أن يتخذ سترة) أخرج الطبراني عن عصمة بن مالك قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حربة تسمى بها بين يديه فاذا صلى ركزها بين يديه (وكان المقصود) بالتشديد (والتراص فيها) بفتح الفوقية والراء وتشديد الصاد المهملة أى التلاصق (وسد الفرج) جمع فرجة وهى الخلل في الصف (ويقول) استوواو (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) أخرجه

(2/308)


وانه عدلهم مرة فلما أراد ان يكبر رأي رجلا باديا صدره من الصف فقال عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم ووجوهكم حتى كان أحدهم يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه والاحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة منتشرة فهي من السنن المؤكدة التى حض النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها ولم يرخص في تركها وواظب عليها الخلفاء الراشدون بعده ولما اتسعت دائرة الاسلام في خلافة عمر اتخذ معدلين للصفوف ولا يكبر حتى يخبروه باستوائهم وكذلك فعل عثمان وكان علىّ كرم الله وجهه يقول تقدم يا فلان تأخر يا فلان فينبغى للأئمة الاهتمام بذلك والحرص على الاقتداء برسول الله صلى عليه وسلم وامتثالا لأمره وفرارا من نهيه وأن لا يكبروا حتى يستكمل تعديل الصف كما ورد انه صلى الله عليه وسلم كان اذا رأى ان قد استووا كبر ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم منطوقا ولا مفهوما انه تلفظ بالنية ولا بالمنوى ولا دخل في الصلاة بغير التكبير واماما اعتاده الناس أمام التكبير من الشغل بالالفاظ التى تشترط نيتها كقصد فعل الصلاة وتعيينها ومفروضها فلا بأس به وقد قال العلماء يستحب ان يساعد بلسانه قلبه ولا كلام انه ان تكلم بلسانه من غير نية لم يجزه وان نوى بقلبه وتكلم بالتكبير فقط كما هو المنقول عنه صلى الله عليه وسلم أجزأه وبعض الناس يزيد في التحريم ألفاظا فيذكر النية واستقبال القبلة وعدد الركعات في تطويل وتهويل أحدثوه ما لم يرد به كتاب ولا سنة ولا أثر عمن تتم به أحمد ومسلم والنسائي عن ابن مسعود ولاحمد والشيخين وأبي داود والنسائى بن حديث أنس سووا صفوفكم فان تسوية الصف من اقامة الصلاة وللطبرانى في الاوسط وأبى نعيم في الحلية منه استووا تسووا قلوبكم تماسوا تراحموا وللدارمي من حديث البراء سووا صفوفكم لا تختلف قلوبكم والمراد بالتسوية اعتدال القائمين على سمت واحد ويطلق أيضا على سد الفرج التى في الصف وقوله فتختلف بالنصب على جواب النهى ومعنى اختلاف القلوب مسخها والعياذ بالله وتحويلها عن صورها وايقاع العداوة والبغضاء بينهم واختلاف القلوب كما يقال بغير وجه فلان على أى ظهر لى من وجهه الكراهة لى وتغير قلبه على وذلك لان مخالفتهم في الصفوف مخالفة في الظواهر وهي سبب لمخالفة البواطن (عباد الله لتسون صفوفكم الى آخره) أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي عن النعمان بن بشير وأخرجه ابن ماجه عنه أيضا بلفظ سووا صفوفكم الى آخره وقوله لتسون بضم الفوقية وفتح المهملة وضم الواو المشددة وتشديد النون وللمستملي في صحيح البخارى لتساوون بواوين واللام لام القسم (أو يخالفن الله بين قلوبكم ووجوهكم) فيه القولان في اختلاف القلوب ويؤيد كونه حقيقيا حديث أحمد أو ليطمسن الوجوه (يلزق) يلصق (امام التكبير) بفتح الهمزة (قلبه) بالنصب

(2/309)


القدوة ومما أحدث أيضا وعم العمل به حتى توهم كثير من الناس انه سنة أو واجب ما اعتاده المأمومون بأجمعهم من التكبير لتكبير احرام امامهم ثم يعيدون ينظمون الالفاظ ويكررونها لا حرام أنفسهم حتى يطول الفصل ويفوتهم فضيلة ادراك تكبيرة احرام الامام وأما حسن تلك التكبيرة الزائدة لو كانت تكبيرة عقد احرامهم وادركوا بها الفضيلة فقد قال محيى الدين النووى رحمه الله تعالى وادراك تكبيرة الاحرام فضيلة وانما تحصل بالاشتغال بالتحريم عقيب تحريم امامه
[فصل في الموسوسين واستحكام إبليس عليهم]
ثم ان طائفة من الموسوسين استحكم عليهم تلبيس ابليس وعدلوا عن المعلوم الى الموهوم وجانبوا المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتحققت منهم طاعة اللعين. وصيرتهم الى سنة المجانين. فترى أحدهم يلعب بيديه عند التكبيرة في الهوى ونارة يعركها ويتلجي ويبلو نفسه في تردد عبارة الاحرام ويتلوي حتى كانه يحاول أمرا فادحا أو يتسوغ أجاجا مالحا حتى تفوته فضيلة تكبيرة احرام الامام جملة وربما فاتته الفاتحة فلم يطلقه شيطانه الا على رأس الركوع وربما فاتته الركعة الاولى أو الصلاة جملة فيقع في الخيبة والحرمان ويتحقق عليه استيلاء الشيطان. حتى تتأتى منه التكبيرة بمشقة وصوت فاحش يتآذي به من حوله وربما أذاهم وشوش عليهم بالجهر بالالفاظ السرية ولا يري انه يسمع نفسه الا بذلك فيتضاعف وزره مع مخالفته للسنة* ومنهم من أنكر العيان ومسموع الاذان حتى أنكر شيأ صدر مفعول يساعد (باجمعهم) بضم الميم (تلك التكبيرة) بالنصب على التعجب (لو كانت) اسمها مضمر فيها (عقد احرامهم) خبرها فقد (قال الامام محيى الدين النووي) وهذا لفظه في المنهاج (وادراك تكبيرة الاحرام) مع الامام (فضيلة) لورود الحث على ذلك عن السلف الصالح وأخرج الترمذى بسند منقطع من صلى أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الاولى كتبت له ثوابان برآة من النار وبرآة من النفاق (وانما يحصل) بشيئين بحضوره تكبيرة الامام و (بالاشتغال بالتحريم عقب تحريم امامه) من غير تراخ ولا وسوسة ظاهرة كما قاله في المجموع فافهم ان الوسوسة اليسيرة لا تمنع الادراك ودليل اشتراط الحضور يؤخذ من حديث الترمذي المار آنفا لان من أحرم الامام وهو غائب لا يسمى مدركا وكذا من أحرم في حضوره ولم يعقبه ويدل عليه فاذا كبير فكبروا والفاء للتعقيب ومن خشى فوات التكبيرة لم يسن له الاسراع ليدركها بل يمشى بسكينة كما لو لم يخف فوتها لقوله صلى الله عليه وسلم اذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم بالسكينة والوقار فما. أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه عن أبي هريرة وكذا لو خشي فوت الجماعة على المنقول خلافا للفارقي وابن أبي عصرون وقضيته كلام الرافعي (استحكم) أى غلبت (تلبيس ابليس) تخليطه وتشكيكه

(2/310)


منه وسمعه غيره وشاهده فضلا عنه حتى اشبه بذلك مذهب السوفسطائية الذين أنكروا حقائق الموجودات والامور المحسوسات الضروريات وربما عظم الضرر باخذ الموسوسين حتى عجز عن النطق ضرورة قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي في كتابه الذي سماه كتاب ذم الوسواس وأهله قال لى انسان منهم قد عجزت عن قول السلام عليكم فقلت له قل مثل ما قلت الآن وقد استوحت ونحو هذا وأوصافهم كثيرة قال وقد بلغ الشيطان منهم الى أن أغواهم في الدنيا وأخرجهم عن اتباع نبيهم المصطفي وأدخلهم في جملة المتنطعين الغالين في الدين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا* واعلم ان مبادئ الوسواس ومنشأ سببه اما ضعف في العقل أو جهل بالسنة واقتدى الجاهلين بالمهملين. وروينا عن السيد الجليل أحمد بن عطاء الروذرباى رحمه الله ونفع به قال كان في استقضي في أمر الطهارة وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببت من الماء ولم يسكن قلبي فقلت يا رب عفوك عفوك فسمعت هاتفا يقول العفو في العلم فزالت عنى ذلك ونعم لقد صدق رحمه الله فلو تأمل طائفة الموسوسين أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تعرفوها (الى شبه) بكسر المعجمة وسكون الموحدة (السوفسطائية) بضم المهملة وسكون الواو وفتح الفاء ثم مهملتين وبعد الالف نون فتحتية واشتقاق اسمهم من سوفسطا اسم للحكمة المموهة والعلم المزخزف لان سوفا معناه العلم والحكمة وسطا معناه المزخرف (الذين ينكرون حقائق الموجودات) ويزعمون انها اوهام وخيالات باطلة وهذه فرقة منهم تسمى العبادية ومنهم فرقة تسمى العبدية ينكرون ثبوت الامور ويزعمون انها تابعة للاعتقادات حتى ان اعتقدنا الشيء جوهرا فجوهر أو عرضا فعرض أو قديما فقديم أو حادثا فحادث ومنهم أخرى تسمى اللادرية ينكرون العلم بثبوت شيء ولا بثبوته ويزعم انه شاك وشاك في انه شاك وهلم جرا (والامور) بالنصب عطفا على حقائق وبالجر عطفا على الموجودات (ابن قدامة) بضم القاف ثم مهملة (المقدسى) نسبة الى بيت المقدس (المتنطعين) بالفوقية فالنون فالمهملتين وهم الغالون في الدين المجاوزون حد الاعتدال المبالغون المشددون في غير محل التشديد (الذين ضل سعيهم) أى بطل عملهم الذى عملوه (في الحياة الدنيا) وهم اليهود والنصاري قاله ابن عباس وسعد ابن أبي وقاص أوهم أهل حروراء قاله على بن أبي طالب وقيل هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع (وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا) أي عملا أي يحسبون ان عملهم حسن فاتعبوا أنفسهم فيه يرجون نوالا فنالوا هلاكا وبواوا ووبالا كمن اشترى سلعة يرجو فيها ربحا فخسر وخاب سعيه (أحمد بن عطاء) يكني أبا عبد الله قال القشيري هو ابن اخت أبي على الروذباري شيخ الشام في وقته مات بصور سنة تسع وستين وثلاثمائة (الروذبارى) بضم الراء وسكون الواو وفتح المعجمة والموحدة فالف فراء نسبة الى روذبار مدينة بالشام (كان في) بتشديد الياء (عفوك عفوك)

(2/311)


اذا لم يعلموها من غيرهم وعرفوا يسيره وتيسيره وانه كان يؤاكل الصبيان ويأكل طعام عامة المسلمين وأهل الكتاب والذميين ويتوضأ في آنيتهم من غير بحث ويغتسل هو والمرأة من نسائه من الجنابة في اناء واحد دفعة واحدة تختلف أيديهم فيه وانه صلى مرة وهو حامل امامة بنت أبى العاص بن الربيع على ظهره اذا قام حملها واذا سجد وضعها فانه كان يتوضأ باسار الدواب ويصغى الاناء للهرة حتى تشرب منه وتوضأ هو وأصحابه من مزادة مشتركة وانه لم ينقل انه تردد في التكبير ولا تلفظ بقول أصلى وما بعده وقد أوجب الله علينا اتباعه في الأفعال والأقوال على كل حال فقال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقال تعالى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وقال تعالى وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ وأخبرنا تعالى ان الشيطان يقعد لنا في طرق الطاعات كما سيوصله لنا في المخالفات فقال تعالى مخبرا عنه لاقعدن لهم صراطك المستقيم منصوب باضمار أسألك (كان يغتسل هو والمرأة من نسائه الى آخره) أخرجه بهذا اللفظ أحمد والبخارى عن أنس (وانه صلى مرة وهو حامل امامة الى آخره) أخرجه الشيخان وغير هما قال العلماء فيه دليل لتغليب الاصل على الظاهر كما هو أحد قولى الشافعى وذلك لان الغالب نجاسة ثوب الصبي وغيره من بدنه وفيه جواز ادخال الصبي غير المميز المسجد اذا أمن منه التنجيس وفيه عدم بطلان الصلاة بالعمل القليل وفيه اللطف بالصغار والرفق بهم (ويصغي) أى يميل (وضوء) بفتح الواو (وتوضأ هو وأصحابه) في حديث ذات المزادتين (من مزادة) بفتح الميم ثم زاى هي القربة العظيمة سميت بذلك لانه يجعل في رأسها زيادة (قُلْ) يا محمد لليهود والنصارى الذين زعموا انهم أبناء الله وأحباؤه أو لقريش الذين زعموا انهم انما يعبدون الاصنام حبا لله تعالى وتقربا اليه (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ) فعلامة محبته اتباعي (فَاتَّبِعُونِي) أي اتبعوا شريعتى وسنتي (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) فاني رسوله اليكم وحجته عليكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بين ذلك كيفية محبته وانها ليست ميل القلب الذي تنزه عنه تعالي وانما المراد ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم (وَأَنَّ) بكسر الالف وتشديد النون على الاستئناف للكسائي وبفتحها لغيره ما عدا ابن عامر فانه يقرأ بكسر الهمزة وتخفيف النون وعلى قراءة الاكثر قال الفراء واتل عليكم ان (هذا) يعنى دين الاسلام (صِراطِي) أى طريقي وديني (مُسْتَقِيماً) أي مستويا لا عوج فيه (فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أى الطرق المختلفة التى عدا هذه الطريق كسائر ملل الكفر وقيل أراد الاهواء والبدع (فَتَفَرَّقَ) أى فتتفرق أي تميل (بِكُمْ) وتتشتت (عَنْ سَبِيلِهِ) أي طريقه ودينه الذى ارتضى وبه أوصى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) أي لا جلسن لبني آدم (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) أى دينك القائم

(2/312)


ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ وقد عظمت عنية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في الاعتناء بسنته وحملهم أنفسهم على هديه وطريقته فربما عرض لاحدهم عارض من باب التغليظ في الطهارة والتشديد في الدين ثم تركه لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله* فروينا عن عمر انه كان يهم بالأمر ويعزم عليه واذا قيل له لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى عنه حتى قال لقد هممت أن أنهى عن لبس الثياب المصبوغة فانه بلغنى انها تصبغ ببول العجائز فقيل له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبسها ولبست في زمانه فصدق ذلك وترك وقال مرة لابنه أو لغلامه أبغني ثوبا لخلائى غير ثوب صلاتى فانى رأيت الذباب ربما يقع على الخلاء ثم يقع على الثوب ثم انتبه فقال ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الا ثوب واحد وترك ما هم به* وروى مثل ذلك لزين العابدين على ابن الحسين رضي الله عنهم وهذا ما تأملوه وفهموه من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم على قربهم منه مع اعتبار قوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السهلة وقوله صلى الله عليه وسلم ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق ولا تبغض الى نفسك عبادة الله تعالى (ثم لآتينهم من بين أيديهم) أى قبل الآخرة فاشككهم فيها (ومن خلفهم) أى ارغبهم في دنياهم (وعن أيمانهم) أشبه عليهم أمر دينهم (وعن شمائلهم) اشهى لهم المعاصى قاله ابن أبي طلحة عن ابن عباس وروي عطية عنه من بين أيديهم من قبل دنياهم يعنى أرمها في قلوبهم ومن خلفهم أي من قبل الآخرة فاقول لا بعث ولا جنة ولا نار وعن أيمانهم من قبل حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سيآتهم وقال الحكم من بين أيديهم من قبل الدنيا يزينها لهم ومن خلفهم من قبل الآخرة يثبطهم عنها وعن أيمانهم من قبل الحق يصرفهم عنه وعن شمائلهم من قبل الباطل يزينه لهم وقال قتادة من بين أيديهم أخبرهم ان لا بعث ولا جنة ولا نار ومن خلفهم من قبل الدنيا فزينها لهم ودعاهم اليها وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها وعن شمائلهم زين لهم السيآت والمعاصى ودعاهم اليها أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير انه لم يأتك من فوقك لم يستطع ان يحول بينك وبين رحمة ربك وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا يبصرون (ولا تجد أكثرهم شاكرين) قال الخبيث ذلك ظنا فاصاب قال تعالى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ (عنية) أي اعتناء واهتماما (بهم) بفتح التحتية وضم الهاء وتشديد الميم (ابغني ثوبا) بالوصل ثلاثى أي اطلب لي وبالقطع من الرباعى أى أعني على الطلب (وقوله صلى الله عليه وسلم) بالجر (ان هذا الدين متين الى آخره) أخرجه أحمد عن أنس والمتين بالفوقية القوى يعنى انه لقوته يغلبك كما في الحديث الصحيح لن يشاد الدين أحد الاغلبه (فاوغل) بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر المعجمة أي ادخل فيه جادا مجتهدا لكن برفق أى معه فلا تشدد حتى تخرج

(2/313)


فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث حدثا ليس عليه أمرنا فهو رد* وقوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة* وقوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس منى* وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى عند النزاع بالرجوع الى الكتاب والسنة فقال تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* وقال تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية وقال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فانظر كيف حتم الله على الخلق اتباعه في أحكام شريعته وحمل الانفس وان لم تقتضيه هواها على هديه وسنته كما قال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به وقال السيد كبير الشأن الجنيد ابن محمد البغدادى الطرق كلها مسدودة الاعلى من اقتفى أثر النبي صلى الله عليه وسلم وقال الزهري كان من مضي من علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة وقال حسان بن عطية ما ابتدع قوم بدعة في دينهم الا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها اليهم الى يوم القيامة فاذا فهمت أيها الموسوس ما قررناه وحررناه وتقرر عندك ان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاة أصحابه وصلاة الطبقة الأولى من التابعين قد كانت خالية عن مثل ما استحدثه جهلك أو بسوء رأي من اقتديت به وعلمت بالنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مبادئ ذلك من الشيطان كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان شيطان الوضوء اسمه الولهان وشيطان الصلاة اسمه خنزب علمت الي حد الغلو (فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي) والمنبت بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وتشديد الفوقية قال ابن الاثير يقال للرجل اذا انقطع في السفر وعطبت راحلته أنبت من البت وهو القطع يريد انه بقى في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره وقد أعطب ظهره فمثل صلى الله عليه وسلم للغالى في الدين بهذا المنبت المنقطع وذلك ان الغالى بمدرج أي يمل وينقطع عمله فيعطب في الطريق اليه تعالى ولا يصل وهذا من بديع الامثال عند أرباب اللسان (وقوله) بالجر أيضا (كل بدعة ضلالة) هذا من العام الذي أريد به الخاص (وقوله) بالجر أيضا (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) أي اختلفتم (فِي شَيْءٍ) من أمر دينكم (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) أي الى كتابه (وَالرَّسُولِ) مادام حيا وبعد وفاته الي سنته قال البغوي فالرد الى كتاب الله والسنة واجب ان وجد فيهما فان لم يوجد فسبيله الاجتهاد وقيل الرد الى الله والرسول ان يقول لما لا يعلم الله أعلم (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فهذه سبيل أهل الايمان (ذلِكَ) أي الرد الى الله والرسول (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أى مآلا وعاقبة ومرجعا (وَما آتاكُمُ) أي أعطاكم (الرَّسُولُ) من الفيء والغنيمة (فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ) من الغلول وغيره (فَانْتَهُوا) قال المفسرون الآية نازلة في أموال الفيء وهي عامة في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه (هواها) مقصور (خنزب) بكسر المعجمة وسكون النون وفتح الزاي وكسرها ويقال أيضا بفتح المعجمة وضمها مع فتح الزاي

(2/314)


ركاكة الحال وماذا بعد الحق الا الضلال وأى خير في صلاة اشتملت على بدعة أو خلاف سنة قال تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ* وروينا في مسند الدارمي عن هشام بن حجير قال كان طاووس يصلى ركعتين بعد العصر فقال له ابن عباس اتركها قال اتنهى عنها ان يتخذ سلما قال ابن عباس فانه قد نهى عن صلاة بعد العصر فلا أدري أتعذب عليها أم تؤجر لأن الله تعالى يقول وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ* وقال رجل لسعيد بن المسيب وقد نهاه عن ذلك يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة قال لا ولكن يعذبك بخلاف السنة وكم مريد للخير لم يصبه ومتقرب الى الله بما يباعده عنه ومتحبب اليه بما يبغضه عليه قال الله تعالى أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً أعاذنا الله من ذلك وبصرنا بعيوبنا وجعلنا ممن يأمر ويأتمر وينهى وينتهى ويقول ويفعل متبعين غير مبتدعين بجاه سيد المرسلين وخاتم النبيين وفيما ذكرنا وسطرنا كفاية لمن وفق وشرح الله صدره فاما من أشرب هواه واتبع أولاه أخراه وحرج صدره فلم يتبع غير مهواه فيري نفسه وشيطانه قد تظاهرا عليه وحسنا له ما يدعو انه اليه فيعنف واعظه ويبذ عليه ويرى انه أسدى اليه سيئة فيكافئه بمثلها ويقول لمثلى تقول هذا فيشبه حينئذ بوصف من قال الله فيه واذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد وكان طريقة السلف رحمهم الله اذا وعظ أحدهم فوضح له وجه الصواب شكر واعظه ورجع فيهما (ركاكة الحال) أى ضعفه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أى تأس واقتداء (ابن حجير) بالمهملة فالجيم مصغر (سلما) بضم المهملة وفتح اللام المشددة (وكم) خبرية (مريد) مجرور بها (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) أي زين له الشيطان ذلك بالوسواس نرلت في أبي جهل ومشركى مكة قاله ابن عباس وفي أصحاب الاهواء والبدع قاله سعيد بن جبير قال قتادة منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وأما أهل الكبائر فليسوا منهم لانهم لا يستحلونها ومعنى زين شبه له وموه عليه وحسن له سوء عمله أي قبيحه (فَرَآهُ حَسَناً) وفي الآية حذف أي من كان كذلك يكون كمن هداه الله فرأى الحق حقا والباطل باطلا وهذا استفهام نفي أي ليس هو كمن ذكر (اشرب هواه) مبنى للمفعول (واتبع أولاه) أي ما كان قبل الموعظة (أخراه) أى ما كان بعدها أي ان حاله سواء ان وعظ وان لم يوعظ (وحرج صدره) أي ضاق (فيعنف واعظه) أي يلومه (ويبذ عليه) بالموحدة فالمعجمة أي يفحش لسانه (أسدي اليه) بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الدال المهملتين أي اصطنع (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ) أي خفه (أَخَذَتْهُ) أي حملته (الْعِزَّةُ) وحمية الجاهلية والعزة التكبر والمنعة (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) أى كافية (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) أي الفراش قال البغوى قال عبد الله بن مسعود ان من أكبر الذنب عند الله ان يقال للعبد اتق الله فيقول عليك

(2/315)


على نفسه باللوم والعتاب وكان عمر بن الخطاب يقول رحم الله من أهدى الىّ عيوبى واعترضته امرأة في كلام تكلم به في ملأ من الناس فصاح على نفسه بالخطأ. وقال شيخ جهل وامرأة علمت فانظر يا أخى كيف كان حالهم في اقتدائهم بسنة نبيهم ورجوعهم الى الحق بعد معرفته وذلك لقوة ايمانهم وضعف قوى أنفسهم عند ظهور الحق واخناس شيطانهم فدن الله بما دانوا ومت على ما ماتوا تنج وتسلم وتغنم وبالله التوفيق* أما الوسواس في النية التي نحن بصددها فقد قال الشيخ الامام عبد الله بن قدامة المقدسى اعلم ان النية هى القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلا ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه في النية لفظا بحال ولا سمعنا عنهم ذلك وهذه العبارات التي حدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة وجعلها الشيطان معتركا لأهل الوسواس يحبسهم عندها ويعذبهم فيها ويوقفهم في طلب تصحيحها فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في اللفظ بها حتى كأنه يحمل ثقلا يدفعه وليست من الصلاة أصلا وانما النية قصد فعل الشيء وكل عازم على فعل شيء فهو ناوله فمن قصد الوضوء فقد نواه ومن قصد الصلاة فقد نواها ولا يكاد عاقل يقصد شيئا من عباداته ولا غيرها بغير نية فالنية أمر لازم لافعال الانسان المقصودة لا يحتاج الى تعب ولو أراد اخلاء أفعاله عنها لعجز عن ذلك ولو كلفه الله تعالى الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيقه ولا يدخل تحت وسعه وما كان هكذا فما وجه التعب في تحصيله وان شك في حصولها منه فهو نوع جنون فان علمه بحال نفسه أمر يقيني فكيف يشك فيه عاقل هذا معني كلامه.
[فصل في رقية الوسواس]
(فصل) في رقية الوسواس روينا في صحيح مسلم عن عثمان بن أبى العاص قال قلت يا رسول الله ان الشيطان قد حال بيني وبين صلاتى وقراءتى يلبسها على فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك شيطان يقال له خنزب فاذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ففعلت ذلك بنفسك وروي انه قيل لعمر بن الخطاب اتق الله فوضع خده على الارض تواضعا لله عز وجل (ورجوعهم الى الحق) بالضم عطفا على حالهم وبالكسر عطفا على اقتدائهم (قوى) بضم القاف وفتح الواو والقصر القوة (واخناس شيطانهم) بالمعجمة فالنون (فدن) أمر من دان يدين بمعنى أطاع (تنج) بالجزم على جواب الامر وكذا ما بعده (ذكر ذلك) بالنصب (معتركا) بضم الميم وسكون المهملة وفتح الفوقية والراء.
(فصل) في رقية الوسواس (حال بيني وبين صلاتي) أى منعنى لذتها والفراغ للخشوع فيها (يلبسها على)

(2/316)


فاذهبه الله تعالى وقال الامام القطب محيى الدين النووى قال بعض العلماء يستحب قول لا إله الا الله لمن ابتلى بالوسوسة في الوضوء والصلاة واشباههما فان الشيطان اذا سمع الذكر خنس والله أعلم.

[فصل في كيفية صلاته صلى الله عليه وسلّم من ابتدائه في تكبيره الإحرام إلى تشهده]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتدائه في تكبيرة الاحرام يرفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ويحاذى بأطرافهما أذنيه ويستقبل ببطونهما القبلة فاذا فرغ من التكبير أرسلهما باناة وقبض بيمينه على ظهر يساره وجعلهما تحت صدره ثم ان كانت الصلاة جهرية سكت سكتة طويلة يأتى فيها بدعاء الاستفتاح وثبت في مجموعة أحاديث كثيرة بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه أي يخلطها على ويشككنى فيها (سمع الذكر خنس) أي تأخر (فائدة) من رقية الوسواس قراءة قوله تعالى هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أخرجه أبو داود عن ابن عباس.
(فصل) في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتدائه في تكبيرة الاحرام الي آخره) اخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما كان اذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم كبر فاذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك واذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك ولا يفعله حين يرفع من السجود زاد البخارى ولا يفعل ذلك حين يسجد واذا قام من الركعتين رفع يديه وفي رواية لمسلم كان اذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما فروع أذنيه أى اعاليهما ولابي داود من حديث وائل ابن حجر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع ابهاميه في الصلاة الي شحمة أذنيه وجمع الشافعي بين الروايات بانه كان يحاذي بكفيه منكبيه وبابهاميه شحمتي أذنيه وبرؤس أصابعه أعلاهما (باناة) أى برفق (وقبض بيمينه على ظهر يساره) أخرج مسلم من حديث وائل بن حجر انه وضع يده اليمنى على اليسري زاد البزار عند صدره ولابن خزيمة على صدره ولابي داود وضع كفه اليمني على ظهر كفه اليسري والرسغ والساعد وحكمته تسكين اليدين وليجاور بهما القلب الذى خشوعهما بالسكون فرع خشوعه بالمهابة والخشية (ثم ان كانت الصلاة جهرية) وكذا سرية (سكة سكتة) أى ترك الجهر بالاستفتاح ولم يرد السكوت الحقيقى (يأتي فيها بدعاء الافتتاح) أخرج مسلم قال كان اذا افتتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي للذى فطر السموات والارض حنيفا زاد ابن حبان مسلما وما أنا من المشركين الى قوله وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (وثبت في مجموعه أحاديث كثيرة) منها سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك أخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم عن أبي سعيد وأخرجه الطبراني عن ابن مسعود وعن واثلة بن الاسقع وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن عائشة ومنها اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب الى آخره أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة ومنها اللهم أنت الملك لا اله الا أنت الى آخره أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى عن علي ومنها الحمد

(2/317)


يستحب الاتيان بجميعها ومن آثر الاختصار لغرض فيحسن اقتصاره على قوله وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وهذه احدى سكتاته الاربع صلى الله عليه وسلم ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم* قال النووي المختار ان يتعوذ في كل ركعة سرية في حال الجهر والاسرار ثم يقول بسم الله الرحمن الرحيم وكان صلى الله عليه وسلم ربما جهر بها وربما أخفي وبين العلماء تنازع في وجوبها والجهر بها والأسرار ثم يقرأ الفاتحة ويرتلها ويقف عند آخر كل آية منها ويمد آخر الكلمة. قال أصحابنا وفيها أربع عشر تشديدة يتعين الاتيان بجميعها ويقول بعد الفراغ منها آمين يجهر بها في موضع الجهر ويسر بها في لله حمدا كثيرا طيبا مباركا أخرجه مسلم وأبو داود عن أنس ومنها الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا أخرجه مسلم والترمذي والنسائى عن ابن عمر (يستحب الاتيان بجميعها) لمنفرد وامام محصورين راضيين بالتطويل لم يطرأ عليهم غيرهم ولم يتعلق باعتنائهم حق ولم يكن المصلى مطروقا (وجهت وجهى) أي أخلصت عبادتي (ونسكى) أي عبادتي (ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أخرجه أبو داود والحاكم وابن ماجه وابن حبان وابن عساكر عن جبير بن مطعم (ثم يقول بسم الله الرحمن الرحيم) أخرجه ابن خزيمة والحاكم من حديث أم سلمة بلفظ عد البسملة أنه من الفاتحة وللدار قطني من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال اذا قرأتم الْحَمْدُ لِلَّهِ فاقرؤا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أنها ام القرآن وام الكتاب وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ احدى آياتها (وبين العلماء) رحمهم الله (تنازع في وجوبها) بحسب تنازعهم في أنها آية من الفاتحة أم لا والقائلون بانها ليست من الفاتحة يستدلون بحديث الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك قال قمت وراء أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فكلهم كانوا لا يقرؤن بسم الله الرحمن الرحيم اذا افتتح الصلاة (و) بهذا يستدل أيضا من قال بعدم (الجهر بها) ومذهب الشافعى والثوري وابن المبارك وطوائف من السلف والخلف أن البسملة آية من الفاتحة وأنه يجهر بها حيث يجهر بالفاتحة وذلك لما مر ولانها كتبت في المصحف باتفاق الصحابة واجماعهم على أن لا يثبتوا فيه بخط القرآن سوى القرآن وأجمع بعدهم المسلمون على ذلك وأجمعوا على أنها ليست في أول برآة وأنها لا تكتب فيها وأجابوا عن حديث أنس بان أصل روايته وكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين يريد سورة الفاتحة وما ذكر في بعض الاحاديث من نفي البسملة فتضرف من بعض الرواة ظنا منه انه المراد فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين يريد سورة الفاتحة أي لا يأتون بالبسملة (ثم يقرأ الفاتحة) أخرج الشيخان وغيرهما لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ولابن خزيمة والدار قطنى لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها الرجل بفاتحة الكتاب (ويرتلها) امتثالا لقوله تعالى وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ (يتعين الاتيان بجميعها) أي التشديدات لان المشدد حرفان فاذا خفف بطل حرف (ويقول بعد الفراغ منها آمين يجهر بها الى آخره) أخرجه أبو داود من

(2/318)


موضع الاسرار. واعلم ان التأمين مستحب للامام والمنفرد داخل الصلاة وخارجها وردت أحاديث كثيرة في فضله وعظيم أجره والسنة ان يؤمن المأمومون بأسرهم لقراءة أمامهم ويقترن تأمينهم بتأمين امامهم لا قبله ولا بعده لانه صح ان الملائكة تؤمن لقراءة الامام فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وليس في الصلاة موضع يستحب ان يقترن فيه قول المأموم بقول الامام الا في التأمين واما باقى الاقوال فيتأخر قول المأموم عن قول الامام والسنة ان يسكت بين الفاتحة والتأمين سكتة لطيفة ليعلم ان أمين ليست من الفاتحة.
[فصل وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد التأمين سكتة طويلة]
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد التأمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة فهى سنة قل من الأئمة من يستعملها فهى من السنن المهجورة.
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح والأولين من باقى حديث وائل بن حجر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقال آمين رفع بها صوته (مستحب للامام) لما مر أنه صلى الله عليه وسلم رفع بها صوته (و) المأموم لما أخرجه البيهقى عن عطاء قال أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد اذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين سمعت لهم رجة بآمين وفي البخاري معلقا آمين أمن الزبير ومن خلفه حتى أن للمسجد للجة (والمنفرد) قياسا (ووردت أحاديث كثيرة في فضله وعظيم أجره) كقوله صلى الله عليه وسلم وقد سمع داعيا يدعو وجب إن ختم فقال رجل من القوم بأي شيء يختم فقال بآمين فانه ان ختم بآمين فقد أوجب أخرجه أبو داود عن أبى زهير النميرى وأمن صلى الله عليه وسلم على دعاء زيد بن ثابت ورجل آخر وأبي هريرة وهم في المسجد يدعون أخرجه النسائي والحاكم عن زيد بن ثابت وأمن صلى الله عليه وسلم على المنبر ثلاثا أخرجه الحاكم في المستدرك عن كعب بن عجرة وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن مالك بن الحويرث ودعا صلى الله عليه وسلم بدعاء طويل وأمن في تفاصيله أخرجه الحاكم من حديث أم سلمة وأخرج ابن أبي عدي والطبراني من حديث أبي هريرة آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده وأخرج ابن شاهين في السنة من حديث علي أمنوا اذا قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (باسرهم) بفتح الهمزة أى باجمعهم (لانه صح) عنه صلى الله عليه وسلم (ان الملآئكة تؤمن لقراءة الامام الى آخره) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبى هريرة (فمن وافق قوله قول الملائكة) أى وقتا وزمانا أو صفة وخشوعا واخلاصا قولان والمراد بالملآئكة الحفظة او غيرهم لقوله في الحديث الآخر قول أهل السماء قولان (غفر له ما تقدم من ذنبه) المراد غفران الصغائر كما في نظائره زاد الجرجانى في الامالى وما تأخر (الا في آمين) فانه يستحب اقتران قول الامام والمأموم (فهى) أي سكتة الامام بعد التأمين (سنة) قال أصحابنا لكن يشتغل فيها بقراءة وهي أولى أو ذكر فليس هذا سكوتا حقيقيا.
(فصل) في قراءته صلى الله عليه وسلم السورة (كان يقرأ في صلاة الصبح والاولتين من باقي

(2/319)


الفرائض سورة بعد الفاتحة فيجعلها في الصبح والظهر من طوال المفصل وفي العصر والعشاء من أوساطه وفي المغرب من قصاره وهذا غالب حالاته في الصلوات وربما غيرها بحسب الحاجات والضرورات فثبت انه صلى الله عليه وسلم ربما دخل في الصلاة يريد اطالتها فيسمع بكاء الصبى وأمه من المقتدين به فيخفف مخافة ان يشق على أمه وغضب على معاذ غضبا شديدا حين طول في العشاء وعين له سورة والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الاعلى والليل اذا يغشى وقال اذا أم أحدكم الناس فليخفف فان فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة فاذا صلى وحده فليصل كيف شاء* وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يطول في الاولى مالا يطول في الثانية ويبالغ في الاسرار في موضعه حتى لا يعلمون قراءته الا باضطراب لحيته وربما أسمعهم الآية أحيانا وكره صلى الله عليه وسلم للمأمومين الجهر بالقراءة خلف أمامهم فثبت في الصحيح انه صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر أو العصر فلما سلم قال أيكم قرأ خلفي سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال بعضهم انا ولم أرد بها الا الخير قال قد علمت ان بعضكم خالجنيها أى نازعنيها لهذا الحديث. قال العلماء تستحب السورة التى بعد الفرائض سورة الى آخره) أخرجه الشيخان في غير المغرب وأخرجه النسائي فيه باسناد حسن وكان يقرأ في غير الاولتين أيضا كما أخرجه الشيخان في الظهر والعصر ومالك في المغرب ومن ثم كان للشافعى قول بسنية السورة في جميع الصلاة وفي ترجيح الاصحاب القول الثاني وهو القراءة في الاوليين فقط تقديم للدليل النافي على الدليل المثبت عكس الراجح في الاصول وجمع بعضهم بينهما بان ذلك بحسب اختلاف المأمومين فحيث آثروا التطويل قرأ السورة في غير الاوليين وحيث كثروا تركها والاوليان تثنية اولى (من طوال) بكسر الطاء فقط (المفصل) سمي بذلك لكثرة فصوله أى لقصر سوره وغير ذلك (وفي العصر والعشاء من أوساطه وفي المغرب من قصاره) وحكمة ذلك أن الصبح والظهر يكونان عقب النوم غالبا فشرع صلى الله عليه وسلم التطويل ليدرك من قام من النوم وأن المغرب ضيقة الوقت فشرع لها القصار وأما العصر والعشاء فلأن المذكور في محل التطويل والاختصار لم يوجد فيهما فاختصا بالوسط وآخر المفصل آخر القرآن وفي أوله عشرة أقوال للسلف أصحها انه من الحجرات وقيل من الصافات وقيل من الجاثية وقيل من الفتح وقيل من سورة محمد وقيل من قاف وقيل من الحديد وقيل من الصف وقيل من تبارك الملك (اذا أم أحدكم الناس فليخفف الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى عن أبي هريرة (العصر) بالنصب وكذا ما بعده (فليصل كيف شاء) في رواية اخرى فليطول ما شاء (وكان يطول في الاولى) زاد أبو داود وغيره فطننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الاولى (خالجنيها) بالمعجمة فالجيم وللترمذي

(2/320)


الفاتحة للمأموم كما تستحب للامام والمنفرد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه في رفع صوته لا في أصل القراءة وهذا كله فيما يسر به الامام أما ما يجهر به فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة فان لم يسمع قراءة الامام أو سمع هينمة لم يفهمها استحب له السورة بحيث لا يشوش على غيره واعتاد كثير من الناس من الموسوسين وغيرهم الجهر بالقراءة خلف الامام والتشويش على من بقربهم من المصلين وهى عادة سيئة وربما علم بعضهم النهي عن ذلك فلم ينته فيصير علمه حجة عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم علم لا يعمل به ككنز لا ينفق منه أتعب صاحبه نفسه في جمعه ثم لم يصل الى نفعه.
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد الفراغ من القراءة سكتة لطيفة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الهويّ الى الركوع ثم يكبر رافعا يديه كاحرامه ثم يركع فيضع كفيه على ركبتيه ويفرق بين أصابعه ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويسوي ظهره ورأسه من غير ترفيع ولا تنكيس وينصب ساقيه ولا يثني ركبتيه ثم يقول سبحان ربى العظيم ثلاثا باسناد حسن مالي انازع القرآن أما (ما يجهر به) الامام (فلا يزيد المأموم فيه على) قراءة (الفاتحة) لقوله تعالى وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (هينمة) بفتح الهاء والنون بينهما تحتية ساكنة هي الصوت الذي لا يفهم (استحب له السورة) لانه اذا لم يسمع الامام فأي معنى لسكوته (علم لا يعمل به ككنز لا ينفق منه) أخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة بلفظ لا ينتفع به وله عن ابن عمر لا يقال به وللقضاعي عن ابن مسعود علم لا ينفع ككنز لا ينفق منه.
(فصل) في سكوته بعد الفراغ من الفاتحة (سكتة لطيفة) بقدر سبحان الله (الهوى) بضم الهاء وفتحها وكسر الواو وتشديد التحتية (رافعا يديه كاحرامه) كما مر تخريجه (فيضع كفيه على ركبتيه) أخرجه البخاري من حديث أبى حميد الساعدي وأخرج هو ومسلم عن سعد بن أبي وقاص كنا نطبق في الركوع فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب والتطبيق جعل بطن احدى الكفين على بطن الاخرى ويجعلهما بين ركبتيه وفخذيه وهو منسوخ بحديث سعد هذا عند الجمهور بل قالوا بكراهيته ومذهب ابن مسعود وصاحبيه علقمة والاسود أنه غير منسوخ (ويفرق بين أصابعه) أخرجه الحاكم والبيهقي عن وائل بن حجر (ويجافي مرفقيه عن جنبيه) أخرجه بمعناه البيهقي من حديث البراء بن عازب (ويسوي ظهره ورأسه) أخرجه مسلم عن عائشة (من غير ترفيع) هو معنى قولها لم يشخص رأسه (ولا ينكس) هو معنى قولها ولم يصوبه وأخرج ابن ماجه من حديث وابصة كان اذا ركع سوى ظهره حتى لوصب عليه الماء لاستقر وأخرجه الطبرانى في الكبير عن ابن عباس وأبي برزة وعن أبى مسعود (وينصب ساقيه ولا يثنى ركبتيه) أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقى (ثم يقول سبحان ربي العظيم) وبحمده (ثلاثا)

(2/321)


فقد جاء في كتب السنن انه صلى الله عليه وسلم قال اذا قال أحدكم سبحان ربى العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه* وثبت في صحيح مسلم انه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح* وثبت في غيره بأسانيد صحيحة عن عوف ابن مالك قال قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة الا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب الا وقف وتعوذ قال ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة واذكار الركوع واسعة وذهب الامام أحمد بن حنبل وجماعة الى أن الذكر في الركوع واجب فينبغي المحافظة عليه للخروج من الخلاف ولحديث أما في الركوع فعظموا فيه الرب* واعلم ان الركوع ذمام الصلاة وبادراكه تدرك الركعة وبفواته تفوت ولهذا قال العلماء يستحب للامام اذا أحس بداخل وهو راكع أن ينتظره ويمكث حتى يعلم منه الاحرام والركوع والطمأنينة ولا ينتظره فيما بعده من الاركان الا في التشهد الاخير أخرجه أبو داود عن عقبة بن عامر (اذا قال أحدكم سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه) وأخرج أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عقبة بن عامر لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الاعلى قال اجعلوها في سجودكم (وثبت في صحيح مسلم) وسنن أبي داود والنسائي عن عائشة (سبوح قدوس) بضم أولهما على المشهور ومعناهما مسبح ومقدس والمسبح المبرأ من كل النقائص ومن الشريك في الملك والخلق وكل مالا يليق بالباري تعالى (رب الملائكة والروح) قال الخطابي فيه قولان أحدهما أنه جبريل خص بالذكر تفضيلا له على سائر الملائكة والثاني أنه خلق من الملائكة يشبهون الانس في الصور وليسوا انسا وقيل هو ملك عظيم أعظم من الملائكة خلقا انتهى (فائدة) الروح تطلق على القرآن كما قال تعالى وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الآية وعلى عيسى قال تعالى وَرُوحٌ مِنْهُ وعلى روح الانسان وعلى جبريل وعلى ملك آخر من الملائكة قيل وهو المراد بقوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ وعلى صنف من الملائكة (وثبت في غيره) أي في سنن أبي داود والترمذي في الشمائل والنسائى (وذهب الامام أحمد) بن محمد (ابن حنبل وجماعة) من المحدثين (الى ان الذكر في الركوع) والسجود (واجب) آخذا بظاهر الحديث في الامر به مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني اصلي أخرجه البخاري وغيره وذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة والجمهور الى عدم وجوبه محتجين بحديث المسىء صلاته فانه صلى الله عليه وسلم لم يأمره به وأجابوا بان الامر بالتسبيح محمول على الاستحباب (أما الركوع فعظموا فيه الرب) أخرجه مسلم وغيره عن ابن عباس أى سبحوه ونزهوه ومجدوه (زمام الصلاة) بكسر الزاى أى من أدركه فقد أدرك الصلاة كما أن من أدرك زمام الدابة فقد أدركها (ولهذا قال العلماء يستحب للامام الى آخره) اعلم أن في الانتظار قولين للشافعي أرجحهما ينتظر

(2/322)


فانه يستفاد بادراكه صلاة الجماعة
[فصل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال رفعه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده]
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال رفعه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده ويرفع يديه كما يرفعهما للاحرام. فاذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملأ السموات والارض وملأ ما بينهما وملأ ما شئت من شيء بعد ووردت عنه صلى الله عليه وسلم في الاعتدال عن الركوع اذكار كثيرة وهذا أقل ما يقتصر عليه. قال النووى فان بالغ في الاقتصار اقتصر على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد فلا أقل من ذلك. واعلم أنه قد صحح كثيرون من أصحابنا ان الاعتدال ركن قصير وهو خلاف المنقول فقد ثبت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قال سمع الله لمن حمده وقام بشروط معروفة وفي حكاية القولين طرق أشهرها طريقان أحدهما أن القولين في الكراهة وعدمها وحكاه الرافعى عن المعظم والثاني أنها في الاستحباب وجرى عليه النووى في زوائد الروضة واقتصر كلامه في المجموع على ترجيحه ومشى عليه في المنهاج ودليل استحباب الانتظار القياس على استحباب ابتداء فعلها لتحصيل الجماعة للغير الثابت في حديث من يتصدق على هذا فيصلي معه وقد قال تعالى وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى
(فصل) في رفعه من الركوع (كان يقول سمع الله لمن حمده) أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة وأخرجه مسلم أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفي وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي من حديث رفاعة بن رافع ومعنى سمع هنا أجاب ومعناه أن من حمده تعالى متعرضا للثواب استجاب له باعطاء ما تعرض له فانا أقول (ربنا لك الحمد) ليحصل ذلك (حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه) هذا لم يرد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله بل سمع رجلا قاله فلما انصرف قال من المتكلم قال أنا قال رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والطبراني عن رفاعة بن رافع الا قوله بضعة وثلاثين ملكا ففي مسلم بدله اثني عشر ملكا وللطبراني ثلاثة عشر وزاد النسائي كما يحب ربنا ويرضى وهذا الرجل المبهم هو رفاعة بن رافع راوي الحديث كما جاء مصرحا به في رواية النسائي (فائدة) قال النووي وغيره الحكمة في هذا العدد المذكور في البخاري أنه مطابق لعدد الحروف في الذكر المذكور والعدد المذكور في مسلم مطابق لعدد كلماته (ملأ) بالنصب وهو أشهر والرفع وحكى عن الزجاج عدم جواز غيره قال العلماء معناه حمدا لو كان جسما لملأ السموات والارض (وملأ ما بينهما) هذه الزيادة أخرجها مسلم من حديث على ومن حديث ابن عباس (وملأ ما شئت من شيء بعد) أي كالعرش والكرسي وغيرهما مما استأثر تعالى بعلمه (أذكار كثيرة) منها اللهم طهرنى بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الا بيض من الوسخ أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث ابن أبي أوفي ولمسلم في رواية من الدرن بدل الوسخ وفي أخرى من الدنس ومنها أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبدا لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد أخرجه مسلم وأبو داود

(2/323)


حتى يقول القائل قد أوهم وصححه النووى في التحقيق انه ركن طويل والله أعلم. واعلم أن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة ثابتة رواها العدد الكثير من الصحابة منهم العشرة المبشرة ورواها عنهم الجم الغفير من التابعين ومع ذلك فقل من يستعملها ويواظب عليها والله المستعان. واختلفت عبارات العلماء في الحكمة في رفع اليدين في تكبيرة الاحرام وما بعدها وأحسنها ما روي الشافعي انه قال فعلته اعظاما لله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[فصل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من أذكار الاعتدال هوى ساجدا]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من أذكار الاعتدال هوى ساجدا مكبرا فيضع ركبتيه أولا ثم يديه وربما وضع يديه أولا رواه البخاري معلقا موقوفا على ابن عمر ورواه ابن خزيمة والبيهقى موصولا مرفوعا وهو أيسر استعمالا وأليق حالا ثم يضع جبهته وأنفه وكان يضع يديه حذو منكبيه مضمومة الاصابع بخلاف الركوع. وصح انه صلى الله عليه وسلم كان اذا سجد جنح وفي رواية خوّى. وفي رواية فرج بين يديه حتى يرى وضح أبطيه. وفي رواية حتى لو شاءت بهيمة أن تمر لمرت فلهذا قال العلماء يسن للمصلى أن يفرق بين ركبتيه ويجافي مرفقيه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه قالوا والحكمة فيه انه أشبه بالتواضع وأبعد والنسائي عن أبي سعيد (قد أوهم) بفتح الهمزة والهاء وسكون الواو أي تشكك (فعلته أعظاما لله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) جمع الشافعي رحمه الله في هذا الكلام بين الاشارة الى ان الرفع معلل وهو معنى قوله اعظاما لله لان شأن المعظم له تعالى ان يرفع يده الى السماء وبين الاشارة الى انه يقتدي وهو معنى قوله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لان الاتباع مقصود في ذاته وان لم يعقل معناه وقيل ان حكمة الرفع ان المصلى يجمع بين ما يكنه القلب من اعتقاد دعاء وكبرياء لله وعظمته وبين الترجمة عنه باللسان والاظهار بما يمكن اظهاره من الاركان وقيل الاشارة الى طرح ما سوي الله سبحانه والاقبال بالكلية على عبادته ويقرب من هذا قول من قال الاشارة الي طرح اعراض الدنيا ونبذها وراء ظهره والاقبال على صلاته.
(فصل) في هويه للسجود (ربما وضع يديه أولا) هذا منسوخ على ما قيل (رواه البخارى معلقا موقوفا على ابن عمر ورواه) عنه (ابن خزيمة والبيهقي موصولا مرفوعا) وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث وائل بن حجر وصححه ابن خزيمة (ثم يضع) ممكنا (جبهته وأنفه) أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي حميد (وصح) في صحيح مسلم وغيره (جنح) بفتح الجيم والنون المشددة ثم مهملة (خوي) بالمعجمة بوزن جنح (فرج) بالفاء والجيم بوزن ما قبله وللبيهقى من حديث البراء بن عازب وتفاج بفتح الفوقية والفاء وبعد الالف جيم مشددة ومعنى هذه الالفاظ باعد بين مرفقيه وعضديه عن جنبيه (حتى يري) بالبناء للمفعول وبالنون بالبناء للفاعل (وضح) بفتح الواو فالمعجمة فالمهملة أى بياض (أبطيه) وكان أبيض الابط غير متغير اللون أى لا شعر عليه (بهيمة) تصغير بهيمة قال الجوهرى من

(2/324)


من هيئة الكسالى وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف. وينبغي للمتصف بالسنة أن يحرص على سنة المجافاة ويحمل نفسه على فعلها حتى يعتادها فيأتيها بغير مشقة فليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الا استعمالها والله الموفق.
(فصل) وثبت في الصحيحين عن عبد الله بن يزيد الخطمى. قال حدثني البراء بن عازب وهو غير كذوب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده فقيه دليل طول الطمأنينة وتأخر أفعالهم عن فعله صلى الله عليه وسلم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا ركع فاركعوا دليل على ذلك والله أعلم.
[فصل في السجود والقيام واختلاف العلماء في أيهما أفضل]
(فصل) اعلم انه ورد في فضل السجود أحاديث كثيرة واختلف العلماء فيه وفي القيام في الصلاة أيهما أفضل فمذهب الشافعى ان القيام أفضل وذهب غيره الى ان الركوع والسجود أفضل وقال احمد بن حنبل ورد فيه حديثان ولم يقض فيه بشيء وأما أذكاره فوردت فيه أحاديث كثيرة أولاد الضأن وتطلق على الذكر والانثى قال والسخال أولاد المعز (الخطمى) بفتح المعجمة وسكون المهملة منسوب الى خطمة فخذ من الانصار (لم يحن) بفتح التحتية وسكون المهملة وكسر النون ويجوز ضمها.
(فصل) في فضل السجود (ورد في فضل السجود أحاديث كثيرة) منها أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة (فمذهب الشافعي أن القيام أفضل) وأن تطويله أفضل من تطويل الركوع والسجود لقوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طول القنوت أخرجه أحمد ومسلم والترمذى عن جابر وأخرجه الطبراني عن أبي موسى وعن عمر ابن عبسة وعن عمير بن قتادة الليثي والمراد بالقنوت القيام ولان ذكر القيام القراءة وذكر الركوع والسجود التسبيح ولانه نقل عنه صلى الله عليه وسلم تطويل القيام أكثر من تطويل الركوع والسجود (وذهب غيره) كابن عمر (الى أن الركوع والسجود أفضل) من القيام وتطويلهما أفضل من تطويله وذلك للحديث المار آنفا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد قال العلماء وذلك لان السجود أعظم أركان الصلاة تواضعا فان الانسان يضع فيه أشرف أعضائه في مواطيء الاقدام والنعال والقائل بتفضيل الركوع يقول هو زمام الصلاة فبادراكه وفواته تدرك الركعة وتفوت وقال اسحاق بن راهويه تكثير الركوع والسجود أفضل نهارا وتطويل القيام أفضل ليلا الا أن يكون له بالليل حزب يأتى عليه فتكثير الركوع والسجود أفضل لأنه يقرأ حزبه ويربح كثرة الركوع والسجود (ولم يقض) بفتح أوله وسكون القاف ثم معجمة (أما اذكاره) أي السجود (فوردت فيه أحاديث كثيرة) منها سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي

(2/325)


وأدنى الكمال من ذلك سبحان ربى الاعلى ثلاثا* روينا في صحيح مسلم عن عائشة قالت افتقدت بالنبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فتحسست فاذا هو راكع أو ساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله الا أنت. وفي رواية وقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم انى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. قال الخطابى وفيه معنى لطيف وذلك انه استعاذ بالله وسأله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضى والسخط ضدان متقابلان وكذلك المعافاة والمعاقبة. فلما صار الى ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه استعاذ به منه لا غير. وله شرح طويل* واعلم ان ركن السجود الاعظم الدعاء كما أن ركن الركوع أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة ومنها سبوح قدوس رب الملائكة والروح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عنها ومنها اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وآخره وعلانيته وسره أخرجه مسلم وأبو داود عن أبى هريرة ودقه وجله بكسر أولهما أى قليله وكثيره ومنها سبحان ذى الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائى في الشمائل عن عوف ابن مالك الاشجعى ومنها سبحان ذى الملك والملكوت سبحان ذى العزة والجبروت سبحان الحي الذي لا يموت أخرجه الحاكم في المستدرك عن عمر بن الخطاب وقال صحيح على شرط البخاري ومنها اللهم سجد لك سوادي وخيالى وبك آمن فؤادى أبؤ بنعمتك علىّ وهذا ما جنيت على نفسى يا عظيم يا عظيم اغفر لي فانه لا يغفر الذنوب العظيمة الا الرب العظيم أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود (وأدني الكمال من ذلك) ما يستحب لكل من المنفرد والامام مطلقا والمأموم وهو (سبحان ربي الاعلى) ونحوه (ثلاثا) وأكثره احدى عشر فيسن للمنفرد وللامام محصورين بشرطه (وروينا في صحيح مسلم) وسنن النسائي (افتقدت) في رواية اخرى في مسلم فقدت (فتحسست) بالمهملة (وفي رواية) في مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي (فوقعت يدى على بطن قدميه) فيه دليل لابي حنيفة وغيره ممن يقول ان اللمس لا ينقض الوضوء (أعوذ برضاك من سخطك) قال النووى فيه دليل لاهل السنة في جواز اضافة الشر الى الله تعالى كما يضاف اليه الخير (لا احصي ثناء عليك) أي لا اطيقه ولا آتي به وقيل لا أحيط به وقال مالك لا أحصى نعمتك واحسانك والثناء بها عليك وان اجتهدت في الثناء عليك (أنت كما أثنيت على نفسك) قال النووى اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء وانه لا يقدر على بلوغ حقيقته فرد الثناء الى الجملة دون التفصيل والاحصاء والتعيين فوكل ذلك الى الله سبحانه المحيط بكل شيء جملا وتفصيلا وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه لان الثناء تابع للمثنى عليه وكل ثناء اثنى به عليه وان كثر وطال وبالغ فيه فقدر الله تعالى أعظم وسلطانه أعز وصفاته أكثر وأكبر وفضله وديم احسانه أسبغ وأوسع (الاعظم)

(2/326)


تعظيم الرب والله سبحانه وتعالى أعلم وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ونهى أن يكف شعره أو ثيابه وفيه أيضا عنه انه رأى ابن عباس عبد الله بن الحارث يصلى ورأسه معقوص من ورائه فقام فجعل يحله فلما انصرف أقبل الى ابن عباس فقال مالك ولرأسى فقال انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما مثل هذا مثل الذي يصلى وهو مكتوف فانظر الى قوة ايمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيرهم وانكارهم لما رأوه مخالفا لهديه ومبالغتهم مرة بالقول ومرة بالفعل بحسب الحال والمقدرة نفع الله بهم.

[فصل في كيفية رفع رأسه صلى الله عليه وسلّم من السجود]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رفع رأسه من السجود رفع مكبرا حتى يستوى جالسا ويفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وربما يجلس مقعيا فيجعل اليتيه على عقبيه وكل سنة وكان يجعل يديه بقرب ركبتيه منشورتين ثم يقول أرب اغفر لى وارحمنى واجبرنى وارفعنى وارزقني واهدنى وعافني* واعلم ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل مقصود ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم تطويله نحو الركوع والسجود وفي حديث انه كان يطوله حتى يظن انه قد نسى ولهذا اختار المحدثون من الفقهاء تطويله والله أعلم.
بالنصب صفة ركن (وفي صحيح) البخاري وصحيح (مسلم عن ابن عباس) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة) هكذا رواية مسلم عن ابن عباس والمراد سبعة أعظم كما في رواية أخري فيه وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه وهى الجبهة واليدان والرجلان وأطراف القدمين (ونهى ان يكف شعره أو ثيابه) وهي نهي تنزيه اجماعا كما حكاه محمد بن جرير الطبرى وحكي ابن المنذر وجوب اعادة الصلاة اذا صلى كذلك عن الحسن البصرى قال النووي ومذهب الجمهور النهي مطلقا وقال الدراوردي يختص من فعل ذلك للصلاة والمختار الصحيح الاول والحكم فيه ان الشعر وأطراف ثيابه يسجد معه (وفيه أيضا) أي في صحيح مسلم (عنه) أي عن ابن عباس وأخرجه أيضا عنه أحمد والطبراني (ورأسه معقوص) بالقاف والمهملة أى مربوط (انما مثل هذا مثل الذي يصلى وهو مكتوف) فكما ان المكتوف لا تسجد معه يداه كذلك هذا لا يسجد معه شعره وهو جزء منه بمثابة اليدين ولا ثيابه التي هي ملحقة بالجزء منه في وجوب تطهيرها وعدم جواز السجود عليها (وانكارهم لما رأوه مخالفا لهديه) أى وان لم يكن محرما ومبادرتهم الي ذلك.
(فصل) في رفعه من السجود (وكل سنة) لكن الافتراش أفضل كما مر (رب اغفر لى وارحمنى الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس الا اجرني فمن رواية الحاكم (واعلم ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل) كما نقله النووي في الروضة عن الجمهور وفي المجموع عن الاكثرين لكن رجح في الروضة والمنهاج كاصلهما انه ركن قصير وفي سجود السهو انه طويل (انه قد نسى) بفتح النون

(2/327)


[فصل في جلسته للاستراحة وقيامه من السجدة الثانية وافتراشه في التشهد الأول]
(فصل) ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بعد السجدة الثانية حتى يستوي جالسا والفقهاء يسمونها جلسة الاستراحة وجعلها بعضهم مسنونة وحملها بعضهم على الحاجة ومعناه انها لا تسن في حق من لم يحتج اليها والصواب الأول فقد ثبت في صحيح البخاري عن مالك بن الحويرث انه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فاذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتمونى أصلى قال في التتمة ويكون جلوسه فيها بقدر الجلوس بين السجدتين والصواب دون ذلك فقد قالوا الصحيح انه يمد التكبير في الرفع من السجود الى أن يستوي قائما ولا يتصور ذلك مع التطويل قالوا ويسن فيها الافتراش لانها جلسة أستفزاز والله أعلم.
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام من السجدة الثانية ومن كل جلوس في الصلاة اعتمد على يديه قال العلماء وكيفيته أن يجعل بطونهما على الأرض فاذا استوى قائما شرع في القراءة وكان يصلى الثانية كالأولى الا أن الأولى تختص بتكبيرة الاحرام ودعاء الاستفتاح وزيادة في تطويل القراءة والله أعلم.
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يفترش في التشهد الاول ويخففه حتى ورد في حديث انه كان اذا صلى جلس فيه كأنما يجلس على الرضف فاذا قام منه قام مكبرا وتخفيف المهملة وبضمها وتشديد المهملة.
(فصل) في جلوسه (والصواب الاول) أى ندب جلسة الاستراحة ولو لمن لم يحتج اليها لان الأصل فيما فعله صلى الله عليه وسلم التشريع (فقد ثبت في صحيح البخارى عن مالك بن الحويرث) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذى (قال) المتولى (في التتمة) وما قاله جري عليه أكثر الاصحاب في كتبهم الفقهية (بقدر الجلوس بين السجدتين) أى بقدر الواجب منه (ولا يتصور ذلك) أى مدة التكبيرة (مع التطويل) الذي ذكره في التتمة واطلاق منع التصور مردود لانه اذا انقطع نفسه أثناء التكبيرة تنفس ثم عاد الى التكبير ثانيا (جلسة) بفتح الجيم وكسرها.
(فصل) في اعتماده على يديه في القيام من السجود وغيره (اعتمد يديه) كما في صحيح البخاري في رفعه من السجود وقاس عليه أصحابنا القيام عن القعود (وكيفيته ان يجعل بطونهما على الارض) قال في المجموع بلا خلاف وقال وسواء في الاعتماد القوى والضعيف والرجل والمرأة.
(فصل) في صفة جلوسه في التشهد الاول (كان يفترش في التشهد الاول) كما أخرجه البخارى وأبو داود والترمذي عن أبي حميد الساعدي (الرضف) بفتح الراء وسكون المعجمة هو الحجارة المحماة.

(2/328)


رافعا يديه ويمد التكبير الى أن يستوي قائما ورفع اليدين هنا وان لم يقل به أكثر الفقهاء فقد ثبت انه سنة وصح في صحيح البخارى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وهو الموضع الرابع من مواضع الرفع باعتبار تكبيرة الاحرام وقد صنف البخارى تصنيفا عظيما قرر فيه سنة الرفع في هذه المواضع ورد فيه على منكريه وذكر انه رواه سبعة عشر صحابيا وان لم يثبت عن أحد من الصحابة عدم الرفع وقد سبق نحو ذلك قريبا والله أعلم.

[فصل في اقتصاره على الفاتحة في الثالثة والرابعة وأنّه كان يكبر في كل خفض ورفع وتوركه في التشهد الأخير]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتصر على الفاتحة في الثالثة والرابعة وقد يقرأ فيهما سورة مختصرة على سبيل الندور وثبت فيه حديث في صحيح مسلم والله أعلم.
(فصل) ثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة الا رفعه من الركوع وجملة التكبيرات في صلاة الصبح احدى عشرة وفي المغرب سبعة عشرة وفي الرباعية اثنتان وعشرون والسنة أن يجهر الامام بجميع التكبيرات بحيث يسمعه المأمومون ويسن للمأموم بحيث يسمع نفسه والسنة في جميعها المد ومحله بعد اللام من الله ويبالغ في المدالى أن يصل الى الركن الذى بعده لئلا يخلو جزء من صلاته عن الذكر وأما تكبيرة الاحرام فلا تمد ولا تمطط بل يقولها مدرجة مسرعا والله أعلم.
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتورك في التشهد الاخير بخلاف سائر الجلسات قبله وسببه انه جلوس لا يتبعه حركة ولا قيام بل يسن بعده المكث للتسبيحات والدعاء للحاضرين وانصراف النسوة ونحو ذلك وافترق الأئمة الاربعة في صفة جلوسه صلى (فصل) في قرائته في الركعتين الاخيرتين (وثبت فيه حديث في صحيح مسلم) وغيره كما مر.
(فصل) في تكبيره (كان يكبر في كل خفض ورفع) أخرجه مسلم عن أبى هريرة وأخرجه أحمد والترمذى والنسائي عن ابن مسعود (الارفعه) بالنصب (وجملة التكبيرات) في الصبح احدى عشرة ست في الاولى وخمس في الثانية وفي المغرب سبع عشرة ست في الاولي وخمس في الثانية وخمس في الثالثة وتكبيرة الانتقال من التشهد الاول الى القيام وفي الرباعية اثنتان وعشرون لان فيها زيادة ركعة على المغرب وفيها خمس تكبيرات الي سبع عشرة التي في الثلاث وهذا الذي ذكره بالنسبة الي الامام والمنفرد اما المأموم فيتصور فيه أكثر لاجل المتابعة.
(فصل) في صفة جلوسه في التشهد الاخير (كان يتورك في التشهد الاخير) أخرجه البخاري وغيره عن أبي حميد ورفعه قبل (وسببه انه جلوس) الى آخره ولان ذلك أقرب الى عدم اشتباه عدد الركعات ولأن المسبوق اذا رأى الامام علم في أي التشهدين هو وصفة الافتراش والتورك مشهور في كتب الفقه (وافترق الائمة الاربعة في صفة جلوسه) فذهب مالك وطائفة الى التورك فيهما وذهب أبو حنيفة وطائفة الى

(2/329)


الله عليه وسلم في التشهدين على أربعة أحوال المختار منها ما قررناه أنه صلى الله عليه وسلم كان يفترش في الاول ويتورك في الثانى وهو الموافق للاحاديث الصحيحة واليه ذهب الشافعي وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان اذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم. وصفة هذا العقد عند الحساب أن يقبض أصابع يمناه ما عدا المسبحة ويجعل الابهام تحت المسبحة وروى البيهقى انه صلى الله عليه وسلم عقد في جلوسه للتشهد الخنصر والبنصر وحلق الوسطى بالابهام وأشار بالسبابة رواه ابن حبان مثله.
[فصل في الأحاديث الواردة في ألفاظ التشهد]
(فصل) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في لفظ التشهد أحاديث كثيرة في الصحيحين الافتراش فيهما وذهب أحمد وطائفة الى التورك في الاول والافتراش في الثاني (اذا قعد في التشهد) وغيره اذ رواية مسلم اذا قعد في الصلاة (وعقد ثلاثة وخمسين) شرطه عند أهل الحساب كما قال النووي ان يضع طرف الحنصر على البنصر وليس ذلك مرادا بل المراد انه يضع الحنصر على الراحة ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين (عند الحساب) بضم الحاء وتشديد السين المهملتين جمع حاسب (وحلق) بفتح المهملة واللام المشددة.
(فصل) في تشهده (التشهد) تفعل من شهد سمي بذلك لانه مشتمل على الشهادتين تغليبا لهما على سائر اذكاره لشرفهما (أحاديث كثيرة) منها التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود وفي رواية للنسائي سلام بالتكبير وله في أخرى وان محمدا واخرج البيهقى هذا أيضا عن عائشة ومنها التحيات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي موسي ولفظ النسائي أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله ومنها التحيات الطيبات والصلوات والملك لله أخرجه أبو داود عن سمرة بن جندب ومنها بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله واسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك عن جابر ومنها التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبى ورحمة الله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخرجه مالك في الموطأ والحاكم في المستدرك عن عمر موقوفا عليه وقد عد ابن الملقن التشهدات الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في تخريج أحاديث الرافعى فبلغت

(2/330)


وغيرهما وأفضلها عند الشافعى حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال الرافعى والمنقول انه كان ثلاثة عشر تشهدا (وأفضلها عند) الامام (الشافعي حديث ابن عباس) الذى أخرجه عنه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (التحيات) جمع تحية وهي الكلام الذي يحيى به الملك قال في التوشيح قال ابن قتيبة لم يكن يحيى الا الملك خاصة وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جمعت فكان المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله وقال غيره لم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء على الله فلهذا أبهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم فقيل التحيات لله أي انواع التعظيم له (المباركات) أي المحقق فيه بانواع البركات (الصلوات) اي الخمس وأعم منها من الفرائض والنوافل في كل شريعة والمراد العبادات كلها أو الدعوات أو الرحمة أو التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية أقوال (الطيبات) هي العبادات المالية أو كل ما طاب من الكلام وحسن ان يثني به على الله او هي الاعمال الصالحة أقوال (السلام عليك أيها النبى) قال في التوشيح الحكمة في ذكر التحيات منه بلفظ الغيبة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الخطاب انه كان بين أظهرهم ففي الاستئذان من الصحيح عن ابن مسعود بعد ان ساق حديث التشهد قال وهو بين ظهر انينا فلما قبض قلنا السلام على النبي وكذا أخرجه أبو عوانة وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم قال السبكى وهذا دليل على ان الخطاب غير واجب فيقال السلام على النبي وكذا قال الاسنوي وغيره وقال ابن حجر ولهذا الحديث شاهد قوى قال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج اخبرنى عطاء ان الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي السلام عليك أيها النبى فلما مات قالوا السلام على النبي واخرج سعيد ابن منصور عن ابن عباس قال انما كنا نقول السلام عليك أيها النبى اذ كان حيا انتهي (السلام علينا) فيه استحباب البداءة بالنفس في الدعاء (وعلى عباد الله الصالحين) الاشهر في تفسير الصالح انه القائم بالواجب عليه من حقوق الله وحقوق العباد ويتفاوت درجاته قال الترمذي الحكيم من أراد أن يحيط بهذا السلام الذي سلمه الخلق في صلاتهم فليكن عبدا صالحا والاحرم هذا الفضل العظيم قال الفاكهى ينبغى أن يستحضر في هذا المحل جميع الانبياء والملائكة والمؤمنين وفي فتاوى القفال ان تارك الصلاة يضر بجميع المسلمين لاخلاله بذكر السلام عليهم (فائدة) قال الترمذى وغيره أصح حديث ورد في التشهد حديث ابن مسعود والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وقال به سفيان الثوري وابن المبارك واحمد واسحق قالوا لانه روى عنه من نيف وأربعين طريقا ولان الرواة عنه من الثقاة لم يختلفوا في الفاظه بخلاف غيره ولانه تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم تلقينا ولانه ورد بصيغة الأمر ولانه صلى الله عليه وسلم أمره أن يعلمه الناس أخرجه احمد وانما رجح

(2/331)


صلى الله عليه وسلم كان يقول في تشهده وانى رسول الله ذكره في كتاب الأذان. واختلف العلماء في وجوب التشهدين فقال جمهور المحدثين هما واجبان لان النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليهما وقد قال صلوا كما رأيتموني أصلى وقال أبو حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء هما سنتان ومذهب الشافعي ان الاول سنة والثانى واجب وهو أقواها دليلا لان النبي صلى الله عليه وسلم قام عنه في بعض صلواته ولم يعد اليه وجبره بسجود السهو وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الاخير فاوجبها الشافعى وأحمد واسحاق وبعض أصحاب مالك وخالفهم الجمهور فجعلوها سنة وقد تتبعت دليل الوجوب فلم يظهر لى كل الظهور وجميع روايات التشهد خالية عن ذكرها والله أعلم ولا يجب في الاول بلا خلاف فاما الدعاء بعد التشهد فيثبت كونه سنة بالاحاديث الصحيحة الصريحة وهو السابع من المواطن التى يسن فيها الدعاء في الصلاة ويجوز الدعاء بأمور الآخرة والدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم حين علمهم التشهد ثم ليختر من الدعاء أعجبه اليه وفي رواية ما شاء ومن المأثور فيه اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله الا انت الشافعى حديث ابن عباس لانه أجمع اذ فيه زيادة المباركات وهو الموافق للفظ القرآن (كان يقول في تشهده واني رسول الله) وقال غيره بل المنقول انه كان يقول وان محمدا (فقال جمهور المحدثين هما واجبان) وذهب اليه احمد وطائفة (فاوجبها الشافعى واحمد) في أحد الروايتين عنه (واسحاق وبعض أصحاب مالك) واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم اذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم ليصل على النبى صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء أخرجه أبو داود والترمذى وابن حبان والحاكم والبيهقى عن فضالة بن عبيد وبحديث ابن مسعودان بشير بن مسعد قال للنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا الله ان نسلم عليك فكيف نصلى عليك قال قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد أخرجه الشيخان الا صدره فاخرجه مسلم وفي رواية لاحمد وصحيحا ابن حبان والحاكم كيف نصلي عليك اذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال قولوا الى آخره وهذا يدل على ان فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة كان معروفا عندهم وزعم عياض في الشفاء ان الشافعي شدد في ذلك قال ولا سلف له في هذا القول ولا شبه يتبعها قال وقد بالغ في انكار هذه المسئلة عليه لمخالفته فيها من تقدمه جماعة وسعوا عليه الخلاف فيها منهم الطبري والقشيرى وغير واحد انتهى قال النووى نقل أصحابنا فريضة الصلاة في التشهد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ونقله الشيخ ابو حامد عن ابن مسعود وأبى سعيد الخدرى ورواه البيهقي عن الشعبى (فائدة) لا بأس بزيادة سيدنا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لما تقرر انه سيد ولد آدم هذا هو المعتمد وخبر لا تسيدوني في الصلاة لا أصل له (ما قدمت) من الذنوب قبل ان أسئل (وما أخرت) أى اذا وقع منى ذنب بعد ذلك ولا مانع من طلب مغفرة ما سيقع اذا وقع

(2/332)


رواه مسلم ومنه اللهم انى اعوذ بك من عذاب القبر واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم انى اعوذ بك من المأثم والمغرم رواه الشيخان. وفي سنن ابو داود باسناد صحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل كيف تقول في الصلاة قال أتشهد واقول اللهم انى أسألك الجنة وأعوذ بك من النار أما انى لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبى صلى الله عليه وسلم حولها يدندون* قال العلماء وهذا كله في التشهد الآخر اما الاول فيكره فيه الدعاء لانه مبني على التخفيف قالوا ويسن أن لا يزيد الدعاء على قدر التشهد والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم.
(فصل) ثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد التشهد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرتين يلتفت في الاولى على جانبه الأيمن حتى يرى خده الايمن وكذا في الجانب الايسر وبه يخرج من الصلاة وعلى هذا لازم واستمر عمله عليه حتى توفاه الله. ورواه عنه العدد الكثير من الصحابة وعليه واظبوا. ثم ان مذهب الشافعي انه لا يجب الا تسليمة واحدة والثانية سنة وعنده أيضا ان الالتفات الى الجانبين مسنون غير واجب وقال مالك وآخرون تسن تسليمة واحدة* وقال أبو حنيفة لا يجب السلام وعنده يحصل التحلل من الصلاة بكل شيء كقول الشخص اللهم ان فعلت ذنبا فاغفره لى فلا يحتاج الي تأويل (رواه مسلم) وابو داود والترمذي والنسائي عن أنس عن على (فتنة المحيا) ما يعرض للانسان في حياته من الفتنة بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها أمر الخاتمة عند الموت اعاذنا الله من سوء الخاتمة بمنه وكرمه (و) فتنة (الممات) أي الفتنة عند الممات أو فتنة القبر احتمالان (المأثم) هو الاثم (والمغرم) هو الدين (رواه الشيخان) وأبو داود والنسائي عن عائشة وللنسائي فقالت له عائشة ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال ان الرجل اذا غرم حدث فكذب ووعد فاخلف وهو في غير رواية النسائي مع ابهام السائل قال السيوطى سر دعائه صلى الله عليه وسلم بذلك تعليم أمته وسلوك طريق التواضع واظهار العبودية والتزام خوف الله تعالى واعظامه والافتقار اليه والرغبة (وفي سنن أبى داود باسناد صحيح) عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وروى الحديث ابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن أبى صالح عن أبي هريرة (قال لرجل) قال الخطيب هو سليم الانصاري السلمي (دندنتك) بفتح الدال المهملة المكررة والنون الثانية والفوقية وبين الدالين نون ساكنة قال الهروى قال أبو عبيد هو أن يتكلم الرجل بالكلام يسمع نغمته ولا يفهم وهو مثل الهينمة والهيلمة الا انها ارفع قليلا منها حولها أى حول هذه الدعوة (خاتمة) من اذكار التشهد اللهم انى ظلمت نفسى ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى انك أنت الغفور الرحيم أخرجه الشيخان والترمذي والنسائى وابن ماجه عن أبى بكر

(2/333)


ينافيها وينبغى الاحتياط واستعمال السلام مرتين والالتفات فيها الى الجانبين فهو المنقول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دواما وقد روي البخاري انه صلى الله عليه وسلم قال صلوا كما رأيتمونى أصلي* وقال الله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فقال صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير وتحليلها تسليم السلام والله أعلم.

[فصل في أن جميع الأدعية المروية عنه صلى الله عليه وسلّم رويت بلفظ التوحيد]
(فصل) جميع الأدعية المروية عنه صلى الله عليه وسلم في نفس الصلاة رويت بلفظ التوحيد* قال شيخ شيوخنا القاضى مجد الدين الشيرازي فان قيل ورد انه صلى الله عليه وسلم قال لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فان فعل فقد خانهم ثم نقل عن ابن خزيمة انه قال قال هذا الحديث موضوع وقال بعض العلماء ان ثبت هذا الحديث فيكون المراد به دعاء ورد بلفظ الجمع. قلت وظهر لي والله أعلم ان كل دعاء يدعو به الامام ويدعو المأموم بمثله يكون بلفظ الافراد وكل دعاء يؤمن فيه المأموم لدعاء أمامه يكون بلفظ الجمع فان أفرد وقع في النهى وهذا أولى مما ذكره القاضى مجد الدين لأن الحديث الذي نقل عن ابن خزيمة وضعه خرجه أبو داود والترمذى وقال حديث حسن.

[فصل وكان صلى الله عليه وسلّم ربما سها في صلاته بزيادة أو نقص]
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما سهى في صلاته بزيادة أو نقص ولا يمنعه من البناء ما فعله على وجه السهو فيثبت من حديث ذى البدين انه صلى الله عليه الصديق وقوله كثيرا ورد في مسلم بالمثلثة وبالموحدة فينبغي الاتيان بهما ومعني قوله من عندك أي بفضلك وان لم يكن أهلا لها يعمل ومنها التعوذ من عذاب جهنم أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائى عن أبي هريرة ومنها اللهم اني أسئلك بالله الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ان تغفر لى ذنوبي انك أنت الغفور الرحيم أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن محجن بن الاذرع ومنها اللهم حاسبنى حسابا يسيرا أخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة وقال صحيح على شرط مسلم فصل في السلام (تحريمها التكبير وتحليلها تسليم السلام) أخرجه الترمذي وصححه.
(فصل) في بيان كيفية دعائه صلى الله عليه وسلم (فيخص) بفتح الصاد على جواب النهي (هذا الحديث موضوع) أى مختلق كذب (المراد) اسم كان (دعا) خبرها (خرجه أبو داود والترمذي) وابن ماجه عن ثوبان (وقال) الترمذى (حديث حسن) وأخرجه أبو داود أيضا من حديث أبي هريرة
(فصل) في بيان انه صلى الله عليه وسلم كان يسهو في الصلاة (ربما سهي في صلاته بزيادة) كصلاته الظهر خمسا أخرجه الشيخان وغيرهما (أو نقص) كسلامه من ركعتين في إحدى صلاتي العشاء أخرجه الشيخان وغيرهما أيضا (ذي اليدين) سمي بذلك لطول يديه أو لأنه كان يعمل بهما جميعا واسمه الخرباق

(2/334)


وسلم سلم في الرباعية من اثنتين ومشى الى الجذع وخرج السرعان ودخل منزله وخرج فلما ذكر رجع وبنى على صلاته وأتمها* قال النووى عند الكلام على هذا الحديث والمشهور في المذهب يعني مذهب الشافعى ان الصلاة تبطل بذلك قال وهذا مشكل وتأويل الحديث صعب على من أبطلها والله أعلم.

[فصل وكان إذا سلّم من صلاته استغفر ثلاثا]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سلم استغفر ثلاثا ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والاكرام وكان يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وقال من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر ثلاثا وثلاثين وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده بكسر الخاء وسكون الراء فالموحدة وبعد الالف قاف ابن عمرو (في الرباعية) وكانت صلاة العصر على الصحيح (من اثنتين) في رواية لمسلم عن عمران بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم في ثلاث ركعات قال النووي هي قضية ثالثة في يوم آخر (وخرج السرعان) بفتح السين والراء قيل بسكون الراء وقيل بضم السين وسكون الراء جمع سريع وهم المسرعون الي الخروج (وبني على صلاته وأتمها) وسجد للسهو قبل السلام (ان الصلاة تبطل بذلك) أي بالعمل الكثير ولو مع عذر من جهل أو نسيان (وتأويل الحديث صعب على من أبطلها) فمن ثم اختار في التحقيق عدم بطلان الصلاة بالعمل الكثير مع العذر.
(فصل) في اذكاره بعد السلام (كان اذا سلم) ولفظ الحديث كان اذا انصرف من صلاته (استغفر ثلاثا إلى قوله والاكرام) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن ثوبان زاد البزار بعد قوله استغفر ثلاثا ومسح بيده اليمنى قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي استغفاره صلى الله عليه وسلم عقب الفراغ من الصلاة استغفار من رؤية الصلاة (اللهم أنت السلام) أى هذا من جملة أسمائك الحسني التى أمرتنا ان ندعوك بها ومنك السلام أي نطلب منك السلام وقيل منك السلام على أوليائك في الجنة واليك يعود أي يرجع السلام أي منشأه ومبدأه من قبلك لا يرجي الا منك (يا ذا الجلال) كذا بحرف النداء لمسلم عن عائشة ولغيره بحذفها (لا اله الا الله وحده لا شريك له الى قوله قدير) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عن عبد الله بن الزبير وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى عن المغيرة بن شعبة مع زيادة (اللهم لا مانع لما أعطيت الى آخره) زاد البخارى والنسائي انه كان يقول التهليل وحده ثلاث مرات (ذا الجد) بفتح الجيم أي ذا الحظ والغنى (منك الجد) أى لا ينفعه منك جده أي حظه وغناه وروي بكسر الجيم وهو بمعنى الهرب أى لا ينفع ذالهرب منك هربه (من سبح الله دبر كل صلاة الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة وللنسائي من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة وكبر مائة

(2/335)


لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت له خطاياه وان كانت مثل زبد البحر وكان يقول في دبر كل صلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة الا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد الا اياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون وكان يتعوذ في دبر كل الصلوات بهؤلاء الكلمات. اللهم انى أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك ان أرد الى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر كل هذه الأحاديث مروية في الصحيحين أو في أحدهما فينبغى الاعتماد عليها وأجلها حديث التسبيح ثلاثا وثلاثين لكونه ورد في الصحيحين من طرق عديدة بوعود مختلفة وأحاديث هذا الباب واسعة ليس هذا موضع بسطها والله أعلم* ويستحب الدعاء عقيب الصلاة لما روى عن أبى امامة قال قيل يا رسول الله صلى الله عليك وسلم أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات* قال الترمذى حديث حسن. وروى معاذ بن جبل قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى وقال يا معاذ والله انى لأحبك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة. اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك رواه أبو داود والترمذى باسناد صحيح. قال المؤلف كان الله له وهذا ما يسر الله ذكره من شرح صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاختصار والافهى تحتمل مجلدا ضخما بل مجلدات والذى قصدنا وهلل مائة وحمد مائه غفرت ذنوبه وان كانت أكثر من زبد البحر وهو وسخة (لا اله الا الله وحده لا شريك له الى قوله الكافرون) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن الزبير (الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة الخور والضعف (أرذل العمر) أضعفه والسن التى ينتهي فيها الشخص الى الهرم والخرف (اللهم اني أعوذ بك من فتنة الدنيا الى آخره) أخرجه البخارى والترمذي والنسائى عن سعد بن أبي وقاص (وأحاديث هذا الباب واسعة) منها قراءة المعوذات أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان عن عقبة بن عامر وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ومنها لا اله الا الله عشر مرات أخرجه الترمذي عن ابن عباس وقال حسن غريب ومنها قراءة آية الكرسى أخرجه النسائي عن أبي امامة ومنها رب قنى عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن البراء وأخرجه أيضا أبو عوانة عنه وعنده يوم تبعث من غير شك ومنها اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله الا أنت أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه عن على وأخرجه مسلم مختصرا (رواه أبو داود والترمذى) والنسائي والحاكم وابن حبان (باسناد صحيح) قال الحاكم على شرط الشيخين (ضخما) بفتح الضاد وسكون الخاء المعجمتين أى

(2/336)


التعريف بالعادات النبوية في الصلوات وما أهمل الناس فيها فهي من السنن المأثورات.
[فصل أذكر فيه أنواعا من الصلوات وأقدم عليه فيما اتفق عليه الشيخان]
(فصل) اذكر فيه أنواعا من الصلوات وأقدم عليه ذكر شيء من رواياته المكتوبات فمنه ما اتفق عليه الشيخان انه صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين خفيفتين قبل الفجر وركعتين قبل الظهر وكذا بعدهما وركعتين بعد المغرب والعشاء والجمعة. وروى البخارى عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعا قبل الظهر. وروى مسلم عنها انه كان يصليهن في بيته وروى الترمذى انه صلى الله عليه وسلم كان يصليهن وقال انها ساعة تفتح فيها أبواب السموات وأحب ان يصعد لى فيها عمل صالح. وروى غيره انهن يعدلن بصلاة السحر وانهن ليس بينهن تسليم. وقال صلى الله عليه وسلم من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار رواه الترمذي والحاكم وصححه. وروي الترمذى وحسنه انه صلى الله عظيما (التعريف) بالرفع خبر الذي (خاتمة) أخرج العقيلى بسند فيه ضعف عن أبى سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سلم من الصلاة قال ثلاث مرات سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين واخرج أبو داود والنسائي عن زيد بن أرقم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر الصلاة اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد انك الرب وحدك لا شريك لك اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد ان محمدا صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك أنا شهيد ان العباد كلهم اخوة اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلنى مخلصا لك وأهلى في كل ساعة في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والاكرام اسمع واجب الله الاكبر الاكبر الاكبر الله نور السموات والارض الله الاكبر الاكبر الاكبر حسبى الله ونعم الوكيل الله الاكبر الاكبر الاكبر وأخرج النسائي والحاكم في المستدرك بسند صحيح على شرط مسلم عن أبى بكرة انه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة اللهم انى أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر واخرج الحاكم في المستدرك عن أبي أيوب الانصارى قال ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه وسلم الا سمعته حين ينصرف من صلاته يقول اللهم اغفر لى خطاياي وذنوبي كلها اللهم العشنى واحيني وارزقني واهدنى لصالح الاعمال والاخلاق انه لا يهدى لصالحها ولا يصرف سيئها الا أنت.
(فصل) في ذكر أنواع من الصلوات (ما اتفق عليه الشيخان) عن ابن عمر وأخرجه عنه أيضا مالك وأبو داود والنسائى (والجمعة) في رواية وكان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين في بيته (وروى البخاري عن عائشة) أخرجه عنها أبو داود والترمذي (أربعا قبل الظهر) تتمته وركعتين قبل الغداة (وروي غيره انهن يعدلن بصلاة السحر) أخرجه الطبراني في الاوسط عن أنس بلفظ أربع قبل الظهر كعدلهن بعد العشاء وأربع بعد العشاء كعدلهن من ليلة القدر (وانهن ليس بينهن تسليم) أخرجه أبو داود والترمذى في الشمائل وابن ماجه وابن خزيمة عن أبي أيوب (حرمه الله على النار) أي لا يدخلها أبدا فان دخلها لم يخلد ففي ذلك بشارة له بحسن الخاتمة (رواه) أبو داود و (الترمذي) والنسائى وابن ماجه (والحاكم)

(2/337)


عليه وسلم كان يصلى أربعا قبل العصر يفصل بينهما بالتسليم. وروى هو وأبو داود انه صلى الله عليه وسلم قال رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا حسنه الترمذى وصححه ابن حبان وسكت عنه أبو داود. وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل المغرب فروى البخارى انه صلى الله عليه وسلم قال صلوا قبل صلاة المغرب قالها ثلاثا فقال في الثالثة لمن شاء كراهة ان يتخذها الناس سنة قال المحدثون المراد بالسنة هى الطريقة اللازمة لا المعنى المصطلح عليه. ورواه أبو داود ولفظه صلوا قبل المغرب ركعتين وفي الصحيحين ان كبار الصحابة كانوا يبتدرون السواري لهما اذا أذن للمغرب. وفي رواية لمسلم حتى ان الغريب ليدخل المسجد فيحسب ان الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها وفيهما أيضا حديث بين كل أذانين صلاة وهو ثابت في الصحيحين وهو دليل أيضا على استحباب ركعتين قبل العشاء وبين يدي كل صلاة مكتوبة. قال العلماء شرطهما أن لا تصليا بعد شروع المؤذن في الاقامة ولا يفوتا فضيلة تحرم الامام. قلت تسن المواظبة ما دكرنا أولا مما أتفق عليه الشيخان فهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم من صلى ثنتى عشرة ركعة في يوم وليلة بنى له بهن بيت في الجنة رواه مسلم. وفي رواية له أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وبعد العشاء وقبل صلاة الفجر وأخرج ركعتى الجمعة وهو موافق لهذا العدد أيضا والله أعلم. ومنه الوتر وقد حض النبى صلى الله عليه وسلم عليه فقال ان الله وتر يحب الوتر فاوتروا يا أهل القرآن وقال ان الله قد أمركم بصلاة هى خير وصححه عن أم حبيبة (كان يصلي أربعا قبل العصر) أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان عن على ولابي داود عن على أيضا كان يصلي قبل العصر ركعتين ولا معارضة بينهما بل كان يفعل هذا تارة وهذا اخرى (وروى هو) أى الترمذي (وأبو داود) وابن حبان عن ابن عمر (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا) للطبراني من حديث ابن عمر ومن صلى قبل العصر أربعا حرمه الله على النار (فروى البخاري) عن عبد الله بن معقل المزنى (يبتدرون السواري) أى يصلونهما بجنبها (فيحسب ان الصلاة قد صليت) أي وان الناس يصلون راتبة المغرب المؤخرة (بين كل أذانين) يعني بين الاذان والاقامة (شرطهما) أي شرط كونهما مطلوبتين وليس المراد بشرط صحتهما (تصليا) بالفوقية (بعد شروع المؤذن في الاقامة) أو قريبة من الشروع لان ما قارب الشيء أعطى حكمه (ثنتي عشرة ركعة) تطوعا (بنى له بهن بيت) في رواية بنى الله له بيتا (رواه) أحمد و (مسلم) وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أم حبيبة (ومنه الوتر) بفتح الواو وكسرها (فأوتروا يا أهل القرآن) الحكمة في تخصيصهم طلب التيقظ منهم بالليل لدراسته وتلاوته في وترهم (قد أمركم) في رواية أمدكم بالمهملة من الامداد وفي أخرى قد زادكم رواهما أبو داود

(2/338)


لكم من حمر النعم وهى الوتر فاجعلوها فيما بين العشاء الى طلوع الفجر رواهما أبو داود والترمذى. واختلفت عادات النبي صلى الله عليه وسلم في وقته فروت عائشة قالت من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل ومن أوسطه وآخره وانتهى وتره الى السحر متفق عليه. وعن جابر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل رواه مسلم. واختلف العلماء في عدده بحسب اختلاف الروايات من ركعة الى ثلاث عشرة وغالب الاحوال ثلاث وعليه العمل أكثر واختلفوا هل الوتر التهجد الذى أمر الله نبيه به أم هو غيره والصواب أنه غيره وانما هما صلاتان مهما سمي أحدها باسم الآخر توسعا وأطلق على ذلك أكثر الروايات. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما فصله وربما وصله والفصل أكثر. ومذهب الشافعى ان أفضل الرواتب الوتر ثم ركعتا الفجر وقد قال بعض العلماء بوجوبهما وثبت في صحيح مسلم ان النبى صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل
[فائدة يشرع القنوت في الفجر والوتر]
(فائدة) يشرع القنوت في الفجر والوتر وفي سائر المكتوبات للنازلة (والترمذى) عن على وروي الاول أيضا ابن ماجه عن ابن مسعود ورواه أبو نصر عن أبي هريرة وعن ابن عمر (ربما فصله) قالت عائشة كان يوتر بخمس لا يجلس الا في آخرها وفي رواية اخرى يصلى تسع ركعات لا يجلس الا في الثامنة ولا يسلم ثم يقوم فيصلى التاسعة ثم يسلم أخرجهما مسلم (وربما وصله) كما في حديث ابن عباس ليلة بات عند خالته ميمونة وفي الصحيحين من حديث عائشة كان يصلى ما بين ان يفرغ من صلاة العشاء الي الفجر احدي عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة (أفضل الرواتب الوتر) للخلاف في وجوبه (ثم ركعتا الفجر) كقوله صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما عليها أخرجه مسلم والترمذى والنسائي عن عائشة ثم باقى الرواتب (وثبت في صحيح مسلم) وسنن أبي داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن أبي هريرة وفي مسند الرويانى والطبراني في الكبير عن جندب (أفضل الصلاة لغير المكتوبة صلاة الليل) تتمته وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم والحديث في صلاة الليل محمول على النفل المطلق (فائدة) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر في الركعات الثلاث سبح اسم ربك الاعلى في الاولى والكافرون في الثانية والاخلاص والمعوذتين في الثالثة أخرجه أبو داود والترمذى وحسنه النسائي والدار قطنى عن أبيّ بن كعب (يشرع القنوت في) صلاة (الفجر) للاتباع كما أخرجه أحمد في مسنده عن أنس وأخرجه الحاكم في المستدرك عن أبى هريرة وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن الحسن (و) في (الوتر) لحديث الحسن بن على الآتي (وفي سائر) أى باقى (المكتوبات للنازلة) ففي الصحيحين عن أنس قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا في الصلاة يدعو على احياء من العرب رعل

(2/339)


ومحله قبل الركوع عند مالك وبعده عند الشافعى ولكليهما حجة ثابتة في الصحيحين وقد اختار بعض المحدثين ان يقنت في الفجر بعد الركوع وفي الوتر قبله عملا بالأمرين ثم ان مذهب الشافعى أنه لا يندب في الوتر الا في النصف الثانى من رمضان والمختار استمراره في جميع السنة لاطلاق حديث الحسن بن على عن جده صلى الله عليه وسلم وهو ما رواه الحفاظ بالاسناد الصحيح عن الحسن بن على رضى الله عنهما. قال علمنى جدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر اللهم اهدنى فيمن هديت وذكر الحديث قال الترمذي ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيأ أحسن من هذا. قال محمد بن الحنفية وهو الذى كان يدعو به في صلاة الفجر

[فائدة فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلّم بعد الوتر]
(فائدة أخرى) رواه ابو داود وغيره باسانيد صحيحة ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد الوتر ثلاث مرات سبحان الملك القدوس ويرفع صوته بالثالثة. واذا قد فرغنا من المكتوبات ورواتها فنشرع الآن في ذكر الصلوات وذكوان وعصية وهم الذين قتلوا السبعين ببئر معونة وأخرجه أبو داود عن ابن عباس والدعاء كان لدفع تمرد القاتلين على المسلمين لا بالنظر الى المقتولين اذ لا يمكن تداركهم (ولكليهما حجة ثابتة في الصحيحين) وغيرهما (لا يندب في الوتر الا في النصف الثاني من رمضان) لان عمر رضى الله عنه جمع الناس على أبيّ بن كعب في التراويح فلم يقنت الا في النصف الثاني أخرجه أبو داود وأخرج المنذري في تخريج أحاديث المهدى وصححه عن عمر قال السنة اذا انتصف رمضان ان يلعن الكفرة في الوتر بعد ما يقول سمع الله لمن حمده (والمختار) في التحقيق وهو أقوي من حيث الدليل قال في المجموع (وهو ما رواه الحفاظ) أبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه (كلمات أقولهن في الوتر) ولاحمد بن الخواس في قنوت الوتر زاد الحاكم اذا رفعت رأسى ولم يبق الا السجود (اللهم اهدنى فيمن هديت وذكر الحديث) أي وعافنى فيمن عافيت وتولنى فيمن توليت وبارك لى فيما أعطيت وقنى شر ما قضيت انك تقضي ولا يقضي عليك وفي الترمذى واحدى روايات النسائي فانك بالفاء وانه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت وزاد النسائي فيه ولا يعز من عاديت وفي رواية له وصلى الله على النبي (وقال محمد بن) على بن (الحنفية) وهي امه واسمها خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة (كان أبي) يعنى عليا (رواه أبو داود وغيره باسانيد صحيحة) عن أبيّ بن كعب وأخرجه عنه أيضا النسائي والدار قطنى في السنن (ويرفع صوته) للدار قطني ويمد صوته (في الثالثة) زاد ويقول رب الملائكة والروح وأخرج أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره اللهم انى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك أعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك قال الترمذى حسن غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة وللنسائي في احدى رواياته اذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه

(2/340)


المتفرقات التى وعدنا بذكرها أولاهن بالذكر أولا الجمعة وقد أمر الله بها وحض النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها وأوعد العقوبة على تركها وأطنب في وصف يومها. عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فاحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغى. وعنه عن النبي صلى وفيها لا أحصي ثناء عليك ولو حرصت ولكن أنت كما أثنيت على نفسك (الجمعة) بضم الميم وسكونها وفتحها وكسرها والاشهر الاول ثم ما يليه على الترتيب سمى بذلك لان كمال الخلائق جمع فيه أخرجه أبو حذيفة والبخاري في المبتدا بسند فيه ضعف أو لجمع خلق آدم فيه أخرجه أحمد وابن خزيمة من حديث سلمان وله شاهد أخرجه ابن أبي حاتم بسند قوي عن أبي هريرة موقوفا وأخرجه عنه أحمد مرفوعا لكن بسند فيه ضعف وأول من سماه بذلك الانصار حين جمع بهم أسعد بن زرارة ذكره عبد بن حميد عن ابن سيرين أو كعب ابن لؤي أخرجه الزبير بن بكار في كتاب النسب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مقطوعا أو قصي ذكره تعلب في اماليه او لاجتماع الناس للصلاة فيه ذكره ابن حزم وقال انه اسم اسلامي لم يكن في الجاهلية وانما كان يسمي العروبة ورد هذا بان أهل اللغة ذكروا ان العروبة اسم قديم كان في الجاهلية قيل وأول من سماه العروبة كعب بن لؤى ذكره الفراء وغيره والاكثرون على انها فرضت بالمدينة وبه جزم البغوي في التفسير لكن الصحيح ما قاله الشيخ أبو حامد انها فرضت بمكة زاد غيره ليلة الاسراء مع فرض الصلوات الخمس ويدل عليه حديث أبي داود وابن خزيمة عن كعب بن مالك كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة وانما لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة لعدم التمكن من ذلك فقد كانوا يستخفون بالصلاة فضلا عنها (وقد أمر الله بها) في قوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الآية (عن أبي هريرة) أخرجه عنه مسلم (من توضأ) فيه دليل على عدم وجوب غسل الجمعة مع قوله من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائى عن سمرة بن جندب وحسنه الترمذي وصححه أبو حاتم الرازى (فاحسن الوضوء) فيه طلب تحسين الوضوء قال النووى ومعنى احسانه الاتيان ثلاثا ثلاثا وذلك الاعضاء واطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن والاتيان بسننه المشهورة (فاستمع) أي اصغ (وأنصت) أى سكت وفي بعض نسخ مسلم أنتصت بزيادة فوقية وكذا نقله عياض عن الباجي وآخرين ثم قال وهو وهم قال النووي ليس وهما بل هي لغة صحيحة يقال أنصت ونصت وانتصت بمعني (وزيادة) بالنصب (ثلاثة أيام) قال العلماء لان الحسنة بعشر أمثالها وفعله ما ذكر في يوم الجمعة حسنة فضوعفت الى عشر من الجمعة الى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام (ومن مس الحصي فقد لغي) أخرج هذه الزيادة أيضا ابن ماجه عن أبي هريرة قال النووى فيه النهى عن مس الحصى ونحوه من أنواع العبث في حالة الخطبة وفيه اشارة الى اقبال القلب والجوارح على الخطبة والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود انتهي (وعنه) أى عن أبى هريرة

(2/341)


الله عليه وسلم قال الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنبت الكبائر. وعنه وعن ابن عمر أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها. وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله تعالى شيئا الا أعطاه اياه وأشار (الصلوات الخمس الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم والترمذي (والجمعة الي الجمعة) أي في حق من صلاها وفيمن تركها لعذر قولان (ورمضان الى رمضان) أي في حق من صامه وفيمن تركه لعذر قولان أيضا (اذا اجتنبت الكبائر) ليس المراد ان اجتناب الكبائر شرط لتكفير الصغائر بل المراد ان الكبائر لا تكفر بذلك بل الصغائر فقط هذا هو الصحيح نعم قال النووي اذا لم يكن له صغائر رجونا أن يخفف عنه من الكبائر (فائدة) قال النووي قد يقال اذا كفر الذنوب الوضوء فماذا تكفر الصلوات والجمعات ورمضان وصوم عرفة وعاشوراء وتأمين الملائكة قال والجواب ما أجاب به العلماء ان كل واحد من المذكورات صالح للتكفير فان وجد ما يكفره من الصغائر كفره وان لم يصادف كبيرة ولا صغيرة كتبت به حسنات ورفعت به درجات (وعنه) أي عن أبي هريرة (وعن ابن عمر) أخرجه عنهما مسلم وأخرجه النسائي عن أبي هريرة فقط (لينتيهن) هى لام القسم (ودعهم) بفتح الواو وسكون المهملة أى اتركهم (أو ليختمن الله على قلوبهم) أي ليطبعن عليها ويعطبها والرين مثل الطبع وقيل الرين أيسر من الطبع والطبع أيسر من الاقفال قال عياض اختلف المتكلمون في هذا اختلافا كثيرا فقيل هو اعدام اللطف وأسباب الخير وقيل خلق الكفر في صدورهم وهو قول أكثر متكلمى أهل السنة وقال غيرهم هو الشهادة عليهم وقيل علامة جعلها الله في قلوبهم يعرفهم بها الملائكة (ثم ليكونن) بضم النون (وعنه) أي عن أبى هريرة (خير يوم طلعت عليه الشمس الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائي وابن حبان في صحيحه (فيه خلق آدم الى آخره) قال عياض الظاهر ان هذه الفضائل المعدودة ليست لذكر فضيلة لان اخراج آدم من الجنة وقيام الساعة لا تعد فضيلة وانما هو بيان ما وقع فيه من الامور العظام وما يشفع لتأهب العبد فيه بالاعمال الصالحة لينل رحمة الله تعالى ودفع نقمته وقال ابن العربى في الاحوذي الجمع بين الفضائل وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود الرسل والانبياء والصالحين والاولياء ولم يخرج منها طردا بل لقضاء أو طار ثم يعود اليها وأما قيام الساعة مسبب لتعجيل جزاء النبيين والصديقين والاولياء وغيرهم واظهار كراماتهم وشرفهم (وعنه) أى عن أبي هريرة أخرجه عنه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه (لا يوافقها) أي يصادفها (وهو قائم) حال منه مرادفة أى مبدأ حاله (يصلى) حال من ضمير يوافقها (سأل الله) حال من ضمير قائم أو جملة تفسيرية لقائم أو بدل منه (شيئا) للمحاري في الطلاق خبرا ولابن ماجه ما لم يسأل حراما ولاحمد ما لم يسأل انما أو قطيعة رحم (وأشار)

(2/342)


بيده يقلبها روى جميعها مسلم والاحاديث في هذا المعنى كثيرة معلومة وبالجملة فهو يوم مشتمل على فوائد وخصائص لا توجد في غيره. ذكر بعضهم في خواصه اثنتين وثلاثين خاصية واختلف العلماء فيه وفي يوم عرفة أيهما أفضل وذلك فيما لو قال لزوجته أنت طالق في أفضل الايام.
واختلفوا أيضا في تعين ساعة الاجابة فيه على أحد عشر قولا أرجحهما ما ثبت في صحيح مسلم أنها ما بين أن يجلس الامام على المنبر الى ان يقضى الصلاة ويتلوه في الرجحان ما ثبت في يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه مالك من رواية أبي مصعب (يقللها) ولمسلم في رواية وهي ساعة حقيقة (روي جميعها مسلم) وغيره ممن ذكرته (ذكر بعضهم) هو ابن قيم الجوزية (اثنتين وثلاثين خاصية) وهى هيئتها وانها يوم عيد ولا يضام منفردا وقراءة الم تنزيل وهل أتي في صبيحتها والجمعة والمنافقين فيها والغسل لها والتطيب والسواك ولبس أحسن ثيابه وتبخير المسجد والتكبير والاشتغال بالعبادة حتى يخرج الخطيب والخطبة والانصات وقراءة الكهف ونفي كراهة النافلة وقت الاستوى ومنع السفر قبلها وتضعيف أجر الذاهب اليها بكل خطوة أجر سنة ونفي حر جهنم في يومها وساعة الاجابة وتكفير الآثام وانها يوم المزيد والشاهد والمدخر لهذه الامة وخير أيام الاسبوع ويجتمع فيه الارواح ولا تخص ليلتها بقيام وقراءة الجمعة والمنافقين في عشاء ليلتها والكافرين والاخلاص في مغرب ليلتها والامان من عذاب القبر لمن مات في يومها وليلتها واختصاص صلاتها بفرض الجماعة في الاولى والعدد المختلف فيه انتهى وفي هذه التى ذكرها أشياء ليست من خصائصها وهي كراهة صوم يومها منفردا فان السبت والاحد مشاركا لها في ذلك والغسل فان العيد والكسوف والاستسقاء وغيرهما مما يحصل فيه الاجتماع يشاركونها فيه والسواك فانه سنة لكل صلاة ولبس أحسن ثيابه كذلك وساعة الاجابة فان الليل فيه ذلك أيضا (ايهما أفضل) والقائلون بتفضيل الجمعة يستدلون بحديث خير يوم طلعت عليه الشمس الى آخره (فيما لو قال لزوجته أنت طالق في أفضل الايام) وفيه وجهان للاصحاب أصحهما انها تطلق يوم عرفة ما لم يقصد يوم الجمعة والا وقعت فيه أما اذا قال أنت طالق في أفضل أيام السنة تطلق يوم عرفة قطعا (واختلفوا أيضا) في ساعة الجمعة هل رفعت أو هي باقية والصحيح الثاني وعليه هل هي في جمعة واحدة من كل سنة أو في كل جمعة والصحيح الثاني وعليه هل هى مبهمة أو معينة والصحيح الثاني وعليه هل يستوعب الوقت أو يبهم فيه والصحيح الثانى وعليه ما ابتداؤه وما انتهاؤه وهل يستمر أو ينتقل وعليه هل يستغرق الوقت أو بعضه (على أحد عشر قولا) بل على نحو خمسة وأربعين قاله في التوشيح قال وقد بسطتها في شرح الموطأ وأقرب ما قيل في تعيينها انها عند أذان الفجر أو من طلوع الفجر الي طلوع الشمس أو أول ساعة بعد طلوع الشمس أو آخر الساعة الثالثة من النهار أو عند الزوال أو عند أذان صلاة الجمعة أو من الزوال الى خروج الامام أو منه الى احرامه بالصلاة أو الى غروب الشمس أو ما بين خروج الامام الى أن تقام الصلاة أو (ما ثبت في صحيح مسلم) عن أبي موسى مرفوعا (انها ما بين ان يجلس الامام على المنبر الى أن يقضى الصلاة) أو ما بين أول الخطبة والفراغ منها أو عند الجلوس بين الخطبتين أو عند

(2/343)


حديث آخر صحيح انها بعد صلاة العصر وأنها آخر ساعة من النهار وعلى هذا اكثر الصحابة والتابعين والله أعلم
[فائدة فيما ذكر من أوقات الإجابة وأماكنها]
(فائدة) حصر الشيخ الامام الحافظ ابو الخير الجزري في كتابه العدة اوقات الاجابة واحوالها واماكنها فقال ليلة عرفة ويوم عرفة وليلة القدر وشهر رمضان وليلة الجمعة ويوم الجمعة وساعة الجمعة وهى ما بين أن يجلس الامام على المنبر الى أن يقضى الصلاة قال والأقرب انها عند قراءته الفاتحة حتى يؤمن وجوف الليل ونصفه الثانى ونصفه الآخر ووقت السحر. وعند النداء بالصلاة وبين الاذان والاقامة وبعد الحيعلتين للمخبت المكروب وعند الاقامة وعند الصف في سبيل الله وعند التحام القتال ودبر الصلوات المكتوبات وفي السجود وعقيب تلاوة القرآن لا سيما الختم وعند قول الامام ولا الضالين وعند شرب ماء زمزم وصياح الديكة واجتماع المسلمين وفي مجالس الذكر وعند تغميض الميت وعند نزول الغيث وبين جلالتي سورة الانعام وعند رؤية الكعبة وفي المساجد الثلاثة وفي الطواف وعند الملتزم وفي داخل البيت وعند زمزم وعند نزول الامام من على المنبر أو عند اقامة الصلاة أو من اقامة الصلاة الي تمامها وورد في سنن الترمذى مرفوعا أو هى الساعة التى كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى فيها الجمعة أو من صلاة العصر الى غروب الشمس أو في صلاة العصر أو بعد العصر الى آخر وقت الاختيار أو من حين اصفرار الشمس الى أن تغيب (ما ثبت في حديث آخر صحيح) أخرجه ابو داود والحاكم عن جابر مرفوعا وأصحاب السنن عن عبد الله بن سلام موقوفا (انها آخر ساعة من النهار) أو اذا تدلي نصف الشمس للغروب أخرجه البيهقى وغيره عن فاطمة مرفوعا قال في التوشيح فهذه خلاصة الاقوال وباقيها يرجع اليها انتهى وقال المحب الطبرى أصح الاحاديث فيها حديث أبي موسي وأشهر الاقوال قول عبد الله بن سلام واختلف السلف في ترجيح القولين فرجح البيهقي وابن الغربى والقرطبي الاول قال النووى وهو الصحيح أو الصواب ورجح الثاني ابن حنبل واسحاق بن راهويه وابن عبد البر وجماعة وقد اورد ابو هريرة على عبد الله بن سلام انها ليست ساعة صلاة وقد ورد النص بالصلاة فاجابه ان منتظر الصلاة في حكم المصلي وهذا كما قاله في التوشيح وارد على حديث ابي موسي أيضا اذحال الخطبة ليس ساعة صلاة قال العلماء (فائدة) ابهامها كليلة القدر واسم الله الاعظم بعث الدواعى على التأهب بالاكثار من الصلاة والدعاء وان يدعى الله بجميع أسمائه الحسنى والا لا تكل الناس على ذلك وتركوا ما عداه (ابو الخير) اسمه محمد بن محمد (الجزرى) منسوب الي جزيرة ابن عمر لانه ولد بها وكانت وفاته بشيراز سنة ثلاث وثلاثين وثماثمائة (في العدة) أى عدة الحصن الحصين (ليلة عرفة ويوم عرفة الى آخر ما ذكره) احاديث ذلك مشهورة فلا نطيل بسردها (للمخبت) بالمعجمة فالموحدة فالفوقية (لا سيما) بالتشديد والتخفيف فالواو هي لاولوية ما بعدها بالحكم مما قبلها لا مستثنى بها والا فصح جرما بعدها وتقديم لا عليها بل قال المحققون حذفها لحن والسي لغة الميل وما صلة (وصياح) بضم اوله وكسره (الديكة) جمع الديك وهو بوزن العنبة

(2/344)


الصفا والمروة وخلف المقام وفي عرفات والمزدلفة ومنى وعند الجمرات الثلاث وعند قبور الانبياء ولا يصلح قبر نبي بعينه سوى قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقط بالاجماع وقبر ابراهيم عليه الصلاة والسلام داخل السورة من غير تعيين. قال وجرب استجابة الدعاء عند قبور الصالحين بشروط معروفة
[فرع في تعيين وقت الجمعة]
(فرع) وقت الجمعة وقت الظهر وكان صلى الله عليه وسلم يبكر بالخروج اليها وكان خروجه متصلا بالزوال وذلك بعد انقضاء الساعة السادسة وحض على التكبير فرواه أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الاولى فكانما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكانما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكانما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكانما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكانما قرب بيضة فاذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر أخرجه البخارى ومسلم قال مالك وبعض أئمة الشافعية (بشروط معروفة) وفي الخشوع والخضوع واستعمال الادب بترك العبث ونحوه وكمال الاعتقاد واستحضار كونه واسطة بينه وبين ربه (وقت الجمعة وقت الظهر) عند سائر العلماء من الصحابة فمن بعدهم الا ابن حنبل واسحاق فجوزاها قبل الدخول مستدلين بحديث سهل بن سعد ما كنا نقيل ولا سعدا الا بعد الجمعة وهو في الصحيحين وغيرهما وهذا الحديث وما أشبهه من الاحاديث محمول عند الجمهور على المبالغة في تعجيلها وانهم كانوا يؤخرون الغداة والقيلولة في هذا اليوم الى ما بعد صلاة الجمعة لانهم ندبوا الى التكبير فلو اشتغلوا شيئا من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التكبير اليها (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) قال النووى أى كغسل الجنابة في الصفات هذا هو المشهور في تفسيره وقال بعض أصحابنا في كتب الفقه المراد غسل الجنابة حقيقة قالوا ويستحب له مواقعة زوجته ليكون أغض لبصره وأسكن لنفسه انتهي قال في الديباج فيه حديث مشهور في شعب الايمان من حديث أبى هريرة مرفوعا أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل جمعة فان له أجرين اثنين اجر غسله وغسل امرأته (ثم راح) أي ذهب أول النهار كما في الموطأ في الساعة الاولى وراح يستعمل في جميع الاوقات بمعنى ذهب قاله الازهري وأنكر على من قال لا يكون الرواح الا بعد الزوال (قرب بدنة) أى تصدق بها متقربا الى الله تعالى أوساقها هديا الى البيت والبدنة هي البعير ذكرا كان أو أنثى والهاء للوحدة لا للتأنيث (كبشا أقرن) انما وصفه بذلك لانه أكمل وأحسن صورة ولان قرنه ينتفع به (دجاجة) بتثليث الدال يقع على الذكر والانثى (بيضة) يقرب ان المراد بها بيضة الدجاجة (حضرت الملائكة يستمعون الذكر) لمسلم في رواية طوو الصحف زاد النسائى فلم يكتبوا أحدا (أخرجه) مالك (والبخاري ومسلم) والنسائى زاد في رواية بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة وفي أخرى بعد الكبش دجاجة ثم عصفور ثم بيضة اسنادهما صحيح (وبعض أئمة الشافعية)

(2/345)


المراد بالساعات هي لحظات لطيفة بعد الزوال ومذهب الجمهور أنها من أول النهار وانها من طلوع الفجر لا من طلوع الشمس وفي هذا الحديث تأكيد غسل الجمعة وانه يعم الرأس وجميع البدن كغسل الجنابة وقد أوجبه بعض الصحابة وكثيرون من السلف ومذهب الجمهور انه سنة مؤكدة ولكل المذهبين دليل ظاهر من الحديث والله أعلم. ثم اختلف العلماء في العدد الذي ينعقد بهم الجمعة وأين تقام على أقوال كثيرة منتشرة غاية الانتشار مع اتفاقهم انها لا تصح الا في جماعة وبلد جامع قال ابن الصلاح وغيره من أئمة المحدثين لم يثبت في تقدير عدد الجمعة خبر ثابت وأفتى كثيرون من متأخرى أصحاب الشافعى باقامتها بدون أربعين وهو قول قديم للشافعى اختار جماعة منهم ان تصلى جمعة ثم تعاد ظهرا وهو النهاية في الاحتياط والله أعلم (فائدة) يستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة كالقاضي حسين وامام الحرمين (المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد الزوال) وعلى ذلك جرى في أهل الروضة لئلا يستوى فيها رجلان جاء في طرفي ساعة ولانه لو أريد ذلك لاختلف الامر في اليوم الثاني في الصائف (ومذهب) الشافعى و (الجمهور انها من أول النهار وانها من طلوع الفجر لا من طلوع الشمس) وعلى ذلك جرى النووي في شرح المهذب ومسلم قال لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الاخير وبدنة المتوسط متوسطة كما في درجات صلاة الجماعة القليلة والكثيرة أي فالمراد ساعات النهار الفلكية اثنا عشر ساعة زمانية صيفا كان أو شتاء والعميرة بخمس ساعات منها طال الزمان أو قصر قال الغزالى الساعة الاولى الى طلوع الشمس والثانية الى ارتفاعها والثالثة الى انبساطها حتى يرمض العضال والرابعة والخامسة الى الزوال (فائدة) أول من قدر النهار اثنى عشرة ساعة وكذا الليل نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام حين كان في السفينة أخرجه ابن عساكر في تاريخه بسند ضعيف عن ابن عباس (وقد أوجبه بعض الصحابة) وبه قال أهل الظاهر (وكثيرون من السلف) كما حكاه بن المنذر عن مالك وحكاه الخطابى عنه وعن الحسن البصرى (ومذهب الجمهور) من السلف والخلف (انه سنة مؤكدة) ليس بواجب (ولكل المذهبين دليل ظاهر من الحديث) اما الاول فدليله نحو قوله غسل الجمعة واجب على كل محتلم واما دليل الثاني فقد مر والجواب عن الاول ان الاحاديث الواردة في الامر محمولة على الاستحباب جمعا بين الادلة وقوله واجب أي متأكد (ثم اختلف العلماء في العدد) فعند الشافعى وجماعة يشترط أربعون وعند مالك وجماعة اثنا عشر وعند أبي حنيفة وجماعة يجوز باثنين (لم يثبت في تقدير عدد الجمعة خبر ثابت) انما استدل الشافعي بما في سنن أبي داود عن كعب بن مالك قال أول من صلى بنا الجمعة في بقيع الخصمان أسعد ابن زرارة وكنا أربعين صححه ابن حبان وغيره (يستحب) سورة (الكهف) والاستكثار منها (في يوم الجمعة) لما أخرجه الحاكم والبيهقى في السنن عن أبي سعيد من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة اضاءله النور

(2/346)


وليلتها وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيهما وان يقول قبل صلاة الغداة في يومها أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب اليه ثلاث مرات وان يجتهد في الدعاء في جميع يومها رجاء مصادفة ساعة الاجابة ويقرأ بعد صلاتها الفاتحة وقل هو الله أحد والمعوذتين سبعا سبعا وقد جاء في جميع ذلك أحاديث نبوية تركتها اختصارا والله أعلم.
[مطلب في صلاة الجماعة وفضيلتها]
صلاة الجماعة اعلم ان صلاة الجماعة سنة مؤكدة وقيل فرض كفاية للرجال وسنة للنساء وقيل فرض عين وهذان الأخيران قويان من حيث الدليل وعلى كل حال لا رخصة في تركها بالاعذار التى ترخص في ترك الجمعة دليله ما رويناه في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس قائد يقودنى الى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال له هل تسمع النداء فقال نعم قال فأجب. وروي أبو داود باسناد حسن ان ابن أم مكتوم الأعمى ما بين الجمعتين قال الحاكم صحيح الاسناد (وليلتها) لما أخرجه الدارمى موقوفا عن أبي سعيد من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاءله من النور ما بينه وبين البيت العتيق (وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها) لحديث أكثروا من الصلاة على في كل يوم جمعة أخرجه البيهقى عن أبى امامة وأخرجه عن أنس وزاد وليلة الجمعة (ويقرأ بعد صلاتها الفاتحة وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين سبعا سبعا) فقد ورد ان من فعل ذلك غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أخرجه أبو سعيد القشيري في الاربعين عن أنس وأخرجه ابن السنى من حديث عائشة بدون الفاتحة وقال أعاذه الله بها من السوء الى الجمعة الاخري (صلاة الجماعة سنة مؤكدة) لحديث صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة أخرجه أحمد ومالك والشيخان والترمذى والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر ولاحمد والبخارى وابن ماجه من حديث أبي سعيد بخمس وعشرين وكذا لمسلم من حديث أبي هريرة ولا يعارض بين الروايتين وليس في نفي الاقل نفي الاكثر كما في نظائره وعلى هذا وهو كونه سنة جري الرافعى في المحرر (وقيل فرض كفاية) لحديث ما من ثلاثة في قرية الآتي (وقيل فرض عين) كالجمعة لحديث لقد هممت ان آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب فاحرق عليهم بيوتهم بالنار أخرجه الشيخان وغيرهما وعلى الصحيح فالجواب من هذا مستوفا من كتب الفقه (رجل أعمي) هو ابن أم مكتوم الا آتى في رواية أبى داود (فرخص له الى آخره) استدل بهذا من قال ان الجماعة فرض عين وأجاب الجمهور بانه سأل هل له رخصة في ان يصلي في بيته ويحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره فقال لا قال النووي ويؤيد هذا ان حضور الجماعة يسقط بالعذر بالاجماع واما ترخيصه له ثم رده وقوله فاجب فبوحى نزل في الحال أو باجتهاد أو رخص

(2/347)


قال يا رسول الله ان المدينة كثيرة الهوام والسباع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمع حى على الصلاة حى على الفلاح فحى هلا. وفي الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لقد هممت ان آمر بحطب فيحطب ثم أمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف الىّ رجال فأحرق عليهم بيوتهم. وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال من سره ان يلقى الله تعالى غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فان الله عز وجل شرع لنبيكم سنن الهذى ولوانكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المخالف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولو رأيتنا وما يتخلف عنها الا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف رواه مسلم. وفي رواية له عنه أيضا قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى وان من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه. وعن أبى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من ثلاثة في قرية ولا بلدة لا تقام فيهم الصلاة الا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فانما يأكل الذئب القاصية من الغنم رواه أبو داود باسناد صحيح حسن وكل هذه الأحاديث في الصحيح وما يقاربه وكلها تدل على الحرج والضيق وعدم الرخصة هذا وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة بوعود جليلة وفي صلاة الصبح والعشاء زيادة تخصيص من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء له أولا في دفع الوجوب تم ندبه الى الافضل احتمالات (الهوام) بتشديد الميم ما يدب على الارض من نحو الحية والعقرب (فحي هلا) بتنوين هلا وقيل بلا تنوين أي عليك بالاجابة (فاحرق عليهم بيوتهم) ذكر بعضهم ان الحديث ورد على ما كان في أول الامر من العقوبة بالمال لان تحريق البيوت عقوبه مالية وقد نسخت قال في الديباج وقال بعض المحققين ان هذا الحديث ونحوه باق فيما اذا احتاج انكار المنكر الى ردع شديد لانهماك الناس في الفساد وعدم رجوعهم بما دون ذلك وقد حرق عمر بن الخطاب قصر سعد وحانوت الخمار وغير ذلك واستمر عليه ولاة الامور من بعده انتهى (سنن الهدى) بضم السين وفتحها ومعناهما متقارب أى طريق الهدى والصواب (يهادي بين الرجلين) أى يمسكه رجلان من جنبيه بعضديه يعتمد عليهما (الصلاة) بالنصب اسم ان (استحوذ) أي غلب (القاصية) البعيدة (من الغنم) التى نظر الراعى ليس عليها وشبه النبي صلى الله عليه وسلم تارك الجماعة لبعده عن محل رعاية الله تعالى الحاصلة للجماعة بسبب الاجتماع وتسلط ابليس عليه بالشاة البعيدة التي يتسلط عليها الذئب ويتمكن من أخذها (رواه) أحمد و (أبو داود باسناد حسن)

(2/348)


جماعة فكأنما قام الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله رواه مسلم. وعن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لا توهما ولو حبوا متفق عليه

[مطلب في صلاة الليل وتهجده صلى الله عليه وسلّم]
صلاة الليل قال الله تعالى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً وقال تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ الآية وقال تعالى كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وقال تعالى وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فانه والنسائي وابن حبان والحاكم (ومن صلى الصبح في جماعة فكانما) قام نصف الليل فبانضمامه الى النصف الحاصل بصلاة العشاء في جماعة كانه (صلي الليل كله) هذا هو الصحيح في تأويله وقيل بل يحصل له بصلاة الصبح فقط قيام الليل كله حتى ان من صلى العشاء والصبح معا في جماعة كانه قام ليلة ونصفا (رواه) أحمد و (مسلم) عن عثمان بن عفان وللطبرانى من حديث أبي امامة من صلى العشاء في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر (لو يعلمون ما فيهما) أي من الفضل والخير (لاتوهما) ان لم يستطيعوا المشي يحبون (حبوا) ولم يفوتوا جماعتهما في المسجد صلاة الليل (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) أى قم بعد الهجود وهو النوم (نافِلَةً) أي زيادة (لَكَ) وجه تخصيصه مع كونها نافلة له ولغيره على الصحيح ان نوافل غيره كفارة لذنبه وهو صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانت نوافله رفع درجات (عَسى) هي من الله واجب (أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ) يوم القيامة (مَقاماً مَحْمُوداً) هو مقام الشفاعة الذي يحمده فيه الاولون والآخرون (تَتَجافى) أي ترتفع (جُنُوبُهُمْ) جمع جنب (عَنِ الْمَضاجِعِ) جمع مضجع وهو الموضع الذي يضطجع عليه يعني الفراش وهو هم المتهجدون بالليل ونزلت هذه الآية في الانصار كانوا يصلون المغرب فلا يرجعون الي رحالهم حتى يصلوا العشاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فيمن يصلي صلاة الاوابين بين المغرب والعشاء روي عن أنس أيضا وقال به أبو حازم وابن المنكدر أو هم الذين لا ينامون حتى يصلون عشاء الآخرة قاله عطاء أو هم الذين يصلون العشاء والصبح في جماعة حكي عن أبي الدرداء وأبي ذر وعبادة بن الصامت والاشهر قول الحسن ومجاهد ومالك والاوزاعي وجماعة أن المراد الصلاة بالليل (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) أي ينامون والهجوع النوم بالليل دون النهار وما صلة أي كانوا يهجعون قليلا من الليل أى يصلون أكثره أو معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا قاله ابن جبير عن ابن عباس معنى كانوا أقل ليلة تمر بهم الا صلوا فيها شيأ (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ) في الليل (سُجَّداً) على وجوههم (وَقِياماً) وعلى أقدامهم قال ابن عباس من صلى بعد العشاء الآخرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجدا وقائما عليكم (بقيام الليل الى آخره) أخرجه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقى في السنن عن بلال وأخرجه الترمذى والحاكم عن أبي امامة وأخرجه ابن عساكر عن أبي الدرداء وأخرجه الطبراني في الكبير عن سلمان وأخرجه بن السنى

(2/349)


دأب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم الى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الاثم وقال صلى الله عليه وسلم من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين ومن صلى بمأتى آية فانه يكتب من الفائزين المخلصين رواهما الحاكم. وقال الأول على شرط البخارى والثانى على شرط مسلم والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة معلومة في الصحيحين وغيرهما ونشرع الآن في ذكر بيان وقته وعدده والمتلو فيه مع فوائد تتعلق بذلك كثيرة. أما الوقت ففي الصحيحين عن عائشة قالت من كل ليلة قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل ومن أوسطه ومن آخره وانتهى وتره الى السحر وقد سبق ذلك قريبا وموضع الدلالة منه ان وتره صلى الله عليه وسلم كان ملازما لتهجده وأفضل الاجزاء الليلية لذلك السدس الرابع والخامس باعتبار قسمة الليل ستة أجزاء لقوله صلى الله عليه وسلم أحب الصلاة الى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه رواه الشيخان. وأما العدد فاختلفت الروايات عنه صلى الله عليه وسلم واختلافها يدل على تغاير أحواله صلى الله عليه وسلم وذلك بحسب اختلاف الأوقات والأحوال وأغلب العادات النبوية في ذلك ما رويناه في الصحيحين عن عائشة قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على أحد عشر ركعة تصلي أربعا فلا يسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا يسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله أتنام قبل ان توتر فقال يا عائشة ان عيني تنامان ولا ينام عن جابر (دأب الصالحين) أي عادتهم (قبلكم) يؤخذ منه ان قيام الليل من الشرائع القديمة (ومكفرة) بفتح الميم والفاء وسكون الكاف ولفظ من مر وتكفير (للسيئات) قال تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ بعد ان قال وَزُلَفاً أى ساعات من الليل (ومنهاة عن الاثم) ان من خاصية الليل تجلى نفحات البارى تعالى على أهل القيام ونزول الرحمة عليهم وشهودهم قربه فيحبب اليهم الطاعات ويبغض اليهم الاثم زاد من مر ومطردة للداء عن الحسد وحكمة ذلك قلة أكلهم وايثار الجوع الذى هو سبب نقلة النوم الذي ألفوه وقد علم ان أصل كل داء الاستبطان وامتلاء المعدة (رواهما الحاكم) اما الاول فقد مر من رواه معه وأما الثاني فاخرجه الحاكم عن أبي هريرة وأخرجه أحمد والنسائي عن تميم بلفظ من قرأ مائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة (المتلو فيه) أى ما يتلى أي يقرأ فيه (رواه) أحمد و (الشيخان) وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو (ما كان يزيد الى آخره) قال في التوشيح فيه دلالة ظاهرة على انه لم يصلي التراويح عشرين ركعة (فلا تسأل) أنت (عن حسنهن وطولهن) أى انهن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات بظهور

(2/350)


قلبي وورد في كثير من الروايات ثلاث عشرة وأكثر الروايات عن عائشة خمس عشرة وقد كان للسلف عادات في التهجد منهم من كان ورده مائة ركعة وآخرون ألف ركعة ومنهم من قدره بقوته فلا يزال يتهجد حتى يعجز فيأتى فراشه حبوا ذكره ابن خليل في التحفة قلت وهذا الأخير مذموم شرعا وقد ورد في جملة من الأحاديث النهى عنه وتخطئة فاعله فينبغى للانسان ان يأخذ نفسه بالتدريج أولا بركعتين فقد ورد في الحديث انهما خير من الدنيا وما فيها ثم يدرجها في العمل حتى ينتهى الى احدى عشرة أو عدد يقدر عليه فيلازمه ويتخذه وردا يعتاده ويطالب نفسه بأدائه ويتمرن على العمل به وان فات عليه لعارض أصبح مهموما عليه وتدارك قضاءه في النهار فقد روينا في صحيح مسلم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل رواه مسلم فينبغي للانسان أن لا يهمل حظه من الليل ولو ركعتين فقد سبق قريبا ما ورد فيهما ومن لم يدرك الخير كله فلا يتركه كله والقليل يجر الكثير والله ولى التوفيق وليحذر كل الحذر أن يستحكم على رأسه عقد الشيطان يبول في أذنيه فيمضى عليه كل الليل بفوائده العظيمة وخيراته العميمة حسنهن وطولهن عن ان يسأل عنهن (ورد في كثير من الروايات) كحديث ابن عباس (ثلاث عشرة) كانه عد الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتتح بهما صلاة الليل قال عياض لا خلاف انه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه بل صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الاجر وانما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه (وأكثر الروايات عن عائشة خمس عشرة) فقيل الاختلاف منها وقيل من الرواة عنها قال النووي فيحتمل ان اخبارها باحدي عشرة على الاغلب والباقي ربما كان يقع نادرا في بعض الاوقات (يعجز) بكسر الجيم مضارعا وفتحها ماضيا أشهر من عكسه (فيأتي) بالنصب (خير من الدنيا وما فيها) زاد ابن نضر عن حسان بن عطية مرسلا ولولا ان أشق على أمتي لفرضتها عليهم وللديلمي في مسند الفردوس من حديث جابر ركعتان في جوف الليل يكفران الخطايا (فيلازمه) بالنصب (صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة) قال النووى فيه دليل على استحباب المحافظة على الاداء وانها اذا قامت تقضى (من نام عن جزبه) ولأحمد وأصحاب السنن والحاكم عن وبرة (كانما قرأه من الليل) ولهم فليصله اذا ذكره (ويبول في أذنه) أشار الى الحديث المروي في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح فقال ذاك رجل بال الشيطان في أذنه وذكره المصنف

(2/351)


ويصبج فقيرا منها خبيث النفس كسلان لا ينبسط ولا ينكف عن شر* روينا في الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم اذا هو نائم ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد فان استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة وان توضأ انحلت عقدة فان صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس والا أصبح خبيث النفس كسلان* وروينا فيهما أيضا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح فقال ذلك بال الشيطان في أذنيه أو قال في أذنه وليحذر كل الحذر أيضا من ترك تهجدا اعتاده والاعراض عنه بالكلية فيكون أسوأ حالا ممن لم يتهجد رأسا وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحور بعد الكور في ما بعد وهو على حقيقته أو كناية عن سد الشيطان اذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر أو أن الشيطان ملأ سمعه بالاباطيل فحجبه عن الذكر أو المراد أن الشيطان ازدراه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول أقوال وانما خص الاذن بالذكر مع أن الغير أنسب بالنوم اشارة الى ثقل النوم فان المسامع موارد الانتباه وخص البول لانه أسهل مرحلا في التجاويف وأسرع نفوذا في العروق فيورث الكسل في جميع الاعضاء فيحصل التثبيط عن القيام للصلاة قاله الطبي (الشيطان) هو حقيقة أو كناية عن تثبيط قولان (قافية) بالقاف قبل الفاء (رأس أحدكم) أى مؤخره اذا (هو نام) هو على عمومه أو خصوصه بمن نام قبل صلاة العشاء قاله الملوي وابن حجر زاد ابن حجر ويمكن أن يخص منه أيضا من قراءة آية الكرسي عند نومه فقد ثبت انه تحفظ من الشيطان (يضرب) أي بيده على العقدة تأكيدا لها واحكاما قائلا ذلك أو معناه تحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ قولان (على كل عقدة مكانها) قال في التوشيح وقد اختلف في هذا العقد فقيل على حقيقته وانه كما يعقد الساحر من سحره فيأخذ خيطا يعقد فيه عقدة ويتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها ولابن ماجه على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد ولابن حبان عن جابر ما من ذكر ولا أنثي الا على رأسه جرير معقود حين يرقد وفي فوائد المخلص عن أبى سعيد ما أحد ينام الا ضرب صماخيه بجرير معقود والجرير بالجيم الحبل وقيل مجاز شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور بجامع المنع من التصرف (عليك ليل طويل) لمسلم في أكثر الاصول بالنصب على الاغراء (انحلت عقده) بلفظ الجمع (طيب النفس) أى من سر صلاة الليل فاقل ما يحصل به حل عقد الشيطان ركعتان لحديث ابن خزيمة فحلو عقد الشيطان ولو بركعتين فمن ثم استحب استفتاح صلاة الليل بركعتين حقيقية للامرية في صحيح مسلم مبادرة الى حل العقد وفي فوائد المخلص عن أبي سعيد وان استيقظ ولم يتوضأ ولم يصلى أصبحت العقد كلها كهيئتها وبال الشيطان في أذنه قال في التوشيح فيستفاد منه وقت بول الشيطان (رأسا) على لفظ الرأس أي أصلا (وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحور بعد الكور) أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه

(2/352)


وهو النقص بعد الزيادة والرجوع من حال سنى الى حال دنئ نعوذ بالله من ذلك وقال لعبد الله ابن عمرو بن العاص يا عبد الله لا تكون مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل متفق عليه.
[فصل وأما ما يقرأ في صلاة الليل]
وأما ما يقرأ في صلاة الليل فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهجد بالقرآن درسا ويطيل ويجهر ويخفي ويراعى في كل وقت ما يناسبه وأطول ما ورد في ذلك ما رويناه في صحيح مسلم عن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فافتتح البقرة فقلت يقف على المائة ثم مضي فقلت يصلى بها ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا اذا مر بآية فيها تسبيح سبح واذا مر بسؤال سأل واذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربى العظيم وكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربى الاعلى فكان سجوده عن عبد الله بن سرخس والحور بفتح المهملة الرجوع والكور بفتح الكاف آخره راء كما في رواية العذري في صحيح مسلم وكذلك هو عند الترمذي أو نون كما هو في رواية الاكثر وزعم الحربى ان عاصما وهم فيه وانما هو الكور بالراء (وهو النقص بعد الزيادة) يقال فيه حار بعد ما كار (والرجوع من حال سنى) كايمان واستقامة وصلاح (الى حال دني) ككفر وخلل وفساد أعاذنا الله من ذلك بمنه ويمنه. ما يقرأ في صلاة الليل (ما رويناه في صحيح مسلم عن حذيفة) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (فقلت يقف على المائة) زاد النسائي فمضي فقلت يركع عند المائتين (ثم مضى فقلت يصلي بها ركعة) قال النووى معناه ظننت انه يسلم بها فيقسمها على ركعتين وأراد بالركعة الصلاة بكمالها وهى ركعتان قال ولا بد من هذا التأويل لينتظم الكلام بعده وعلى هذا فقوله ثم مضي معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظنى انه لا يركع الركعة الاولى الا في آخر البقرة فحينئذ قلت يركع الركعة الاولى بها فجاوز وافتتح النساء (ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران) قال عياض فيه دليل لمن يقول ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف وانه لم يكن من ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم بل وكله الى أمته بعده وهذا قول مالك وجمهور العلماء واختاره أبو بكر الباقلاني وقال هو أصح القولين مع احتمالها والذى يقوله أن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التلقين ولا في التعليم وانه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نص ولا حسد يحرم مخالفته وكذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان قال فاما على قول من يقول ان ذلك بتوقيف حدده لهم كما استقر في مصحف عثمان وانما اختلف في المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف فتأول قراءته صلى الله عليه وسلم هنا انه كان قبل التوقيف وكانت هاتان السورتان كذا في المصحف أبي ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالي على ما هى عليه الآن في المصحف وهكذا نقلته الامة عن نبيها صلى الله عليه وسلم (مترسلا)

(2/353)


قريبا من قيامه* قال الامام محيى الدين النووى واما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمنهم عثمان بن عفان وتميم الدارى وسعيد بن جبير قلت واستمر فعل كثير من السلف والخلف على سبع القرآن كل ليلة في ركعات التهجد واحسن ما يمكن الدوام عليه بغير ملل ولا اخلال ويطيقه كل أحد في عموم الأحوال اعتياد ختمتين في كل شهر أحداهما في صلاته بالليل لكل ليلة جزء والأخرى خارج الصلاة والله ولى التوفيق هذا في حق من يحفظ القرآن وأما غيره فيقرأ من السور القصار وما أمكنه وأحسن الأوراد له قراءة قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثا فقد ورد في الصحاح ان من قرأها ثلاثا فكأنما قرأ القرآن كله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما قرأ السورة في ركعة واقتصر عليها وربما قرأ سورتين أو أكثر في ركعة كما في حديث حذيفة السابق وحديث أبى لأعرف النظائر الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين من المفصل أي مرتلا (من قرأها ثلاثا فكانما قرأ القرآن كله) أخرجه بهذا اللفظ العقيلى عن رجاء الغنوي وللضياء من حديث أبي هريرة من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فكانما قرأ ثلث القرآن ولمالك وأحمد والبخاري وأبى داود والنسائى من حديث أبي سعيد قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وأخرجه البخاري أيضا من حديث قتادة بن النعمان وأخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء وأخرجه الترمذى وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجه النسائي من حديث أبى أيوب وأخرجه أحمد وابن ماجه من حديث أبي مسعود الانصارى وأخرجه الطبرانى من حديث ابن مسعود ومعاذ وأخرجه أحمد من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأخرجه البزار من حديث جابر وأخرجه أبو عبيد من حديث بن عباس وأخرجه الطبراني والحاكم من حديث ابن عمر وزدا وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن ولمسلم في رواية ان الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزأ من أجزاء القرآن والمراد انها تعدل بثلث القرآن في الثواب وقيل ان القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات الله تعالى وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ متمحضة للصفات فهى ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء وقيل هذا من متشابه الحديث الذى لا يدري تأويله فائدة ورد في يس ان من قرأها مرة فقد قرأ القرآن عشر مرات أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وورد في اذا زلزلت انها تعدل نصف القرآن أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس قال الحاكم صحيح الاسناد وورد في اذا جاء نصر الله انها تعدل ربع القرآن كقل يا أيها الكافرون أخرجه الترمذى من حديث أنس بن مالك وقال حديث حسن (وحديث أبى لا عرف النظائر الي اخره) قاله ابن مسعود للرجل الذى قال لابي لا قرأ المفصل في ركعة والرجل هو نهيك بن سنان كما عند مسلم (يقرن) بضم الراء على الصحيح وفي لغة بكسرها (عشرين من المفصل) أى معظمها فلا ينافي ما في رواية

(2/354)


في عشر ركعات وربما غشيه البكاء في تهجده وخنقته العبرة وقام ليلة حتى أصبح بقوله إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وروى مثل ذلك عن عمر انه صلى بالناس صلاة الصبح فلما أتى على قوله تعالى نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
خنقته العبرة فبكى حتى سمع نشيجه المأمومون وقام تميما الدارى بقوله تعالى. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
. وقام سعيد بن جبير بقوله تعالى. وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ
أخرى في مسلم ثمانية عشر من المفصل وسورتين من آل حم قال النووي وفيه دليل على ان المفصل ما بعد آل حم والمراد بآل حم السورة التى أولها حم كقولك فلان من آل فلان قال عياض ويجوز أن يكون المراد حم نفسها كما قال في الحديث من مزامير آل داود أي داود نفسه انتهي قال العلماء القرآن السبع الطوال ثم رواية المائين وهو ما كان في السورة منها مائة آية ونحوها ثم الثاني ثم المفصل وقد سبق الخلاف في أوله وورد بيان هذه السور في رواية عند أبى داود من طريق أبي اسحاق عن علقمة والاسود عنه وفي أخري عند ابن خزيمة من طريق أبي خالد الاحمر عن الاعمش عنه الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والطور والذاريات في ركعة والواقعة ونون في ركعة وسأل سائل والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم والمرسلات في ركعة والدخان واذا الشمس كورت في ركعة وليس في هذه الرواية من آل حم سورة (في عشر ركعات) قال عياض هذا صحيح موافق لرواية عائشة وابن عباس ان قيام النبي صلى الله عليه وسلم كان احدي عشرة بالوتر (بقوله تعالى) حكاية عن قول عيسي يوم القيامة (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ) أي على معاصيهم (فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) ولا اعتراض على المالك فيما يصنع بالعبيد (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) ما دون الشرك أو هو بان توفقهم للاسلام (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الملك (الْحَكِيمُ) في القضاء وقرأ ابن مسعود الغفور الرحيم ليناسب وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ وعلى قراءة الجمهور فيه تقديم وتأخير تقديره إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (فلما أتى على قوله تعالى) حكاية عن قول يعقوب (َّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي) هما مترادفان لان البث أشد من الحزن فهو أخص منه فمن ثم قدمه ومعناه انما أشكو حزني الشديد على يوسف وحزني الذى على بنيامين أخيه لان حزنه عليه كان دون حزنه على يوسف كذا ظهر لى (أَمْ حَسِبَ) أى احسب والميم زائدة (الَّذِينَ اجْتَرَحُوا) أي اكتسبوا (السَّيِّئاتِ) أي المعاصى (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال المفسرون نزلت هذه الآية في نفر من قريش قالوا للمؤمنين لئن كان ما يقولون حقا لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا في الدنيا (وَامْتازُوا) أي اعتزلوا من الصالحين قاله مقاتل أو تميزوا قاله أبو العالية أو كونوا على حدة قاله السدى أو انفردوا عن المؤمنين قاله الزجاج والخلاف لفظى والمعني كله متقارب (الْيَوْمَ) يعنى يوم القيامة (أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) أى الكافرون قال الضحاك ان لكل كافر بيتا في النار يدخل ذلك البيت ويردم بابه

(2/355)


وقام النووى بقوله تعالى. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ. وهذا على قدر ما يظهر لهم بدقائق الافكار من لطائف المعارف وعجائب الاسرار قال السيد الجليل ابراهيم الخواص رضي الله عنه دواء القلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين
[تنبيه كره العلماء قيام كل الليل خشية الانقطاع]
(تنبيه) قال العلماء يكره قيام كل الليل خشية أن يمل وينقطع عنه كله* روينا في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ألم أخبر انك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وافطر وقم ونم وذكر الحديث قالوا ويكره تخصيص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى لما ثبت في صحيح مسلم عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تخصوا ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالى ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الايام الا ان يكن في صوم يصومه احدكم قال* محيى الدين النووى بالنار فيكون فيه أبد الآبدين لا يرى ولا يرى (وَقِفُوهُمْ) أي أحبسوهم عند الصراط لان السؤال يكون عنده (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) أي عن جميع أقوالهم وأفعالهم أو عن لا اله الا الله روايتان عن ابن عباس (ابراهيم) بن أحمد (الخواص) قال القشيري من أقران الجنيد والثورى وله في التوكل والرياضات حظ كبير مات بالري سنة احدى وتسعين ومائتين كان مبطونا فكان كلما قام توضأ ودعا الى المجلس في المسجد يصلى ركعتين فدخل مرة بيت الماء فمات فيه رحمه الله ونفع به (وخلاء البطن) يعني بقليل الطعام والاقتصار على ما يحصل به استمساك البدن لا اخلاؤه أصلا (التضرع) هو الدعاء وأصله الدعاء بجبر الضرع وهو ضعف الجسد ثم استعمل في الدعاء كله ومن كلامه رضي الله عنه ليس العلم بكثرة الرواية وانما العالم من اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وان كان قليل العلم (قال العلماء) من الصحابة والتابعين فمن بعدهم (يكره) لمن يجد مشقة يخاف منها محذورا (قيام كل الليل) دائما لحديث عبد الله بن عمر الآتي وأما من لا يجد مشقة فلا يكره له بل يستحب لا سيما المتلذذ بمناجات ربه سبحانه ولا يكره احياء بعض الليالى كلها كالعشر الاخيرة من رمضان وليلتى العيد بل يندب (كله) بالجر تأكيد للضمير (وذكر الحديث) تتمته فان لنفسك عليك حقا وان لزوجك عليك حقا وان لزورك عليك حقا وان لولدك عليك حقا فاعط كل ذى حق حقه وفي حديث عبد الله بن عمر وهذا فوائد ليس هذا محل بسطها (ويكره تخصيص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى) وما في الاحياء من استحباب قيامها حمل على قيامها مضافا الى أخري قبلها أو بعدها كالصوم وخص بعضهم الكراهة بمن يضعف بذلك عن وظائف الجمعة (لا تخصوا) الذي في أصول مسلم لا يختصوا في الاول ولا يخصوا في الثاني (ولا تخصوا يوم الجمعة الى آخره) قال العلماء الحكمة في ذلك ان يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة فاستحب الفطر فيه ليكون أعون على وظائفه وهو نظير الحاج في

(2/356)


في شرحه لمسلم عند الكلام على هذا الحديث احتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها بأنها بدعة منكرة من البدع التي هى ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصى هذا كلامه بحروفه وله عليها في فتاويه كلام طويل قلت اشتد نزاع العلماء في هذه الصلاة وصلاة ليلة النصف من شعبان وطريق الانصاف البعيدة عن الاعتساف أن يتجنب صلاة الرغائب لمصادمتها هذا الحديث الصحيح الذى لا محيص عنه ولا معزل الا بحديث يقاومه في الصحة ولا سبيل اليه فقد نص جهابذة المحدثين أهل النقد والصناعة في هذا الفن ان الحديث المذكور فيها باطل موضوع لا اصل له وانها لم تحدث الا في آخر القرن الخامس ببيت المقدس واهل كل فن يسلم لهم في فنهم وان يشاركهم غيرهم فيه فاذا تحققت ذلك فلا تلتفت على من صلاها أو ذكرها فان القدوة لا تتم الا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكل احد يؤخذ من قوله ويترك غيره صلى الله عليه وسلم وما يؤمن ان يحرص الانسان على طاعة فيقع في خلاف سنة فلا تقاوم احداهما الأخرى وقد قدمنا عن سعيد بن المسيب انه قيل له يا ابا محمد أيعذبنى الله على الصلاة قال لا ولكن يعذبك الله بخلاف السنة فاذا تحققت ذلك فاختر لنفسك ما يترجح لك فيه النجاة والسلامة والله يقول الحق وهو يهدى السبيل* واما صلاة النصف يوم عرفة وظاهر هذا عدم كراهة أفراده لمن لا يضعف بالصوم عن الوظائف وبه أخذ بعض أصحابنا وقيل الحكمة خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به قال النووي وهو ضعيف منقوض بصلاة الجمعة وقيل لئلا يعتقد وجوبه وهذا ضعيف منقوض بيوم الاثنين والخميس (الصلاة المبتدعة) وهي ثنتا عشر ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة وقال الجزرى خمس من رجب (الرغائب) جمع رغباء بفتح الراء مع المد وبضمها مع القصر وحكى فيها الفتح مثل شكوي والرغباء الطلب والمسألة (ومخترعها) أي مبتدعها (ودلائل قبحها) بالرفع مبتدأ خبره أكثر (وصلاة ليلة النصف من شعبان) وهي مائة ركعة (الاعتناء) هو التكلف (والصناعة) بفتح المهملة (وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك) هو حديث يروى عن ابن عباس موقوفا عليه ما من أحد الا يؤخذ من قوله ويدع (غيره) بالجر بدل من أحد وبالنصب على الاستثناء (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ) أي قوله الحق (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) أى يرشد الى طريق الحق وسبيل النجاة

(2/357)


من شعبان فلا يتعلق فعلها بمأثم لخلوها عن النهى والأولى لمن رغب فيها أن يصليها منفردا لأن مثل هذا الشعار الظاهر لا يقوم الا بدليل ظاهر والله أعلم بالصواب.
[مطلب في صلاة التراويح وقيام رمضان]
صلاة التراويح وقيام رمضان اعلم ان قيام رمضان سنة بالاجماع وللعشر الاواخر منه زيادة تخصيص. روينا في الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه* وروينا فيهما أيضا عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر. أما أصل استحبابها على هذا الوجه الذى يفعله الناس اليوم فانه ورد في الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم في رمضان ليالى في المسجد وكانوا في كل ليلة يتزايد جمعهم فلما رأى ذلك النبى صلى الله عليه وسلم أبى أن يخرج اليهم وصلى بقية الشهر في بيته واعتذر اليهم فقال انى خشيت ان تفرض عليكم فتعجزوا عنها. قال في صحيح البخاري فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبى بكر وصدرا من خلافة عمر معناه استمر الأمر في هذه المدة على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا حتى انقضي صدرا من خلافة عمر ثم جمعهم عمر على أبى بن كعب فاستقر الامر على ذلك والصحابة صلاة التراويح (وقيام) بالضم عطفا على صلاة (روينا في الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن أبى هريرة) وفي السنن وعن جندب (ايمانا) أي تصديقا بأنه حق معتقدا فضيلة (واحتسابا) أى يريد به الله تعالى وحده ولا يقصد روية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الاخلاق (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد النسائي وغيره وما تأخر (وروينا فيهما أيضا عن عائشة) وأخرجه عنها أيضا أبو داود والنسائى وابن ماجه وللبيهقى في الشعب عنها كان اذا دخل شهر رمضان شد مئزره ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ وأخرج أيضا عنها كان اذا دخل رمضان تغير لونه وكثرت صلاته وابتهل في الدعاء وأشفق لونه (أحيا الليل) أي سهره فأحياه بالعبادة وأحيا نفسه بالسهر فيه (وأيقظن أهله) أى للصلاة وغيرها من العبادات (وشد المئزر) بكسر الميم مهموز أى الازار وهذا كناية عن اعتزال النسا أو عن الجد في العبادة والتشمير لها قولان الاول أولى قاله القرطبي قال لانه قد ذكر الجد والاجتهاد أولا فحمل هذا على فائدة مستنجدة أولى زاد البيهقى وابن أبي شيبة واعتزل النساء وهو يؤيد التفسير الاول (ليالى) بالنصب على الظرف (قال في صحيح البخارى) وفي صحيح مسلم أيضا (والامر على ذلك) كذا للكشميهنى ولغيره والناس على ذلك (ثم جمعهم) أى الرجال (على أبى ابن كعب) وأما النساء فعلى سليمان بن أبى خيثمة كما أخرجه البيهقي وفيه وفي الموطأ انه كان يصلي بهم عشرين ركعة وفي رواية في الموطأ ثلاثا وعشرين وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاث قال في التوشيح ووردت روايات أخر بخلاف ذلك ففي رواية احدى عشرة وفي أخري ثلاث

(2/358)


متوافرون من غير انكار من أحد منهم ثم ان مذهب الشافعى والجمهور استحبابها جماعة وقال مالك وأبو يوسف وبعض أصحاب الشافعى والافضل فرادي في البيت والصواب الاول لما ذكرناه من فعل عمر واجماع الصحابة وقد قال صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى. وقال أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وأما عددها وتسميتها بالتراويح فرواه البيهقى بالاسناد الصحيح عن فعل عمر والصحابة وتسمى كل تسليمتين منها ترويحة لانهم كانوا اذا صلوا تسليمتين استروحوا ساعة. قال الحليمى في منهاجه ما حاصله ان الافضل في وقتها بعد مضي ربع الليل فصاعدا سواء أخر العشاء اليها أو صلاها ثم نام قال فاما اقامة العشاء لأول وقتها ووصل القيام بها فذلك من بدع الكسالى والمترفين وليس من القيام المسنون في شيء قال أصحابنا ولا يصح التراويح بنية مطلقة بل ينوي في كل ركعتين سنة التراويح أو قيام رمضان. قال النووي وأما القراءة فيها فالمختار الذى قاله الاكثرون وأطبق الناس على العمل به أن يقرأ الختمة بكمالها في التراويح في جميع الشهر فيقرأ في كل ليلة نحو جزء من ثلاثين ويستحب أن يرتل القراءة ويبينها وليحذر من التطويل عليهم بقراءة عشرة وفي أخرى احدى وعشرين (استحبابها جماعة) لفعل الصحابة رضى الله عنهم (وأبو يوسف) هو من أصحاب أبي حنيفة (والافضل فرادا في البيت) لحديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته الا المكتوبة أخرجه النسائى والطبراني من حديث زيد بن ثابت (وسنة الخلفاء الراشدين) تتمة الحديث عضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل بدعة ضلالة (أصحابي كالنجوم) أخرجه رزين في جامعه وعبد بن حميد والدار قطنى قال المزني وغيره من أهل النظر المراد في النقل لان جميعهم عدول انتهى قال ابن عبد البر وليس المراد في الفتوى والا لما احتاج ابن عباس الى اقامة التنبيه على دعواه حيث قال للمسور بن محرمة يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل فأرسل ابن عباس الى أبي أيوب يسأله بل كان يقول للمسور أنا نجم وأنت نجم فبأينا اقتدى من بعدنا كفاه انتهى. قلت بل المراد انهم قدوة فيما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ولم يكن فيه نص من كتاب أو سنة والذي يمارى فيه ابن عباس والمسور فيه نص من النبي صلى الله عليه وسلم فلا يستدل به على ما ذكره ابن عبد البر كيف وقد رجع المسور الي ما قاله ابن عباس فلم يكن بينهما اختلاف (وأما عددها) وهو عشرون قال الحليمى والسر فيه ان الرواتب في غير رمضان عشر ركعات فضو عفت لأنه وقت جد وتشمير قال أصحابنا لاهل المدينة فعلها ستا وثلاثين لعله مشهورة في كتب الفقه (الحليمي) بفتح المهملة وكسر اللام يكني أبا عبد الله اسمه الحسين بن محمد بن الحسن منسوب الى حليم بن وضاح قاله في القاموس (ان الافضل) بكسر الهمزة (المترفين) بضم الميم وسكون الفوقية وفتح الراء المنعمين (وليس من القيام المسنون في شيء) هذا ضعيف لم يقله أحد غير

(2/359)


أكثر من جزء هذا كلامه. قلت ومما يتعين الاعتناء به والتنبيه عليه ما اعتاده كثيرون من أئمة المصلين بالناس في التراويح من الادراج في قراءتها والتخفيف من أركانها وحذف أذكارها وقد قال العلماء صفتها كصفة باقى الصلوات في الشروط والآداب وجميع الاذكار كدعاء الافتتاح فاذكار الاركان والدعاء بعد التشهد وغير ذلك ومن ذلك طلبهم لآيات الرحمة حتى لا يركعوا الا عليها وربما أداهم ذلك الى تفويت أمرين مهمين من آداب الصلاة والقراءة وهما تطويل الركعة الثانية على الاولى والوقوف على الكلام المرتبط بعضه ببعض ويسبب جميع ذلك اهمال السنن واندراسها لقلة الاستعمال صار المستعمل لها مجهلا عند كثير من الناس بمخالفته ما عليه السواد الاعظم وذلك لفساد الزمان وقد قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة. حتى يكون المعروف منكرا والمنكر معروفا فعليك بلزوم السنة طالب بها نفسك وأمر بها من أطاعك تنج وتسلم وتغنم. قال السيد الجليل ابو على الفضيل بن عياض رضى الله عنه لا تستوحش طرق الهدى لقلة اهلها ولا تغتر بكثرة الهالكين.
[مطلب في صلاة الاستخارة ودعاء الاستخارة.]
(صلاة الاستخارة) اعلم انه ورد في الاستخارة احاديث كثيرة وأصحها في هذا الباب ما رويناه في صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول اذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم انى استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك واسئلك من فضلك العظيم فانك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم ان كنت تعلم ان هذا الأمر خير لى الحليمى ولا مانع يمنع من تسميته قياما فان الليل كله محل للقيام وانما يتفاوت فضيلته (مجهلا) بضم الميم وفتح الجيم والهاء المشددة أي مستويا الى الجهل وعدم العلم (الفضيل بن عياض) قال القشيري خراساني من ناحية مرو وقيل انه ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد ومات بمكة في المحرم سنة سبع وثمانين ومائة ثم روي بسنده الى أبي عمار قال كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين ابيورد وبين سرخس وكان سبب توبته انه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران اليها اذ سمع تاليا يتلو الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله الآية فقال يا رب قد آن فرجع فأواه الليل الى خربة فوجد فيها رفقة فقال بعضهم نرتحل وقال قوم حتى يصبح فان فضيلا على الطريق يقطع علينا فأتي الفضيل وامنهم وجاور الحرم حتى مات. صلاة الاستخارة (ما رويناه في صحيح البخاري عن جابر) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (من غير الفريضة) هذا محمول على الندب والا فهي ينادى بغيرها من فرض أو سنة ما لم ينقص عن ركعتين كالتحية كما سيأتي (استخيرك) أي أسألك ان تختار لى (بعلمك) أى بما تعلمه لى من الخير (واستقدرك) أي أسألك تقدير الخير وفي احدى الروايات للنسائي

(2/360)


في ديني ومعاشى وعاقبة أمري أو قال عاجل أمرى وآجله فاقدره لى ويسره لى ثم بارك لى فيه وان كنت تعلم أن هذا الأمر شر لى في ديني ومعاشى وعاقبة أمري أو قال عاجل أمرى وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لى الخير حيث كان ثم أرضنى به قال ويسمى حاجته. قال العلماء يحصل ركعتاها براتبة وتحية وغير ذلك والاستقلال بسبب الاستخارة أو لا يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد قال بعضهم ويقرأ أيضا بعد قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ الآية وبعد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وهذا لا بأس به وفيه مناسبة حسنة ولو تعذرت عليه الصلاة في الحال استخار بالدعاء. ويستحب افتتاحه وختمه بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أدب في جميع الأدعية. ويستحب أن يقول اللهم خرلى واخترلى فقد روينا ذلك في حديث مرفوع في جامع الترمذى وضعفه ويقرأ بعد الصلاة والدعاء أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ثم يمضى بعد ذلك لما ينشرح له صدره فلا شك أن الخير فيه وان ظهر له منه شر فلا شك أن في طيه خير فان الخير ما هو عند الله خير لا ما يظهر للناس قال تعالى وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. ويستحب أن تكون الصلاة والدعاء سبع مرات فقد روينا في كتاب ابن السنى بسند فيه مجاهيل عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس اذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر الى الذى سبق الى قلبك فان الخير فيه وينبغي أن لا تترك الاستخارة في كل الأمور وان كانت طاعة كالحج ونحوه واستشهدك (أو قال عاجل أمرى وآجله) شك من الراوى وينبغى للمستخير الاتيان بجميعه (واقدر) بهمز وصل وضم المهملة بمعنى قدر (ثم أرضني به) وللنسائي بقضائك (قال ويسمى حاجته) وللحاكم في المستدرك من حديث أبي أيوب الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اكتم الخطيبة ثم توضأ فاحسن وضوءك ثم صل ما كتب الله لك ثم احمد ربك ومجده ثم قل اللهم انك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فان رأيت في فلانة تسميها باسمها خيرا لى في دينى ودنياي وآخرتي فاقدرها لى وان كان تأخيرها خير الى في دينى ودنياي وآخرتي فاقدرها لى (فالحمد) بالرفع على الحكاية (ويستحب ان يقول اللهم خر لى واخترلي)

(2/361)


للحديث السابق ولما رواه البيهقى ابه صلى الله عليه وسلم قال من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله عليه ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى وسخطه بما قضى الله.
«صلاة حفظ القرآن» روينا في جامع الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل علينا على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال بابى أنت وأمي يا رسول الله تفلّت هذا القرآن من صدرى فما أجدنى أقدر عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينتفع بهن من علمته ويثبت ما تعلمت في صدرك فقال أجل يا رسول الله فعلمنى قال اذا كان ليلة الجمعة فان استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فانها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب وقد قال أخي يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يقول حتى تأتى ليلة الجمعة فان لم يستطع فقم في وسطها فان لم تستطع ففي أولها وصل أربع ركعات تقرأ في الركعة الاولى بفاتحة الكتاب وسورة يس وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان. وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل فاذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله وصلى علىّ وعلى آلى وأحسن على سائر النبيين واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولاخوانك الذين سبقوك بالايمان ثم قل في آخر ذلك اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبدا ما أبقيتنى وارحمني ان أتكلف ما لا يعنينى وارزقنى حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع السموات والارض ذا الجلال والاكرام والعزة التى لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتنى وارزقني أن أتلوه على النحو الذى يرضيك عني اللهم بديع السموات والارض ذا الجلال والاكرام والعزة التى للاتباع أخرجه الترمذى من حديث أبي بكر (ولما رواه) الترمذى و (البيهقى) والحاكم بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص* صلاة حفظ القرآن (في جامع الترمذي عن ابن عباس) بسند حسن غريب (تفلت) بفتح الفوقية فالفاء فاللام المشددة فالفوقية أى تغلب على وخرج (من صدري) كما تفلت الدابة (كان ليلة) بالرفع والنصب (ساعة مشهودة) أى يشهدها الملائكة وتنزل فيها رحمة البارى تعالى وبركاته (في وسطها) بفتح السين (اللهم ارحمني بترك المعاصى) يؤخذ منه ان المعاصى ربما كانت سببا لنسيان القرآن وغيره من العلوم واخرج أحمد عن ابن مسعود موقوفا عليه قال قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا قوله تعالى فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً الآية (يعنيني) بفتح أوله (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى مبتدعهما

(2/362)


لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصرى وأن تطلق به لسانى وأن تفرج به عن قلبي وأن تشرح به صدرى وأن تستعمل به بدنى فانه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتينيه الا أنت ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم قال يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تجاب إن شاء الله تعالى والذى بعثني بالحق نبيا ما أخطأ مؤمنا قط. قال ابن عباس رضى الله عنهما ما لبث عليا خمسا أو سبعا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس فقال يا رسول الله انى كنت فيما خلا لا آخذ الا أربع آيات ونحوهن فاذا قرأتهن على نفسى تفلتن وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها فاذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عينىّ ولقد كنت أسمع الحديث فاذا رددته تفلّت على وأنا اليوم اسمع الاحاديث فاذا تحدث بها لم أخرم منها حرفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن. قال الترمذى هذا حديث غريب لا نعرفه الا من حديث الوليد بن مسلم. قلت وخرجه الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك على الصحيحين وادعى انه على شرطهما وشهد على صحته ما صح منه بالتجربة والله أعلم.

[مطلب في صلاة التسابيح التي علّمها النبي صلى الله عليه وسلّم عمّه العباس]
(صلاة التسبيح) التى علمها النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس وقال له عند ذلك يا عباس يا عم ومخترعهما على غير مثال سابق (لا يرام) أى لا يطلب لليأس من ادراكها (ان تلزم) بضم أوله وكسر ثالثه (على النحو) أي السنن والطريق (وان تفرج) بفتح الفوقية وسكون الفاء وضم الراء وبضم الفوقية وفتح الفاء وكسر الراء مع تشديدها (وان تشرح) أي توضع (وان تستعمل به بدنى) كذا وخص في بعض نسخ الترمذى من الاستعمال وبعضها بغسل من الغسل (غيرك) بالضم ويجوز النصب (ثلاث جمع) بالصرف (ما أخطأ) أي هذا الدعاء (مؤمنا) منصوب لوقوع اخطأ عليه (حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) بنصب رسول لانه مفعول جاء والفاعل مستتر وهو على (فيما خلا) أي مضى وسلف (أربعين آية أو نحوها) (فائدة) أخرج الزهري عن عمر موقوفا عليه تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فان جبريل نزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس آيات خمس آيات (بين عينى) بالتثنية أى كأنما اقرأه في مصحف (لم اخرم) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر الراء أي لم انقص (مؤمن ورب الكعبة) أى لما مر في قوله ما أخطأ مؤمنا وفيه فضيلة لسيدنا على كرم الله وجهه ورضي الله عنه حيث شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالايمان وقد سماه الله تعالى بذلك في كتابه العزيز حيث قال إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا قال أكثر المفسرين المراد على كرم الله وجهه ورضى عنه (ما صح عنه بالتجربة) ان أراد تجربة غير سيدنا على فظاهر وان أراد تجربة سيدنا على فذلك عن الحديث فكيف يشهد بصحة نفسه صلاة التسبيح (علمها عمه العباس) أخرجه

(2/363)


ألا أصلك ألا أحبوك الا أنفعك فقال بلى يا رسول الله قال يا عم صل أربع ركعات وذكر الحديث وقال في آخره فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج غفر الله تعالى ذلك لك وفي رواية قال اذا أنت فعلت ذلك غفر لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته قال في احدى رواياتها ان استطعت أن تصليها في كل يوم فافعل وان لم تفعل ففي كل جمعة مرة فان لم تفعل ففي كل شهر مرة فان لم تفعل ففي كل سنة مرة فان لم تفعل ففي عمرك مرة واعلم ان صلاة التسبيح قدرواها جماعة من الحفاظ بطرق عديدة ووعود متداخلة وضعفوا طرقها وممن ضعفها أبو الفرج بن الجوزى في كتابه الموضوعات وأبو بكر بن العربي المالكي في كتابه الاحوذى في شرح الترمذى وصحهها آخرون منهم الحافظ على بن عمر الدار قطنى والحاكم في المستدرك وابن خزيمة وعلى الجملة فقد تلقاها الناس بالقبول وعمل بها أكابر العلماء لانها وان لم يقطع بصحتها فهي مرتفعة عن نوع الموضوع. وقد قالوا فضائل الاعمال يعمل فيها بالضعيف ما لم يتعلق بنهى حديث أصح منه واختار كثيرون من رواياتها رواية عبد الله بن المبارك وهى ما رواها الترمذى فقال حدثنا احمد بن عبدة الضبي قال حدثنا ابن وهب قال سألت ابن المبارك عن الصلاة التى يسبح فيها قال يكبر ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر ثم يتعوذ ويقرأ الفاتحة وسورة ثم يقول عشر مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر ثم يركع فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا ثم يسجد فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا ثم يسجد الثانية فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا يصلى أربع ركعات على هذا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة يبدأ بخمس عشرة ثم يقرأ ثم يسبح عشرا قال فان صلى ليلا فأحب أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عباس (الا احبوك) أي نعطيك والحباء العطية وهو بالمهملة فالموحدة (فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج الى آخره) أخرجه الطبراني وفيه مثل زبد البحر (غفر لك) بالبناء للمفعول (وصححها آخرون) وحسنها ابن الصلاح والنووى في تهذيب الاسماء واللغات لكنه ضعفها في المجموع والتحقيق (عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلى التميمي مولاهم المروزي قال ابن الانصارى ولد سنة ثمانى عشرة ومائة ومات في رمضان سنة احدي وثمانين وقبره بهيت مدينة على شاطيء الفرات سميت بذلك لانها في هوة اي منخفض وقبره يزار بها (الضبي) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة منسوب الى ضبة بن أدغم بن تميم بن مر (ابن وهب) اسمه عبد الله (يسبح فيها) بالبناء للمفعول (ثم يقول خمس عشرة مرة) في رواية غير ابن المبارك انه لا يسبح قبل قراءة الفاتحة ويسبح بعدها خمس عشرة ويسبح عشرا في جلسة الاستراحة ويسن في الاولى بعد الفاتحة الهاكم وفي الثانية والعصر وفي الثالثة الكافرون وفي الرابعة الاخلاص قاله الشيخ

(2/364)


الىّ أن يسلم في كل ركعتين وان صلى نهارا فان شاء سلم وان شاء لم يسلم.
[مطلب في صلاة الضحى]
(صلاة الضحى) وبيان فضلها ووقتها وأقلها وأكثرها روينا في الصحيحين عن أبى هريرة قال أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتى الضحى وأن أوتر قبل ان انام وعن ابى ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة وكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحي رواه مسلم. وروى أيضا عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى أربعا ويزيد ما شاء وفي الصحيحين عن أم هانئ ما معناه قالت ذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل فلما فرغ من غسله صلى ثمانى ركعات وذلك ضحى سماها الجوزى وغيره صلاة الفتح ومعناهم انها تسن عند الفتوحات والظفر. وروي البيهقى وغيره باسناد فيه مقال ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لابى ذر ان صليت الضحى ثنتى أبو حامد في الرونق (فان شاء سلم وان شاء لم يسلم) والتسليم أفضل فقد اخرج أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه صلاة الليل والنهار مثنى مثني صححه ابن حبان* صلاة الضحى (وبيان) بالرفع عطفا على صلاة (وركعتي الضحي) فيه ان اقلها ركعتان (وان أوتر قبل ان أنام) هذا محمول على انه صلى الله عليه وسلم علم منه عدم التيقظ آخر الليل (سلامى) بضم المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم وأصلها عظام الاصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن وجمعها سلاميات بضم السين وتخفيف التحتية وجملة هذه السلاميات ستون وثلاثمائة كما جاء في مسلم أيضا (صدقة) سبب ذلك الشكر لله عز وجل كما أصبح معافا على نعمة الاسلام (ويجزيء من ذلك) بضم أوله مع الهمزة من أجزي وبفتحه بغير همز من أجزي بمعنى كفي (يركعهما) بالتحتية أي أحدكم (رواه مسلم) وأبو داود (وروى) مسلم (أيضا عن عائشة) وأخرجه عنها أيضا أحمد (كان يصلى الضحي أربعا) قال النووي وغيره هذا صريح في ان عائشة قصدت بقولها وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحي قط واني لا سبحها نفي رؤيتها له لا نفي صلاته بالكلية قالوا وسبب عدم رؤيتها انه صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عندها في وقت الضحي الا نادرا من الاوقات بل قد يكون مسافرا أو حاضرا ولكنه في المسجد أو في موضع آخر وان كان عند نسائه فلما كان لها يوم من تسعة أيام أو من سبعة فصح قولها ما رأيته يصليها ويكون قد علمت بخبره أو بخبر غيره ان صلاها (ويزيد ما شاء) فيه دليل لما اختاره السيوطي وغيره ان صلاة الضحي لا تنحصر في عدد مخصوص قال في الديباج وقد نبه الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي على ذلك وانه ليس في الاحاديث الواردة في اعدادها ما ينفي الزائد ولا يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين فمن بعدهم انها تنحصر في عدد بحيث لا يزاد عليه (ان صليت الضحى

(2/365)


عشرة ركعة بني الله لك بيتا في الجنة وهذا بيان أكملها ونقل النووى في شرح المهذب عن الاكثرين ان أكثرها ثمان وذكر فيه ان ادنى الكمال أربع وافضل منه ست وانه يسلم من كل ركعتين وينوي ركعتين من الضحى. واما وقتها فقال العلماء وقتها من حين ترتفع الشمس كرمح الى الزوال وهذا ما جزم به الرافعى في شرحه وتبعه على ذلك النووى في شرحه المهذب وفي كتابه التحقيق وخالف في الروضة فقال ان الأصحاب قالوا يدخل وقتها بالطلوع وان التأخير الى الارتفاع مستحب والصواب ان صلاتها عند الطلوع مكروهة وان النهى عن الصلاة لا يزول لنفس الطلوع بل لا بد من طلوعها طلوعا حسنا بيضاء نقية وقدر العلماء ذلك برمح وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن عبسة في حديثه الطويل صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فدل ذلك على أن النهى لا يزول بنفس الطلوع. وذكر القاضى عياض أحاديث النهى وجمع ألفاظها ثم قال وهذا كله يبين ان المراد بالطلوع يعنى في الروايات المطلقة ارتفاعها واشراقها واضاءتها لا مجرد ظهور قرصها قال النووي في شرع مسلم وهذا الذي قاله القاضى صحيح متعين لا عدول عنه للجمع بين الروايات والله أعلم. وذكر النووى في شرح المهذب والتحقيف ان وقتها المختار حين يمضى ربع النهار وكأنه تبع في ذلك الغزالى فانه ذكر ذلك في كتابه الاحياء وقال حتى لا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة. قلت والدليل على استحباب ذلك ما روينا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم انه رأى قوما يصلون من الضحى فقال أما قد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل أن ثنتى عشر ركعة بني الله لك بيتا في الجنة) أول الحديث ان صليت الضحي ركعتين لم تكتب من الغافلين أو أربعا كتبت من المحسنين أوستا كتبت من القانتين أو ثمانيا كتبت من الفائزين أو عشرا لم يكتب عليك ذنب ذلك اليوم (حسنا) بفتح الحاء والسين المهملتين والتنوين أي طلوعا حسنا (نقية) بفتح النون وكسر القاف وتشديد التحتية أى صافية لا يخالط بياضها شيء (ابن عبسة) بمهملتين بينهما موحدة بوزن شجرة (في حديثه الطويل) في مسلم وغيره (ثم اقصر) بقطع الهمزة وكسر المهملة أى اترك (ارتفاعها) بالضم وكذا ما بعده (ما روينا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم) وأخرجه عنه أحمد أيضا وأخرجه عبد

(2/366)


رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الأوابين حين ترمض الفصال «فائدة» قال بعض العلماء ينبغي لمن صلى الضحى ركعتين أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة بالشمس وضحاها وَالضُّحى وان صلاها أربعا قرأ في الآخرتين بقل يا أيها الكافرون وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وهذا لا بأس به ولكن لم يصح في هذا الباب شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم.
[مطلب في صلاة الضر والحاجة]
«صلاة الضر والحاجة» اعلم ان صلاة الحاجة رواها جماعة من المحدثين على وجوه كثيرة فمن ذلك ما رواه الترمذى عن عبد الله بن أبى أوفي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له الى الله حاجة أو الى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل لا إله الا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسئلك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لى ذنبا الا غفرته ولا هما الا فرجته ولا حاجة هى لك رضى الا قضيتها يا أرحم الراحمين* وروي أيضا ان رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله لى أن يعافينى قال ان شئت دعوت وان شئت صبرت فهو خير لك قال فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء اللهم انى أسئلك واتوجه اليك بنبيك محمد صلى ابن حميد وميمونة من حديث عبد الله بن أبى أوفي (ان) بكسر الهمزة (صلاة الأوابين) هم الرجاعون الى الله عز وجل بالتوبة وانما سميت بذلك لحديث لا يحافظ على الضحى الا أواب وهي صلاة الاوابين أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة وأخرجه عنه أيضا الديلمى بلفظ صلاة الضحى صلاة الأوابين وهذا الاسم مشترك بين صلاة الضحي وبين صلاة الغفلة التي بين المغرب والعشاء (حين ترمض) بفتح الميم أي تصيب اخفافها حر الرمضاء (الفصال) جمع فصيل وهو ولد الناقة ما دام صغيرا (لكن لم يصح في هذا الباب شيء) قلت بل أخرج البيهقي في السنن والديلمي في مسند الفردوس بسند يعمل به في الفضائل عن عقبة بن عامر صلوا ركعتى الضحى سورتهما والشمس وضحاها والضحى* صلاة الضر والحاجة (ما رواه الترمذى عن عبد الله بن أبي أوفي) وصححه لكن أخرجه عنه أيضا الحاكم في المستدرك (موجبات رحمتك) أي الاعمال الذي من فاز بها استوجب ان يرحم (وروى) الترمذي (أيضا) عن عثمان بن حنيف ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي (ضرير البصر) أي أعمى وهو كذلك في رواية عند الترمذى (ان شئت) بتاء الخطاب (دعوت) بتاء المتكلم (وان شئت صبرت) بتاء الخطاب فيهما (قال فادعه) بضم العين والهاء الضمير لله عز وجل فهى متحركة ويحتمل انها هاء السكت فهي ساكنة (ان يتوضأ فيحسن وضوءه) زاد النسائى في بعض طرقه

(2/367)


الله عليه وسلم نبى الرحمة يا محمد انى توجهت بك الى ربك في حاجتي هذه لتقضى لى اللهم فشفعه فيّ. وروى البيهقى انه صلى الله عليه وسلم قال تصلى اثنتى عشرة ركعة من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فاذا جلست في آخر صلاتك فأثني على الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم كبر وأسجد وأقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسى سبع مرات وقل هو الله أحد سبع مرات ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ثم قل اللهم انى أسئلك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وأسألك باسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك وسلم عن يمينك وشمالك واتق السفهاء ان يعلموها فيدعون ربهم فيستجاب لهم قال البيهقى انه كان قد جرب فوجد سببا لقضاء الحاجة قال الواحدى التجربة فيه عن جماعة من العلماء على ان في سنده من لا نعرفه* قلت وفي النفس منه شيء من قبل قراءة القرآن في السجود وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال نهيت ان أقرأ القرآن وأنا ساجد وراكع والله أعلم* وقد رأينا ان نختم هذه الصلوات بصلاة التوبة تفاؤلا ان يختم الله لنا بها. اعلم انه قد ورد فيها أحاديث منها ما روينا في الصحيحين عن عثمان بن عفان انه توضأ وضوءا متمما ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئى هذا ثم قال من توضأ نحو وضوئى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بكلام غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن ذلك ما رواه أبو داود والنسائى وأحمد بن حنبل عن أبى بكر الصديق عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلى فتوضأ ثم صلى ركعتين (اللهم فشفعه في) زاد الحاكم فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر وياء في مشددة (بمعاقد العز) أى جمل انعقاده وتمكنه (فيدعون) صوابه فيدعوا وذاك جائز على القطع* صلاة التوبة (من توضأ نحو وضوئي) قال النووى لم يقل مثل وضوئي لان حقيقة ما يأتيه صلى الله عليه وسلم لا يقدر أحد عليها وفي بعض رواة مسلم مثل وضوئي قال في التوشيح وهو من تصرف الرواة (لا يحدث فيها نفسه) زاد الطبراني لا يخبر وللحكيم الترمذى لا يحدث نفسه من أمور الدنيا والمراد كما قال النووي ما يسترسل ويمكن المرء وطبعه فاما ما يطرأ من الخواطر العارضة غير المستقرة فلا يمنع حصول هذه الفضيلة (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد ابن أبي شيبة في مصنفه والبزار وما تأخر ولا حمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبى أيوب وعقبة بن عامر من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من عمله وقد مر ان المراد الصغائر فقط أو بعض الكبائر اذا لم تكن له صغيرة (ما رواه أبو داود والنسائى وأحمد بن حنبل عن أبي بكر الصديق)

(2/368)


ثم يستغفر الله الا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ الآية* واعلم ان قد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة واجماع الأمة على وجوب التوبة قال الله تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ولها شروط ثلاثة. احدها ان يقلع عن المعصية. الثانى أن يندم على فعلها. والثالث أن يعزم على أن لا يعود اليها أبدا فان تعلقت بآدمي زاد شرط رابع وهو رد المظالم الى أهلها فان كانت مالية ردها وان كانت عرضية استحل منها وهل يشترط أن يعلمه بها فيه خلاف* قلت وقد علم من ظواهر الأحاديث الصحيحة انه اذا صح الندم باطنا قبل الله توبة العبد ورضى عنه ووهب له حقه وأرضى عنه خلقه لحديث الذي قتل وأخرجه عنه أيضا أبو عوانة والترمذي (والذين اذا فعلوا فاحشة) أى خارجة عما أذن الله فيه والفاحشة الزنا قاله جابر قال (أو ظلموا أنفسهم) ما دون الزنا من نحو قبلة أو لمس أو الفاحشة من دون الزنا والظلم اتيان الصغائر قاله مقاتل والكلبى وقيل الفاحشة الفعل والظلم القول (ذكروا الله) أي ذكروا وعنده وانه ليسألهم في الآخرة أو ذكروا الله بالنسيان عند الذنوب قاله مقاتل (فاستغفروا لذنوبهم) بألسنتهم وقلوبهم (التوبة) هي لغة الرجوع يقال فلان تاب أي رجع وشرعا الرجوع عن المذموم شرعا الى المحمود (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً) من التقصير الواقع في أمره ونهيه وقيل راجعوا طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في سورة النور (أَيُّهَا) ولابن عامر انه بضم الهاء ويقف بلا ألف (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تنجون من العذاب غدا (ان يقلع عن المعصية) أي يرتفع عنها ويتركها ولا يحصل ذلك في ترك الامور الا بالاتيان به فيقض ما فاته من نحو الصلاة (وان يعزم) أى ينوي نية جازمة (ان لا يعود اليها أبدا) ويشترط وجود ذلك قبل الغر غرة وطلوع الشمس من مغربها (فان كانت مالية ردها) اليه ثم الى وارثه فان لم يوف وارثا بعد وارث حتى ماتوا فالمطالبة في الآخرة لصاحب الحق أولا على الصحيح ويجب في القصاص وحد القذف ان يأتي المستحق ويمكنه من الاستيفاء ليستوفي منه أو يبرئه فان لم يعلم وجب في القصاص ان يعلمه وكذا في القذف على الصحيح (وان كانت عرضية) كغيبة (استحل) من هتك عرضه منها ان بلغته كما قاله صاحب الانوار ونقله في العزيز عن فتاوى الحناطى والاكفاه الندم والاستغفار وظاهر كلام الجمهور وجوب استحلاله وإن لم يبلغه قال الصادي والحسد كالغيبة وصوب في الروضة عدم الوجوب تبعا للرافعي (وهل يشترط ان يعلمه بها) أى يعين الغيبة أو يكفي ان يشعره بدون ان يعلمه (فيها خلاف) جزم النووي في الاذكار بالاشتراط ومقتضي كلام الحليمي وغيره عدم الاشتراط وزعم الاذرعى انه الاصح (انه اذا صح الندم باطنا قبل الله توبة العبد الى آخره) والدليل عليه مع ما ذكره المصنف قوله صلى الله عليه وسلم الندم توبة الي آخره أخرجه أحمد والبخاري في التاريخ وابن ماجه والحاكم من حديث ابن مسعود وأخرجه الحاكم والبيهقي من حديث أنس وأخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية من

(2/369)


تسعة وتسعين نفسا ثم كمل المائة والرجلين الذين جثوا بين يدى الله تعالى والله أعلم ثم ان مذهب أهل السنة ان العبد اذا تاب من بعض الذنوب دون جميعها صحت توبته من ذلك الذنب وبقى عليه الباقى واذا تاب ثم عاد لا تهدم توبته السابقة لأن السيئات لا تذهب الحسنات وانما نطق القرآن بعكس ذلك وخرج الحاكم من حديث عقبة أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أحدنا يذنب قال يكتب عليه قال ثم يستغفر منه قال يغفر له ويتاب عليه ولا يمل الله حتى تملوا. وقال صلى الله عليه وسلم ما أصر من استغفر وان عاد في اليوم سبعين مرة رواه الترمذي. وفي الصحيحين مرفوعا أذنب عبد ذنبا فقال رب انى عملت ذنبا فاغفر لى فقال الله تعالى علم عبدى ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدى ثم أذنب ذنبا آخر الى ان قال في الرابعة فليعمل عبدى ما شاء* أما الاستغفار بغير ندم ولا عقد قلب فهو ذكر من الاذكار لا تعلق له بالتوبة لكنه داع وقد قال صلى الله عليه وسلم واعلموا ان الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه* وقال الفضيل بن عياض رحمه الله استغفار بلا اقلاع توبة الكذابين. وسئل بعضهم عن ذلك فقال احمدوا الله على أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته والداء العضال الذي يتوقع منه سوء المآل أن يستغفر من ذنب هو مقيم عليه في حال استغفاره فيكون استغفاره استهزاء كما خرحه ابن أبي الدنيا حديث أبي سعيد الانصارى وظاهر هذا الحديث عدم اشتراط الاقلاع والعزم على عدم العود وحمل ذلك العلماء على انه صلى الله عليه وسلم انما نص على معظم أركانها على حد قوله الحج عرفة أي معظم أركانه قال القشيرى ومن أهل التحقيق من قال يكفي الندم في تحقيق ذلك لان الندم يستتبع الركنين فانه يستحيل تقدير أن يكون نادما على ما هو مصر عليه أو عازم على الاتيان بمثله (ولا يمل الله) أى لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم بره ولا يقبل توبتكم (حتى تملوا) أنتم وتسأموا والملل الذى بمعنى السآمة يستحيل في حقه تعالى (ما أصر) أي ما أقام على الذنب (من استغفر) تائبا منه (وان عاد في اليوم سبعين مرة) أو أكثر وخص السبعين لان الغالب انه لا يأتي الشخص في يوم واحد بذنب ثم يعاوده في ذلك اليوم سبعين مرة (رواه) أبو داود و (الترمذي) عن أبي بكر (وفي الصحيحين) وغيرهما عن أبى هريرة (فليعمل عبدى ما شاء) أي فان الذنوب لا تضره ما دام يتوب منها لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له (واعلموا ان الله لا يقبل دعاء من قلب غافل) أخرجه الترمذي والحاكم من حديث أبى هريرة بسند صحيح وأول الحديث ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة (استغفار بلا اقلاع توبة الكاذبين) وقال بعضهم توبة الكذابين على أطراف ألسنتهم يعنى قول استغفر الله (كما أخرجه ابن أبي الدنيا) والبيهقى في الشعب وابن عساكر من حديث ابن عباس

(2/370)


مرفوعا التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه. وقالت السيدة الجليلة رابعة العدوية رحمها الله استغفارنا يحتاج الى استغفار كثير.
[فصل في ذكر شيء من منهيات الصلاة نهى صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة]
(فصل) في ذكر شيء من منهيات الصلاة نهى صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة وقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد. وسئل الامام احمد بن حنبل عن حديث انه صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة ولا يلتفت فغضب غضبا شديدا وقال هذا حديث ليس له اسناد لكن قد ثبت انه صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته كان قد بعث شخصا الى العدو ثم اشتغل بالصلاة فجعل يلتفت الى جهته وهذا نادر في نافلة لمصلحة عامة فهو من باب تداخل العبادات وتقديم أهمها. وقد قال عمرانى لا جهز جيشى وأنا في الصلاة ونهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن والصفد في الصلاة فالصفن رفع أحد الرجلين (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وأخرجه هذا ابن السنى أيضا وابن ماجه من حديث ابن مسعود وأخرجه الحكيم من حديث أبى سعيد وأخرجه القشيري في الرسالة وابن النجار من حديث أنس وزادا واذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب (والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزيء بربه) زاد البيهقي وابن عساكر ومن آذى مسلما كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل (وقالت السيدة الجليلة رابعة العدوية) ويحكى مثل مقالها عن الحسن البصري (استغفارنا) الذى هو بمجرد اللسان فقط (يحتاج) في نفسه (الى استغفار) لانه ذنب وهذا صدر منها ومن الحسن على سبيل التواضع وهضم للنفس قال العلماء ومع كون هذا الاستغفار يحتاج إلي استغفار لا ينبغى تركه لان اللسان اذا ألف الذكر أو شك ان يألفه القلب وما أحسن قول ابن عطاء الله في الحكم لا يمنعك من الذكر عدم حضورك مع الله فيه فان غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك مع وجود ذكره فعساه يرفعك عن ذكر مع وجود غفلة الى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور الى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز (خاتمة) سقوط الاثم بالتوبة ظنى عند الفقهاء وقطعى عند مشايخ الطريق وظاهر الكتاب والسنة تدل عليه بل على تبديل سيئاتهم حسنات كما هو نص القرآن.
(فصل) في ذكر شيء من المنهيات في الصلاة (نهي عن الالتفات في الصلاة) كما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عائشة (هو اختلاس) هو الاخذ بسريقة مع الهرب (يختلسه الشيطان) هذا على وجه المجاز لان الالتفات في الصلاة منه فاذا التفت المصلى في الصلاة فقد اعرض عن ربه تعالى فتقص صلاته بذلك فكان ما نقص اختلسه الشيطان لانه كان سببا للالتفات الذي كان سبب النقص (وقال عمر) كما ذكره عنه البخارى في صحيحه معلقا وأخرجه ابن أبي شيبة مسندا (انى لاجهز جيشى وأنا في الصلاة) زاد ابن أبي شيبة واني لا حسب جزية البحرين وأنا في الصلاة (وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن الى آخر ما ذكر) دلائل ذلك مشهورة في كتب الفقه فلا نطيل بذكرها والصفن بفتح المهملة وسكون الفاء ثم نون والصفد كذلك الا ان بدل النون مهملة (رفع أحد الرجلين) مع رفع ما عدا الاصابع من الثانية والا فلا يكره لان هذه

(2/371)


وفي معناه الاعتماد على احدى الرجلين وتقديم الاخرى فقد قال العلماء كما يكره لك أن تقدم رجليك على أخيك في الصف كذلك لا تقدم أحد رجليك على الأخرى وأما الصفد فهو اقتران القدمين معا متلاصقين بل المندوب أن يفرج بينهما قليلا وقدر ذلك بأربع أصابع في القيام وفي السجود بشبر. ونهى صلى الله عليه وسلم عن الكفت والسدل فأما الكفت فهو ضم الثياب والشعر ومنعهما من السجود معه وقد سبق في فضل السجود حديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة ونهى أن يكف شعره أو ثيابه وسبق هناك فعل ابن عباس بابن الحارث وحله لرأسه وهو يصلى كله من رواية مسلم. وفي سنن أبى داود ان أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم مر بالحسن بن على رضي الله عنهما وهو يصلى قائما وقد غرز ضفرة في قفاه فحلها أبو رافع فالتفت الحسن اليه مغضبا فقال أبو رافع اقبل على صلاتك ولا تغضب علىّ فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك كفل الشيطان يعني مقعد الشيطان وأما السدل فهو أن يضع الثوب على رأسه أو على كتفيه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله بل ينبغي أن يتلفع به ويخرج يديه من ثيابه كلها ونهى صلى الله عليه وسلم عن الصلب في الصلاة وهو أن يضع يديه على خاصرتيه. ونهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه مراوحة بين القدمين وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعلها في الصلاة (كذلك يكره تقديم احدى رجليه على الاخري) لانه مخالف لما أمر به من الاستوى (باربع أصابع) في القيام (في السجود بشبر) ليكون أعون على الاتيان بهيئة السجود (الكفت) بفتح الكاف وسكون الفاء ثم فوقية (والسدل) بفتح السين وسكون الدال المهملتين (في فضل السجود) بالمهملة (وقد غرز) بفتح المعجمة فالراء فالزاى (صفرة) بفتح الضاد المعجمة ووهم من جعلها طاء وسكون الفاء (مغضبا) بفتح الضاد المعجمة (كفل الشيطان) بكسر الكاف وسكون الفاء ثم محل النهي عن عقص الشعر للرجل وأما المرأة ففي الامر بنقضها الضفائر مشقة وتغيير لهيئها المنافية للتجمل وصرح بذلك الغزالى في الاحياء وينبغى الحاق الخنثى بها قاله الزركشى (ان يتلفع) بالفاء فالمهملة أي يشتمل (ويخرج يديه من ثيابه) وذلك لانه اذا أتاه ما يتوقاه لا يمكنه اخراج يديه بسرعة ويكره أيضا الاضطباع واشتمال الصماء وهو ان يجلل يديه بالثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه الايسر واشتمال اليهود وهو ان يجلل بدنه بالثوب دون رفع (عن الصلب) بفتح المهملة وسكون اللام ثم موحدة (وهو ان يضع يده على خاصرتيه) ويسمى اختصارا وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة نهى ان يصلى الرجل مختصرا ولاحمد وأبي داود والترمذى نهى عن الاختصار في الصلاة قال العلماء الصحيح ان معناه ويده على خاصرته وقيل هو ان يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها وقيل ان يختصر السورة فيقرأ من أولها آية أو ثنتين وقيل ان يحذف

(2/372)


بالحيوانات فقال لا تبركوا بروك البعير ولا تلتفتوا التفات الثعلب ولا تفترشوا افتراش السبع ولا تقعوا إقعاء الكلب ولا تنقروا نقر الغراب ولا ترفعوا أيديكم في حال السلام كأذناب الخيل الشمس وهذا الباب واسع وقد رأينا أن نقتصر على هذا القدر وبالله سبحانه التوفيق.
[فصل في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم]
«فصل» في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت في الصحاح انه صلى الله عليه وسلم حض على السحور وكان يؤخره جدا فكان بين سحوره وبين الفجر قدر خمسين آية وكان يعجل الفطر وحض على ذلك فقال لا تزال أمتى بخير ما عجلوا الفطر قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلى على رطبات فان لم يكن رطبات فتمرات فان لم يكن تمرات حسا حسوات منها ما لا بد من قيامها وركوعها وسجودها وحدودها وعلى الاول قال النووى وجه النهي انه فعل اليهود وقيل فعل الشياطين وقيل فعل المتكبرين وقيل ان ابليس اهبط كذلك (لا تبركوا بروك البعير) يعنى في السجود وذلك بتقديم اليدين على الركبتين (افتراش السبع) هو بسط الذراعين حال السجود وقد مر الكلام على الاقعاء (ولا تنقروا) بالقاف في السجود (نقر الغراب) وذلك بالرفع منه بدون طمأنينة فيه والعود اليه بدون طمأنينة في الجلوس بين السجدتين (شمس) بضم المعجمة وسكون الميم ثم مهملة.
(فصل) في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم (وحض على السحور) بقوله تسحروا فان في السحور بركة أخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أنس وأخرجه النسائي من حديث أبي هريرة وابن مسعود وأخرجه أحمد من حديث أبي سعيد وأخرجه الطبراني من حديث عقبة ابن سعيد وأبي الدرداء بلفظ تسحروا من آخر الليل هذا الغداء المبارك ولابى يعلى من حديث أنس تسحروا ولو جرعة من ماء ولابن عساكر من حديث سراقة بن عبد الله ولو بالماء ولابن أبى الدنيا من حديث على تسحروا ولو بشربة من ماء وأفطروا ولو على شربة من ماء ولاحمد من حديث أبي سعيد السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو ان يجرع أحدكم جرعة من ماء فان الله وملائكته يصلون على المتسحرين ولاحمد ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي من حديث عمرو بن العاص فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر قال القرطبى هذا الحديث يدل على ان السحور من خصائص هذه الامة ومما خفف به عنهم والسحور بفتح السين اسم لما يتسحر به وضمها اسم للفعل (كان بين سحوره وبين الفجر قدر خمسين آية) أخرجه الشيخان وغيرهما عن زيد بن ثابت وفي الحديث ضبطه القدر ما يحصل سنة التأخير (وكان يعجل الفطر) كما في الصحيحين عن زبد بن ثابت (لا تزال أمتى بخير ما عجلوا الفطر) وأخروا السحور أخرجه أحمد وابى ذر ولاحمد والشيخين والترمذي من حديث سهل بن سعد لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر (قال أنس كان يفطر قبل أن يصلى على رطبات الى آخره) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى (رطبات) بضم الراء وفتح المهملة جمع رطبة (فتمرات) بفتح الفوقية والميم جمع تمرة (حسا) بالمهملتين (حسوات) بفتحات جمع حسوة وهي ملأ الكف من الماء

(2/373)


من الماء وقال اذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فان سابه أحد أو قاتله فليقل انى صائم وقال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. وكان صلى الله عليه وسلم ربما أدركه الفجر وهو جنب ثم يغتسل ويصوم قالت عائشة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان فانه كان يصوم شعبان كله وفي رواية انه كان يصوم شعبان الا قليلا وظاهر الخبر نزل على ان السنة لا تحصل بدون الثلاث من الرطب والتمر أو الحسوات ونصه في حرملة بقبضة (اذا كان يوم صوم أحدكم الى آخره) أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والنسائى من حديث أبي هريرة (فلا يرفث) بضم الفاء وكسرها من الرفث وهو فاحش القول (ولا يصخب) الصخب رفع الصوت بالمشاتمة ولمسلم فلا يجهل قال النووي فالجهل قريب من الرفث وهو خلاف الحكم وخلاف الصواب من القول والفعل (فان سابه أحد) ولمسلم فان من شاتمه ومعناه سبه وشتمه متعرضا لسبه وشتمه (أو شاتمه) اي نازعه ودافعه (فليقل) أى بلسانه ليسمعه الساب والشاتم والمقاتل فينزجر غالبا أو يحدث به نفسه ليمنعها من مسابقته ومشاتمته ومقاتلته ويحرس صومه عن المكروهات أو باللسان في صوم الفرض وبالقلب في صوم النفل أقوال قال النووى ولو جمع بين الأمرين كان حسنا (اني صائم) زاد البخاري مرتين أى لانه أكد في الزجر ولمسلم انى صائم (من لم يدع قول الزور الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبى هريرة ومعنى لم يدع لم يترك والزور الكذب (فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه) معنى ذلك التحذير من الزور وما ذكر معه وليس معناه انه يؤمر بالاكل والشرب قاله ابن بطال وهذا على حد قوله من باع الخمر فليذبح الخنازير اذ معناه التحذير والتعظيم لا اثم بائع الخمر لا انه مأمور بذبحها وقوله حاجة أي ارادة لانه تعالى لا حاجة له في شيء أو كناية عن عدم القبول كقول من غضب على من أهدى له لا حاجة لى في هديتك أي مردودة عليه ومقتضى هذا الحديث ان فاعل ذلك لا يثاب على صومه كما قاله ابن العربي وغيره (كان ربما أدركه الفجر وهو جنب ثم يغتسل ويصوم) أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة وأم سلمة وفي الحديث قضية (كان يصوم شعبان كله) أخرجه هو والحديث الآتي بعده الشيخان وغيرهما عن عائشة (كان يصوم شعبان الا قليلا) قال النووى الحديث الثاني تفسير للاول وبيان ان قولها كله أي غالبه وقيل كان يصومه في وقت وأكثره في سنة أخرى لئلا يتوهم وجوبه والحكمة في تخصيص شعبان بكثرة الصوم ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة من حديث اسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الاعمال الى رب العالمين فأحب ان يرفع عملي وأنا صائم وقيل كان يقضي فيه ما فات عليه من صيام الايام الثلاثة من كل شهر سفرا وغيره وأخرج هذا الطبراني بسند ضعيف عن عائشة وقيل كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان كما أخرجه الترمذي قال النووي فان قيل جاء في الحديث ان أفضل الصوم بعد رمضان شهر المحرم فكيف أكثر منه في شعبان فالجواب لعله لم يعلم فضل المحرم الا في الحياة

(2/374)


وصام صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصومه وقال صيامه يكفر السنة الماضية وقال لئن بقيت الى قابل لأصومن التاسع والعاشر وقال من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل على فيه وقال تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملى وأنا صائم وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى يوم الاثنين ويوم الخميس وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية وسئلت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام قالت نعم قيل لها من قبل التمكن من صومه أو لعله كان تعرض له فيه أعذار كفر أو مرض (وصام عاشوراء وأمر بصومه) أخرجه بهذا اللفظ عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد مسند أبيه من حديث علي وعاشوراء بالمد عاشر المحرم (وقال صيامه يكفر السنة الماضية) رواه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث أبي قتادة (لئن بقيت الى قابل لا صومن التاسع) أخرجه مسلم وأبو داود من حديث عبد الله بن عباس ومن تتمة الحديث فمات قبله وقابل مصروف والتاسع المراد به تاسوعاء بالمد وهو تاسع المحرم (من صام رمضان الى آخره) أخرجه مسلم من حديث أبي أيوب ولاحمد عن رجل من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال والاربعاء والخميس دخل الجنة (ستا) بكسر المهملة وتشديد الفوقية ولم يقل ستة مع كون المعدود مذكرا لانه اذا حذف جاز فيه الوجهان وعن الدارقطني ان أبا بكر الصولي صحفه في أماليه فضبطه شيأ بالمعجمة فالتحتية (وشوال) بالصرف (كان كصيام الدهر) زاد أحمد والنسائي وابن حبان عن ثوبان صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة واستشكل هذا بأنه يلزم منه مساواة ثواب النفل للفرض وأجيب بأنه انما صار كصيام سنة بالنصف وذلك محض فضل من الله تعالى (تعرض الاعمال يوم الاثنين والخميس الى آخره) أخرجه الترمذي وغيره من حديث عائشة وأبى هريرة ولمسلم من حديث أبي هريرة تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن الا عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا وأخرجه الطبرانى من حديث اسامة بن زيد بلفظ تعرض الاعمال على الله تعالى يوم الاثنين والخميس فيغفر الا ما كان من متشاحنين أو قاطع رحم وأخرجه الحاكم من حديث والد عبد العزيز وزاد وتعرض على الانبياء والآباء والامهات يوم الجمعة فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا واشراقا فاتقوا الله ولا تؤذوا أمواتكم (يوم عرفة) هو تاسع ذي الحجة (يكفر سنة الماضية والباقية) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث أبى قتادة وأخرجه أبو الشيخ في الثواب وابن النجار من حديث ابن عباس وأخرجه الطبراني في الاوسط من حديث أبي سعيد وأخرجه الترمذي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي قتادة وأخرجه بمعناه ابن ماجه من حديث قتادة بن النعمان وللبيهقي من حديث عائشة صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم (كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام) زاد الترمذي من

(2/375)


أى شهر كان يصوم قالت لم يكن ببالى من أي شهر كان يصوم وقال صلى الله عليه وسلم لأبى ذر اذا صمت من الشهر ثلاثا فصم ثلاثة عشرة ورابع عشرة وخامس عشرة وكان صلى الله عليه وسلم لا يفطرهن في حضر ولا سفر وسئل أنس عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يصوم من الشهر حتى يرى انه لا يريد أن يفطر ويفطر حتى يرى أنه لا يريدان يصوم وكنت لا تشاء ان تراه من الليل مصليا الا رأيته مصليا ولا نائما الا رايته نائما ونحوه عن عائشة وابن عباس رضى الله عنهما واعلم ان الصوم من افضل العبادات وأسرار المجاهدات وقد ورد في فضله أحاديث كثيرة أجلها ما اتفق عليه الشيخان عن ابي هريرة بروايات وهذه احدى روايات مسلم كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائه ضعف قال الله تعالى الا الصوم فانه لى وانا أجزى به حديث ابن مسعود وقل ما كان يفطر يوم الجمعة ولاحمد وأبي داود والنسائي من حديث حفصة أول اثنين من الشهر والخميس والاثنين من الجمعة الاخرى وللترمذي من حديث عائشة من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والاربعاء والخميس وهذا يدل على اختلاف عادته في صومها (وقال لابي ذر اذا صمت الى آخره) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان وصححه وللنسائي وأبي يعلي والبيهقي في الشعب من حديث جرير صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وهى أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشره وخمس عشره ولأبى ذر الهروي من حديث قتادة بن ملحان صوموا أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة من كنز الدهر (وكان لا يفطرهن في حضر ولا سفر) أخرجه الطبرانى في الكبير من حديث ابن عباس (وسئل أنس الى آخره) أخرجه الشيخان وغيرهما (حتى يرى) بالضم بمعنى يظن (وكنت لا تشأ) بتاء الخطاب (ان تراه من الليل مصليا الى آخره) معناه انه كان لا يقيم كل الليل بل يرقد ويقوم نصفه فمن أحب ان يأتى وهو نائم جاء في وقت نومه أو وهو يصلي جاء في وقت صلاته (ما اتفق عليه الشيخان عن أبى هريرة) وأخرجه عنه أحمد والنسائي أيضا (فانه لى وأنا أجزي به) اختلف في معناه فان الاعمال كلها لله عز وجل وهو الذي يجزي بها فقيل لانه لا يظهر من ابن ادم ولا يطلع عليه ويؤيده حديث الصيام لا رياء فيه أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبى هريرة وقيل معناه ان جزاء الصوم كثير لم يكشف لاحد عن مقدار ثوابه بخلاف غيره من العبادات فانها تضاعف الى سبعمائة ضعف كما في الحديث وقيل معناه انه أحب العبادات الى الله تعالى والمقدم عليها وقيل لانه لم يعبد به غير الله وقيل لان جميع العبادات يوفي منها مظالم العباد سواء وقيل لانه ليس للصائم ونفسه فيه وقيل لأن الاستغناء عن الطعام والشراب من صفاته تعالى فيقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وان كانت صفاته تعالى لا يشبهها شيء وقيل هي اضافة تشريف كقوله عبادي وبيتي وقيل كل الاعمال ظاهرة للملائكة فتكتبها الا الصوم فانما هو نية وامساك

(2/376)


يدع طعامه وشهواته من اجلى. للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. واما اذكاره فانه قد ورد انه صلى الله عليه وسلم كان اذا أفطر قال ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر ان شاء الله تعالى. وكان يقول ايضا اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. وكان يقول أيضا الحمد لله الذى اعانني فصمت ورزقني فأفطرت. وكان يقول اللهم لك صمنا وعلى رزقك افطرنا فتقبل منا انك أنت السميع العليم. وكان صلى الله عليه وسلم اذا افطر عند قوم دعا لهم فقال افطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة. وينبغي للصائم ان يجتهد في الدعاء عند فطره لأنه ورد انه صلى الله عليه وسلم قال ان للصائم عند فطره لدعوة ما ترد قال ابن ابي مليكة سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص اذا افطر يقول اللهم انى اسئلك برحمتك التي وسعت كل شيء ان تغفر لى.
فالله تعالى يعلمه ويتولى جزاؤه (وشهواته) زاد ابن خزيمة وزوجته (من أجلى) قال القرطبى فيه تنبيه على الجهة التي بها يستحق الصوم ان يكون كذلك وهو الاخلاص الخاص به (فرحة عند فطره) أي بزوال جوعه وعطشه أو بتمام عبادته وسلامتها عما يفسدها (وفرحة عند لقاء ربه) أي لما يراه من جزيل الثواب (ولخلوف) بضم المعجمة وصحف من فتحها وهو تغير ريح الفم من الصوم (أطيب عند الله) زاد مسلم في رواية وأحمد وابن حبان يوم القيامة ولا يتوهم من هذا انه تعالى يستطيب الروائح ويستلذها فان هذا محال عليه تعالى (من ريح المسك) هو على ظاهره بان يأتي يوم القيامة ونكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي الشهيد وريح دمه يفوح مسكا أو كناية عن الرضاء والقبول وانه أكثر ثوابا من استعمال المسك المندوب اليه في الجمعة ونحوها أو لان الطاعات يوم القيامة تكون ريحا يفوح والصيام فيها من بين العبادات كالمسك أو المراد ان ذلك في حق الملائكة وانهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك وهو مجاز واستعارة لتقريبه من الله تعالى أقوال قال في التوشيح ويؤخذ من الحديث تفضيل الخلوف على دم الشهيد لان دم الشهيد شبه بريح المسك والخلوف وصف بانه أطيب (كان اذا أفطر قال الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عمر وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين (الظمأ) بالقصر والهمز (وكان يقول أيضا اللهم لك صمت الى آخره) أخرجه أبو داود عن معاذ بن زهرة مرسلا وأخرجه الطبراني وابن السني من حديث ابن عباس وزاد فتقبل منى انك أنت السميع العليم (الحمد لله الذى أعانني فصمت الى آخره) أخرجه ابن السني والبيهقي في الشعب من حديث معاذ (كان اذا افطر عند قوم الى آخره) أخرجه أحمد والبيهقى في السنن من حديث أنس وأخرجه الطبراني وأبو يعلى من حديث ابن الزبير ولم يذكر وأكل طعامكم الابرار (وصلت عليكم الملائكة) زاد الدميرى في شرح المنهاج وذكركم الله فيمن عنده وليس في الحديث (ان الصيام عند فطره الى آخره) أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث ابن عمر (دعوه) اسم (ان ابن أبي مليكة) اسمه عبد الله ومليكة بالتصغير (سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول الى آخره) أخرجه ابن ماجه والحاكم في المستدرك

(2/377)


[فصل في دعائه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن]
«فصل» في دعائه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن وكيف كان سمته وخشوعه حال قراءته واستماعه من غيره كان له صلى الله عليه وسلم في الدرس كل يوم وظيفة معينة لا يتركها وأما رمضان فكان جبريل ينزل عليه في كل ليلة منه فيدارسه القرآن وكان اذا أراد القراءة قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما أمره الله تعالى وربما زاد من همزه ونفثه ونفخه وكان حسن الصوت في صوته صحل قال البراء بن عازب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتين فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه وكان يرتل قراءته ويبينها حرفا حرفا ويقف عند آخر الكلام ويكمل المد في موضعه وكان يقرأ في كل حال لا يمنعه من ذلك الا الجنابة وكان يحب سماعه من غيره كما رويناه فيما اتفق عليه الشيخان عن عبد الله بن مسعود قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليّ القرآن فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال انى أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت هذه الآية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال حسبك الآن فالتفت فاذا عيناه تذرفان. وقال صلى الله عليه وسلم لأبى بن كعب ان الله أمرنى أن أقرأ عليك (فصل) في دعائه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن (سمته) بفتح المهملة وسكون الميم أي طريقه وهديه (وظيفة) بالظاء المعجمة والفاء بوزن عظيمة هى كل ما يقدر كل يوم من عبادة أو طعام أو رزق وأما رمضان فكان جبريل ينزل عليه كل ليلة منه الى آخره أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس (فيدارسه القرآن) أى يقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل يستمع لانه ورد ان الملائكة لا يقرؤن القرآن وقيل ان جبريل وحده يقرؤه وعليه فالمدارسة على بابها ان يقرأ هذا على هذا مرة وذاك عليه أخري (وكان اذا أراد القراءة الى آخره) أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم وابن حبان في صحيحه من حديث جبير ابن مطعم وأخرجه بن عساكر من حديث جبير بن مطعم وعمرو بن مرة (أعوذ بالله) أى اعتصم به وامتنع من نفثه ونفخه (وهمزه) تتمة الحديث قال نفثه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموته ويسمى الشعر نفثا لانه كالشيء ينفث من الفم كالرقية ويسمي الكبر نفخا لان الشيطان يوسوس في النفس فيعظمها عنده ويحقر الناس في عينيه حتى يدخله الزهو قاله أيضا عاني في العباب والموتة بضم الميم وسكون الواو بلا همزة وفتح الفوقية هي الحبون (كان يرتل قراءته) أخرجه بهذا اللفظ أبو داود من حديث جابر (الا الجنابة) بالرفع (وقال لابيّ ابن كعب) أخرجه الشيخان والترمذى (ان الله أمرنى) أن اقرأ عليك قال العلماء حكمة ذلك التقييد على جلالة أبىّ بن كعب وانه اقرأ الامة وما من أحد من رؤس الصحابة رضي الله عنهم الا وقد خص بخصوصية وهذه خصوصية أبي ابن كعب لم يكن الذين كفروا قال النووي خصت هذه الصورة لانها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين وفروعه

(2/378)


القرآن قال أبى وسمانى لك قال وسماك لى فبكى أبى وقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة لم يكن. وأمر صلى الله عليه وسلم بتحسين الصوت بالقراءة فقال زينوا القرآن بأصواتكم وقال من لم يتغن بالقرآن فليس منا. وقال ما أذن الله لشيء ما أذن لنبى حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن ويجهر به* قال العلماء والناس بالتغني والتحسين على ضربين ضرب تسمع طبائعهم بذلك بديهة من غير تلكّ ولا تمرين وربما ازدادوا بالتغني والتحسين حسنا كما قال أبو موسى الأشعري وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم لو رأيتني وان أستمع الى قراءتك البارحة فقال لو شعرت انك تسمع لحبرته تحبيرا فهذا الضرب ان بقوا على طبائعهم فحسن وان تكلفوا بزيادة تحسين فقد أمروا بذلك والضرب الثانى من لا يحصل له ذلك لسماجة الطبع بل بتكلف وعلاج فينبغي له أن يتكلف ذلك ما استطاع ما لم يخرج الى حد التمطيط والتقعير ومهماته والاخلاص وتطهير القلوب وكان الوقت يقتضي الاختصار (فبكاء أبي) قيل فرحا وقيل خوفا من التقصير في شكر هذه النعمة العظيمة والخصوصية الجسيمة (زينوا القرآن بأصواتكم) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث البراء بن عازب وأخرجه أبو نصر الشجري في الابانة من حديث أبي هريرة وأخرجه الدار قطنى في الافراد والطبرانى من حديث ابن عباس وأخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث عائشة زاد الحاكم في رواية من حديث البراء فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا (من لم يتغن بالقرآن فليس منا) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة وأخرجه مسلم من حديث سعد وأخرجه أبو داود من حديث أبي لبابة وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس وعائشة قال ومعنى التغني عند الشافعى وأصحابه وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون تحسين صوته وعند ابن عيينة يستغنى به قيل عن الناس وقيل عن غيره من الاحاديث والكتب* قال عياض والقولان منقولان عن سفيان يقال تغنيت بمعنى استغنيت وقال الشافعى وموافقوه معناه تحزين القراءة وترقيقها بدليل زينوا القرآن بأصواتكم وأنكر أبو جعفر الطبري تفسير من قال يستغنى به وخطأه لغة في معناه والصحيح ان المراد تحسين الصوت انتهي زاد في التوشيح من تغنى بالمكان اذا قام فيه وقيل المراد التلذذ والاستحالة كما يستلذ أهل الطرب بالغناء وقيل يجعله هجيراه كما يجعل المسافر والفارغ هجير الغناء فيكون معنى الحديث الحث على ملازمة القرآن وأن لا يتعدى الى غيره (ما أذن الله لنبي الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى عن أبي هريرة ولمسلم لشيء بدل لنبى ومعنى بوزن علم اسمع قالوا ولا يجوز حمله على الاصغاء لانه محال عليه يقال ولان سماعه يقال لا يختلف فيؤول على انه مجاز وكناية عن تقرير القارئ وأجزال ثوابه كأذنة بفتح الهمزة والذال مصدر أذن يأذن اذنا كفرح يفرح فرحا قال مسلم غير ان ابن أيوب في روايته قال كأذنة أي بكسر الهمزة وسكون الذال وهى بمعنى الحث على ذلك والامر به (لنبى) لابي ذر في صحيح البخارى للنبي بزيادة لام قال في التوشيح للجنس لا للعهد (يجهر به) هو أحد تفسيرات التغنى (صوت) بالجر على البدل والرفع على الابتداء (البارحة) اسم لليلة الماضية (لحبرته) أي زدته (تحبيرا) أي حسنا والحبر

(2/379)


المنهي عنه والله أعلم.
[فصل حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاجتماع على قراءة القرآن]
«فصل» حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاجتماع على قراءة القرآن فقال ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة والوقار وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده* وروي عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في قراءة سور وآيات مخصوصة لأوقات معلومة ومطلقة من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه لا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان. ومن قرأ يس في يوم وليلة ابتغاء وجه الله غفر الله له. وقال اقرأوها على موتاكم. وقال قلب القرآن يس. وقال من قرأ سورة الدخان في ليلة وفي رواية ليلة الجمعة أصبح مغفورا له. ومن قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة. وكان صلى الله عليه وسلم لا ينام في كل ليلة حتى يقرأ الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ وتبارك الملك. وقال من قرأ آية بفتح المهملة وسكون الموحدة الحسن والتقعير بالقاف فالمهملة يرادف التمطيط وهو الزيادة في الله على حد لا يراه أحد من القراء المتفق عليهم والله أعلم
(فصل) (في فضيلة الاجتماع لقراءة القرآن ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود من حديث أبى هريرة (السكينة) المراد بها هنا الرحمة وقيل الطمأنينة والوقار (وحفتهم الملائكة) أي أحدقوا بهم واستداروا (وذكرهم الله فيمن عنده) يعنى الملائكة وهو على حد قوله وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ الآية زاد مسلم بعد هذا ومن بطأبه عمله لم يسرع به نسبه أي من كان عمله ناقصا لم يلحقه نسبه برتبة أصحاب الاعمال فلا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في الاعمال الصالحة (الآيتان من آخر سورة البقرة الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه من حديث ابن مسعود (من قرأهما) زاد العسكري في ثواب القرآن بعد العشاء الآخرة (كفتاه) أي أجزياه من قيام الليل بالقرآن أو وقياه شر الشيطان أو كل سوء أقوال قال النووى وغيره أو الجميع (لا يقرأن في دار الى آخره) أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحه من حديث النعمان بن بشير وهو آخر حديث أوله ان الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والارض بالفي عام وهو عند العرش وانه أنزل آيتين ختم بهما سورة البقرة (فلا تقرأن) بضم الفوقية ومد الهمزة (فيقربها شيطان) بالنصب على جواب النفي (من قرأ يس الى آخره) أخرجه البيهقى في الشعب من حديث أبي هريرة وابن مسعود ومعقل بن يسار (فاقرؤها على موتاكم) هذه الزيادة في حديث البيهقى عن معقل ابن يسار وليست في حديثه عن أبي سعيد وأبي هريرة (قلب القرآن يس) أخرجه الدارمي والترمذى من حديث أنس وأخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجه والحاكم في المستدرك من حديث معقل بن يسار (من قرأ سورة الدخان الخ) أخرجه الترمذى من حديث أبى هريرة وأخرجه بن الضريس عن الحسن مرسلا وللطبراني من حديث أبى امامة من قرأ حم الدخان في ليلة جمعة بنى الله له بيتا في الجنة (ومن قرأ سورة الواقعة الخ) أخرجه البيهقي في الشعب من حديث بن مسعود لم تصبه فاقة أى حاجة زاد البيهقى أبدا (كان لا ينام حتى يقرأ الم تَنْزِيلُ وتبارك الملك)

(2/380)


الكرسي وأول حم غافر عصم ذلك اليوم من كل سوء. ومن قرأ خاتمة سورة التوبة حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ كفاه الله ما أهمه من أمر آخرته ودنياه صادقا كان أو كاذبا. وأمر صلى الله عليه وسلم سرية بعثها ان يقرؤا اذا أصبحوا وامسوا أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ الى آخر السورة فقرأوها فغنموا وسلموا. وقال صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسى فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ الى قوله وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ ادرك ما فاته من يومه. وقال صلى الله عليه وسلم تعلموا تبارك الملك فانها المنجية تنجى من عذاب القبر. وقال من قرأها في ليلة فقد اكثر واطيب. وعن ابى هريرة يرفعه من قرأ في ليلة إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ كانت كعدل نصف القرآن ومن قرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ كانت له كعدل ربع القرآن ومن قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كانت له كعدل ثلث القران وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن حبيب اقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين حين تصبح وحين تمسى ثلاث مرات يكفيك الله من كل شيء والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرة معلومة وقد التقطت مجموع الآيات التي ورد لها ذكر وجمعتها في نحو كراسة استوعبت فيها جميع ذلك وانما ذكرنا هنا هذا الطرف تبريكا للكتاب وتتميما للفائدة وبالله سبحانه التوفيق
«فصل» في ذكره صلى الله عليه وسلم عند الصباح والمساء كان يقول اذا أصبح اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيى وبك نموت واليك النشور واذا أمسى قال اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيى وبك نموت واليك المصير وسأله أبو بكر أن يعلمه أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث جابر وزاد ان قراءتهما كل ليلة أمان من فتنة القبر ولاحمد والترمذي والحاكم من حديث عائشة كان لا ينام حتى يقرأ بني اسرائيل والزمر (من قال حين يصبح وحين يمسى فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ الخ) أخرجه أبو داود عن ابن عباس (تعلموا تبارك الملك الى قوله فقد أكثر وأطيب أخرجه الحاكم) في المستدرك من حديث عبد الله بن مسعود وقال صحيح الاسناد وقوله وأطيب بالتحتية قبل الموحدة أي جاء من العمل بما يصير به طيبا (كعدل) بفتح العين هو الميل وما عادل الشيء من غير جنسه وبالكسر ما عاد له من جنسه وكان نظيره وقال البصريون هما لغتان وهما الميل (ابن حبيب) بالمهملة فالموحدة بوزن عظيم (يكفيك) كذا الرواية باثبات الياء وهي على القطع أى فهي تكفيك ويجوز حذفها للجزم على جواب الامر
(فصل) في ذكره عند الصباح والمساء (كان يقول اذا أصبح الى قوله) واليك المصير أخرجه أبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وأبو عوانة في مسنده للصحيح عن أبي هريرة قال الترمذي وهذا حديث حسن صحيح قلت والاتيان بقوله وَإِلَيْهِ النُّشُورُ في الصباح يناسب الاستيقاظ من النوم (وسأله أبو بكر ان يعلمه ذكر الصباح والمساء الخ) أخرجه أبو داود والترمذى والنسائي والحاكم في

(2/381)


ذكر الصباح والمساء قال قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد ان لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسى وشر الشيطان وشركه قال له قلها اذا أصبحت واذا أمسيت واذا أخذت مضجعك وقال له رجل يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا لم يضرك وقال صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبؤلك بنعمتك عليّ وأبؤ بذنبى فاغفر لى فانه لا يغفر الذنوب الا أنت من قالها في النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسى فهو من أهل الجنة ومن قالها بالليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع أسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث المستدرك وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أيضا قال الحاكم صحيح الاسناد (اللهم فاطر) أى يا فاطر (من شر نفسى وشر الشيطان) تقديم الاستعاذة من شر النفس دليل على ان فتنتها أعظم من فتنته (وشركه) روى بكسر المعجمة وسكون الراء وبفتحهما قال الخطابى ومعناه على الاول ما يدعو اليه الشيطان ويوسوس به من الاشراك بالله تعالى وعلى الثاني المراد حبائل الشيطان ومصائده قال جلال الدين المحلى والاول هو المشهور قلت وينبغي للداعى الاتيان بهما زاد الترمذى في طريق آخر بعد هذا وان نقترف على أنفسنا سوءا أو نجره الي مسلم (وقال له رجل يا رسول الله ما لقيت من عقرب الي اخره) . أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبى هريرة (لدغتني) باهمال الدال واعجام الغين (بكلمات الله) قال الهروى وغيره هي القرآن (التامات) الكاملات وسبق الكلام عليها في تعويذ الحسن والحسين (موقنا) أى مخلصا من قلبه ومصدقا بثوابها (لم يضرك) بالضم أحسن من غيره كما مر وللترمذي في رواية من قال حين يمسي ثلاث مرات أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره حمة تلك الليلة وقال حديث حسن والحمة بضم المهملة وتخفيف الميم فوعة السم أي حدته وحرارته وقيل السم نفسه حمة (سيد الاستغفار اللهم أنت ربي الي اخره) أخرجه أحمد والبخارى والترمذي والنسائي عن شداد بن أوس قالوا وليس له في الصحيحين سوي حديثين أحدهما هذا والآخر في مسلم ان الله كتب الاحسان على كل شيء الحديث ومعني سيد الاستغفار أى أفضله وأعمه وذلك لما فيه من توحيد البارى تعالى ونفي الشركاء عنه والاعتراف له بالربوبية وبانه هو الخالق والاعتراف من نفسه بالعبودية والتبري من الحول والقوة والتعوذ به من شر ما صنع والاقرار بنعمه تعالى والاقرار على نفسه بالذنب وبان المغفرة منه لا غير فقد حاز جملا من أنواع العبودية ان يقول زاد النسائي العبد (عهدك ووعدك) أى على ما عاهدتك عليه وواعدتك يوم أخذ الميثاق من الايمان بك وتمحيض الطاعة لك (ابؤلك) بفتح الهمزة وضم الموحدة والمد أى ارجع اليك بالاقرار والاعتراف وأصله من بؤت بكذا اذا احتملته (ما من عبد يقول في صباح كل يوم الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه

(2/382)


مرات لم يضره شيء وفي روايه لم تصبه فجأة بلا وقال من قال حين يصبح أو يمسى اللهم انى أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك انك أنت الله لا إله إلا أنت وان محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين اعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاثا اعتق الله ثلاثة أرباعه من النار ومن قالها أربعا اعتقه الله من النار وقال من قال حين يصبح اللهم ما اصبح بى من نعمة او بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد ولك الشكر فقد ادى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسى فقد أدى شكر ليلته وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسى من حديث عثمان بن عفان قال الترمذي حسن غريب صحيح وقال الحاكم صحيح الاسناد (لم يضره) لفظهم فيضره (شيء) تتمة الحديث وكان ابان قد أصابه طرف فالج فجعل الرجل ينظر اليه فقال له ابان ما تنظر اما ان الحديث كما حدثتك ولكني لم اقله يومئذ ليمضى الله على قدر (فجأة) بضم الفاء مع المد أى بغتة (من قال حين يصبح أو يمسي الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أنس بن مالك (اللهم اني أصبحت) هذا في الصباح وأما في المساء فيقول أمسيت واقتصر على الاول لفهم الثاني بالفحوى أو علي حد سرابيل تقيكم الحر أي والبرد (أشهدك) بضم الهمزة وكسر الهاء (حملة عرشك) انما خصهم وذكرهم أولا مع دخولهم في عموم الملائكة تشريفا لهم لانهم من جملة الكروبيين الطائفين بالعرش وهم سادات الملائكة وحملة العرش الآن أربعة قال البغوي وجاء في الحديث لكل ملك منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ولكل واحد منهم أربعة أجنحة جناحان على وجهه مخافة أن ينظر الى العرش فيصعق وجناحان يخفق بهما ليس لهم كلام الا التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد فاذا كان يوم القيامة أمدهم الله باربعة اخري فصاروا ثمانية أملاك على صورة الاوعال من اظلافهم الى ركبهم كما بين السماء والارض قال شهر بن حوشب أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد علي حلمك بعد علمك وأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك انتهي والمراد هنا الاربعة أو الثمانية أو حملة العرش ومن يطوف به من الملائكة احتمالات (وملائكتك) بالنصب عطفا على جملة (لا إله إلا أنت) زاد النسائى وحدك لا شريك لك (ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار) حاصل ذلك الحض على الاتيان بها أربعا وحكمته فيها ظهر لي منا سبقه لعدد من أشهدهم وأثابهم بواو العطف (من قال حين يصبح الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائى من حديث عبد الله بن غنام البياضي وهو بالمعجمة فالنون المشددة والبياضي نسبة الى بياضة فخذ من الانصار وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس (ما أصبح بي من نعمة) زاد النسائى وابن حبان أو بأحد من خلقك (وقال عبد الله بن عمر) رضى الله عنهما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه قال الحاكم صحيح الاسناد لا (يدع) يترك

(2/383)


وحين يصبح اللهم انى أسئلك العافية في الدنيا والآخرة اللهم انى أسئلك العفو والعافية في ديني ودنياى واهلى ومالى اللهم استر عوراتى وآمن روعاتى اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالى ومن فوقى وأعوذ بعصمتك ان اغتال من تحتي وشكى ابو امامة الى النبي صلى الله عليه وسلم الدين فقال قل اذا أصبحت واذا أمسيت اللهم انى اعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال ففعلت ذلك فأذهب الله همى وقضي عني دينى وقال صلى الله عليه وآله وسلم لابنته فاطمة ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به تقولى اذا اصبحت واذا امسيت يا حي يا قوم بك أستغيث فأصلح لى شأنى كله ولا تكلنى الى نفسي طرفة عين وقال لها ولعلي وكانت سألته خادما الا ادلكما على ما هو خير لكما من خادم اذا أويتما الى فراشكما وأخذتما مضاجعكما (العافية في الدنيا) من كل بلية ومصيبة (والآخرة) من عذاب جهنم وأهوال الآخرة (استر عوراتي) كذا بالجمع لعثمان بن أبى شيبة ولغيره عورتي بالتوحيد (وآمن) بوزن حاكم (روعاتي) جمع روعة وهي الخوف أو الشدة احتمالا (اللهم احفظني) أي من الشيطان ومن كل سوء (ومن فوقى) أي من السوء فقط فان الشيطان لا يستطيع اتيان ابن آدم من فوقه كما مر (ان اغتال) أي ان يأتينى غيلة أى خفية من حيث لا أشعر (من تحتى) قال أبو داود قال وكيع وهو ابن الجراح يعني الخسف والعياذ بالله (وشكي أبو امامة الى النبى صلى الله عليه وسلم الدين الى آخره) أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فاذا برجل من الانصار يقال له أبو امامة فقال له يا أبا امامة ما لى أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة قال هموم لزمتنى وديون يا رسول الله قال أفلا أعلمك كلاما اذا قلته أذهب الله همك وقضى دينك قال قلت بلى يا رسول الله فذكره (من الهم والحزن) هما مترادفان عند الاكثر وقيل الهم لما سيقع والحزن لما وقع (من العجز) هو عدم القدرة على الخير وقيل هو عدم فعله والتسويف به (والكسل) هو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه مع امكانه (والبخل) بضم الموحدة وسكون المعجمة وبفتحهما لغتان (وقهر الرجال) شرع التعوذ من قهرهم لما فيه من الضعف في النفس والمعاش (وقال لابنته فاطمة ما يمنعك الى آخره) أخرجه النسائي والحاكم في المستدرك من حديث أنس بن مالك وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين (تقولى) للنسائي والحاكم تقولين ولكليهما وجه (فأصلح لي) لهما أصلح (شأني) أي أمري (طرفة عين) بفتح الطاء زاد البزار من حديث ابن عمر ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني (وقال لها ولعلى وكانت سألته خادما الى اخره) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث على وللبخارى في رواية ان فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحاء فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري فذكره (أويتما) بالقصر لازم لا يتعدي الا بحرف الجر وهو بالمد متعد فمن الاول قوله تعالى إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ

(2/384)


فكبرا ثلاثا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين هذا خير لكما من خادم وشكى اليه صلى الله عليه وسلم الرجل انه تصيبه الآفات فقال له قل اذا اصبحت بسم الله على نفسي واهلي ومالى فانه لا يذهب لك شيء فقالهن الرجل فذهبت عنه الآفات وقال صلى الله عليه وسلم من قال اذا اصبح اللهم اصبحت منك في نعمة وعافية وستر فأتم نعمتك علىّ وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة ثلاث مرات اذا اصبح واذا أمسى كان حقا على الله أن يتم وعده له. وقيل لابى الدرداء قد احترق بيتك فقال ما احترق لم يكن الله ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالهن أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسى ومن قالهن آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح اللهم أنت ربى لا اله الا انت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم اعلم ان الله على كل شيء قدير وان الله قد أحاط بكل شيء علما اللهم انى اعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم فهذه جملة الاحاديث المنتخبة من كتب الاحاديث المعتمدة فيها الصحيح والحسن وما يقاربهما وليس فيها حديث موضوع والله أعلم.
[فصل في أذكار ودعوات كان يقولها صلى الله عليه وسلم لأمور عارضات]
«فصل» في أذكار ودعوات كان يقولها صلى الله عليه وسلم لامور عارضات كان يقول عند الكرب لا اله الا الله العظيم الحليم لا اله الا الله رب العرش العظيم لا اله الا الله رب إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ومن الثانى وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (وسبحا ثلاثا وثلاثين) قال البخاري وعن شعبة عن خالد عن ابن سيرين قال التسبيح أربعا وثلاثين وله في أخرى قال سفيان احداهن أربعا وثلاثين وفي بعض طرق النسائى التحميد أربع وثلاثون (واحمدا ثلاثا وثلاثين) زاد أبو داود في بعض طرقه قال على رضيت عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير لكما من خادم) أى لأن عمل الآخرة أفضل من أمور الدنيا وقيل في هذه الاعداد خاصية للقوة على أمر الدين والدنيا لانها مائة والمائة في حساب الجمل القاف والقاف أول حروف القوة وتتمة الحديث قال على فما تركتها بعد قيل ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وهو كما مر بكسر المهملة والفاء المشددة موضع قريب من الفرات كانت به الوقعة المشهورة بين على ومعاوية رضى الله عنهما والقائل لعلي ولا ليلة صفين هو عبد الله بن الكواء (قل اذا أصبحت بسم الله علي نفسى الي آخره) أخرجه ابن السنى في عمل يوم وليلة من حديث ابن عباس ولابن عساكر من حديث ابن مسعود على ديني ونفسي وولدى وأهلى ومالى (وسترك) بالكسر اسم لما يستتربه وبالفتح مصدر (وقيل لابي الدرداء قد احترق بيتك الي آخره) أخرجه أبو داود والنسائي.
(فصل) في أذكار ودعوات كان يقولها الامور عارضات (كان يقول عند الكرب الى آخره) أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو عوانة من حديث عبد الله بن عباس (لا اله الا الله العظيم الحليم) للبخارى

(2/385)


السموات ورب الارض ورب العرش الكريم يا حى يا قيوم برحمتك استغيث. وكان اذا راعه شيء قال هو الله ربى لا شريك له. وكان اذا خاف قوما قال اللهم انا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. وقال لعلي اذا وقعت في ورطة فقل بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فان الله تعالى يصرف بها ما شاء من أنواع البلاء. وكان اذا لقى العدو قال يا مالك يوم الدين اياك اعبد واياك استعين. وأمر عند توقع البلاء وغلبت الامور بقول حسبي الله ونعم الوكيل على الله توكلنا وأمر من تعثرت معيشته ان يقول اذا خرج من بيته بسم الله على نفسي وأهلي ومالى وذريتى اللهم رضنى بقضائك وبارك لى فيما قدرت لى حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت. وقال ما انعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فقال ما شاء الله لا قوة الا بالله فيرى فيها آفة دون الموت. وقال ليسترجع احدكم في كل شيء حتى بشسع نعله فانها من المصائب. وامر من وجد الوسواس ان يقول آمنت بالله ورسوله هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. وامر ان يرقى في اللديغ والمعتوه بالفاتحة. وكان صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين اعيذكما بكلمات الله التامه من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه ويقول ان ابا كما كان يعوذ بها اسماعيل واسحاق صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين. وكان في رواية هو العليم الحليم مع الاتيان بلفظة هو في الثلاث (ورب العرش الكريم) زاد أبو عوانة ثم يدعو (كان اذا خاف قوما الي آخره) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما من حديث أبي موسي قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وفي رواية لابن حبان كان اذا أصاب قوما (في نحورهم) بالنون والمهملة أي نستقبلهم بحولك وقوتك ونردهم بك كما يرد من أصابه شيء في نحره (وقال لعلي اذا وقعت في ورطة الى آخره) أخرجه عنه ابن السنى في عمل يوم وليلة والورطة بفتح الواو والطاء المهملة بينهما راء ساكنة الهلكة وكل أمر يقع فيه وتعسر النجاة وجمعها وراط قاله في القاموس (يقول حسبي الله ونعم الوكيل) أخرجه الترمذى من حديث أبى سعيد وأخرجه ابن مردويه من حديث أبي هريرة (ما أنعم الله على عبد نعمة الى آخره) أخرجه أبو يعلى والبيهقي في الشعب من حديث أنس (ليسترجع أحدكم الى آخره) أخرجه ابن السنى في عمل يوم وليلة من حديث أبي هريرة والاسترجاع قول انا لله وانا اليه راجعون (بشسع نعله) بكسر المعجمة وسكون السين ثم عين مهملتين أحد سيور النعل (والمعتوه) هو الذي أصابه العته بفتح المهملة والفوقية ثم هاء وهو نوع من الجنون (بالفاتحة) أخرج القصة في اللديغ الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدرى وأخرجها في المغيرة أبو داود والنسائي من حديث خارجة بن الصلت عن عمه واسمه علاقة بكسر المهملة وتخفيف اللام ثم قاف ابن صحار بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملتين وقيل

(2/386)


عادته صلى الله عليه وسلم في عيادة المرضى يضع يده المباركة على المريض ويقول لا بأس طهور ان شاء الله ثم يرقيه يقول اللهم رب الناس اذهب الباس اشف انت الشافي لا شفاء الا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ثم يسأله عن حاله وعن ما يشتهيه وان ذكر شيئا طلبه له. وقال لا تكرهوا مرضاكم على الطعام فان الله يطعمهم ويسقيهم. وقال اذا دخلت على مريض فمره فليدع لك فان دعاؤه كدعاء الملائكة. وقال عائد المريض في مخرفة الجنة. وقال لقنوا موتاكم لا اله الا الله من كان آخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة. وقال ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول انا لله وانا اليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتى واخلف لى خيرا منها الا أجره الله تعالى في مصيبته واخلف له خيرا منها. وقال يقول الله عز وجل ما لعبدي المؤمن عندي جزاء اذا قبضت صفيه من أهل الدنيا عبد الله (ويقول لا بأس طهور ان شاء الله تعالى) أخرجه البخارى والنسائى من حديث ابن عباس وطهور بفتح الطاء أي مكفر للذنوب (اللهم رب الناس الى آخره) أخرجه الشيخان والنسائى من حديث عائشة (اذهب الباس) أي المرض وهو بالموحدة والهمز لكن يخفف هنا لمجاورته الناس (أشف) بهمز وصل (شفا) بالنصب علي المصدر (لا يغادر) أى لا يترك (سقما) بضم السين مع سكون القاف وبفتحهما (لا تكرهوا مرضا كم الى آخره) أخرجه الترمذى وابن ماجه والحاكم عن عقبة بن عامر لكن قال النووي في المجموع انه ضعيف (فان الله يطعمهم ويسقيهم) هذا على سبيل المجاز والكناية عن عدم اشتهائهم الطعام والشراب كالشبعان الروي (اذا دخلت على مريض فمره ان يدعو لك الى آخره) أخرجه ابن ماجه بسند ضعيف من حديث عمر (عائد المريض في مخرفة الجنة) حتى يرجع أخرجه مسلم من حديث ثوبان ولاحمد والطبراني من حديث أبى امامة عائد المريض يخوض في الرحمة فاذا جلس عنده غمرته الرحمة ومن تمام عيادة المريض ان يضع أحدكم يده على وجهه أو على يده فيسأله كيف هو وتمام تحيتكم بينكم المصافحة انتهى والمخرفة بفتح الميم والراء (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه من حديث أبى سعيد وأخرجه مسلم وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجه النسائي من حديث عائشة والمراد به من حضره الموت (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم من حديث معاذ والمراد بقوله دخل الجنة أي دخولا يختص فيه بزيادة على سائر من يدخلها من المؤمنين الذين لم يكن آخر كلامهم لا إله إلا الله اما ان يكون من السابقين الذين يدخلون الجنة بغير حساب أو نحو ذلك من الفضائل (ما من عبد تصيبه مصيبة الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود والحاكم من حديث أم سلمة وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي سلمة (اللهم اجرنى) بالقصر عند أكثر أهل اللغة من آجره الله بأجره اذا أعطاه أجره وحكى المد (واخلف لى) بفتح الهمزة وكسر اللام (الا أجره) بالقصر على الاشهر (صفيه) أي من يصطفيه لمحبته

(2/387)


ثم احتسبه الا الجنة وقال ان الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يراحم واشار الى لسانه. وبرئ صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة والشاقة ولعن النائحة والمستمعة وقال من عزي مصابا فله مثل اجره ومن عزى ثكلى كسي بردة في الجنة وقال اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم. وقال من غسل ميتا فكتم عليه غفر له اربعين مرة. وقال ايما مسلم شهد له اربعة بخير أدخله الله الجنة قال عمر قلنا ثلاثة قال وثلاثة فقلنا واثنان قال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد. وكان صلى الله عليه وسلم يعلمهم عند زيارة القبور أن يقول قائلهم السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين وانا انشاء الله بكم لاحقون اسأل الله لنا ولكم العافية. وكان صلى الله عليه وسلم اذا عصفت الريح من فرع أو أصل أو زوج أو أخ أو صديق (الا الجنة) بالرفع (وبريء من الصالقة الى آخره) أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى والصالقة بالمهملة وفيها لغة بالسين هي التى ترفع صوتها عند المصيبة أو التى تضرب وجهها قولان الصحيح الاول (والحالقة) هى التي تحلق رأسها (والشاقة) هي التى تشق ثوبها (ولعن النائحة والمستمعة) أخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي سعيد ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي امامة لعن الله الخامشة وجهها والشاقة حبيبها والداعية بالويل والثور ولاحمد ومسلم من حديث أبي مالك الاشعري النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب (من عزى مصابا فله مثل أجره) أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن مسعود ومعنى التعزية الحمل على العزاء بفتح المهملة والمد وهو الصبر (من عزى ثكلى كسى رداء في الجنة) أخرجه الترمذي من حديث أبي برزة الاسلمي والثكلى بفتح المثلثة واللام وسكون الكاف هي التي مات ولدها (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم) أخرجه أبو داود والترمذي وضعفه والحاكم والبيهقي في السنن من حديث ابن عمر قال العلماء محل النهى في غير المبتدع والمتظاهر بفسق فيجوز ذكر مساويهم للتحذير من طريقهم (من غسل ميتا فكتم عليه الى آخره) أخرجه الحاكم وصححه على شرط مسلم (أربعين مرة) أي لو أذنبها (أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة) قال النووى الصحيح المختار انه على عمومه واطلاقه وان كل مسلم مات فألهم الله الناس الثناء عليه أو معظمهم أي أو اثنان منهم كما في هذا الحديث كان ذلك دليلا على انه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضى ذلك أم لا ويكون في الثناء دليل على ان الله تعالى قد شاء المغفرة له قال وقيل ان محل هذا لمن أثني عليه أهل الفضل وكان ثناؤهم مطابقا لافعاله والا فليس مراد الحديث وهذا ضعيف (وكان يعلمهم عند زيارة القبور الى آخره) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه من حديث بريدة بن الخصيب (السلام عليكم أهل الديار) وفي رواية أخرى في مسلم السلام على أهل الديار (وانا ان شاء الله) قال النووى هي للتبرك وقيل عائد الى تلك التربة بعينها (أسأل الله لنا ولكم العافية) زاد النسائى أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع زاد مسلم وابن ماجه من حديث عائشة اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم (كان اذا عصفت الريح الى آخره) أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من حديث عائشة

(2/388)


قال اللهم اني أسألك من خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به اللهم لقحا لا عقيما وكان اذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل وان كان في صلاة ثم يقول اللهم انى اعوذ بك من شرها فان مطر قال اللهم صيبا نافعا.
وقال صلى الله عليه وسلم اذا وقعت عظيمة أو هاجت ريح عظيمة فعليكم بالتكبير فانه تجلى العجاج الاسود. وكان صلى الله عليه وسلم اذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا بعذابك وعافنا قبل ذلك.
[فصل في أذكاره صلى الله عليه وسلم في السفر.]
اذكاره صلى الله عليه وسلم في السفر. كان صلى الله عليه وسلم يركع قبل الخروج في بيته ركعتين وقال ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا ثم اذا قدم من سفره بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين. وكان يقول لمن يودعه استودع الله دينك وامانتك وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس وعصفت معناه اشتدت (أسألك من خيرها) لفظ من مسلم اسألك خيرها بدون من (وشر ما أرسلت به) زاد الطبراني اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا وللترمذى والنسائي من حديث أبى بن كعب لا تسبوا الريح فاذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به قال الترمذي حديث حسن صحيح (اللهم لقحا لا عقيما) أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث سلمة بن الاكوع ولقحا بفتح اللام مع فتح القاف وسكونها وهي التي تحمل السحاب والعقيم بضدها (وكان اذا رأى ناشئا الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة والناشيء السحاب (في أفق) أي ناحية (ترك العمل) أي اهتماما بشأنه (اللهم صيبا) بفتح المهملة وكسر التحتية المشددة والمراد المطر يقال صاب المطر صوبا وأصاب بمعنى أنصب ومطر صوب وصيب وصيوب ولابي داود ومن ذكره سيبا بفتح المهملة وسكون التحتية والسيب العطاء (نافعا) فيها انه كرر ذلك مرتين ومن تتمة الحديث وان كشفه الله ولم يمطر حمد الله على ذلك (العجاح) بفتح المهملة وتخفيف الجيم الغبار العظيم (وكان اذا سمع الرعد والصواعق الى آخره) أخرجه الترمذي والنسائى والحاكم في المستدرك من حديث عبد الله بن عمر وأخرج مالك في الموطأ من حديث ابن الزبير موقوفا عليه كان اذا سمع الرعد ترك الحديث وقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته* اذكاره في السفر (ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين) أخرجه ابن أبي شيبة عن المطعم بن المقدام مرسلا (ثم اذا قدم من سفره بدأ بالمسجد الى آخره) أخرجه الشيخان وغيرهما عن كعب بن مالك كما مر زاد الطبراني في الكبير والحاكم من حديث أبى ثعلبة ثم يثنى بفاطمة ثم يأتي أزواجه (وكان يقول لمن يودعه الي آخره) أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمر وأخرجه أبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن يزيد

(2/389)


وخواتيم عملك وكان يقول لمن تخلف استودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه وقال ان الله اذا استودع شيئا حفظه. وجاءه رجل فقال يا رسول الله انى اريد سفرا فزودنى قال زودك الله التقوى قال زدني قال وغفر ذنبك قال زدنى قال ويسر لك الخير حيث ما كنت. وقال له آخر انى أريد أن أسافر فاوصني قال عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف فلما ولى الرجل قال اللهم أطوله البعيد وهون عليه السفر. وقال عمر استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فاذن لى فقال لا تنسانى يا أخي من دعائك فقال كلمة ما يسرنى أن لى بها في الدنيا. وكان صلى الله عليه وسلم اذا استوى على بعيره خارجا الى سفر كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخرلنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوي ومن العمل ما تحب وترضى اللهم هون علينا سفرنا واطوعنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الاهل والمال والولد واذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون. وكان هو وجيوشه اذا علوا الثنايا كبروا واذا هبطوا سبحوا. وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات مستجابات الخطمي (لا تضيع) بفتح الفوقية وكسر المعجمة (وقال ان الله اذا استودع شيأ حفظه) أخرجه النسائي من حديث ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال لقمان الحكيم ان الله اذا استودع شيئا حفظه (وجاءه رجل فقال يا رسول الله اني أريد سفرا فزودني) أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك من حديث أنس وقال الترمذي حسن غريب (قال زدني) زاد في المرة الثالثة بأبي أنت وأمى (وقال له آخر انى أريد أن أسافر فاوصني الخ) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقال الترمذى حديث حسن واوصني بفتح الهمزة وقطعها (على كل شرف) بفتح المعجمة والراء هو المكان المرتفع (اللهم اطوله البعيد) بهمز وصل (وقال عمر استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة الخ) أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح (يا أخى) روي بالتكبير وبالتصغير (كلمة) بالنصب والضمير في قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم (كان اذا استوى على بعيره خارجا الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عمر (مقرنين) أي مطيعين (آيبون) أى راجعون (وكان هو وجيوشه الى آخره) رواه أبو داود (علوا الثنايا) بفتح المهملة واللام وضم الواو أي صعدوها (كبروا واذا هبطوا سبحوا) ذكر في حكمة التكبير للصعود انه تعالى لا أكبر منه ولا أعظم ولا أعلا وفي التسبيح للهبوط تنزيه للباري تعالى عن الانحطاط والنزول من تتمة الحديث فوضعت الصلاة على ذلك (ثلاث دعوات الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري في الادب وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة وللعقيلي والبيهقي في الشعب من حديثه أيضا دعوة الصائم ودعوة المسافر ودعوة المظلوم (مستجابات)

(2/390)


لا شك فيهن دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده. وقال أمان لامتى من الغرق اذا ركبوا يعني السفينة أن يقولوا بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الآية. وقال صلى الله عليه وسلم اذا انفلتت دابة أحدكم في فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا يا عباد الله احبسوا فان لله عز وجل في الارض حاضرا يستحبسه. وكان اذا أشرف على قرية يريد دخولها قال اللهم انى أسئلك من خير هذه القرية وخير ما جمعت فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها اللهم ارزقنا حياها وأعذنا من وباها وحببنا الى أهلها وحبب صالحى أهلها الينا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سافر فاقبل الليل قال يا أرض ربى وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق عليك وشر ما يدب عليك وأعوذ بك من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد. وقال من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رجع من سفره فدخل على أهله قال توبا توبا أوبا بالرفع بدل من ثلاث وبالكسر بدل من دعوات (ودعوة الوالد على ولده) لابي الحسن بن مردويه في الثلاثيات والضياء من حديث أنس لولده وكل صحيح (أمان لامتى اذا ركبوا يعني السفينة الى آخره) أخرجه أبو يعلى في مسنده وابن السني من حديث الحسين بلفظ امان لامتي من الغرق اذا ركبوا البحر (اذا انفلتت دابة أحدكم الى آخره) أخرجه أبو يعلى وابن السنى والطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود والانفلات بالفاء والفوقية الهرب (فان لله عز وجل حاضرا) أي من الجن (يستحبسه) زاد من مر عليكم (وكان يقول اذا أشرف على قرية الى آخره) أخرجه النسائي والحاكم وابن حبان من حديث صهيب (اللهم ارزقنا حياها) بفتح المهملة والتحتية مع القصر أي خصبها ونعيمها وضبطه الجزري بفتح الجيم والنون والاول هو المعروف (وباها) أصله الهمز لكنه يترك هنا لمؤاخاة حياها (وكان اذا سافر فاقبل الليل الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائى والحاكم في المستدرك من حديث ابن عمر وقال الحاكم صحيح الاسناد (يدب) بكسر المهملة أي يمشى (أعوذ بك) للنسائى أعوذ بالله (من أسد) هو الاسد المعروف (واسود) بوزن أحمد والاسود هو الشخص وقيل العظيم من الحيات الذي فيه سواد (وساكن البلد) قال الخطابي هم الجن الذين هم سكان الارض قال والبلد من الارض ما كان مأوي الحيوان وان لم يكن فيه بناء ومنازل (ووالد) هو ابليس (وما ولد) هم الشياطين كذا قاله الخطابي (من نزل منزلا الي آخره) أخرجه مسلم والترمذى والنسائي وابن ماجه من حديث خولة بنت حكيم السلمية قالوا وليس لخولة في الصحيحين سوي هذا الحديث (توبا توبا) مصدر تاب يتوب أى تبت توبا (أوبا) بوزن الاول مصدر آب

(2/391)


أوبا لا يغادر حوبا. وقال صلى الله عليه وسلم اذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له صاحبه أو أخوه يرحمك الله فاذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم. وقال اذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه واذا لم يحمد الله فلا تشمتوه.
[فصل فيما كان يأمر به عند نهاق الحمير وصياح الديك ونباح الكلاب وغير ذلك]
«فصل» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فانها رأت شيطانا واذا سمعتم صياح الديكة فاسئلوا الله من فضلة فانها رأت ملكا. وقال اذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير فتعوذوا بالله فانهم يرون ما لا ترون. وقال اذا رأيتم الحريق فكبروا فان التكبير يطفئه وقال من جلس في مجلس كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله الا أنت استغفرك وأتوب اليك الا غفر له ما كان في مجلسه ذلك. وقيل ما كان يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات بين أصحابه اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا والآخرة اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل نأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا اذا رجع (لا يغادر) أى لا يترك (حوبا) بضم المهملة وفتحها أى اثما.
(فصل) فيما يقول من سمع نهاق الحمير وصياح الديكة (اذا سمعتم نهاق الحمير الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذى والنسائى من حديث أبي هريرة (وقال اذا سمعتم نباح الكلاب الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري في الادب وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك من حديث جابر وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم (فانهم يرون ما لا ترون) تتمة الحديث وأقلوا الخروج اذا هدأت الرجل فان الله عز وجل يبث في ليلة من خلقه ما يشاءوا جيفوا الابواب واذكروا اسم الله عليها فان الشيطان لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه وغطوا الجرار وأوكوا القرب واكفتوا الآنية (اذا رأيتم الحريق فكبروا الى آخره) أخرجه ابن السني وابن أبي عدي وابن عساكر بسند ضعيف من حديث ابن عمرو (من جلس في مجلس الخ) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما من حديث أبى هريرة وأخرجه النسائي والحاكم من حديث عائشة (سبحانك اللهم وبحمدك) في بعض طرق النسائي قبله سبحان الله وبحمده (الا غفر له ما كان في مجلسه ذلك) وللنسائي والحاكم من طريق عائشة ان تكلم بخير كان طابعا عليهن الى يوم القيامة وان تكلم بغير ذلك كان كفارة له (اللهم اقسم لنا من خشيتك الخ) أخرجه الترمذي والحاكم من حديث ابن عمر بسند صحيح (واجعله الوارث منا) أى يبقى الى أن نموت والوارث منصوب (واجعله ثأرنا) بالمثلثة والهمز كما مر

(2/392)


ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا وقال ما جلس قوم مجلسا لم يذكر الله عز وجل فيه ولم يصلوا على نبيهم الا كانت عليهم ترة فان شاء عذبهم وان شاء غفر لهم. وقال صلى الله عليه وسلم من رأى مبتلى فقال الحمد لله الذى عافانى مما ابتلاك به وفضلنى على كثير ممن خلق تفضيلا لم بصبه ذلك البلاء. وقال من دخل السوق فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له الف الف حسنة ومحى عنه الف الف سيئة ورفع له الف الف درجة. وقال اذا طنت أذن أحدكم فليذكرنى وليصل علىّ وليقل ذكر الله بخير من ذكرنى.
وقال من صنع اليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء وقال انما جزاء السلف الحمد والاداء وقال صلى الله عليه وسلم لابى أيوب الانصارى وقد تناول من لحيته اذا مسح الله عنك يا أبى أيوب ما تكره لا يكن بك السوء يا أبا أيوب لا يكن بك السوء. وكان صلى الله عليه وسلم (أكبرهمنا) بالموحدة (ما جلس قوم مجلسا الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان من حديث أبي هريرة وأبى سعيد وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وللطبراني في الكبير والبيهقى في الشعب والضياء من حديث سهل بن الحنظلية ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون حتي يقال لهم قوموا فقد غفر الله لكم ذنوبكم وبدل سيئاتكم حسنات (ترة) بكسر الفوقية وتخفيف الراء بوزن سمة والترة النقص وللحاكم الا كانما تفرقوا عن جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة زاد النسائي وابن حبان وما مشى أحدكم ممشا لم يذكر الله فيه الا كان عليه ترة (من رأى مبتلى فقال الى آخره) أخرجه الترمذي من حديث أبى هريرة وقال حسن غريب (من دخل السوق الى آخره) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث عمر بن الخطاب (ورفع له ألف ألف درجة) زاد الترمذى في رواية أخري وبني له بيتا في الجنة وفي بعض رواية الحاكم ان محمد بن واسع أحد رواته قال فاتيت قتيبة بن مسلم فقلت أتيتك بهدية فحدثته بالحديث فكان قتيبة بن مسلم يركب في مركبة حتى يأتى السوق فيقولها ثم ينصرف (وقال اذا طنت اذن أحدكم الي آخره) أخرجه الحكيم وابن السنى والطبراني والعقيلى وابن أبي عدي من حديث أبي رافع والطنين بالطاء المهملة الصوت المسموع من الاذن (وقال من صنع اليه معروف الى آخره) أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان في صححه من حديث اسامة بن زيد وقال الترمذي حسن جيد غريب (فقد ابلغ في الثناء) أى بلغ فيه نهايته (وقال انما جراء السلف الى آخره) أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه من حديث عبد الله بن أبى ربيعة (الحمد) أي الثناء على من أسلفه (والاداء) لفظهم والوفاء (وقال لابي أيوب الى آخره) أخرجه عنه ابن السني (لا يكن بك السوء) هو دعاء بلفظ النهي (وكان

(2/393)


اذا أتى بباكورة ثمر قال اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا بركة مع بركة ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان وفي رواية أنه كان يضعه على عينيه ثم على شفتيه. وكان اذا خاف أن يصيب شيئا بعينيه قال اللهم بارك لنا فيه ولا تضره. وقال اذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه فان العين حق. وقال العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين واذا استغسلتم فاغسلوا قالت عائشة كان يؤمر العائن أن يتوضأ ثم يغسل منه المعين. وقال اذا رأيتم من الطيرة شيء تكرهونه فقولوا اللهم لا يأتى بالحسنات الا أنت ولا يذهب بالسيئات الا أنت ولا حول ولا قوة الا بالله. وكان صلى الله عليه وسلم اذا أتى اليه بمولود أذن في أذنه اليمني وأقام في اليسرى وذلك حين ولادته ووضعه في حجره وحنكه بتمر ودعا له وبرك عليه. وقال صلى الله عليه وسلم لمن قال له رأيت رؤيا خيرا رأيت وخيرا يكون وفي رواية خيرا تلقاه وشرا توقاه وخيرا لنا وشرا على أعدائنا والحمد لله رب العالمين. ولمن رآه يضحك أضحك الله سنك. ولمن رأى عليه ثوبا جديدا تبلى ويخلف الله أبل واخلق ثم أبل واخلق. ولمن قال له غفر الله لك قال ولك فهذه أطراف من أذكار النبي صلى الله عليه وسلم المتفرقة وهي أجل من أن تستوعب أو يحيط بها مكتتب.
[فصل فيما ورد عنه من فضل حلق الذكر والذاكرين الله تعالى]
(فصل) فيما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من فضل حلق الذكر وما لملازميها من عظيم الثواب والغفران ولمجانبيها من الوبال والحرمان. روينا في صحيحى البخارى ومسلم عن أبى اذا أتى) بالبناء للمفعول (بباكورة ثمر الى آخره) أخرجه مسلم والترمذى والنسائي وابن ماجه من حديث أبى هريرة (في ثمرنا) بفتح المثلثة والميم (ولمن رأى عليه ثوبا جديدا الخ) أخرجه البخاري وأبو داود من حديث أم خالد بنت خالد بن أسد واسمها أمة وليس لها في الكتب الستة سوى حديثين أحدهما هذا والثاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر أخرجه البخاري والنسائي (ويخلف الله) بضم أوله رباعى (أبل) بفتح الهمزة وسكون الموحدة (واخلق) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر اللام ثم قاف من اخلاق الثوب وتقطيعه ويروي بالفاء من العوض والبدل (ولمن قال له غفر الله لك قال ولك) أخرجه النسائي من حديث عبد الله بن سرخس ولمسلم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما أو قال ثريدا قال فقلت له استغفرلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم ولك ثم تلى هذه الآية وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ قالوا وليس لعبد الله بن سرخس في مسلم سوي ثلاثة أحاديث أحدها هذا (مكتتب) بفتح الفوقية المكررة.
(فصل) في فضل حلق الذكر (روينا في صحيح البخاري ومسلم) وسنن الترمذى

(2/394)


هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فاذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى ينادوا هلموا الى حاجاتكم فيحفونهم باجنحتهم الى سماء الدنيا فيسئلهم ربهم وهو أعلم بهم ما يقول عبادي قالوا يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك فيقول هل رأونى فيقولون لا والله ما رأوك فيقول كيف لو رأونى قالوا يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد تحميدا وأكثر تسبيحا فيقول فما يسألونى قال يقولون يسئلونك الجنة قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول كيف لو رأوها قال يقولون إنهم لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون قالوا يتعوذون من النار قال فيقول وهل رأوها قال فيقولون لا والله ما رأوها فيقول كيف لو رأوها قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول فأشهدكم انى قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم انما جاء لحاجته قال هم الجلساء لا يشقى جليسهم. وروينا فيهما أيضا عن ابي واقد الحارث بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه اذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فرأي فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم عن الثلاثة أما أحدهم فآوى الى الله. فآواه الله (ان الله تعالى ملائكة) زاد مسلم سيارة فضلا بفتح الفاء والمعجمة وبضمهما وسكون الضاد مع ضم الفاء وفتحها وبضم الفاء وفتح الضاد والمد جمع فاضل ومعناه على جميع الروايات انهم زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم الا حضور حلق الذكر (يلتمسون) لمسلم يتبعون بالمهملة من الاتباع وبالمعجمة من الابتغاء وهو الطلب (فيحفونهم باجنحتهم) أي يدنون أجنحتهم حولهم والتاء للتعدية ولمسلم وحف بعضهم بعضا وروى فيه وحض أى حث على الحضور والاستماع وروى أيضا وحط بالمهملة أى أشار بعضهم على بعض بالانحطاط والنزول (يتعوذون من النار) ولمسلم يستجيرونك من نارك أى يطلبونك الامان منها (فلان ليس منهم) لمسلم فيهم فلان عبد خطاء أي كثير الخطايا (هم القوم لا يشقي) بهم (جليسهم) قال النووى في الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وان لم يشاركهم وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم انتهي قال عياض واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب قال النووي فلت الصحيح انهم يكتبون (فآوي الى الله) بالمد

(2/395)


واما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فاعرض فاعرض الله عنه. وروينا في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدرى وابى هريرة انهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده. وروينا فيه أيضا عن معاوية قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال ما أجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للاسلام ومنّ به علينا قال آلله ما أجلسكم إلا ذاك اما اني لم أستحلفكم تهمة ولكنه اتاني جبريل فاخبرنى ان الله تعالى يباهى بكم الملائكة. وروينا في صحيحهما عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى انا عند ظن عبدى بى وانا معه اذا ذكرنى فان ذكرنى في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرنى في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. وروينا في جامع الترمذى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة قال حلق الذكر فهذا ما ورد في الصحيحين من هذا المعنى.
[مطلب في أذكار منتقاة من الصحاح]
وقد رأيت ان اختم ذلك بخمسة اذكار منتقاة من الصحاح عظيمة الارباح مفصحة يوم القيامة وعودها باليمن والصلاح. أولها لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو (فاستحيا الله منه) أى عامله معاملة المستحيين من اللطف به اذ هو تعالي منزه عن الاستحياء الذى هو رقة الوجه (فاعرض الله عنه) كناية عن غضبه (وروينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد) أخرجه عنهما أيضا الترمذي وابن ماجه وسبق الكلام على هذا الحديث قريبا (وروينا فيه أيضا عن معاوية) أخرجه عنه أيضا الترمذي والنسائي وهو داخل في مسند أبي سعيد (آلله ما اجلسكم الا ذاك) زاد الترمذي بعد قوله صلى الله عليه وسلم آلله ما اجلسنا الا ذاك (تهمة لكم) بضم الفوقية مع فتح الهاء وسكونها واشتقاقها من الوهم والتاء بدل من الواو (ان الله يباهى بكم الملائكة) قال النووى معناه يظهر فضلكم لهم ويريهم حسن عملكم ويثنى عليكم عندهم قال البهاء الحسن والجمال (وروينا في صحيحهما عن أبى هريرة) أخرجه عنه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه (انا عند ظن عبدي بي) معناه ان ظن بي انى ذو رحمة واسعة ومغفرة تامة كنت كذلك بالنسبة اليه وفي ضمن الحديث النهى عن القنوط من رحمة الله (روينا في جامع الترمذي عن ابن عمر) ولاحمد والترمذي في رواية والبيهقي في الشعب عن أنس (قال حلق الذكر) وللطبرانى من حديث ابن عباس قال مجالس العلم وللترمذي من حديث أبي هريرة قال المساجد وزاد قيل وما الرابع قال سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر (لا اله الا الله وحده لا شريك له الى آخره) جاء في الحديث ان من قالها عشر مرات كان كمن اعتق أربعة أنفس من ولد اسماعيل أخرجه الشيخان والترمذى والنسائي من

(2/396)


على كل شيء قدير. ثانيها سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. ثالثها سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. رابعها رب اغفر لى وتب علىّ انك أنت التواب الرحيم. خامسها اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد محيد فهذه الخمسة الاذكار قد جمعت أفضل أنواع التهليل وأفضل أنواع التسبيح ومن أفضل أنواع الاستغفار في اختصار وأخصر كيفيات الصلاة على النبي صلى حديث أبي أيوب خالد بن زيد (سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر) جاء في الحديث ان الله اصطفي من الكلام أربعا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر أخرجه النسائي والحاكم في المستدرك من حديث أبى هريرة وأبى سعيد قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأخرجا أيضا من حديث أبي هريرة انه صلى الله عليه وسلم قال خذوا حسبكم قالوا يا رسول الله من عدو قد حضر قال لا ولكن حسبكم من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر فانهن يأتين يوم القيامة محسنات ومعقبات وهن الباقيات الصالحات قوله محسنات بفتح النون أي مقدمات امامكم وقوله ومعقبات بكسر القاف أى مؤخرات يعقبونكم من ورائكم وأخرج ابن السنى من حديث ابن عباس انهن في ذنب المسلم مثل الاكلة في جنب ابن آدم وأخرج ابن النجار والديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة خير الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت فذكرهن ولمسلم والنسائى وابن ماجه من حديث سمرة بن جندب أحب الكلام الى الله أربع فذكرهن زاد النسائى وهن من القرآن (ولا حول ولا قوة الا بالله) جاء في الحديث انها كنز من كنوز الجنة أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبى موسى وأخرجه النسائي أيضا من حديث أبى هريرة وزاد فيه ولا ملجأ من الله الا اليه قال الخطابي يعنى الكنز في هذا أى وفيما يشبهه من الاحاديث الاخر الذي يحرزه قائله والثواب الذي يدخر له فيه (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) جاء في الحديث انهما كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان الى الرحمن أخرجه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقوله (وبحمده) الواو فيه للحال أي اسبحه تسبيحا متلبسا بحمدى له وقدم التسبيح على التحميد لان التسبيح تنزيه عن صفات النقص والثانى ثناء بصفات الكمال والتخلية بالمعجمة مقدمة على التحلية بالمهملة قال الكرماني التسبيح اشارة الى الصفات السلبية أي التي يجب سلبها عن الله وتنزيهه عنها والحمد اشارة الى الصفات الوجودية أي التى يجب أثباتها له تعالى والثناء عليه بها وكرر في هذا الحديث التسبيح تأكيدا للاعتناء بجميع التنزيه من جهة كثرة المخالفين والواصفين له تعالى بما ليس بلائق في حقه بخلاف صفات الكمال فلا نزاع في ثبوتها له تعالى (رب اغفر لى وتب على انك أنت التواب الرحيم) جاء في الحديث ان كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لى وتب على انك أنت التواب الرحيم أخرجه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر وقال الترمذي حسن صحيح غريب وهذا لفظ أبي داود وللترمذي والنسائي وابن ماجه التواب الغفور وفي أخري للنسائي اغفر لى وارحمنى وتب على انك أنت التواب الغفور

(2/397)


الله عليه وعلى آله وسلم في تمام ولكل منها شرح طويل مما يقطع الحجة فهذه أفضل الاذكار بعد القرآن فينبغي لكل متدين ملازمتها كل يوم واتخاذها وردا يطالب بها نفسه ويأسف عليها ان فاتته وينبغي له أن يأتي بكل ذكر منها مائة مرة وان يأتى بها أول نهاره ليكون له حرزا يقيه يومه وأرجو أن من وفق للعمل بها واثبتت كل يوم في صحيفة أعماله أن يكون ممن لقاه الله اليمن والبركة وجنبه الشؤم والهلكة وغلبت حسناته سيئاته وبالله سبحانه التوفيق.