تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس

الطليعة الاولى فى تعريف النبىّ والرسول
* (الطليعة الاولى من المقدّمة فى تعريف النبى والرسول واولى العزم والخاتم والفرق بينهم وبين البشر والملك وبين النبى والولى والساحر وفى أوّل ما خلق الله وما بدأ من أنواره قبل وجوده الصورى وخلق طينته قبل طينة آدم وحديث صور الانبياء وذكر دلائل نبوّته وعلامات رسالته من بشائر الكتب القديمة والعلماء المتقدّمين وأخبار الجنّ والكهنة) *

(1/6)


قال فى شواهد النبوّة اعلم أن النبى عبارة عن انسان أنزل عليه شريعة من عند الله بطريق الوحى تتضمن تلك الشريعة بيان كيفية تعبده لله تعالى فاذا أمر بتبليغها الى الغير يسمى رسولا* وفى الفتوحات المكية النبى هو الذى يأتيه الملك بالوحى من عند الله يتضمن ذلك الوحى شريعة يتعبد بها فى نفسه فان بعث بها الى غيره كان رسولا* وفى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى النبى انسان بعثه الله الى الخلق لتبليغ ما أوحاه الله اليه والرسول قد يستعمل مراد فاله وقد يختص بمن هو صاحب كتاب فيكون أخص من النبى* وفى أنوار التنزيل الرسول من بعثه الله تعالى بشريعة مجدّدة يدعو الناس اليها والنبى يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بنى اسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ولذلك شبه النبى صلى الله عليه وسلم علماء أمّته بهم حيث قال علماء أمّتى كأنبياء بنى اسرائيل فالنبى أعم من الرسول ويدل عليه أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن الانبياء فقال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قيل- كم الرسل منهم قال ثلثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا* وقيل الرسول من جمع الى المعجزة كتابا منزلا عليه والنبى غير الرسول من لا كتاب له وقيل الرسول من يأتيه الملك بالوحى والنبى يقال له ولمن يوحى اليه فى المنام* وفى العروة الوثقى كل من كان تصرفه فى ظواهر الخلق فهو سلطان وكل من كان تصرفه فى ظواهر الخلق وبواطن المؤمنين به مؤيدا من عند الله مستغنيا بنفسه فى التلقى من ربه عن بشر مثله فهو نبىّ فالنبى سلطان فى الظاهر ولىّ فى الباطن مستغن فى ارشاد الخلق عن بشر مثله فاذا اجتمعت السلطنة والولاية فى شخص واحد انتشر العدل فى الظاهر والباطن ويتم امر معاش الناس ومعادهم على نحو أكمل وأفضل والرسول عامّ يطلق على الملك والبشر والنبى خاص لا يطلق الا على البشر* وفى معالم التنزيل وجملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر كما مر والمذكور فى القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون نبيا* وفى الينابيع روى الكلبى عن كعب الاحبار أن عدد الانبياء ألفا ألف ومائتا ألف وخمسة وعشرون ألفا والرسل ثلثمائة وثلاثة عشر* وفى العمدة لم يبعث الله نبيا من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجنّ ويؤيده قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحى اليهم من أهل القرى وسيجىء الخلاف فى نبوّة النساء فى الباب السابع فى حوادث السنة الخامسة والعشرين من النبوّة* وفى ربيع الابرار للزمخشرى عن فرقد السنجى لم يبعث نبىّ قط من مصر من الامصار وانما بعثوا من القرى لان أهل الامصار أهل السواد والريف وأهل القرى أرق وعن أبى ذرّ الغفارى قال قلت يا رسول الله من أوّل الانبياء قال آدم فقلت أنبىّ مرسل قال نعم ثم قال يا أباذرّ أربعة سريانيون آدم وشيث وأخنوخ وهو ادريس وهو أوّل من خط وخاط ونوح وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أباذرّ وأوّل أنبياء بنى اسرائيل موسى وآخرهم عيسى قلت كم أنزل الله من كتاب قال مائة صحيفة وأربعة كتب على شيث خمسين صحيفة وعلى أخنوخ ثلاثين صحيفة وعلى ابراهيم عشر صحائف وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان ولم يذكر آدم فى هذه الرواية* وفى الينابيع وعلى آدم عشر صحائف ولم يذكر صحف موسى وقال وأنزل التوراة على موسى والزبور على داود والانجيل على عيسى والفرقان على نبيكم* وفى المدارك أنزل التوراة وهى سبعون وقر بعير لم يقرأها كلها الا أربعة موسى ويوشع وعزير وعيسى عليهم السلام* وفى بحر العلوم وعشرين صحيفة على ابراهيم والتوراة على موسى ألف سورة كل سورة ألف آية والانجيل على عيسى والزبور على داود والفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم* وفى الانسان الكامل الزبور لفظة سريانية وهى بمعنى الكتاب فاستعملها العرب حتى أنزل الله تعالى وكل شئ فعلوه فى الزبر أى فى الكتب وأنزل الزبور على داود آيات
مفصلات ولكنه لم يخرجه الى قومه

(1/7)


الاجملة واحدة بعد أن كمل الله نزوله عليه وكان داود ألطف الناس محاورة وأحسنهم شمائل وكان نحيف البدن قصير القامة ذا قوّة شديدة كثير الاطلاع على العلوم المستعملة فى زمانه

مطلب نفيس فى نغمات داود
* وفى العرائس قال وهب وكعب كان داود عليه السلام أحمر الوجه دقيق الساقين سبط الرأس قليل الشعر أبيض الجسم طويل اللحية فيها جعودة حسن الصوت وكان اذا تلا الزبور وقفت الحيوانات حوله من الوحوش والطيور وكان يهلك الناس فى مجلسه من صوته الحسن ونغمته اللذيذة والترجيع والالحان ولم يعط أحد من خلق الله مثل صوته وكان يقرأ الزبور تسعين لحنا لحنة منها يفيق المجنون والمغمى عليه وما صنعت المزامير والعيدان والبرابط وسائر أنواع الاوتار والملاهى الاعلى نغماته وأجناس صوته بتعليم ابليس وعفاريته انتهى كلام العرائس* وفى كتاب طهارة القلوب للشيخ العارف عبد العزيز الديرينى يروى أن داود عليه السلام كان اذا أراد أن ينوح على ذنبه مكث سبعة أيام بلياليها لا يأكل ولا يشرب ولا يقرب النساء ثم يخرج له منبرا الى البرية ثم يأمر سليمان عليه السلام أن ينادى بصوت عال من أراد أن يسمع نوح داود فليأت فتأتى الوحوش من البرارى والآكام وتأتى الهوام من الجبال والطير من الاوكار وتخرج العذارى من خدورهنّ وتجتمع الخلائق لذلك اليوم فيأتى داود فيرقى على المنبر فيحيط به بنو اسرائيل على طبقاتهم وكل صنف من الخلق على حدته وسليمان عليه السلام واقف على قدميه عنده فيأخذ داود فى الثناء على الله تعالى فيضجون بالبكاء والصراخ ثم يأخذ فى ذكر الجنة والنار فيموت خلق كثير من الناس والوحوش والطيور والهوام ثم يأخذ فى أهوال القيامة وينوح على نفسه فيموت من كل صنف طائفة عظيمة فاذا رأى سليمان كثرة الموتى قال يا أبتاه مزقت المستمعين كل ممزق وماتت طائفة من بنى اسرائيل ومن الوحوش والطير والهوام ثم يأخذ فى الدعاء حتى يقع مغشيا عليه فيحمل الى منزله وتكثر الجنائز فى الناس فيقال هذا قتيل ذكر الله تعالى وهذا قتيل خوف الله وهذا قتيل ذكر الجنة وهذا قتيل ذكر النار ثم يدخل داود بيت عبادته ويغلق بابه ويقول يا اله داود أغضبان أنت على داود ولا يزال يناجى ربه حتى يأتى سليمان فيستأذن ويدخل ويقدّم اليه قرصا من شعير ويقول يا أبت تقوّ بهذا على ما تريد فيأكل منه ما شاء الله تعالى ثم يخرج الى بنى اسرائيل وقال يزيد الرقاشى خرج داود مرّة ينوح على نفسه ومعه أربعون ألفا فمات منهم ثلاثون ألفا فما رجع منهم الا عشرة آلاف وكان اذا جاءه الخوف سقط واضطرب حتى يقعد انسان على رجليه وآخر على صدره لئلا تتفرّق أعضاؤه ومفاصله* وفى الانسان الكامل أنزل الله الانجيل على عيسى باللغة السريانية وقرئ على سبعة عشر لغة وأوّل الانجيل

دقبقة فى الاب والام والابن
* باسم الاب والامّ والابن* كما أن أوّل القرآن* بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وأخذ هذا الكلام قومه على ظاهره فظنوا أن الاب والامّ والابن عبارة عن الروح ومريم وعيسى فحينئذ قالوا ثالث ثلاثة ولم يعلموا أن المراد بالاب هو اسم الله وبالامّ كنه الذات المعبر عنها بماهية الحقائق وبالابن الكتاب وهو الوجود المطلق لانه فرع ونتيجة عن ماهية الكنه واليه أشار فى قوله تعالى وعنده امّ الكتاب* وفى أنوار التنزيل ان السبب فى وقوع النصارى فى هذه الضلالة أن أرباب الشرائع المتقدّمة كانوا يطلقون الاب على الله باعتبار أنه السبب الاوّل حتى قالوا ان الاب هو الرب الاصغر والله سبحانه هو الرب الاكبر ثم ظنت الجهلة منهم أن المراد به الولادة فاعتقدوا ذلك تقليدا ولذلك كفر قائله ومنع مطلقا حسما لمادّة الفساد* وعن وهب بن منبه قال ان صحف ابراهيم عليه السلام أنزلت فى أوّل ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة على موسى عليه الصلاة والسلام لست ليال خلون من شهر رمضان بعد صحف ابراهيم بسبعمائة عام وأنزل الزبور على داود عليه الصلاة والسلام لا ثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد التوراة بخمسمائة عام وأنزل الانجيل على عيسى عليه الصلاة

(1/8)


والسلام لثلاث عشر على ما فى الكشاف وقيل لثمان عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بألف عام ومائتى عام وأنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم لاربع وعشرين أو سبع وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان بعد الانجيل بستمائة عام وعشرين عاما واختلف فى كيفية انزاله على ثلاثة أقوال أحدها أنه نزل جملة واحدة فى ليلة القدر من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا وأملاه جبريل على السفرة ثم كان ينزل بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما فى عشرين سنة أو فى ثلاث وعشرين سنة أو خمس وعشرين سنة على حسب الاختلاف فى مدّة اقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوّة فقيل عشر وقيل ثلاثة عشر وقيل خمسة عشر ولم يختلف فى مدّة اقامته بالمدينة انها عشر واختلفوا فى وقت ليلة القدر فأكثرهم على انها فى شهر رمضان فى العشر الاواخر فى أوتارها وأكثر الاقوال انها السابعة منها كذا فى الكشاف وهذا أى القول الاوّل أشهر وأصح واليه ذهب الاكثرون ويؤيده ما رواه الحاكم فى مستدركه عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة الى السماء الدنيا فى ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك فى عشرين سنة قال الحاكم صح على شرط الشيخين* وأخرج النسائى فى تفسيره من جهة حسان بن أبى الاشرس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فصل القرآن من الذكر أى أمّ الكتاب وهو اللوح الى بيت العزة فى السماء الدنيا جملة واحدة واسناده صحيح وحسان بن أبى الاشرس وثقه النسائى وغيره* والقول الثانى انه نزل الى السماء الدنيا فى عشرين ليلة قدر من عشرين سنة وقيل فى ثلاث وعشرين ليلة قدر من ثلاث وعشرين سنة وقيل فى خمس وعشرين ليلة قدر من خمس وعشرين سنة نزل فى كل ليلة قدر انزاله فى كل سنة ثم ينزل بعد ذلك منجما فى جميع السنة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا معنى قول بعض العلماء كان ينزل من القرآن فى كل ليلة قدر من السنة الى السنة ما يكفيه الى مثلها من القابل وكان جبريل ينزل فى ليلة القدر من السماء السابعة الى بيت العزة فى السماء الدنيا ثم ينزل عليه من السماء الدنيا بحسب المصالح والوقائع الى ليلة القدر من قابل واذا كان ليلة القدر من قابل أنزل عليه مثل ما أنزل فى ليلة القدر التى قبلها وبهذا أى بالقول الثانى قال مقاتل والامام أبو عبد الله الحليمى فى المنهاج والماوردى فى تفسيره* والقول الثالث أنه ابتدئ انزاله فى ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما فى أوقات مختلفة من سائر الاوقات وبهذا أى بالقول الثالث قال الشعبى وغيره* واعلم أنه اتفق أهل السنة على أن كلام الله منزل واختلفوا فى معنى الانزال فقيل معناه اظهار القرآن وقيل ان الله أفهم كلامه جبريل وهو فى السماء وهو عال من المكان وعلمه قراءته ثم جبريل أدّاه فى الارض وهو يهبط فى المكان وذكر النيسابورى فى تفسيره كلم الله جبريل بالقرآن فى ليلة واحدة وهى ليلة القدر فسمعه جبريل وحفظه بقلبه وجاء به الى السماء الدنيا الى الكتبة فكتبوه ثم نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالنجوم أى الاوقات قال الزركشى فى البرهان فى التنزيل طريقان أحدهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية الى صورة الملكية وأخذه من جبريل والثانى أن الملك انخلع الى البشرية حتى يأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه والاوّل أصعب الحالين ونقل بعضهم عن السمرقندى حكاية ثلاثة أقوال فى أن المنزل على النبى صلى الله عليه وسلم ما هو أحدها أنه اللفظ والمعنى وان جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به وذكر بعضهم أن احرف القرآن فى اللوح المحفوظ كل حرف منها بقدر جبل قاف وان تحت كل حرف معان لا يحيط بها الا الله وهذا معنى قول الغزالى ان هذه الاحرف سترة لمعانيه والثانى أنه انما نزل جبريل عليه الصلاة والسلام بالمعانى خاصة وأنه صلى الله عليه وسلم علم تلك المعانى وعبر عنها بلغة العرب وانما تمسكوا بقوله تعالى نزل به الروح الامين على قلبك والقول
الثالث أن جبريل عليه السلام انما ألقى عليه المعنى وانه عبر بهذه الالفاظ

(1/9)


بلغة العرب وان أهل السماء يقرؤنه بالعربية ثم انه نزل به كذلك قيل السرّ فى انزاله حملة الى السماء الدنيا التفخيم لامره وأمر من نزل عليه وذلك باعلام سكان السموات السبع ان هذا آخر الكتب المنزلة منزل على خاتم الرسل لا شرف الامم ولقد صرفناه اليهم لينزله عليهم ولولا الحكمة الالهية اقتضت نزوله منجما بسبب الوقائع لاهبط الى الارض جملة فان قيل فى أى زمان نزل جملة الى السماء الدنيا بعد ظهور بنوّة محمد صلى الله عليه وسلم أم قبلها قلت قال الشيخ أبو شامة الظاهر أنه قبلها وكلاهما محتمل قيل ان ليلة القدر مما منحه الله محمدا صلى الله عليه وسلم واختص به بعد ظهور نبوّته فكيف يمكن نزوله قبل ذلك* وفى بحر العلوم للشيخ نجم الدين عمر النسفى وكتاب البرهان لابى عبد الله محمد بن عبد الله الزركشى قال الامام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة ابتداء ووسطا وانتهاء وترتيب ما نزل بالمدينة كذلك وما اختلفوا فيه فقال بعضهم هو مكى وقال بعضهم هو مدنى وما نزل مرتين وما نزل بمكة وحكمه مدنى وما نزل بالمدينة وحكمه مكى وما نزل بمكة فى أهل المدينة وما نزل بالمدينة فى أهل مكة وما يشبه نزول المكى فى المدنية وما يشبه نزول المدنى فى المكية وما نزل بالجحفة وما نزل ببيت المقدس وما نزل بالطائف وما نزل بالحديبية وما نزل ليلا وما نزل نهارا وما نزل شتاء وما نزل صيفا وما نزل مشيعا وما نزل مفردا والآيات المدنيات فى السور المكية والآيات المكيات فى السور المدنيات وما حمل من مكة الى المدينة وما حمل من المدينة الى مكة وما حمل من المدينة الى أرض الحبشة وما نزل مجملا وما نزل مفسرا وما نزل مرموزا وما هو ناسخ وما هو منسوخ فهذه ثلاثون وجها من لم يعرفها ولم يميز بينها لم يحل له أن يتكلم فى كتاب الله*

(ذكر ترتيب ما نزل بمكة)
* روى عن الحسين بن واقد أنه قال أوّل ما نزل من القرآن بمكة اقرأ باسم ربك وقيل أوّل ما نزل سورة الفاتحة كذا فى البرهان وهو ضعيف وفى رواية أورد نزول الفاتحة بعد يأيها المدّثر ثم ن والقلم ثم يأيها المزمّل ثم يأيها المدّثر ثم تبت يدا أبى لهب ثم اذا الشمس كوّرت ثم سبح اسم ربك الاعلى ثم والليل اذا يغشى ثم والفجر ثم والضحى ثم ألم نشرح ثم والعصر ثم والعاديات ثم انا أعطيناك الكوثر ثم ألها كم التكاثر ثم أرأيت الذى يكذب بالدين ثم قل يأيها الكافرون ثم سورة الفيل ثم الفلق ثم قل أعوذ برب الناس ثم قل هو الله أحد ثم والنجم اذا هوى ثم عبس وتولى ثم انا أنزلناه ثم والشمس وضحاها ثم والسماء ذات البروج ثم والتين والزيتون ثم لا يلاف قريش ثم القارعة ثم لا أقسم بيوم القيامة ثم الهمزة ثم والمرسلات ثم ق والقرآن المجيد ثم لا أقسم بهذا البلد ثم الطارق ثم اقتربت الساعة ثم ص والقرآن ثم الاعراف ثم الجنّ ثم يس ثم الفرقان ثم الملائكة ثم مريم ثم طه ثم الواقعة ثم الشعراء ثم النمل ثم القصص ثم بنو اسرائيل ثم يونس ثم هود ثم يوسف ثم الحجر ثم الانعام ثم والصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم المؤمن ثم حم السجدة ثم حم عسق ثم حم الزخرف ثم حم الدخان ثم حم الجاثية ثم حم الاحقاف ثم والذاريات ثم الغاشية ثم الكهف ثم النحل ثم نوح ثم ابراهيم ثم الانبياء ثم المؤمنون ثم الم تنزيل السجدة ثم الطور ثم الملك ثم الحاقة ثم سأل سائل ثم عم يتساءلون ثم والنازعات ثم اذا السماء انفطرت ثم اذا السماء انشقت ثم الروم* واختلفوا فى آخر ما نزل بمكة قال ابن عباس العنكبوت وقال الضحاك وعطاء المؤمنون وقال مجاهد ويل للمطففين فهذا ترتيب ما نزل من القرآن بمكة وعليه استقرّت الرواية من الثقات وهى خمس وثمانون سورة كذا فى بحر العلوم للنسفى والبرهان للزركشى*

(ذكر ترتيب ما نزل بالمدينة)
* وأوّل ما نزل بالمدينة سورة البقرة ثم الانفال ثم آل عمران ثم الاحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ثم اذا زلزلت ثم الحديد ثم سورة محمد صلى الله عليه وسلم ثم الرعد ثم الرحمن ثم هل أتى على الانسان ثم الطلاق ثم لم يكن ثم الحشر ثم اذا جاء نصر الله ثم النور ثم الحج

(1/10)


ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الصف ثم الجمعة ثم التغابن ثم الفتح ثم التوبة ثم المائدة ومنهم من يقدّم المائدة على التوبة وقرأ النبى صلى الله عليه وسلم سورة المائدة فى خطبته يوم حجة الوداع فقال أيها الناس ان آخر القرآن نزولا سورة المائدة فأحلوا حلالها وحرّموا حرامها*

(ذكر ما اختلفوا فيه)
* اختلفوا فى ويل للمطففين قال ابن عباس هى مدنية وقال عطاء هى آخر ما نزل بمكة كما مرّ وقال قتادة سورة المزمّل مدنية وقال الباقون هى مكية واختلفوا فى الفاتحة وسيجىء بيانه فهذا ترتيب ما نزل بالمدينة وهى تسع وعشرون سورة فجميع ما نزل بمكة خمس وثمانون سورة كما مرّ وجميع ما نزل بالمدينة تسع وعشرون سورة على اختلاف الروايات وقال علقمة والحسن ما فى القرآن يأيها الناس فهو مكى وما فيه يأيها الذين آمنوا فهو مدنى وقال نجم الدين عمر النسفى فى بحر العلوم اختلفوا فى فاتحة الكتاب انها مكية أو مدنية أو مكية ومدنية معا على ثلاثة أقوال قال على وابن عباس وأبىّ بن كعب ومقاتل وقتادة فى جماعة آخرين انها مكية وقال مجاهد انها مدنية وذكر الحسين بن الفضل البجلى والثعالبى ان مجاهدا انفرد بالقول انها مدنية*

(ذكر ما نزل مرّتين)
قال بعضهم ان الفاتحة نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حوّلت القبلة وقد صح أنها مكية لقوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم وهو مكى كذا فى أنوار التنزيل ولتثنية نزولها سميت مثانى وهو نظير قوله تعالى أليس الله بكاف عبده وهو النبىّ صلى الله عليه وسلم وهذه الكفاية فى حقه انه دفع عنه مكر الكفار كما قال واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك الآية ونزلت هذه الآية مرة أخرى فى شأن خالد بن الوليد حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لتحريق الشجرة التى كانت العرب يزعمون أن فيها عزى فخوّفه الكفار منها وكانوا يقولون يا عزى خبليه وجننيه فجاء وقلعها وحرقها وخرجت عزى فقتلها وقال عليه السلام تلك العزى ولن تعبد أبدا* وأما ما نزل بمكة وحكمه مدنى فمنها قوله فى الحجرات يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية نزلت بمكة يوم فتحها وهى مدنية لانها نزلت بعد الهجرة ومنها قوله فى المائدة اليوم أكملت لكم دينكم الى قوله الخاسرين نزلت يوم الجمعة والناس وقوف بعرفات فبركت ناقته من هيبة القرآن وسورة المائدة مدنية لنزولها بعد الهجرة وهى عدّة آيات* وأما ما نزل بالمدينة وحكمه مكى فمنها قوله تعالى فى الممتحنة يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّى وعدوّكم أولياء وهى قصة حاطب بن أبى بلتعة وسارة والكتاب الذى دفعه الى سارة يخاطب أهل مكة ومنها قوله تعالى فى سورة النحل والذين هاجروا فى الله من بعد ما ظلموا الى قوله ويفعلون ما يؤمرون* وفى البرهان الى آخر السورة مدنيات يخاطب بها أهل مكة ومنها سورة الرعد يخاطب بها أهل مكة وهى مدنية ومن أوّل براءة الى قوله انما المشركون نجس خطاب لمشركى مكة وهى مدنية فهذا الذى ذكرناه من كلا القسمين من جملة ما نزل بمكة فى أهل المدينة وحكمه مدنى وما نزل بالمدينة فى أهل مكة وحكمه مكى* وأما ما يشبه تنزيل المدنية فى السور المكية فمن ذلك قوله تعالى فى سورة النجم الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم كبائر الاثم يعنى كل ذنب عاقبته النار والفواحش يعنى كل ذنب فيه الحدّ الا اللمم وهو ما بين الحدّين من الذنوب نزلت فى تيهان والمرأة التى راودها عن نفسها فأبت واستقرّت الرواية بما قلنا والدليل على صحته أنه لم يكن بمكة حدّ ولا زجر ومنها قوله تعالى فى هود وأقم الصلاة طرفى النهار الآية نزلت فى أبى مقبل الحسين بن عمير بن قبيس والمرأة التى اشترت برّا فراودها* وأما ما يشبه تنزيل مكة فى السور المدنية فمن ذلك قوله تعالى فى الانبياء لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا نزلت فى نصارى نجران السيد والعاقب ومنها سورة والعاديات ضبحا فى رواية الحسين بن واقد ومنها قوله تعالى فى سورة الانفال واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق الآية* وأما ما نزل بالححفة فقوله تعالى فى سورة

(1/11)


القصص ان الذى فرض عليك القرآن لرادّك الى معاد نزلت بالجحفة فى طريق المدينة والنبىّ صلى الله عليه وسلم مهاجر* وأما ما نزل ببيت المقدس فقوله تعالى فى سورة الزخرف واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون نزلت ببيت المقدس فى ليلة أسرى به* وفى الكشاف قيل ان النبى صلى الله عليه وسلم جمع له الانبياء ليلة الاسراء فى بيت المقدس وأمّهم وقيل له سلهم فلم يشك ولم يسأل* وفى الينابيع سمع النبى صلى الله عليه وسلم آمن الرسول مع الآية التى بعدها ليلة المعراج من الحق تعالى بلا واسطة* وأما ما نزل بالطائف فقوله عز وجل فى الفرقان ألم تر الى ربك كيف مدّ الظل الآية وفى اذا السماء انشقت بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم يعنى كفار مكة* وأما ما نزل بالحديبية حين صالح النبى صلى الله عليه وسلم أهل مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو ما نعرف الرحمن ولو علمنا أنك رسول الله لتابعناك فأنزل الله تعالى وهم يكفرون بالرحمن الى قوله متاب* وفى الينابيع قوله بل الذين كفروا يكذبون الآية وقوله وهم يكفرون بالرحمن فى سورة الرعد نزلتا بالحديبية فى حق الصلح* وأما ما نزل ليلا فقوله فى أوّل سورة الحج يأيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم نزلت ليلا فى غزوة بنى المصطلق وهم حىّ من خزاعة والناس يسيرون فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة ومنها قوله تعالى فى المائدة والله يعصمك من الناس وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحرسه أصحابه كل ليلة فى غزوة والنبى صلى الله عليه وسلم فى خيمة من أدم فبات على باب الخيمة حذيفة وسعد فى آخرين فلما أن كان بعد هزيع من الليل أنزل الله عليه الآية فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الخيمة* وفى البرهان أخرج رأسه من الخيمة وقال يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنى الله تعالى* ومنها قوله تعالى انك لا تهدى من أحببت قالت عائشة رضى الله عنها نزلت هذه الآية وأنا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى اللحاف ومنها ما نزل ليلة المعراج وهو قوله تعالى آمن الرسول مع الآية التى بعدها سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج كما مرّ من رواية الينابيع ونزل عليه أكثر القرآن نهارا* وأما ما نزل فى الشتاء وما نزل فى الصيف فقد ذكر العلماء ان آية الكلالة فى أوائل سورة النساء نزلت فى الشتاء وان الآية التى فى آخرها نزلت فى الصيف* وأما ما نزل مشيعا فالفاتحة نزلت ومعها ثمانون ألف ملك وفى رواية سبعمائة ألف ملك طبقوا ما بين السماء والارض لهم زجل بالتسبيح فقال النبى صلى الله عليه وسلم سبحان الله وخرّسا جدا ومنها سورة الانعام نزلت جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد وكذا فى الكشاف وزاد فى البرهان طبقوا ما بين السماء والارض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله وخرّسا جدا* وقال الزركشى قد روى ما يخالفه فروى أنها لم تنزل جملة واحدة بل نزل منها آيات بالمدينة اختلفوا فى عددها فقيل ثلاث وهى قوله تعالى قل تعالوا الى آخر الآيات الثلاث وقيل ست آيات وقيل غير ذلك وسائرها نزل بمكة ونزلت آية الكرسى ومعها ثلاثون ألف ملك ونزلت سورة يس ومعها ثلاثون ألف ملك ونزلت واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ومعها عشرون ألف ملك* وذكر الامام أحمد فى مسنده من حديث معقل بن يسار أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا ورواه الطبرانى أيضا كذا فى البرهان وسائر القرآن نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام مفردا بلا تشييع* وأما الآيات المدنيات فى السور المكية فمنها سورة الانعام وهى كلها مكية خلاست آيات استقرّت بذلك الروايات وما قدروا الله حق قدره الآية نزلت فى مالك بن الصيف من أحبار اليهود ورؤسائهم والثانية والثالثة ومن أظلم
ممن افترى على الله كذبا أو قال

(1/12)


أوحى الىّ ولم يوح اليه شىء* فى الكشاف هو مسيلمة الحنيفى الكذاب أو كذاب صنعاء الاسود العنسى ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله هو عبد الله بن سعد بن أبى سرح القرشى أخو عثمان من الرضاعة وثلاث آيات من أواخرها قل تعالوا الى قوله تتقون ومنها سورة الاعراف كلها مكية خلا ثمان آيات واسألهم عن القرية الى قوله واذنتقنا الجبل فوقهم الآية ومنها سورة ابراهيم مكية غير آيتين نزلتا فى قتلى بدر وهما قوله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً الآيتين ومنها سورة النحل مكية الى قوله تعالى وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ والباقى مدنيات ومنها سورة بنى اسرائيل مكية غير قوله تعالى وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يعنى ثقيفا وغير قوله تعالى وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الآية ومنها سورة الكهف مكية غير قوله تعالى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ نزلت فى سلمان الفارسى ومنها سورة القصص مكية غير آية وهى قوله تعالى وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى الانجيل من قبله هم به يؤمنون يعنى بالفرقان نزلت فى أربعين رجلا من مؤمنى أهل الكتاب قدموا من الحبشة مع جعفر بن أبى طالب فأسلموا ومنها سورة الزمر مكية غير قوله تعالى قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
الآية ومنها الحواميم كلها مكيات غير قوله تعالى فى الاحقاف قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآية نزلت فى عبد الله ابن سلام ومنها سورة النجم مكية الا قوله تعالى أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى الآية ومنها سورة أرأيت الذى مكية غير قوله فويل للمصلين فانها مدنية كذا قال مقاتل بن سليمان وأما الآيات المكيات فى السور المدنية فمنها قوله تعالى فى الانفال وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ يعنى أهل مكة حتى تخرج من بين أظهرهم ومنها سورة التوبة مدنية غير آيتين لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ الى آخر السورة ومنها سورة الرعد مدنية غير قوله تعالى وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الى جميعا ومنها سورة الحج مدنية غير أربع آيات مكيات وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ الى قوله عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ* وأما ما حمل من مكة الى المدينة فاوّل سورة حملت من مكة الى المدينة سورة يوسف انطلق بها عوف بن عفراء فى الثمانية الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأسلموا وهو أوّل من أسلم من الانصار ثم حمل بعدها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ الى آخرها ثم حمل بعدها الآية التى فى الاعراف قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الى قوله يهتدون فأسلم عليها طوائف من أهل المدينة* وأما ما حمل من المدينة الى مكة فمن ذلك قوله فى البقرة يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه نزلت فى سرية عبد الله بن جحش وقتل ابن الحضرمى ثم حملت آية الربا من المدينة الى مكة فى حضور ثقيف وبنى المغيرة الى عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة فقرأها عتاب عليهم وهى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذروا ما بقى من الربا فأقرّوا بتحريمه وتابوا وأخذروا رأس المال ثم حملت تسع آيات من سورة براءة من أوّلها قرأها علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه يوم النحر على الناس ثم حملت من المدينة الى مكة الآية التى فى النساء وهى قوله الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الى قوله عفوّا غفورا* وأما ما حمل من المدينة الى أرض الحبشة فهى ست آيات بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جعفر بن أبى طالب فى خصومة الرهبان والقسيسين يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم فأسلم النجاشى وأسلموا* وأما المجمل فكقوله وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وافعلوا الخير وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً* وأما المفسر فكقوله واضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ انطاكية إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ أصحاب عيسى إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ناروض وماروض فكذبوهما فعززنا بثالث شمعون الصفاقصة اصحاب القرية ومثلهم مشتملة على المثلين المثل الثانى وهو قوله إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ الى آخره بيان وتفسير للاوّل وهو قوله إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ الى آخرها كذا فى الكشاف وقوله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الآية قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الآيات وقوله الله الصمد وفسره بما بعده وقوله خلق هلوعا

(1/13)


وفسره بما بعده* وأما المرموز فكقوله طه يس وقالوا فى طه بأقاويل قيل خاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا طه وقيل معناه يا رجل وقيل يا بدر وقيل يا طامسا للاشرار يا هاجدا بالاسحار وياسين يا سيد المرسلين وقيل أى يسرنا لك ولامّتك الكتاب المبين وأثبتنا رسالتك بالشهادة واليمين قد كفى بالله شهيدا انك سيد المرسلين فيكن من الشاكرين وقل الحمد لله رب العالمين*

وأما الناسخ والمنسوخ
ففى أنوار التنزيل نسخ الآية بيان انتهاء التعبد بقراءتها أو الحكم المستفاد منها أو بهما جميعا فما نسخت تلاوته ما قال أنس أنزل الله فى الذين قتلوا يوم بئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد وهو بلغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه وفى رواية عنه وأرضانا ومما نسخت تلاوته وبقى حكمه فيعمل به اذ تلقته الامّة بالقبول ما روى أنه كان فى سورة النور الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عليم حكيم ولهذا قال عمر لولا أن يقول الناس زاد عمر فى كتاب الله لكتبتها بيدى رواه البيهقى وأصله فى الصحيحين ومنه قراءة ابن مسعود فى كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات بزيادة متتابعات وقراءة ابن عباس فى السرقة فاقطعوا أيمانهما مكان أيديهما نسخت تلاوتهما فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم بصرف القلوب عن حفظهما الاقلوب ذينك الروايين أو بالانساء كذا قاله فخر الاسلام* ومما نسخ حكمه وبقيت تلاوته قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية نسخ حكمه وهو جواز الفطر مع اعطاء الفدية ومنه قوله تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ومنه قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ من بعد فانه منسوخ بما روت عائشة رضى الله عنها أن النبىّ صلى الله عليه وسلم أخبر أباها بأن الله تعالى أباح له من النساء ما شاء* وفى الكشاف عن عائشة رضى الله عنها ما مات النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء يعنى ان الآية قد نسخت ولا يخلو نسخها اما أن يكون بالسنة واما بقوله انا أحللنا لك أزواجك وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف وقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فانه نسخ بقوله عليه الصلاة والسلام لا تقتلوا أهل الذمّة وهذان القسمان من قبيل نسخ الكتاب بالسنة كما سيجىء ومما نسخت تلاوته وحكمه معا ما نسخ فى حيات النبىّ صلى الله عليه وسلم بالانساء ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرّ من فنسخن بخمس معلومات* قال الشيخ جلال الدين الدوانى اختلف المسلمون فى جواز نسخ بعض آيات القرآن بعد اتفاقهم قاطبة على أنه لا يجوز نسخ جميع القرآن وذهب بعض الاصوليين كأبى مسلم الاصفهانى وجماعة من الصوفية الى أنه ليس فى شئ من آيات القرآن منسوخ أصلا وذهب آخرون الى أن النسخ واقع فى بعض آيات القرآن وجعلوا المنسوخ منها ثلاثة أقسام* الاوّل ما نسخ تلاوته وبقى حكمه ان كان له حكم والثانى عكسه والثالث ما نسخنا جميعا كما مرّ أمثلتها واعلم أن النسخ كما يكون فى الكتاب يكون فى السنة أيضا مثال نسخ السنة بالسنة قوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألافزوروها وفى رواية فانها تذكر الموت ومثال نسخ السنة بالكتاب نسخ التوجه الى بيت المقدس فانه صلى الله عليه وسلم كان بمكة متوجها الى الكعبة ثم تحوّل بوجهه الى بيت المقدس بالمدينة ثم نسخ بقوله تعالى فولّ وجهك شطر المسجد الحرام ومثال نسخ الكتاب بالسنة ما مرّ من رواية عائشة فى اباحة ما شاء من النساء ومن النهى عن قتل أهل الذمّة قال الشيخ جلال الدين الدوانى رأيت فى بعض التفاسير ان قوله وامسحوا برؤسكم وأرجلكم من هذا القبيل فانه نسخ بالسنة المتواترة فى وجوب الغسل فى الرجلين*

وأوّل من تتبع القرآن وجمعه
فى زمن أبى بكر رضى الله عنه زيد بن ثابت الانصارى تتبع القرآن وجمعه من العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال حتى وجد آخر التوبة لقد جاءكم مع خزيمة الانصارى ذى الشهادتين لم يجدها مع أحد غيره فألحقها فى سورتها وكانت الصحف عند أبى بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى قبض ثم عند حفصة بنت عمر

(1/14)


والعسب بضم المهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهى جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتسبون فى الطرف العريض وقيل العسب طرف الجريدة العريض الذى لم ينبت عليه الخوص والذى ينبت عليه الخوص السعف والرقاع جمع رقعة وقد يكون من جلد أورق أو كاغد وفى رواية وقطع الاديم واللخاف بكسر اللام ثم خاء معجمة خفيفة وآخره فاء جمع لخفة بفتح اللام وسكون المعجمة وفى رواية واللخف بضمتين وآخره فاء قال أبو داود وهى الحجارة الرقاق قال الخطابى صفائح الحجارة الرقاق قال الاصمعى فيها عرض ورقة وفسره ابن حجر بالخزف بفتح المعجمة والزاى وهى الآنية التى تصنع من الطين المشوى وفى رواية قال زيد فقدنا آية من الاحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها لم أجدها مع أحد الا مع خزيمة الانصارى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فألحقناها فى سورتها وخزيمة هو ذو الشهادتين روى البخارى فى صحيحه عن أنس أن حذيفة قدم على عثمان وكان يغازى أهل الشأم فى فتح ارمينية واذربيجان مع أهل العراق وأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة وقال لعثمان أدرك هذه الامّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان الى حفصة أن أرسلى الينا الصحف ننسخها فى المصاحف ثم نردّها اليك فأرسلت اليه فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فى المصاحف وقال عثمان لرهط القرشيين الثلاثة اذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فانما نزل بلسانهم ففعلوا حتى اذا نسخوا الصحف فى المصاحف ردّ عثمان الصحف الى حفصة فأرسل فى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أو مصحف أن يحرق* واعلم أنه قد اشتهر أن عثمان أوّل من جمع المصاحف وليس كذلك بل أوّل من جمعها فى مصحف واحد أبو بكر الصدّيق ثم أمر عثمان حين خاف الاختلاف فى القراءة بتحويله منها الى المصاحف هكذا نقله البيهقى كذا فى البرهان

ذكر اللغات التى نزل بها كلام الله
يقال اللغات التى نزل بها كلام الله العربية والعبرانية والسريانية القرآن نزل باللغة العربية والتوراة بالعبرانية والزبور والانجيل بالسريانية كذا فى الانسان الكامل يعنى ان الانجيل بالسريانية وفى صحيح البخارى فى قصة ورقة بن نوفل أنه تنصرفى الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبرانى يكتب من الانجيل بالعربية فيفهم منه أن الانجيل كان بالعبرانية وفى رواية الزبور باللغة العبرانية وهو مائة وخمسون سورة فاذا عبر عن كلام الله بالعربية يسمى قرآنا وان عبر بالعبرانية يسمى توراة واذا عبر بالسريانية يسمى زبورا وانجيلا وهذه العبارات جميعها كلام الله تعالى من غير خلاف بين العلماء لانها يفهم منها ما يفهم من كلام الله الذى هو قائم بالنفس وهو مدلول هذه العبارات فان العلماء أجمعوا على أن المحفوظ فى الصدور والمقروء بالالسن والمكتوب فى المصاحف يقال له كلام الله*

مطلب أولو العزم
وأما أولو العزم من الرسل فهم الذين كانوا مأمورين بقتال الكفار وجهاد الفجار بعد تبليغ الرسالة اليهم بخلاف النبوّة والرسالة فان الجهاد ليس بشرط فيهما كما كان فى أوائل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم حيث كان يوحى اليه تارة ان عليك الا البلاغ ووقتا يخاطب بقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وفى الاواخر صار مأمورا بالقتال والجهاد قال الله تعالى قاتلوا المشركين كافة فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم* وفى الكشاف أولو العزم أولو الجدّ والثبات والصبر قيل هم نوح وابراهيم ويعقوب ويوسف وأيوب وموسى وداود وعيسى عليهم الصلاة والسلام* وفى المدارك المراد من أولى العزم ما ذكر فى الاحزاب واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم* وفى عمدة المعانى أولو العزم هم أصحاب الشرائع وقيل هم نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وقيل ثمانية عشر نبيا ذكروا فى الانعام فى ثلاث أو أربع آيات متواليات

(1/15)


* وأما الخاتم فهو الذى جمع فيه معنى النبوّة والرسالة وأولو العزمية ولا يبعث بعده نبىّ ولا ينسخ دينه وشرعه بل يبقى مؤبدا مخلدا* وفى العروة الوثقى كل من كان من أولى العزم مرسل اليهم والخاتم الامىّ هو النبىّ المرسل اليهم سيد أولى العزم بحيث لو كان موسى حيا لما وسعه الا اتباعه ويقتدى عيسى بعد نزوله بامام من أمّته*

الفرق بين البشر والملك
وأما الفرق بين البشر والملك فقد قال النسفى فى عقائده رسل البشر أفضل من رسل الملائكة ورسل الملائكة أفضل من عامّة البشر وعامّة البشر أفضل من عامّة الملائكة واتفق العلماء على أن الانبياء عليهم الصلاة والسلام أفضل من جميع البشر ولا يبلغ أحد من الاولياء والصدّيقين درجات الانبياء وان كانوا فى أعالى مراتبهم قال أبو يزيد البسطامى قدّس الله سرّه آخر نهايات الصدّيقين أوّل أحوال الانبياء وقال ابن عطاء الله أدنى مراتب المرسلين أعلى مراتب الانبياء وأدنى مراتب الانبياء أعلى مراتب الصدّيقين وأدنى مراتب الصدّيقين أعلى مراتب الشهداء وأدنى مراتب الشهداء أعلى مراتب الصالحين وأدنى مراتب الصالحين أعلى مراتب المؤمنين*

مطلب نفيس في قولهم أن الولاية أفضل من النبوّة
فما نقل عن بعض الاولياء من أن الولاية أفضل من النبوّة فمبنىّ على أن للنبىّ جهتين احداهما جهة الولاية التى هى باطن النبوّة وثانيتهما جهة النبوّة التى هى ظاهر الولاية فالنبىّ بجهة الولاية يأخذ الفيض والعلى من الله تعالى وبجهة النبوّة تبليغة للخلق ولا شك فى أن الوجه الذى الى الحق أشرف وأفضل من الوجه الذى الى الخلق فالمراد أن جهة ولاية نبىّ أفضل من جهة نبوّته وهو من حيث انه ولىّ أفضل من حيث انه نبىّ لا أن ولاية ولىّ تابع أفضل من نبوّة نبىّ متبوع حتى يلزم أن يكون الولىّ أفضل من النبىّ كما يتوهم القاصرون فان مرتبة الولاية حاصلة للنبىّ على وجه أكمل من ولاية الولىّ مع أمر زائد وهو مرتبة النبوّة فكل نبىّ ولىّ من غير عكس* وما وقع فى كلام محمد بن على الحكيم الترمذى وذهب اليه الشيخ سعد الدين الحموى أيضا من أن نهاية الانبياء بداية الاولياء فالمراد منه أن نهاية الانبياء فى الشرائع بداية الاولياء فيها ولما كانت شرائع الانبياء تتم وتكمل فى أواخر أحوالهم كما ان نبينا صلى الله عليه وسلم فى أواخر أمره قيل له اليوم أكملت لكم دينكم والولىّ ما لم يأخذ الشريعة بكمالها لم يكن له الشروع فى الولاية فان ما هو للنبىّ فى التشريع فى أواخر الامر للولىّ فى أوّله ولو أن أحدا مثلا سلك جميع الاحكام النازلة بمكة ولم يلتفت الى الاحكام النازلة بالمدينة لن ينال مرتبة الولاية بل لو أنكر لكفر فبداية الولاية أن يقبل الشريعة التى هى نهاية أمر النبىّ كذا فى شواهد النبوّة* وفى العروة الوثقى ولا بدّ فى كل حين من مرشد يرشد الخلق خلافة عن النبىّ ولا بدّ للمرشد من التأييد الالهى ليتمكن له تسخير المسترشدين وافادة المستفيدين وتعليم المتعلمين وهو العالم الولى الشيخ والى هذا السرّ أشار النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال الشيخ فى قومه كالنبىّ فى أمّته والشيخ ينبغى أن يكون وليا لله والولىّ لا بدّ أن يكون عالما لان الله ما اتخذ وليا جاهلا قط*

الفرق بين النبىّ والولىّ والساحر
وأما الفرق بين النبىّ والولىّ والساحر أن النبىّ يتحدّى الخلق بالمعجزة ويستعجزهم على الاتيان بمثلها ويخبرهم عن الله تعالى بخرق العادة بها لتصديقه ولو كان كاذبا لم تنخرق العادة على يديه ولو خرقها الله على يد كاذب لخرقها على أيدى المعارضين للانبياء وأما الولىّ والساحر فلا يتحدّيان الخلق ولا يستدلان على نبوّة ولو ادّعيا شيئا من ذلك لم تنخرق العادة لهما وأما الفرق بين الولىّ والساحر فمن وجهين أحدهما وهو المشهور اجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر الاعلى يد فاسق والكرامة لا تظهر الا على يدولىّ ولا تظهر على يد فاسق وبهذا جزم امام الحرمين وأبو سعيد المتولى وغيرهما والثانى أن السحر يكون ناشئا بفعل ومزج ومعاناة وعلاج والكرامة لا تفتقر الى ذلك وفى كثير من الاوقات يقع ذلك اتفاقا من غير أن يستدعيه أو يشعر به والله أعلم* وفى التفسير الكبير للامام النّحرير فخر الدين الرازى اذا ظهر فعل خارق للعادة على يد انسان

(1/16)


فذلك اما أن يكون مقرونا بالدعوى أولا مع الدعوى والقسم الاوّل وهو أن يكون مقرونا بالدعوى فتلك الدعوى اما أن تكون دعوى الالهية أو دعوى النبوّة أو دعوى الولاية أو دعوى السحر وطاعة الشياطين فهذه أربعة أقسام (القسم الاوّل) وهو ادّعاء الالهية جوّز أصحابنا ظهور خوارق العادات على يده من غير معارضة كما نقل أن فرعون كان يدّعى الالهية وكانت تظهر على يده خوارق العادات وكما نقل أيضا فى حق الدجال قال أصحابنا وانما جاز ذلك لان شكله وخلقته تدل على كذبه فظهور الخوارق على يده لا يفضى الى التلبيس (والقسم الثانى) وهو ادّعاء النبوّة وهذا القسم يكون على قسمين لانه اما أن يكون ذلك المدّعى صادقا أو كاذبا فان كان صادقا وجب ظهور الخوارق على يده وهذا متفق عليه بين كل من أقرّ بصحة نبوّة الانبياء وان كان كاذبا لم يجز ظهور الخوارق على يده وبتقدير أن تظهر وجب حصول المعارضة (وأما القسم الثالث) وهو ادّعاء الولاية والقائلون بكرامات الاولياء اختلفوا فى أنه هل يجوز ادّعاء الكرامة ثم انها تحصل على وفق دعواه أم لا (والقسم الرابع) وهو ادّعاء السحر وطاعة الشيطان فعند أصحابنا يجوز ظهور خوارق العادات على يده وعند المعتزلة لا يجوز وأما القسم الثانى وهو أن تظهر خوارق العادات على يد انسان من غير شئ من الدعاوى فذلك الانسان اما أن يكون صالحا مرضيا عند الله واما أن يكون خبيثا مذنبا والاوّل هو القول بكرامات الاولياء وقد اتفق أصحابنا على جوازها وأنكرها المعتزلة الا أبا الحسين البصرى وصاحبه محمود الخوارزمى وأما القسم الثالث وهو أن تظهر خوارق العادات على يد بعض من كان مردودا عن طاعة الله فهذا هو المسمى بالاستدراج قال العلامة الدوانى فى انموذج العلوم ذهب أهل الملل الثلاث الى أن العالم وهو ما سوى الله تعالى وصفاته من الجواهر والاعراض حادث أى كائن بعد ان لم يكن بعدية حقيقية لا بالذات فقط بمعنى أنها فى حدّ ذاتها لا تستحق الوجود بل محتاجة الى الغير فوجودها متأخر عن عدمها بحسب الذات كما تقوله الفلاسفة ويسمونه الحدوث الذاتى ويقسمون كلا من الحدوث والقدم الى ذاتى وزمانى بل بالزمان أيضا بمعنى انها لم تكن فى زمان فوجدت بعد ما لم تكن فيه كما يقوله المتكلمون ويسمونه المحدّثون الحدوث الزمانى بل ليس الحدوث والقدم عندهم الا بهذا المعنى فقط فبعد ما لم يكن فى الاوّل شئ من الممكنات موجودا كما هو فى الحديث الصحيح كان الله ولم يكن معه شئ أوجد الله الموجودات على ما اقتضته حكمته*

أوّل المخلوقات
واختلفت الروايات فى أوّل المخلوقات* ففى رواية نور رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية العقل وفى رواية القلم وفى رواية اللوح ومنشأ الاختلاف ورود الاخبار المختلفة فى أوّل ما خلق الله ففى خبر أوّل ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم* وفى الانس الجليل ان الله خلق أوّلا نور رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العرش والكرسى واللوح والقلم والسماء والارض والجنة والنار بألف ألف وستمائة وسبعين ألف سنة* وفى خبر آخر أوّل ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل وقال له أدبر فأدبر فقال وعزتى وجلالى بك أعطى وبك أمنع وبك أثيب وبك أعاقب* وفى المشكاة عن أبى هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما خلق الله العقل قال له قم فقام ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له اقعد فقعد ثم قال له ما خلقت خلقا هو خير منك ولا أفضل منك ولا أحسن منك بك آخذ وبك أعطى وبك أعرف وبك أعاقب وبك الثواب وعليك العقاب وقد تكلم فيه بعض العلماء رواه البيهقى فى شعب الايمان* وفى خبر آخر أوّل ما خلق الله القلم عن عبادة بن الصامت مرفوعا أوّل ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال رب ما أكتب قال اكتب مقادير كل شئ رواه أحمد والترمذى وصححه فجرى القلم بما هو كائن الى يوم القيامة ولذلك قال النبىّ صلى الله عليه وسلم جف القلم على علم الله وفى رواية جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة وفى

(1/17)


خبر آخر أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ وعن ابن عباس أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ بحفظ الله بما كتب فيه ما كان ويكون لا يعلم ما فيه الا الله*

مطلب اللوح والقلم
وفى المدارك محفوظ من وصول الشيطان انتهى وهو من درّة بيضاء دفتاه ياقوتتان حمراوان وهو فى عظم لا يوصف وخلق الله له قلما من جوهرة طولها مسيرة خمسمائة عام مشقوق السنّ ينبع منه النور كما ينبع من أقلام أهل الدنيا المداد ثم نودى القلم أن اكتب فاضطرب من هول النداء حتى صار له ترجيع كترجيع الرعد ثم جرى فى اللوح بما هو كائن وما هو فاعله فى الوقت الذى يفعله الى يوم القيامة فامتلأ اللوح وجف القلم سعد من سعد وشقى من شقى وفى طوالع الانوار للبيضاوى القلم يشبه أن يكون العقل الاوّل لقوله عليه الصلاة والسلام أوّل ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال ما أكتب فقال القدر ما كان وما هو كائن الى الابد كما مرّ واللوح وهو الخلق الثانى يشبه أن يكون العرش أو يكون متصلا به لقوله عليه الصلاة والسلام ما من مخلوق الا وصورته تحت العرش* وفى أنوار التنزيل وقرئ فى لوح بضم اللام وهو الهواء أى ما فوق السماء السابعة الذى فيه اللوح* وفى المدارك اللوح عند الحسن شئ يلوح للملائكة فيقرؤنه وعن ابن عباس هو من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والارض وعرضه ما بين المشرق والمغرب قلمه نور وكل شئ فيه مسطور وعن مقاتل هو عن يمين العرش وقيل أعلاه معقود بالعرش وأسفله فى حجر ملك عظيم* وفى المواهب اللدنية قد اختلف أهل العلم فى أوّل المخلوقات بعد النور المحمدى فقال الحافظ وأبو يعلى الهمدانى الاصح أن العرش قبل القلم لما ثبت فى الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء فهذا صريح أن التقدير وقع بعد خلق العرش والتقدير وقع عند أوّل خلق القلم لحديث عبادة بن الصامت كما سبق وروى أحمد وصححه أيضا من حديث أبى رزين العقيلى مرفوعا ان الماء خلق قبل العرش وروى السدّى بأسانيد متعدّدة أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أوّلية القلم بالنسبة الى ما عدا النور المحمدى والماء والعرش* قيل أوّل شىء كتبه القلم على اللوح المحفوظ بسم الله الرحمن الرحيم انى أنا الله لا اله الا أنا محمد عبدى ورسولى من استسلم لقضائى وصبر على بلائى وشكر على نعمائى ورضى بحكمى كتبته صدّيقا وبعثته يوم القيامة مع الصدّيقين ومن لم يستسلم لقضائى ولم يصبر على بلائى ولم يشكر على نعمائى ولم يرض بحكمى فليختر الها سواى وفى رواية لما أمر الله القلم أن يكتب ما كان وما يكون الى الابد كتب على سرادق العرش لا اله الا الله ثم كتب كل قطرة نازلة من السماء وكل ورق نابت على الاشجار وكل حبة نابتة فى الارض وكل حصاة على الارض وكل رزق مقدّر للخلائق وقال فى هذا المعنى شعرا
جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرّك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزق ... ويرزق فى غشاوته الجنين
وفى هذا المعنى قيل
سهل عليك فان الامر مقدور ... وكل مستأنف فى اللوح مسطور
لا تكثرنّ فخير القول أصدقه ... ان الحريص على الدنيا لمغرور
وجه الجمع بين الاحاديث المختلفة المذكورة على تقدير صحة الكل أن يقال الاوّل الحقيقى نور نبينا صلى الله عليه وسلم وأوّلية العقل والقلم اضافية يعنى أوّل مخلوق من المجرّدات العقل ومن الاجسام القلم أو يقال أوّل العقول العقل الذى لما خلقه الله تعالى أمره بالاقبال والادبار فأطاع ففاز من رب العزة بأنواع الاعزاز والاكرام وأوّل الاقلام القلم الذى أثبت بأمر الله تعالى تقديرات الاشياء

(1/18)


فى اللوح المحفوظ وأوّل الانوار نور محمد صلى الله عليه وسلم وأهل التحقيق على أن المراد من هذه الاحاديث شىء واحد لكن باعتبار نسبه وحيثياته تعدّدت العبارات كما ان الاسود والمائع والبرّاق عبارة عن الحبر لكن باعتبار النسب* وفى شرح المواقف قال بعضهم ان المعلول الاوّل من حيث انه مجرّد تعقل ذاته ومبدؤه يسمى عقلا ومن حيث انه واسطة فى صدور سائر الموجودات ونقوش العلوم يسمى قلما ومن حيث توسطه فى افاضة أنوار النبوّة ومن حيث ان الكمالات المحمدية من أثر نور سيد الانبياء صلى الله عليه وسلم من حيث انه سبب لحياته يسمى روحه وسيجىء لهذا زيادة بيان* وفى شواهد النبوّة أن نبينا صلى الله عليه وسلم وان كان آخر الانبياء فى عالم الشهادة لكنه أوّلهم فى عالم الغيب قال عليه الصلاة والسلام كنت نبيا وآدم بين الماء والطين بيانه ان الله تعالى فى أزل الآزال كان الله ولا شئ معه فجميع الشؤن من غير امتياز من بعض وصورة معلومية ذلك الشان تسمى تعينا أوّل وحقيقة محمدية وحقائق سائر الموجودات كلها أجزاء وتفاصيل فتلك الحقيقة والتجليات التى وقّعت بصورها فى الغيب انما نشأت وانبعثت من التجلى بصور تلك الحقيقة والصورة الوجودية لتلك الحقيقة أوّلا فى مرتبة الارواح كانت جوهرا مجرّدا عبر عنه الشارع صلى الله عليه وسلم تارة بالعقل وتارة بالقلم وتارة بالنور وتارة بالروح حيث قال صلى الله عليه وسلم أوّل ما خلق الله العقل وأوّل ما خلق الله القلم وأوّل ما خلق الله روحى أو نورى ولا شك أن اختلاف العبارات رتبى اذ مرتبة الاوّلية حقيقة لا تصلح لغير شئ واحد والصورة الوجودية لتلك الحقيقة مرتبة بعد مرتبة حتى انتقلت الى الصورة الجسمانية العنصرية الانسانية التى أوّل افرادها آدم فهو وسائر الانبياء ما لم يظهروا لصورة جسمانية عنصرية فى الشهادة لم يوصفوا بالنبوّة بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم فانه لما وجد بوجود روحانى بشره وأعلمه بالنبوّة بالفعل وفى كل الشرائع أعطى الحكم له لكن بأيدى الانبياء والرسل الذين كانوا نوّابه كما ان عليا ومعاذ بن جبل فى عالم الشهادة ذهبا بنيابته الى اليمن وبلغا الاحكام فانّ ثبوت النبوّة ليس الا باعتبار شرع مقرّر من عند الله فجميع الشرائع شريعته الى الخلق بأيدى نوّابه ولما ظهر بالوجود الجسمانى العنصرى نسخ تلك الشرائع التى كان اقتضاها بحسب الباطن فان اختلاف الامم فى الاستعدادات والقابليات مقتض لاختلاف الشرائع* وفى فصوص الحكم وشرحه وما كان من نبىّ يأخذ شيئا من الكمالات الا من مشكاة خاتم النبيين وان تأخر عنهم وجود طينته اذ لا تعلق لمشكاته بوجوده الطينى فانه بحقيقته موجود قبلهم لانه أبو الارواح كما انّ آدم أبو الاشباح* وفى كيفية خلق نوره صلى الله عليه وسلم وردت روايات متعدّدة وحاصل الكل راجع الى أن الله تعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم قبل خلق السموات والارض والعرش والكرسى واللوح والقلم والجنة والنار والملائكة والانس والجنّ وسائر المخلوقات بكذا كذا ألف سنة وكان يرى ذلك النور فى فضاء عالم القدس فتارة يأمره بالسجود وتارة يأمره بالتسبيح والتقديس وخلق له حجبا وأقامه فى كل حجاب مدّة مديدة يسبح الله تعالى فيه بتسبيح خاص فبعد ما خرج من الحجب تنفس بأنفاس فخلق من أنفاسه أرواح الانبياء والاولياء والصدّيقين والشهداء وسائر المؤمنين والملائكة كما روى عن جابر بن عبد الله الانصارى أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوّل شئ خلقه الله قال هو نور نبيك يا جابر خلقه ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شئ وحين خلقه أقامه قدّامه فى مقام القرب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام خلق العرش من قسم والكرسى من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسى من قسم وأقام القسم الرابع فى مقام الحب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق الخلق من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع فى مقام الخوف اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء

(1/19)


فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس من جزء وخلق القمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع فى مقام الرجاء اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء والحلم والعلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع فى مقام الحياء اثنى عشر ألف سنة ثم نظر الله سبحانه اليه فترشح النور عرقا فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفا وأربعة آلاف قطرة من النور فخلق الله سبحانه من كل قطرة روح نبىّ أو رسول ثمّ تنفّست أرواح الانبياء فخلق الله من أنفاسهم نور الاولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين الى يوم القيامة فالعرش والكرسى من نورى والكروبيون من نورى والروحانيون من الملائكة من نورى وملائكة السموات السبع من نورى والجنة وما فيها من النعيم من نورى والشمس والقمر والكواكب من نورى والعقل والعلم والتوفيق من نورى وأرواح الانبياء والرسل من نورى والشهداء والصالحون من نتائج نورى ثم خلق سبحانه اثنى عشر حجابا فأقام النور وهو الجزء الرابع فى كل حجاب ألف سنة وهى مقامات العبودية وهى حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والرحمة والرأفة والحلم والعلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين فعبد الله ذلك النور فى كل حجاب ألف سنة فلما خرج النور من الحجب ركبه الله فى الارض وكان يضىء منه ما بين المشرق والمغرب كالسراج فى الليل المظلم ثم خلق الله آدم فى الارض وركب فيه النور فى جبينه ثم انتقل منه الى شيث ومنه الى يانش وهكذا كان ينتقل من طاهر الى طيب الى أن أوصله الله تعالى الى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه الى رحم آمنة ثم أخرجنى الى الدنيا فجعلنى سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين وقائد الغرّ المحجلين هكذا بدء خلق نبيك يا جابر ذكره البيهقى وأخرج مسلم فى صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال ان الله عز وجل كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ومن جملة ما كتب فى الذكر وهو أمّ الكتاب أن محمدا خاتم النبيين وعن العرباض بن سارية عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال انى عبد الله وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم بأوّل أمرى انى دعوة ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت حين وضعتنى وقد خرج منها نور أضاءت منه قصور الشأم رواه أحمد والبيهقى والحاكم وقال صحيح الاسناد كذا فى شرح السنة* قوله لمنجدل فى طينته* يعنى طريحا ملقى على الارض قبل نفخ الروح فيه عن ميسرة الضبى قال قلت يا رسول الله متى كنت نبيا قال وآدم بين الروح والجسد هذا لفظ رواية الامام أحمد ورواه البخارى فى تاريخه وأبو نعيم فى الحلية وصححه الحاكم وأما ما اشتهر على الالسنة بلفظ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين فقال الشيخ الحافظ أبو الخير السخاوى فى كتابه المقاصد الحسنة لم نقف عليه بهذا اللفظ انتهى وقال الحافظ ابن رجب فى اللطائف وبعضهم برواية متى كتبت نبيا من الكتابة قال كتبت وآدم بين الروح والجسد فتحمل هذه الرواية مع رواية العرباض بن سارية على وجوب نبوّته وثبوتها وظهورها فى الخارج فان الكتابة تستعمل فيما هو واجب قال الله تعالى كتب عليكم الصيام وكتب الله لأغلبن أنا ورسلى وعن أبى هريرة أنهم قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوّة قال وآدم بين الروح والجسد رواه الترمذى وقال حديث حسن وروى فى جزء من أمالى ابن سهل القطان عن سهل بن صالح الهمدانى قال سألت أبا جعفر محمد بن على كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدّم الانبياء وهو آخر من بعث قال ان الله تعالى لما أخذ من بنى آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قال فان محمدا صلى الله عليه وسلم أوّل من قال بلى ولذلك صار مقدّم الانبياء وهو آخر من بعث فان قيل ان النبوّة وصف لا بدّ أن يكون الموصوف به موجودا وانما يكون
بعد بلوغ

(1/20)


الاربعين سنة فكيف بوصف به قبل وجوده وارساله أجاب الغزالى فى كتاب النفخ والتسوية عن هذا وعن قوله أنا أوّل الانبياء خلقا وآخرهم بعثا بأن المراد بالخلق هنا التقدير دون الايجاد فانه قبل أن ولدته أمّه لم يكن موجودا مخلوقا ولكن الغايات والكمالات سابقة فى التقدير لاحقة فى الوجود قال وهو معنى قولهم أوّل الفكرة آخر العمل وآخر العمل أوّل الفكرة وبيانه أن المهندس المقدّر للدار أوّل ما يمثل فى نفسه صورة الدار ثم يقدّر ما يمثل فيحصل فى تقديره دارا كاملة وآخر ما يوجد من أعماله هى الدار الكاملة فالدار الكاملة هى أوّل الاشياء فى حقه تقديرا وآخرها وجودا لان ما قبلها من ضرب اللبنات وبناء الحيطان وتركيب الجذوع وسيلة الى غاية وكمال وهى الدار فالغاية هى الدار ولأجلها تقدّم الآلات والاعمال ثم قال وأما قوله كنت نبيا فاشارة الى ما ذكرناه وانه كان نبيا فى التقدير قبل تمام خلقة آدم عليه الصلاة والسلام لانه لم ينشئ خلق آدم الا لينتزع من ذرّيّته محمدا صلى الله عليه وسلم ويستصفيه تدريجا الى أن يبلغ كمال الصفا قال ولا تفهم هذه الحقيقة الا بأن يعلم أن للدار وجودين وجودا فى ذهن المهندس ودماغه وانه ينظر الى صورة الدار خارج الذهن فى الاعيان والوجود الذهنى سبب الوجود الخارجى العينى فهو سابق لا محالة وكذلك فاعلم أن الله تعالى يقدّر ثم يوجد على وفق التقدير ذكر هذا كله فى المواهب اللدنية* وعن كعب الاحبار قال لما أراد الله تعالى أن يخلق محمدا صلى الله عليه وسلم أمر جبريل فأتاه بالقبضة البيضاء التى هى موضع قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم فعجنت بماء التسنيم ثم غمست فى انهار الجنة وطيف بها فى السموات والارض فعرفت الملائكة محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن تعرف آدم عليه السلام ثم عجنها بطينة آدم* عن ابن عباس عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال كنت نورا بين يدى الله قبل أن بخلق الله عز وجل آدم بألفى عام يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور فى صلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهبطنى الله الى الارض فى صلب آدم وجعلنى فى صلب نوح فى السفنة وقذف بى فى النار فى صلب ابراهيم ثم لم يزل ينقلنى من الاصلاب الكريمة والارحام الطاهرة حتى أخرجنى من أبوىّ لم يلتقيا على سفاح قط* وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه عن النبىّ صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى من أنفسكم قال نسبا وصهرا وحسبا ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح كلها نكاح قال ابن الكلبى كتبت للنبىّ صلى الله عليه وسلم خمسمائة أمّ فما وجدت فيهنّ سفاحا ولا شيئا مما كان عليه الجاهلية ذكر هذه الثلاثة فى الشفاء وفى الصفوة عن واثلة بن الاسقع أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال ان الله عز وجل اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من بنى اسماعيل كتانة واصطفى من كتانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم انفرد باخراجه مسلم*

(حديث صور الانبياء)
* عن هشام بن العاصى قال بعثنى أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه ورجلا من قريش الى هرقل صاحب الروم ندعوه الى الاسلام فلما وصلنا اليه أمر لنا بمنزل حسن ونزلنا فأقمنا ثلاثا فأرسل الينا فدخلنا عليه فدعا بشئ كالربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتا فاستخرج حريرة سوداء فنشرها فاذا فيها صورة حمراء واذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه واذا ليس له لحية واذا له ظفيرتان أحسن ما خلق الله تعالى فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا آدم عليه الصلاة والسلام واذا هو أكثر الناس شعرا ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها صورة بيضاء واذا رجل له شعر قطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا نوح عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلب الجبين طويل الخدّ شارع الانف أبيض اللحية كأنه يتبسم قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا ابراهيم

(1/21)


عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاذا فيه صورة بيضاء واذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تعرفون هذا قلنا نعم انه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكينا قال والله يعلم انه هو ثم قام قائما ثم جلس وقال الله بدينكم انه لهو قلنا نعم انه هو كما ننظر اليه فأمسك ساعة ينظر الينا ثم قال أما انه كان آخر الصور هو ولكن عجلته لكم لا نظر ما عندكم ثم عاد ففتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها صورة أدماء سحماء فاذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الاسنان مقلص الشفتين كأنه غضبان قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام والى جانبه صورة تشبهه الا أنه مدهان الرأس عريض الجبين فى عينيه قبل قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا هارون بن عمران عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فاذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا لوط عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أبيض مشرب بحمرة أخفى خفيف العارضين حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسحاق عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة تشبه صورة اسحاق الا أن على شفته السفلى خالا قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا يعقوب عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الانف حسن القامة يعلو وجهه النور يعرف فى وجهه الخشوع يضرب الى الحمرة فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسماعيل جدّ نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة كأنها صورة آدم كأن وجهه الشمس قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا يوسف عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أحمر أحمس الساقين أخفس العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفا قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا داود عليه الصلاة والسلام ثم طواها فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة رجل ضخم الأليتين طويل الرجلين راكب على فرس فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء واذا رجل شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن العينين حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قلنا من أين لك هذه الصور فانا نعلم أنها على ما صوّرت عليها الانبياء لانا رأينا صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مثله فقال ان آدم سأل ربه عز وجل أن يريه الانبياء من ولده فأنزل الله صورهم وكانت فى خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعت الى دانيال فى خرقة من حرير فهذه بأعيانها الصور التى صوّرها دانيال ثم قال والله ان نفسى طابت وفى غير هذه الرواية لوددت الخروج عن ملكى وأن أكون عبد السرير ملكه حتى أموت ثم أجازنا وسرّحنا فلما قدمنا على أبى بكر رضى الله عنه حدّثناه بما رأيناه وبما قال لنا وبما أخبرنا فبكى أبو بكر رضى الله عنه وقال مسكين لو أراد الله به خيرا لفعل قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم واليهود يجدون نعت النبىّ صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والانجيل روى هذا الحديث أبو بكر القفال الشاشى عن الحسن صاحب الشافى عن ابراهيم بن الهيثم كذا فى المتقى* وعن كعب الاحبار أنه لما أدرك ابراهيم الوفاة جمع أولاده وهم يومئذ ستة ودعا بتابوت ففتحه وقال أيها الاولاد انظروا الى هذا التابوت فنظروا الى ذلك التابوت فرأوا بيوتا بعدد الانبياء كلهم وآخر بيوت الانبياء بيت محمد صلى الله عليه وسلم من ياقوتة حمراء فاذا هو قائم يصلى وعن يمينه الكهل المطيع أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه مكتوب على جبينه هذا أوّل

(1/22)


من يتبعه من أمّته وعن يساره الفاروق عمر بن الخطاب مكتوب على جبينه قرن من حديد أمين شديد لا تأخذه فى الله لومة لائم ومن ورائه ذو النورين عثمان بن عفان آخذ بحجزته مكتوب على جبينه ثالث الخلفاء ومن بين يديه علىّ بن أبى طالب شاهر سيفه على عاتقه مكتوب على جبينه هذا أخوه وابن عمه المؤيد بنصر الله* وفى المنتقى مكتوب على جبينه ليث كرّار غير فرّار يحب الله ورسوله وحوله عمومته والخلفاء والنقباء والكتيبة الخضراء التى أحدقت بها سلسلة وهم أنصار الله وأنصار رسوله يسطع نور من حوا فردوا بهم يوم القيامة مثل نور الشمس فى دار الدنيا رضى الله عنهم أجمعين* وفى فردوس الاخبار عن ابن مسعود رضى الله عنه يقول سمعت النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلى بابها لا تقولوا فى أبى بكر وعمر وعثمان وعلىّ الاخيرا ذكره فى فصل الخطاب* وفى بحر العلوم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنى جبريل فقال يا محمد لما خلق الله آدم وأدخل الروح فى صدره أمرنى أن أخرج تفاحة من جنة عدن فأخرجتها وعصرتها فى حلق آدم فنقط خمس نقط فالنقطة الاولى خلقك منها والثانية أبا بكر والثالثة عمر والرابعة عثمان والخامسة عليا وهو قوله تعالى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا فالبشر أنت والنسب والصهر أبو بكر وعمر وعثمان وعلى* وفى الرياض النضرة عن علىّ رضى الله عنه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك مثل من عيسى عليه السلام بغضته اليهود حتى بهتوا أمّه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التى ليس بها ثم قال يهلك فىّ رجلان محب مفرط بما ليس فىّ ومبغض يحمله شنآنى على أن يبهتنى أخرجه أحمد فى المسند وعنه قال ليحبنى أقوام حتى يدخلول النار فى حبى ويبغضنى أقوام حتى يدخلوا النار فى بغضى أخرجه فى المناقب وفى الحديث أرحمكم بأمّتى أبو بكر وأخوفكم فى دين الله عمر وأشدّكم حياء عثمان وأقضاكم علىّ ولكل نبىّ حوارى وحوارىّ طلحة والزبير ابن عمتى وحيث دار سعد بن أبى وقاص فالحق معه وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن وأبو عبيدة أمين الله وأمين رسوله ذكره فى العمدة وزاد فى الرياض النضرة وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن* وفى بحر العلوم قال صلى الله عليه وسلم أرحمكم بأمّتى أبو بكر وأقواكم فى دين الله عمر وأشدّكم حياء عثمان وأقضاكم على وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ وأقرأكم لكتاب الله أنىّ وأفرضكم زيد وأشهدكم خزيمة بن ثابت وأعلمكم بالمنافقين حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن وأبو عبيدة بن الجرّاح أمين الله وأمين رسوله ومن أراد أن ينظر الى عيسى ابن مريم فلينظر الى زيد بن أبى ذرّ ورضيت لامّتى ما رضى لها ابن أمّ عبد وان الجنة مشتاقة الى سلمان أشوق من سلمان الى الجنة وخالد سيف الله ورسوله وحمزة أسد الله وأسد رسوله وعباس بن عبد المطلب عمى وصنو أبى والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وجعفر بن أبى طالب يطير فى الجنة مع الملائكة حيث شاء وأوّل من يقرع باب الجنة بلال ابن حمامة وأوّل من يستقى من حوضى صهيب وأوّل من يصافح الملائكة فى معازة القيامة أبو الدرداء وأوّل من يأكل ثمرة الجنة أبو الدحداح وعبد الله بن عمر من وفد الرحمن وعمار بن ياسر من السابقين ولكل شئ فارس وفارس القرآن عبد الله بن عباس ولكل نبىّ خليل وخليلى سعد بن معاذ ولكل نبىّ حوارى وحوارىّ طلحة والزبير ولكل نبىّ خادم وخادمى أنس بن مالك ولكل أمّة حكيم وحكيم هذه الامّة أبو هريرة* وفى الاستيعاب وأبو هريرة وعاء للعلم وعند سلمان علم لا يدرك وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذى لهجة أصدق من أبى ذرّ انتهى وحسان بن ثابت مؤيد بروح

(1/23)


القدس وصوت أبى طلحة فى الجيش خير من فئة ثم قال أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم*

(ذكر دلائل نبوّته)
* منها ما ألقى فى التوراة والانجيل مما قد جمعه العلماء وبينوه ونقله عنهم ثقات منهم عبد الله بن سلام وابنا شعبة ثعلبة وأسيد وابن أمين ومخيريق وكعب الاحبار وأشباههم ممن أسلم من علماء اليهود وبحيرا ونسطور الحكيم وصاحب بصرى وضفاطر وأسقف الشام والجارود وسلمان والنجاشى وأساقف نجران وغيرهم ممن أسلم من علماء النصارى وقد اعترف بذلك هرقل وصاحب رومة عالم النصارى ورؤساؤهم ومقوقس صاحب مصر والشيخ صاحبه وابن صوريا وابن أخطب وأخوه وكعب بن أسيد والزبير بن بابا وأبو رافع الاعور وكعب بن الاشرف ولبيد بن الاعصم وغيرهم من علماء اليهود ممن حمله الحسد والنفاسة على البقاء على الشقاء والاخبار فى هذا كثيرة لا تنحصر وما ترادفت به الاخبار عن الرهبان والاحبار وعلماء أهل الكتاب من صفته وصفة أمّته واسمه وعلاماته وذكر الخاتم الذى بين كتفيه وما وجد فى ذلك من أشعار الموحدين من المتقدّمين مثل شعر تبع والاوس بن حارثة وكعب بن لؤى وسفيان ابن مجاشع وقس بن ساعدة الايادى وما ذكر من سيف ذى يزن وغيرهم وما عرف به من أمر زيد بن عمرو ابن نفيل وورقة بن نوفل وعداس وغيلان الحميرى وشامول عالم اليهود صاحب تبع من صفته وخبره وما أنذر به الكهان مثل شافع بن كليب وشق وسطيح وسواد بن قارب وخنافر وأفعى نجران وجدل ابن حجل الكندى وابن خلصة الدوسى وسعدى بنت كرزين وفاطمة بنت النعمان ومن لا يعدّ كثرة وما ظهر على ألسنة الاصنام من نبوّته وحلول وقت رسالته وسمع من هواتف الجان ومن ذبائح النصب وأجواف الصور وما وجد من اسمه صلّى الله عليه وسلم والشهادة له بالرسالة مكتوبا فى الحجارة والقبور بالخط القديم ما أكثره مشهور واسلام من أسلم بسبب ذلك معروف مذكور وسنذكر فى هذه الطليعة نبذا منها ان شاء الله تعالى* من البشائر ما روى عن كعب الاحبار أنه قال نجد مكتوبا يعنى فى التوراة محمد رسول الله عبد مختار لافظ ولا غليظ ولاصحاب فى الاسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر أمّته الحمادون يكبرون الله فى كل مجد ويحمدونه فى كل منزل رعاة للشمس يصلون الصلاة اذا جاء وقتها يأتزرون على أنصافهم ويتوضؤن على أطرافهم مناديهم ينادى فى جوّ السماء صفهم فى القتال وصفهم فى الصلاة سواء لهم دوىّ فى الليل كدوىّ النحل مولده بمكة ومهاجره بطابة وملكه بالشام كذا فى المصابيح وقد ورد الثناء على أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم فى الكتب السابقة نحو ما فى الانجيل أمّة محمد حلماء رحماء علماء كأنهم فى الفقه أنبياء الى غير ذلك كذا فى شرح التعرّف وعن عبد الله بن سلام أنه كان يقول انا لنجد صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعنى فى التوراة يا أيها النبىّ انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأمّيين أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل لست بفظ ولا غليظ ولاصحاب فى الاسواق ولا تدفع السيئة بالسيئة ولكن تعفو وتغفر ولن أقبضك حتى أقيم بك الملة لعوجاء بأن يقولوا لا اله الا الله وأفتح بك أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا كذا فى شواهد النبوّة* ومن البشائر ما روى عن عبد الله بن سلام أنه قال ان فى الجزء الآخر الذى تتم به التوراة آية من جملتها بالعربية هكذا جاء الله* وفى المواهب اللدنية تجلى الله من طور سيناء وأشرف من ساعير واستعلن من جبال فاران وهو اسم عبرانى وليست ألفه الاولى همزة وهى جبال بنى هاشم التى كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتحنث فى أحدها وفيه فاتحة الوحى وهى ثلاث أجبل أحدها أبو قبيس والثانى قعيقعان والثالث حراء وهو شرقى فاران ومنفتحه الذى يلى قعيقعان الى بطن الوادى هو شعب بنى هاشم وفيه مولده صلّى الله عليه وسلم فى أحد الاقوال قال ابن قتيبة وليس فى هذا غموض

(1/24)


لانه أراد مجىء كتابه ونوره كما قال الله عز وجل فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا أى أتاهم أمره والمعنى بذلك انزال التوراة على موسى بطور سيناء وسائر أرض الخليل من الشأم وكان عيسى يسكنها بقرية يقال لها ناصرة وبها سمى من تبعه نصارى* وفى أنوار التنزيل نصارى جمع نصرانى والياء فى نصرانى للمبالغة كما فى أحمرى سموا بذلك لانهم كانوا معه فى قرية يقال لها نصران أو ناصرة فسموا باسمها انتهى والمراد انزاله الانجيل على عيسى وهو كناية عن ظهور أمر الانجيل وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف فى أن فاران هى مكة والمراد انزاله القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلم وظهور أمره وشريعته والله أعلم* ومن البشائر ما قاله يعقوب عليه السلام جاء الله عز وجل بالبيان من فاران وامتلأت السموات من تسبيح أحمد وأمّته يحمل حبه فى البحر كما يحمله فى البرّ يأتينا بكتاب جديد يعرف بعد خراب بيت المقدس كذا فى شواهد النبوّة* ومن كلام شعياء رأيت راكبين أضاءت لهما الارض أحدهما على حمار والآخر على حمل راكب الحمار عيسى وراكب الجمل نبينا صلّى الله عليه وسلم وأيضا فى كلامه يا قوم انى رأيت صورة مثل صورة القمر* وفى وصايا موسى عليه الصلاة والسلام لبنى اسرائيل سيأتيكم نبىّ من بنى اخوتكم أى أعمامكم فله صدّقوا ومنه فاسمعوا* ومن البشائر أن فى الجزء الثانى من السفر الخامس من التوراة السبعينية التى اتفق سبعون من أحبار اليهود على صحتها أنه يخاطب الله بها موسى وترجمتها بالعربية بهذه العبارة انى أقيم لهم نبيا من بنى اخوتهم مثلك وأجرى قولى فيه ويقول لهم ما آمره والرجل الذى لا يقبل قول النبىّ صلّى الله عليه وسلم الذى يتكلم باسمى فانى أنتقم منه فيفهم منه أنه يكون ذلك النبىّ من غير بنى اسرائيل من بنى اخوتهم أى أعمامهم. وأن يكون مثل موسى صاحب عز وشريعة وشوكة وما هو الانبينا صلّى الله عليه وسلم فان عيسى لم يكن صاحب شريعة وشوكة لما جاء فى الانجيل حكاية عن عيسى انى ما جئت لتبديل شرع موسى بل لتكميله كذا فى شواهد النبوّة* لكن فى أنوار التنزيل ما يدل على أن شرع عيسى ناسخ لشرع موسى حيث قال فى تفسير قوله تعالى ولأحل لكم بعض الذى حرّم عليكم فى شريعة موسى كالشحوم والسمك وكل ذى ظفر ولحوم الابل والعمل فى السبت وهو يدل على أن شرعه ناسخ لشرع موسى ولا يخل ذلك بكونه مصدّقا للتوراة كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بتنافر وتكاذب فان النسخ فى الحقيقة بيان تخصيص فى الازمان* وفى الانسان الكامل ان عيسى نسخ دين موسى لانه أتى بما لم يأت به موسى وذلك أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى فى تسعة ألواح وأمره أن يبلغ سبعة منها ويترك لوحين لان العقول لا تكاد تقبل ما فى ذينك اللوحين فلو أنذر بهما موسى لا نتقض ما يطلبه وكان لا يؤمن به رجل واحد فهما مخصوصان بموسى عليه الصلاة والسلام من دون غيره من أهل ذلك الزمان* وكانت الالواح التى أمر بتبليغها فيها علوم الاوّلين والآخرين الاعلم محمد صلّى الله عليه وسلم وورثته وعلم ابراهيم وعلم عيسى عليهما الصلاة والسلام فانه لم تتضمنه التوراة خصوصية لمحمد صلّى الله عليه وسلم وكانت الالواح السبعة التى أمر بتليغها من حجر المزمر بخلاف اللوحين فانهما كانا من نور ولكون الالواح السبعة من الحجارة قست قلوبهم فلو أمر موسى بابلاغ اللوحين المختصين به لما كان مبعث عيسى من بعده لان عيسى بلغ سرّ ذينك اللوحين المرقومين فنسخ دين موسى لأنه أتى بما لم يأت به موسى لكنه لما أظهر حكم ذلك ضل قومه من بعد وتعبدوه وقالوا انه ثالث ثلاثة وهو الاب والامّ والابن وسموا ذلك بالاقانيم الثلاثة فافترق قومه على ثلاث فرق الملكائية أصحاب ملكا الذين ظهروا فى الروم واستولوا عليها والنسطورية أصحاب نسطور الحكيم الذين ظهروا فى زمن المأمون وتصرّف فى الانجيل بحكم رأيه واليعقوبية أصحاب يعقوب* ومما ترجموا من الانجيل أن عيسى قال اذا جاء الفار قليط فهو يشهد لى

(1/25)


وأنتم تشهدون لى أيضا لكينونتكم معى من أوّل أمرى قوله الفار قليط معناه الحكم السرّ يعرف السرّ والمراد به رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقوله يشهد لى صريح بنبوّة محمد صلّى الله عليه وسلم اذ لم يشهد للمسيح عليه السلام بالنبوّة والنزاهة عما افترى عليه وبأنه روح الله وكلمته وصفيه ورسوله كتاب سوى القرآن ولم تزل الامم تكذب المتبعين للمسيح واليهود يفترون فى أمره العظائم من البهتان حتى بعث محمد صلّى الله عليه وسلم فشهد للمسيح عليه الصلاة والسلام بمثل ما شهد به حواريه الذين كانوا معه من أوّل أمره والمهتدون من أمّته وقال يوحنا أحد الحواريين وهو أحب الخلق الى عيسى أخبرنى المسيح بدين محمد العربى وبشرنى أنه يكون بعده فبشرت به الحواريين فآمنوا به* وفى التوراة والانجيل دلائل كثيرة غير ما ذكرنا كذا فى شواهد النبوّة والمنتقى* ومما ترجم أهل الكتاب من أمر داود عليه الصلاة والسلام اللهم ابعث جاعل السنة يجىء يعلم الناس أنه بشر ففهم من هذا أن الله أطلع داود على ما سيقوله النصارى فى المسيح عليه الصلاة والسلام اذا أرسله من انه اله معبود فدعا الله سبحانه بأن يبعث محمدا صلّى الله عليه وسلم فيعلمهم أنه بشر ومما قاله داود اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة* وفى مزمور من مزامير داود عليه الصلاة والسلام ان الله أظهر من صهيون اكليلا محمودا* صهيون اسم مكة والاكليل ضرب المثل للرياسة والامامة ومحمود هو صلّى الله عليه وسلم ومما ترجموا فى كتاب شعياء عليه الصلاة والسلام عبدى الذى سرّت به نفسى أنزل عليه وحيى فيظهر فى الامم عدله يوصيهم بالوصايا لا يضحك ولا يسمع صوته فى الاصوات يفتح العيون العور والآذان الصم ويحيى القلوب الغلف وما أعطيه لا أعطى أحدا مشقح يحمد الله حمدا مديدا يأتى من أقصى الارض به تفرح البرية وسكانها يهللون الله على كل شرف ويكبرونه على كل راية لا يضعف ولا يغلب ولا يميل للهوى ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة بل يقوّى الصدّيقين وهو ركن المتواضعين وهو نور الله الذى لا يطفأ سلطانه على كتفه هذه ترجمة السريانية وترجمة العبرانية على كتفه علامة النبوّة فهذا كله صريح فى البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلم مع ما فيه من ذكر دولة العرب بقوله تفرح البرية وسكانها وأما قوله مشقح فهو محمد صلّى الله عليه وسلم لان الشقح بلغتهم الحمد* ومن بشائر الكتب أنه جاء فى صحف آدم وابراهيم وغيرهما من الانبياء صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصفة أمّته* ومن بشائر الانبياء ما روى عن عبد الرحمن بن زيد قال قال آدم عليه الصلاة والسلام انى لسيد البشر يوم القيامة الا رجلا من ذرّيتى من الانبياء يقال له أحمد فضل علىّ باثنتين زوجته عاونته وكانت له عونا وكانت زوجتى عونا علىّ وان الله أعانه على شيطانه فأسلم وكفر شيطانى* وفى الشفاء حكى أبو محمد المكى وأبو الليث السمرقندى وغيرهما أن آدم عليه السلام عند معصيته قال اللهم بحق محمد اغفرلى خطيئتى ويروى وتقبل توبتى فقال له من أين عرفت محمدا صلّى الله عليه وسلم قال رأيت فى الجنة مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله ويروى عبدى ورسولى فعلمت أنه أكرم خلقك عليك فتاب الله عليه وفى رواية أخرى فقال آدم لما خلقتنى رفعت رأسى الى عرشك فاذا فيه مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله* صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدرا عندك ممن جعلت اسمه مع اسمك فأوحى الله عز وجل اليه وعزتى وجلالى انه لآخر الانبياء من ذرّيتك ولولاه ما خلقتك قال وكان آدم يكنى بأبى محمد وقيل بأبى البشر فحص الله سبحانه وتعالى نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلم بهذا الشرف وأخبر به وببعثته على ألسنة الرسل قبل وجوده بدهر طويل وألزم بذلك الحجة على عباده وقوّى بصائر من آمن به فلله الحمد على ذلك وقيل فى المعنى شعر
بشرى لنا معشر الاسلام ان لنا ... من العناية ركنا غير منهدم

(1/26)


لما دعا الله داعينا لطاعته ... بأكرم الرسل كنا أكرم الامم
ومن البشائر ما روى عن أبىّ بن كعب لما قدم تبع المدينة ونزل بقباء بعث الى أحبار اليهود فقال انى مخرب هذا البلد حتى لا يقوم به يهودية ويرجع الامر الى دين العرب فقال شامول اليهودى وهو يومئذ أعلمهم أيها الملك ان هذا البلد يكون اليه مهاجر نبىّ من ولد اسماعيل مولده مكة واسمه أحمد وهذه دار هجرته ان منزلك الذى أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كثير فى أصحابه قال تبع فمن يقاتله وهو نبىّ كما تزعمون قال يسير اليه قوم فيقتلون هنا قال فأين يكون قبره قال بهذا البلد قال فان قوتل فلمن تكون الدائرة قال تكون عليه مرّة وله مرّة وبهذا المكان الذى أنت به غلبته فيقتل به أصحابه مقتلة ثم يقتلون فى مواطن ثم تكون العاقبة له فيظهر فلا ينازعه فى هذا الامر أحد قال وما صفته قال رجل ليس بالقصير ولا بالطويل فى عينيه حمرة يركب البعير ويلبس الشملة سيفه على عاتقه لا يبالى من لاقى له أخ وابن عم أو عم حتى يظهر أمره قال تبع فمالى بهذا البلد من سبيل وما كان ليكون خرابه على يدىّ فخرج تبع الاوّل بن عمرو ذى الاذعار بن ابرهة ذى المنار بن الرايش* قال ابن اسحاق الرايش بن عدىّ بن صيفى بن سبأ الاصغر بن كعب بن زيد الجمهور بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع ابن العرفج حمير بن سبأ الاكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان* قال ابن هشام يشجب بن يعرب ابن قحطان* قال ابن اسحاق وتبان أسعد أبو كرب الذى قدم المدينة وساق الحبرين من اليهود الى اليمن وعمر البيت الحرام وكساه وكان ملكه قبل ملك ربيعة بن مضر* وفى الوفاء لما قدم المدينة تبع وأراد خرابها جاءه حبران من بنى قريظة يقال لهما سحبت ومنبه فقالا أيها الملك انصرف عن هذه البلدة فانها محفوظة وانها مهاجر نبىّ من بنى اسماعيل اسمه أحمد يخرج فى آخر الزمان فأعجب مما سمع منهما وصدّقهما وكف عن أهل المدينة وستجىء القصة بتمامها* وفى أنوار التنزيل وهو الذى سار بالجيوش وحير الحيرة وبنى سمرقند وقيل هدمها وقيل لملوك اليمن التبابعة لانهم يتبعون كما قيل لهم الاقيال لانهم يتقيلون وفى الحديث ما أدرى كان تبع نبيا أو غير نبىّ* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وكان تبع قد جعل طريقه حين أقبل من المشرق على المدينة وكان قد مرّ بها فى بدائه فلم يهج أهلها فخلف بين أظهرهم ابناله فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع لاخرابها واستئصال أهلها وقطع نخلها فجمع له هذا الحىّ من الانصار ورئيسهم عمرو بن طلحة أخو بنى النجار وطلحة أمّه وهى بنت عامر بن رزيق قال ابن اسحاق وقد كان رجل من بنى عدىّ بن النجار يقال له أحمر عدا على رجل من أصحاب تبع حين نزل بهم فقتله وذلك أنه وجده فى عذق له بحدّة فضربه بمنجله فقتله وقال انما التمر لمن أبره فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم فاقتتلوا فزعم الانصار أنهم كانوا يقاتلونهم بالنهار ويقرونهم بالليل فيعجبه ذلك منهم فيقول والله ان نفرا فعلوا ذلك لكرام فبينما تبع على ذلك من حربهم اذ جاء حبران من أحبار اليهود من بنى قريظة والنضير والنخام وعمرو وهذيل بنو الخزرج بن الصريح بن التومان ابن الصيت بن اليسع بن الحبر بن النخام بن سحوم بن عاز بن عزرى بن هارون بن عمران بن يصهر ابن فاهت بن لاوى بن يعقوب وهو اسرائيل بن اسحاق بن ابراهيم خليل الرحمن عالمان راسخان حين سمعا بما يريد من اهلاك المدينة وأهلها فقالا له أيها الملك لا تفعل فانك ان أبيت الا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فقال لهما ولم ذلك فقالا مهاجر نبىّ يخرج من هذا الحرم من قريش فى آخر الزمان تكون داره وقراره فانتهى تبع ورأى أن لهما علما وفهما وأعجبه ما سمع منهما فانصرف من المدينة واتبعهما على دينهما* قال ابن اسحاق وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها

(1/27)


فتوجه الى مكة وهى طريقة الى اليمن حتى اذا كان بين عسفان وأمج أتاه نفر من هذيل بن مدركة ابن الياس بن مضر بن نزار بن معدّ فقالوا أيها الملك ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة قال بلى قالوا بيت مكة يعبده أهلها ويصلون عنده وانما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده فلما أجمع لما قالوا أرسل الى الجبرين وسألهما عن ذلك فقالا له ما أراد القوم الاهلاكك وهلاك جندك ما نعلم بيتا لله اتخذه لنفسه فى الارض غيره ولئن فعلت ما دعوك اليه لتهلكنّ وليهلكنّ من معك جميعا قال فماذا تأمر اننى أن أصنع به اذا أنا قدمت عليه قال تصنع عنده ما يصنع أهله تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتتذلل له حتى تخرج من عنده قال فما يمنعكما أنتما من ذلك قالا أما والله انه لبيت أبينا ابراهيم وانه لكما أخبرناك ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالاوثان التى نصبوها حوله وبالدماء التى يهريقون عنده وهم نجس أهل شرك فعرف نصحهما وصدّق حديثهما فقرّب النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام فيما يذكرون ينحر بها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل ورأى فى المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أراد أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم رأى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل* وكان تبع فيما يزعمون أوّل من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم وأمرهم بتطهيره وأن لا يقرّبوه دما ولاميتة ولا ميلغا وهى الحائض وجعل له بابا ومفتاحا ثم خرج متوجها الى اليمن بمن معه من جنوده وبالحبرين حتى اذا دخل اليمن دعا قومه الى الدخول فيما دخل فيه فأبوا عليه حتى تحاكموا الى النار التى كانت باليمن قال ابن اسحاق فيما يرفعه الى طلحة بن عبيد الله أنه يحدّث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم الى دينه وقال انه خير من دينكم قالوا فحاكمنا الى النار قال نعم قال وكانت باليمن فيما يزعم أهلها نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضرّ المظلوم فخرج قومه بأوثانهم وما يتقرّبون به فى دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما متقلدين بهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذى تخرج منه فخرجت اليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها فردّهم من حضرهم من الناس وأمروا بالصبر لها حتى غشيتهم فأكلت الاوثان وما قرّبوها معها ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما تعرق جباههما لم تضرّهما النار فصفقت عند ذلك حمير عن دينها فمن هنالك كان أصل اليهودية باليمن قال ابن اسحاق وقد حدّثنى محدّث أن الحبرين ومن خرج من حمير انما تبعوا النار ليردّوها قالوا ومن ردّها فهو أولى بالحق فدنا منها رجال حمير بأوثانهم ليردّوها فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردّها ودنامنها الحبران بعد ذلك بمصاحفهما وجعلا يتلوان التوراة وتنكص حتى ردّاها الى مخرجها الذى خرجت منه فصفقت عند ذلك حمير عن دينها والله أعلم أىّ ذلك كان* قال ابن اسحاق وكان فى رئام بيت لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه اذ كانوا على شركهم فقال الحبران لتسع انما هو شيطان يفتنهم فحل بيننا وبينه قال فشأنكما به فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا أسود وذبحاه ثم هدما ذلك البيت فبقاياه اليوم فيما ذكر لى بها آثار الدماء التى كانت تهراق عنده*

ذكر خبر أبي عامر الراهب
ومن أخبار الجنّ ما روى أن أبا عامر الراهب كان وصافا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل ظهور أمره وكان قد رغب عن الشرك وطلب الحنيفية دين ابراهيم وسافر الى جهات شتى فسال أهل الكتاب عن الحنيفية فأخبره علماؤها بمبعث محمد صلّى الله عليه وسلم بملة ابراهيم عليه الصلاة والسلام ونعتوه له فقال أبو عامر انه ذكر لى كاهن باليمن أنه يذكر الامور المتوقعة الحدوث فتوجهت

(1/28)


اليه منفردا وسريت فى ليلة قراء فغشينى النوم فما أفقت الا وراحلتى تعسف بى مجهلا حزنا منكرا فراعنى ذلك وأوجست خوفا وتلغت فاذا نيران كالنجوم فنحوتها عسعا وخبطا حتى دنوت منها فاذا هى متقاربة قد حف بها مصطلون لا يشبهون البشر لهم لغط ولم أربيوتا ولا نعما فقفّ شعرى وقامت راحلتى فتغاجت ورجزت فالقيت نفسى عنها وانعطفت تلك الاشخاص زرافات نحوى فصرخت بأندى صوتى أنا عائذ بزعيم هذه الزرافات فأتانى أربعة منهم فحيونى وجلسوا الىّ فاذا صور مشوّهة ومناظر فظيعة فقال لى أحدهم ممن الانسى فقلت رجل من غسان من بنى قيلة قال أين نويت قلت ألست فى ذمّة جوار قال بلى فلا بأس عليك فأخبرتهم خبرى من فصه ثم قلت انا معشر الانس انما نعتمد الكهان لما يأخذونه عنكم من العلم فأخبرونى بطلبتى فأشار ثلاثة منهم الى الرابع وقالوا على الخبير سقطت فحصصته بالمسئلة فقال أبو من أنت فقلت أبو عامر فقال نعم يا أبا عامر ونعامة عين فدونك علما ليس بالمين يا أبا عامر أقسم بنا عش القفر الغامر بالقطر الهامر لتعملن العناسر الضوامر الى أكرم آمر وأنضح ذامر ولينزلن من السماء كلام آمر يحش العكص المغامر ويفحم عن السمر السامر يا أبا عامر ان الله قد أسفه هياع دغامر ومياع غوامر وكأن قد ندب هاصر أكاسر وقياصر وزافى غوايات أعاصر قال أبو عامر فقلت أملك هذا المندوب قال كلا بل نبى شراف كرام واف موطأ الاكناف من بنى هاشم بن عبد مناف فقال أبو عامر أراك تنسبه فهل تصفه لى قال أجل انه لأزهر وضاح ليس بالطويل الملواح ولا بالقصير الدحداح اذا نظررنا أولاح واذا أوذى أعرض وأشاح فى عينيه نجلة ولامره وشكلة غير ممغره وبين كتفيه امره وهو أمى لا يزبر السطره يأتى بالحنيفية الميسرة فيسعد من قاف أثره سمع أذنى من المجتحة السفره قال أبو عامر ثم نهض وامتتبع الثلاثة فتبعوه فلزمت مكانى سائر ليلتى فلما أصبحت عدت لطيتى* وأبو عامر هذا لم ينفعه الله تعالى بما علم من صفة النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكان يرتقب بعثة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما بعث حسده فخذل الناس عنه ولم يؤمن به وهو الذى بنى مسجد الضرار وهو المشار اليه بقوله تعالى وارصادا لمن حارب الله ورسوله وكان أوّل من أنشب الحرب يوم أحد ودعا النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يميته الله طريدا وحيدا فاستجاب الله دعاءه فعاود عبادة الاصنام وأقام بمكة الى يوم الفتح ثم فرّ يوم الفتح ولحق بأرض الروم فتنصر ومات بها طريدا وحيدا فنعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع (ومن أخبار الكهنة) ما روى أن مرثد بن عبد كلال كان ملكا عظيما رأى فى منامه رؤيا أحافنه فى حال منامه فلما استيقظ أنسيها حتى ما تذكر منها شيئا وبقى ارتعاده فى قلبه واستقرّ خوفه فى نفسه فانقلب سروره حزنا فجمع الكهان واستخبرهم فما أخبره أحد برؤياه ولا بتأويلها الى أن خرج يوما الى الصيد فأوغل فى طلبه وانفرد عن أصحابه فرفعت له أبيات فى ذرى جبل وقد لفحه الهجير فعدل الى الابيات وقصد بيتا منها كان منفردا عنها فبرزت اليه منه عجوز فقالت له انزل بالرحب والسعة والامن والدعة والجفنة المدعدعة والعلبة المترعة فنزل عن جواده ودخل البيت فلما احتجب عن الشمس وخفقت عليه الارواح نام فلم يستيقظ حتى تصرّم الهجير فجلس يمسح عينيه فاذا بين يديه فتاة لم ير مثلها فى الجمال فقالت له أيها الملك الهمام هل لك فى الطعام فاشتدّ اشفاقه وخاف على نفسه لما رأى أنها قد عرفته فتصامم عن كلمتها فقالت له لا حذر فداك البشر فجدّك الاكبر وحظنا بك الاوفر ثم قرّبت اليه ثريدا وقديدا وحيسا وقامت تذب عنه حتى انتهى أكله ثم سقته لنا صريغا وضريبا فشرب ما شاء وجعل يتأمّلها مقبلة ومدبرة فلأت عينه جمالا وقلبه هوى فقال لها ما اسمك يا جارية قالت له اسمى عفيرا قال لها يا عفيراء من الذى دعوتيه الملك الهمام قالت مرثد عظيم الشان حاشر السكواهن والكهان لمعضلة بعل بها الجان قال الملك يا عفيرا أتعرفين ما تلك المعضلة قالت أجل

(1/29)


أيها الملك الهمام انها رؤيا منام ليست بأضغاث أحلام قال أصبت يا عفيرا فما تلك الرؤيا قالت رأيت أعاصير زوابع بعضها لبعض تابع فيها لهب لامع ولها دخان ساطع يقفوها نهر متدافع وسمعت فيما أنت سامع دعاء ذى جرس صادع هلموا الى المشارع روى جارع وعذق كارع قال الملك أجل هذه رؤياى فما تأويلها يا عفيرا قالت الاعاصير الزوابع ملوك تتابع والنهر علم واسع والداعى نبىّ شافع والجارع ولىّ تابع والكارع عدوّله منازع قال الملك يا عفيرا أسلم هذا النبىّ أم حرب قالت أقسم برافع السماء ومنزل الماء من الغماء انه لمبطل الدماء ومنطق العقائل نطق الاماء قال الملك الى ماذا يدعو يا عفيرا قالت الى صلاة وصيام وصلة أرحام وكسر أصنام وتعطيل أزلام واجتناب آثام قال الملك يا عفيراء من قومه قالت مضر بن نزار ولهم منه نقع مثار يجلى عن ذبح وأسار قال يا عفيراء اذا ذبح قومه فمن أعضاده قالت أعضاده غطاريف يمانيون طائرهم به ميمون يغزوبهم فيغزون ويدمث بهم الحزون والى نصره يعزون* (ومن أخبار الكهنة) ما روى أن لهيبا بن مالك اللهبى قال حضرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الكهانة فقلت يا رسول الله نحن أوّل من عرف حراسة السماء وزجر الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم وذلك أنا اجتمعنا الى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك وكان شيخا كبيرا قد أتى عليه من العمر مائة وثمانون سنة وكان من أعلم كهاننا فقلنا له يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التى يرمى بها فانا قد فزعنا لها وهالنا أمرها وخفنا سوء عاقبتها فقال ائتونى بسحر أخبركم الخبر بخير أم ضرر وأمن أم حذر قال لهيب فانصرفنا عنه يومنا ثم أتيناه من الغد فى وجه السحر فاذا هو قائم على قدميه شاخص الى السماء بعينيه فناديناه يا خطر فأومأ الينا أن اسكتوا فأمسكنا وانقض نجم عظيم من السماء فصرخ الكاهن قائلا أصابه اصابه خامره عقابه عاجله عذابه أحرقه شهابه زايله جوابه يا ويله ما حاله بلبله بلباله عاوده خباله تقطعت حباله وغيرت أحواله ثم أمسك طويلا ثم قال يا معشر بنى قحطان أخبركم بالحق والبيان أقسمت بالكعبة والاركان والبلد المؤتمن السكان قد منع السمع عتاة الجان بثاقب يكف ذى سلطان من أجل مبعوث عظيم الشان يبعث بالتنزيل والقرآن وبالهدى وفاصل الفرقان تبطل به عبادة الاوثان قال لهيب فقلنا له يا خطر انك لتذكر أمرا عجيبا فماذا ترى لقومك قال* أرى لقومى ما أرى لنفسى* أن يتبعوا خير نبىّ الانس* برهانه مثل شعاع الشمس* يبعث من مكة دار الحمس* بمحكم التنزيل غير اللبس* فقلنا له يا خطر وممن هو فقال والحياة والعيش انه لمن قريش ما فى حلمه طيش ولا فى خلقه هيش يكون فى جيش وأىّ جيش من آل قحطان وآل ايش فقلت له بين لنا من أىّ قريش هو قال والبيت ذى الدعائم والركن والاحائم انه لمن نجل هاشم من معشر أكارم يبعث بالملاحم وقتل كل ظالم ثم قال هذا هو البيان أخبرنى به رئيس الجان ثم قال الله أكبر جاء الحق وظهر وانقطع عن الجنّ الخبر ثم سكت وأغمى عليه فما أفاق الا بعد ثلاث وقال لا اله الا الله* فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبحان الله لقد نطق عن مثل نبوّة وانه ليبعث يوم القيامة أمّة وحده والله تعالى أعلم