تاريخ
الخميس في أحوال أنفس النفيس * الطليعة الثانية من المقدّمة
(الطليعة الثانية من المقدّمة فى ذكر خلق السموات والارض ومدّة خلقهما وخلق
الملائكة والجان وذكر مدّة الدنيا ومدّة هذه الامّة وابتداء خلق آدم وحوّاء
وأخذ الميثاق وكيفية انتقال نبينا صلّى الله عليه وسلم من الاصلاب الطيبة
الى الارحام الطاهرة وبالعكس وبيان نسبه من الطرفين وذكر الشام والارض
المقدّسة وكيفية ظهور زمزم أوّلا فى زمن ابراهيم واسماعيل وانطماسها بعدهما
وبقائها منطمسة الى زمن عبد المطلب وفيها ذكر يعقوب ويوسف وذكر قتل شعيا
وتخريب بخت نصر بيت المقدس وقصة قتل زكريا ويحيى وذكر ظهور زمزم فى زمن عبد
المطلب ثانيا) *
(1/30)
*
(ذكر خلق السماء والارض)
* روى عن الحسن خلق الله الارض فى موضع بيت المقدس كهيئة النهر عليها دخان
أى جوهر ظلمانى ملتزق بها ثم أصعد منها الدخان وخلق منه السموات وأمسك
النهر فى موضعه وبسط منه الارض* وفى المدارك وغيره بسط الارض من تحت الكعبة
فذلك قوله تعالى كانتا رتقا وهو الالتزاق فخلق جرم الارض مقدّم على خلق
السماء وأما دحوها وبسطها فتأخر لقوله تعالى والارض بعد ذلك دحاها كذا فى
الكشاف وأنوار التنزيل وغيرهما* وفى عرائس الثعلبى قالت العلماء ثم لما
أراد الله عز وجل أن يخلق السموات خلق جوهرة مثل السموات السبع والارضين
السبع ثم نظر اليها نظر هيبة فصارت ماء ثم نظر الى الماء فعلا وارتفع له
زبد ودخان فخلق من الزبد الارض ومن الدخان السماء لقوله تعالى ثُمَّ
اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ ثم فتقها بعد ما كانت طبقة واحدة
وصيرها سبعا وذلك قوله تعالى أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانتا رتقا
ففتقناهما قال الربيع بن أنس سماء الدنيا موج مكفوف والثانية من صخرة
والثالثة من حديد والرابعة من نحاس والخامسة من فضة والسادسة من ذهب
والسابعة من ياقوت* (ذكر مدّة خلقهما) * عن محمد بن سيرين عن رجل من أهل
الكتاب أسلم قال ان الله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا
تَعُدُّونَ وقال ابن عباس تلك الايام الستة مقدار ستة آلاف سنة انتهى قال
الله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ من الاحد الى الجمعة وتفصيل ذلك فى سورة حم السجدة خلق الارض فى
يومين الآيات وفى الحديث ان الله خلق الارض يوم الاحد والاثنين وخلق الجبال
وفى رواية الحديد يوم الثلاثاء وخلق يوم الاربعاء الشجر والماء والعمران
والخراب وأنواع النباتات والحيوانات وأقوات أهل الارض وأرزاقهم فتلك أربعة
أيام وخلق سبع سموات فى يومين الآيات فخلق يوم الخميس السموات وخلق يوم
الجمعة الشمس والقمر والنجوم والملائكة وخلق آدم آخر ساعة من يوم الجمعة
آخر الخلق فى الساعات قيل هى الساعة التى تقوم فيها القيامة وخلقهما
بالمهملة تعليما للاناءة ولو أراد أن يخلقهما فى لحظة لفعل كذا فى أنوار
التنزيل وغيره* وفى بحر العلوم والمشارق للعلامة مسلم عن أبى هريرة قال أخذ
رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيدى فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق
فيها الجبال يوم الاحد وخلق البحر وفى المشارق الشجر يوم الاثنين* وخلق
المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الاربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس
وخلق آدم يوم الجمعة آخر الخلق فى آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر
الى الليل* وفى صحيح مسلم فى آخر ساعة من النهار وفى البحر أيضا خلق الله
آدم وزوّجه حوّاء يوم الجمعة وأسكنه الجنة وأهبطه منها وتوفاه وذلك كله يوم
الجمعة* وفى العرائس روت الرواة أن الله تعالى ابتدأ خلق الاشياء يوم الاحد
الى الخميس وخلق يوم الخميس ثلاثة أشياء السموات والملائكة والجنة الى ثلاث
ساعات بقيت من يوم الجمعة فخلق فى الساعة الاولى الاوقات والآجال وفى
الثانية الارزاق وفى الثالثة آدم عليه السلام وقال يحيى بن كثير خلق الله
ألف أمّة فأسكن ستمائة البحر وأربعمائة البرّ كذا فى المختصر*
(ذكر خلق الملائكة والجان)
* فى أنوار التنزيل اختلف العقلاء فى حقيقة الملائكة بعد اتفاقهم على أنها
ذوات موجودة قائمة بأنفسها فذهب أكثر المسلمين الى أنها أجسام لطيفة قادرة
على التشكل بأشكال مختلفة مستدلين بأن الرسل كانوا يرونهم كذلك وقالت طائفة
من النصارى هى النفوس الفاضلة البشرية المفارقة للابدان وزعم الحكماء أنها
جواهر مجرّدة مخالفة للنفوس الناطقة فى الحقيقة منقسمة الى قسمين قسم شأنهم
الاستغراق فى معرفة الحق والتنزه عن الاشتغال بغيره كما وصفهم فى محكم
تنزيله فقال يسبحون الليل والنهار
(1/31)
لا يفترون وهم العلويون والملائكة
المقرّبون وقسم يدبر الامر من السماء الى الارض على ما سبق به القضاء وجرى
به القلم الالهى لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم المدبرات
أمرا فنهم سماوية ومنهم أرضية* وفى بحر العلوم روى عن ابن عباس أنه قال ان
الله خلق الفلك وخلق تحته بحرا من نار لا دخان لها وخلق منها نوعين من
الملائكة خلق من لهبها نوعا ومن جمرها نوعا فالذين خلقهم من لهبها سماهم
الملائكة والذين خلقهم من جمرها سماهم جانا قال الله تعالى والجانّ خلقناه
من قبل من نار السموم فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجان الارض فاختلف
النوعان من ثلاثة أوجه أولئك سموا ملائكة وأولئك سموا جانا وأولئك كانوا من
نور وهؤلاء من عينها وأولئك أسكنوا السماء وهؤلاء أسكنوا الارض وابليس كان
منهم لقوله تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ* وفى المدارك عن
الحافظ أن الجنّ والملائكة جنس واحد فمن طهر منهم فهو ملك ومن خبث فهو
شيطان ومن كان بين ذلك فهو جنّ* وفى ربيع الابرار أن صنفا من الملائكة لهم
ستة أجنحة فجناحان يلفون بهما أجسادهم وجناحان يطيرون بهما فى الامر من
أمور الله وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من الله* وفى أصول الامام الصفار
سئل رضى الله عنه أتكون الملائكة فى الآخرة فى الجنة قال نعم لانهم يبلغون
السلام من الله على المؤمنين كما قال الله تعالى والملائكة يدخلون عليهم من
كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار* وسئل رضى الله عنه أن
الملائكة هل يرون ربهم قال لا يرون ربهم سوى جبريل مرّة واحدة فقيل اذا
كانوا موحدين لم لا يرون ربهم قال لان الرؤية فضل الله والله تعالى يؤتى
الفضل من يشاء كما قال الله تعالى وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله
ذو الفضل العظيم* وسئل رضى الله عنه أن الجنّ هل يدخلون الجنة قال كفار
الجنّ مع كفار الانس فى النار أبدا كما قال تعالى لأملأنّ جهنم من الجنة
والناس أجمعين وأما مؤمنو الجنّ قال أبو حنيفة رضى الله عنه لا يكونون فى
الجنة ولا فى النار ولكن فى معلوم الله وعند صاحبيه يكونون فى الجنة ولكن
لا يرون الله تعالى كما ذكرنا فى الملائكة* وفى أنوار التنزيل روى عن ابن
عباس أن من الملائكة ضربا يتوالدون يقال لهم الجنّ ومنهم ابليس* وفى كتاب
أبى المعين النسفى وقد جاء فى الخبر أن الشيطان اذا فرح على معصية بنى آدم
يبيض بيضتين فيخرج منها الولد وهذا هو الصحيح وقد جاء فى الخبر أن فى احدى
فخذيه فرجا وفى الاخرى ذكرا فيجامع نفسه فيخرج منه الولد وهذا غير صحيح
والصحيح هو الاوّل* وفى أنوار التنزيل والمدارك الجان أبو الجنّ كما ان آدم
أبو الانس وقيل الجان ابليس ويجوز أن يراد به جنس الجنّ خلقه من قبل خلق
الانسان أو قبل خلق آدم قوله من نار السموم أى الحرّ الشديد النافذ فى
المسام* قيل هذه السموم جزء من سبعين جزأ من سموم النار التى خلق الله منها
الجان وهو لا ينافى قوله تعالى وخلق الجانّ من مارج من نار المارج النار
الصافية الخالصة من الدخان قوله من نار بيان للمارج فانه فى الاصل للمضطرب
من مرج اذا اضطرب ولا يمتنع خلق الحياة فى الاجرام البسيطة كما لا يمتنع
خلقها فى الجواهر المجرّدة فضلا عن الاجسام المؤلفة التى الغالب فيها الجزء
النارى فانها أقبل لها من المؤلفة التى الغالب فيها الجزء الارضى وقوله من
نار باعتبار الغالب كقوله تعالى خلقكم من تراب* وفى المشكاة الجنّ ثلاثة
أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون فى الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون
رواه فى شرح السنة* وفى بحر العلوم ان الله أسكن الجنّ الارض وركب فيهم
الشهوة وكلفهم العبادة فأتى عليهم الزمار فتناسلوا وتنافسوا وتكاسلوا
وتفاسدوا وتحاسدوا وتقاتلوا وتعاطوا الحرام وارتكبوا الآثام فبعث الله
اليهم رسولا فعصوه فدعاهم فأبوا وكان فيهم عابد زاهد ففارقهم وصعد جبلا
واتخذ صومعة وجعل يعبد الله تعالى ويقول لا طاقة لى بعذاب الله ولا قوّة لى
(1/32)
على عقاب الله وكان اسمه يومئذ عزازيل لعزه
بالطاعة فعبد الله زمانا وبالغ حتى أعجب ذلك ملائكة السماء الدنيا فسألوا
الله أن يرفعه اليهم ليفرحوا برؤيته فقرح المطيعين بالمطيعين وانس المحبين
بالمحبين وقالوا طاعات جميع الارض لوقو بلت بطاعة واحد من أهل السماء
الدنيا لرجح عمل ذلك الواحد على عمل هؤلاء وطاعات أهل السماء الدنيا وأهل
الارض لوقو بلت بطاعة واحد من ملائكة السماء الثانية لرجح ذلك على عمل
هؤلاء وكذلك كل سماء على هذا الاعتبار الى العرش ثم هم يسرّون بعمل أهل
الارض ويتقرّبون اليهم فرفعه الله الى السماء الدنيا فاجتهد فيهم وزاد فى
الجهد فنظر اليه أهل السماء الثانية فأعجبهم فسألوا ما سأل أهل سماء الدنيا
ثم كذلك الى أن رفعه الله الى العرش واختلط بحملة العرش والطائفين حوله
واجتهد حتى أكرم بخزانة العرش ودفع اليه مفتاحها فكان يطوف حول السموات
ومعه مفتاح الجنة وكانوا يتقرّبون اليه ويتنادون فيما بينهم يا خازن الجنة
ومقدّم أهل العبادة فلا اغترار بالبرّ فتحت كل برّ شرّ ولا اعتماد بالطاعة
ففى كل طاعة آفة* وفى رواية أخرى لهذه القصة قال أبىّ بن كعب وجدت فى
التوراة ان الجنّ بنى الجان كانوا قبيلة من الملائكة أنزلهم الله تعالى
الارض وركب فهم الشهوة فتناسلوا وكثروا فصار واسبعين ألف قبيلة كل قبيلة
سبعون ألف كردوس كل كردوس سبعون ألف نفس كلهم كانوا مطيعين مصلحين حتى مضى
على ذلك زمان فاتفق أن واحدا منهم مرّ بأرض نبت فيها نبات رائق فأعجبه ثم
مرّ به بعد أيام فاذا هو قد طال ثم مرّ به بعد زمان فاذا هو قد أورق ثم مرّ
به بعد زمان فاذا له عناقيد وهو زرحون أعناب وقد أينع فتناوله فاذا هو حلو
فعصره وشرب من عصيره وجعل ما بقى فى ظرف فأوكأه ثم طلبه بعد زمان فاذا هو
قد اشتدّ ورمى بالزبد وسكن وصار مسكرا فتناول شيئا منه فأخذته الحميا فزاد
حتى سكر وبسط ثم غلبه السكر فوقع فلما صحا أخبر أصحابه بذلك فذهبوا الى تلك
الزراجين وأخذوا تلك العناقيد واعتصروا واتخذوا الخمور وشربوا واعتادوا ذلك
حتى كثر فيهم السكر ووقعوا بذلك فى الزنا واللواط والقتل وسائر المحرّمات
وأفضى بهم ذلك الى الكفر وكان ذلك كله بسبب الخمر ولقد صدق رسول الله صلى
الله عليه وسلم الخمر أمّ الخبائث وكان فيهم الحارث وهو اسم ابليس فى
الابتداء وقيل كان اسمه عزازيل فاعتزل هو وألف نفس معه عنهم واجتمعوا فى
موضع يعبدون الله وكثر فساد أولئك حتى شكت الارض الى الله منهم وسألت
اهلاكهم فقال الله أنا حليم ولا أعاحلهم بالعقوبة حتى ألزمهم الحجة وانما
يعجل بالعقوبة من يخاف الفوت والله تعالى يمهل ولا يهمل واذا أخذ فأخذه
شديد وأمر الله تعالى عزازيل أن يرسل اليهم واحدا منهم ممن معه يدعوهم الى
الايمان وترك العصيان فأرسل اليهم سهلوت بن بلاهت فأتاهم والى الاسلام
دعاهم فغصوه وقتلوه فلم يزل يرسل واحدا بعد واحد من الالف وهم يقتلون حتى
أرسل آخرهم وهو يوسف بن ياسف فقاسى منهم الشدّة فى طويل مدّة يدعوهم
ويؤذونه ويداريهم ويخوّفونه حتى أغلواد هنا فى مرجل وألقوه فيه حتى هلك ولم
يسلم أحد منهم ثم شكت الارض الى ربها وقالت نال عنادهم النهاية وبلغوا
الغاية فاستحقوا العقاب واستوجبوا الاذهاب فبعث الله تعالى كردوسا من
الملائكة بيد كل واحد منهم سيف أو حربة وكان يخرج من أفواههم النيران وأمّر
عليهم الحارث فجاؤهم وقاتلوهم وكان الجنّ أولى قوّة وبأس شديد فقاتلوهم
واشتدّ الحرب والطعن والضرب بينهم ثم ظفر الملائكة بهم وهزموهم الى المغرب
وأرسل الله تعالى نارا فأحرقتهم وريحا فأذرتهم والى البحار فألقتهم هذا
جزاء الكفر والكفران وعاقبة الذنب والطغيان* وفى معالم التنزيل ان الله خلق
السموات والارض وخلق الملائكة والجنّ فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن فى
الارض ويقال لهم بنو الجان فعبدوا الله دهرا طويلا فى الارض* وفى بحر
العلوم
(1/33)
أيضا مضى ابليس وجنده فى طاعة الله وعبادته
ثلثمائة سنة انتهى ثم ظهر فيهم الحسد والبغى فأفسدوا واقتتلوا فبعث الله
جندا من الملائكة يقال لهم الجنّ وهم خزان الجنان اشتق لهم الاسم من الجنة
رئيسهم ابليس وكان اسمه عزازيل بالسريانية وبالعبرانية الحارث فلما عصى غير
اسمه وصورته فقيل له ابليس لانه أبلس من رحمة الله وكان رئيسهم ومرشدهم
وأكثرهم علما فهبطوا الى الارض وطردوا الجنّ الى شعوب الجبال وجزائر البحور
وسكنوا الارض وخفف الله عنهم العبادة وأعطى ابليس ملك الارض وملك السماء
الدنيا وخزانة الجنة وكان يعبد الله تارة فى الارض وتارة فى السماء وتارة
فى الجنة فداخله العجب وقال فى نفسه ما أعطانى الله هذا الملك الالأنى أكرم
الملائكة عليه فقال له ولجنده انى جاعل فى الارض خليفة وستجىء تتمته ان شاء
الله تعالى*
(ذكر مدّة الدنيا وذكر مدّة هذه الامّة)
* ذكر الشيخ جلال الدين السيوطى فى رسالته الكشف عن مجاوزة هذه الامّة
الالف أحاديث تدل على كمية مدّة الدنيا ومدّة هذه الامّة وهى هذه عن أنس
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر الدنيا سبعة أيام من أيام الآخرة
قال الله تعالى وانّ يوما عند ربك كألف سنة مما تعدّون وعن الضحاك بن رمل
الجهنى أنه رأى فى الرؤيا منبرا فيه سبع درجات ورسول الله صلّى الله عليه
وسلم فى أعلاها فقصها عليه فقال صلّى الله عليه وسلم أما المنبر الذى رأيت
فيه سبع درجات وأنا فى أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة وأنا فى آخرها
ألفا أخرجه البيهقى فى الدلائل وأورده السهيلى فى الروض الانف وقال هذا
الحديث وان كان ضعيف الاسناد فقد روى موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح أنه
قال الدنيا سبعة أيام كل يوم ألف سنة وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم
فى آخرها وصحح أبو جعفر الطبرى هذا الاصل وعضده بآثار وقوله فى هذا الحديث
أنا فى آخرها ألفا أى معظم المسئلة فى الالف السابعة ليطابق ما سيأتى من
أنه بعث فى أواخر الالف السادسة ولو كان بعث فى أوّل الالف السابعة كانت
الاشراط الكبرى كالدجال ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها وجدت قبل اليوم
بأكثر من مائة سنة لتقوم الساعة عند تمام الالف ولم يوجد شئ من ذلك فدل على
أن الباقى من الالف السابعة أكثر من ثلثمائة سنة* وقال ابن أبى حاتم فى
التفسير عن ابن عباس قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضى
منها ستة آلاف ومائة سنة وليأتين عليها مئين سنين وليس عليها موحد* وقال
ابن أبى الدنيا فى كتاب ذمّ الامل حدّثنا علىّ بن سعيد حدّثنا ضمرة بن هشام
قال قال سعيد بن جبير انما الدنيا جمعة من جمع الآخرة وقال عبد بن حميد فى
تفسيره حدّثنا محمد بن الفضل عن حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن
سيرين عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال ان الله تعالى خلق السموات والارض فى
ستة أيام وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدّون وجعل أجل الدنيا ستة أيام
وجعل الساعة فى اليوم السابع فقد مضت الستة أيام وأنتم فى اليوم السابع*
وعن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون ان مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة انما
نعذب بكل ألف من أيام الدنيا يوما واحدا فى النار وانما هى سبعة أيام
معدودات ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى وقالوا لن تمسنا النار الا أياما
معدودة الى قوله هم فيها خالدون أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم
وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما الشفاعة يوم
القيامة لمن عمل الكبائر من أمّتى ثم ماتوا عليها فهم فى الباب الاوّل من
جهنم لا تسوّد وجوههم ولا تزرق أعينهم ولا يغلون بالاغلال ولا يقرّنون مع
الشياطين ولا يضربون بالمقامع ولا يطرحون فى الأدراك منهم من يمكث فيها
ساعة ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها يوما ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم
يخرج ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج وأطولهم مكثا فيها من يمكث فيها مثل
الدنيا منذ خلقت الى يوم أفنيت وذلك
(1/34)
سبعة آلاف سنة*
دقيقة في اختصاص السبعة بأن تكون مدّة الدنيا
قيل الحكمة فى اختصاص السبعة من بين الاعداد بأن تكون مدّة الدنيا هى انها
عدد وترها شفع وشفعها وتر ومجموع عدد وترها وشفعها مثل نفسها كما يقال واحد
وثلاثة وخمسة وسبعة وهى عدد وترها وهى شفع ويقال أيضا اثنان وأربعة وستة
وهى عدد شفعها وهى وتر واذا جمع أجزاء الوتر والشفع يكون سبعة وليس فى
الاعداد مثله الا أن يكون مضاعفا كمية مثل سبعين وسبعمائة وسبعة آلاف ولهذا
الشرف كان عدد الافلاك والكواكب السيارة وطبقات الارض والاقاليم والبحار
وأيام الاسبوع ومدّة الدنيا سبعة آلاف سنة والطواف بالبيت والسعى بين الصفا
والمروة ورمى الجمار وأبواب جهنم ودركاتها وامتحان يوسف فى السجن ورؤيا ملك
مصر سبع بقرات والفاتحة سبع آيات وتركيب ابن آدم سبعة أعضاء وخلقته من سبعة
أشياء قال تعالى ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين الى قوله فتبارك الله
أحسن الخالقين ورزق الانسان وغذاؤه من سبعة أشياء قوله تعالى فلينظر
الانسان الى طعامه الى قوله وفاكهة وأبا وأمرنا بالسجود على سبعة أعضاء الى
غير ذلك قال وهب كادت الاشياء أن تكون سبعا كذا فى عرائس الثعلبى* وعن عبد
الله ابن عمرو بن العاصى أنه قال ما كان منذ كانت الدنيا رأس مائة سنة الا
كان عند رأس المائة أمر فاذا كان رأس مائة خرج الدجال ونزل عيسى ابن مريم
فيقتله ويمكث الناس بعد الدجال أربعين سنة تعمر الاسواق وتغرس النخل أخرجه
الطبرانى عن أبى هريرة وأخرج أحمد فى مسنده عن عائشة رضى الله عنها قالت
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخرج الدجال فينزل عيسى ابن مريم فيقتله
ثم يمكث عيسى فى الارض أربعين سنة اماما عادلا وحكما مقسطا وأخرج الحاكم فى
المستدرك عن ابن مسعود عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ما بين أذنى
الدجال أربعون ذراعا فذكر الحديث الى أن قال ينزل عيسى ابن مريم فيقتله ثم
يمكث فى الارض أربعين سنة فيمتعون لا يموت أحد ولا يمرض أحد ويقول لغنمه
ودوابه اذهبن فارعين وتمرّ الماشية بين الزرع لا تأكل سنبلة والحيات
والعقارب لا تؤذى أحدا والسبع على أبواب الدور لا يؤذى أحدا ويأخذ الرجل
المدّ من القمح فيبذر بلا حرث فيجىء منه سبعمائة مدّ فيمكثون فى ذلك الى أن
يكسر سدّ يأجوج ومأجوج فيخرجون ويفسدون فيبعث الله دابة من الارض فتدخل
آذانهم فيصبحون موتى أجمعين وتنتن الارض منهم ويتأذى الناس من نتنهم
ويستغيثون الى الله فيبعث الله عز وجل ريحا يمانية غبراء تنسف رممهم وتقذف
بها الى البحر لا يلبثون الا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها* وقال ابن أبى
شيبة يبلغه الى عبد الله بن عمرو قال يمكث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها
عشرين سنة ومائة وأخرج أبو نعيم بن حماد عن كعب قال اذا انصرف عيسى ابن
مريم والمؤمنون من يأجوج ومأجوج لبثوا سنوات ثم رأوا كهيئة الهرج والغبار
فاذا هى ريح قد بعثها الله لقبض أرواح المؤمنين فتلك آخر عصابة تقبض من
المؤمنين ويبقى الناس بعدهم مائة عام لا يعرفون دينا ولا سنة يتهارجون
تهارج الحمر عليهم تقوم الساعة وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن عمرو قال
يرسل الله بعد يأجوج ومأجوج ريحا طيبة فتقبض روح عيسى وأصحابه وكل مؤمن على
وجه الارض ويبقى بقايا الكفار وهم شرار الناس مائة سنة وأخرج أبو نعيم عن
عبد الله بن عمرو قال لا تقوم الساعة حتى تعبد العرب ما كانت تعبد آباؤها
عشرين ومائة عام بعد نزول عيسى ابن مريم وبعد الدجال قال الشيخ جلال الدين
السيوطى ان هذه الاحاديث والآثار تدل على أن مدّة هذه الامّة تزيد على ألف
سنة ولا تبلغ الزيادة خمسمائة سنة فما هو المشهور على ألسنة الناس أن
النبىّ صلّى الله عليه وسلم لا يمكث فى قبره ألف سنة باطل لا أصل له وذلك
لانه ورد من طرق متعدّدة أن مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة وأن النبىّ صلّى
الله عليه وسلم بعث فى آخر الالف السادسة كما ذكر وأن
(1/35)
الدجال يخرج على رأس مائة سنة وينزل عيسى
فيقتله ثم يمكث فى الارض أربعين سنة فيمتعون الى آخر الحديث المذكور وورد
أن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة وان بين
النفختين أربعين سنة كما أخرجه البخارى ومسلم عن أبى هريرة وأخرجه أبو داود
وابن مردويه عن أبى هريرة وأخرج ابن المبارك عن الحسن قال ما بين النفختين
أربعون سنة الاولى يميت الله بها كل حىّ والاخرى يحيى الله بها كل ميت فهذه
مائتا سنة ولا بدّ منها والباقى الآن من الالف مائة سنة وسنتان والى الآن
لم تطلع الشمس من مغربها ولا خرج الدجال الذى خروجه قبل طلوع الشمس بسنتين
ولا ظهر المهدى الذى ظهوره قبل الدجال بسبع سنين ولا وقعت الاشراط التى
وقوعها قبل ظهور المهدى ولا بقى ما يمكن خروج الدجال من قرن لانه انما يخرج
عند رأس مائة وقبل خروج الدجال مقدّمات تكون فى سنين كثيرة فأقل ما يجوز أن
يكون خروجه على رأس الالف ان لم يتأخر الى مائة بعدها فكيف يتوهم أحد أن
الساعة تقوم قبل تمام الالف هذا شىء غير ممكن بل ان اتفق خروج الدجال على
رأس الالف وهو الذى أبداه بعض العلماء احتمالا مكثت الدنيا بعده أكثر من
مائة سنة وهى المائتان المشار اليهما والباقى ما بين خروج الدجال وطلوع
الشمس من مغربها ولا يدرى كم هو وان تأخر الدجال عن رأس الالف الى مائة
أخرى كانت المدّة أكثر ولا يمكن أن تكون المدّة ألفا وخمسمائة أصلا* قال
الشيخ جلال الدين السيوطى رأيت فى كتاب العلل للامام أحمد بن حنبل أنه قال
حدّثنا اسماعيل بن عبد الكريم بن معقل عن منبه حدّثنا عبد الصمد أنه سمع
وهبا يقول قد خلا من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمائة سنة انى لأعرف كل زمن
منها ومن كان فيه من الملوك والانبياء وهذا يدل على أن مدّة هذه الامّة
تزيد بنحو أربعمائة سنة تقريبا*
(ذكر ابتداء خلق آدم)
* قال فى معالم التنزيل لما أراد الله أن يخلق آدم قال لابليس وجنده انى
جاعل فى الارض خليفة أى بدلا منكم ورافعكم الىّ فكرهوا ذلك لانهم كانوا
أهون الملائكة عبادة والمراد بالخليفة هاهنا آدم سماه خليفة لانه خلف الجنّ
أى جاء بعدهم والصحيح أنه خليفة الله فى أرضه لاقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه
قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك قال
انى أعلم ما لا تعلمون* قال النسفى فى بحر العلوم عن وهب بن منبه لما أراه
الله أن يخلق آدم أوحى الى الارض انى جاعل منك فى الارض خليفة فمنهم من
يطيعنى ومنهم من يعصينى فمن أطاعنى أدخلته الجنة ومن عصانى أدخلته النار
فقالت الارض منى تخلق خلقا يكون للنار قال نعم فبكت الارض فانفجرت منها
العيون الى يوم القيامة* قال وهب بعث الله اليها جبريل ليأتيه منها بقبضة
من زواياها الاربع من أسودها وأحمرها وطيبها وخبيثها وسهلها وحزنها فلما
أتاها جبريل ليقبض منها قالت الارض انى أعوذ بعزة الله الذى أرسلك الىّ من
أن تأخذ منى شيئا يكون منه نصيب للنار غدا فرجع جبريل الى مكانه ولم يأخذ
من الارض شيئا فقال يا رب استعاذت بك الارض منى فكرهت أن أقدم عليها فقال
الله تعالى لميكائيل انطلق فأتنى بقبضة منها من زواياها الاربع من أسودها
وأحمرها وسهلها وحزنها وطيبها وخبيثها فلما انتهى اليها ميكائيل ليقبض منها
قالت الارض له كما قالت لجبريل فرجع ميكائيل فقال كما قال جبريل فقال الله
لاسرافيل كما قال لهما فانطلق ورجع وقال مثل ما قالاه من العذر ثم قال لملك
الموت انطلق فأتنى بقبضة من الارض كالاوّل فلما أتاها ملك الموت قالت أعوذ
بعزة الله الذى أرسلك الىّ من أن تقبض منى قبضة يكون للنار فيها نصيب غدا
فقال ملك الموت وأنا أعوذ بعزته أن أعصى له أمرا فقبض منها قبضة من زواياها
الاربع من أديمها الاربع* وفى الحديث ان الله خلق آدم من قبضة قبضها
عزرائيل من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الارض منهم
(1/36)
الاحمر والابيض والاسود والاصفر وبين ذلك
والسهل والحزن والخبيث والطيب كذا فى المصابيح* وفى الوفا بعث الله عزرائيل
فقبض منها قبضة وكان ابليس قد وطئ الارض بقدميه فصار بعض الارض بين قدميه
وبعض الارض موضع أقدامه فخلقت النفس مما مس قدم ابليس فصارت مأوى الشرّ ومن
التربة التى لم يصل اليها قدم ابليس أصل الانبياء والاولياء* قال فى
العوارف فكانت درّة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع نظر الله تعالى من
قبضة عزرائيل لم يمسها قدم ابليس وقيل لما خاطب الله تعالى السموات والارض
بقوله ائتيا طوعا أوكرها الآية أجاب من الارض موضع الكعبة ومن السماء ما
يحاذيها* وعن ابن عباس أصل طينة النبىّ صلّى الله عليه وسلم من سرّة الارض
بمكة يعنى الكعبة وهو مشعر بأن ما أجاب من الارض درّته صلّى الله عليه وسلم
ومن الكعبة دحيت الارض فصار النبىّ صلّى الله عليه وسلم هو الاصل فى
التكوين* وقال فى العوارف عقبه وتربة الشخص مدفنه فكان مقتضى ذلك أن يكون
مدفنه هناك لكن قيل لما تموّج الماء رمى الزبد الى النواحى فوقعت جوهرة
النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى ما يحاذى تربته الشريفة بالمدينة فكان مكيا
مدنيا فلمكة الفضل بالبداية وللمدينة بالاستقرار والنهاية انتهى قال فصعد
عزرائيل بالقبضة الى السماء فأمره فجعلها طينا أربعين سنة حتى صار لازبا ثم
حمأ مسنونا أربعين سنة ثم تركه حتى يبس وصار صلصالا أربعين سنة فجعله جسدا
موضوعا على طريق مكة للملائكة الذين يصعدون من الارض الى السماء أربعين سنة
فكلما مرّ عليه ملأ عجبوا من حسن صورته ولم يكونوا رأوا قبل ذلك على صورة
آدم شيئا من الصور حتى مرّ به ابليس فقال الشىء مّا خلق الله هذا أجوف يأكل
الطعام فقال لاصحابه انى لأرى صورة مخلوق سيكون له شأن أرأيتم هذا الذى لم
تروا على صورته شيئا من الخلق ان فضل الله عليكم هذا ماذا أنتم صانعون
قالوا نطيع ربنا ولا نعصى له أمرا فقال ابليس فى نفسه لئن فضل علىّ لا
أطيعه ولئن فضلت عليه لأهلكنه هذا ما فى بحر العلوم* وفى المشكاة عن أنس أن
رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لما صوّر الله آدم فى الجنة تركه ما شاء
الله أن يترك فجعل ابليس يطوف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا
يتمالك رواه مسلم وعن ابن عباس أن ابليس مرّ على جسد آدم وهو ملقى بين
الكعبة والطائف أى بوادى نعمان لا روح فيه فقال لامر ما خلق الله هذا ثم
دخل من فيه وخرج من دبره وقال انه خلق لا يتمالك لانه أجوف ثم قال للملائكة
الذين معه أرأيتم ان فضل هذا عليكم وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون قالوا نطيع
أمر ربنا قال ابليس فى نفسه والله لو سلطت عليه لاهلكنه ولئن سلط علىّ
لأعصينه كذا فى معالم التنزيل* وقال محيى السنة أرى هذا الحديث مشكلا جدّا
أى بين حديثى أنس تناف فقد ثبت بالكتاب والسنة أن آدم خلق من أجزاء الارض
فدل على أنه أدخل الجنة وهو بشر حىّ وقال القاضى الاخبار متظاهرة على أن
الله خلق آدم من تراب قبض من وجه الارض وخمر حتى صار طينا ثم تركه حتى صار
صلصالا وكان ملقى بين مكة والطائف ببطن نعمان لكن لا ينافى ذلك تصويره فى
الجنة لجواز أن تكون طينته لما خمرت فى الارض وتركت فيها حتى مضت عليها
الاطوار واستعدّت لقبول الصورة الانسانية حملت الى الجنة فصوّرت ونفخ فيها
الروح كذا ذكره الطيبى فى شرح المشكاة وكذا فى شرح المشارق* وقال وهب روى
أن الله تعالى قال لعزرائيل أنت تصلح لقبض أولاده وسماه ملك الموت وسلطه
على ذلك وكما جعله لقبض التراب الذى بدأ به خلقهم جعله لقبض أرواحهم وختم
به عمرهم كذا فى بحر العلوم* روى أن عزرائيل لما قبض تلك القبضة من التراب
خلط بعضها ببعض وجمعها بين مكة والطائف فطرت عليها قزعة أربعين سنة من بحر
الاحزان وهو بحر تحت العرش يقال له بحر الاحزان ولذا قيل لا يمرّ على بنى
آدم يوم بلا حزن* وفى بهجة النفوس فطرت عليها
(1/37)
الحزن تسعا وثلاثين سنة ثم مطرت عليها
السرور سنة واحدة* وفى العرائس كان آدم جسدا ملقى على باب الجنة أربعين سنة
وكان يمطر عليه الحزن ثم مطر عليه سنة واحدة السرور فلذلك كثرت الغموم فى
أولاده وتصير عاقبتهم الى الفرح والراحة وفى هذا قيل
أىّ شئ يكون أعجب من ذا ... لو تفكرت فى صروف الزمان
حادثات السرور توزن وزنا ... والبلايا تكال بالقفزان
وكان الله عز وجل يخمر طينته بيد القدرة من غير مشاركة الغير فجعل فى جبلته
وطبيعته ما أراد وعن ابن مسعود عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال خلق
الله آدم يوم الجمعة من كل تربة من البلاد رأسه من بيت المقدس وصدره من
العراق ومقعده من بابل ويده اليمنى من البيت العتيق ويده اليسرى من فارس
ورجليه وقدميه من أرض الهند وأرض يأجوج ومأجوج فلذلك اختلفت ألوان بنى آدم
وفى رواية ابن عباس فرجه من بابل ويديه من أرض الكعبة ورجليه من أرض الهند
وكليتيه من أرض الصحراء وعظامه من الجبال وأمعاءه من الجزائر وكبده من أرض
الموصل وطحاله من أرض الحجاز وفخذيه من أرض اليمن وبطنة من أرض الطائف
وظهره من أرض الشام ووجهه من أرض الجنة وعينيه من أرض الكوثر وقلبه من نور
العرش كذا فى بحر العلوم* وكان فى الاوّل ترابا فعجن بالماء فصار طينا فمكث
ما شاء الله فصار حمأ أى طينا تغير واسودّ من طول مجاورة الماء مسنونا
منتنا فخلص فصار سلالة فصوّر فيبس فصار صلصالا أى طينا يابسا غير مطبوخ
يصلصل أى يصوّت اذا نقر ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سوّاه ونفخ فيه من
روحه كذا فى المدارك وأنوار التنزيل*
غريبة من الفتوحات
وفى الفتوحات المكية ان الله تعالى لما خلق آدم عليه الصلاة والسلام الذى
هو أوّل جسم انسانى تكوّن وجعله أصلا لوجود الاجسام الانسانية فضلت من خمير
طينته فضلة خلق منها النخلة فهى أخت لآدم عليه السلام وهى لناعمة وسماها
الشرع لناعمة وشبهها بالمؤمن ولها أسرار عجيبة دون سائر النبات وفضل من
الطينة بعد خلق النخلة قدر السمسمة فى الخلفاء فمدّ الله من تلك الفضلة
أرضا واسعة الفضاء اذا جعل العرش وما حواه والكرسى والسموات والارضون وما
تحت الثرى والجنات كلها والنار فى هذه الارض كان الجميع فيها كحلقة ملقاة
فى فلاة من الارض وفيها من العجائب والغرائب ما لا يقدر قدره ويبهر العقول
أمره وفى كل نفس يخلق الله فيها عوالم يسبحون الليل والنهار لا يفترون وفى
هذه الارض ظهرت عظمة الله وعظمت عند المشاهد لها قدرته وكثير من المجالات
العقلية التى قام الدليل الصحيح العقلى على احالتها موجود فى هذه الارض وهى
مسرح عيون العارفين العلماء بالله تعالى وفيها يجولون وخلق الله من جملة
عوالمها عالما على صورنا اذا أبصرهم العارف يشاهد نفسه فيهم وقد أشار الى
مثل ذلك عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فيما روى عنه فى حديث هذه الكعبة
بيت واحد من أربعة عشر بيتا وان فى كل أرض من السبع الارضين خلقا مثلنا حتى
ان فيهم ابن عباس مثلى وصدقت هذه الرواية عند أهل الكشف*
(ذكر الروح)
* قال فى أنوار التنزيل ويسئلونك عن الروح أى الذى يحيى به بدن الانسان
ويدبره قل الروح من أمر ربى أى من الابداعيات الكائنة بكن من غير مادّة
وتولد من غير أصل كأعضاء جسده اذا وجد وجدت بتكوينه على أن السؤال عن قدمه
وحدوثه وقيل مما استأثر الله تعالى بعلمه لما روى أن اليهود قالوا لقريش
سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذى القرنين وعن الروح فان أجاب عنها أو سبكت فليس
بنبىّ وان أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبىّ فسألوه فبين لهم القصتين وأبهم
لهم أمر الروح وهو مبهم فى التوراة وقيل جبريل وقيل خلق أعظم من الملك وقيل
القرآن ومن أمر ربى معناه من وجيه* وفى المواهب اللدنية
(1/38)
قد اختلف فى المراد بالروح فى قوله
ويسئلونك عن الروح والجواب يدل على أنها شئ موجود مغاير للطبائع والاخلاط
وتركيبها فهى جوهر بسيط مجرّد لا يحدث الا بمحدث وهو قوله تعالى كن فكان
قال هى موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه ولها تأثير فى افادة حياة الجسد ولا
يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه* قال فى فتح البارى قد تنطع قوم
وتباينت أقوالهم فقيل هى النفس الداخل الخارج وقيل جسم لطيف يحل فى جميع
البدن وقيل هى الدم وقد بلغت الاقوال فيها المائة ونقل ابن منده عن بعض
المتكلمين أن لكل نبىّ خمسة أرواح ولكل مؤمن ثلاثة وقال ابن العربى اختلفوا
فى الروح والنفس فقيل متغايران وهو الحق وقيل هما شئ واحد* وعن وهب روى أنه
لما تم تخمير طينة آدم وعدّلت أجزاؤه وسوّيت أعضاؤه أراد الله أن ينفخ فيه
الروح فأمرها أن تدخل فيه فقالت الروح مدخل بعيد القعر مظلم فقال له ادخل
ثانيا فقال كذلك فقال له ثالثا فقال كذلك فقال له رابعا ادخل كرها واخرج
كرهأ كذا فى بحر العلوم* روى أن الروح أدخلت فى جسد آدم الفخارى من قبل
رأسه فكل عضو تحل فيه الروح حلولا سريانيا يصير لحما ودما ولما بلغت دماغه
عطس فانتشرت فيه فنزلت لسانه وصدره فألهمه الله قوله الحمد لله فقال الله
يرحمك ربك يا آدم* قال جعفر بن محمد مكثت الروح فى رأس آدم مائة عام وفى
صدره مائة عام وفى ساقيه وقدميه مائة عام كذا فى المواهب اللدنية* وعن ابن
عباس رضى الله عنهما أنه قال لما بلغت الروح صدره ولم تتمكن فيه بعد أراد
أن يقوم وفى رواية لما دخلت الروح فى عينيه نظر الى ثمار الجنة ولما وصلت
جوفه اشتهى الطعام فأراد أن يقوم الى ثمار الجنة قبل أن تبلغ رجليه وذلك
قوله تعالى خلق الانسان من عجل وهذه الرواية تشعر بأن خلق آدم كان فى الجنة
وقيل خلقه الله فى آخر النهار يوم الجمعة فأسرع فى خلقه قبل مغيب الشمس قال
يا رب عجل خلقى قبل الليل فذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل* وفى المدارك
وغيره العجل الطين بلغة حمير قال الشاعر
فى الصخرة الصماء منبته ... والنخل تنبت بين الماء والعجل
وفى بهجة الانوار دخلت الروح فى آدم من رجليه ويقال من دماغه فلما دخلت
استدارت فيه مقدار مائتى عام ثم نزلت فى عينيه قيل الحكمة فيه ارادة الله
تعالى أن ينظر آدم الى بدء خلقه وأصله حتى اذا تتابعت عليه الكرامات لا
يدخله الزهو والعجب ثم نزلت الروح خياشيمه فعطس فقبل فراغ العطاس نزلت الى
فمه ولسانه ولقنه بالحمد لله وذلك أوّل ما جرى على لسانه فأجابه ربه يرحمك
الله يا آدم ثم نزلت الى صدره وشراسيفه فعجل بالقيام فلم يتمكن وذلك قوله
تعالى خلق الانسان من عجل فلما وصلت الى جوفه اشتهى الطعام فهو أوّل حرص
دخل فى جسد آدم ثم انتشر الروح فى جسده كله فصار لحما ودما وعروقا وعصبا ثم
كساه لباسا من ظفر يزداد كل يوم حسنا فلما قارف الذنب بدّل هذا الظفر وبقيت
منه بقية فى أنامله ليتذكر بذلك أوّل حاله ولذلك اذا ضحك الانسان فنظر الى
ظفره نسى الضحك فلما أتم الله خلق آدم ونفخ فيه الروح قرطقه وشنفه وسوّره
وألبسه من لباس الجنة وزينه بأنواع الزينة فخرج من ثناياه نور كشعاع الشمس
ونور محمد صلّى الله عليه وسلم يلمع من جسده كالقمر ليلة البدر ثم رفعه على
سرير وحمله على أكناف الملائكة وأدخله الجنة كما سيجىء* وفى بحر العلوم
فلما نفخ الروح فى آدم صار فى رأسه وعينيه وأذنيه ولسانه ثم صار فى جسده
كله حتى بلغ قدميه فلم يجد منفذا فرجع ليخرج من منخريه فعطس فقال له ربه قل
الحمد لله رب العالمين فقالها آدم فقال يرحمك الله ولذلك خلقتك فلما انتهى
الى ركبتيه أراد الوثوب فلم يقدر فلما بلغت قدميه وثب فقال الله تعالى وكان
الانسان عجولا فصار بشرا ودما وعظما وعروقا وعصبا واحشاء*
(ذكر عيسى ومريم ويحيى)
يقال ان الله تعالى خلق من نفسين نفسين
(1/39)
من عطسة آدم عيسى ومن عطسة الاسد الهرّة
روى أن آدم لما عطس أمر الله جبريل بأن يأخذها وفى رواية بكر بن قيس بفيه
وأمره بحفظها الى زمان مريم حتى نفخ فيها فحملت بعيسى كذا فى بحر العلوم*
وقصتها أنها لما حاضت اعتزلت مكانا شرقيا فى بيت المقدس أو شرقى دارها
ولذلك اتخذ النصارى المشرق قبلة فاتخذت من دونهم حجابا وسترا وقعدت فى
مشرقه للاغتسال من الحيض محجبة بشئ يسترها وكانت تتحوّل من المسجد الى بيت
خالتها أو أختها اذا حاضت وتعود اليه اذا طهرت فبينما هى فى مغتسلها أتاها
جبريل فى صورة شاب أمرد وضىء الوجه جعد الشعر سوىّ الخلق لتستأنس بكلامه
ولعله لتهيج شهوتها فتنحدر نطفتها الى رحمها فدنا جبريل فنفخ فى جيب درعها
فدخلت النفخة فى حوفها كذا فى أنوار التنزيل* قيل فى قوله لتهيج شهوتها
فتنحدر نطفتها الى رحمها نظر* وفى المدارك فوصلت النفخة الى بطنها فحملت
بعيسى وكانت مدّة حملها ستة أشهر وقيل تسعة أشهر كسائر النساء وقيل ثمانية
ولم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره وقيل كان الحمل ساعة واحدة فكما حملته
نبذته قاله ابن عباس وقيل حملته فى ساعة وصوّر فى ساعة ووضعته فى ساعة* وفى
لباب التأويل وضعته حين زالت الشمس من يومها انتهى وكان سنّ مريم حينئذ
ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين وقد حاضت حيضتين وقيل عشرين سنة كذا فى أنوار
التنزيل والمدارك وغيرهما* وفى الباب التأويل كان سنها ست عشرة سنة وكانت
قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى* وفى معالم التنزيل قال أهل التاريخ حملت
بعيسى وهى بنت ثلاث عشرة سنة وولدته ببيت لحم من الارض المقدّسة لمضىّ خمس
وستين سنة من غلبة الاسكندر على أرض بابل وتكلم فى المهد وهو ابن أربعين
يوما وليلة روى أنه اشار بسبابته وقال بصوت رفيع انى عبد الله كذا فى
المدارك وفى الحديث لم يتكلّم فى المهد الا ثلاثة عيسى ابن مريم وصاحب جريج
والصبىّ الذى رأت أمّه راكب دابة فارهة حسن الهيئة فقالت اللهم اجعل ابنى
مثله فسمع الصبىّ وهو يرتضع فترك الثدى وقال اللهم لا تجعلنى مثله ورأت
جارية وهم يضربونها ويقولون لها زنيت سرقت وهى تقول حسبى الله ونعم الوكيل
فقالت أم الصبىّ اللهم لا تجعل ابنى مثلها فترك الصبى الرضاع وقال اللهم
اجعلنى مثلها* وجاء فى الخبر أيضا شاهد يوسف والذى فى قصة أصحاب الاخدود أن
صبيا يرتضع قال لامّه حين امتنعت عن النار يا أمّه اصبرى فانّك على الحق
فالحصر الذى وقع فى الحديث فى الثلاثة الاول اما لصحة تكلمهم فى المهد وعدم
الاختلاف فيهم ووجوده فيمن عداهم فقيل انهم كانوا كبارا بلغوا حدّ الكلام
واما لان النبىّ صلّى الله عليه وسلّم كان أخبر بما فى علمه مما أوحى الله
اليه فى تلك الحالة ثم بعد ذلك أعلمه الله بما شاء من ذلك فأخبر به كذا فى
شرح المشارق* وفى أنوار التنزيل عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم تكلم أربعة
صغار ابن ماشطة بنت فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم روى أن
فرعون لما أمر بقتل ابن الماشطة وجزعت أمّه أنطقه الله تعالى فقال يا أمّه
لا تجزعى وانظرى فوقك فنظرت فرأت الجنة فاطمأنت وأوحى الله تعالى الى عيسى
ابن مريم عليه السلام على رأس ثلاثين سنة وكانت نبوّته ثلاث سنين ورفعه
الله من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة* وفى
الملل والنحل للشهرستانى عيسى ابن مريم هو المبعوث حقا بعد موسى عليه
السلام المبشر فى التوراة وكانت له آيات ظاهرة وبينات زاهرة مثل احياء
الموتى وابراء الاكمه والابرص ونفس وجوده وفطرته آية كاملة على صدقه وذلك
حصوله من غير نطفة سابقة ونطقه من غير تعليم سالف وجميع الانبياء بلاغهم
ووحيهم بعد أربعين سنة وقد أوحى الله اليه انطاقا فى المهد وأوحى اليه
ابلاغا عند الثلاثين وكانت مدّة دعوته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام
فلما رفع الى السماء اختلف الحواريون وغيرهم فيه* وفى المدارك عن بعض
العلماء أنه مرّ بالروم فقال
(1/40)
لهم لم تعبدون عيسى قالوا لانه لا أب له
قال فآدم أولى لانه لا أبوين له قالوا كان يحيى الموتى قال فحزقيل أولى لان
عيسى أحيا أربعة نفر وحزقيل أحيا ثمانية آلاف فقالوا كان يبرئ الاكمه
والابرص قال فجر جيس أولى لانه طبخ وأحرق ثم قام سالما* وفى المدارك قال
النبىّ صلّى الله عليه وسلم ينزل عيسى خليفة على أمّتى يدق الصليب ويقتل
الخنزير ويلبث أربعين سنة ويتزوّج ويولد له ثم يتوفى وكيف تهلك أمّة وأنا
فى أوّلها وعيسى فى آخرها والمهدى من أهل بيتى فى وسطها روى أنه قدم جذام
وهم أهل مدين فقال النبىّ صلّى الله عليه سلم مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى
لا تقوم الساعة حتى يتزوّج فيكم المسيح ويولد له* وفى ربيع الابرار عن أبى
هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا أهبط الله عيسى من السماء فانّه
يعيش فى هذه الامّة ما شاء الله ثم يموت بمدينتى هذه ويدفن الى جانب قبر
عمر فطوبى لابى بكر وعمر فانهما يحشران بين نبيين كما سيجىء وعاشت أمّه
مريم بعد رفعه ست سنين كذا فى معالم التنزيل* وفى أنوار التنزيل والمدارك
فى نسب عيسى ابن مريم بنت عمران بن ماثان بن سليمان ابن داود بن ايشا من
نسل يهوذا بن يعقوب ويحيى بن زكرياء أمّه سارة بنت عمران أخت مريم فعيسى
ويحيى ابنا خالة وأما عمران أبو موسى وهارون فهو عمران بن يصهر بن فاهث بن
عارى بن لاوى بن كعب بن يعقوب كذا فى كتاب الاعلام وبين العمرانين ألف
وثمانمائة سنة وقيل كانت مريم من نسل هارون النبىّ أخى موسى عليهما السلام
وبينهما ألف سنة وأمّ مريم حنة بنت فاقود امرأة عمران بن ماثان ولما ولدتها
لفتها فى خرقة وحملتها الى المسجد ووضعتها عند الاحبار ابناء هارون وهم فى
بيت المقدس كالحجبة فى الكعبة فقالت لهم دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها
لانها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم وكان بنو ماثان رؤس بنى اسرائيل
وأحبارهم فقال لهم زكريا أنا أحق بها عندى أختها قالوا لا حتى نقترع
فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين الى نهر فألقوا فيه أقلامهم وهى الاقلام التى
كانوا يكتبون التوراة بها اختاروها للقرعة تبرّ كابها فارتفع قلم زكريا فوق
الماء ورسبت أقلامهم فكفلها زكرياء ولما رأى من حال مريم فى كرامتها على
الله ومنزلتها عنده رغب أن يكون له من ايشاع أخت مريم ولد مثلها فى الكرامة
على الله وان كانت عاقرا فقد كانت أمّ مريم كذلك وكان زكرياء حينئذ ابن خمس
وسبعين سنة أو ثمانين سنة وفى رواية كان له تسع وتسعون سنة فبشره الله
بيحيى مصدّقا بكلمة من الله أى بعيسى مؤمنا به فهو أوّل من آمن بعيسى وذلك
لان أمّه كانت حاملا وقد حملت مريم بعيسى فقالت لها أمّ يحيى يا مريم أحامل
أنت فقالت كيف تقولين ذلك قالت انى أرى ما فى بطنى يسجد لما فى بطنك فذلك
تصديقه له وايمانه به وكان يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر وذلك أن مولد يحيى
كان قبل مولد عيسى بستة أشهر ثم قتل يحيى قبل أن يرفع عيسى عليه السلام كذا
فى عرائس الثعلبى وستجىء قصة يحيى عليه السلام ولم يرتكب يحيى سيئة قط
وآتاه الله الحكم صبيا وهو فهم التوراة والفقه فى الدين وقبل النبوّة أحكم
الله عقله فى صباه واستنبأه روى أن الصبيان دعوه الى اللعب وهو صبىّ فقال
ما للعب خلقنا* وهذه القصة وقعت فى البين وفصلت اتصال الكلامين فلنرجع الى
ما كنا فيه* يقال سمى آدم لانه خلق من أديم الارض ووجهها لان فى لونه أدمة
وهى لون البرّ وقيل لان طينته مخلوقة من الماء والتراب من أدمت بين الشيئين
اذا خلطتهما هذا على تقدير كونه عربيا كاشتقاق يعقوب من العقب وادريس من
الدرس وابليس من الابلاس وأما على تقدير كونه أعجميا وهو الاقرب كآزر وشالخ
بدليل منع الصرف فلا اشتقاق* وفى بحر العلوم للنسفى ان الكلبى ذكر عن أبى
صالح عن ابن عباس أنه قال ان آدم لما هبط الى جبل الهند كان رأسه يمسح
السحاب فصلع فأورث ولده الصلع وهو المشهور بين المؤرّخين وقالوا كان آدم
يصعد الجبل فيسمع
(1/41)
تسبيح الملائكة فقصره الله تعالى حتى بلغ
ستين ذراعا وهو مخالف لما رواه أبو هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه
قال خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا كذا فى حياة الحيوان* وزاد فى
المشكاة فى سبعة أذرع عرضا وفى الصحيحين فكل من يدخل الجنة على صورة آدم
فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن كذا فى المشارق واختلف فى أن المراد ذراع آدم
أو الذراع المتعارف بين الناس الآن* وفى حياة الحيوان فى قوله صلّى الله
عليه وسلم خلق الله آدم على صورته قال القاضى أبو بكر بن العربى المالكى
العلامة يعنى على صفاته وليس لله خلق أحسن من الانسان فان الله عز وجل خلقه
حيا عالما قادرا مريدا متكلما سميعا بصيرا مدبرا حكيما وهذه صفات الرب
تعالى وعن أبى أمامة أن رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنبيا كان
آدم قال نعم قال كم بينه وبين نوح قال عشرة قرون صححه ابن حبان* وفى العمدة
القرن مائة سنة لما روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم وضع يده على رأس
غلام وقال سيعيش هذا الغلام قرنا فقيل كم القرن قال مائة سنة فعاش مائة سنة
وقيل القرن ثمانون سنة وقيل أربعون سنة* وفى المواهب اللدنية اختلفوا فى
تحديد القرن كم مدّة من الزمان من عشرة أعوام الى مائة وعشرين لكن لم أر من
صرّح بالتسعين ولا بمائة وعشرة وما عدا ذلك فقد قال به قائل* وقال صاحب
المحكم القرن هو المتوسط من أعمار أهل كل زمن وهذا أعدل الاقوال روى ان آدم
لم يكن له لحية وانما كانت لبنيه وأوّل من شاب منهم ابراهيم عليه السلام
وسيجىء كما ورد فى صفة أهل الجنة جرد مرد على صورة آدم عليه السلام وروى فى
بعض الاخبار أن آدم لما كثر بكاؤه على فراق الجنة نبتت لحيته والاصح هو
الاوّل كذا فى المتقى*
نفيسة
وفى الخبر سيد الصور صورة آدم عليه السلام وسيد الملائكة اسرافيل وسيد
الانبياء محمد صلّى الله عليه وسلم وسيد الشهداء هابيل وسيد المؤذنين بلال
وسيد الشهور رمضان وسيد الايام يوم الجمعة وسيد الليالى ليلة القدر وسيد
المساجد المسجد الحرام وسيد البيوت الكعبة وسيد الجبال جبل موسى وسيد
الانعام الثور وسيد الطيور النسر وسيد الوحوش الابل وسيد السباع الاسد كذا
فى بحر العلوم* وفيه قال ابن عباس لما قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد
فيها الآية أراد الله أن يظهر فضل آدم عليه السلام فعلمه وأظهر فضله عليهم
بعلمه ما لا يعلمونه ثم اختلف فى وجه تعليمه فقيل انه أرسل اليه ملكا من
غير هؤلاء وأوحى اليه بذكر أسماء المخلوقات فسمعها وحفظها وقيل ألهمه فوقع
فى قلبه فجرى لسانه بما فى قلبه بتسمية الاشياء من عنده* واختلف أيضا فى
أنه جرى لسانه بتسميتها بلسان واحد أم بالالسنة كلها فقيل بلسان واحد ثم كل
فريق تواضعوا على غير ذلك من الالسنة وقيل بالالسنة كلها التى يتكلم بها
جميع الناس الى يوم القيامة* وعلم ذلك كله أولاده فلما تفرّقوا تكلم كل قوم
منهم بلسان استسهلوه منها وألفوه ثم أنسوا غيره بعد تطاول الزمان وقيل
أصبحوا وكل قوم منهم يتكلمون بلغة قد نسوا غيرها فى ليلة واحدة واختلفوا فى
أنه كان تعليم الاسماء وحدها أو تعليمها بمعانيها ان هذا اسمه كذا ويستعمل
فى كذا ونفعه كذا وضرّه كذا قال الربيع بن أنس وأبو العالية علمه أسماء
الملائكة جبرائيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وكذا كل ملك* وقال عبد الرحمن
بن زيد علمه أسماء ذرّيته من وقت آدم الى انقراض العالم وقال ابن عباس
ومجاهد وقتادة والضحاك علمه اسم كل شىء حتى القصعة والقصيعة والمغرفة وقال
ابن عباس فى رواية علمه اسم كل عين وكل فعل* وقال مقاتل خلق كل شئ من
الحيوان والجماد وغيرهما ثم علم آدم أسماءها فقال له يا آدم هذا فرس وهذا
بغل وهذا حمار حتى أتى الى آخرها وقال سعيد بن جبير اسم كل جنس البعير
والبقرة والشاة ونحوها وقال أبو موسى الاشعرى علمه صنعة كل شىء وقال الضحاك
عن ابن عباس علمه أسماء المدن وأسماء القرى وأسماء
(1/42)
الطيور والشجر وأسماء ما كان وما يكون الى
يوم القيامة وقيل أسماء المخلوقات كلها فى الارض وفى السماء من الحيوانات
والجمادات والمطعومات والمشروبات وكل نعيم فى الجنة وقال عكرمة اسم الغراب
والحمامة وقال حميد الشامى أسماء النجوم وقال الحسن البصرى علمه كل صنعة
فعلمه صنعة الحديد الذى يعمل به فى الزرع عموما فحرث به وسقى حتى بلغ ثم
حصده ثم داسه ثم ذرّاه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه* وقال الامام القشيرى عموم
قوله الاسماء يقتضى الاستغراق واقتران قوله كلها يوجب الشمول والتحقيق فلما
علمه أسماء المخلوقات كلها على ما قاله المفسرون علمه أسماء الحق لكى يظهر
للملائكة محل تخصيصه بأسماء المخلوقات وبذلك القدر بان رجحانه عليهم وأما
انفراده بأسمائه سبحانه وتعالى فذلك سرّ لا يطلع عليه ملك* ومن ليس له رتبة
مساواة آدم فى معرفة أسماء المخلوقات فأى طمع له فى مساواته فى معرفة أسماء
الحق ووقوفه على أسرار الغيب فاذا كان التخصيص بمعرفة أسماء المخلوقات
يقتضى أن يصلح لسجود الملائكة فما الظنّ بالتخصيص بمعرفة أسماء الحق تعالى
فى استحقاق مزيد الاعزاز والاكرام* ثم عرضهم على الملائكة أى عرض أصحاب
الاسماء أى المسميات وهم الملائكة والناس والجنّ والشياطين وغيرهم فاجتمع
فى ذلك من يعقل ومن لا يعقل فلذلك جمع بالهاء والميم تغليبا للعقلاء على
غيرهم وهى قراءة العامّة وفى قراءة أبىّ ثم عرضها وهو يرجع الى الاسماء*
قال قتادة لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام همست الملائكة فيما بينهم
وقالت لله أن يخلق من الخلق ما يشاء ولكن لن يخلق خلقا أفضل وأعلم منا
فأظهر الله تعالى عجزهم وعلم آدم الاسماء وأمر الملائكة فقال أنبئونى
بأسماء هؤلاء أى أخبرونى بأسماء هؤلاء المسميات ان كنتم صادقين أنكم أعلم
منه فلما عجزوا عن ذلك قالوا فى جوابه سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا قال
وهب بن منيه ألهم الله آدم الاسماء فقال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فسمى كل
أمّة باسمها من البهائم والبقاع والنبات وأمم البرّ على حدة وأمم البحر على
حدة ثم فتح له السموات فسمى أهل كل سماء بأسمائهم فلما أنبأهم بذلك وعلموا
فضله وعرفوا عجزهم قال الله لهم ألم أقل لكم انى أعلم غيب السموات والارض
الآية ولما ظهر فضله عليهم بالعلم أمرهم بخدمته وهو قوله واذ قلنا للملائكة
اسجدوا لآدم* اختلف فى هذا فقيل هم ملائكة الارض الذين هم كانوا مع ابليس
طهر الله بهم الارض ممن أفسد فيها من الجان وقيل هم ملائكة السموات السبع
وقيل هم جميع الملائكة ولذا قال كلهم أجمعون وقيل انه خطاب للملائكة ولغير
الملائكة من عالم زمانهم ليسجدوا له جميعا والملائكة لما كانوا أشرف العالم
حينئذ كان من عداهم تبعا لهم ثم اختلفوا فى تفسير هذا السجود قيل هو
استسخارهم لآدم وولده لان الله تعالى سخر الملائكة له ولهم فى انزال المطر
عليهم وحفظ آثارهم وكتب أعمالهم والعروج بها الى السماء لان السجود فى
اللغة الفتور والانكسار وقيل هو التواضع وقيل ان السجود المأمور به كان
الايماء دون السجود المستوفى فى الصلاة كالذى يفعله الناس فى لقاء عظمائهم
من الخضوع والتواضع لهم تشريفا وتعظيما وليس بسجود تامّ ونقل هذا عن أبىّ
بن كعب وابن عباس حيث قالا كان ذلك انحناء ولم يكن خرورا وقيل وهو قول
الاكثرين وهو الظاهر من السجود هو السجود المستوفى المأمور بمثله فى الصلاة
وهو وضع الجبهة على الارض بدليل ما فى آية أخرى فقعوا له ساحدين فدل على
أنه أراد به الانحناء التامّ بالخرور والسقوط على الارض واختلفوا أيضا فى
أنه كان على الدوام أو مرّة فمن جعله للاستسخار فهو فيه وفى ولده الى قيام
الساعة ومن جعله تواضعا له فهو له الى آخر عمره ومن جعله فعلا واحدا تحية
له فهو مرّة واختلف أيضا فى قوله لآدم ان الفعل كيف كان فى حقه قيل معناه
فعل أقيم له تعظيما له وتشريفا وبيانا لقدره وقيل هو عبادة أقيمت لله تعالى
لانه كان بأمره وكان آدم قبلة لها وفيه بيان قدره وتخصيصه لانه أمر به
تشريفا لشأنه وقيل كان
(1/43)
الفعل تحية له لا عبادة له لانه لا عبادة
الا لله تعالى وقال قتادة كان خدمة لله تعالى حرمة لآدم كصلاة الجنازة
عبادة لله تعالى دعاء للميت وقيل معناه اسجدوا لاجل آدم أى شكرا لما خلق من
خلق جديد وأصح ذلك كله أنه كان تحية لآدم على الخصوص ولو كان عبادة لله
تعالى وآدم قبلة فى ذلك لما استكبر ابليس وانما كان تحية له وتعظيما له
خاصة فلم ير له ابليس ذلك الاستحقاق فامتنع عنه واختلف أيضا فى أن الامر
كان خطابا من الله للملائكة من غير واسطة أو كان بواسطة رسول من الله
اليهم* واختلف فى أن هذا النوع من السجود الذى هو تحية وتعظيم لآدم هل كان
مباحا لغير آدم بحال قيل ما كان مباحا لغيره كما لم يجب لغيره وقيل كان
مباحا لغير آدم الى زمن يعقوب قال تعالى وخرّوا له سجدا وكان آخر من فعل له
ذلك ثم نسخ وقيل بل بقى الى زمن النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى سجدت له
الشجرة والجمل وقال له أصحابه نحن أحق بالسجود لك من هذه الاشياء فنعهم عن
ذلك وقال لا ينبغى لمخلوق أن يسجد الا لله تعالى ولو أمرت أحدا أن يسجد
لاحد لامرت الزوجة أن تسجد لزوجها* واختلف أيضا فى معنى الامر بذلك والحكمة
فيه قيل هو لبيان فضيلة العلم واستحقاق العالم خدمة غيره له وقيل هو لبيان
ضرر الطعن فى الغير وقيل هو لبيان استغنائه عن عبادتهم اياه وانكاره عليهم
قولهم ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك فقال لهم لا حاجة لى الى عبادتكم فاخدموا
عبدا من عبادى لم يعمل كثير عمل* قال وهب ابن منبه أوّل من سجد لآدم جبريل
فأكرمه الله بانزال الوحى على النبيين خصوصا على سيد المرسلين ثم ميكائيل
ثم اسرافيل ثم عزرائيل ثم سائر الملائكة وقيل أوّل من سجد لآدم اسرافيل
فرفع رأسه وقد ظهر القرآن كله مكتوبا على جبهته كرامة له على سبقته على
الائتمار* وأما موضع السجود فقد قيل كان فى الارض وقيل كان فى السماء وأما
الوقت فقد قيل كما نفخ فيه الروح سجدوا له لقوله تعالى فاذا سوّيته ونفخت
فيه من روحى فقعوا له ساجدين والفاء للتعقيب وقيل بل كان بعد انباء آدم
للملائكة بالاسماء واظهار فضله عليهم وايجاب خدمتهم له بسبب العلم وظاهر
نظم الآية فى سورة البقرة يدل عليه* وفى تفسير شفاء الصدور لابى بكر النقاش
عن بعضهم أنه قال كان سجود الملائكة لآدم مرّتين مرّة كما خلق بدليل قوله
فقعوا له ساجدين ومرّة بعد ظهور فضله عليهم بعد العلم بالاسماء بدليل ما فى
سورة البقرة وهذا قول تفرّد به هذا القائل ولم يوافقه أحد من المفسرين
وقالوا لم يكن ذلك الامرّة واحدة والاظهر هو السجود بعد الانباء بالاسماء
فأما الفاء فقد تكون للتعقيب مع التراخى كما فى قوله تعالى فأزلهما الشيطان
عنها فأخرجهما كان ذلك بعد مدّة وكذا قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات
فتاب عليه كان بعد مائتى سنة وأما مدّة السجود فقد قيل سجدوا فمكثوا فى
سجودهم خمسمائة عام والسجود يتأدّى منا بالوضع وان قلّ وهذا التخفيف لاحد
أمرين اما لضعفنا واما لعزنا قال الله تعالى خلق الانسان ضعيفا وقال ولله
العزة ولرسوله وللمؤمنين فكأنه قال أنت ضعيف فلا أكلفك فوق طاقتك وأنت عزيز
فلا أرضى مشقتك فلما رفعوا رؤسهم من السجود بعد خمسمائة سنة رأوا آدم أدخل
الجنة فتعجبوا فسجدوا مرّة أخرى وهذه السجدة كانت لله فمكثوا فى سجودهم
خمسمائة سنة أيضا فلما رفعوا رؤسهم ورأوا آدم قد أهبط الى الارض وتوفى ودفن
فى لحده قالوا الهنا وسيدنا مات آدم مع عزه وكرامته فأجيبوا كل نفس ذائقة
الموت ومن ذلك الوقت الى يومنا هذا قريب من سبعة آلاف سنة لم يرقأ لهم دمع*
وفى ليلة المعراج وجد النبىّ صلى الله عليه وسلم أهل السموات فى البكاء*
قصة اباء ابليس
وأما قصة اباء ابليس فلما أمر الله الملائكة بالسجود وسجدوا امتنع ابليس
فلم يتوجه الى آدم بل أعرض عنه وولاه ظهره وانتصب هكذا الى أن سجدوا ووقفوا
فى سجودهم مائة سنة وفى رواية خمسمائة سنة ورفعوا رؤسهم وهو قائم معرض لم
يندم
(1/44)
من الامتناع ولم يعزم على الاتباع ولما
رأوه خذل ولم يسجد عادوا الى السجود ثانيا فكان هذا لله والاوّل لآدم
وابليس يرى ذلك ولم يفعل ما فعلوه وهذا اباؤه*
(ذكر أخذ الميثاق)
* فى معالم التنزيل عن مقاتل وغيره من أهل التفسير لما خلق الله آدم مسح
صفحة ظهره اليمنى فأخرج منه ذرّية بيضاء كهيئة الذرّ يتحرّكون ثم مسح صفحة
ظهره اليسرى فأخرج منه ذرّية سوداء كهيئة الذرّ فقال يا آدم هؤلاء ذرّيتك
ثم قال لهم ألست بربكم قالوا بلى فقال للبيض هؤلاء للجنة برحمتى وهم أصحاب
اليمين وقال للسود هؤلاء للنار ولا أبالى وهم أصحاب الشمال ثم أعادهم جميعا
فى صلبه وفى الحديث ردّها اليه الاروح عيسى فانه أمسكه الى وقت خلقه ذكره
المقدسى فى تاج المعانى* وفى المشكاة عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلم لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها
الى يوم القيامة فجعل بين عينى كل انسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على
آدم فقال أى رب من هؤلاء فقال ذرّيتك فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين
عينيه فقال أى رب من هذا قال داود قال كم جعلت عمره قال ستين سنة قال رب
زده من عمرى أربعين سنة فلما انقضى عمر آدم الا أربعين جاءه ملك الموت فقال
آدم أولم يبق من عمرى أربعون سنة قال أولم تعطها ابنك داود فجحد آدم فجحدت
ذرّيته ونسى آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذرّيته وخطئ آدم فخطئت ذرّيته فمن
يومئذ أمر بالكتاب والشهود رواه الترمذى* وفى المشكاة أيضا قال آدم أى رب
فانى قد جعلت له من عمرى ستين سنة قال أنت وذاك ثم سكن آدم الجنة ما شاء
الله ثم أهبط منها وكان آدم يعدّ لنفسه فأتاه ملك الموت فقال له آدم قد
عجلت قد كتب لى ألف سنة قال بلى ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة* وفى عرائس
الثعلبى قال يا رب كم عمره قال ستون سنة قال يا رب زده فى عمره قال لا الا
أن تزيد أنت من عمرك فقد جف القلم بأعمار بنى آدم وكان عمر آدم ألف سنة
فوهب له من عمره أربعين سنة فكتب الله عليه كتابا بذلك وأشهد عليه الملائكة
فلما مضى من عمره تسعمائة وستون سنة جاءه ملك الموت ليقبضه فقال آدم عجلت
يا ملك الموت قال ما فعلت بك استوفيت أجلك فقال آدم قد بقى من عمرى أربعون
سنة قال انك قد وهبتها لابنك داود قال ما بعت ولا وهبت له شيئا فأنزل الله
الملائكة وأقام الملائكة شهودا ثم ان الله تعالى أكمل لآدم ألف سنة ولداود
مائة سنة* قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم نسى آدم فنسيت ذرّيته وجحد
آدم فجحدت ذرّيته فأمر الله تعالى بالكتاب والشهود من حينئذ وأهل القبور
محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء فلا تقوم
الساعة حتى يولد كل من أخذ عليه الميثاق* وفى بحر العلوم قوله مسح ظهر آدم
بيده أى أمر به ملكا ففعل فخرجت ذرّيته كأمثال الذرّ حتى ملؤا العالم وهم
كل مولود ولده ذكورهم واناثهم وأحرارهم وعبيدهم ومؤمنهم وكافرهم وأغنياؤهم
وفقراؤهم وملوكهم ورعاياهم وعلماؤهم وعوامّهم ومن ولد ميتا ومن يموت طفلا
ومن ينتهى الى الشيب ومن كان الى انقراض الدنيا فخرجوا كهيئة الذرّ وركب
الله فيهم العقل والسمع والنطق وأخرج الطبقة الاولى عن يمين آدم وهم بيض
يتلألؤن وقال هؤلاء أهل الجنة وبعمل أهل الجنة يعملون وأخرج الثانية عن
شمال آدم وقال هؤلاء أهل النار وبعمل أهل النار يعملون وهو تفسير للرواية
الاخرى السابقة وهى هؤلاء للنار ولا أبالى وهؤلاء للجنة ولا أبالى*
واختلفوا فى موضع أخذ الميثاق قال ابن عباس ببطن نعمان واد الى جنب عرفة
وعنه بحراء وقال ابن جبير كان بنعمان السحاب وهو بقرب عرفات كذا فى بحر
العلوم* وفى المشكاة بنعمان يعنى عرفة قال ابن الاثير نعمان بفتح النون*
وفى معجم ما استعجم نعمان بفتح أوّله واسكان ثانيه وادى عرفة الى منى كثير
الاراك* وفى شفاء الغرام موضع مشهور فوق عرفة على طريق الطائف من عرفة وفيه
مزارع حسنة وفيه أخذ الله الميثاق على ذرّية آدم على ما قاله ابن عباس
(1/45)
وروى ابن عباس أيضا بدهناء من أرض الهند
وهو الموضع الذى هبط به آدم عليه السلام وقال الكلبى بين مكة والمدينة
والطائف وقيل بعد ما عرج به الى السماء على سرير من ذهب على أكتاف الملائكة
على باب الجنة فى صحراء أرضها مسيرة ثلاثين ألف سنة كذا فى بحر العلوم*
وقال السدّى أخرج الله آدم من الجنة ولم يهبط من السماء ثم مسح ظهره وأخرج
منه ذرّيته* روى أن الله تعالى أخرجهم جميعا وصوّرهم وجعل لهم عقولا يعلمون
بها وألسنا ينطقون بها كملهم قبلا يعنى عيانا وقال ألست بربكم قال الزجاج
جاز أن يكون الله جعل لامثال الذرّ فهما تعقل به كما قال تعالى قالت نملة
يأيها النمل ادخلوا مساكنكم روى أن الله تعالى قال لهم اعلموا أنه لا اله
غيرى وأنا ربكم لا رب لكم غيرى لا تشركوا بى شيئا فانى سأنتقم ممن أشرك بى
ولم يؤمن بى وانى مرسل اليكم رسلا يذكرونكم عهدى وميثاقى ومنزل عليكم كتبا
فتكلموا جميعا وقالوا شهدنا أنك ربنا والهنا لا رب لنا غيرك فأخذ بذلك
مواثيقهم ثم كتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم فلما قرّرهم بتوحيده وأشهد بعضهم
على بعضهم أعادهم الى صلب آدم عليه السلام* وفى الكشاف وأنوار التنزيل
وغيرهما فى تفسير قوله تعالى واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذرّيتهم أى
أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن من ظهورهم بدل من بنى
آدم بدل بعض وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم أى ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب
فى عقولهم ما يدعوهم الى الاقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم ألست
بربكم قالوا بلى فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منزلة الاشهاد
والاعتراف على طريق التمثيل ويدل عليه قوله تعالى قالوا بلى شهدنا أن
تقولوا يوم القيامة أى كراهة أن تقولوا انا كنا عن هذا غافلين* وفى بحر
العلوم عن ابن عباس لما خلق الله آدم ظهر فى ظهره نور محمد صلّى الله عليه
وسلم وكانت الملائكة خلفه ينظرون الى ذلك النور فقال آدم يا رب ما لهؤلاء
ينظرون من خلفى الى ظهرى قال ينظرون الى نور محمد خاتم الانبياء الذى أخرجه
من ظهرك قال يا رب اجعل نوره بحيث أراه فظهر فى سبابته فقال يا رب هل بقى
فى ظهرى من هذا النور شئ قال نعم نور أصحابه قال يا رب اجعله فى بقية
أصابعى فجعل نور أبى بكر فى الوسطى ونور عمر فى البنصر ونور عثمان فى
الخنصر ونور علىّ فى الابهام وكان آدم ينظر الى تلك الانوار تتلألأ فى خلال
أصابع يمينه الى أن أكل من الشجرة وعوتب بذلك فنقل ذلك كله الى ظهره* قال
ابن عباس بعث الله تعالى الى آدم ملائكة من السماء معهم سرير من ذهب فحملوه
على السرير حتى صعدوا به الى السماء فأدخلوه الجنة ضحوة الجمعة وقال محمد
بن على الترمذى لما أكمل الله خلق آدم رفعه على أكتاف جبريل وميكائيل
واسرافيل وعزرائيل والملائكة على سرير من ذهب ويقال من ياقوت أحمر له
سبعمائة قائمة فقال لهم طوفوا به فى سمواتى ليرى عجائبها فيزداد يقينا
فطافوا به مقدار مائة عام حتى وقفوا به على كل شئ من عجائبها ثم أمرهم أن
يحوّلوا وجوههم من العرش اليه فيسجدوا له ففعلوا ولذلك تحمل جنازة أولاده
بأربعة وسئل كعب كم طاف الملائكة بآدم فى السموات مكر ما قال ثلاث مرّات
أوليها على سرير الكرم والثانية على أكتاف الملائكة والثالثة على الفرس
الميمون وهو مخلوق من المسك الاذفر وله جناحان من الدرّ والياقوت والمرجان
وجبريل آخذ بلجامها وميكائيل عن يمينه واسرافيل عن يساره فطافوا به السموات
كلها وهو يسلم على الملائكة عن يمينه وعن شماله فيقول السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته يا ملائكة الله وهم يقولون وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
فقال يا آدم هذه تحيتك وتحية ذرّيتك فيما بينهم الى يوم القيامة
خلق حوّاء
قال وهب وجماعة خلق الله حوّاء خارج الجنة ثم أمرها بدخول الجنة ثم اختلف
هؤلاء فقال بعضهم خلقها فى الارض وآدم بين مكة والطائف ثم حملا على سرير
الى الجنة وقال بعضهم خلق الله آدم وأمر بحمله على سرير الى سماء الدنيا
فلما وصل الى باب الجنة
(1/46)
وضع السرير وألقى عليه النعاس وخلقت حوّاء
من ضلعه اليسرى ثم أمر بدخول الجنة وقال ابن عباس وابن مسعود وجماعة خلقها
فى الجنة بعد دخول آدم فيها فالمرأة أصلها من الجنة ولهذا أبيح لها الحرير
والذهب وهما لاهل الجنة ولهذا لا يمل الزوج من الزوجة الحسناء الصالحة كما
لا يمل من نعيم الجنة* وفى تفسير الثعلبى ان آدم عليه السلام لما هبّ من
نومه رآها عنده أو قال عند رأسه كأحسن ما خلق الله فقال لها من أنت قالت
أنا زوجتك خلقنى الله لك تسكن الىّ وأسكن اليك فقالت الملائكة عند ذلك يا
آدم ما هذه قال امرأة قالوا لم سميت بذلك قال لانها خلقت من المرء قالوا
وما اسمها قال حوّاء قالوا لم سميت حوّاء قال لانهما خلقت من الحىّ قالوا
تحبها قال نعم فقالوا الحوّاء تحبينه قالت لا وفى قلبها أضعاف ما فى قلبه
قالوا فلو صدقت امرأة فى حبها لزوجها لصدقت حوّاء* قال ابن عباس ان الله
تعالى خلق حوّاء من آدم فى الجنة من ضلعه اليسرى يقال لها القصيرى وكان بين
النائم واليقظان ولو كان فى النوم لم يعلم أنها خلقت منه فلم يعطف عليها
ولو كان يقظان لتألم بذلك فلم يعطف عليها قال الشاعر
هى الضلعة العوجاء لست تقيمها ... ألا ان تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفا واقتدارا على الهوى ... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
* وفى بحر العلوم قال الله تعالى يا آدم هذه زوجتك خلقتها منك لاجلك أفترضى
قال رضيت هذه لحمى ودمى وزوجتى وقرّة عينى* وفى المواهب اللدنية فلما
استيقظ ورآها سكن اليها ومدّيده لها قالت الملائكة مه يا آدم قال ولم وقد
خلقها الله لى فقالوا حتى تؤدّى مهرها قال وما مهرها قالوا تصلى على محمد
ثلاث مرّات* وذكر ابن الجوزى فى كتاب سلوة الاحزان أنه لما رام القرب منها
طلبت منه المهر فقال يا رب ماذا أعطيها قال يا آدم صلّ على حبيبى محمد بن
عبد الله عشرين مرّة ففعل* وفى رواية قالت الملائكة مه يا آدم حتى تنكحها
فعند ذلك زوّجها الله اياه
خطبة نكاح آدم وحوّاء التي خطبها الله عز وجل
وهذه خطبة نكاح آدم وحوّاء خطبها الله تعالى* الحمد ثنائى والعظمة ازارى
والكبرياء ردائى والخلق كلهم عبيدى وامائى اشهدوا يا ملائكتى وحملة عرشى
وسكان سمواتى انى زوّجت حوّاء أمتى عبدى آدم بديع فطرتى وصنع يدى على صداق
تقديسى وتسبيحى وتهليلى يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها الآية* وفى
المواهب اللدنية ثم ان الله تعالى أباح لهما نعيم الجنة ونهاهما عن شجرة
الحنطة وقيل شجرة العنب وقيل شجرة التين كما سيجىء* وقال الضحاك أدخل آدم
الجنة عند الضحوة وزاد غيره يوم الجمعة وأخرج منها ما بين الصلاتين فمكث
نصف يوم من أيام الآخرة وهى الايام التى كل يوم منها ألف سنة فنصف اليوم
خمسمائة سنة وهذا قول ابن عباس والكلبى وفيه خلاف سيجىء* وعن وهب بن منبه
قال الله تعالى لآدم عليه السلام يا آدم انطلق فانى قد نصبت لك فى بحبوحة
الجنة سريرا لا ينبغى لاحد قبلك ولا بعدك أن يجلس على مثله طوله ما بين
المشرق والمغرب سبع مرّات وله سبعمائة قائمة من قائمة الى قائمة مسيرة مائة
عام وكان يجلس عليه آدم فى مقابلة شجرة الخلد وكان يولى وجهه عنها يتوقى أن
يدخل عليه ما يسخط ربه وكانت حوّاء معه ولما أسكنهما جنة الخلد نهاهما عن
أكل البرّ قال الله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين* وفى
بحر العلوم اختلفوا فى هذه الشجرة قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظى والحسن
البصرى وعطية وقتادة ومحارب بن دثار ومقاتل هى شجرة البرّ الذى جعله الله
رزق أولاده فى الدنيا وقال السدّى وابن مسعود وسعيد بن جبير وجعدة بن هبيرة
هى الكرمة لافتتان أولاده بها وقال ابن جريج وحكاه عن بعض الصحابة انها
التين وقال علىّ رضى الله عنه هى شجرة الكافور وقال الكلبى والدينورى هى
شجرة العلم وهى علم الخير والشرّ من أكلها علم الاشياء وقيل علما بالاكل
منها ظهور
(1/47)
عورتهما قال الله تعالى بدت لهما سوآتهما
وقال محمد بن اسحاق هى شجرة الحنظل وقال أبو مالك هى شجرة النخلة وقال أبو
جدعان هى شجرة الخلد التى كانت تتناول منها الملائكة وقال ابن عباس فى
رواية هى شجرة الفردوس وكانت فى وسط الجنة فيها من ألوان الثمار كلها وقال
الربيع بن أنس كانت شجرة من أكلها أحدث والجنة لم تكن موضع الحدث وقال أبو
منصور لا تعرف ماهيتها الا بالوحى ولا وحى*
صفة شجرة الحنطة
وقال ابن عباس فى صفتها كانت شجرة الحنطة فيالها من شجرة ما أحسنها وأجملها
خلقها الله على أحسن صورة فى الجنة كان من كل ذى لون فى ورقها لون ومن كل
ذى طعم فى ثمرها طعم ومن كل ذى حسن فى صورتها حسن* وفى رواية عنه أوراقها
من الحلل وأغصانها من الذهب وثمارها من نور العرش ألين من الزبد وأحلى من
العسل وأشدّ بياضا من الثلج فاذا كان يوم القيامة يكون ممرّ المؤمنين عليها
فيتعجبون من حسنها فتقول لهم الملائكة لا تمكثواها هنا فان الجبّار يريد أن
يخلع عليكم خلع الزيادة فيتحيرون من حسنها فتناديهم الملائكة أنتم فى دار
البقاء تعجبتم من هذه الشجرة مع وعد الرب اياكم الزيادة فكيف ملامتكم أباكم
فحينئذ يقولون لا لوم على أبينا* وقال محمد بن علىّ الترمذى كان أصلها
السنبلة وعليها من كل لون وثمر من التين والعنب وسائر الالوان كل حنطة
ككلية البقر أحلى من العسل وألين من الزبد* وفى رواية الشجرة التى أكل منها
آدم شجرة القمح لها سبعة أغصان على كل غصن سنبلة كل سنبلة ثلاثة أشبار فى
كل سنبلة خمس حبات أخذ سنبلة وأخذ منها حبة أكلها آدم وحبة أكلتها حوّاء
والثلاث نزل بها جبريل على آدم فى الدنيا وقطع كل حبة ستمائة قطعة فأصل قمح
الدنيا منها يقال أوّل ما أكل آدم وحوّاء من نعيم الجنة العنب وآخر ما أكلا
البرّ* روى أن ابليس لما رأى بعد ما صار ملعونا أن آدم وحوّاء فى طيب عيش
ونعمة ورأى نفسه فى مذلة ونقمة حسدهما فهو أوّل من حسد وتكبر فأراد أن يدخل
الجنة ليوسوس اليهما وذلك بعد ما أخرج منها فمنعه الخزنة فحلس على باب
الجنة ثلثمائة سنة من سنى الدنيا وذلك ثلاث ساعات من ساعات الآخرة وابليس
وان صار مطرودا من الجنة وممنوعا من دخولها لكن لم يمنع من السموات وكان
يصعد الى السماء السابعة الى زمن ادريس فلما رفع ادريس الى السابعة منع
منها ابليس وكان لا يمنع من السموات الاخر الى زمان عيسى ولما رفع عيسى الى
السماء الرابعة منع منها ابليس ومما فوقها وكان يصعد الى الثالثة ولما أوحى
الله الى محمد صلّى الله عليه وسلم منع من الثلاث الاخر أيضا فصار ممنوعا
من السموات كلها* وفى كيفية دخوله الجنة اختلاف* قال فى معالم التنزيل
وأنوار التنزيل اختلف فى أنه تمثل لهما فقاولهما بذلك أو ألقاه اليهما
بطريق الوسوسة وانه كيف توصل اليهما بعد ما قيل له اخرج منها فانك رجيم
فقيل انه منع من الدخول على وجه التكرمة كما كان يدخل مع الملائكة ولم يمنع
من أن يدخل للوسوسة ابتلاء لآدم وحوّاء عليهما السلام وقيل قام عند الباب
فناداهما وقيل تمثل بصورة دابة فدخل ولم تعرفه الخزنة وقيل أرسل بعض أتباعه
فأزلهما وقيل دخل فى فم الحية حتى دخلت به والعلم عند الله* وعن وهب ابن
منبه كان الطاوس مسكنه شجرة طوبى وكان اذا نشر جناحيه ظلل بهما سدرة
المنتهى وكان يقول فى صياحه أنا الملك المتوّج الذى غمرت فى نعيم الجنة فلا
أخرج منها أبدا وشجرة طوبى فى الجنة أصلها فى قصر النبىّ صلّى الله عليه
وسلم ولها فى كل قصر غصن كالشمس فى الدنيا لها فى كل دار ضوء* وفى خبر عن
النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان بطحاءها ياقوت أحمر وترابها مسك أذفر ووحلها
عنبر أشهب وكثبانها كافور أبيض وبسرها زمرّد أخضر واقناؤها سندس واستبرق
وزهرتها رياط صفر وورقها برود خضر وثمارها حلل حمر وصنوها زنجبيل وعسل
وعشبها زعفران مرتفع يتفجر من أصلها أنهار السلسبيل والرحيق والمعين ولو
سار راكب الجواد فى ظلها مائة عام لم يقطعها وكان الطاوس يسكنها
(1/48)
ويطير ويخرج من باب الجنة كل يوم مرّة فخرج
يوما فاذا شيخ قاعد وهو ابليس فقال له من أنت قال ابليس أنا من الملائكة
الكروبيين من الصقح الاعلى ممن أعطى علم الغيب جئت أدخل الجنة فأنظر فيها
وما أعدّ الله لاوليائه فيها* وفى العرائس وقف ابليس على باب الجنة وتعبد
هناك ثلثمائة وستين سنة انتظارا لأن يخرج منها أحد يأتيه بخبر آدم وحوّاء
فبينما هو جالس اذ خرج طائر موشى أى مزين يتبختر ويتمايل فى مشيته فلما رآه
ابليس قال له أيها الخلق الكريم من أنت وما اسمك فما رأيت فيما رأيت من خلق
الله عز وجل أحسن منك قال أنا طائر اسمى طاوس قال من أين قال من حديقة آدم
وبستانه قال ما الخبر عن آدم قال هو فى أحسن الحال وأطيب العيش هيئت له
الجنان ونحن من خدّامه فقال هل تستطيع أن تدخلنى عليه قال من أنت قال أنا
من الكروبيين عندى لآدم نصيحة أريد أن أؤدّيها اليه قال مالك لا تذهب الى
رضوان ليدخلك عليه قال منعنى من الدخول قال ان رضوان لا يمنع أحدا من
النصيحة قال نعم ولكن أريد أن أحفيها عنه قال النصيحة لا تكون مخفية
والمخفية لا تكون نصيحة قال نحن معاشر الكروبيين لا نقول الا سرّا ان فعلت
ما أقول أعلمك دعاء لن تشيب بعده أبدا قال ما أقدر على ذلك ولكن أدلك على
من يقدر عليه قال افعل فجاء الطاوس الى الحية
صفة الحية
وكانت يومئذ عظيمة مثل الابل البختى وكانت من أحسن حيوانات الجنة لها أربع
قوائم كقوائم الابل من زبرجد أخضر وفيها من كل لون* وفى رواية من بين أحمر
وأصفر وأخضر تتلألأ تلألؤ القمر رأسها من الياقوت وعيناها من الزبرجد
ولسانها من الكافور وفى رواية من المسك الابيض واسنانها من الدرّ وفى رواية
نظم اللؤلؤ وناباها من اللؤلؤ الرطب وفى رواية مثل نابى الابل من المسنك
بيضاء الظهر صفراء البطن وفى رواية جسدها من نور ووبرها من زعفران وعنقها
كالقضبان الملوّنة وذوائبها كذوائب الجوارى الابكار وعرفها كجناح الطير
فقال لها الطاوس ياحية ان ملكا على باب الجنة يقول عندى نصحية لآدم من يذهب
بى اليه أعلمه دعوة فخرجت الحية اليه وقالت لابليس انى أدخلك الجنة ولكن
أتخوّف من لحوق البلاء بى قال ابليس أنت فى ذمّتى وجوارى لا يلحقك مكروه
قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أقتلوا الحية ولو كنتم فى الصلاة وانما
أمرهم به ابطالا لذمّة ابليس فقالت الحية ان ابليس بسبب آدم أخرج من الجنة
وأنا أخاف أن يصيبنى مثل ما أصابه قال ابليس أنا أعطيك جوهرة أينما تضعيها
تكن لك جنة فأعطاها ابليس خرزة جعلتها فى فيها فما زالت تلك الخرزة فى
قفاها فتخرج بالليل وتخرج تلك الخرزة من فيها وتضعها حيث شاءت فتستضىء بها*
وفى العرائس قالت له الحية كيف أدخلك الجنة ورضوان اذا لا يمكننى من ذلك
قال ابليس أنا أتحوّل ريحا فاجعلينى بين أنيابك فتدخلينى الجنة وهو لا يعلم
قالت افعل فتحوّل ريحا ودخل فم الحية فأطبقت فاها فقال لها ابليس اذهبى بى
الى شجرة البرّ فلما انتهت الحية الى حيث أمرها به ابليس جعل ابليس يتغنى
بمزماره فلما سمع آدم وحوّاء صوت المزمار جاآ اليه يستمعانه فاذا هى الحية
يخرج صوت التغنى من فيها فأعجبهما الصوت فتقدّما اليه شيئا فشيئا حتى وقفا
عليه وهما يحسبان أن الحية هى التى تتغنى فقال لهما ابليس تقدما فقالا
نهينا عن قرب هذه الشجرة فقال مانها كما ربكما عن هذه الشجرة الى آخره ولما
لم يقبلا قول ابليس قاسمهما انى لكما لمن الناصحين قسما مؤكدا فهو أوّل من
حلف كاذبا وأوّل من غش فلما سمعا اسم الله خدعا واغترا فدلاهما بغرور
أكل آدم من الشجرة
فسبقت الى الشجرة حوّاء وتناولت منها حبة فأكلتها وجاءت بها الى آدم وقالت
انى أكلت منها وما ضرّتنى ولم يأكل آدم الى مائة سنة ولما لم ير ضررا ولا
أثر اعلى حوّاء فبتأويل ظهر له وأمارة ثبتت عنده جعل حبة منها فى فيه فقبل
أن يصل طعمها الى حلقه وجرمها الى جوفه بان عنه تاجه وطار من رأسه وتهافتت
ثيابه التى كانت عليه من حرير
(1/49)
واستبرق وفى رواية كانت من نور وفى رواية
كانت من جنس أظفاره ونودى فى الجنة عصى آدم ربه فغوى* وفى رواية لما دخل
ابليس الجنة دنا من آدم وحوّاء يغنى بمزماره فسمعت حوّاء صوتا حسنا فجاءت
ومعها آدم ينظران اليه وكان ابليس يتغنى بمزماره وينوح ويبكى نياحة وبكاء
أحزنهما فهو أوّل من ناح فقالا له ما يبكيك قال أبكى عليكما لانكما تموتان
وتفنيان وتفارقان ما أنتما عليه من النعمة والكرامة قالا وما الموت فنعت
ابليس لهما الموت فقال تذهب الروح والقوّة وتعدم حركة الاعضاء ولا يبقى
للعين رؤية ولا للاذن سماع وكذلك كل عضو يعطل عن عمله فوقع ذلك فى أنفسهما
وأغتما فعند ذلك قال ابليس هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى وأشار الى
الشجرة المنهى عنها فقالا قد نهينا عنها قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة
الا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين* وفى رواية حضر ابليس عند شجرة
البرّ وأخذ حبة منها وجاء بها اليهما وقال انظرا الى هذه ليس فيها فاكهة
ألطف وأطيب من هذه فكلا منها فقالا نهينا عنها فقال مانها كما ربكما الآية
وقاسمهما انى لكما لمن الناصحين وأيكما بادر الى أكلها فله الغلبة على
صاحبه فسبقت اليها حوّاء وأخذت منها خمس حبات فأكلت واحدة وخبأت واحدة وأتت
الى آدم بثلاثة فقالت له أنا أكلت منها وكانت طيبة الطعم وما أصابنى منها
مضرّة فأخذ آدم الحبات الثلاث فأعطى حوّاء واحدة وأمسك حبتين* قيل لاخفاء
حوّاء احدى الحبات من زوجها آدم صار خباء النساء عن أزواجهنّ بعض الاشياء
عادة لهنّ ولامساك آدم لنفسه حبتين من ثلاث واعطاء حوّاء واحدة منها شرع
للذكر مثل حظ الانثيين فى الميراث* ولما أكل آدم طار من رأسه تاجه المكلل
بالدرّ والياقوت والجواهر بجناحيه كطائر يطير وهو ينادى يا آدم طالت حسرتك
وندامتك وانتفض السرير وخرج من تحتهما وقال انى أستحيى من الله أن أكون
سريرا لمن عصى الله وتساقط ما عليهما من السوار والدملوج والخلخال والمنطقة
المرصعة ونزع عنهما لباسهما وتهافتت ثيابهما وكانت من جنس ظفرهما وكان على
آدم سبعمائة حلة وكانت عورتهما قبل ذلك مستورة ولم يعلما أن لهما قبل ذلك
عورة* قال العتابى لم يكونا رأيا عورتهما الى ذلك الوقت وكان على سوآتهما
نور اذا نظرا اليها غلب ذلك النور على أبصارهما ومنعهما من ابصارهما اياها
فذهب ذلك النور أيضا فبدت لهما سوآتهما فلما رآياها فزعا وحسبا أن غيرهما
أيضا يراها قال الحضرمى بدت لهما ولم تبد لغيرهما لئلا يعلم الاغيار من
مكافأة الجناية ما علما ولو بدا للاغيار لقال بدت منهما وقال القاسم لماذا
قاتناثر لباسهما فلما أكلا بدت لهما سوآتهما وتغير عليهما كل شئ فى الجنة*
وفى رواية عن وهب بن منبه أنه قال لما توسطت الحية الجنة قالت لابليس اخرج
قال لا أخرج حتى ينطق لسانك بما أريد فأين هذان الخلقان اللذان أدخلا الجنة
فان لى اليهما حاجة قالت هذه حوّاء زوجة آدم وأنا أنيستها ومخدمتها فنطق
ابليس على لسان الحية فقال يا حوّاء لم نهاكما ربكما عن تلكما الشجرة قالت
لئلا نزعج من الجنة أبدا قال هذه شجرة الخلد من أكل منها خلد قالت فانك
أنيستى ومخدمتى اذا عرفت هذا فهلا أخبرتينى قالت الآن أخبرتك فقومى وكلى
وأطعمى زوجك ليكون لك الفوز والعز عليه فانى أحلف انى لكما لمن الناصحين
فقامت مسرعة الى الشجرة فتناولت سبع حبات وناولت آدم خمس حبات فقال آدم يا
حوّاء فأين العهد الذى أخذه الله علينا قالت أو ليست هذه الحية تحلف لنا
بالله فأكل آدم فلما أكل آدم طار تاجه يخفخف أى يصفق بجناحيه كطائر يطير
وهو ينادى يا آدم طالت حسرتك وندامتك وانتقض السرير وقال انزل فانى أستحيى
من الله أن أكون سريرا لمن عصاه كما سبق فولى آدم هاربا فلم يمرّ بشجر ولا
نهر الا نادى عصى آدم ربه حتى انتهى الى سدرة المنتهى وهو يهرب فتعلقت به
الشجرة وقالت أين من الله المهرب ومدّ
(1/50)
يده ليتناول ورقة من أوراقها ليستر بها
عورته فارتفعت الورقة فبكى فما قصدا شجرة ليأخذا من أوراقها الا امتنعت
عنهما وقالت ما كنت لأستر من كشفه الله ودعتهما شجرة التين الى نفسها ترحما
على حالهما فأخذا من ورقها وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة فيتخرّق
ويتفرّق فبكيا ونودى من أعراه الله فلا ساتر له ومن تركه فلا ناصر له
فتضرّعا وسألا الله أن يسترهما فلما أتياها ليأخذا الورق ثانيا اهتزت لآدم
فسقط منها ثلاثة أوراق فجعلها آدم سترة له ثم اهتزت مرّة أخرى لحوّاء
فتناثرت منها خمسة أوراق فجعلتها حوّاء سترة لها ولذلك شرعت الاكفان للرجال
ثلاثة وللنساء خمسة وقال الله لشجرة التين لم أعطيتهما الورق فقالت يا رب
انك لا تحرم من عصاك الرزق فما يكون لى أن أحرمه الورق فلذلك جعل الله شجرة
التين بحيث لا يحمل عليها ولا يحرقها الناس ولا تأكل الحيوانات ورقها وقال
الله تعالى لسائر الاشجار لم لا تدفعن الورق اليهما فقلن ما كنا لنكسو من
أعريته فلذلك جعلها الله بحيث يحمل عليها وورقها يحرقه الناس وتأكل أوراقها
الحيوانات فعاتب الله آدم وقال له لم أكلت من هذه الشجرة ألم أنهكما عن هذه
الشجرة قال أطعمتنى حوّاء فقال لها لم أطعمته قالت دلتنى الحية فقال للحية
لم فعلت قالت دلنى الطاوس فقال للطاوس لم فعلت قال أمرنى ابليس
معاقبة إبليس
فعاقب ابليس ولعنه وغير صفته وحالته وبدّل اسمه ومكانه وصورته فأوّل ما
تغير منه صورته فقبح غاية القبح وكان له ستمائة ألف جناح مرصع بالجواهر
ولباس من نور وكان مدّة ملك الارض ومدّة عالم الملائكة ومدّة خازن الجنان
يطير من العرش الى الثرى وأهل السماء والارض ينظرون اليه* وكان بدء أمره
أنه لما خلقه الله تعالى جعله تحت الارضين السبع على الثرى فعبد الله تعالى
هناك ألف سنة فرفع الى الارض السابعة السفلى فعبد فيها ألفى سنة ثم الى
التى فوقها وهى السادسة فعبد فيها ثلاثة آلاف سنة ثم فى الخامسة أربعة آلاف
سنة ثم فى الرابعة خمسة آلاف سنة ثم فى الثالثة سنة آلاف سنة ثم فى الثانية
سبعة آلاف سنة ثم فى الاولى ثمانية آلاف سنة ثم رفع الى السماء الدنيا فعبد
فيها تسعة آلاف سنة ثم فى الثانية عشرة آلاف سنة ثم فى الثالثة احدى عشرة
ألف سنة ثم فى الرابعة اثنتى عشرة ألف سنة ثم فى الخامسة ثلاث عشرة ألف سنة
ثم فى السادسة أربع عشرة ألف سنة ثم فى السابعة خمس عشرة ألف سنة فذلك كله
مائة وعشرون ألف سنة ثم قدّام العرش ضعف ذلك فذلك مائتان وأربعون ألف سنة
لم يبق فى السموات والارض موضع شبر لم يسجد فيه ابليس فقال الهى هل بقى
موضع لم أسجد فيه قال نعم هو فى الارض فاهبط فهبط فقال ما هو قال ذلك آدم
فاسجد له فقال هل بقى موضع سوى آدم قال لا قال لم تأمرنى بسجوده وتفضله
علىّ قال أنا المختار أفعل ما أشاء ولا أسأل عما أفعل فهابت الملائكة لما
سمعوا ذلك وارتعدوا وارتعشوا وقيل رأى ابليس آدم طينا صوّر ووضع بين الطائف
ومكة فعظم نفسه لزينته واحتقر آدم لطينته فزالت زينته وتبدّل اسمه وفسد
حاله وسقطت منزلته وزال ايمانه وحبطت أعماله وبرئ منه ربه قال الله تعالى
الا ابليس استكبر أى عدّ نفسه أكبر من أن يخدم غيره وقيل عدّ نفسه أكبر من
أن يؤمر بهذا فانه عارض بقوله لم أكن لأسجد لبشر وبقوله أنا خير منه وقال
أبو العالية لما ركب نوح السفينة اذا هو بابليس على كوثلها فقال له ويحك قد
غرق الناس من أجلك قال فما تأمرنى قال تب قال سل ربك هل لى توبة فقيل له ان
توبته أن يسجد لقبر آدم فقال تركته جيا وأسجد له ميتا وأما الطاوس فغضب
الله عليه فعاقبه بمسخ رجليه وتغير صورته وأما الحية فغضب الله عليها
فعاقبها بخمسة أشياء ألقى عنها القوائم وقال جعلت رزقك فى التراب وجعلتك
تمشى على بطنك ولا يرحمك من يراك وفى رواية سيشدخ رأسك بالحجر من لقيك
وجعلها تموت كل سنة فى الشتاء* وأما آدم فلما أكل
(1/51)
من الشجرة المنهىّ عنها ابتلاه الله بعشرة
أشياء الاوّل معاتبته اياه بقوله ألم أنهكما عن تلكما الشجرة الآية الثانى
الفضيحة فانه لما أصاب الذنب بدت سوأته وتهافت ما عليه من لباس الجنة
الثالث أوهن جلده بعد ما كان كالظفر وأبقى من ذلك قدرا على أنامله ليتذكر
بذلك أوّل حاله الرابع أخرجه من جواره ونودى انه لا ينبغى أن يجاورنى من
عصانى الخامس الفرقة بينه وبين حوّاء السادس العداوة قال الله تعالى بعضكم
لبعض عدوّ السابع النداء عليه بالنسيان قال الله تعالى فنسى ولم نجد له
عزما الثامن تسليط العدوّ على أولاده وهو قوله تعالى وأجلب عليهم بخيلك
ورجلك التاسع جعل الدنيا سجنا له ولا ولاده العاشر التعب والشقاء وهو قوله
عز وجل ان هذا عدوّ لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى فهو أوّل من عرق
جبينه فى التعب
الخصال التى ابتليت بها حوّاء
وأما حوّاء فابتليت هى وبناتها بهذه العشرة وخمس عشرة خصلة سواهنّ الاولى
الحيض يروى أنها لما تناولت الشجرة وادمتها قال الله تعالى ان لك علىّ أن
أدميك وبناتك فى كل شهر مرّة كما أدميت هذه الشجرة وفى رواية قال أما أنت
يا حوّاء فكما أدميت هذه الشجرة تدمين فى كل شهر* وفى المواهب اللدنية ولا
دمينها فى الشهر مرّتين الثانية ثقل الحمل الثالثة الطلق وألم الوضع
الرابعة نقصان دينها الخامسة نقصان عقلها السادسة أن ميراثها على النصف من
ميراث الرجل قال الله تعالى للذكر مثل حظ الانثيين السابعة تخصيصهنّ
بالعدّة الثامنة جعلهنّ تحت أيدى الرجال قال الله تعالى الرجال قوّامون على
النساء التاسعة ليس اليهنّ من الطلاق شئ وانما هو للرجال العاشرة حرمن من
الجهاد الحادية عشر ليس منهنّ نبىّ قط الثانية عشر ليس منهنّ سلطان ولا
حاكم الثالثة عشر لا تسافر احداهنّ الا مع المحرم الرابعة عشر لا تنعقد
بهنّ الجمعة الخامسة عشر لاسلام عليهنّ* ولما دل الطاوس ابليس لم يظهر شئ
من البلاء وحملته الحية لم تظهر عقوبة وبادرت حوّاء الى الشجرة وأكلت منها
لم يتغير حالها فلما أكل آدم بعد مائة سنة ظهر البلاء فذهبت عن الطاوس
النعمة وعن الحية الصورة وعن حوّاء الصفة وعن آدم الدولة وهذا كله بسبب أكل
آدم حبة بالنسيان أو التأويل فما بال من يأكل طول عمره الحرام بالقصد من
غير تأويل وذلك لان حوّاء وغيرها كانت تبعا وآدم أصلا فلم يؤاخذ التبع
بالزلة والاصل ثابت على الطاعة فلما زل الاصل أوخذ الاصل والفرع فكذلك حال
العامّة مع الخاصة وحال الاعضاء مع القلب*
خروج آدم من الجنة
ثم قال الله لآدم وحوّاء اخرجا من جوارى فتضرّع آدم واعتذر وقال أتخرجنى من
الجنة بخطيئة واحدة فلم تسمع معذرته وقال الهى ان كنت أكلتها بطوعى فعذبنى
وان لم أتعمدها فاغفرلى فلم يقبل منه وقال لا يجاورنى من عصانى أخرج فرفع
آدم طرفه الى العرش فاذا مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله قال يا رب
بحق محمد ابنى اغفرلى فقال يا آدم كيف عرفت محمدا من ذرّيتك قال رأيت اسما
مكتوبا مع اسمك على سرادق العرش لا اله الا الله محمد رسول الله فعلمت أن
هذا نبىّ كريم عليك قال قد غفرت لك ذنبك بحق محمد ولكن لا يجاورنى من عصانى
وجاء آدم الى باب الجنة ولما أراد الخروج نظر فرأى طيب الجنة وبهجتها وشجرة
طوبى وأغصان سدرة المنتهى وظل العرش ونور حضيرة العزة وجمال الحور وبهاء
القصور فبكى وودّع كل واحد منها حتى بكت عليه أشجار الجنة كلها الا العود
فقيل له لم لم تبك فقال لم أكن لأبكى على من عصى الله فنودى أن كما عظمت
أمرنا عظمناك ولكن هيئناك للاحراق قال يا رب ان عززتنى فما هذا الاحراق وان
تحرقنى فما هذا الاعزاز فنودى أنت عظمتنا فلذلك يعظمونك لكن لما لم يحترق
قلبك على محبنا يحرقونك* وفى بهجة الانوار كان آدم يفرّ من شجرة الى شجرة
فلم يقبله الاشجرة العود فنودى قد قبلت من عصانى فقال الهى رحمته لانى علمت
أن هذا عتاب لا عقاب قال الله تعالى لما أقبلت عليه ورحمته لاجلى جعلتك
عزيزا فيما بين أولاده حتى
(1/52)
انهم يشترونك بوزن الدرهم ولكن لما قبلت
بغير اذنى فبعزتى وجلالى لا جعلنك بحال لا يخرج منك طيب حتى تحرق بالنار
ليكون ذلك الطيب مع الوجع فلما انتهى الى باب الجنة ووضع احدى رجليه خارج
الباب قال بسم الله الرحمن الرحيم فقال له جبريل تكلمت بكلمة عظيمة فقف
ساعة فربما يظهر من الغيب لطف فنودى جبريل أن دعه حتى يخرج فقال الهى دعاك
رحيما فارحمه فقال ان أرحمه لا ينقص من رحمتى شئ وان يذهب لا يعاب عليه
فخلّ عنه حتى يذهب ثم يرجع غدا فى مئات ألوف من أولاده عصاة حتى يشاهد
فضلنا على أولاده ويعلم سعة رحمتنا قال الضحاك أدخل آدم الجنة عند الضحوة
وأخرج منها ما بين الصلاتين كما مرّ وادخال آدم الجنة واخراجه منها وخلقه
كان فى يوم الجمعة كذا فى المشكاة وفى مقدار مكثه فى الجنة خلاف قال ابن
عباس مكث آدم فى الجنة نصف يوم من أيام الآخرة وهو خمسمائة عام وهو قول
الكلبى وقال الحسن البصرى لبث فى الجنة ساعة من نهار وهى مائة وثلاثون سنة
من سنى الدنيا* وفى المختصر الجامع عن وهب بن منبه مكث آدم فى الجنة ست
ساعات وقيل خمس ساعات وقيل ثلاث قيل الصحيح انه خلق لمضىّ احدى عشرة ساعة
من يوم الجمعة وهو من الايام التى كل يوم منها ألف سنة من سنى الدنيا فبقى
قدر أربعين عاما من أعوامنا ثمّ نفخ فيه الروح وبقى فى الجنة بقية الثانية
عشر ساعة من يوم الجمعة ومقداره ثلاثة وأربعون عاما وأربعة أشهر من أعوامنا
ثم هبط الى الارض هذا قول الطبرى فخرج آدم وحوّاء من الجنة عريانين حوعانين
غريبين معزولين آخذا كل منهما بيد الآخر فجاء جبريل وقال لآدم خل يدها فان
الملك يأمرك أن تفارقها فلما خلاها فقد كل منهما الآخر فضرب آدم بيده على
فخذه ووضعت حوّاء يدها على هامتها فجعلا يبكيان هذا يقول وافرقتاه وهذه
تقول واغربتاه فلذا اذا دهم الرجال أمر غمهم يضربون أيديهم على أفخاذهم
واذا دهم النساء شئ همهنّ يضعن أيديهنّ على رؤسهنّ وهذا ميراث للاولاد عن
الجدّ والجدّة* وفى الانس الجليل كان هبوط آدم وحوّاء وقت العصر وبين هبوط
آدم والهجرة النبوية ستة آلاف سنة ومائتان وستة عشر سنة على حكم التوراة
اليونانية وهى المعتمد عند المحققين من المؤرّخين وفى ذلك خلاف* وفى أنوار
التنزيل قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ الخطاب لآدم وحوّاء لقوله تعالى اهبطا
منها جميعا وجمع الضمير لانهما أصلا الانس فكأنهما الانس كلهم أولهما
ولابليس خرج منها ثانيا بعد ما كان يدخلها للوسوسة أو دخلها مسارقة أو من
السماء وهو قول مجاهد وقال ابن عباس والسدّى الخطاب لآدم وحوّاء وابليس
والحية وعن ابن عباس فى رواية أخرى الخطاب لهؤلاء الاربعة والطاوس معهم
فصاروا خمسة وهذا الامر وان انتظم فى كلمة لكن ما كان هبوطهم جملة بل هبط
ابليس حين لعن بدليل قوله تعالى فى حق ابليس فاهبط منها وقال فاخرج منها
وهبوط آدم وحوّاء والحمية والطاوس كان بعده بكثير من الزمان وأما المهبط
ففى حياة الحيوان قال كعب الاحبار أهبط الله الحية باصبهان وابليس بجدّة
وحوّاء بعرفة* وفى معالم التنزيل هبط ابليس بأيلة وحوّاء بجدّة وهبط آدم
بسر نديب من أرض الهند على جبل يقال له نود وهو بأعلا الهند نحو الصين جبل
عال يراه البحريون من مسافة أيام وفيه أثر قدم آدم مغموسة فى الحجر ويرى
على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب ولا بدّ له فى كل يوم من
مطر يغسل قدمى آدم ويقال ان الياقوت الاحمر يوجد على هذا الجبل تحدّره
السيول والامطار الى الحضيض وبه يوجد الماس أيضا والعود* وفى عرائس الثعلبى
قال ابن عباس أهبط الله آدم عليه السلام الى الارض على جبل وادى سرنديب
وذلك أن ذروته أقرب ذرى جبال الارض الى السماء وكانت رجلاه فى الارض ورأسه
فى السماء يسمع دعاء الملائكة وتسبيحهم وكان آدم يأنس بذلك فهابته الملائكة
واشتكت نفسه الى الله تعالى
(1/53)
فنقص الله قامته الى ستين ذراعا بذراع آدم
وكان قبل ذلك يمس رأسه السحاب فصلع وأخذ ولده الصلع انتهى قال ابن اسحاق
أهبط آدم وحوّاء على جبل بالهند يقال له واش عند واد يقال له نهبل عند
الوهيج والمندل بلدان من أرض الهند وفى الترمذى فى حديث الدجال فيطرحهم
بالنهبل وهو تصحيف والصواب بالميم كذا فى القاموس* وفى بحر العلوم روى أن
آدم هبط بالهند وحوّاء بجدّة ساحل مكة وستجىء قصتهما وابليس بساحل بحر أيلة
والحية باصبهان والطاوس ببيسان وفيه أيضا فى رواية قال أهبط آدم بالهند
وحوّاء بالمزدلفة وابليس بكابل والحية بسجستان* وعن الحسن قال قال النبىّ
صلّى الله عليه وسلم لما هبط ابليس قال وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام
الروح فيه قال الله تعالى وعزتى وجلالى لا أحجب عنه التوبة حتى يغرغر* وعن
أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ان الشيطان قال
وعزتك لا أبرح أغوى عبادك ما دامت أرواحهم فى أجسادهم قال الرب وعزتى
وجلالى وكرمى وارتفاعى وفى رواية وارتفاع مكانى لا أزال أغفر لهم ما
استغفرونى ذكرهما فى بحر العلوم وفيه كان مهبط آدم على جبل سريديب فى شرقى
أرض الهند يقال له باشم ويقال له واشم ويقال نود وأنبّت الله على ذلك الجبل
أشجارا وأنبع مائة عين عذبة وجعل ترابها دواء وعرضه مائة فرسخ فى مائة فرسخ
وفيه غار فيه عبادهم وقال أيضا هبط آدم من الجنة ورأسه يناغى السماء وكان
أوّل شىء رآه آدم من القذر فى الدنيا عطس عطسة فسال أنفه فلما نظر اليه بكى
أربعين عاما للقذر* وفى بحر العلوم أيضا عن وهب بن منبه قال قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلم خير الارض التى أهبط الله بها آدم وهى أرض الهند وفى
رواية أطيب الارض قال وهب ان آدم عليه السلام كان خصف عليه من ورق الجنة
وهى التين فانتفع بها ثم هبط الى الارض حين هبط وهى عليه فلما أصابها ضحى
الارض وريحها يبست تلك الورقة فتخاتت عليه فذرتها الريح فى بلاد الهند فمن
هنالك عبقت الهند وفشافيها أصل الطيب* وفى رواية كان على آدم وحوّاء من
أوراق التين قد تسترا بها فتناثرت فى الارض فما أصاب الظبى من أوراق آدم
صار مسكا وما أصاب بقر البحر صار عنبرا ومن ورق حوّاء ما أصاب دود القز صار
حريرا وما أصاب النحل صار عسلا فبقيت هذه الاربعة منهما ميراثا لاولادهما
الى يوم القيامة كذا فى بحر العلوم وفيه أيضا قال وهب لما أهبط الله آدم من
الجنة كان على رأسه اكليل من ريحمان الجنة يظلله من الشمس وعلى عورته ورقة
التين كما سيجىء قال ابن عباس يبس الاكليل حين أصابه حرّ الشمس وتساقط منه
الورق وذلك بأرض الهند فنبت منه هذا العود وكل طيب فى الهند فأصله من ذلك
الورق والريحان* وذكر الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قال ان آدم هبط
الى جبل الهند وكان رأسه يمسح السحاب فصلع فأورث ولده الصلع كما مرّ وكان
يقرب منه دواب الوحش الى أن قتل قابيل هابيل وكانت يومئذ وحشيا وامتلأ طيبا
ماثمة من شجر وجبل وواد من ريح الجنة فمن ثمة يجاء بالطيب من الهند وكان
آدم قائما على الجبل يسمع أصوات الملائكة ويجد ريح الجنة وأهبط الى الارض
وحط الى ستين ذراعا فقال آدم يا رب كنت جارك فى دارك آكل منها رغدا
فأهبطتنى على هذا الجبل المقدّس فكنت أسمع أصوات الملائكة وأجد ريح الجنة
وأرى ملائكتك كيف يحفون بعرشك فأهبطتنى الى الارض الى ستين ذراعا وذهبت
الريح فأجابه الله تعالى يا آدم بمعصيتك كان ذلك ان لى حرما بحيال عرشى
فانطلق فابن لى فيه بيتا ثم حف به كما رأيت ملائكتى يحفون بعرشى فهنا لك
أستجيب لك ولولدك من كان منهم فى طاعتى فقال يا رب كيف لى بذلك المكان ولا
أهتدى فقيض الله له ملكا وهو جبريل فتوجه به نحوه وكان آدم وجبريل كلما
نزلا مكانا صار قرية وعمرانا وكل مكان تعدّياه ولم ينزلاه صار
(1/54)
مفازة وقفارا فقدما مكة وفى رواية صار كل
مفازة يقربها آدم خطوة وكان قد قبض له ما كان فى الارض من محاص أو نجد
فجعله خطوة ولم يضع قدمه فى شىء من الارض الاصار عمر انا فطوى له المفازة
كذا فى بحر العلوم* وفى روضة الاحباب قيل كان تطوى له الارض فى كل خطوة
اثنين وخمسين فرسخا حتى بلغ مكة فى زمن قليل فكل موضع أصابه قدمه صار
عمرانا وما بين قدميه بقى مفازة وقفارا* وفى العرائس عن ابن عباس ان خطوته
مسيرة ثلاثة أيام* وفى رواية كان يمشى بين الجبال والمفازة فكل موضع أصابه
قدمه صار قرية عظيمة وكل موضع استقرّ فيه صار مدينة وكل موضع صلّى فيه صار
مسجدا جامعا عظيما وستجىء كيفية بناء آدم الكعبة وحجه* ولما مضى له فى
الدنيا مقدار خمسمائة عام كثر ولده ولد ولده وأرسله الله اليهم يحكم فيهم
بحكم الله حتى توفاه الموت وأنزل عليه خمسين صلاة فى اليوم والليلة والزكاة
والصوم والاغتسال من الجنابة وتحريم الميتة ولحم الخنزير وأنزل الله عليه
الحروف المقطعة فى احدى وعشرين ورقة وهو كتاب آدم الذى يعلم بها ألف لسان
بقدرة الله تعالى* قال وهب هبط آدم من الجنة ومعه بذر وغرس واجانة وعلى
رأسه اكليل من ريحان الجنة يظلله من الشمس وعلى عورته ورقة التين وأعطى
العلاة والكلبتين وثمانية أزواج من الابل والبقر والمعز والضأن وأعطى عصا
موسى وقال الله تعالى له ولولده* لدوا للموت وابنوا للخراب* وفى المدارك
قيل نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والميقعة
والمطرقة والابرة وروى ومعه المرود والمسحاة* وفى بحر العلوم روى أن آدم
أهبط ومعه خمسة أشياء أحدها العصا وهى من آس الجنة وسبب ذلك أنه كان يأكل
من كل طعام فى الجنة فلا يصيبه شىء فلما أكل الحنطة بقيت فى أسنانه فاحتاج
الى التخليل فأخذ عود آس فتخلل به فبقى معه فهبط وهو معه وتوارثته أبناؤه
الى أن وصل الى موسى عليه الصلاة والسلام فصارت معجزة له وثانيها خاتم كان
معه فلما سقطت عنه ثيابه وذهب تاجه أخذه فجعله فى فمه فخرج معه وتناقلته
الذرّية الى أن وصل الى سليمان عليه السلام فصار قيد ملكه وثالثها الحجر
الاسود وهو فى الاصل كان من جواهر الجنة قصده حين زلّ فأخذه وتمسك به فصار
حجرا وهبط معه وصار من أركان الكعبة ورابعها قطعة من عود من شجر لم يبك
عليه فعوتب وخوّف بالنار فاعتذر فجعل فيه الطيب وجعل معه قطعة منه وخامسها
ورق التين وارى هو وحوّاء بذلك سوآتهما ولما تناثر ذلك وعريا فى الدنيا شكا
آدم الى جبريل فجاءه بشاة من الجنة عظيمة لها صوف كثير وكانت قامة آدم الى
قريب من السحاب وحوّاء مديدة أيضا لكن الشاة كانت كبيرة أيضا وقال لآدم قل
لحوّاء تغزل من هذا الصوف وتنسج فمنه لباسك ولباسها فقالت حوّاء كيف وقع
هذا العمل علىّ فاغتمت فجعلت نفقتها على آدم ولذلك لما كانت حوّاء سببا
لاكل آدم من القمح وعريه جعل عليها أن تغزل وتكسوه ولما ثقل ذلك عليها جعلت
نفقتها عليه ولما ثقل ذلك عليه جعل حظ الزوج فى الميراث ضعف حظ الزوجة فيه
فغزلت حوّاء ذلك الصوف ونسجته واتخذت منه لنفسها درعا وخمارا ولآدم قيصا
وازارا وكان ذلك أصل اللباس ثم توسع فيه الناس حيث شاؤا وزاد واما أرادوا*
روى أن آدم أوّل ما هبط الى الدنيا قاسى الجوع مدّة ثم أكل الخبز من عمل
نفسه وقاسى العرى مدّة ثم لبس الصوف من عمل حوّاء*
اتخاذ آدم الديك لمعرفة الاوقات
قال وهب لما قبل الله توبة آدم قال يا رب شغلت بطلب الرزق والمعيشة عن
التسبيح والعبادة ولست أعرف مقدار ساعات التسبيح من أيام الدنيا فأهبط الله
عليه ديكا وأسمعه أصوات الملائكة بالتسبيح فهو أوّل داجن اتخذه آدم من
الخلق وكان الديك اذا سمع التسبيح فى السماء سبح فى الارض فيسبح آدم
بتسبيحه وقال الله يا آدم قل الحمد لله كثيرا على كل حال حمدا يوافى نعمه
ويكافئ
(1/55)
مزيده فلك به مثل تسبيح الملائكة الذين
يسبحون الليل والنهار لا يفترون* عن معاذ بن جبل أنه قال نهى رسول الله
صلّى الله عليه وسلم عن قتل الديك الابيض وقال الديك الابيض اذا صاح يقول
اذكروا الله يا غافلين* وروى عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال ان لله
ديكا أبيض تحت العرش وفى رواية ان لله ديكا رجلاه تحت الارض السفلى ورأسه
تحت العرش وله جناحان أبيضان اذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب فاذا جاء وقت
الصلاة نشر جناحيه وصرخ بالتسبيح سبحان الملك القدّوس سبحان الحىّ القيوم
فيسبح الديك فى الارض ذلك التسبيح ولما هبط آدم الى الارض اشتبهت عليه
أوقات الصلوات فشكا الى جبريل فجاءه بديك أبيض من الجنة وانه مرّ على ذلك
الملك فعرفه فلما هبط كان يسمع صوت ذلك الملك فيضرخ فيعرفه آدم وقال عليه
الصلاة والسلام عليكم بالديك الابيض فانه مؤذن وحارس وذلك كله فى بحر
العلوم* وقال أبو سعيد كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ديك أبيض كذا فى
سيرة اليعمرى* وفى حياة الحيوان كما سيجىء فى الخاتمة قال ابن عباس بكا آدم
وحوّاء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتى سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين
يوما ولم يقرب آدم حوّاء مائة سنة وقال وهب بن منبه لما هبط آدم الى الارض
مكث يبكى ثلثمائة سنة لا يرقأ له دمع* وقال المسعودى لو أن دموع أهل الارض
جمعت لكانت دموع آدم أكثر منها حين أخرجه الله من الجنة ذكرها فى المواهب
اللدنية* وعن علقمة بن مرثد وابن حبان قالا لو أن دموع أهل الارض جمعت لكان
دموع داود أكثر منها حين أصاب الخطيئة ولو أن دموع داود ودموع أهل الارض
جمعت لكان دموع آدم أكثر منها حين أخرج من الجنة كذا فى بحر العلوم وقال
مجاهد بكى آدم مائة عام لا يرفع رأسه الى السماء وأنبت الله من دموعه العود
الرطب والزنجبيل والصندل وأنواع الطيب وبكت حوّاء حتى أنبت الله من دموعها
القرنفل والافاوى كذا فى المواهب اللدنية* وقال شهر بن حوشب بلغنى أن آدم
لما أهبط الى الارض مكث ثلثمائة سنة لا يرفع رأسه الى السماء حياء من الله
تعالى* وفى بحر العلوم مكث آدم بالهند مائة سنة لا يرفع رأسه الى السماء
يبكى على خطيئته وجلس جلسة الحزين مائة سنة* وفى عرائس الثعلبى قال الشعبى
أنزل ابليس من السماء مشتمل الصماء عليه عمامة ليس تحت ذقنه منها شىء أعور
فى احدى رجليه نعل* روى ابن المبارك عن خالد الحدّادىّ عن حميد بن هلال قال
انما كره التخصر فى الصلاة والتخفف لان ابليس هبط متخصرا*
(ذكر كيفية انتقاله صلّى الله عليه وسلم من الاصلاب الطيبة الى الارحام
الطاهرة وبالعكس)
* قال الله تعالى وتوكل على العزيز الرحيم الذى يراك حين تقوم وتقلبك فى
الساجدين قال بعض المفسرين منهم ابن عباس وعكرمة أراد حين تقوم بالنبوّة
ويرى تقلبك فى الساجدين فى أصلاب الموحدين من نبىّ الى نبىّ حتى أخرجك نبيا
فى هذه الامّة وبيانها أن آدم عليه السلام كان أوّل فرد من أفراد الانسان
وكان سائر أفراده مندرجة فى صلبه بصور الذرّات كما ذكر فى قصة أخذ الميثاق
فلما نفخ فيه الروح صار نور نسمة محمد صلّى الله عليه وسلم يلمع من جبهته
كالشمس المشرقة لاشتمال صلبه على الجزء الذرّى الذى هو مادّة للبدن العنصرى
المحمدى* وفى معالم التنزيل كان آدم يسمع من تخطيط أسارير جبهته نشيشا
كنشيش الذرّ فقال يا رب ما هذا فنودى يا آدم هذا تسبيح محمد ولدك مزج بمائك
ليكون لك ولدا وأنت له أبا فنعم الوالد ونعم المولود ثم انتقل ذلك الجزء
الذرّى من صلب آدم الى رحم حوّاء ومنها الى صلب شيث ومنه الى رحم مخوايله
ومنها الى صلب أنوش وهكذا كان ينتقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات
ومن أرحام الطاهرات الى أصلاب الطيبين وذلك النور أيضا كان ينتقل بتبعية
ذلك الجزء الذرّى من جبهة الى جبهة وكان يؤخذ فى كل مرتبة عهد وميثاق على
أن لا يوضع ذلك الجزء الا فى المطهرات فأوّل
(1/56)
من أخذ العهد آدم أخذه من شيث وشيث من أنوش
وهو من قينان وهكذا الى أن وصلت النوبة الى عبد الله بن عبد المطلب فلما
أودع ذلك الجزء فى صلبه لمع ذلك النور من جبهته فظهر له جمال وبهجة حتى
كانت نساء قريش يرغبن فى نكاحه وستجىء قصة الخثعمية فى الطليعة الثالثة ان
شاء الله تعالى وقد أسعد الله بتلك السعادة وشرّف بذلك الشرف آمنة بنت وهب
فولد منها النبىّ صلّى الله عليه وسلم*
(ذكر نسبة أبوى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم)
* هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ بن كلاب
بن مرّة بن كعب بن لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن
خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان رواه البخارى* قال
ابن الاثير ذكر رزين أنه عن ابن عباس رضى الله عنهما وفى سيرة مغلطاى الى
هنا مجمع عليه وما فوق ذلك مختلف فيه كما سيجىء*
(ذكر نسبة أمّ نبينا صلّى الله عليه وسلم)
* هى آمنة بنت وهب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة قرشية* وفى
المنتقى زهرة هذه امرأة نسب اليها ولدها ولا يعرف أبوه فأقيمت فى التذكير
مقام الاب* وفى المواهب اللدنية وأمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة هى عاتكة بنت
الاوقص بن مرّة من بنى سليم ذكره ابن قتيبة وقال أبو عمرو يعرف أبوها أى
أبو عاتكة بأبى كبشة وينسب اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيقال ابن
أبى كبشة وانما نسب اليه لانه كان يعبد الشعرى ولم يكن أحد من العرب يعبد
الشعرى غيره خالف فى ذلك جميع العرب فلما جاء رسول الله صلّى الله عليه
وسلم بخلاف ما كان عليه العرب قالوا هذا ابن أبى كبشة وقيل بل نسب الى أبى
أمّه وهب وكان يدعى بأبى كبشة وقيل ان أباه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى
بن رفاعة السعدى زوج حليمة السعدية كان يدعى بأبى كبشة كذا فى ذخائر
العقبى* وفى المنتقى وجز بن غالب بن الحارث هو أبو كبشة الذى كانت قريش
تنسب رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليه لانه جدّه من قبل أمّه وهو أوّل
من عبد الشعرى
صفة الشعرى
وكان يقول الشعرى تقطع السماء عرضا ولا أرى فى السماء شمسا ولا قمرا ولا
نجما يقطع السماء عرضا غيرها والعرب تظنّ أن أحدا لا يعمل شيئا الا بعرق
ينزعه شبهه فلما خالف رسول الله صلّى الله عليه وسلم دين قريش قال مشركو
قريش نزعه أبو كبشة* وفى المتقى أمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة أبى آمنة هى
قيلة ويقال هند بنت أبى قيلة وقيل عمرة بنت وجز ابن غالب بن الحارث بن عمرو
بن ملكان وأمّها سلمى بنت لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك وأمّها مارية بنت
كعب وأمّ وجز بن غالب السلافة بنت راهب بن بكير وأمّها بنت قيس بن ربيعة
وأمّ عبد مناف ابن زهرة حمل بنت مالك وأمّ زهرة بن كلاب أمّ قصىّ وهى فاطمة
بنت سعد بن سيل وأمّ آمنة أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم برّة بنت عبد
العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى بن كلاب وأمّ برة هى أمّ حبيب بنت أسد
بن عبد العزى بن قصىّ بن كلاب قاله ابن قتيبة وقال أبو سعيد أمّ سفيان بنت
أسد ابن عبد العزى بن قصىّ بن كلاب بن مرّة وأمّ حبيب هى برّة بنت عوف بن
عبيد بن عويج بن عدىّ ابن كعب بن لؤىّ وأمّ برّة بنت عوف هى قلابة بنت
الحارث بن صعصعة بن عائذ بن لحيان من هذيل كذا فى المواهب اللدنية* وفى
المنتقى أمّ برّة بنت عوف بن قلابة بن الحارث بن مالك بن حباشة انتهى وأمّ
قلابة هى هند بنت يربوع من ثقيف قاله ابن قتيبة وقال سعد انها بنت مالك بن
عثمان من بنى لحيان فالجدّة الاولى والثانية والثالثة من أمّهات أمّه صلّى
الله عليه وسلم قرشيات وأمّ أبى آمنة سلمية والرابعة لحيانية هذلية
والخامسة ثقيفية ففى كل قبيلة من قبائل العرب له علقة نسب كذا فى المواهب
اللدنية وأما فى المنتقى فقال أمّ قلابة أميمة بنت مالك بن غنم بن لحيان
وأمّها دب بنت ثعلبة بن الحارث بن تميم ابن سعد وأمّها عاتكة بنت عاضرة بن
عطيط بن جشم بن ثقيف وأمّها ليلى بنت عوف قال محمد
(1/57)
ابن السائب كتبت للنبىّ صلّى الله عليه
وسلم خمسمائة أمّ فما وجدت فيهنّ سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية
كما مرّ منقولا عن الشفاء برواية ابن الكلبى فان بعض أهل الجاهلية كانوا
اذا أرادوا النكاح يقولون عند الخطبة خطب ويقول أرباب المرأة نسكح وهو
عندهم عبارة عن العقد ومن أمثالهم أسرع من نكاح أمّ خارجة* واعلم أن أقوال
النسابين والمؤرّخين فى سلسلة نسب نبينا صلى الله عليه وسلم الى عدنان
متفقة وفيما فوق عدنان خلاف كثير بحسب كمية الاعداد وكيفية الاسماء* قال
ابن دحية أجمع العلماء والاجماع حجة على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم
انما انتسب الى عدنان ولم يتجاوزه انتهى والله أعلم ولله درّ القائل
ونسبة عز هاشم من أصولها ... ومحتدها المرضىّ أكرم محتد
سمت رتبة علياء أعظم بقدرها ... ولم تسم الا بالنبىّ محمد
ويرحم الله القائل ... وكم أب قد علا بابن ذرى شرف
كما علت برسول الله عدنان
وعن ابن عباس أنه صلّى الله عليه وسلم كان اذا انتسب لم يتجاوز معدّ بن
عدنان ثم يمسك ويقول كذب النسابون رواه فى مسند الفردوس لكن قال السهيلى
الاصح فى هذا الحديث أنه من قول ابن مسعود* وفى الاكتفاء عن ابن عباس كان
النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا انتهى الى عدنان أمسك ثم يقول كذب النسابون
قال الله تعالى وقرونا بين ذلك كثيرا* روى ابن مسعود أنه كان اذا قرأ ألم
يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم
الا الله قال كذب النسابون يعنى انهم يدّعون علم الانساب ونفى الله علمها
عن العباد* وعن ابن عباس أنه قال بين اسماعيل وبين عدنان ثلاثون أبا لا
يعرفون* وذكر أبو الحسن المسعودى وآخرون بين عدنان وابراهيم نحوا من أربعين
أبا وهذا أقرب فان المدّة بينهما طويلة جدّا لكن فى لفظها وضبطها اختلاف
كثير كذا فى الجواهر المضيئة* وفى المنتقى وعدّ بعضهم بين معدّ واسماعيل
أربعين أبا وفى رواية ثلاثين قرنا لا يعلمهم الا الله* وفى مورد اللطافة
قيل بين عدنان وبين اسماعيل تسعة آباء وقيل سبعة* وفى الاكتفاء الصحيح
المجمع عليه فى نسبه الى عدنان وما فوق ذلك مختلف فيه ولا خلاف فى أن عدنان
من ولد اسماعيل نبىّ الله ابن ابراهيم خليل الله عليهما السلام وانما
الاختلاف فى عدد من بين عدنان واسماعيل من الآباء فقلل ومكثر وكذلك من
ابراهيم الى آدم عليهما السلام لا يعلم ذلك على حقيقته الا الله تعالى
وكذلك الاختلاف فى أن عدنان من ولد ثابت بن اسماعيل أو من ولد قيدار بن
اسماعيل وثابت يروى بالنون وبالثاء المثلثة روى أن مالك بن أنس كان يكره أن
ينسب الانسان نفسه أبا أبا الى آدم وكذلك فى حق النبىّ صلّى الله عليه وسلم
لانه لا يعلم أولئك الآباء الا الله تعالى كذا فى معالم التنزيل* وفى سيرة
ابن هشام عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب* وفى سيرة
مغلطاى وقيل يشجب ابن يعرب بن يشجب بن ثابت بن اسماعيل بن ابراهيم خليل
الرحمن بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن ارغو بن فالخ بن عيبر بن شالخ
بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن اخنوخ وهو ادريس النبى صلّى
الله عليه وسلم فيما يزعمون والله أعلم وكان أوّل من أعطى النبوّة وخط
بالقلم من بنى آدم ابن يرد بن مهلايل بن قينان بن يانش بن شيث بن آدم صلّى
الله عليه وسلم* قال أبو محمد عبد الملك بن هشام حدّثنا زياد بن عبد الله
البكائى عن محمد بن اسحاق المطلبى بهذا الذى ذكرت من نسب محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام وحدّثنى خلاد بن قرّة بن خلد السدوسى عن
شيبان بن زهير بن شقيق ابن ثور عن قتادة بن دعامة أنه قال اسماعيل بن
ابراهيم خليل الله ابن تارخ وهو آزر بن ناحور بن أسرع
(1/58)
ابن ارغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن
ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن اخنخ بن يرد بن مهلائيل بن قاين
بن أنوش بن شيث بن آدم صلّى الله عليه وسلم وسردا الطبرى فى خلاصة السير
النسب النبوى الابوى الى ابراهيم موافقا لما رواه ابن هشام عن البكائى* وفى
الصفوة عدنان بن أدد بن الهميسع بن حمل بن نبت ابن قيدار بن اسماعيل بن
ابراهيم وكذا فى المنتقى الا أن فيه قدّم نبتا على حمل وبعضهم يقول عدنان
بن أدّ بن أدد كذا فى دلائل النبوّة* وابراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن
ساروح بن أرغو بن فالخ* وفى بعض الكتب فالغ بن عابر وهو هود بن شالخ بن
ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن ادريس بن مهلائيل بن قينان بن
أنوش بن شيث بن آدم عليهما السلام* وفى حديث أمّ سلمة عن النبىّ صلّى الله
عليه وسلم عدنان بن أدد بن زيد بن برى بن اعراق الثرا قالت أمّ سلمة فزيد
هو الهميسع وبرى هو نبت واعراق الثرا هو اسماعيل وقيل اعراق الثرا ابراهيم
لانهم لما رأوه لم يحترق بالنار قالوا ما هو الا اعراق الثرا وزيد بالياء
وقيل بالنون كذا فى دلائل النبوّة*
أولاد آدم الصلبية
روى عن ابن عباس أنه قال لم يمت آدم حتى بلغ أولاده وأحفاده أربعين ألفا
الصلبية منهم أربعون عشرون منهم ذكورا وعشرون اناثا وقيل الاناث تسع عشرة
والذكور احد وعشرون روى أن حوّاء كانت تلد فى كل بطن توأمين غلاما وجارية
الا فى نوبة شيث فان النور المحمدى لما انتقل من آدم الى حوّاء حملت بشيث
وحده لشرف نورا لنبوّة وهو المشهور وقيل كانت لشيث أيضا توأمة* وفى معالم
التنزيل كان جميع ما ولدته حوّاء أربعين ولدا فى عشرين بطنا أوّلهم قابيل
وتوأمته اقليميا وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمة المغيث* واختلفوا فى مولد
قابيل وهابيل قال بعضهم غشى آدم حوّاء بعد مهبطهما الى الارض بمائة سنة
فولدت له قابيل وتوأمته اقليميا فى بطن ثم هابيل وتوأمته لبودا فى بطن وكان
بينهما سنتان* وفى المختصر يقال ان بعد مائة وعشرين سنة من هبوط آدم ولد له
ولدان فى بطن واحد قابيل وهابيل فقتل هابيل قابيل على الرواية الصحيحة لان
قابيل اشتق اسمه من قبول قربانه وهابيل من هبل* وهى مخالفة لما هو المشهور
وقال محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الاوّل ان آدم كان يغشى حوّاء
فى الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت بقابيل وتوأمته فلم تجد عليهما وجعا
ولا طلقا حين ولدتهما ولم تر معهما دما فلما هبطا الى الارض تغشاها فحملت
بهابيل وتوأمته فوجدت عليهما الوجع والطلق والدم* وفى بحر العلوم أوّل ولد
ولد لآدم الحارث ولا أخت معه فى البطن ثم قابيل ومعه أخته اقليميا ثم هابيل
وأخته ابودا ثم اسوف وأخته ثم شيث ثم انثى بعده فى بطن فزوّجها منه اسمها
حروث ثم اباد وأخته ثم جنان وأخته ثم كرس وأخته ثم هون وأخته ثم نحود وأخته
ثم سندل وأخته ثم بارق وأخته ثم كذا ثم كذا الى تمام أربعين بطنا عند محمد
بن اسحاق* وقال وهب بن منبه مائة وعشرون بطنا وقيل خمسمائة بطن لتمام ألف
ولد وبقى فيهم وفى أولادهم ألف لسان من العربية والعبرية والسريانية
والفارسية والتركية والرومية والهندية والسغدية والخوارزمية وغيرها*
قتل قابيل هابيل
وفى المدارك روى أنه أوحى الله الى آدم أن زوّج كل واحد من قابيل وهابيل
توأمة الآخر وكانت توأمة قابيل أجمل فحسد عليها أخاه هابيل وسخط فقال لهما
آدم قرّ باقر بانا فأيكما قبل قربانه يتزوّجها ففعلا فقبل قربان هابيل بأن
نزلت عليه نار فأكلته فازداد قابيل حسد او سخطا فقتله فتكا على غفلة منه*
روى أن قابيل لما قتل أخاه أتاه ابليس فقال له انما أكلت النار قربان أخيك
لانه كان يخدم النار ويعبدها فانصب أنت نارا تكون لك ولعقبك ففعل فقابيل
أوّل من سنّ القتل وعبادة النار* وفى بحر العلوم قال وهب كان يولد لحوّاء
فى كل بطن ذكر وأنثى فولد قابيل وأخته اقليميا ثم ولد هابيل وأخته لبودا
فأمر آدم قابيل أن يتزوّج بأخت هابيل وأمر هابيل أن يتزوّج بأخت
(1/59)
قابيل فأبى قابيل وشح بأخته رغبة عن حكم
الله تعالى وقال أنا أحق بأختى التى ولدت فى بطنى ونحن من أولاد الجنة
وهابيل وأخته من أولاد الارض فغضب آدم غضبا شديدا وقال هذه معصية لله تعالى
اذهبا فتحا كما الى الله تعالى وقرّ باقر بانا فأيكما تقبل قربانه فهو أحق
باقليميا وكان هابيل صاحب غنم يرعاها فى الحرم وقابيل صاحب زرع يزرع خارجا
من الحرم فقرب هابيل كبشا من أعظم غنمه وأسمنها وقرب قابيل سنبلا من أسمن
زرعه وأطيبه فتقبل الله قربان هابيل وكانت تنزل نار من السماء فى سلسلة
بيضاء ليس لها وهيج ولا دخان فتقبل قربان المحق وتدع قربان المبطل ولم
يتقبل قربان قابيل فقال قابيل لهابيل ما بالك تقبل منك قربانك ولم يتقبل
منى قال هابيل مالى بذلك من علم فامتلأ قابيل بذلك غيظا وحسدا لاخيه فقال
هابيل انما يتقبل الله من المتقين فقال قابيل لاقتلنك فقال هابيل لم قال
لان الله تعالى تقبل قربانك وردّ قربانى فأفلح حجتك وأدحض حجتى ويقول الناس
بعد اليوم أنك خير منى قال هابيل لئن بسطت الىّ يدك لتقتلنى الآية* وفى
العرائس أنكر جعفر الصادق أن يكون آدم زوّج ابنته من ابنه وقال لما أهبط
آدم وحوّاء الى الارض وجمع بينهما ولدت حوّاء ابنة سماها عناق فبغت وهى
أوّل من بغى على وجه الارض فسلط الله عليها من قتلها فولدت لآدم على اثرها
قابيل ثم ولدت له هابيل فلما أدرك قابيل أظهر الله جنية من الجنّ يقال لها
حمالة فى صورة انسية فأوحى الله تعالى الى آدم أن زوّجها من قابيل فزوّجها
منه فلما أدرك هابيل أهبط الله حوراء فى صورة انسية وخلق لها رحما وكان
اسمها بركة فلما نظر اليها هابيل وصفها فأوحى الله تعالى الى آدم أن زوّج
بركة من هابيل ففعل فقال قابيل ألست بأكبر من أخى وأحق بما فعلت به منه
فقال يا بنىّ ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فقال لا ولكنك آثرته بهواك
فقال له آدم ان كنت تريد أن تعلم حقيقة ذلك فقرّبا قربانا الى آخر القصة
وكان موضع القربان منى ومن أجل ذلك صار منى مذبح الناس فلما توجها راجعين
وبلغا العقبة أراد قابيل أن يقتل هابيل فلم يدر كيف يقتله فعمد ابليس الى
طائر فرضخ رأسه بحجر وقابيل ينظر اليه فعمد هو الى أخيه فدمغه بحجر فقتله
فحين فعل ذلك أرعش جسده وسقط فى يده ولم يدر كيف يصنع وأصبح نادما وذلك كان
أوّل من قتل وحمله على ظهره ثلاثة أيام وكان يطوف به حتى تروّح جسده وانتفخ
بطنه وظهرت زهومته* وفى المدارك لما قتله قابيل تركه بالعراء لا يدرى ما
يصنع به فخاف عليه السباع فحمله فى جراب على ظهره سنة حتى أروح وعكفت عليه
السباع فبعث الله غرابا فأقبل يهوى حتى قتل غرابا آخر وجعل يحفر الارض
بمنقاره ويبحث برجليه ثم ألقاه فى الحفرة ثم أثار التراب عليه حتى واراه
وابن آدم ينظر اليه فقال يا ويلتا أعجزت ان أكون الآية* وفى المدارك روى
أنه لما قتله اسودّ جسده وكان أبيض فسأله آدم عليه السلام عن أخيه فقال ما
كنت عليه وكيلا فقال بل قتلته ولذا اسودّ جسدك فالسودان من ولده* وفى
العرائس كان لهابيل يوم قتل عشرون سنة واختلفوا فى مصرعه وموضع قتله وقال
ابن عباس على جبل ثور وقال بعضهم على عقبة حراء وقال جعفر الصادق رضى الله
عنه بالبصرة فى موضع المسجد الاعظم* وفى بحر العلوم لما رجع آدم من حجه ولم
يجد هابيل وسأل عنه وقالوا لا ندرى مكث سبعة أيام ولياليها لا ينام فرأى
بعد ذلك فى منامه ولده ينادى يا أبتاه يا أبتاه فاستيقظ وصاح وخرّ مغشيا
عليه فجاء جبريل فأخذ برأسه وعزاه بالمصيبة وقال انه كان يصيح عند ما قتل
وكذا يخرج من قبره يوم القيامة فقال آدم أنا برئ من قابيل فقال الله تعالى
وأنا برئ منه أيضا ودل جبريل آدم على موضع مواراته فأتاه فبحثه فرآه مشدوخا
ملطخا بالدماء فنادى يا حسرتاه يا أسفاه يا ولداه فبكى أهل السماء لبكائه
وقالوا الآن كان استراح هذا المسكين من بكائه فقال الله تعالى دعوه فالدنيا
دار البكاء* وفى العرائس صار
قابيل طريدا
(1/60)
شريدا فزعا مرعو بالا يأمن فأخذ بيد أخته
اقليميا وهرب بها الى عدن من أرض اليمن* وفى بحر العلوم بعد ما دفن قابيل
أخاه انطلق هاربا حتى أوى الى واد من أودية اليمن فى شرقى عدن فكمن فيه
زمانا وبلغ آدم ما صنع قابيل فوجد آدم هابيل قتيلا ووجد الارض قد نشفت دمه
فلعن الارض عند ذلك فمن أجل لعن آدم لا تنشف الارض دما بعد دم هابيل الى
يوم القيامة وأنبتت الشوك ثم ان آدم احتمل ابنه على عنقه زمانا طويلا يد
وربه فى البلاد ولا تجف دموعه ثم دفنه* وفى رواية لم يقتله حتى غاب آدم
للحج ففعل ذلك ثم رجع آدم فلم يجد هابيل ووجد سائر أولاده ونوافله قد
استقبلوه فقال أين هابيل فاعتل قابيل بشئ ثم ظهر له ذلك فلعن الارض بتنشيف
دمه فأخرجت ما كانت نشفت وتزلزلت وهربت السباع الى الجبال وقالوا زال الامن
من الناس فقد قتل الاخ أخاه وعق الولد أباه ودعا آدم على قابيل فأمر الله
تعالى الارض بأن تخسفه فخسفته الى ركبتيه ثم كان من مناجاته يا رب أنت أرحم
الراحمين لا تترك رحمتك لذنبى فأمر الله الارض أن تطلقه وأتاه ملك فكسر
رجليه ويديه وقيده وغله وطاف به مجرورا على الارض فى الدنيا كلها سبع مرّات
وكان يعذب فى هذه الطوفات فى الشتاء بجبال الثلج وفى الصيف بجبال النار ثم
رماه بعض أولاده من نوافله بحجر فرضخه فقتله فصار الى النار فبئس القرار
قال الله تعالى فى حاله فى جهنم وقول أهل النار ربنا أرنا اللذين أضلانا من
الجنّ والانس الآية* وفى حديث مقاتل باسناده عن علىّ كرّم الله وجهه لما
أنكر قابيل قتل هابيل شهدت جوارحه وبعث الله ملكا فأخذه واستقبل به الشمس
يدور معها حيث دارت يعذبه بالنار فى الصيف وبالزمهرير فى الشتاء ثمانين سنة
ثم ألقاه الى الارض ثم أمر بخسفه فى الارض* قال العتابى سلط الله على قابيل
الريح حتى ألقته الى أقرب موضع من الشمس وأشدّها حرّا فى الصيف حتى يحترق
وفى الشتاء ألقته الى أبعد موضع من الشمس وأشدّها بردا وهكذا يحوّله ويعذبه
الى يوم القيامة وهو قول مجاهد* وقيل ان قابيل كان من لقمة آدم التى نهى
عنها فى الجنة فظهر ذلك فى ولده فصار اماما للكفرة والظلمة ويأجوج ومأجوج
من نسله* وفى معالم التنزيل لما قتل قابيل هابيل وآدم حينئذ بمكة اشتاك
الشجر وتغيرت الاطعمة وحمضت الفواكه ومرّ الماء واغبرت الارض وعن علىّ رضى
الله عنه اغبرّت الارض وانتقصت الاشياء كلها يومئذ طعوم الثمار وضوء الشمس
ونور القمر وريح الرياحين والطيب وعذوبة الماء ونبت العوسج فقال آدم قد حدث
فى الارض شئ فأتى الهند فاذا قابيل قد قتل هابيل فبكى آدم وحوّاء وامتنع من
غشيانها وناح آدم وحوّاء عليه بهذه الابيات وهو أوّل من قال الشعر والله
أعلم
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الارض مغبرّ قبيح
تغير كل ذى طعم ولون ... وقلّ بشاشة الوجه الصبيح
فوا أسفا على هابيل ابنى ... قتيلا قد تضمنه الضريح
وقابيل أذاق الموت هابيل ... فواجزنى لقد فقد المليح
وجاءت شهلة ولها أنين ... لها بلها وقابلها تصيح
لقتل ابن النبىّ بغير جرم ... فقلبى عند قتلته جريح
وجاورنا عدوّ ليس يفنى ... لعين لا يموت فنستريح
وقالت حوّاء رحمها الله تعالى
دع الشكوى فقد هلكا جميعا ... يهلك ليس بالثمن الربيح
وما يغنى البكاء عن البواكى ... اذا ما المرء غيب فى الضريح
فبك النفس منك ودع هواها ... فلست مخلدا بعد الذبيح
(1/61)
وقال لهما ابليس لعنه الله تعالى
تنح عن البلاد وساكنيها ... فبى فى الخلد ضاق بك الفسيح
وكنت بها وزوجك فى رخاء ... وقلبك من أذى الدنيا مريح
فما زالت مكايدتى ومكرى ... الى أن فاتك الخلد الربيح
فلولا رحمة الجبار أضحى ... بكفك من جنان الخلد ريح
تابعه الثعلبى فى قول آدم وتفرّد فى قول حوّاء وابليس ونقل ابن الاثير أيضا
فى كتاب كامل التاريخ وصاحب زين القصص وغيرهما شعر آدم لكن قال صاحب الكشاف
اسناده الى آدم كذب محض وقال الامام فخر الدين الرازى صدق صاحب الكشاف* وفى
معالم التنزيل بعد ما نقل الشعر المذكور روى ميمون بن مهران عن ابن عباس
رضى الله عنهما أنه قال من قال ان آدم عليه السلام قال شعرا فقد كذب على
الله ورسوله فان محمدا والانبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام فى النهى عن
الشعر سواء ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سريانى وقال لشيث يا
بنىّ انك وصيى فاحفظ هذا الكلام ليتوارث فيرق الناس عليه فلم يزل ينتقل الى
أن وصل الى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أوّل من تكلم
بالعربية وكان يقول الشعر وفى القاموس يعرب بن قحطان أبو اليمن وأوّل من
تكلم بالعربية فنظر فى المرثية فردّ المقدّم الى المؤخر والمؤخر الى
المقدّم فوزنه شعرا وزاد فيه أبياتا منها
ومالى لا أجود بسكب دمعى ... وهابيل تضمنه الضريح
أرى طول الحياة علىّ غما ... فهل أنا من حياتى مستريح
وفى معالم التنزيل ولما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وفى البحر العميق
مائتان وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حوّاء شيثا وفى
المختصر تفسيره هبة الله يعنى انه خلف من هابيل وكذا فى العرائس عن جعفر
الصادق* وفى البحر العميق وكان قيامه بالامر بعد آدم مائتين وثنتى عشرة سنة
ومات وله تسعمائة واثنتا عشرة سنة واختلف فى نبوّته* وفى معالم التنزيل ان
الله تعالى علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرّقوا
فى البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة وعن محمد بن جرير أن أنساب جميع بنى آدم
اليوم تنتهى الى شيث لان نسل سائر أولاده قد انقطع فى الطوفان
*
قصة عنق وابنها عوج
وفى معالم التنزيل والعرائس وكانت احدى بنات آدم لصلبه عنق وكان مجلسها
جريبا من الارض وفى العرائس وكان كل اصيع من أصابعها ثلاثة أذرع فى عرض
ذراعين فى رأس كل اصبع منها ظفران حديدان مثل المنجلين وكان موضع جلوسها
جريبا من الارض ويقال انها أوّل من بغى على وجه الارض فأرسل الله عليها
أسودا كالفيلة وذئابا كالابل ونسورا كالحمر فسلطهم عليها فقتلوها وأكلوا
لحمها وشربوا دمها انتهى فولد منها عوج وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة
وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع* وفى العرائس كان طول عوج بن عنق ثلاثة
وعشرين ألف ذراع وثلثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا بذراع زمانه وكان يحتجز
بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه
اليها ثم يأكله* ويروى أن الماء طبق ما على الارض من جبل وفى موضع آخر منه
علا الماء على رؤس الجبال بقدر أربعين ذراعا وقيل خمسة عشر ذراعا وما جاوز
ركبتى عوج* وفى موضع آخر منه كان الماء الى حجزته كما سيجىء* وفى القاموس
عوج بن عوق بضمهما رجل ولد فى منزل آدم فعاش الى زمن موسى عليه السلام وذكر
من عظم خلقه شناعة* وفى القاموس أيضا عوق كنوح والدعوج الطويل ومن قال عوج
بن عنق فقد أخطأ* وفى الانس الجليل عوج ابن عناق نسبة لامّه عناق بنت
(1/62)
آدم وهى أوّل من بغى على وجه الارض وعمل
الفجور والسحر وجاهرت بالمعاصى وولدت عوجا الجبار ولم يغرقه الطوفان ولم
يبلغ بعض جسده وطلب السفينة ليغرقها* وفى معالم التنزيل عاش ثلاثة آلاف سنة
حتى أهلكه الله على يد موسى وذلك ان الله وعد موسى عليه السلام أن يورثه
وقومه الارض المقدّسة وهى الشام* وفى عمدة المعانى الارض المقدّسة أى
المطهرة وهى دمشق وفلسطين وبعض الاردن وقيل الشام كلها وسيجىء أمرهم الله
تعالى بالسير الى أريحاء من أرض الشام وهى الارض المقدّسة وكان لها ألف
قرية وفى كل قرية ألف انسان وكان لا يحمل عنقودا من عنهم الا خمسة أنفس فى
خشبة بينهم ويدخل فى شطر الرمانة اذا انزع حبها خمسة أنفس قال ابن عباس
اريحاء قرية الجبارين كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم
عوج بن عنق وقيل بلقاء* وفى معالم التنزيل سمى أولئك القوم جبارين
لامتناعهم لطول قامتهم وقوّة أجسادهم وكانوا من العمالقة وبقية قوم عاد
وقال الله يا موسى انى كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرج اليها وجاهد من فيها
من العدوّ فانى ناصرك عليهم وخذ من قومك اثنى عشر نقيبا من كل سبط نقيبا
كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به فاختار موسى النقباء وسار
ببنى اسرائيل حتى قربوا من أريحاء وبعث هؤلاء النقباء يتجسسون الاخبار
ويعلمون علمها فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عنق وكان طول قامته
وعمره ما ذكرنا وعلى رأسه خرمة حطب فأخذ النقباء الاثنى عشر وجعلهم فى
حزمته وانطلق بهم الى امرأته وقال انظرى الى هؤلاء الذين يزعمون أنهم
يزيدون قتالنا وطرحهم بين يديها وقال لأطحننهم فقالت امر أنه بل خل عنهم
حتى يخبروا قومهم ففعل ذلك* وروى أنه جعلهم فى كمه وأتى بهم الى الملك
فنثرهم بين يديه وقال الملك ارجعوا فأخبروا بما رأيتم ثم انه جاء وقوّر
صخرة من الجبل على قدر معسكر موسى فرسخا فى فرسخ وحملها ليطبقها عليهم فبعث
الله الهدهد فقوّر الصخرة بمنقاره فوقعت فى عنقه فصرعته فأقبل موسى وهو
مصروع فقتله* وفى الانس الجليل والعرائس فأرسل الله طيرا فنقر الصخرة فنزلت
من رأسه الى عنقه ومنعته الحركة فوثب موسى وكانت وثبته عشرة أذرع وطوله
عشرة أذرع وطول عصاه مثل ذلك ولم يلحق الاعرقوبه وهو مصروع وضرب كعبه فقتله
وتركه بموضعه وأردم عليه التراب والرمل فكان كالجبل العظيم فى صحراء مصر
وجاءت جماعة كثيرة من بنى اسرائيل فقطعوا رأسه بعد جهد جهيد بالخناجر
ووضعوا ضلعا من أضلاعه على نيل مصر فجسرهم سنة كذا فى العرائس* وروى أن كل
واحد من وثبة موسى وطوله وطول عصاه أربعون ذراعا* وهذه القصة لغرابتها
أوردت فى البين فلنرجع الى ما كنا بصدده* روى ان آدم عاش تسعمائة وستين سنة
وقيل ألف سنة وفى حياة الحيوان كان طول آدم ستين ذراعا وعاش ألف سنة
الاستين عاما وفى المختصر الاسبعين عاما* وفى الانس الجليل تسعمائة وثلاثين
سنة وكان وصيه شيث ومدّة مرضه أحد عشر يوما وتوفى بمكة يوم الجمعة وصلّى
عليه جبريل واقتدى به الملائكة وبنو آدم* وفى رواية صلّى عليه شيث بأمر
جبريل ودفن بمكة فى قبر لحد له فى غار أبى قبيس وهو غار يقال له غار الكنز
قاله وهب* وفى العرائس قال ابن اسحاق فى مشارق الفردوس عند قرية هى أوّل
قرية كانت فى الارض وكسفت عليه الشمس والقمر تسعة أيام ولياليها* وفى بحر
العلوم عن ابن عباس أنه قال لما فرغ آدم من الحج رجع الى الهند فمات على
نود بالهند ودفن بها وعن ثابت البنانى حفروا لآدم ودفنوه بسر نديب من الهند
فى الموضع الذى أهبط عليه وصححه الحافظ عماد الدين بن كثير فى تفسيره
والزمخشرى فى الكشاف* وفى المدارك لما توفى آدم غسلته الملائكة وحنطته
وكفنته فى وتر من الثياب وحفروا له قبرا ولحد او دفنوه بسر نديب من الهند
وقالوا
(1/63)
لبنيه هذه سنتكم وقيل ان قبره فى مغارة بين
بيت المقدس ومسجد ابراهيم وعن ابن عمر أنه قال رأسه عند الصخرة ورجلاه عند
مسجد الخليل وتوفيت حوّاء بعد آدم بسنة وقيل بثلاثة أيام ودفنت الى جنب آدم
فى ذلك الغار ولم يزل قبر آدم هناك الى زمان الطوفان ولما حدث الطوفان حمله
نوح وقيل حملهما فى تابوت معه فى السفينة وجعله معترضا بين الرجال والنساء
قاله مقاتل* ولما انقضى الطوفان دفنه فى مدفنه الاوّل* وفى رواية ابن عباس
دفن ببيت المقدس وقيل عند مسجد الخيف حكاه الذهبى ومسجد الخيف حكاه عروة بن
الزبير* وفى المختصر الجامع قيل ان سام بن نوح أخرجه من السفينة وحمله الى
منى ودفنه عند منارة مسجد الخيف* وفى الانس الجليل نزل جبريل على آدم اثنتى
عشرة مرّة وقام بالامر بعد آدم شيث ويقال شاث ومعناه هبة الله ويقال عطية
الله كذا فى سيرة مغلطاى وكانت ولادة شيث بعد مضىّ مائة وعشرين سنة لآدم
بعد قتل هابيل بخمس سنين كذا فى كامل التاريخ* وفى رواية كان مولده لمضىّ
مائتى سنة وخمس وثلاثين سنة من عمر آدم وقيل غير ذلك وكان شيث أجمل أولاد
آدم وأشبههم به وأحبهم اليه وأفضلهم* وقال ابن عباس كان معه توأم ولما حضرت
آدم الوفاة عهد الى شيث وعلمه ساعات الليل والنهار وعلمه العبادات فى كل
ساعة منها وأعلمه بالطوفان وصارت الرياسة بعد آدم اليه وأنزل الله تعالى
عليه خمسين صحيفة واليه تنتهى أنساب بنى آدم كلهم اليوم وزوّجه الله
مخوايله البيضاء بيت آدم فى حياته وكانت جميلة كأمّها حوّاء وخطب جبريل
وشهدت الملائكة وكان آدم وليها فولدت أنوش بن شيث ويقال يانش ومعناه الصادق
وكانت مدّة عمر شيث تسعمائة واثنتى عشرة سنة ومات لمضىّ ألف ومائة واثنتين
وأربعين سنة من هبوط آدم ودفن فى غار أبى قبيس الى جنب أبويه وانتقلت رياسة
الخلوّ بوصيته الى ابنه يانش وقام مقام أبيه قريبا من ستمائة سنة وعاش
تسعمائة وخمسين سنة وقيل كان جميع عمرة تسعمائة وخمس سنين وكان مولده بعد
أن مضى من عمر أبيه شيث ستمائة وخمس سنين كذا فى كامل التاريخ وولد لا نوش
قينن بالقاف ويقال قينان ومعناه المتولى ولد من أخت أبيه نعمة بنت شيث بعد
مضى تسعين سنة من عمر أنوش كذا فى الكامل* وفى سيرة ابن هشام قاين وقام
مقام أبيه قريبا من خمس وتسعين سنة وعاش تسعمائة واثنتى عشرة سنة كذا فى
الكامل وقيل تسعمائة وثنتين وستين سنة وولد لقينان مهليل بن قينان ويقال
مهلائيل ومعناه الممدّح وفى الكامل وغيره مهلائيل أوّل من بنى المدّن
واستخرج المعادن وأمر أهل زمانه باتخاذ المساجد وبنى مدينة بابل بالعراق
ومدينة السوس بخوزستان وكانتا أوّل ما بنى على وجه الارض وما بنيت قبلهما
مدينة وكان مأوى بنى آدم فى المغارات والغيض كذا فى نظام التواريخ* وفى
التوراة أن مهلائيل ولد بعد أن مضى من عمر آدم عليه السلام ثلثمائة وخمس
وتسعون سنة وعاش ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة ونسابو الفرس قالوا مهلائيل بن
قينان هو شنج الذى ملك الاقاليم السبعة كذا فى كامل التاريخ* وفى نظام
التواريخ كثر الناس فى زمان مهلائيل وكان من كثرة الناس فى زحمة ففرّقهم
مهلائيل فى أقطار الارض وجاء هو مع أولاد شيث الى أرض بابل* وفى كامل
التاريخ مهلائيل هو أوّل من استنبط الحديد وعمل منه الادوات للصناعات وقدّر
المياه فى مواضع المنافع وحض الناس على الزراعة واعتماد الاعمال وأمر بقتل
السباع الضارية واتخاذ الملابس من جلودها والمفارش وبذبح البقر والغنم
والوحش وأكل لحومها وانه بنى مدينة الرىّ وهو أوّل من استخدم الجوارى وأوّل
من قطع الشجر وعملها فى البناء* ذكروا أنه نزل الهند وتنقل فى البلاد وعقد
على رأسه تاجا وذكروا أنه قهر ابليس وجنوده ومنعهم الاختلاط بالناس وتوعدهم
على ذلك وقتل مردتهم فهربوا من خوفه الى المفاوز والجبال فلما مات
عادوا وقبل انه سمى شرار الناس شياطين واستخدمهم
(1/64)
وملك الاقاليم كلها وانه كان بين مولد هو
شنج وملكه وبين موت كيومرث مائتا سنة وثلاث وعشرون سنة وقال أهل التوراة ان
أوّل من اتخذ الملاهى من ولد قابيل رجل يقال له توبال اتخذها فى زمان
مهلائيل ابن قينان واتخذ المزامير والطنابير والطبول والعيدان والمعازف
فانهمك ولد قابيل فى اللهو وولد لمهلائيل يرد بمثناة تحتية مفتوحة ثم راء
مهملة وذال معجمة كذا فى الكامل ويقال يارد ويقال الرائذ ومعناه الضابط ولد
بعد ما مضى من عمر آدم أربعمائة وستون سنة وكان هو القائم بوصية أبيه وعاش
تسعمائة وثنتين وستين سنة وكل هؤلاء ولدوا فى حياة آدم
* (ذكر ملوك الفرس متفرّقة ومشاهير الانبياء والحكماء الذين كانوا فى
أيامهم)
**
(ذكر كيومرث)
* فى نظام التواريخ للشيخ ناصر الدين البيضاوى اتفق أهل التواريخ على أن
أوّل الملوك كيومرث وزعم بعض المؤرّخين أن كيومرث هو آدم عليه السلام ولم
يصدّقهم الآخرون وأورد الغزالى فى كتاب نصائح الملوك أن كيومرث أخو شيث
وقال جماعة ان كيومرث من أولاد نوح وقيل هذا أظهر وعلى التقادير كلها ان
كيومرث هو أوّل الملوك فى الارض ويقال ان كيومرث أوّل من بنى المدن ابتنى
مدينتين احداهما اصطخر وكان أكثر مقامه بها والثانية دماوند وكان يقيم بها
أحيانا وعاش ألف سنة وكان ملكه قريبا من أربعين سنة ووصى بملكه لابن ابنه
هو شنج
*
(ذكر هوشنج)
* وكان هو شنج صاحب علم وعدل وله كتاب فى الحكمة العملية ويدّعى الاعاجم
أنه نبىّ ومن غاية عدله لقبوه بيشداد يعنى كثير العدل ووضع تاجا على رأسه
واستخرج الحديد من الحجر وصنع منه آلات وزاد فى عمارة اصطخر التى هى دار
ملكه وبنى مدينتين بابل وسوس ويقال ان بابل بناء الضحاك ويقال ان هو شنج
كان مشتغلا بالعبادة فى الجبال حتى ان بعض الشياطين ضربوا رأسه بالحجر وهو
فى السجود فأهلكوه وكان كيومرث يتضرّع الى الله حتى أخبر ليلة فى النوم عن
حال هو شنج فقصد كيومرث تلك الجماعة من الشياطين فأهلكهم وبنى فى مقامهم
مدينة بلخ من خراسان كذا فى نظام التواريخ*
(ذكر طهمورث)
* ولما توفى هو شنج قام مقامه سبطه طهمورث الذى هو ولىّ عهده وملك الاقاليم
السبعة وعقد على رأسه تاجا وكان محمودا فى ملكه مشفقا فى رعيته وانه ابتنى
شابور فى فارس وكهن فى مرو وبنى فى خطة اصفهان قمرين وساروية ونزلها وتنقل
فى البلدان وانه وثب على ابليس حتى ركبه فطاف عليه فى أدانى الارض وأقاصيها
وأفزعه ومردته حتى تفرّقوا وكان أوّل من اتخذ الصوف والشعر للبس والفرش
وأوّل من اتخذ زينة الملوك من الخيل والبغال والحمير وأمر باتخاذ الكلاب
لحفظ المواشى وغيرها وأخذ الجوارح للصيد وكتب بالفارسية وان موارسب ظهر فى
أوّل سنة من ملكه ودعا الى ملة الصابئين كذا قال أبو جعفر وغيره من العلماء
انه ركب ابليس وطاف عليه والعهدة عليهم وانما نحن نقلنا ما قالوا قال ابن
الكلبى أوّل ملوك الارض من بابل طهمورث وكان لله مطيعا وكان ملكه أربعين
سنة وهو أوّل من كتب بالفارسية وفى أيامه عبدت الاصنام وأوّل ما عرف الصوم
فى ملكه وسببه أن قوما فقراء تعذر عليهم القوت فأمسكوا نهارا وأكلوا ليلا
ما يمسك رمقهم واعتقدوا به تقرّبا الى الله تعالى وجاءت الشرائع به كذا فى
الكامل* وفى نظام التواريخ وقع فى زمانه قحط فأمر الاغنياء أن يقنعوا
بعشائهم ويعطوا غذاءهم للفقراء فوضع سنة الصوم ويقال ظهر فى زمانه فناء
عظيم وكل من مات له حبّ صوّر صورته فبقى منه عبادة الاصنام
ذكر ادريس عليه السلام
وتزوّج يرد اغثوث وقيل بزوره فولدت له (اخنوخ) ابن يرد بهمزة وحذفها وحاء
مهملة مفتوحة ونون وبعد الواو خاء معجمة وقيل بخاءين معجمتين ونون وواو
(1/65)
وفى آخره خاء معجمة كذا فى الكامل* وفى
سيرة ابن هشام أهنخ ويقال أخنخ وهو ادريس سمى به لكثرة درسه الكتب فى صحف
آدم وشيث كذا فى لباب التأويل والعرائس* واشتقاقه من الدرس على تقدير كونه
عربيا ويمنعه منع صرفه* وفى الانس الجليل أدرك ادريس من حياة جدّه شيث
عشرين سنة ويقال ان ولادته كانت فى زمن آدم قبل وفاته بمائة سنة وقيل حين
توفى آدم كان قد مضى من عمر ادريس ثلثمائة وستون سنة* وفى المختصر ولد بعد
وفاة آدم بمائة وستين سنة والجمهور على أن ادريس أوّل نبىّ بعث بعد آدم
بمائتى سنة وما مضى من عمره فى النبوّة مائة وخمس سنين وأنزل عليه ثلاثون
صحيفة ونزل عليه جبريل أربع مرّات كذا فى الانس الجليل وكان على شريعة آدم
وكان خياطا وهو أوّل من خط بالقلم* قال أبو الحسين بن فارس فى كتابه فقه
اللغة يروى أن أوّل من كتب الكتاب العربى والسريانى والكتب كلها آدم عليه
السلام قبل موته بثلثمائة سنة كتبها فى طين وطبخه ولما أصاب الارض الغرق
وجد كل قوم كتابا فكتبوه فأصاب اسماعيل الكتاب العربى وكان ابن عباس يقول
أوّل من وضع الكتاب العربى اسماعيل كذا فى البرهان للزركشى وكان ادريس أوّل
من خاط الثياب ولبس المخيط وكان من قبله يلبسون الجلود وهو أوّل من نظر فى
علم النجوم والحساب وحكماء اليونان ينسبون اليه فى علم الهيئة والنجوم
والحساب ويسمونه هرمس الحكيم وهو عظيم عندهم كذا فى نظام التواريخ وهو أوّل
أولى العزم وأوّل من اتخذ السلاح وقاتل الكفار وأوّل من اتخذ السبى والاسر
وكان يسير الى حرب أولاد قابيل ويسبيهم ويستعبدهم وقيل ذلك كله كان فى حياة
آدم* قال العلماء ان ادريس صعد الى السماء وعلم دور الافلاك وطبائع الكواكب
وخواصها ثم نزل وكان ذلك معراجا له ولما مضى من عمر ادريس ثلثمائة سنة
وثمان سنين توفى آدم وفى التوراة ان الله تعالى رفع ادريس بعد ثلثمائة سنة
وخمس وستين سنة من عمره بعد أن مضى من عمر أبيه خمسمائة وسبعة وعشرون سنة
وعاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة وخمسا وثلاثين سنة تمام تسعمائة وثنتين
وستين سنة وعاش يرد بعد مولد ادريس ثمانمائة سنة كذا فى الكامل ويقال انه
قبضت روحه فى السماء الرابعة وصلت عليه الملائكة وبدنه فى السماء الرابعة
وتصلى عليه الملائكة كلما هبطت وقيل انه مات ثم أحياه الله وأدخله الجنة
وهو فيها الآن وسيجىء وقال قوم انه نبئ بعد آدم بمائتى سنة ورفع وله
أربعمائة وخمس وستون سنة والاوّل أشهر* وفى لباب التأويل والمدارك وكان سبب
رفعه الى السماء الرابعة على ما قاله كعب الاحبار وغيره أنه سار ذات يوم فى
حاجة فأصابه وهج الشمس فقال يا رب انى مشيت يوما فكيف من يحملها مسيرة
خمسمائة عام فى يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرّها فلمّا أصبح الملك
وجد من خفة الشمس وحرّها ما لا يعرفه فسأل الله عن سبب ذلك فقال ابن عبدى
ادريس سألنى أن أخفف عنك حملها وحرّها فأجبته قال يا رب فاجمع بينى وبينه
واجعل بينى وبينه خلة فأذن له حتى أتى ادريس فقال له ادريس اشفع لى عند ملك
الموت ليؤخر أجلى فأزداد شكرا وعبادة فقال الملك لا يؤخر الله نفسا اذا جاء
أجلها وأنا مكلمه فرفعه الى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ثم أتى ملك الموت
وقال لى اليك حاجة صديق لى من بنى آدم يتشفع بى اليك لتؤخر أجله فقال ملك
الموت ليس ذلك الىّ ولكن ان أحببت أعلمته أجله فيقدّم لنفسه قال نعم فنظر
فى ديوانه فقال انك كلمتنى فى انسان ما أراه يموت أبدا قال وكيف ذلك قال لا
أجده يموت الا عند مطلع الشمس قال أنا أتيتك وتركته هناك قال انطلق فما
أراك تجده الا وقد مات فو الله ما بقى من أجل ادريس شئ فرجع الملك فوجده
ميتا* قال وهب كان يرفع لادريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل
الارض فى زمانه فعجب مبنه الملائكة
(1/66)
وحبب اليهم واشتاق اليه ملك الموت فاستأذن
ربه فى زيارته فأذن له فقال لملك الموت أذقنى الموت يهن علىّ ففعل باذن
الله فحيى بعد ساعة ثم رفعه الى السماء وقال أدخلنى النار فأزداد رهبة ففعل
ثم قال أدخلنى الجنة فأزداد رغبة ففعل فقال له أخرج الى مقرّك فتعلق بشجرة
وقال ما أخرج منها فبعث الله ملكا حكما بينهما قال له الملك مالك لا تخرج
قال لان الله تعالى قال كل نفس ذائقة الموت وقد ذقته وقال وان منكم الا
واردها وقد وردتها وقال وما هم منها بمخرجين فلست أخرج فأوحى الله الى ملك
الموت باذنى دخل وبأمرى لا يخرج فهو حىّ هنالك* واختلفوا فى أنه حىّ فى
السماء أم ميت فقال قوم هو ميت وقال قوم هو حىّ وقالوا أربعة من الانبياء
فى الاحياء اثنان فى الارض وهما الخضر والياس واثنان فى السماء وهما عيسى
وادريس* وفى فصوص الحكم الياس هو ادريس كان نبيا قبل نوح وقد رفعه الله
مكانا عليا فهو فى قلب الافلاك ساكن وهو فلك الشمس ثم بعث الى قرية بعلبك
وبعل اسم صنم وبك اسم سلطان تلك القرية وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا
بالملك وكان ادريس الذى هو الياس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من
اللبانة وهى الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته من نار فلما رآه ركب عليه
فسقطت عنه الشهوة فكان عقلا بلا شهوة ولم يبق له تعلق بما يتعلق به الاغراض
النفسية* وفى الكشاف قيل الياس هو ادريس النبىّ وقراءة ابن مسعود وان ادريس
لمن المرسلين فى موضع الياس وقرئ ادراس وقيل هو الياس بن ياسين من ولد
هارون النبىّ أخى موسى وبعل علم لصنم كمناة وهبل وقيل كان من ذهب وكان طوله
عشرين ذراعا وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن
وجعلوهم أنبياء وكان الشيطان يدخل فى جوفه ويتكلم بشريعة الضلال والسدنة
يحفظونها ويعلمونها الناس وهم أهل بعلبك من بلاد الشام وبه سميت مدينتهم
بعلبك وقيل بعل الرب بلغة اليمن انتهى كلام الكشاف فلما رفع ادريس الى
السماء وقع الاختلاف بين الناس وفتر الوحى الى زمان نوح
*
(ذكر ملك جمشيد)
* وفى زمان اخنوخ ملك جمشيد والشيد عندهم الشعاع وجم القمر لقبوه بذلك
لجماله وهو أخو طهمورث وقيل انه ملك الاقاليم السبعة وسخر له ما فيها من
الجنّ والانس وعقد التاج على رأسه وأمر بعمل السيوف والدروع وسائر الاسلحة
وآلة الصناع من الحديد وبعمل الابريسم وغزله والقطن والكتان وكلّ ما يساغ
غزله وحياكته وصبغه ألوانا ولبسه وصنف الناس أربع طبقات طبقة مقاتلة وطبقة
فقهاء وطبقة كتابا وصناعا وحرّاثين واتخذ طبقة منهم خدما كذا فى الكامل*
وفى نظام التواريخ زاد جمشيد فى عمارة مدينة اصطخر وعظمها حتى كان حدّها من
حفرك الى آخر رامجرد مقدار اثنى عشر فرسخا فى الطول وعشرة فراسخ فى العرض
واليوم ظللها وأساطينها باقية يقال لها چهل مناره أى ذات أربعين مناره ولم
يخبر أحد بمثلها فى العالم ولما تم بناؤها سار اليها مع الملوك والعظماء
وفى ساعة بلوغ الشمس نقطة الاعتدال الربيعى جلس على السرير ووعد الناس
بالعدل والاحسان وسمى ذلك اليوم نوروز يعنى يوم جديد فمدّة ملكه بلغت الى
قرب سبعمائة سنة وأبطره الملك والنعمة وغلبته الحماقة والتجبر فدعا الناس
الى عبادته وصنع الاصنام على صورته وبعثها الى أطراف العالم ليعبدوها فسلط
الله عليه شدّاد بن عاد حتى بعث اليه ابن أخيه ضحاك بن علوان حتى قلع جمشيد
وقطعه قطعا قطعا
ذكر متوشلخ
وكان ادريس بن يرد قد تزوّج هدانة ويقال ادانة كذا فى الكامل ويقال تزوّج
بروحا فولدت له (متوشلخ) بن اخنوخ بفتح الميم وبالتاء المعجمة باثنتين من
فوق وبالشين المعجمة وبحاء مهملة وقيل بخاء معجمة كذا فى الكامل وكان
لادريس حين تزوّج خمس وستون سنة وكان متوشلخ أوّل من ركب الفيل وانه سلك
رسم أبيه اخنوخ فى الجهاد فعاش بعد ما ولد
(1/67)
لمك سبعمائة سنة وكان مدّة عمر متوشلخ
تسعمائة وسبعا وعشرين سنة وقيل غير ذلك فولد لمتوشلخ لمك ابن متوشلخ ويقال
لامك بفتح الميم وكسرها وقيل كان لمتوشلخ ابن آخر غير لمك يقال له صابى وبه
سميت الصابئون وكان لامك رجل أشقر أعطى قوّة وبطشا ونكح بأصح الروايتين
شمخاء بنت أنوش وقيل قينوش ابنة مراكيل بن مخويل ويقال مراكيل بن مخاويل أو
مخاويل بن اخنوخ وهو ابن مائة وسبع وثمانين سنة فولدت له (نوحا) ابن لمك
عليه السلام وكان له يوم ولد نوح خمسمائة وخمس وتسعون سنة
ذكر نوح عليه السلام
وكان مولد نوح بعد موت آدم بمائة وست وعشرين سنة فبعث الله نوحا وهو ابن
أربعمائة وثمانين سنة فدعا قومه مائة وعشرين سنة ثم أمره الله تعالى بصنعة
الفلك فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة وغرق من غرق ثم مكث بعد السفينة
ثلثمائة وخمسين سنة وروى عن جماعة من السلف انه كان بين آدم ونوح عليهما
السلام عشرة قرون كلهم على ملة الحق والكفر بالله حدث فى القرن الذى بعث
اليهم فيه نوح فأرسله الله تعالى وهو أوّل نبىّ بعث بالانذار فى الدعاء الى
التوحيد وهو قول ابن عباس وقتادة كذا فى الكامل* وفى معالم التنزيل وأنوار
التنزيل كان لمك وشمخاء أبوا نوح مؤمنين قيل سمى نوحا لكثرة ما ناح على
نفسه* وفى تفسير القشيرى فى الخبر أن نوحا عليه السلام كان اسمه يشكر
ولكثرة ما كان يبكى أوحى الله اليه يا نوح كم تنوح فسموه نوحا وان ذنبه انه
كان يوما مرّ بكلب فقال ما أوحشه فأوحى الله تعالى اليه أن اخلق أنت أحسن
من هذا فكان يبكى معتذرا من مقالته تلك* وفى حياة الحيوان كان اسمه عبد
الجبار وانما سمى نوحا لنوحه على ذنوب أمّته* وفى ربيع الابرار بكى نوح
ثلثمائة سنة لقوله ان ابنى من أهلى* وفى الانس الجليل اسمه عبد الغفار وولد
بعد مضىّ ألف وستمائة واثنتين وأربعين سنة من هبوط آدم وكان بعد رفع ادريس
الى السماء بمائة وخمس وسبعين سنة* وفى العرائس أرسله الله الى ولد قابيل
ومن تابعهم من ولد شيث وهو ابن خمسين سنة* وفى معالم التنزيل عن ابن عباس
أنه بعث بعد أربعين سنة ولبث فى قومه يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة فآمن به
ثمانون نفسا من الرجال والنساء* قال عون بن شدّاد ان الله تعالى أرسل نوحا
وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما ثم عاش بعد
ذلك ثلثمائة وخمسين سنة كذا فى الكامل قال ابن عباس وعاش بعد الطوفان ستين
سنة وكان عمره ألفا وخمسين سنة وقال مقاتل بعث وهو ابن مائتين وخمسين سنة
وكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة والى هذا القول أشار الزمخشرى فى ربيع
الابرار روى الضحاك عن ابن عباس أنه قال ان نوحا كان يضرب ثم يلف فى لبد ثم
يلقى فى بيته فيرون أنه قدمات ثم يخرج فيدعوهم حتى أيس من ايمان قومه فدعا
عليهم فأجاب الله دعاءه وأمر أن يصنع الفلك
صفة سفينة نوح
قال نوح يا رب وما الفلك قال بيت من خشب يجرى على وجه الماء حتى أغرق أهل
معصيتى وأريح أرضى منهم قال يا رب وأين الماء قال يا نوح انى على ما أشاء
قدير قال يا رب وأين الخشب قال اغرس من الشجر فغرس وأتى على ذلك أربعون سنة
وكف فى تلك المدّة عن الدعاء فلم يدعهم فأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم
يولد لهم ولد فلما أدرك الشجر أمره الله أن يقطعه فقطعه وجففه وقال يا رب
كيف أتخذ هذا البيت قال اجعله أزور على ثلاث صور رأسه كرأس الديك وجؤجؤه
كجؤجؤ الطير وذنبه كذنب الديك مائلا واجعلها مطبقة واجعل لها أبوابا فى
جنبها واجعلها ثلاث طبقات واجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا قال
قتادة وطولها فى السماء ثلاثون ذراعا والذراع الى المنكب كذا فى حياة
الحيوان ومعالم التنزيل* وفى رواية أوحى الله تعالى الى نوح أن عجل بصنعة
السفينة فقد اشتدّ غضبى على من عصانى فاستأجر نوح نجارين يعملون معه
وأولاده حام وسام ويافث معه ينحتون السفينة فجعل طولها فى هذه الرواية
ستمائة وستين ذراعا وعرضها ثلثمائة وثلاثين ذراعا
(1/68)
وعلوّها فى السماء ثلاثة وثلاثين ذراعا
وهذا قول ابن عباس* وفى رواية الضحاك وطلاها بالقار من داخلها وخارجها
وشدّها بالدسر وهى المسامير الحديد وفجر له عين القار يغلى غليانا حتى
طلاها به هذا كله فى عرائس الثعلبى وعن زيد بن أسلم أنه قال مكث نوح مائة
سنة يغرس الاشجار ويقطعها ومائة سنة يعمل الفلك وقيل غرس الشجر أربعين سنة
وقطعة أربعين سنة كما مرّ وعن كعب الاحبار أن نوحا عمل السفينة فى ثلاثين
سنة وفى رواية لمادنا هلاك قومه أتاه جبريل وقال ان ربك يأمرك أن تصنع
الفلك قال وكيف أصنع ولست بنجار قال فان ربك يقول اصنع فانك بعينى* وفى
الكشاف كان لله معه أعينا يكلؤه أن يزيغ فى صنعته عن الصواب وأن يحول بينه
وبين عمله أحد من أعدائه فأخذ القدوم فجعل يصنع ولا يخطئ وقيل أوحى الله
اليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر كما مرّ فلما أمره الله أن يصنع الفلك أقبل
نوح على عمل الفلك ولها عن قومه وجعل بقطع الخشب ويضرب الحديد ويهيئ ما
يحتاج اليه الفلك من القار وغيره وجعل قومه يمرّون به وهو فى عمله فيسخرون
منه ويقولون يا نوح صرت نجارا بعد النبوّة وروى أنهم كانوا يقولون يا نوح
ماذا تصنع فيقول أصنع بيتا يمشى على وجه الماء فيضحكون منه استهزاء بعمل
السفينة فانه كان يعملها فى برّية بمهمه فى أبعد موضع من الماء وفى وقت عز
الماء عزة شديدة* وفى روضة الاحباب روى أن نوحا لما أمر باتخاذ السفينة جاء
جبريل بشجر الساج وأمره بغرسه فغرسه فأدرك واستوى بعد عشرين سنة أو أربعين
سنة ولما أدرك قطعه وتركه حتى يبس فجاء جبريل فعلمه صنعة السفينة فاشتغل هو
وبنوه الثلاثة وأجير آخر بعمل السفينة* وفى حياة الحيوان أوّل من اتخذ
الكلب للحرس نوح عليه السلام قال يا رب أمرتنى أن أصنع الفلك وأنا فى
صناعته أصنع يوما فيجيئون بالليل فيفسدون كل ما عملت فمتى يلتئم لى ما
أمرتنى به قد طال علىّ أمرى فأوحى الله اليه يا نوح اتخذ كلبا يحرسك فاتخذ
نوح كلبا وكان يعمل بالنهار وينام بالليل فاذا جاء قومه ليفسدوا بالليل
هجمهم الكلب فينتبه نوح ويأخذ الهراوة ويثب لهم فينهزمون منه فالتأم له ما
أراد* وفى بعض الكتب المنزلة لما أمر الله نوحا بقطع الاشجار وقلع الالواح
قطعها وقلع منها مائة ألف وأربعة وعشرين ألف لوح بعدد الانبياء عليهم
السلام وكان على كل لوح اسم نبىّ من الانبياء أوّلهم آدم وآخرهم محمد صلّى
الله عليه وسلم فكان على اللوح الاوّل اسم آدم وعلى الثانى اسم شيث وعلى
الثالث اسم ادريس وعلى الرابع اسم نوح وعلى الخامس اسم هود وعلى السادس اسم
صالح وعلى السابع اسم ابراهيم الى مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا وكان كلما
قلع لوحا يظهر عليه اسم نبىّ وأوحى الله الى نوح انه ناقص من سفينتك أربعة
ألواح لا بدّ لها منها لتكمل وان نهر النيل شجرة فارسل اليها من يأتى بها
فقال نوح لاولاده ذلك فلم يجبه أحد منهم فقيل لنوح أن قل ذلك لعوج بن عنق
فانه عليه قوىّ ويقدر على السير اليه فقال نوح ذلك لعوج وشرط عليه أن يشبعه
فذهب عوج اليها وجاء بها فقدّم اليه نوح ثلاثة أقراص من شعير فضحك عوج
متعجبا وقال يا نوح كيف أشبع بهذا وأنا آكل كل يوم اثنى عشر ألف قرص وما
أشبع قيل ان عوج لم يشبع من طعام قط ولم يسع فى لباس قط فقال نوح يا عوج قل
بسم الله الرحمن الرحيم وكل فقال عوج بسم الله وأكل نصف قرص وشبع وبقى
قرصان ونصف ثم ان نوحا قلع من تلك الشجرة أربعة ألواح وكمل بها السفينة
وكان مكتوبا على اللوح الاوّل اسم أبى بكر وعلى الثانى اسم عمر وعلى الثالث
اسم عثمان وعلى الرابع اسم علىّ رضى الله عنهم أجمعين فقال نوح يا جبريل من
هؤلاء قال هؤلاء أصحاب محمد خاتم النبيين فكما ان سفينتك لم تكمل بدون هذه
الالواح كذلك لم يكمل أمر أمة محمد بدون هؤلاء الاربعة قال ابن عباس اتخذ
نوح السفينة فى سنتين
(1/69)
وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين
ذراعا وسمكها ثلاثين ذراعا وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاثة بطون فحمل فى
البطن الاسفل الوحوش والهوام وفى البطن الاوسط الدواب والانعام وركب هو ومن
معه من ولد آدم فى البطن الاعلى وجعل الذرّ معه فى الطبقة العليا شفقة
عليها لضعفها لئلا يصل اليها شئ وحمل معه ما يحتاج اليه من الزاد* وفى
معالم التنزيل انها كانت ثلاث طبقات الطبقة السفلى للدواب والوحوش والطبقة
الوسطى فيها الانس والطبقة العليا فيها الطير وروى عن الحسن أنه قال كان
طولها ألفا ومائتى ذراع وعرضها ستمائة ذراع* وفى بعض الكتب كان عرضها
أربعمائة ذراع ولها سبعة أطباق والمعروف أن طولها ثلثمائة ذراع واختلفوا فى
التنور فى الآية قال عكرمة والزهرى قيل لنوح اذا رأيت الماء فار على وجه
الارض فاركب السفينة فالمراد بالتنور فى الآية وجه الارض وروى عن علىّ رضى
الله عنه أنه قال فار التنور أى طلع الفجّر الصبح وقيل فار التنور مثل
كناية عن اشتداد الامر كقولهم حمى الوطيس أى اشتدّ الامر وقال الحسن ومجاهد
والشعبى انه التنور الذى يخبر فيه ابتدأ منه النبوع على خرق العادة عن ابن
عباس كان تنورا من حجارة وقيل من حديد كانت حوّاء تخبز فيه فصار الى نوح
فقيل لنوح اذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب السفينة أنت وأصحابك* وفى
رواية قال نوح يا رب ما علامة الطوفان قال علامته أن يفور تنور امرأتك أو
ابنتك وينبع الماء من بين النار ويرتفع كالقدر ويفور فلما نبع الماء من
التنور أخبرته امرأته فركب* وفى المدارك أخرج سبب الغرق من موضع الحرق
ليكون أبلغ فى الانذار والاعتبار واختلفوا فى موضع التنور فقال مجاهد
والشعبى كان فى ناحية الكوفة وقالا اتخذ نوح السفينة فى جوف مسجد الكوفة
وكان التنور على يمين الداخل مما يلى باب كندة وكان فوران الماء منه علما
لنوح وانه من ذلك الموضع ركب السفينة وقال مقاتل كان ذلك تنور آدم وكان
بالشام فى موضع يقال له عين وردة بقرب بعلبك* وفى انوار التنزيل كان بعين
وردة من أرض الجزيرة وعن ابن عباس أنه كان بالهند وأدخل معه كل من آمن به
واختلفوا فى عدد أصحاب السفينة قال قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب القرظى لم
يكن فى السفينة الاثمانية نوح وامرأته وثلاث بنين له سام وحام ويافث
ونساؤهم فجميعهم ثمانية وقال الاعمش كانوا سبعة نوح وثلاث بنيه وثلاث كنائن
له وقال ابن اسحاق كانوا عشرة نوح وبنوه سام وحام ويافث وستة أناس ممن كان
آمن به وأزواجهم جميعا وقال مقاتل كانوا اثنين وسبعين نفرا رجلا وامرأة
وبنيه الثلاثة ونساءهم فجميعهم ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء وعن
ابن عباس كان فى سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم وحمل نوح معه جسد آدم
وجعله معترضا بين الرجال والنساء كما مرّ وأمر نوح أن لا يعلو ذكر على أنثى
ما داموا فى السفينة فأصاب حام امرأته فى السفينة فدعا نوح عليه فغير الله
نطفته فجاءت منه السودان ووثب الكلب على الكلبة فدعا نوح عليهم فقال اللهم
اجعلهم عسرا كذا فى العرائس* وعن ابن عباس لما أمر نوح بالحمل فيها قال يا
رب كيف أحمل فيها قال من كل زوجين اثنين فحشر الله اليه الوحوش والسباع
والطير من البرّ والبحر والسهل والجبل ليحملها قال ابن عباس أرسل الله
المطر أربعين يوما وليلة فأقبلت الوحوش والطيور الى نوح حين أصابها المطر
وسخرت له فجعل يضرب بيديه فى كل جنس فيقع الذكر فى يده اليمنى والانثى فى
يده اليسرى فيحملهما فى السفينة وعنه أوّل ما حمل نوح الذرّة* وفى العرائس
أوّل ما حمل معه من الطيور الدرّة وآخره الحمار ودخل بصدره وتعلق ابليس
بذنبه فلم تستقل رجلاه فجعل نوح يقول ادخل فينكص حتى قال نوح ويحك ادخل وان
كان الشيطان معك كلمة زلت على لسانه فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل
ودخل الشيطان معه قال نوح ما أدخلك علىّ يا عدوّ الله قال ألم تقل
(1/70)
ادخل وان كان الشيطان معك قال اخرج عنى يا
عدوّ الله قال مالك بد أن تحملنى معك وكان فيما يزعمون فى ظهر الفلك* وفى
تفسير القشيرى جاء فى القصة ان ابليس تعرّض له وقال احملنى معك فى السفينة
فأبى نوح عليه السلام فقال يا شقى تطمع فى حملى اياك وأنت رأس الكفرة فقال
ابليس يا نوح أما علمت أن الله أنظرنى الى يوم القيامة وليس ينجو اليوم أحد
الا من فى هذه السفينة فأوحى الله الى نوح أن احمله وكان ابليس مع نوح فى
السفينة* وفى تفسير القشيرى ان الحية والعقرب أتيا نوحا فقالتا احملنا فقال
نوح لا أحملكما فانكما سبب البلاء والضرر فقالتا احملنا ونحن نضمن لك أن لا
نضرّ أحد اذكرك فمن قرأ حين خاف مضرّتهما سلام على نوح فى العالمين انا
كذلك نجزى المحسنين انه من عبادنا المؤمنين ما ضرّتاه كذا فى حياة الحيوان*
وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لما حمل نوح
فى السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه وكيف نطمئن أو تطمئن المواشى
ومعنا الاسد فألقى الله عليه الحمى فكانت أوّل حمى نزلت الى الارض فهو لا
يزال محموما وفى هذا المعنى قيل شعر
وما الكلب محموما وان طال عمره ... ألا انما الحمى على الاسد الورد
وعن وهب بن منبه لما أمر نوح أن يحمل من كل زوجين اثنين قال يا رب وكيف
أصنع بالاسد والبقر وكيف أصنع بالعناق والذئب وكيف أصنع بالحمام والهرّة
قال من ألقى بينهم العداوة قال أنت يا رب قال فانى أؤلف بينهم فلا يتضرّرون
أوردهما فى حياة الحيوان* وفى أنوار التنزيل حمل فيها من كل نوع من
الحيوانات المنتفع بها وقال الحسن لم يحمل نوح الا ما يلد أو يبيض فأمّا ما
يتولد من الطين من حشرات الارض كالبق والبعوض والذبات فلم يحمل منها شيئا
فلما دخل وحمل معه من حمل تحرّكت ينابيع الغوط الاكبر وأمطرت السماء كأفواه
القرب فجعل الماء ينزل من السماء وينبع من الارض حتى كثر واشتدّ وكان بين
ارسال الماء واحتمال الماء الفلك أربعون يوما وليلة فعلا الماء رؤس الجبال
بقدر أربعين ذراعا وقيل خمسة عشر ذراعا ولما كثر الماء فى السكك خشيت أمّ
الصبىّ عليه وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت به الى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما
بلغها ارتفعت حتى بلغت ثلثيه فلما بلغها ذهبت حتى استوت على الجبل فلما بلغ
الماء رقبتها رفعت الصبىّ بيديها حتى ذهب الماء بها فلو رحم الله منهم أحدا
لرحم أمّ الصبىّ* قال الضحاك كان نوح اذا أراد أن يجرى السفينة قال بسم
الله جرت واذا أراد أن ترسو قال بسم الله رست قال الله تعالى بسم الله
مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم* وفى العمدة من ركب البحر فأمانه من
الغرق أن يقول بسم الله مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم وما قدروا الله
حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه
وتعالى عما يشركون وكذا فى المعجم الكبير للطبرانى وعمل اليوم والليلة لابن
السنى ومسند أبى يعلى الموصلى* وفى معالم التنزيل والعرائس فلما كثرت أرواث
الدواب أوحى الله تعالى الى نوح أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير
وخنزيرة فأقبلا على الروث فأكلاه فلما وقع الفأر جعل يفسد فى السفينة ويقرض
الحبال لانه توالد فى السفينة فأوحى الله اليه أن اضرب بين عينى الاسد فضرب
فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفأر* وفى حياة الحيوان شكوا الفأر
فقال الفو يسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحى الله تعالى الى الاسد فعطس
وفى موضع آخر منها فمسح نوح عليه السلام على جبهة الاسد فعطس فخرجت الهرّة
منه فتخبأت الفأرة منها* وفى روضة الاحباب روى أن السفينة كانت مطبقة وكانت
ظلمة الهواء بحيث لا يتميز النهار من الليل قال ابن عباس خلق الله على حرف
السفينة كهيئة خرزتين نيرتين تتحرّك احداهما كالشمس والاخرى مثل القمر ومن
حركتهما يعلم الليل والنهار وأوقات
(1/71)
الصلوات* وفى معالم التنزيل ان نوحا كان
نجارا صنع السفينة وركبها لعشر مضت من رجب وجرت بهم السفينة ستة أشهر ومرّت
بالبيت وطافت به سبعا وقد رفعه الله من العرق وبقى موضعه وفى رواية انها
طافت به سبعين مرّة وقد أعتقه الله من الغرق* وفى العرائس طافت السفينة
بأهلها الارض كلها فى ستة أشهر لا تستقرّ على شىء حتى أتت الحرم فلم تدخله
ودارت بالحرم أسبوعا وقد رفع الله البيت الذى كان حجه آدم صيانة له من
الغرق وهو البيت المعمور وخيأ جبريل الحجر الاسود فى جبل أبى قبيس فلما
طافت السفينة بالحرم ذهبت فى الارض تسير بهم حتى انتهت الى الجودى وهو جبل
بالجزيرة من أرض الموصل فاستقرّت عليه قال مجاهد تشامخت الجبال وتطاولت
لئلا ينالها الماء قعلا فوقها خمسة عشر ذراعا وتواضع الجودى لامر ربه فلم
يغرق ورست السفينة عليه* وفى الكشاف عن قتادة استقلت بهم السفينة فى رجب
لعشر خلون منه وكانت فى الماء خمسين ومائة يوم واستقرّت على الجودى شهرا
وهبط يوم عاشوراء* وفى معالم التنزيل قيل طافت بهم على تمام وجه الارض
مرّتين حتى استوت على الجودى وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل وقيل بالشام
وقيل بآمد روى أن نوحا بعث الغراب ليأتيه بخبر الارض ولينظر هل غرقت البلاد
فوقع على جيفة طافية على وجه الماء فاشتغل بها فلم يرجع فدعا عليه نوح
بالخوف فعلقت رجلاه وخوّف من الناس فلذلك لم يألف البيوت فبعث الحمامة
فجاءت بورق زيتون فى منقارها ولطخت رجليها بالطين فعلم نوح أن الماء قد غيض
والبلاد قد جفت فطوّقها بالخضرة التى فى عنقها ودعا لها بالانس وأن تكون فى
أمان ومن ثمة تألف البيوت والآدميين* وفى حياة الحيوان ان ورشانا أخبر نوحا
عليه السلام بنقص الماء لما كان فى السفينة* وفى معالم التنزيل قيل ما نجا
من الكفار من الغرق غير عوج بن عنق كان الماء الى حجزته كما مرّ وكان سبب
نجاته أن نوحا احتاج الى خشب الساج للسفينة ولم يمكنه نقلها فحملها عوج
اليه من الشام وهو بالكوفة فنجاه الله من الغرق لذلك كما مرّ* وفى العرائس
لما خرج نوح ومن معه من السفينة اتخذ بناحية باقور من أرض الجزيرة موضعا
ابتنى هنا لك قرية سموها بسوق ثمانين لانه كان يبنى فيها بيتا لكل انسان
ممن معه وهم ثمانون فهى الى اليوم تسمى سوق ثمانين* وفى العرائس قال أهل
التاريخ أرسل الله الطوفان لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر آب من الشهور
الرومية لمضىّ ستمائة سنة من عمر نوح ولتتمة ألفى سنة وفى رواية ثلاثة آلاف
سنة ومائتين وستة وخمسين سنة* وفى المختصر واثنان وأربعون سنة بدل خمسين
سنة من لدن أهبط الله آدم عليه السلام وركب نوح ومن معه فى السفينة لعشر
خلون من رجب وخرجوا منها فى العاشر من المحرّم فلذلك سمى يوم عاشوراء
وأقاموا فى الفلك ستة أشهر فلما هبط نوح ومن معه سالمين صام نوح وأمر جميع
من معه من الانس والوحوش والدواب والطير فصاموا شكرا لله تعالى ويقال ان
نوحا ومن معه كانت أظلمت أعينهم فى السفينة من دوام النظر فى الماء فأمر
بالاكتحال يوم عاشوراء الذى خرجوا فيه من السفينة عن ابن عباس رضى الله
عنهما قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من اكتحل بالاثمد يوم عاشوراء
لم ترمد عينه أبدا* وفى الانس الجليل كان الطوفان بعد هبوط آدم بالفى سنة
ومائتين واثنين وأربعين سنة وعمر نوح ألف وأربعمائة وخمسون سنة وهو الموافق
للآية وفى المختصر ولد نوح فى السنة المائتين وسبع وثمانين من عمر لك وعاش
نوح فى الدنيا تسعمائة وخمسين سنة وولد بعد وفاة آدم بتسعمائة سنة وثنتى
عشرة سنة وكان الغرق فى سنة ستمائة من عمر نوح وكان بين الطوفان وهبوط آدم
ألفان ومائتان واثنان وأربعون سنة* وفى العرائس عاش نوح بعد الطوفان
ثلثمائة وخمسين سنة وكان جميع عمره ألف سنة الا خمسين عاما ثم قبضه الله
اليه هذا قول أكثر العلماء وكذا هو
(1/72)
فى التوراة وقال عون بن أبى شدّاد عاش نوح
عليه السلام بعد الطوفان ألف سنة الا خمسين عاما وقبل الطوفان ثلثمائة
وخمسين سنة فعلى هذا القول كان مبلغ عمر نوح ألفا وثلثمائة سنة* وفى ربيع
الابرار كان نوح فى بيت من شعر ألفا وأربعمائة سنة فكلما قيل له يا رسول
الله لو اتخذت بيتا من طين تأوى اليه قال أنا ميت غدا فتاركه فلم يزل فيه
حتى فارق الدنيا ويروى أنه قيل لنوح حين حضرته الوفاة كيف رأيت الدنيا قال
كبيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر* روى أنه لما كثر أولاد نوح
وذراريهم وكانوا ساكنين بعد نوح بالموصل الى بابل سنين وكان كلام جميعهم
بالسريانية فاقتضت الارادة الالهية تعمير البلاد بأصناف العباد فتغايرت ذات
ليلة ألسنتهم وتناكرت أفئدتهم فأصبحوا يوما وقد تبلبلت ألسنتهم وتكلم كل
واحد منهم باللسان الذى عليه أعقابهم اليوم فلم تعرف فرقة منهم كلام الاخرى
فحرجوا من بابل كل فرقة بأهليهم يهيمون فى الارض فتفرّقوا فى البلاد
والاقطار واتخذوا منها القرى والامصار فتوالدوا فيها وتكاثروا واشتهر كل
مكان باسم ساكنيه* وفى الانس الجليل لما خرج نوح من السفينة قسم الارض بين
أولاده الثلاثة سام ويافث وحام أعطى ساما الحجاز واليمن والشام والجزيرة
وأعطى يافثا المشرق وأعطى حاما المغرب* وفى الوفاء عن ابن عباس لما خرج
الناس من السفينة نزلوا طرف بابل وكانوا ثمانين نفسا فسمى الموضع سوق
الثمانين كما مرّ وطول بابل مسيرة عشرة أيام واثنى عشر فرسخا فمكثوا بها
حتى كثروا وصار ملكهم نمرود بن كنعان بن حام فلما كفروا تبلبلوا وتفرّقت
ألسنتهم على اثنين وسبعين لسانا ففهم الله العربية منهم عمليق وطسم ابنى
لاود بن سام بن نوح وعادا وعبيل ابنى عوص بن ارم بن سام وثمود وجديس ابنى
جائر بن ارم بن سام وقنطور بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام فنزلت عبيل
يثرب ويثرب اسم عبيل ثم أخرجوا منها ونزلوا الجحفة فجاءهم سيل أجحفهم منه
فسميت الجحفة وقال أبو القاسم الزجاج أوّل من سكن المدينة عند التفرّق يثرب
بن فانية بن مهلائيل بن عوم بن عبيل بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه
السلام وبه سميت يثرب* وروى عن ابن عباس ما يدل عليه وقال ياقوت كان أوّل
من زرع بالمدينة واتخذ بها النخل وعمر بها الدور والآطام واتخذ بها الضياع
العماليق وهم بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح وكانت العماليق ممن انبسط
فى البلاد فأخذوا ما بين البحرين وعمان والحجاز الى الشام ومصر وجبابرة
الشام وفراعنة مصر منهم* وفى الوفاء الحجاز بالكسر مكة والمدينة واليمامة
ومخاليفها* وفى المختصر وكان أوّل من خرج منهم من بابل ولد يافث بن نوح
وكانوا سبعة اخوة منهم الترك والخوز والصقالبة والتاريس ومنسك وكار والصين
فسلكوا مطلع الشمس مما يلى المشرق وتسوقهم ريح الجنوب والصبا فتفرّقوا فى
تلك الارض الى الشمال وتكلم كل واحد منهم بلسان عليه ولده الآن ثم من بعدهم
ولد حام بن نوح وكانوا أيضا سبعة اخوة منهم السند والهند والحبش والقبط
والبجه فسلكوا وايمنة عن مطلع الشمس مما يلى الغرب تسوقهم ريح الدبور حتى
انتهوا الى بلدان يسمونها بهم اليوم وتكلموا باللسان الذى عليه أولادهم
الآن وأقام سام بن نوح ببابل حتى تغيرت أحوالهم واختلفت أقوالهم وتفرّقت
كلمتهم وله أولاد وبنون ذوو جمال وعقل منهم أكبرهم سنا وأكثرهم جمالا وعقلا
وأفضلهم كلاما وكمالا عالم بن سام والنضر بن سام وكان أحرصهم عملا والاسود
ابن سام وكان أعزهم نفسا ولهم أولاد كثيرة منهم عراق بن عالم وكرمان بن
ايرج بن سام وخراسان ابن عالم وفارس بن أسود وروم بن الاسود وأرمن بن يوزخ
بن سام وهيطل بن عالم فطلبوا منه هؤلاء البلاد التى عليها أعقابهم الى الآن
فلم يبق فى مملكة بابل الا ولد أرفخشد بن سام بن نوح* وأما ولد ارم بن سام
بن نوح احتقروا الناس بما أنعم الله عليهم من اللسان العربى والقوّة والبطش
عند تبلبل
(1/73)
الالسنة وكانوا سبعة اخوة وهم عاد وكان
أعظمهم بطشا وأقواهم وثمود وصحار وطسم وجديس وجاشم ووبار وقد احتقروا الناس
وملكوا على أنفسهم شديد بن عمليق بن عاد وأخاه عمليق العمالقة شدّاد بن عاد
ولما وقع التخالف والتبلبل ببابل أوّل من رحل عاد بن ارم وولده وسار نحو
المشرق فسمع مناديا فى الهواء يا عاد خذيمنة فلذلك سموا باليمن فسار أمام
ولده فسبق الى أرض اليمن واستوطنها وفرّق ولده فيها ثمّ تبعه أخوه ثمود فى
أهله وماله فسار حتى نزل بين الحجاز والشام وكان ذا ماء وشجر ثم تبعهما
أخوهما طسم فى أهله وماله وولده وسار نحو عمان والبحرين وهو أمامهم حتى أتى
عمان فرأى بلادا واسعة كثيرة الماء والكلا فنزلها وفرّق أولاده فيها ثم
تبعهم أخوهم جديس فسار بأهله وولده حتى أتى اليمامة فرأى بلادا واسعة طيبة
التربة قريبة الماء فنزل فيها وكان يسمى اذ ذاك جو فوجه بعض ولده الى هجر
فاحتوى عليها فنزل بها ثم تبعهم أخوهم صحار فى ولده وماله وأهله ولزم السمت
الذى سلكه أخوه عاد فسار حتى نزل تهامة والحجاز وأقام بها وفرّق أولاده
فيما بين الطائف الى جبلى طى ثم تبعهم أخوهم جاشم وكان أجملهم وجها فسار
أمام قومه يقفو آثار صحار حتى لحقه وقد استوطن تهامة والحجاز حتى أقام معه
بها وتفرّق أولاده فيما بين الحرم الى حدّ سفوان ثم تبعهم أخوهم الاصغر
وبار بأهله وسار الى رمل عالج على شاطئ بحر القلزم بحر كثير الخير فهؤلاء
العرب السالفة الاولى الذين انقرضوا الى آخرهم وهؤلاء الذين احتقروا الناس
لكثرتهم وتفرّقوا وملكوا عليهم شديد بن عمليق بن عاد وانه كان أشدّ رجل فى
الجبابرة من ولد عاد وأعقلهم* وفى نظام التواريخ اعلم أن لارم أخى أرفخشد
سبعة بنين عاد وثمود وصحار وطسم وجديس ووبار فسار عاد الى اليمن وثمود الى
ما بين الحجاز والشام وصحار الى أراضى طى وطسم الى عمان والبحرين وجديس الى
أرض يمامة وجاشم الى ما بين الحرم وسفوان ووبار الى أرض سميت به وكثر أولاد
عاد حتى استولوا وكان كبيرهم عمليق بن عاد ولما توفى ملك شدّاد وشديد من
أولاد عاد وغلبا فبعث الضحاك الى أرض بابل وفارس ليقهر جمشيد فنزل الضحاك
هناك وشرع فى الظلم فأرسل الله تعالى هود بن خلد بن الخلود بن عيص بن عمليق
فدعا عادا فلم يلتفت اليه شدّاد فأهلكهم الله تعالى بالريح العقيم وملك
مرثد بن شدّاد وآمن بهود عليه السلام وكان معه بحضر موت حتى توفيا* قال
وكان نوح نبيا مرسلا من أولى العزم وأوّل نبى نسخت شريعته شريعة من قبله
فنسخت شريعة آدم وكان ادريس على شريعة آدم ويدعو الخلق اليها* وفى معالم
التنزيل كان نوح أطول الانبياء عمرا وجعلت معجزته فى نفسه فانه عمر ألف سنة
أو أكثر ولم ينقص له سنّ ولم تشب له شعرة ولم تنقص له قوّة ولم يصبر نبىّ
على أذى قومه مثل ما صبر هو على أذى قومه على طول عمره*
(ذكر الضحاك)
* الفرس تقول له بيور اسب واژدرهايى والعرب تنقله وتعربه وتسميه الضحاك فى
الكامل قال ابن هشام وابن الكلبى ملك الضحاك بعد جمشيد فيما يزعمون ألف سنة
ونزل السواد فى قرية يقال لها برس فى ناحية طريق الكوفة وملك الارض كلها
وسار بالجور والتعسف وبسط يده فى القتل وكان أوّل من سنّ الصلب والقطع
وأوّل من وضع العشور وضرب الدراهم قال بلغنا أن الضحاك هو النمروذ وان
ابراهيم الخليل ولد فى زمانه وانه صاحبه الذى أراد احراقه وتزعم الفرس أن
الملك لم يكن الا للبطن الذى منه أو شهنج وجم وطهمورث وان الضحاك كان غاصبا
وانه غصب أهل الارض بسحره وخبثه وكان ساحرا فاجرا ويهوّل عليهم بالحيتين
اللتين كانتا على منكبيه وقال كثير من أهل الكتب ان الذى كان على منكبيه
كانا لحمتين طويلتين كل واحدة منهما كرأس الثعبان وكان يسترهما بالثياب
ويذكر على طريق التهويل انهما حيتان تقتضيانه الطعام وكانتا تتحرّكان تحت
ثوبه اذا جاعتا ولقى الناس منه جهدا شديدا وذبح
(1/74)
الصبيان لان اللحمتين اللتين كانتا على
منكبيه كانتا تضربان فاذا طلاهما بدماغ انسان سكنا وكان يذبح كل يوم رجلين
فلم يزل الناس كذلك حتى اذا أراد الله اهلاكه وثب رجل من العامّة من أهل
اصفهان يقال له كابى الحدّاد بسبب ابنين له أخذهما أصحاب الضحاك بسبب
اللحمتين اللتين كانتا على منكبيه وأخذ كابى بيده عصا فعلق بطرفها جرابا
كان معه ثم نصب ذلك العلم ودعا الناس الى مجاهدة الضحاك ومحاربته فأسرع الى
اجابته خلق كثير لما كانوا فيه من البلاء وفنون الجور فلما غلب كابى تفاءل
الناس بذلك العلم وعظموه وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم علمهم الاكبر
الذى يتبرّكون به وسموه درفش كابيان فسار كابى بمن اتبعه والتفت اليه فلما
أشرف على الضحاك قذف فى قلب الضحاك منه الرعب فهرب من منازله وخلى مكانه
فاجتمع الاعاجم الى كابى وكان افريدون بن القيان مستخفيا من الضحاك فواقى
كابى ومن معه فاستبشروا بموافاته فملكوه وصار كابى والوجوه لافريدون أعوانا
على أمره وبعض الفرس يزعم أن افريدون قتله يوم النيروز فقال العجم عند قتله
امروز نوروز أى استقبلنا الدهر بيوم جديد فاتخذوه عيدا فلما ملك افريدون
وأحكم ما يحتاج اليه واحتوى على منازل الضحاك سار كابى أثره فأسره بدماوند
فى جبالها وكان أمره يوم المهرجان فقال العجم آمد مهرجان لقتل من كان يذبح*
(ذكر افريدون)
* فى الكامل هو افريدون القيان وهو من ولد جمشيد وزعم بعض نسابة الفرس ان
نوحا هو افريدون الذى قهر الضحاك وسلب ملكه وزعم بعضهم أن افريدون هو ذو
القرنين صاحب ابراهيم الذى ذكره الله تعالى فى كتابه العزيز وأما باقى
نسابة الفرس فانهم ينسبون افريدون الى جمشيد الملك وان بينهما عشر آباء
كلهم يسمون القيان خوفا من الضحاك وانما كانوا يميزون بألقاب لقبوها وكان
يقال لاحدهم القيان صاحب البقر الحمر والقيان صاحب البقر البلق وأشباه ذلك
وكان افريدون أوّل من ملك الفيلة وامتطاها ونتج البغال واتخذ الاوز والحمام
وردّ المظالم وأمر الناس بعبادة الله تعالى والانصاف والاحسان وردّ على
الناس ما كان الضحاك غصبها من الارضين وغيرها الا ما لم يوجد له صاحب فانه
وقفه على المساكين وهو أوّل من نظر فى علم الطب وكان له ثلاثة بنين اسم
الاكبر سلم والثانى طورج والثالث ايرج فخاف أن يختلفوا بعده فقسم ملكه
بينهم أثلاثا وجعل ذلك فى سهام كتب أسماءهم عليها وأمر كل واحد منهم فأخذ
سهما فصارت الروم وناحية العرب لسلم وصارت الترك والصين لطورج وصارت العراق
والسند والهند والحجاز وغيرها لايرج وهو الثالث وكان يحبه وأعطاه التاج
والسرير ومات افريدون ونشأت العداوة بين أولاده من بعده ولم يزل التحاسد
ينمو بينهم الى أن وثب طورج وسلم على أخيهما ايرج فقتلاه وابنين كانا لايرج
وملكا الارض بينهما ثلثمائة سنة وكان ملك افريدون خمسمائة سنة انتهى فتزوّج
نوح عمورة وكانت من الصالحات القانتات فولدت له ساما الصحيح عند أهل
الاخبار وأهل التوراة ان ساما وحاما ويافث ولدوا لنوح بعد أن مضى من عمره
خمسمائة سنة وقال قتادة ووهب بن منبه ان الناس كلهم من ذرّية نوح ولذا يقال
له آدم الثانى* وفى معالم التنزيل عن ابن عباس لما خرج نوح من السفينة مات
من كان معه من الرجال والنساء الا أولاده ونساءهم ونزل جبريل عليه خمسين
مرة وقبره بكرك نوح وكان لنوح أربعة بنين الاوّل سام ولد بسلمى قبل الطوفان
بثمان وتسعين سنة وهو بكر أبيه ووصيه وولىّ عهده كذا فى العرائس* وفى رواية
كان سام الاوسط وكان يافث أسنّ منه وانما قدّم لان الانبياء من نسله وولد
له ارم وأسود وأرفخشد وعويلم ولاود* وسام أبو العرب وفارس والروم وكان هو
القيم بعد نوح فى الارض ومن ولده الانبياء كلهم عربهم وعجمهم وجعل فى
ذرّيته النبوّة والكتاب واليمن كلها من ولده وعاد وثمود وطسم وجديس والفرس
من ولده وقد مرت الاشارة
(1/75)
اليه ونزل بنوه سرّة الارض ووسطها وهو
الحرم وما حوله من اليمن الى عمان وفيها بيت المقدس والنيل والفرات ودجلة
وسيحون وهو الذى اختط مدينة القدس وأسس مسجدها وكان ملكا عليها ومات وعمره
ستمائة سنة والثانى يافث وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج والخوز والصقالبة
ومنازلهم شمالى الارض للروم والصقالبة وترخان والترك الى الصين ويأجوج
ومأجوج والثالث حام وسكن هو وبنوه وذرّيته غربى النيل الى ما وراء وهو أبو
السودان من الحبشة والزنج والنوبة* والفرنج والقبط من ولد قوط بن حام قيل
كان نوح عليه السلام نائما وانكشفت عورته فمرّ به حام فضحك ولم يسترها
فلذلك قطع الله النبوّة من نسله وجعله ونسله سودا* وفى بهجة الانوار غير
الله لون حام ابن نوح اذ نظر الى عورة أبيه وكان أخبر نوح فدعا عليه وسوّده
الله مثل الزنج والحبشة وقدمر أن حاما أصاب امرأته فى السفينة فدعا عليه
نوح فغير الله نطفته فجاءت منه السودان كذا فى العرائس ثم مرّ به يافث فلم
يسترها ولم يضحك ثم مرّ به سام فسترها ولم يضحك فلذلك جعل الله النبوّة فى
نسله والرابع يام ويقال له كنعان وهو أيضا ابنه الصلبى عند الجمهور وقيل
كان ربيبه وابن امرأته واغلة وكان هو وأمّه كافرين فغرقا فى الطوفان ولم
يبق له نسل وتزوّج سام امرأة لم يوجد مثلها فى الجمال والعفاف فى زمانها
فولدت له أرفخشد ويقال انفخشد ومعناه مصباح مضىء كذا فى سيرة مغلطاى وتسميه
الفرس هوشنك وعاش أرفخشد أربعمائة وخمسا وستين سنة* وفى الكامل زعم أهل
التوراة أن أرفخشد ولد لسام بعد أن مضى من عمره مائة سنة وسنتان وكان جميع
عمر سام ستمائة سنة ثم ولد لارفخشد شالخ بعد أن مضى من عمر أرفخشد خمس
وثلاثون سنة وكان عمر أرفخشد أربعمائة وثمانيا وثلاثين سنة ومن نسله قحطان
وفالغ قيل العبريون من نسل فالغ والعرب من نسل قحطان وكان اسمه يرد* وفى
لباب التأويل اسمه يقطن ولا طعامه الناس فى القحط قيل انه يقحط القحوط
ويطردها بسخائه فاشتهر بقحطان فتزوّج ارفخشد مرجانة فولدت له شالخ ومعناه
الرسول وعاش أربعمائة وستين سنة* وولد لشالخ عابر ويقال له عيبر بمهملة
ومثناة ساكنة ثم موحدة مفتوحة بعد أن مضى من عمر شالخ ثلاثون سنة كاملة
وكان عمر شالخ كله أربعمائة وثلاثا وثلاثين سنة كذا فى الكامل ويقال عاش
أربعمائة وأربعا وستين سنة وكان ولد بعد مضى ستمائة وتسع وستين سنة من عمر
نوح وعند البعض عابر هو هود النبىّ عليه السلام المبعوث الى عاد الاولى وهم
عقب عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام سموا عادا باسم أبيهم كما
سموا بنو هاشم باسمه وثمود وجديس ابنا عاد بن ارم بن سام بن نوح وطسم
وعملاق وأميم بنولاود بن سام بن نوح عرب كلهم
ذكر ارم
كذا فى سيرة ابن هشام نقلا عن ابن اسحاق روى أنه كان لعاد ابنان شدّاد
وشديد فلكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الامر لشدّاد فلك الدنيا ودانت له
ملوكها فسمع بذكر الجنة فبنى ارم على مثالها فى بعض صحارى عدن فى ثلثمائة
سنة وكان عمرة تسعمائة سنة وهى مدينة عظيمة لم يخلق مثلها فى البلاد
وقصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف
الاشجار والانهار ولما تم بناؤها سار اليها بأهل مملكته فلما كان على مسيرة
يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا* وعن عبد الله بن قلابة
أنه خرج فى طلب ابل له فوقع عليها فحمل ما قدر عليه مماثمة وبلغ خبره
معاوية فاستحضره فقص عليه فبعث الى كعب الاحبار فسأله فقال هى ارم ذات
العماد وسيد خلها رجل من المسلمين فى زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال
وعلى عقبه خال يخرج فى طلب ابل له ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال والله هذا
ذلك الرجل كذا فى الكشاف وغيره وهو مخالف لما ذكره ابن الجوزى فى الصفوة من
أن كعب الاحبار مات سنة ثنتين وثلاثين فى خلافة عثمان* روى أنه بعث الله
هودا عليه السلام الى عاد وكانوا قوما
(1/76)
زادهم الله فى الخلق بسطة أى طولا فى
الاجسام وامتدادا فى القدود أقصرهم ستون ذراعا وأطولهم مائة ذراع وقد
تبسطوا فى البلاد ما بين عمان وحضرموت* وفى أنوار التنزيل كانوا يسكنون
بالاحقاف بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن* وفى العرائس الاحقاف
هى رمال يقال لها عالج ودهناء ومدين بين عمان وحضرموت وكانت لهم أصنام
يعبدونها صدا وصمودا ولهبا فقال لهم هود انى لكم رسول أمين فاتقوا الله
وأطيعون فكذبوه وقالوا له ما هذا الذى جئت به الا كذب فأمسك الله عنهم
القطر ثلاث سنين وكان اذا نزل بهم بلاء طلبوا من الله الفرج عند بيته
الحرام فأوفدوا اليه قيل ابن عبير ولقيم بن هذال وعبيل بن صدا بن عاد
الاكبر ومرثد بن سعد وهو آمن بهود وكان يكستم ايمانه وأهل مكة اذ ذاك
العماليق أولاد عمليق بن لاود بن سام بن نوح عليه السلام وسيدهم معاوية بن
بكير فنزلوا عليه بظاهر مكة فقال لهم مرثد لن تستقوا حتى تؤمنوا بهود فخلوا
مرثدا وخرجوا فقال قيل اللهم اسق عادا كما كنت تسقيه فأنشأ الله ثلاث
سحابات بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك
ولقومك فاختار السوداء على ظنّ أنها أكثر ماء فخرجت على عاد من واد لهم
فاستبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا فجاء منها ريخ شديد وكانت دبورا لقوله
عليه السلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وكانت فى أيام نحسات وكان
ابتداء العذاب يوم الاربعاء آخر الشهر الى الاربعاء الاخرى روى أنهم دخلوا
فى الشعب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعتهم الريح منها وصرعتهم موتى* وفى
أنوار التنزيل بل سلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما وهى كانت
أيام العجوز من صبيحة الاربعاء الى غروب الشمس من الاربعاء الاخرى وانما
سميت عجوزا لانها عجز الشتاء أولان عجوزا من عاد تورات فى سرب فانتزعتها
الريح فى الثامنة فأهلكتها* روى أن هودا لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين فى
الحضيرة وجاءت الريح فأمالت الاحقاف وهى رمال مستطيلة مرتفعة فى انحناء على
الكفرة وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ثم كشفت عنهم واحتملتهم وقذفتهم
فى البحر ونجا هود والمؤمنون معه فأتوا مكة فعبدوا الله فيها حتى ماتوا*
وفى رواية عاش هود بعد هلاك قومه من الكفار خمسين سنة وكان عمره مائة
وخمسين سنة ودفن بحضرموت وقيل بالحجر والله أعلم* وكان هود تزوّج ميشاصا
فولدت له فالغ ويقال فالخ وأخاه قحطان وعاش فالغ ثلثمائة وتسعا وثلاثين سنة
وكان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة وأربعين سنة وكان عمره أربعمائة وأربعا
وسبعين سنة ثم ولد لفالغ راغو بعد ثلاثين سنة من عمر فالغ وكان عمره مائتين
وثلاثين سنة كذا فى الكامل وقيل عاش أيضا ثلثمائة وتسعا وثلاثين سنة وعند
مولد راغو تبلبلت الالسن وتقسمت الارض وتفرّق بنو نوح وذلك لمضىّ ستمائة
وسبعين سنة من الطوفان ثم ولد لراغوشاروخ بعد ما مضى من عمره اثنتان
وثلاثون سنة وكان عمره مائتين وتسعا وثلاثين سنة ويقال شاروغ بالغين بدل
الخاء واسمه فى التوراة سروعا وعاش ثلثمائة وثلاثين سنة ثم ولد لشاروخ
ناحور بعد ثلاثين سنة من عمره وكان عمره كله مائتين وستين سنة وولد لناحور
تارخ بالمثناة فوق وفتح الراء وهو آزر أبو ابراهيم بعد ما مضى من عمره سبع
وعشرون سنة وكان عمره كله مائتين وخمسين سنة وولد له ابراهيم عليه السلام
وأنزل الله على ابراهيم عشر صحف كانت كلها أمثالا وكان ما بين الطوفان
ومولد ابراهيم ألف وتسع وتسعون سنة وقيل ألف ومائتا سنة وثلاث وستون سنة
وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة وولد لقحطان
بن عابر يعرب وولد ليعرب يشجب وولد ليشجب سبأ وولد لسبأ حمير وكهلان وعمرو
والاشعر وانمار ومر فولد لعمرو بن سبأ عدىّ ولخم وجذام كذا فى الكامل وعند
جمهور المؤرّخين وأصحاب السير والانساب أن عدد الاشخاص بين ابراهيم ونوح
تسعة ولكن اختلفوا
(1/77)
فى كيفية النطق بالاسماء* وفى الكشاف ما
كان بين ابراهيم ونوح الانبيان هود وصالح كان قومهما ممن طغى وبغى فأرسل
الله تعالى اليهم رسولا فكذبوه فأهلكهم الله تعالى* وفى الكامل هذان الحيان
من ولد ارم بن سام بن نوح أحدهما عاد والآخر ثمود فهو عاد بن عوص بن ارم بن
سام بن نوح وهو عاد الاولى وكانت مساكنهم ما بين الشحر وعمان وحضرموت
بالاحقاف وكانوا جبارين طوال القامة لم يكن مثلهم قال الله تعالى واذكروا
اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بسطة فأرسل الله هود بن
عبيد بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص وكانوا أهل أوثان ثلاثة يقال لاحدهم
صمام وللآخر صمود والثالث الهبا وأما عاد الاخيرة التى بقيت بعد عاد الاولى
وكانوا بمكة وهم معاوية وعبيد وعمرو وعامر وعمير بنو التيم* وفى تاريخ
الفرس ملك الروم مرثد بن شدّاد وآمن بهود وكان معه بحضرموت فتوفى هناك وأما
ثمود فهم ولد ثمود بن جاثر بن ارم بن سام بن نوح وكانت مساكنهم بالحجر بين
الحجاز والشام وكانوا بعد عاد قد كثروا وكذبوا وعتوا فبعث الله تعالى اليهم
صالح بن عبيد بن اسف بن مانح ابن جاور بن ثمود فلم يقبلوا فأتتهم صيحة من
السماء فأهلكهم الله تعالى كذا فى الكامل* وفى بعض الكتب ولد لفالغ شالخ
ولشالخ اشروع ولاشروع ارغو ولارغو ناحور ولناحور تارحّ وهو آزر فتزوّج
نونان وفى رواية أدنا بنت نمروذ فولدت له ابراهيم روى انه كان لآزر ثلاثة
بنين ابراهيم عليه السلام وستجىء ولادته وهاران أبو لوط وناحور جدّ لقمان
فولد لنا حور باعورا ولباعورا لقمان وهو ابن أخت أيوب أو ابن خالته* وفى
لباب التأويل قال وهب بن منبه كان أيوب رجلا من الروم وهو أيوب بن أموص بن
رازح بن روم ابن عيص بن اسحاق بن ابراهيم وكانت أمّه من ولد لوط*
ذكر لقمان
وفى العمدة لقمان بن باعورا بن ناحور بن آزر* وفى أنوار التنزيل ان لقمان
كان من ولد آزر عاش ألف سنة حتى أدرك داود وأخذ منه العلم وكان يفتى قبل
مبعث داود فلما بعث داود قطع الفتوى فقيل له فى ذلك فقال ألا اكتفى اذا
كفيت وقيل كان لقمان خياطا وقيل كان نجارا وقيل راعيا وقيل كان قاضيا فى
بنى اسرائيل* وقال عكرمة والشعبى كان نبيا والجمهور على أنه كان حكيما ولم
يكن نبيا وقيل خير بين الحكمة والنبوّة فاختار الحكمة وهى الاصابة فى القول
والعمل وقيل تلمذ لالف نبىّ وتلمذ له ألف نبىّ ومن حكمته أن داود قال له
يوما كيف أصبحت قال أصبحت فى يد غيرى فتفكر داود فيه فصعق صعقة وانه أمره
بأن يذبح شاة ويأتى بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب ثم بعد أيام
أمره بأن يأتى بأخبث مضغتين فيها فأتى بهما فسأله عن ذلك فقال هما أطيب شىء
اذا طابا وأخبث شىء اذا خبثا* واسم ابنه المذكور فى القرآن أنعم أو مشكم أو
ماثان انتهى قيل ان لقمان جمع فى الحكمة أربعمائة ألف كلمة واختار منها
أربع كلمات ثنتان منها مما يذكر ولا ينسى وهما الله والموت وثنتان مما ينسى
ولا يذكروهما احسانك الى الخلق واساءة الخلق اليك والله تعالى أعلم
بالصواب*
(ذكر مولد ابراهيم عليه السلام)
* روى أن ابراهيم عليه السّلام ولد فى زمن نمرود ابن كنعان بن كوش بن سام
بن نوح وكان مولده ليلة الجمعة ليلة عاشوراء لمضىّ ألف واحدى وثمانين سنة
من الطوفان وكان الطوفان بعد هبوط آدم بألفين ومائتين واثنتين وأربعين سنة
كما مرّ* وفى العرائس كان بين الطوفان وبين مولد ابراهيم ألف ومائتان
واثنتان وأربعون سنة وقيل ألف ومائتان وثلاثون سنة وذلك بعد خلق آدم عليه
السلام بثلاثة آلاف سنة وثمانمائة سنة وسبع وثلاثين سنة* وفى الكامل قال
جماعة ان نمروذ بن كنعان ملك مشرق الارض ومغربها هذا قول يدفعه أهل العلم
بالسير وأخبار الملوك الماضين وذلك أنهم لا ينكرون أن مولد ابراهيم عليه
السلام كان أيام الضحاك الذى ذكرنا بعض أخباره فيما مضى وانه كان ملك شرق
الارض وغربها وقول القائل ان الضحاك
(1/78)
الذى ملك الارض هو نمروذ ليس بصحيح لان أهل
العلم بالمتقدّمين يذكرون أن نسب نمروذ فى النبط معروف ونسب الضحاك فى
الفرس مشهور وانما الضحاك استعمل نمروذ على السواد وما اتصل به يمنة ويسرة
وجعله وولده عمالا على ذلك وكان هو ينتقل فى البلاد وكان وطنه ووطن أجداده
دماوند من جبال طبرستان وهناك رمى به افريدون حين ظفر وكذلك بخت نصر ذكر
بعضهم أنه ملك الارض جميعها وليس كذلك وانما كان اصهبد ما بين الاهواز الى
أرض الروم من غربى دجلة من قبل لهراسب لان لهراسب كان مشتغلا بقتال الترك
مقيما بازائهم ببلخ وهو بناها لتطاول مقامه هناك لحرب الترك ولم يملك أحد
شبرا من الارض مستقلا برأسه فكيف الارض جميعها وانما تطاولت مدّة نمروذ
بالسواد أربعمائة سنة ثم رجل من نسله بعد هلاكه يقال له نبط بن قعود مائة
سنة ثم كداوص بن نبط مائة وعشرين سنة ثم النمروذ بن يابش سنة وشهرا أيام
الضحاك فظنّ الناس فى نمروذ ما ذكرنا فلما ملك افريدون وقهر الازدهايى قتل
نمروذ بن يابش وشرد النبط وقتل منهم مقتلة عظيمة انتهى كلام الكامل* وبين
مولد ابراهيم وهجرة نبينا صلّى الله عليه وسلم ألفان وثمانمائة وثلاث
وتسعون سنة على اختيار المؤرّخين والاختلاف فى ذلك كثير ولما سقط ابراهيم
الى الارض نزل جبريل وقطع سرّته وأذن فى أذّنه وكساه ثوبا أبيض ويوم ولادته
سمع نمروذ من تحت سريره الذى هو جالس عليه انتفاضا شديدا وسمع هاتفا يقول
تعس من كفر باله ابراهيم فقال نمروذ لآزر أسمعت ما سمعت قال نعم قال فمن
ابراهيم قال آزر لا أعرفه فأرسل الى السحرة والكهنة وسألهم عن ابراهيم فلم
يجيبوه بشىء مع علمهم به ورأى نمروذ أن القمر قد طلع من ضلع آزر وبقى نوره
كالعمود الممدود بين السماء والارض وسمع قائلا يقول جاء الحق وزهق الباطل
ونظر الى الاصنام وهى متنكسة عن كراسيها فاستيقظ فزعا وقص رؤياه على آزر
فخاف آزر على نفسه منه وقال انما ذلك لكثرة عبادتى لها وكان نمروذ بليدا
جبانا فرضى بقول آزر وسكت واختلف فى مولد ابراهيم قيل بالسوس من أرض
الاهواز وقيل ببابل* وفى العمدة هى بابل العراق وسميت بذلك لتبلبل الالسن
بها عند سقوط صرح نمروذ وقيل ولد بكوثى بضم أوّله وبالثاء المثلثة مقصورا
وهى بالعراق معلومة بسواد الكوفة وقيل ولد بكسكر* وفى القاموس كسكر كجعفر
كورة قصبتها واسط وقيل ولد بحرّان ولكن أباه نقله الى بابل أرض نمروذ بن
كنعان* وفى معالم التنزيل قال أهل التفسير ولد ابراهيم عليه السّلام فى زمن
نمروذ بن كنعان وكان نمروذ أوّل من وضع التاج على رأسه وتجبر وطغى فى الارض
ودعا الناس الى عبادته وكان له كهان ومنجمون فقالوا له انه سيولد فى بلدك
فى هذا العام غلام يغير دين أهل الارض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه
ويقال انهم وجدوا ذلك فى كتب الانبياء* وقال السدّى رأى نمروذ فى منامه كأن
كوكبا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما نور ففزع من ذلك فزعا
شديدا فدعا السحرة والكهنة وسألهم عن ذلك فقالوا هو مولود يولد فى ناحيتك
فى هذه السنة فيكون هلاكك وزوال ملكك وأهل بيتك على يديه فأمر بذبح كل غلام
يولد فى ناحيته تلك السنة وأمر بعزل الرجال عن النساء وجعل على كل عشرة
رجلا فان حاضت المرأة خلى بينها وبين زوجها لانهم كانوا لا يجامعون فى
الحيض فاذا طهرت حال بينهما فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحيض فواقعها
فحملت بابراهيم* وقال محمد بن اسحاق بعث نمروذ الى كل امرأة حبلى بقريته
فحبسها الا ما كان من أمّ ابراهيم فانه لم يعلم بحبلها لانها كانت جارية
حديثة السنّ لم يعرف الحمل فى بطنها* وقال السدّى خرج نمروذ بالرجال الى
المعسكر ونحاهم عن النساء تخوّفا من ذلك المولود أن يكون فمكث كذلك ما شاء
الله ثم بدت له حاجة الى المدينة فلم يأتمن عليها أحدا من قومه الا آزر
فبعث اليه ودعاه وقال له ان لى حاجة أحب أن أوصيك بها
(1/79)
ولا أبعثك الا لثقتى بك فأقسم عليه أن لا
يدنو من أهله فقال آزر أنا أشح على دينى من ذلك فأوصاه بحاجته فدخل المدينة
وقضى حاجته ثم قال لو دخلت على أهلى فنظرت اليهم فلما نظر الى أمّ ابراهيم
لم يتمالك حتى واقعها فحملت بابراهيم* قال ابن عباس لما حملت أمّ ابراهيم
قالت الكهان لنمروذ ان الغلام الذى أخبرناك به قد حملت أمّه الليلة به فأمر
نمروذ بذبح الغلمان فلما دنت ولادة أمّ ابراهيم وأخذها المخاض خرجت هاربة
مخافة أن يطلع عليها فيقتل ولدها فوضعته فى نهر يابس ثم لفته فى خرقة
ووضعته فى حلفاء ورجعت فأخبرت زوجها بأنها ولدت وان الولد فى موضع كذا
فانطلق أبوه وأخذه من ذلك المكان وحفر له سربا عند نهر فواراه فيه وسدّ
عليه بابه بصخرة مخافة السباع وكانت أمّه تختلف اليه فتزضعه وقال محمد بن
اسحاق لما وجدت أمّ ابراهيم الطلق خرجت ليلا الى مغارة كانت قريبة منها
فولدت فيها ابراهيم وأصلحت من شأنه ما يصنع للمولود ثم سدّت عليه فم
المغارة ورجعت الى بيتها ثم كانت تطالعه لتنظر ما فعل فتجده حيا يمص فى
ابهامه يقال ان تلك المغارة فى قرية برس من بلاد الكوفة* روى أن أمّ
ابراهيم قالت ذات يوم لا نظرنّ الى أصابعه فوجدته يمص من اصبع ماء ومن اصبع
لبنا ومن اصبع عسلا ومن اصبع تمرا ومن اصبع سمنا* وقال محمد بن اسحاق كان
آزر قد سأل أمّ ابراهيم عن حملها ما فعل به قالت قد ولدت غلاما فمات
فصدّقها وسكت عنها وكان اليوم على ابراهيم فى الشباب كالشهر والشهر كالسنة
فلم يمكث ابراهيم فى المغارة الا خمسة عشر شهرا حتى قال لامّه أخرجينى
فأخرجته عشاء فنظر وتفكر فى خلق السموات والارض وقال ان الذى خلقنى ورزقنى
وأطعمنى وسقانى لربى الذى مالى اله غيره وكان أبوه وقومه يعبدون الاصنام
والشمس والقمر والكواكب وفى رواية كانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويرون أن
الامور كلها اليها ثم نظر الى السماء فرأى كوكبا فقال هذا ربى على وجه
الاستفهام الانكارى بحذف أداته ثم أتبعه بصره ينظر اليه حتى غاب فقال لا
أحب الآفلين* وفى أنوار التنزيل رآه ابراهيم زمان مراهقته وأوّل أوان بلوغه
ثم رأى القمر بازغا مبتدئا فى الطلوع فقال هذا ربى وأتبعه بصره ينظر اليه
حتى غاب ثم طلعت الشمس وهكذا الى آخره ثم رجع الى أبيه آزر وقد استقامت
وجهته وعرف ربه وبرئ من دين قومه فأخبره أنه ابنه وأخبرته أمّ ابراهيم أنه
ابنه وأخبرته بما كانت صنعت فى شأنه فسرّ آزر بذلك وفرح فرحا شديدا وقيل
انه كان فى السرب سبع سنين وقيل ثلاث عشرة سنة وقيل سبع عشرة سنة قالوا
فلما شب ابراهيم وهو فى السرب قال لامّه من ربى قالت أنا قال فمن ربك قالت
أبوك قال فمن رب أبى قالت نمروذ قال فمن رب نمروذ قالت له اسكت فسكت ثم
رجعت الى زوجها فقالت أرأيت الغلام الذى كنا نحدّث أنه يغير دين أهل الارض
فانه ابنك ثم أخبرته بما قال فأتاه أبوه فقال له ابراهيم يا أبتاه من ربى
قال أمّك قال فمن رب أمى قال أنا قال فمن ربك قال نمروذ قال فمن رب نمروذ
فلطمه لطمة شديدة وقال له اسكت فلما جنّ عليه الليل دنا من باب السرب فنظر
من خلال الصخرة فأبصر كوكبا فقال هذا ربى ويقال انه قال لابويه أخرجانى
فأخرجاه من السرب وانطلقا به حتى غابت الشمس فنظر ابراهيم الى الابل والخيل
والغنم فسأل أباه ما هذه فقال ابل وخيل وغنم فقال ما لهذه بدّ من أن يكون
لها رب وخالق ثم نظر الى المشترى وقد طلع ويقال الزهرة وكانت تلك الليلة فى
آخر الشهر فتأخر طلوع القمر فيها فرأى الكوكب قبل القمر ثم القمر ثم الشمس
بعده فقال فى كلّ هذا ربى الى آخره ثم قال يا قوم انى برئ مما تشركون انى
وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين روى أنه لما
رجع ابراهيم الى أبيه وصار من الشباب بحالة سقط عنه طمع الذباحين ضمه آزر
الى نفسه وجعل آزر يصنع الاصنام ويعطيها ابراهيم ليبيعها فيذهب بها ابراهيم
وينادى من يشترى ما يضرّه ولا ينفعه فلا يشتريها
أحد فاذا بات ذهب بها الى نهر فصوّب فيه
(1/80)
رؤسها وقال اشربى استهزاء بقومه وبما هم
فيه من الضلالة حتى فشا استهزاؤه بها فى قومه وأهل قريته فحاجه قومه
وجادلوه فى دينه قال أتحاجونى فى الله وقد هدان وخوّفوه من آلهتهم فقالوا
له احذر الاصنام فانا نخاف أن تمسك بسوء من خبل أو جنون بعيبك اياها فقال
لهم ولا أخاف ما تشركون به وقال لابيه وقومه ما هذه التماثيل والصور يعنى
الاصنام التى أنتم لها عاكفون مقيمون على عبادتها قالوا وجدنا آباءنا لها
عابدين فاقتدينا بهم قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم فى ضلال مبين وخطائين
بعبادتكم اياها قالوا له أجئتنا بالحق والجدّ أم أنت من اللاعبين الهازلين
قال بل ربكم رب السموات والارض وخالقهنّ وتا لله لاكيدنّ أصنامكم ولا مكرنّ
بها بعد أن تولوا مدبرين أى تدبروا منطلقين الى عيدكم* قال السدّى كان لهم
فى كل سنة عيد ومجمع وكانوا يدخلون على أصنامهم ويفرشون لهم الفرش ويضعون
بين أيديهم الطعام قبل خروجهم الى عيدهم يزعمون التبرّك عليهم واذا انصرفوا
من عيدهم دخلوا على الاصنام فسجدوا لها وأكلوا الطعام ثم عادوا الى منازلهم
فلما كانت الليلة التى من غدها عيدهم قالوا لابراهيم ألا تخرج معنا غدا الى
عيدنا فنظر الى النجوم فقال انى سقيم* قال ابن عباس مطعون وكانوا يفرّون من
الطاعون فرارا عظيما وكانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا
ينكروا عليه وذلك أنه أراد أن يكايدهم فى أصنامهم ويلزمهم الحجة فى أنها
غير معبودة فلما كان ذلك العيد من غد تلك الليلة قال أبو ابراهيم له يا
ابراهيم لو خرجت معنا لى أعيدنا أعجبك ديننا فخرج معهم ابراهيم فلما كان
ببعض الطريق ألقى نفسه وقال انى سقيم قال ابن عباس أشتكى رجلىّ فتولوا عنه
مدبرين الى عيدهم فلما مضوا نادى فى آخرهم وقد بقى فى ضعفة الناس تا لله
لاكيدنّ أصنامكم فسمعوها منه ثم رجع ابراهيم الى بيت الآلهة وهنّ فى بهو
عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم الى جنبه صنم أصغر منه والاصنام بعضها الى
جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه الى باب البهو واذاهم جعلوا طعاما ووضعوه بين
أيدى الآلهة وقالوا اذا رجعنا وباركت الآلهة فى طعامنا أكلنا فلما نظر
اليهم ابراهيم والى ما بين أيديهم قال لهم على طريق الاستهزاء ألا تأكلون
فلما لم تجبه قال ما لكم لا تنطقون فجعل يضربهنّ ويكسرهنّ بفأس فى يده حتى
جعلهم جذاذا وكسرهم قطعا فلما لم يبق الا الصنم الاكبر علق الفأس فى عنقه
ثم خرج وكانت اثنتين وسبعين صنما بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من
رصاص ومن حديد ومن خشب وحجر وكان الصنم الاكبر من الذهب مكلل بالجواهر وفى
عينيه ياقوتتان تتقدان ولما أخبر القوم صنيع ابراهيم بآلهتهم رجعوا من
عيدهم وأقبلوا اليه مسرعين ليأخذوه فلما دخلوا بيت الآلهة ورأوا الاصنام
جذاذا قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين المجرمين قال الذين سمعوا
قول ابراهيم وتالله لاكيدنّ أصنامكم سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم* قال
مجاهد وقتادة لم يسمع ذلك القول من ابراهيم الا واحد منهم فأفشاه عليه فقال
أنا سمعت فتى يذكرهم بالسوء ويعيبهم يقال له ابراهيم أظنّ أنه صنع هذا فبلغ
ذلك نمروذ الجبار وأشراف قومه قالوا فأتوا به وأحضروه على أعين الناس يعنى
ظاهرا بمرأى منهم لعلهم يشهدون عليه بالذى فعل أو يحضرون عقابه وما يصنع به
فلما أتوا به قالوا له أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم قال بل فعله
كبيرهم هذا غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهنّ وأراد
بذلك ابراهيم اقامة الحجة عليهم والزامهم وقال لهم فاسألوهم ان كانوا
ينطقون حتى يخبروا بمن فعل هذا فرجعوا الى أنفسهم وعقولهم وتفكروا بقلوبهم
فأجرى الله الحق على لسانهم فقالوا ما نراه الا كما قال انكم أنتم الظالمون
بعبادتكم من لا يتكلم ثم أدركتم الشقاوة فرجعوا الى حالتهم الاولى وقالوا
لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فكيف نسألهم فلما اتجهت الحجة لابراهيم قال
أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ان عبدتموه ولا يضرّكم ان تركتم
عبادته أليس لكم عقل
(1/81)
تعرفون به هذا فلما لزمت الحجة نمروذ وقومه
وعجزوا عن الجواب اذ لقن الله ابراهيم وألهمه ما ألزمهم الحجة وغلبهم فى
المحاجة مالوا الى المكر والمضارّة فأرادوا أن يحرّقوه فقالوا ابنوا له
بنيانا فألقوه فى الجحيم أى فى النار الشديدة الوقود وحرّقوه وانصروا
آلهتكم والذى أشار الى احراقه رجل من أكراد فارس اسمه هيزن فخسف الله به
الارض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة وقيل قاله نمروذ*
(ذكر القاء ابراهيم فى النار)
* روى أنهم حين هموا باحراقه حبسوه ثم بنوا له بنيانا كالحضيرة وقيل بنوا
أتونا بقرية يقال لها كوثى وهى قرية بأرض العراق من سواد الكوفة كما مرّ
وقال مقاتل بنوا حائطا طوله فى السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وفى
الحدائق طول جداره ستون ذراعا ثم جمعوا له من صلاب الحطب ومن أصناف الخشب
مدّة حتى كان الرجل يمرض فيقول لوعا فانى الله لأجمعنّ حطبا لابراهيم وكانت
المرأة تنذر فى بعض ما تطلب لئن أصابته لتحتطبن فى نار ابراهيم وكان الرجل
يوصى بشراء الحطب والقائه فيها وكانت المرأة تغزل وتشترى الحطب له وتحتسب
فيه قال ابن اسحاق كانوا يجمعون الحطب شهرا وفى الحدائق أربعين ليلة فلما
جمعوا ما أرادوا أشعلوا فى كل ناحية من الحطب نارا فاشتعلت نار عظيمة شديدة
حتى كادت الطير تحترق فى الجوّ* وفى الحدائق فارتفع لهبها وسطع دخانها حتى
أظلمت عليهم المدينة حتى كان يسمع وهج النار من مسيرة ليلة* وفى رواية كانت
الطير لتمرّ بها فتحترق من شدّة وهجها فأوقدوا عليها سبعة أيام روى أنهم لم
يعلموا كيف يلقونه فيها فجاء ابليس وعلمهم علم المنجنيق فعملوه* قيل ان
نمروذ لما أخرج ابراهيم من السجن ليحرقه حاجه فى ربه فقال له من ربك الذى
تدعو اليه قال ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت فدعا برجلين فقتل
أحدهما واستحيى الآخر فجعل ترك القتل احياء يريد أعفى عن القتل وأقتل وكان
الاعتراض عتيدا ولكن ابراهيم لما سمع جوابه الاحمق لم يحاجه فيه بل انتقل
الى حجة أخرى أوضح من الاولى وأتى بدليل لا يقدر فيه على نحو ذلك الجواب
ليبهته أوّل شىء فقال فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب
فبهت نمروذ كذا فى الكشاف ثم انهم عمدوا الى ابراهيم فرفعوه الى رأس
البنيان وقيدوه ثم وضعوه فى المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السماء والارض ومن
فيهما من الملائكة وجميع الخلق الا الثقلين صيحة واحدة أى رب ابراهيم خليلك
يلقى فى النار وليس فى الارض أحد يعبدك غيره فأذن لنا فى نصرته فقال الله
عز وجل انه خليلى ليس لى خليل غيره وانما أنا الهه وليس له اله غيرى فان
استعان بشىء منكم أو دعاه لينصره فقد أذنت له فى ذلك وان لم يدع غيرى فأنا
أعلم به وأنا وليه فخلوا بينى وبين خليلى فلما أرادوا القاءه أتاه خازن
المياه فقال ان أردت أخمدت النار وأتاه خازن الرياح فقال ان شئت طيرت النار
فى الهواء فقال ابراهيم لا حاجة بى اليكم حسبى الله ونعم الوكيل* وروى عن
كعب أن ابراهيم حين أوثقوه ليلقوه فى النار قال لا اله الا أنت سبحانك لك
الحمد ولك الملك لا شريك لك ثم رموه بالمنجنيق فى النار فاستقبله جبريل
فقال يا ابراهيم هل لك حاجة قال أما اليك فلا قال جبرئيل فسل ربك قال
ابراهيم حسبى من سؤالى علمه بحالى* وفى المدارك فرموه فيها وهو يقول حسبى
الله ونعم الوكيل عن ابن عباس انما نجى ابراهيم بقوله حسبى الله ونعم
الوكيل قال شعيب الجبائى ألقى ابراهيم فى النار وهو ابن ست عشرة سنة* وفى
رواية ثلاثين سنة بعد أن حبسه ثلاث عشرة سنة قال كعب الاحبار جعل كل شئ
يطفئ عنه النار الا الوزغ فانه ينفخ فى النار*
فائدة فى قتل الوزغ
وفى الصحيحين أن النبى صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا
وقال كان ينفخ على ابراهيم النار* وفى سح السحابة فى افراد مسلم عن أبى
هريرة من قتل وزغا فى أوّل ضربة كتب له مائة حسنة وفى الثانية دون ذلك وفى
الثالثة دون ذلك وذكر صاحب الآثار أن الوزغ أصم قالوا السبب فى صممه أنه
كان ينفخ فى نار ابراهيم عليه السلام فصم بذلك
(1/82)
وبرص كذا فى حياة الحيوان* وفى نهاية ابن
الاثير الوزغ جمع وزغة بالتحريك وهى التى يقال لها سام أبرص جمعها أوزاغ
ووزغان* وفى حديث عائشة لما احترق بيت المقدس كانت الاوزاغ تنفخه ومن هاهنا
يقال ان فساد الآباء يضرّ بالاولاد كالوزغ وان صلاح الآباء يسرى فى الاولاد
وان كان من غير ذوى العقول كما فى حمام الحرم فان من آبائه ما حمى النبىّ
صلّى الله عليه وسلم يوم الغار فدعا لها وفرض جزاء قتلها قال فنادى جبريل
يا ناركونى بردا وسلاما على ابراهيم فجعل الله ببركة قول ابراهيم عليه
السلام حسبى الله ونعم الوكيل الحضيرة روضة* قال ابن عباس لو لم يقل وسلاما
لمات ابراهيم من بردها وانقلاب النار هواء طيبا ليس بمحال الا انه على خلاف
المعتاد فهو اذا من معجزاته وقيل كانت النار بحالها لكن الله دفع أذاها عنه
كما يرى فى السمندل وخزنة النار* وفى المدارك أنّ الله نزع عنها طبعها الذى
طبعها عليه من الحرّ والاحراق وأبقاها على الاضاءة والاشراق وهو على كل شىء
قدير ومن المعروف فى الآثار أنه لم يبق يومئذ نار فى الارض الا طفئت فلم
ينتفع فى ذلك اليوم بنار فى العالم* وفى الحدائق فبردت يومئذ على أهل
المشرق والمغرب فلم ينضج بها كراع ولو لم يقل على ابراهيم لبقيت ذات برد
أبدا فأخذت الملائكة بضبعى ابراهيم فأقعدوه على الارض فاذا عين ماء عذب
وورد أحمر ونرجس قال كعب الاحبار ما أحرقت النار من ابراهيم الاوثاقه قالوا
وكان فى ذلك الموضع سبعة أيام قال ابراهيم ما كنت فى أيام قط أنعم من
الايام التى كنت فى النار* قال ابن يسار وبعث الله ملك الظل فى صورة
ابراهيم فقعد فيها الى جنب ابراهيم يؤنسه قال وبعث الله جبريل بقميص من
حرير الجنة وطنفسة فألبسه وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدّثه وقال جبريل
يا ابراهيم ان ربك يقول لك أما علمت أن النار لا تضرّ أحبابى ثم ان نمروذ
أشرف على ابراهيم واطلع من صرح له ينظر اليه فرآه جالسا فى روضة ومعه جليس
من الملائكة قاعدا الى جنبه وما حوله نار تحرق الحطب فناداه يا ابراهيم كبر
الهك الذى بلغت قدرته أن حال بينك وبين ما أرى يا ابراهيم هل تستطيع أن
تخرج منها قال نعم قال هل تخشى ان قمت أن تضرّك النار قال لا قال فقم واخرج
منها فقام ابراهيم يمشى فيها حتى خرج اليه فقال له يا ابراهيم من الرجل
الذى رأيته معك فى مثل صورتك قاعدا الى جنبك قال ذلك ملك الظل أرسله الىّ
ربى ليونسنى فيها فقال نمروذ يا ابراهيم انى مقرّب الى الهك قربانا لما
رأيت من قدرته وعزته فيما صنع معك حين أبيت الا عبادته وتوحيده انى ذابح له
أربعة آلاف بقرة فقال ابراهيم اذا لا يقبل الله منك ما كنت على دينك حتى
تفارقه الى دينى فقال لا أستطيع ترك ملكى ولكن سوف أذبحها فذبحها نمروذ وكف
عن ابراهيم* وجاء فى بعض الروايات انه كان لنمروذ بنت يقال لها رغضة
استأذنت أباها أن تذهب وتنظر الى ابراهيم حين ألقى فى النار فقال لها نمروذ
يا بنتاه ان ابراهيم قد صار رمادا فبالغت حتى أذن لها نمروذ فلما نظرت الى
ابراهيم رأته فى أطيب عيش وأحسن حال فقالت يا ابراهيم ألا تحرقك النار قال
من كان فى قلبه معرفة الله وعلى لسانه بسم الله الرحمن الرحيم لا تحرقه
النار قالت أفتأذن لى أن أدخلها قال قولى لا اله الا الله ابراهيم خليل
الله ثم ادخلى ولا تخافى فلما قالتها خمدت النار فدخلتها وأسلمت ثم رجعت
الى أبيها وقد سمع أبوها قولها فنصحها فلم تقبل فعذبها بمسامير من حديد
فأمر الله جبريل حتى رفعها من بين أطهرهم ثم جاء بها الى ابراهيم وذلك بعد
ما هاجر من أرض نمروذ فزوّجها ابراهيم من ابنه مدين فحملت منه عشرين بطنا
أكرمهم الله بالنبوّة
ذكر صرح نمرود
قال الثعلبى لما حاج ابراهيم نمروذ فى ربه قال نمروذ ان كان ما يقول
ابراهيم حقا فلا أنتهى حتى أصعد الى السماء فأعلم ما فيها فبنى صرحا عظيما
ببابل ورام الصعود الى السماء لينظر الى اله ابراهيم واختلف فى طول الصرح
فى السماء فقيل خمسة آلاف ذراع وقيل فرسخان ثم عمد الى أربعة أفراخ من
النسور
(1/83)
فرباها وأطعمها اللحم والخبز حتى شبت
وكبرت* وفى الكامل لابن الاثير فرباهنّ بالخمر واللحم حتى كبرن واتخذ
تابوتا من خشب وجعل له بابا من أعلا وبابا من أسفل ثم جوّع النسور ونصب
خشبات أربع فى أطراف التابوت وجعل على رؤسها لحما أحمر فوق التابوت وقعد هو
فى التابوت وأقعد معه رجلا آخر وحمل معه القوس والنشاب وأمر بالنسور فربطت
فى أطراف التابوت من أسفل* وفى رواية وربط التابوت بأرجل النسور ثم خلى عن
النسور فطرن وصعدن طمعا فى اللحم كلما رأين اللحم طرن اليه فطارت النسور
يوما أجمع حتى أبعدن فى الهواء فقال نمروذ لصاحبه افتح الباب الاعلا فانظر
الى السماء هل قربنا منها ففتح ونظر فقال ان السماء كهيئتها ثم قال له افتح
الباب الاسفل فانظر الى الارض كيف تراها ففتح ونظر فقال أرى الارض مثل
اللجة والجبال مثل الدخان قال فطارت النسور يوما آخر وارتفعت حتى حالت
الريح بينها وبين الطيران فقال نمروذ لصاحبه افتح الباب الاعلا ففتح فاذا
السماء كهيئتها وفتح الباب الاسفل فاذا الارض سوداء مظلمة ونودى أيها
الطاغى أين تريد فأمر عند ذلك صاحبه فرمى بسهم قال عكرمة وكان معه فى
التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب فأخذ منه القوس فرمى بسهم فعاد اليه
السهم ملطخا بالدم فقال كفيت شغل اله السماء واختلف فى ذلك السهم بأى شىء
تلطخ فقيل بدم سمكة قذفت نفسها من بحر معلق فى الهواء فلذا رفع الذبح عن
السمك وقيل بدم طائر أصابه السهم فتلطخ بدمه وذلك استدراج ومكر من الله
تعالى ولما رجع اليه السهم ملطخا أمر نمروذ صاحبه أن يصوّب الخشبات
المنصوبة فوق التابوت الى أسفل وينكس اللحم ففعل فهبطت النسور بالتابوت
فسمعت الجبال هفيف التابوت والنسور ففزعت وظنت أنه قد حدث حدث فى السماء
وان الساعة قد قامت فكادت تزول عن أماكنها فذلك قوله تعالى وان كان مكرهم
لتزول منه الجبال وحكى ذلك عن علىّ فى معنى الآية أى أنها نزلت فى نمروذ
الجبار الذى حاج ابراهيم فى ربه كذا فى معالم التنزيل واستبعد بعض العلماء
هذه الحكاية وقال لان الخطر فيه عظيم ولا يكاد عاقل أن يقدم على مثل هذا
الامر العظيم وليس فيه خبر صحيح يعتمد عليه ولا مناسبة لهذه الحكاية بتأويل
الآية كذا فى لباب التأويل* وكان طيرانهنّ من بيت المقدس ووقوعهنّ فى جبل
الدخان فلمّا رأى أنه لا يطيق شيئا أخذ فى بنيان الصرح ثم أرسل الله ريحا
على صرح نمروذ فألقت رأسه فى البحر فانكفأت بيوتهم وأخذت الرجفة نمروذ
وتبلبلت ألسن الناس حين سقط الصرح من الفزّع فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا
فلذلك سميت بابل أى لتبلبل الالسن بها وكان لسان الناس قبل ذلك سريانيا كذا
فى الكامل* وفى بحر العلوم لما ملك نمروذ كل الارض وطغى واتخذ النسور وصعد
الهواء يطلب ملك السماء وعمل صرحا وزعم أنه يحارب اله السماء ورمى نزل
جبريل وقال لابراهيم ان الله تعالى يقول لك اختر لمحاربتك ما شئت من الجيوش
فانى معين لك على ما عنيت فاختار البعوض فأوحى الله تعالى الى ابراهيم لو
لم تختر هذا لاهلكناه بشىء لا يزن سبعون من ذلك جناح بعوضة فعبى نمروذ جيشه
أربعة فراسخ فى أربعة فراسخ فأمر الله ملك البعوض حتى أخرج جيش البعوض
فخرجت بحيث ملأت الهواء وسترت السماء فوقعت فيهم فأكلت خناجرهم ودروعهم
وأسلحتهم وشعورهم وجلودهم ولحومهم وعظامهم فهرب نمروذ ودخل صرحه فسلط الله
عليه شق بعوضة فجعل يطير فى وجهه سبعة أيام وهو يقصد أخذها فلا يقدر عليها
ثم جلست على شفته فعضتها فورمت ثم دخلت أنفه فاجتهدوا فى اخراجها بكل حيلة
فلم يقدروا وكانت تأكل دماغه وهو يحتال بكل علاج فلا يقدر على الاخراج* وفى
رواية كعب أنها بقيت فى دماغه أربعمائة سنة كذا فى العرائس وكان عمره قبل
ذلك فى ملكه أربعمائة سنة ولو تاب لتاب الله عليه لكن تمادى فى العناد
(1/84)
وأصر على الفساد وما الله يريد ظلما
للعباد* وكان أمر بمدقة فأحضرت فكان يضرب بها على رأسه بقوّة فتسكن البعوضة
لذلك ساعة فيستريح به ثم تعود الى أن دخل عليه بعض من خواصه يوما فأمر
بضربه فضربه بالمدقة وبالغ فشج رأسه ودمغ فزهق الملعوب وقيل ضجر الملعون
فضرب رأسه بالجدار حتى انشقت هامته وقامت قيامته فأمر الله جبريل فخسف
بصرحه وبما فيه الارض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة* وفى حياة الحيوان
قال وهب بن منبه لما أرسل الله تعالى البعوض على نمروذ اجتمع منه فى عسكره
ما لا يحصى عددا فلما عاين نمروذ ذلك انفرد عن جيشه ودخل بيته وأغلق
الابواب وأرخى الستور ونام على قفاه متفكرا فدخلت بعوضة فى أنفه ومنخره
وصعدت الى دماغه فتغذت بدماغه أربعين يوما الى أن كاد يضرب برأسه الارض
وكان أعز الناس عنده من يضرب رأسه ثم سقطت منه كالفرخ وهى تقول كذلك يسلط
الله رسله على من يشاء من عباده ثم هلك حينئذ* قال ابن اسحاق ولما نجى الله
ابراهيم من نمروذ الجبار واحراق النار استجاب له رجال من قومه حين رأوا ما
صنع الله به من جعل النار عليه بردا وسلاما وأسلم خلق كثير على خوف من
نمروذ وقومه وآمن له لوط وقيل هو أوّل من صدّقه وكان ابن أخيه هاران وهو
لوط بن هاران بن تارخ وهاران أخو ابراهيم وكان له أخ ثالث يقال له ناحور
وهو جدّ لقمان الحكيم كما مرّ وقيل أوّل من آمن بابراهيم بعد خروجه من
النار سارة بنت هاران قالت يا ابراهيم آمنت باله جعل النار عليك بردا
وسلاما فقالت أم ابراهيم ألا تخشين قتلك قالت كيف أخاف وقد آمنت برب
ابراهيم ولما رجع ابراهيم الى منزله نكحها وكانت من أجمل نساء أهل زمانها
قيل كان حسن يوسف ثلث حسن سارة واختلف المؤرّخون فى هاران أبى سارة فبعضهم
على أنه ملك حرّان ونكح ابراهيم ابنته سارة حين هاجر من وطنه الى حرّان
وقال بعضهم هو أخو ابراهيم وكان نكاح بنت الاخ جائزا فى شريعتهم وبعضهم على
أنه هاران الاكبر عم ابراهيم وكان اسم عمه وأخيه متوافقين والله أعلم* وفى
عرائس الثعلبى سارة بنت ناحور روى أن النمروذ بينما كانوا يأتمرون أن
يكيدوا لابراهيم كيدا ويعذبوه بنوع آخر فأخبره بمكرهم ابن أخيه لوط بن
هاران فخرج من كوثى أرض العراق مهاجرا الى ربه وسار بأهله سارة ومعه لوط
يلتمس الفرار بدينه والامان على عبادة ربه وخرج معهم آزر أبو ابراهيم وكان
مقيما على كفره ولما نزلوا حران مات بها آزر على كفره فمكث بها ابراهيم ما
شاء الله ثم خرج منها بمن معه فنزل الرها ويقال بعلبك ثم خرج منها الى
الشام فوجد بها الجوع فسار الى مصر فوجدوا فيها فرعونا من فراعنتها يقال له
سنان بن علوان من أولاد سام بن نوح عليه السلام ثم خرجوا الى الشام فنزل
ابراهيم السبع من أرض فلسطين وهى برية الشام ونزل لوط الاردن فأرسله الله
نبيا الى أهل سدوم وما يليها وكانوا أهل كفر وفواحش وسيجىء بقية قصة لوط
وقال مقاتل هاجر ابراهيم وهو ابن خمس وسبعين سنة*
ذكر سارة
روى أن ابراهيم لما هاجر من أرض بابل اتخذ تابوتا لسارة وكانت من أحسن
النساء وجها تشبه حوّاء فى حسنها فأدخلها التابوت وحملها معه وكان ممرّه
على عشار فعشر ماله حتى بلغ التابوت فقال افتحه حتى أقوّم ما فيه وأعشره
قال ابراهيم لا يمكننى فتحه هب أن ما فيه كله ديباج وحرير فاعشره فأبى ذلك
قال هب أنه دراهم ودنانير وجواهر فأعشرها فأبى الا الفتح ففتح ابراهيم باب
التابوت فاذا فيه امرأة حسناء لم ير الناس مثلها فأخبر بها ملكه وكان يميل
الى النساء قال السهيلى اسمه صاروف ملك الاردن وكانت هاجر له فسأل ابراهيم
من أين لك هذه المرأة قال هى أخت لى وخاف أن لو قال امرأتى يقتله وأراد
بالاخت الاخت فى الاسلام فأرسل اليها فأخذها منه عجبا منه لجمالها فأدخلها
فى قصره وبقى ابراهيم خارج القصر متحيرا فجعل الله حيطان القصر شفافة
كالزجاج حتى يرى ابراهيم باطنها من ظاهرها فلما دنا الملك منها رأى وجها لم
يرسله قط قدّيده اليها ليضعمها
(1/85)
الى نفسه فيبست يده وجعل سقف البيت وجدر
انه تتحرّك فخاف على نفسه فابتدر الى صحن الدار فانهدم البيت فسألها الملك
فأخبرته أنها امرأة ابراهيم وانه رجل صالح فقال لها ادعى الله أن يعافينى
ويبرئ يدى فدعت فشفيت ثم هم بهما فيبست يداه وقيل فصر مكانه وهكذا الى ثلاث
مرّات ثم وهب لها جارية اسمها هاجر*
ذكر هاجر
قال ابن هشام تقول العرب هاجر وآجر فتبدل الالف من الهاء كما قالوا هراق
الماء وأراق الماء وغيره وهاجر من أهل أرض مصر* قال ابن لهيعة هاجر من أرض
العرب من قرية كانت أمام القرى من أرض مصر كذا فى سيرة ابن هشام يقال ان
هاجر كانت قبل الرق بنت ملك من ملوك القبط فأخدمها اياها وخلى سبيلها وقال
هذه لك لما نظرت الى شعرك وكان ابراهيم يرى تلك الاحوال من وراء الجدار
وكان لا يولد له من سارة ولد فوهبت هاجر له وقالت عسى الله أن يرزقك منها
ولدا فحملت هاجر باسماعيل وولدته* وفى سيرة مغلطاى تفسيره مطيع الله وهو
الذبيح ويلقب اعراق الثرى وأما لوط بن هاران بن تارخ فنزل المؤتفكة وبينها
وبين السبع منزل ابراهيم مسيرة يوم وليلة* وفى أنوار التنزيل المؤتفكات
قريات قوم لوط ائتفكت بهم أى انقلبت فصار عاليها سافلها وأمطروا حجارة من
سجيل* وفى ضبط أسمائها اختلاف ففى العمدة المؤتفكات مدائن قوم لوط وهى
سادوما وداروما وعامورا وصبورا وسدوم قيل كانت فى أرض العجم فى مفازة بين
سجستان وكرمان ولم يتحقق بل التحقيق أنها كانت فى أرض العرب وكانت خمس
مدائن صنعه وصعوه وعمره وحزره وسدوم* وفى بعض التفاسير سدوما وهى أعظم
مدائنهم وعامورا وداروما وصابورا وصعورا وكان فى كل مدينة ألف ألف انسان
فبعث الله لوطا اليهم قال الله تعالى ونجيناه ولوطا الى الارض التى باركنا
فيها للعالمين يعنى الشام بارك الله فيها بالخصب وكثرة الاشجار والاثمار
والانهار يطيب فيها عيش الغنىّ والفقير وبعث الله أكثر الانبياء منها* عن
أبىّ بن كعب انما سماها الله مباركة لانه ما من ماء عذب الا وينبع أصله من
تحت صخرة بيت المقدس وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم بقول انها ستكون هجرة بعد هجرة فحيار الناس الى مهاجر
ابراهيم* وفى الحديث طوبى لاهل الشام قيل ولم ذلك قال لان ملائكة الرحمن
باسطة أجنحتها عليه كذا فى العمدة* وفى الكشاف قيل كانت المؤتفكة خمس مدائن
وقيل كانوا أربعة آلاف بين الشام والمدينة فأمطر الله عليهم الكبريت والنار
وقيل خسف بالمقيمين وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم وقيل أمطرت عليهم
ثم خسف بهم وروى أن تاجرا منهم كان فى الحرم فوقف له الحجر أربعين يوما حتى
قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه* وفى العرائس جاءه الحجر ليصيبه فمنعته
ملائكة الحرم وردّوه وقالوا له ارجع فان الرجل فى حرم الله فحجز الحجر وبقى
خارجا عن مكة أربعين يوما معلقا فى السماء فلما قضى الرجل حاجته وخرج من
الحرم أصابه الحجر فقتله* وفى لباب التأويل قال ابن جريج كان فى قرى قوم
لوط أربعة آلاف ألف وفيه أيضا قرى قوم لوط خمس مدائن أكبرها سدوم وهى
المؤتفكات ويقال كان فيها أربعمائة ألف وقيل أربعة آلاف ألف* وفى العرائس
كانت مدائن قوم لوط خمسا سادوما وعامورا وداروما وصبورا ثم سدوم كما مرّ من
رواية العمدة وهى القرية العظمى وكان فى هذه القرية أربعون ألف فقير فلما
أصبحوا أدخل جبريل جناحه تحت قراهم الاربع وفى كل قرية مائة ألف أو يزيدون
ثم رفعها على خافقة من جناحه وفى رواية فاقتلع أرضهم من سبع أرضين فحملها
حتى بلغ بها الى السماء الدنيا حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم
وصراخ ديوكهم ولم يكفأ لهم اناء ولم ينتبه نائم ثم قلبها وجعل عاليها
سافلها فلهذا سميت المؤتفكات أى المنقلبات وكان هؤلاء يأتون الذكران وما
سبقهم بها أحد من العالمين وأما القرية الخامسة فانها نجت من العذاب لانها
آمنت وكانت امرأة لوط موالية لاهل
(1/86)
سدوم وسمعت بالهدّة فالتفتت وقالت واقوماه
فأتاها حجر فقتلها وقال خلف مسخت حجرا وكانت تسمى هلسفع وقيل واعلة وعن ابن
عياش قال سألت أبا جعفر أعذب الله نساء قوم لوط بذنوب رجالهم قال ان الله
تعالى أعدل من ذلك وانما استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء فوجبت
العقوبة عليهم جميعا وعن ابن سعيد قال انما فعل ذلك من قوم لوط نيف وثلاثون
رجلا لا يبلغون الاربعين فأهلكهم الله تعالى جميعا وكان ذلك بعد ما مضى تسع
وتسعون سنة من عمر ابراهيم عليه السلام*
(ذكر الشام والارض المقدّسة والقدس والخليل)
* فى الانس الجليل فى تاريخ القدس والخليل أن الاوائل قسموا الشام خمسة
أقسام الشام الاولى فلسطين بكسر الفاء وفتح اللام سميت بذلك لان أوّل من
نزلها فلسطين من أولاد يونان بن يافث بن نوح وواسطة بلدها الرملة فهى أرض
سهلة كثيرة الاشجار والنخيل وحولها مزارع ومغارس كثيرة وهى من جملة الثغور
فان البحر المالح قريب منها نحو نصف بريد من جهة الغرب وكانت فى عهد بنى
اسرائيل متسعة عظيمة البناء وكان جالوت أحد جبابرة الكنعانيين ملكه بجوار
فلسطين* وفى أنوار التنزيل أن جالوت ومن معه من العمالقة كانوا يسكنون ساحل
بحر الروم بين مصر وفلسطين فظهروا على بنى اسرائيل فأخذوا ديارهم وسبوا
أولادهم وأسروا من أولاد الملوك أربعمائة وأربعين وان يونس أقام بها ثم
توجه الى بيت المقدس يعبد الله فيه وبظاهرها من جهة الشمال على مسافة قريبة
منها لدّ وكان منزلا جميلا فيه ناس يعمرونه وكانت تنزل فيه القوافل الواصلة
من مصر الى الشام وفى الحديث ان عيسى ابن مريم يقتل الدجال بباب لد وكان
بلد كنيسة محكمة البناء وللنصارى بها اعتقاد وقد خربها الملك صلاح الدين
وبظاهر لدّ من جهة المشرق مشهد يقال ان به قبر عبد الرحمن بن عوف الصحابى
وأوّل حدود فلسطين من طريق مصرامج وهو العريش ثم يليها غزة ثم رملة ومن مدن
فلسطين ايلياء بالمدّ ككبرياء وحكى فيها القصر وهى مدينة بيت المقدس ومن
أسمائها شلم بالشين المعجمة وتشديد اللام ويروى بالمهملة وكسر اللام ويروى
سلم معناه بالعبرانية دار السلام* وفى بعض الكتب دعيت بيت المقدس اورى سلم
ودعيت الجنة دار السلام وصهيون بكسر الصاد كذا فى الانس الجليل وبينها وبين
الرملة ستة فراسخ وهى ثمانية عشر ميلا صخار ووهاد ومن مدن فلسطين عسقلان
ونابلس ومدينة ابراهيم الخليل ومسافة فلسطين من امج الى حدّ اللجون للراكب
المجدّ يومان وأما سير الاثقال فأكثر من أربعة أيام وعرضها من يافا الى
أريحاء مسافة يومين والله أعلم والشام الثانية الحوران ومدينته العظمى
طبرية والشام الثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق والشام الرابعة حمص
وتوابعها والشام الخامسة قنسرين ومدينته العظمى حلب وأما قسمة حدود الارض
المقدّسة من الشام فحدّها القبلى أرض الحجاز يفصل بينهما جبال سورى وهى
جبال منيعة بينها وبين أيلة نحو مرحلة وسطح أيلة هو أوّل حدود الحجاز وهى
من تيه بنى اسرائيل وبينها وبين بيت المقدس نحو ثمانية أيام بسير الاثقال*
وفى الكشاف بلاد التيه ما بين بيت المقدس الى قنسرين وهى اثنا عشر فرسخا فى
ثمانية فراسخ وحدّها الشرقى من بعددومة الجندل برية السماوة وهى كبيرة
ممتدّة الى العراق ينزلها عرب الشام ومسافتها عن بيت المقدس نحو مسافة أيلة
وحدّها الشمالى مما يلى الشرق نهر الفرات على قول الحافظ الذهبى مؤرّخ
الشام ومسافته عن بيت المقدس نحو عشرين يوما بسير الاثقال فيدخل فى هذا
الحدّ المملكة الشامية بكمالها وحدّها الغربى بحر الروم وهو البحر المالح
ومسافته من بيت المقدس من جهة فلسطين نحو يومين وحدّها الجنوبى رملة مصر
والعريش ومسافته من بيت المقدس نحو خمسة أيام بسير الاثقال ثم يليه تيه بنى
اسرائيل وطور سيناء ويمتدّ من تلك الجهة الى تبوك ثم الى دومة الجندل
المتصلة بالحدّ الشرقى ومن الارض
(1/87)
المقدّسة أريحاء واذرعات وتيماء ونابلس
وأريحاء مدينة الجبارين وهى شرقى بيت المقدس بقرب نهر الاردن وهو النهر
المذكور فى القرآن فى قوله تعالى ان الله مبتليكم بنهر فى قصة طالوت وكان
النبىّ صلّى الله عليه وسلم قد اجلى اليهود من المدينة فخرجوا الى الشام
الى أذرعات وأريحاء وأجلى آخرهم عمر بن الخطاب من أرض الحجاز الى تيماء
وأريحاء وقد صارت أريحاء قرية من قرى بيت المقدس ونابلس مدينة بالارض
المقدّسة مقابل بيت المقدس من جهة الشمال مسافتها عنه نحو يومين بسير
الاثقال خرج منها كثير من العلماء وهى كثيرة الاعين والاشجار والفواكه معظم
الاشجار فيها الزيتون وأما حدود بيت المقدس عرفا مما يطلق عليه عمل القدس
ويسوغ لقضاة القدس الحكم فيه فمن جهة القبلة عمل بلد ابراهيم عليه السلام
ويفصل بينهما قرية سبعين وما حاذاه من عمل القدس ومن جهة المشرق نهر الاردن
المذكور فى قصة طالوت ومن جهة الشمال مدينة نابلس يفصل بينهما قريتا سنجل
وعزرن وهما من أعمال القدس وتتمة الحدّ رأس وادى بنى زيد وهو من أعمال
الرملة ومن جهة الغرب مما يلى الرملة قرية بيت نوبة وهى من أعمال القدس
ومما يلى مدينة غزة قرية عجورا بالراء المهملة وهى من أعمال غزة وغزة من
أحسن المدن المجاورة لبيت المقدس وفيها ولد سليمان ابن داود عليهما الصلاة
والسلام والامام الشافعى محمد بن ادريس رضى الله عنه وهى من الثغور أيضا
فان البحر المالح قريب منها وهى كثيرة الاشجار والنخيل والفواكه وعن ابن
الزبير طوبى لمن سكن احدى العروسين عسقلان وغزة
*
(ذكر أولية البيت الحرام وركنه المستلم والمقام
ومن تولى بناءه من الملائكة والانبياء الكرام ومن دونهم من سائر الامم
والانام وبدء ظهور زمزم فى عهد اسماعيل عليه السلام)
* قال الله تعالى ان أوّل بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين
الآية* وفى الصحيح من حديث أبى ذرّ الغفارى أنه سأل رسول الله صلّى الله
عليه وسلم أى مسجد وضع فى الارض أوّل فقال له المسجد الحرام قال قلت ثم أى
قال المسجد الاقصى قال قلت كم بينهما قال أربعون عاما وذكر الزبير بن بكار
باسناده الى جعفر الصادق أن رجلا سأل أبا محمد الباقر بمكة فى ليالى العشر
قبل التروية فى الحجر وكان السائل الخضر فقال له يا أبا جعفر أخبرنى عن بدء
خلق هذا البيت كيف كان قال بدء خلق هذا البيت ان الله تعالى قال للملائكة
انى جاعل فى الارض خليفة فردّوا عليه أتجعل فيها من يفسد فيها الآية وغضب
عليهم فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون ربهم فرضى عنهم وقال
لهم ابنوا لى فى الارض بيتا فيعوذ به من سخطت عليه من بنى آدم ويطوفون حوله
كما فعلتم بعرشى فأرضى عنهم فبنوا له هذا البيت فهذا بدء خلق هذا البيت قال
الازرقى فى تاريخه ان ذلك قبل خلق آدم لما روى عن زين العابدين على بن
الحسين أن الله تعالى وضع بيتا تحت العرش وهو البيت المعمور وأمر الملائكة
أن يطوفوا به ثم أمر الملائكة الذين هم سكان الارض أن يبنوا فى الارض بيتا
بحياله على قدره ومثاله فبنوا وأمر من فى الارض أن يطوفوا به كما يطوف أهل
السماء بالبيت المعمور* وفى حديث جعفر الصادق المتقدّم فقال الرجل يا أبا
جعفر فما بدء خلق هذا الركن فقال ان الله تبارك وتعالى لما خلق الخلق قال
لبنى آدم ألست بربكم قالوا بلى وأقروا وأجرى نهرا أحلى من العسل وألذ من
الزبد ثم امر القلم فاستمدّ من ذلك النهر فكتب اقرارهم وما هو كائن الى يوم
القيامة ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذى ترى انما هو بيعة
على اقرارهم بالذى كانوا أقرّوا به* وقال جعفر بن محمد كان أبى اذا استلم
الركن قال اللهم أمانتى أدّيتها وميثاقى وفيت به ليشهد لى عندك بالوفاء*
وخرج الترمذى
(1/88)
من حديث عبد الله بن عباس وصححه قال قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم نزل الحجر الاسود من الجنة وهو أشدّ بياضا
من اللبن فسوّدته خطايا بنى آدم* وفى تاريخ الازرقى فاسودّ من لمس الحيض فى
الجاهلية* ومن حديث عبد الله بن عمر موقوفا ومرفوعا قال الركن والمقام
ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما الاضاءا ما
بين المشرق والمغرب* ومن حديث ابن عباس أيضا قال قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلم فى الحجر الاسود والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر
بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق* وفى الخبر الركن والمقام
ياقوتتان من يواقيت الجنة انزلا فوضعا على الصفا فأضاء نورهما لاهل الارض
ما بين المشرق والمغرب كما يضىء المصباح فى الليل المظلم يؤمن الروعة
ويستأنس بهما ويبعثان يوم القيامة وهما فى العظم مثل أبى قبيس يشهدان لمن
وافاهما بالوفاء ورفع النور عنهما وغير حسنهما ووضعا حيث هما فيه* وذكر أبو
جعفر محمد بن جرير الطبرى من حديث عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه
يقول ان آدم عليه السلام لما أهبط الى الارض فرأى سعتها ولم ير فيها أحدا
غيره قال يا رب مالا رضك هذه عامر يسبح ويقدّس لك غيرى قال الله تعالى انى
سأجعل فيها من ولدك من يسبح بحمدى ويقدّسنى وسأجعل فيها بيوتا يرفع فيها
ذكرى ويسبح فيها خلقى ويذكر فيها اسمى وسأجعل بيتا من تلك البيوت أخصه
بكرامتى وأوثره باسمى وأسميه بيتى وعليه وضعت جلالى ثم انا مع ذلك فى كل شئ
أجعل ذلك البيت حرما آمنا يتحرّم بحرمته من حوله ومن تحته ومن فوقه ومن
حرمه بحرمتى استوجب بذلك كرامتى ومن أخاف أهله فقد أخفر ذمّتى وأباح حرمتى
أجعله أوّل بيت وضع للناس ببطن مكة مباركا يأتونه شعثا غبرا على كل ضامر من
كل فج عميق يزجون بالتلبية زجيجا ويثجون بالبكاء ثجيجا ويعجون بالتكبير
عجيجا فمن اعتمره لا يريد غيره فقد وفد الىّ وزارنى وضافنى وحق على الكريم
أن يكرم وفده وأضيافه وأن يسعف كلانجاجته تعمره يا آدم ما كنت حيا ثم تعمره
الامم والقرون من الانبياء من ولدك أمّة بعد أمّة وقرنا بعد قرن* وفى حديث
ابن عباس بعد قوله ويسبح فيها خلقى وسأبوّئك منها بيتا أخصه بكرامتى وأحوزه
لنفسى وأوثره على بيوت الارض كلها وأحرزه بحرمى وأجعله أحق بيوت الارض كلها
عندى وأولى بكرامتى أضعه فى البقعة التى اخترت لنفسى فانى اخترت مكانه يوم
خلقت السموات والارض* وعن عطاء وقتادة ان آدم عليه السلام لما أهبطه الله
من الجنة وفقد ما كان يسمعه ويأنس اليه من أصوات الملائكة وتسبيحهم استوحش
حتى شكا ذلك الى الله تعالى فى دعائه وصلاته فوجهه الى مكة وأنزل الله
تعالى ياقوتة من ياقوت الجنة لها بابان من زمرّد أخضر باب شرقى وباب غربى
فكانت على موضع البيت الآن وقال الله يا آدم انى أهبطت لك بيتا تطوف به كما
يطاف حول العرش وتصلى عنده كما يصلى عند عرشى فانطلق اليه آدم فطاف به هو
ومن بعده من الانبياء الى أن كان الطوفان فرفعت تلك الياقوتة حتى أمر الله
ابراهيم عليه السلام ببناء البيت فبناه فذلك قوله تعالى واذ بوّأنا
لابراهيم مكان البيت الآية* وفى زبدة الاعمال مختصر تاريخ الازرقى عن عثمان
بن ساج قال بلغنى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لكعب يا كعب أخبرنى عن
البيت الحرام قال كعب أنزل الله تعالى من السماء ياقوتة مجوّفة مع آدم فقال
يا آدم ان هذا بيتى أنزلته معك يطاف حوله كما يطاف حول عرشى ويصلى حوله كما
يصلى حول العرش ونزل معه الملائكة فرفعوا قواعده من الحجارة ثم وضع البيت
عليها وكان آدم يطوف حوله كما يطاف حول العرش ويصلى عنده كما يصلى عند
العرش فلما أغرق الله تعالى قوم نوح رفعه الله تعالى الى السماء وبقيت
قواعده* وعن عثمان بن ساج عن وهب أنه وجد فى التوراة أن بيتا فى السماء
بحيال الكعبة اسمه رضاض وهو البيت المعمور يرده كل يوم سبعون ألف ملك لا
يعودون
(1/89)
اليه أبدا وعن ابن عباس قال قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلم البيت الذى فى السماء يقال له الضراح وهو مثل بناء
البيت الحرام ولو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون اليه
الى يوم القيامة* وعن ابن عباس ان الله تعالى أوحى الى آدم ان لى حرما
بحيال عرشى فانطلق فابن لى بيتا فيه ثم جف به كما رأيت الملائكة يحفون
بعرشى فهنا لك استجيب لك ولولدك من كان منهم على طاعتى فقال آدم أى رب وكيف
لى بذلك لست أقوى عليه ولا أهتدى لمكانه فقيض الله له ملكا فانطلق به نحو
مكة فكان آدم عليه السلام اذا مرّ بروضة أو مكان يعجبه قال للملك انزل
بناها هنا فيقول له الملك أمامك حتى قدم مكة فبنى البيت من خمسة أجبل من
طور سيناء وحراء وطور زيتاء ومن لبنان والجودى* وفى رواية وهب بن منبه
وثبير وأحد بدل لبنان والجودى انتهى* وبنى قواعده من حراء فلما فرغ من
بنائه خرج به الملك الى عرفات فأراه المناسك كلها التى يفعلها الناس اليوم*
وفى رواية قال ابن عباس انما سمى عرفات جمعا لانه اجتمع بها آدم وحوّاء*
وفى أنوار التنزيل انما سمى الموقف عرفة لان آدم وحوّاء التقيا فيه فتعارفا
أو لانه نعت لابراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه أو لانّ جبريل كان يدور
به فى المشاعر فلما رآه قال عرفت أو لانّ الناس يتعارفون فيه* وعرفات
للمبالغة فى ذلك وهى من الاسماء المرتجلة الا أن يجعل جمع عرفة فحج آدم
وأقام المناسك قال وهب بن منبه تلقته الملائكة بالابطح فرحبت به وقالت يا
آدم انا لننتظرك ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام ثم قدم به الملك مكة
فطاف بالبيت أسبوعا ثم رجع الى أرض الهند فمات بها* وفى رواية عن ابن عباس
حج آدم من الهند أربعين حجة قال أبو يحيى قلت لابن عباس أكان يركب آدم قال
أى شىء يحمله فو الله ان خطوته مسيرة ثلاثة أيام كذا فى العرائس* وذكر
الواقدىّ عن أبى بكر بن سليمان بن أبى خيثمة العدوى قال قلت لابى جهم بن
حذيفة يا عمّ حدّثنى عن بناء البيت ونزول آدم عليه السلام الحرم قال يا ابن
أخى سلنى على نشاط منى فانى أعلم ما لا يعلمه غيرى فمكثت شهرا أذكره المرّة
بعد المرّة فيقول مثل قوله الاوّل وكان قد كبر ورق وضعف فدخلت عليه يوما
وهو مسرور فقال اسمع حديثك الذى سألتنى عنه ان البيت حذاؤه حزم فى السماء
السابعة وفى الارض السابعة يعنى ان ما يقابله حرم* روى النووى فى ايضاح
المناسك عن مجاهد ان هذا البيت أربعة عشر بيتا فى كل سماء بيت وفى كل أرض
بيت بعضهنّ مقابل بعض* وعن ليث بن معاذ قال قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم هذا خامس عشر بيتا سبعة منها فى السماء الى العرش وسبعة منها الى تخوم
الارض السفلى وأعلاها الذى فى العرش البيت المعمور ولكل بيت منها حرم كحرم
هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض الى تخوم الارض السفلى ولكل
بيت من أهل السماء وأهل الارض من يعمره كما يعمر هذا البيت ذكره فى زبدة
الاعمال* قال أبو جهم وان آدم عليه السلام أمر بأساسه فبناه هو وحوّاء
وأسساه بصخر أمثال الخلفات يعنى النوق التى فى بطونها أجنة واحدتها خلفة
أذن الله للصخر أن يطيعهما ثم نزل البيت من السماء من ذهب أحمر ووكل به من
الملائكة سبعون ألف ملك فوضعوه على أس آدم عليه السلام ونزل الركن وهو
يومئذ درّة بيضاء فوضع موضعه اليوم من البيت وطاف به آدم وصلّى فيه فلما
مات آدم عليه السلام وليه بعده ابنه شيث فكان كذلك حتى حجه نوح عليه السلام
فلما كان الغرق يعنى الطوفان بعث الله تعالى سبعين ألف ملك فرفعوه الى
السماء كى لا يصيبه الماء النجس وبقيت قواعده وجاءت السفينة فدارت به سبعا
ثم دثر البيت فلم يحجه من بين نوح وبين ابراهيم أحد من الانبياء عليهم
الصلاة والسلام* وفى شفاء الغرام عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث الله عز وجل جبريل الى آدم وحوّاء فقال
لهما ابنيا لى بيتا فحط
(1/90)
لهما جبريل فجعل آدم يحفر وحوّاء تنقل
التراب حتى أصابه الماء نودى من تحته حسبك يا آدم فلما بناه أوحى الله
تعالى اليه أن يطوف به وقيل له أنت أوّل الناس وهذا أوّل بيت تناسخته
القرون* وفى تشويق الساجد فهبطت على آدم الملائكة فحفر حتى بلغ الارض
السابعة فقذفت الملائكة فيه الصخر حتى أشرف على وجه الارض وهبط بياقوتة
حمراء لها أربعة أركان بيض فوضعها على الاساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى
كان زمن الغرق فرفعها الله سبحانه وتعالى* وفى تاريخ الازرقى عن مقاتل يرفع
الحديث الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى حديث حدّثه به آدم قال أى رب انى
أعرف شقوتى انى لا أرى شيئا من نورك فأنزل الله البيت المعمور على عرض
البيت وموضعه من ياقوتة حمراء ولكن طولها كما بين السماء والارض وأمره أن
يطوف بها وأذهب الله عنه الغم الذى كان يجده قبل ذلك ثم رفع على عهد نوح
عليه السلام كذا فى شفاء الغرام* وفى بحر العلوم أنزل الله خيمة من خيام
الجنة فوضعها له بمكة موضع البيت قبل أن تكون الكعبة وتلك الخيمة ياقوتة
حمراء من يواقيت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب لها بابان شرقى وغربى من
ذهب منظومان من درّ الجنة فيها نور يلتهب من الجنة ونزل معها الركن يومئذ
وهو ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة وكان كرسيا لآدم يجلس عليه* وفى بهجة
الانوار ان الحجر الاسود كان فى الابتداء ملكا صالحا ولما خلق الله آدم
زينه وأسكنه الجنة وأباح له الجنة كلها الا الشجرة التى نهاه الله عنها
وشرط معه وأشهد على ذلك ملكا وذلك قوله تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل
فنسى ولم نجد له عزما ثم جعل ذلك الملك موكلا على آدم حتى لا ينسى عهد ربه
وكلما خطر بباله أن يأكل من الشجرة نهاه الملك فلما قدّر الله أن يأكل منها
غاب عنه الملك فأكلا منها فطارت عنه الحلل وأخرج من الجنة فلما رجع الملك
وجده قد نقض عهد ربه فنظر الله الى ذلك الملك بالهيبة فصار جوهرا وذلك أن
الله تعالى لم يرض عن الملك غيبته وقال له أنت هتكت ستر آدم وعزتى وجلالى
لا جعلنك حجرا ألا ترى انه جاء فى الحديث ان الحجر الاسود يأتى يوم القيامة
وله يد ولسان وأذن وعين لانه كان فى الابتداء ملكا* قال وهب ان آدم لما صار
بمكة حرسه الله وحرس تلك الخيمة بالملائكة يحرسونه ويذودون عنه سكان الارض
وسكانها يومئذ الجنّ والشياطين فلا ينبغى لهم أن ينظروا الى شىء من الجنة
لانّ من ينظر الى شىء من الجنة وجبت له الجنة والارض يومئذ طاهرة نقية طيبة
لم تنجس ولم يسفك فيها الدماء ولم تعمل فيها الخطايا فمن أجل ذلك جعلها
الله مستقرّ الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا فى السماء يسبحون الليل
والنهار لا يفترون وكان موقفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستديرا محيطا
بالحرم والحل كله من خلفهم والحرم كله دونهم* وقال ابن عباس ان للحرم حرمة
البيت الى السموات ثم الى العرش والى الارض السفلى فلا يجوزها جنّ ولا
شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الله الحرم حتى اليوم ووضعت أعلامه حيث كان
مقام الملائكة* وفى مناسك السروجى أوّل من حدّد الحرم آدم عليه السلام خوفا
من الشياطين فخفت ملائكة على حدوده تمنع الشياطين ثم حدّده ابراهيم عليه
السلام وجبريل يريه مواضعه ثم قضىّ ثم أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم كعب
بن أسد بذلك ثم حدّده عمر ثم عثمان ثم معاوية رضى الله عنهم ثم عبد الملك
بن مروان لما حج قال أبو جعفر الهندوانى مقدار الحرم من جانب المشرق ستة
أميال ومن الجانب الثانى اثنا عشر ميلا قال صاحب المحيط وفيه نظر فان ذلك
هو التنعيم قريب من ثلاثة أميال ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ومن
الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلا وحدّه المحرّر من طريق المدينة دون
التنعيم عند بيوت نفار بكسر النون وبالفاء على ثلاثة أميال ومن طريق اليمن
اضاة لبن فى ثنية لبن على وزن قناة ولبن بكسر اللام وبالباء الموحدة على
سبعة أميال ومن طريق العراق على ثنية جبل
(1/91)
بالمنقطع على سبعة أميال ومن طريق
الجعرّانة فى شعب آل عبد الله بن خالد على تسعة أميال بالتاء قبل السين ومن
طريق جدّة منقطع الاعشاش جمع عش على عشرة أميال ومن طريق الطائف على عرفات
من بطن نمرة على سبعة أميال هكذا ذكره الازرقى وجماعة غير أن الازرقى قال
فى حدّه من طريق الطائف أحد عشر ميلا وأكثرهم قالوا سبعة أميال قال وان
خيمة آدم لم تزل فى مكانها حتى قبض الله آدم ثم رفعها الله وبنى بنو آدم
بعده فى موضعها بيتا من الطين والحجارة فلم يزل معمورا يعمرونه هم ومن
بعدهم حتى كان زمن الطوفان فنسفه الغرق وقيل الذى عمرها من أولاده شيث
فانطمس فى الطوفان ومكانها تل أحمر ولما غرق خفى مكانه حتى بعث الله خليله
ابراهيم عليه السلام وطلب الاساس الذى وضعه بنو آدم فى موضع الخيمة فوجد
فرفع القواعد وان حوّاء هبطت بجدّة وهى ساحل مكة وحرم الله عليها دخول
الحرم والنظر الى خيمة آدم والى شىء من مكة من أجل خطيئتها التى أخطأتها
ويقال أردت أن تدخل معه فمنعها آدم وقال اليك عنى حرمت الجنة بسببك فتريدين
أن تحرمينى هذا وقال وهب كان آدم اذا أراد لقاءها ليلم بها للولد خرج من
الحرم كله حتى يلقاها فى الحل ولم تزل مكة دار آدم مذ نزلها الى أن توفاه
الله تعالى* وفى الاكتفاء ان شيث بن آدم هو أوّل من بنى الكعبة وانها كانت
قبل أن يبنيها خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم يأنس بها لانها أنزلت
اليه من الجنة فرفعت وكان قد حج الى موضعها من الهند* وفى الخبر أن موضعها
كان غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والارض فلما بدأ الله خلق
الاشياء خلق التربة قبل السماء فلما خلق السماء وقضاهنّ سبع سموات دحا
الارض أى بسطها وانما دحاها من تحت الكعبة فلذلك سميت مكة أمّ القرى* وقال
وهب بن منبه خلق الله الكعبة قبل سائر الارض بألفى عام وخلق الله الارض قبل
آدم بألفى عام ودحيت الارض من تحت البيت المعمور من موضع الكعبة قبل أن
تكون الكعبة ونشر السماء من فوقه وقد مرّ فى أوّل الكتاب مثله تزور
الملائكة الكعبة كل يوم سبعون ألفا لا يعودون اليها أبدا وفى كل ليلة كذلك
وكان ابتداء حجهم الكعبة قبل آدم بألفى عام كذا فى بحر العلوم* وذكر ابن
هشام أن الماء لم يصل الكعبة حين الطوفان ولكن قام حولها وبقيت هى فى هواء
الى السماء وان نوحا قال لاهل السفينة وهى تطوف بالبيت الكريم انكم فى حرم
الله وحول بيته فأحرموا لله ولا يمس أحد امرأة وجعل بينهم وبين النساء
حاجزا فتعدّى حام فدعا عليه بأن يسوّد الله ذرّيته فأجابه الله على وفق ما
دعا واسودّ كوش بن حام وولده الى يوم القيامة وقد مرّ نحوه وقد قيل فى سبب
دعوته غير هذا* ويروى أنه لما نضب ماء الطوفان بقى مكان البيت ربوة من مدرة
فحج اليه بعد ذلك هود وصالح ومن آمن معهما وأن يعرب قال لهود عليه السلام
ألا تبنيه قال انما يبنيه نبى كريم يأتى من بعدى يتخذه الرحمن خليلا قال
أبو الجهم من حديث الواقدى حتى أراد الله بابراهيم ما أراد فولد له اسماعيل
وهو ابن تسعين سنة فكان بكر أبيه* وقال أهل الاخبار ان هاجر كانت لسارة
فوهبتها لابراهيم اذ لم يولد له ولد منها وقالت عسى الله أن يرزقك منها
ولدا فحملت هاجر باسماعيل فلما ولدته كان نور محمد صلّى الله عليه وسلم
لامعا من جبهته كما مرّ فغارت سارة وقيل ان ابراهيم أخبر سارة بأن الله
وعده أن يرزقه ولدا طيبا وكانت ترجو أن يكون الولد منها فلما حملت هاجر
باسماعيل وولدته وظهر نور محمد صلّى الله عليه وسلم فى وجهه اغتمت سارة
وحزنت حزنا شديدا وغارت عليها غيرة ضاق بها صدرها فناشدت ابراهيم أن يخرجها
من عندها وجوارها فأوحى الله تعالى الى ابراهيم أن يطيع سارة فى كل ما تقول
وتأمر فى هاجر واسماعيل وحلفت سارة على أن تقطع ثلاثة من أعضاء هاجر فلما
علمت به هاجر تمنطقت وتهيأت للفرار* قال ابن عباس أوّل من اتخذ من النساء
المنطقة أمّ اسماعيل
(1/92)
اتخذت منطقا ليعفى أثرها على سارة فأمر
ابراهيم سارة ان تبرّ قسمها بثقب أذنيها وخفاضها ففعلت فصار ثقب الاذان
والخفاض سنة فى النساء كذا فى شفاء الغرام* وفى الانس الجليل غارت منها
سارة فحلفت أن تملأ يدها من دمها فقال ابراهيم خدنيها واختنيها لكى يكون
سنة بعد كما وتتخلصين من يمينك ففعلت فكانت هاجر أوّل من اختتنت من النساء
وابراهيم أوّل من اختتن من الرجال* وقال السهيلى هاجر أوّل امرأة ثقبت
اذنها وأوّل من خفض من النساء وأوّل من جرّ ذيلها ومع ذلك لم يسكن جاش سارة
ولم تزل تغير عليها وتغتم حتى آل الامر الى أن هاجر ابراهيم بهاجر واسماعيل
الى الارض التى هى الآن حرم مكة* وفى العرائس قال العلماء من أهل الكتب
حملت سارة باسحاق وقد كانت هاجر حملت باسماعيل فوضعتا معا ومشى الغلامان
ينتضلان وكان ابراهيم قد سابق بينهما فسبق اسماعيل اسحاق فأخذه ابراهيم
وقبله ووضعه على ركبته فقالت له سارة تجلس اسماعيل على ركبتك دون ولدى
اسحاق ولى عليك أن لا تسوءنى ولا تغايرنى وأخذها ما يأخذ النساء من الغيرة
فحلفت أن لا بدّ لها ما تغير خلقها ولتقطعنّ بضعة منها فلما سكن غضبها وثاب
اليها عقلها ندمت على ما كان منها من اليمين وبقيت حائرة فى ذلك فقال لها
ابراهيم اخفضيها واثقبى أذنيها ففعلت فصار ذلك سنة فى النساء قالوا ثم ان
اسماعيل واسحاق اقتتلا ذات يوم كما يفعله الصبيان فغضبت سارة على هاجر
وقالت لا تساكنينى بعد يومك هذا ثم أمرت ابراهيم أن يحوّلها ويغرّبها فأوحى
الله الى ابراهيم أن ائت بهاجر وابنها الى مكة ففعل وسيأتى التصريح بأن
اسماعيل أكبر من اسحاق* وفى الاكتفاء لما أراد الله عز وجل أن يبوّئ
لابراهيم مكان البيت وأعلامه أوحى اليه يأمره بالمسير الى بلده الحرام فركب
ابراهيم البراق وحمل اسماعيل أمامه وهو ابن سنتين وقيل وهى ترضعه وهاجر
خلفه ومعه جبريل يدله على موضع البيت ومعالم الحرم* وفى زبدة الاعمال عن
عثمان بن ساج قال بلغنا والله أعلم أن ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام عرج
به الى السماء فنظر الى الارض مشارقها ومغاربها وذلك قوله تعالى وكذلك نرى
ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين فاختار موضع الكعبة فقالت
له الملائكة يا خليل الرحمن اخترت حرم الله فى الارض قال فبناه من حجارة
سبعة أجبل ويقال خمسة فكانت الملائكة تأتى بالحجارة الى ابراهيم عليه
السلام من تلك الجبال* وفى تفسير القشيرى وحياة الحيوان وغيرهما أن ابراهيم
لما هاجر بولده اسماعيل وأمّ ولده هاجر الى مكة مرّ على قوم من العمالقة
فوهبوا لاسماعيل عشرة أعنز فجميع أعنز مكة من نسلها* وفى الاكتفاء كان لا
يمرّ بقرية الا قال ابراهيم بهذه أمرت يا جبريل فيقول لا حتى قدم به مكة
وهى اذ ذاك عضاه وسلم وسمر والعماليق يومئذ حول الحرم وهم أوّل من نزل مكة
ويسكنون بعرفة وكانت المياه يومئذ قليلة وكان موضع البيت قد دثر وهو ربوة
حمراء مدرة وهو مشرف على ما حوله فقال جبريل حين دخل من كداء وهو الجبل
الذى يطلعك على الحجون والمقبرة بهذا أمرت قال ابراهيم بهذا أمرت قال نعم
فانتهى الى موضع البيت فعمد ابراهيم الى موضع الحجر فآوى فيه هاجر واسماعيل
وأمر هاجر أن تتخذ عريشا* وفى معالم التنزيل فوضعهما ابراهيم عند البيت عند
دوحة فوق زمزم فى أعلا المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ولا عمارة
ولا زراعة* وفى رواية وضعهما عند تل ستبنى الكعبة عليه* وفى الاكتفاء فلما
أراد ابراهيم أن يخرج ورأت أمّ اسماعيل أنه ليس بحضرتها أحد من الناس ولا
ماء ظاهر تركت ابنها فى مكانه وتبعت ابراهيم فقالت يا ابراهيم الى من تدعنا
فسكت عنها حتى اذا دنا من كداء قال الى الله عز وجل أدعكم قالت فالله أمرك
بهذا قال نعم قالت فحسبى تركتنا الى كاف وانصرفت هاجر الى ابنها وخرج
ابراهيم حتى وقف على
(1/93)
كداء ولا بناء ولا ظل ولا شىء يحول دون
ابنه فنظر اليه فأدركه ما يدرك الوالد من الرحمة لولده فقال ربنا انى أسكنت
من ذرّيتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل
أفئدة من الناس تهوى اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون* وفى رواية
فانطلق ابراهيم حتى اذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه الى
البيت بهذه الدعوات* وعن مجاهد لو قال أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس
والروم* وفى الكشاف قيل لو لم يقل من لازدحموا عليها حتى الروم والترك
والهند* وفى أنوار التنزيل لحجت اليهود والنصارى والمجوس* وفى الاكتفاء ثم
انصرف ابراهيم راجعا الى الشام ورجعت أمّ اسماعيل الى ابنها وعمدت هاجر
فجعلت عريشا فى موضع الحجر من سمر وثمام ألقته عليه ومعها شنّ فيه ماء* وفى
رواية وضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء* وفى الاكتفاء فلما نفد
الماء عطش اسماعيل وعطشت أمّه فانقطع لبنها فأخذ اسماعيل كهيئة الموت فظنت
أنه ميت فجزعت وخرجت جزعا أن تراه على تلك الحالة وقالت يموت وأنا غائبة
عنه أهون علىّ وعسى الله أن يجعل لى فى ممشاى خيرا فانطلقت فنظرت الى جبل
الصفا فأشرفت عليه تستغيث ربها وتدعوه ثم انحدرت الى المروة فلما كانت فى
الوادى خبت حتى انتهت الى المروة* وفى رواية لما بلغت بطن الوادى غاب الولد
عن عينها فرفعت طرف درعها ثم سعت سعى الانسان المجهود حتى جاوزت الوادى ثم
أتت المروة فقامت عليها قال ابن عباس قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلذلك
سعى الناس بينهما يعنى صار ذلك من شعائر الحج* وفى الاكتفاء فعلت ذلك مرّات
كلما أشرفت على الصفا نظرت الى ابنها فتراه على حاله واذا أشرفت على المروة
فمثل ذلك وكان ذلك أوّل سعى بين الصفا والمروة وكان من قبلها يطوفون بالبيت
ولا يسعون بين الصفا والمروة ولا يقفون المواقف حتى كان ابراهيم فلما كان
الشوط السابع ويئست سمعت صوتا فاستمعت فلم تسمع الا الاوّل فظنت أنه شىء
عرض لسمعها من الظمأ والجهد فنظرت الى ابنها فاذا هو يتحرّك فأقامت على
المروة ثم سمعت الصوت الاوّل فقالت انى سمعت صوتك فأعجبنى فان كان عندك خير
فأغثنى فانى قد هلكت وهلك ما عندى* وفى رواية قالت أيها الذى قد سمعت ان
كان عندك غوث فأغثنى وكان الصائت جبريل انتهى فخرج الصوت يصوّت بين يديها
وخرجت تتلوه قد قويت له نفسها حتى انتهى الصوت عند رأس اسماعيل ثم بدا لها
جبريل فانطلق بها حتى وقف على موضع زمزم فضرب بعقبه مكان البئر فظهر الماء
فوق الارض حين فحص بعقبه* وفى الحدائق فبحث بعقبه أو قال بجناحه على شك
الراوى وفارت بالرواء وجعلت أمّ اسماعيل تحظر الماء بالتراب وتحوضه خشية أن
يفوتها قبل أن تأتى بشنها فاستقت وبادرت الى ابنها فسقته* قال ابن عباس قال
النبىّ صلّى الله عليه وسلم يرحم الله أمّ اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو
لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا* وفى الاكتفاء فشربت فاذا ثدياها
يتقطران لبنا فكان ذلك اللبن طعاما وشرابا لاسماعيل وكانت تجتزى بماء زمزم
فقال الملك لا تخافى أن ينفد هذا الماء وأبشرى فان ابنك سيشب ويأتى أبوه من
الشام فيبنون هاهنا بيتا يأتيه عباد الله من أقطار الارضين ملبين لله جل
ثناؤه شعثا غبرا فيطوفون به ويكون هذا الماء شرا بالضيفان الله عز وجل
الذين يزورون بيته فقالت فى جوابه بشرك الله بكل خير وطابت نفسها وحمدت
الله تعالى وأقبل غلامان من العماليق يريد ان بعيرا لهما ما أخطأ هما وقد
عطشا وأهلهما بعرفة فنظر الى طير تهوى قبل الكعبة فاستنكرا ذلك وقالا أنى
يكون الطير على غير ماء فقال أحدهما لصاحبه أمهل حتى نبرد ثم نسلك فى مهوى
الطير فأبردا ثم تروّحا فاذا الطير ترد وتصدر فاتبعا الواردة منها حتى وقفا
على أبى قبيس فنظر الى الماء والى العريش فنزلا وكلما هاجر وسألاها متى
نزلت فأخبرتهما وقالا لمن هذا الماء فقالت لى ولا بنى فقالا من حفره فقالت
سقانا الله عز وجل فعرفا أن
(1/94)
أحدا لا يقدر أن يحفر هناك ماء وعهدهما بما
هناك قريب وليس به ماء فرجعا الى أهلهما من ليلتهما فأخبراهم فتحوّلوا حتى
نزلوا معها على الماء فأنست بهم ومعهم الذرّية فنشأ اسماعيل مع ولد انهم
وكان ابراهيم يزور هاجر فى كل شهر على براق يغدو غدوة فيأتى مكة ثم يرجع
فيقيل فى منزله بالشام فزارها بعد ونظر الى من هناك من العماليق والى
كثرتهم وغمارة الماء فسرّ بذلك ولما بلغ اسماعيل أن يسعى مع ابراهيم فى
أشغاله ويعينه فى حوائجه وأعماله وذلك حين كان ابن ثلاث عشرة سنة وقيل ابن
سبع سنين وقيل أربع سنين رأى ابراهيم فى المنام أنه يذبحه*
ذكر الاختلاف فى الذبيح
واختلف علماء الاسلام فى هذا الغلام الذى أمر ابراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل
الكتابين على أنه اسحاق فقال قوم انه اسحاق واليه ذهب من الصحابة عمر وعلىّ
وابن مسعود ومن التابعين وأتباعهم كعب وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة
وعطاء ومقاتل والزهرى والسدّى وهو رواية عن ابن عباس وقالوا كانت هذه القصة
بالشام* روى عن سعيد بن جبير أنه قال أرى ابراهيم ذبح اسحاق فى المنام فسار
به مسيرة شهر فى غدوة واحدة حتى أتى به الى المنحر بمنى فلما أمر بذبح
الكبش ذبحه وساربه مسيرة شهر فى روحة واحدة وطويت له الاودية والجبال وقال
آخرون هو اسماعيل واليه ذهب عبد الله بن عمر وهو قول سعيد بن المسيب
والشعبى والحسن البصرى ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظى والكلبى
وهو رواية عن عطاء بن أبى رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفسدّى
اسماعيل وكلا القولين يروى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم* حجة من قال
الذبيح اسحاق قوله تعالى فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعى أمر بذبح
من بشربه وليس فى القرآن أنه بشر بولد سوى اسحاق كما قال فى سورة هود
فبشرناها باسحاق وما روى فى الحديث يوسف بن يعقوب اسرائيل الله ابن اسحاق
ذبيح الله وما روى أن يعقوب لما بلغه أن بنيامين أخذ بمصر بعلة السرقة كتب
الى العزيز الريان وهو يومئذ يوسف* بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب
اسرائيل الله ابن اسحاق ذبيح الله وسيجىء تمامه* وحجة من قال ان الذبيح هو
اسماعيل أن الله ذكر البشارة باسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال
وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين فدل على أن المذبوح غيره وأيضا قال الله
تعالى فى سورة هود فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب وكما بشر ابراهيم
باسحاق بشر بابنه يعقوب فكيف يأمره بذبح اسحاق وقد وعد له نافلة منه* وفى
أنوار التنزيل ولان البشارة باسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا
يناسبها الامر بذبحه مراهقا ولان قرنى الكبش كانا منوطين بالكعبة فى أيدى
بنى اسماعيل الى أن احترق البيت واحترق القرنان فى أيام ابن الزبير والحجاج
ولم يكن اسحاق ثمة* قال الشعبى رأيت قرنى الكبش منوطين بالكعبة* وعن ابن
عباس قال والذى نفسى بيده لقد كان أوّل الاسلام وان رأس الكبش لمعلق بقرنيه
من ميزاب الكعبة وقد وخش يعنى يبس وصار رديئا* قال الاصمعى سألت عمرو بن
العلاء عن الذبيح اسحاق أو اسماعيل فقال يا أصيمع أين ذهب عقلك متى كان
اسحاق بمكة وانما كان اسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه ولان النبىّ
صلّى الله عليه وسلم قال أنا ابن الذبيحين يعنى جدّه اسماعيل وأباه عبد
الله حيث عرضه عبد المطلب على الذبح* قال ابن القيم ومما يدل على أن الذبيح
اسماعيل أنه لا ريب أن الذبح كان بمكة ولذا جعل القرابين يوم النحر بها كما
جعل السعى بين الصفا والمروة ورمى الجمرات بها تذكرة بشأن اسماعيل وأمّه
واقامة لذكر الله تعالى ومعلوم أن اسماعيل وأمّه هما اللذان بمكة دون اسحاق
وأمّه ولو كان الذبح بالشام كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقى عنهم لكانت
القرابين والنحر بالشام لا بمكة وروى ما ذكره المعافى بن زكريا أن عمر بن
عبد العزيز سأل رجلا أسلم من علماء اليهود أىّ ابنى ابراهيم
(1/95)
أمر بذبحه فقال والله يا أمير المؤمنين ان
اليهود ليعلمون أنه اسماعيل ولكنهم يحسدونكم معشر العرب أن يكون أبا لكم
للفضل الذى ذكر عنه فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه اسحاق لان اسحاق أبوهم كذا
فى المواهب اللدنية*
قصة الذبح
وأما قصة الذبح فقال السدّى لما دعا ابراهيم ربه فقال رب هب لى من الصالحين
وبشر به قال هو اذا ذبيح الله فلما ولد وبلغ معه السعى قيل له أوف بنذرك
هذا هو السبب فى أمر الله اياه بذبح ابنه فقال عند ذلك لاسماعيل انطلق نقرب
قربانا لله عز وجل وأخذ سكينا وحبلا وانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال فقال
له الغلام يا أبت أين قربانك فقال يا بنىّ انى أرى فى المنام أنى أذبحك
فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر* قال ابن اسحاق كان ابراهيم اذا
زار هاجر واسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة
فيبيت عند أهله بالشام حتى اذا بلغ اسماعيل معه السعى أمر فى المنام أن
يذبحه وذلك أنه رأى ليلة التروية كان قائلا يقول له ان الله يأمرك بذبح
ابنك هذا فلما أصبح روّى فى نفسه أى فكر من الصباح الى الرواح أمن الله هذا
الحلم أو من الشيطان فمن ثمة سمى يوم التروية فلما أمسى رأى فى المنام
ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فمن ثمة سمى يوم عرفة وقال مقاتل رأى
فى المنام ثلاث ليال متتابعات فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه قال ابن اسحاق
وغيره لما أمر ابراهيم بذلك قال لابنه خذ الحبل والمدية ننطلق الى هذا
الشعب نحتطب فأخذهما فانطلقا حتى اذا كان ببعض الطريق عرض لهما الشيطان*
وعن كعب الاحبار وابن اسحاق لما أمر ابراهيم بذبح ابنه قال الشيطان لئن لم
أفتن عند هذا آل ابراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل رجلا وأتى أمّ
الغلام فقال لها هل تدرين أين ذهب ابراهيم بابنك قالت ذهب به يحتطبان من
هذا الشعب قال لا والله ما ذهب به الا ليذبحه قالت كلا هو أرحم به وأشدّ
حبا من ذلك قال انه يزعم أن الله أمره بذلك قالت فان كان ربه أمره بذلك فقد
أحسن أن يطيع ربه فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشى على أثر
أبيه فقال يا غلام هل تدرى أين يذهب بك أبوك قال نحتطب لاهلنا من هذا الشعب
قال والله ما يريد الا أن يذبحك قال ولم قال زعم أن ربه أمره بذلك قال
فليفعل ما أمره به ربه سمعا وطاعة فلما امتنع منه الغلام أقبل على ابراهيم
فقال له أين تريد أيها الشيخ قال أريد هذا الشعب لحاجة لى فيه قال والله
انى لأرى أن الشيطان قد جاءك فى منامك فأمرك بذبح ابنك هذا فعرفه ابراهيم
فقال اليك عنى يا عدوّ الله فو الله لأمضين أمر ربى فرجع ابليس بغيظه لم
ينل من ابراهيم وآله شيئا مما أراد وقد امتنعوا منه بعون الله عز وجل* وروى
أبو الطفيل عن ابن عباس أن ابراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا
المشعر فسابقه فسبقه ابراهيم ثم ذهب الى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه
بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب
ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى ابراهيم لامر
الله عز وجل فلما خلا بابنه فى شعب ثبير أخبره بما أمر به قال له ابنه يا
أبت افعل ما تؤمر ستجدنى ان شاء الله من الصابرين فلما أسلما أى انقادا
لامر الله تعالى وتله للجبين أى صرعه على الارض قال ابن عباس أضجعه على
جبينه على الارض* وفى أنوار التنزيل صرعه على شقه فوقع جبينه على الارض وهو
أحد جانبى الجبهة قالوا قال له ابنه الذى أراد ذبحه يا أبت أشد درباطى حتى
لا أضطرب واكفف عنى ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمى فينقص من أجرى وتراه
أمى فتحزن واشحذ شفرتك وأسرع مر السكين على حلقى فانه أهون علىّ فان الموت
شديد واذا أنيت أمى فاقرأ عليها السلام منى فان رأيت أن تردّ قميصى على أمى
فانه عسى أن يكون أسلى لها قال له ابراهيم نعم العون أنت يا بنىّ على أمر
الله ففعل ابراهيم ما وصاه به ابنه ثم أقبل ابراهيم عليه فقبله وقد ربطه
وهو يبكى والابن يبكى وقد فتحت أبواب السماء والملائكة ينظرون ويبكون
ويقولون حق له أن
(1/96)
يتخذه الله خليلا ثم انه وضع السكين على
حلقه فلم يحز السكين فشحذه بالحجر مرّتين أو ثلاثا حتى صار كشعلة النار وكل
ذلك لم يقطع* وفى أنوار التنزيل روى أنه أمرّ السكين بقوّته على حلقه مرارا
فلم يقطع* قال السدّى ضرب الله صفيحة من نحاس على حلقه فقال الابن عند ذلك
يا أبت كبنى على وجهى لئلا ترى فىّ تغيرا فتدركك رقة فتحول بينك وبين أمر
الله وأنا لا أنظر الى الشفرة فأجزع ففعل ذلك ابراهيم ثم وضع السكين على
قفاه فانقلب السكين وكان ذلك عند الصخرة بمنى أوفى الموضع المشرف على مسجده
أو المنحر الذى ينحر فيه اليوم ونودى أن يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا فنظر
ابراهيم فاذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن فقال هذا فداء لابنك فاذبحه
دونه فكبر جبريل وكبر الكبش وكبر ابراهيم وكبر ابنه فأخذ ابراهيم الكبش
وأتى به المنحر من منى فذبحه* قال أكثر المفسرين كان ذلك الكبش رعى فى
الجنة أربعين خريفا وعن ابن عباس الكبش الذى ذبحه ابراهيم هو الذى قرّبه
ابن آدم هابيل فتقبل منه قال الحسن ما فدى اسماعيل الابتيس من الاروى* وفى
أنوار التنزيل وعلى أهبط عليه من ثبير وروى أنه هرب منه عند الجمرة فرماه
بسبع حصيات حتى أخذه فصار سنة*
تزوّج اسماعيل وزيارة أبيه ابراهيم له
وفى الاكتفاء ولما بلغ اسماعيل عليه السلام مبلغ الرجال تزوّج امرأة من
العماليق فجاء ابراهيم زائرا لاسماعيل واسماعيل فى ماشيته يرعاها ويخرج
متنكبا قوسه فيرمى الصيد مع رعيته فجاء ابراهيم عليه السلام الى منزله فقال
السلام عليكم يا أهل البيت فسكتت فلم تردّ الا أن تكون ردّت فى نفسها فقال
هل من منزل فقالت لا وهائم الله اذا قال فكيف طعامكم وشرابكم وشاؤكم فذكرت
جهدا فقالت أما الطعام فلا طعام وأما الشاة فانما نحلب الشاة بعد الشاة
المصرّاة وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ قال فأين رب البيت قالت فى حاجته
قال فاذا جاء فأقريه السلام وقولى له غير عتبة بيتك ثم رجع ابراهيم الى
منزله وأقبل اسماعيل راجعا الى منزله بعد ذلك بما شاء الله عز وجل فلمّا
انتهى الى منزله سأل امرأته هل جاءك أحد فأخبرته بابراهيم وقوله وما قالت
له* وفى رواية قالت جاءنى شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة بشأنه ففارقها وأقام
ما شاء الله أن يقيم وكانت العماليق هم ولاة الحكم بمكة فضيعوا حرمة الحرم
واستحلوا منه أمورا عظاما ونالوا ما لم يكونوا ينالون فقام فيهم رجل منهم
يقال له عموق فقال يا قوم أبقوا على أنفسكم فقد رأيتم وسمعتم من أهلك من
هذه الامم فلا تفعلوا وتواصلوا ولا تستخفوا بحرم الله عز وجل وموضع بيته
فلم يقبلوا ذلك منه وتمادوا فى هلكة أنفسهم ثم ان جرهما وقطورا وهما ابنا
عم خرجوا سيارة من اليمن أجدبت البلاد عليهم فساروا بذراريهم وأموالهم فلما
قدموا مكة رأوا فيها ماء معينا وشجرا ملتفا ونباتا كثيرا وسعة من البلاد
ودفئا فى الشتاء فقالوا ان هذا الموضع يجمع لنا ما نريد فأعجبهم ونزلوا به
وكان لا يخرج من اليمن قوم الا ولهم ملك يقيم أمرهم سنة فيهم جروا عليها
واعتادوها ولو كانوا نفرا يسيرا فكان مضاض بن عمرو على قومه من جرهم وكان
على قطورا السميدع بن هوثر فنزل مضاض بجرهم أعلا مكة وكان حوزهم وجه الكعبة
الركن الاسود والمقام وموضع زمزم مصعدا يمينا وشمالا وقيقعان الى أعلا
الوادى ونزل السميدع بقطورا أسفل مكة وأجيادا وكان حوزهم ظهر الكعبة والركن
اليمانى والغربى والاجيادين والثنية الى الرمضة فلما جازوا ذهبت العماليق
الى أن ينازعوهم أمرهم فعلت أيديهم على العماليق وأخرجوهم من الحرم كله
فصاروا فى أطرافه لا يدخلونه وجعل مضاض والسميدع يقطعان المنازل لمن ورد
عليهما من قومهما فكثروا وأثروا فكان مضاض يعشر كل من دخل مكة من أعلاها
والسميدع بعشر كل من دخل من أسفلها وكلّ على قومه لا يدخل أحدهما على صاحبه
وكانوا عربا وكان اللسان عربيا ونشأ اسماعيل فيهم وأخذ بلسانهم وتعلم
العربية منهم وكان أنفسهم وأعجبهم وكان ابراهيم يزور اسماعيل فلما نظر الى
جرهم نظر الى لسان
(1/97)
عجيب واعراب وسمع كلاما حسنا فقول ابن عباس
أوّل من تكلم بالعربية اسماعيل فالمراد منه أنه أوّل من تكلم بالعربية
الفصيحة البليغة اسماعيل ومع أنه تعلم أصل اللغة منهم فاقهم فى الفصاحة
والبلاغة ونظر اسماعيل الى رعلة بنت مضاض بن عمرو فأعجبته فحطبها الى أبيها
فتزوّجها فجاء ابراهيم زائرا لاسماعيل فجاء الى بيت اسماعيل فقال السلام
عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته فقامت اليه المرأة فردّت عليه ورحبت به
فقال كيف عيشكم ولبنكم وماشيتكم فقالت خير عيش نحمد الله عز وجل نحن فى لبن
كثير ولحم كثير وماء طيب قال هل من حب قالت يكون ان شاء الله ونحن فى نعم
قال بارك الله لكم قال أبو الجهم فكان أبى يقول ليس أحد يخلى عن اللحم
والماء بغير مكة الا اشتكى بطنه ولعمرى لو وجد عندها حبا لدعا فيه بالبركة
فكانت أرض زرع ويقال ان ابراهيم قال لها ما طعامكم قالت اللحم واللبن قال
فما شرابكم قالت اللبن والماء قال بارك الله لكم فى طعامكم وشرابكم فاللبن
طعام وشراب قالت فانزل رحمك الله فاطعم واشرب قال انى لا أستطيع النزول
قالت فانى أراك شعثا أفلا أغسل رأسك وأدهنه قال بلى ان شئت فجاءته بالمقام
وهو يومئذ حجر رطب أبيض مثل المهاة ملقى فى بيت اسماعيل فوضع عليه قدمه
اليمنى وقدّم اليها رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الايمن فلما فرغت
حوّلت له المقام حتى وضع عليه قدمه اليسرى وقدّم اليها رأسه فغسلت بشق رأسه
الايسر فالاثر الذى فى المقام من ذلك* قال أبو الجهم فقد رأيت موضع العقب
والاصبع وعن الواقدى من غير حديث أبى الجهم أن أبا سعيد الخدرى سأل عبد
الله بن سلام عن الاثر الذى فى المقام فقال كانت الحجارة على ما هى عليه
اليوم الا أن الله جل ثناؤه أراد أن يجعل المقام آية من آياته قال أبو
الجهم فلما فرغت يعنى المرأة من غسل رأس ابراهيم عليه السلام قال لها اذا
جاء اسماعيل فقولى له أثبت عتبة بابك فان صلاح المنزل العتبة فلما جاء
اسماعيل قال لها هل جاءك أحد بعدى فأخبرته بابراهيم وما صنعت به ثم قال هل
قال لك أن تقولى شيئا قالت قال لى أثبت عتبة بابك فان صلاح المنزل العتبة
ففرح اسماعيل وقال أتدرين من هو قالت لا قال هذا خليل الله ابراهيم أبى
وأما قوله أثبت عتبة بابك فقد أمرنى أن أقرّك وقد كنت علىّ كريمة وقد ازددت
علىّ كرامة فصاحت وبكت فقال مالك قالت أن لا أكون علمت من هو فأكرمه وأصنع
به غير الذى صنعت فقال لها اسماعيل لا تبكى ولا تجزعى فقد أحسنت ولم تسكونى
تقديرين أن تفعلى فوق الذى فعلت ولم يكن ليزيدك على الذى صنع بك فولدت
لاسماعيل عشرة ذكور نابت أحدهم كذا فى الاكتفاء وشفاء الغرام* وفى سيرة ابن
هشام عن محمد بن اسحاق قال ولد اسماعيل بن ابراهيم اثنا عشر رجلا وهم نابت
وكان أكبرهم وقيدر واذبل ومنشى ومشمع وماشى وذما وأزد وطيما وأيطور ونبش
وقيذما وأمّهم بنت مضاض بن عمرو الجرهمى قال ابن هشام ويقال مضاض وجرهم من
قحطان وقحطان أبو اليمن كلها واليه يجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد
بن سام بن نوح وقال ابن اسحاق جرهم بن يقطن بن عيبر بن شالخ وقحطان بن عيبر
بن شالخ وقال ابن هشام العرب كلها من اسماعيل وقحطان وبعض اليمن يقول قحطان
من ولد اسماعيل ويقول اسماعيل أبو العرب كلها
بناء الكعبة
فلما بلغ اسماعيل ثلاثين سنة وقيل عشرين وقيل ستا وعشرين وابراهيم يومئذ
ابن مائة سنة وهو بالشام أوحى الله عز وجل اليه أن ابن لى بيتا قال ابراهيم
رب أين أبنيه فأوحى الله اليه أن اتبع السكينة وهى ريح لها وجه وجناحان ومع
ابراهيم الملك والصرد فانتهوا بابراهيم الى مكة فنزل اسماعيل الى الموضع
الذى بوّأه الله عز وجل ابراهيم* وفى رواية بعث الله السكينة لتدله على
موضع البيت وهى ريح خجوج لها رأسان شبه الحية يتبع أحدهما صاحبه وأمر
ابراهيم أن يبنى حيث تستقرّ السكينة فتبعها ابراهيم حتى أتيا مكة فتطوّقت
السكينة على موضع
(1/98)
البيت كتطوّق الحية فكنت ما حول البيت عن
الاساس هذا قول علىّ* وفى حياة الحيوان قيل لما خرج ابراهيم من الشأم لبناء
البيت كانت السكينة معه والصرد دليله على موضع البيت والسكينة بمقداره فلما
صار الى الموضع وقفت السكينة على موضع البيت ونادت ابن يا ابراهيم على
مقدار ظلّى* وقال ابن عباس بعث الله سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير
وابراهيم يمشى فى ظلها الى أن وافت مكة ووقفت على موضع البيت فنودى منها يا
ابراهيم أن ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص كذا فى الكشاف* وفى رواية أن
ابراهيم لما أمر بالبناء أقبل من أرمينية على البراق ومعه السكينة وهى ريح
هفافة أى ساكنة طيبة لها وجه يتكلم ومعها ملك يدلها على موضع البيت حتى
انتهى الى مكة وبها اسماعيل وهو يومئذ ابن عشرين أو ثلاثين سنة وقد توفيت
أمّه قبل ذلك ودفنت فى موضع الحجر* وفى زبدة الاعمال قال ابن جريج ماتت أمّ
اسماعيل قبل أن يرفع البيت ابراهيم واسماعيل ودفنت فى موضع الحجر* وفى
الاكتفاء وموضع البيت ربوة حمراء مدرة مشرفة على ما حولها فحفر ابراهيم
واسماعيل عليهما السلام وليس معهما غيرهما* وفى العمدة وقيل يعينه سبعة
أملاك انتهى فحفرا أساس البيت يريدان أساس آدم الاوّل فحفرا عن ربض البيت
يعنى حوله فوجدا صخارا عظاما كل صخرة لا يطيقها الا ثلاثون رجلا وحفرا حتى
بلغا أساس آدم ثم بنيا عليه وحلقت السكينة أو قال طوّقت كأنها سحابة على
موضع البيت فقالت ابن علىّ فلذلك لا يطوف بالبيت أحد أبدا نافر ولا جبار
الا رؤيت عليه السكينة فكان ابراهيم يبنى واسماعيل ينقل الحجارة على رقبته
ويناوله* وفى العرائس كان اسماعيل عربيا وابراهيم عبرانيا فعلم الله هذا
لسان هذا فكان ابراهيم يقول لاسماعيل بالعبرانية هات لى كببا أى هات لى
حجرا فيقول اسماعيل هاك فخذه فلما ارتفع البناء قرّب له المقام فكان
ابراهيم يقوم عليه ويبنى ويحوّله اسماعيل فى نواحى البيت* وفى أنوار
التنزيل واسماعيل كان يناوله الحجر لكنه لما كان له مدخل فى البناء عطف
عليه فى الآية وهى واذ يرفع ابراهيم للقواعد من البيت واسماعيل وقيل كانا
يبنيان فى الطرفين أو على التناوب قال ابن عباس انما بنى البيت من خمسة
أجبل طور سيناء وطور زيتاء ولبنان وهو جبل بالشأم والجودى وهو جبل بالجزيرة
وبنيا قواعده من حراء وهو جبل مكة كذا فى الكشاف الا أن فيه أسسه من حراء
بدل وبنيا قواعده ويروى أنه أسس البيت من ستة أجبل أبى قبيس والطور والقدس
وورقان ورضوى وأحد وقيل من خمسة أجبل من حراء وثبير ولبنان والطور والجبل
الاحمر والله أعلم* وفى الاكتفاء فبنى ابراهيم واسماعيل البيت فجعل طوله فى
السماء تسعة أذرع وعرضه ثلاثين ذراعا وهو خلاف المتعارف وطوله فى الارض
اثنين وعشرين ذراعا وأدخل الحجر وهو سبعة أذرع فى البيت وكان قبل ذلك زر
بالغنم اسماعيل* وفى البحر العميق ويسمى الحجر حظيرة اسماعيل لان الحجر قبل
بناء الكعبة كان زر بالغنم اسماعيل* قال أبو الوليد الازرقى جعل ابراهيم
الخليل عليه السلام طول بناء الكعبة فى السماء تسعة أذرع وطولها فى الارض
ثلاثين ذراعا وعرضها فى الارض ثلاثة وعشرين ذراعا وكانت غير مسقفة كذا فى
ايضاح المناسك* وفى تشويق الساجد جعل ابراهيم واسماعيل طول بناء الكعبة فى
السماء تسعة أذرع وطولها فى الارض من الركن الاسود الى الركن العراقى الذى
عند الحجر من صوب المشرق ويسمى الركن الشامى أيضا اثنين وثلاثين ذراعا وجعل
عرض ما بين الركن العراقى الى الركن الشامى الذى عند الحجر من جهة المغرب
ويسمى الركن العراقى أيضا اثنين وعشرين ذراعا وجعل طول ظهرها أى من الركن
الغربى الى الركن اليمانى أحدا وثلاثين ذراعا وجعل ما بين الركنين اليمانى
والاسود عشرين ذراعا فلذلك سميت الكعبة لانها على خلقة الكعب وكذلك بنيان
أساس ابراهيم وجعل بابها
(1/99)
ملصقا بالارض غير مبوّب وجعل الى جنب البيت
عريشا من أراك تقتحمه العنز وكان زر بالغنم اسماعيل* وفى الاكتفاء وانما
بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفا وجعل له بابا وحفر بئرا عند
بابه خزانة للبيت يلقى فيها ما أهدى للبيت* وفى البحر العميق قال ابن اسحاق
ان البئر التى كانت فى جوف الكعبة كان على يمين من دخلها وكان عمقها ثلاثة
أذرع حفرها ابراهيم واسماعيل ليكون فيها ما يهدى للكعبة وكان اسم البئر
أخسف وفى رواية هو الجب الذى نصب عليه عمرو بن لحىّ هبل الصنم الذى كان
قريش تعبده وتستقسم عنده بالازلام حين جاء به من الهيت أرض الجزيرة* قال
ابن هشام حدّثنى بعض أهل العلم أن عمرو بن لحىّ بن قمعة بن الياس خرج من
مكة الى الشام فى بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ
العماليق وهم ولد عملاق ويقال عمليق بن لاود بن سام بن نوح رآهم يعبدون
الاصنام فقال لهم ما هذه الاصنام التى أراكم تعبدون فقالوا له هذه أصنام
نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم أفلا تعطوننى منها
صنما فأسير به الى أرض العرب فيعبدونه فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة
فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه* قال ابن اسحاق يرفعه الى رسول الله صلّى
الله عليه وسلم أنه قال رأيت عمرو بن لحىّ يجرّ قصبه فى النار انتهى وجعل
ابراهيم الركن علما للناس فذهب اسماعيل الى الوادى يطلب حجرا ونزل جبريل
بالحجر الاسود وكان قد رفع الى السماء حين غرقت الارض كما رفع البيت فوضعه
ابراهيم موضع الركن وجاء اسماعيل بالحجر من الوادى فوجد ابراهيم قد وضع
الحجر فقال من أين لك هذا ومن جاءك به قال ابراهيم من لم يكلنى اليك ولا
الى حجرك* وفى رواية تمخض أبو قبيس فانشق عنه وقد خبئ فيه من أيام الطوفان
وكان ياقوته حمراء وقيل ياقوتة بيضاء من الجنة فلما مسته الحيض فى الجاهلية
اسودّ كذا فى الكشاف وقد مرّ مثله* وفى رواية وهو يومئذ يتلألأ تلألؤا من
شدّة بياضه فأضاء نوره شرقا وغربا ويمينا وشمالا وكان نوره يضىء الى منتهى
أنصاب الحرم من كل ناحية من نواحى الحرم* وفى حياة الحيوان عن عبد الله بن
عمر قال نزل الركن الاسود فوضع على أبى قبيس كأنه مهاة بيضاء فمكث أربعين
سنة ثم وضع على قواعد ابراهيم وعن الواقدىّ أيضا عن ابن الزبير أنه يقول ان
ابراهيم ابتغى الحجر فناداه من فوق أبى قبيس ألا أنا هذا وديعة فرقى
ابراهيم اليه فأخذه فوضعه فى موضعه الذى هو فيه اليوم وكان الله جل ثناؤه
لما غرقت الارض استودع أبا قبيس الركن وقال اذا رأيت خليلى يبنى لى بيتا
فأعطه الركن وعن غير ابن الزبير أن أبا قبيس لذلك كان يسمى فى الجاهلية
الامين لوفائه بما استودعه الله اياه ويروى أنه كان بين بنائه وبين أن يبعث
الله محمدا صلّى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف سنة*
(ذكر ذى القرنين الاكبر)
* يروى أن ذا القرنين قدم مكة وهما يبنيان فقال ما هذا فقالا نحن عبدان
مأموران بالبناء قال فهاتا البينة على ما تدّعيان فقامت خمسة أكبش فقلن
نشهد أن ابراهيم واسماعيل عبدان مأموران بالبناء فقال رضيت وسلمت ومضى* وفى
كتاب القرى عن عطاء بن السائب أنه قال ان ابراهيم عليه السلام رأى رجلا
يطوف بالبيت فأنكره فسأله ممن أنت قال من أصحاب ذى القرنين قال وأين هو قال
بالابطح فتلقاه ابراهيم واعتنقه فقيل لذى الفرنين لم لا تركب قال ما كنت
لأركب وهذا يمشى فحج ماشيا قاله الازرقى* وفى أنوار التنزيل والمدارك ذو
القرنين هو الاسكندر الرومى الذى ملك الدنيا قيل ملك الدنيا مؤمنان ذو
القرنين وسليمان وكافران نمروذ وبخت نصر وقيل كان بعد نمروذ قاله مجاهد
وقال ابن اسحاق لم يملك تمام الارض الا ثلاثة من الملوك نمروذ وذو القرنين
وسليمان* وفى المدارك أن شدّاد بن عاد أيضا ملك الدنيا* وفى أنوار التنزيل
ملك المعمورة* وفى المدارك قيل كان ذو القرنين عبدا صالحا ملكه الله الارض
وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة فاذا صار
(1/100)
يهديه النور من أمامه وتحوطه المظلمة من
ورائه* وفى الينابيع كان له علمان أبيض وأسود وجعل الله معجزته فيهما فجعل
ضوء النهار فى الابيض وظلمة الليل فى الاسود فاذا أراد الضوء والنهار فى
الليلة المظلمة ينصب العلم الابيض فيصير الليل مثل النهار المضىء واذا أراد
الظلمة والليل فى النهار ينصب العلم الاسود فيصير النهار مثل الليلة
المظلمة واذا أراد فى وقت المحاربة أن يلقى الظلمة فى عسكر العدوّ يفعل
فيكون النهار عليهم مظلما كالليل ويبقى الضياء والنهار فى عسكره فينهزم
العدوّ واذا سار يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه كما مرّ لئلا
يقدر على عسكره قاصد من ورائه* وفى المدارك قال عليه السلام بدء أمره أنه
وجد فى الكتب أن أحدا من أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير فى
طلبها والخضر وزيره وابن خالته وكان فى مقدّمته فظفر وشرب ولم يظفر ذو
القرنين* وفى الينابيع قال له شيخ انى قرأت فى وصية آدم لابنه شيث عليهما
السلام ان لله تعالى ظلمة على وجه الارض من جانب المغرب وفيها عين الحياة
فقصد جانب المغرب* وفى المدارك قيل كان ذو القرنين نبيا وقيل ملكا من
الملائكة وعن علىّ أنه قال ليس بملك ولا نبىّ ولكن كان عبدا صالحا ضرب على
قرنه الايمن فى طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الا يسر فمات
فبعثه الله فسمى ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه والاصح الذى عليه
الاكثرون أنه كان ملكا صالحا عادلا وانه بلغ أقصى المغرب والمشرق والشمال
وهذا هو القدر المعمور من الارض كذا فى لباب التأويل* وقال عليه السلام سمى
ذا القرنين لانه طاف قرنى الدنيا يعنى جانبيها شرقها وغربها وقيل كان له
قرنان أى ضفيرتان أو انقرض فى أيامه قرنان من الناس أو لانه ملك الروم
وفارس أو الروم والترك أو كان لناجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين أو
كان كريم الطرفين أبا وأمّا* وفى أنوار التنزيل يحتمل أنه نعت بذلك لشجاعته
كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه واختلف فى نبوّته مع الاتفاق على
ايمانة وصلاحه* وفى الينابيع ذكر الثعالبى فى تفسيره عن وهب بن منبه أن ذا
القرنين كان رجلا من الاسكندرية وكان ابن عجوزة ولم يكن من الاعيان لكن
تربى فى الادب وبلغ الفضل وكان له الحلم والمروءة والعفة والاخلاق الحميدة
رأى فى المنام أنه دنا من الشمس وأخذ بقرنيها أى جانبيها شرقها وغربها ولما
قص رؤياه قالوا له ذو القرنين* وفى العمدة كان اسم ذى القرنين الاسكندر من
ولد يونان بن تارخ بن يافث بن نوح* وفى معالم التنزيل اختلفوا فى اسم ذى
القرنين قيل اسمه مرزبان بن مرزبة اليونانى من ولد يونان بن يافث بن نوح
وقيل اسمه الاسكندر بن فيلقوس الرومى وكان ولد عجوزة ليس لها ولد غيره*
ونقل الامام فخر الدين الرازى فى تفسيره عن أبى الريحان السرورى المنجم أنه
من حمير واسمه أبو كرب شمس بن عمير بن أفرينس الحميرى قال أبو الريحان يشبه
أن يكون هذا القول أقرب لان الاذواء كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلو
أساميهم من ذى كذى المنار وذى نواس وذى النون وذى رعين وغيرهم واختلفوا فى
زمانه قيل كان فى زمن ثمود وكان عمره ألفا وستمائة سنة وقال وهب هو كان فى
فترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام* وفى المختصر الجامع ان ذا
القرنين اثنان أكبر وأصغر أما ذو القرنين الاكبر فهو المذكور فى القرآن هو
من ولد سام بن نوح ولقى ابراهيم وكان فى زمنه وطاف البلاد والخضر على
مقدّمته وبلغ معه نهر الحياة فشرب من ماء الحياة وهو لا يعلم فخلد وهو الآن
حىّ وهو قول الطبرى وسدّ على يأجوج ومأجوج وبنى الاسكندرية وقال ابن عباس
كان اسمه عبد الله بن الضحاك*
ذكر ذى القرنين الاصغر
وأما ذو القرنين الاصغر فهو الاسكندر اليونانى وهو الذى قتل دارا وسلب ملكه
وتزوّج بابنته واجتمع له الروم وفارس ولهذا سمى ذا القرنين ويقال انه دخل
الظلمات مما يلى القطب الشمالى وطلب عين الخلد وسار فيها ثمانية عشر يوما
ثم رجع الى العراق* وفى الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستانى
الاسكندر
(1/101)
الحكيم الرومى هو ذو القرنين الملك وليس هو
المذكور فى القرآن لان تعظيم الله اياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق
وصدق وذلك مما لا سبيل اليه بل هو ابن فيلقوس الملك وكان مولده فى السنة
الثالثة عشر من ملك دارا الاكبر سلمه أبوه الى أرسطاطاليس الحكيم المقيم
بمدينة ايثناش فأقام عنده خمس سنين يتعلم منه الحكمة والادب حتى بلغ أحسن
المبالغ ونال من الفلسفة مثل سائر تلامذته فاستردّه والده حين استشعر من
نفسه علة خاف منها فلما وصل اليه جدّد العهد له واستولت عليه العلة فتوفى
منها واستقل الاسكندر بأعباء الملك وله حكم كثيرة* وفى لباب التأويل ذكر
وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبدا
صالحا قال الله له انى باعثك الى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول
الارض احداهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك والاخرى عند مطلعها يقال لها
منسك وأمتان بينهما عرض الارض احداهما فى القطر الايمن يقال لها هاويل
والاخرى فى القطر الايسر يقال لها تأويل وأمم فى وسط الارض منهم الجنّ
والانس ويأجوج ومأجوج فقال ذو القرنين بأىّ قوّة أكابرهم وبأىّ جمع أكاثرهم
وباى لسان أناطقهم قال الله تعالى انى سأطوّقك وأبسط لسانك وأشدّ عضدك فلا
يهولنك شىء وألبسك الهيبة فلا يرو عنك شىء وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما
من جنودك فالنور يهديك من أمامك والظلمة تحوطك من ورائك فانطلق حتى أتى
مغرب الشمس فوجد جمعا وعددا لا يحصيه الا الله وهم ناسك فكابرهم بالظلمة
حتى جمعهم فى مكان واحد فدعاهم الى الله وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من
صدّ عنه فعمد الى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم
وبيوتهم فدخلوا فى دعوته فجند من أهل المغرب جندا عظيما وانطلق يقودهم
والظلمة تسوقهم حتى أتى هاويل ففعل بهم كفعله فى ناسك ثم مضى حتى أتى منسك
ففعل بهم كفعله بالامّتين وجند منهم جندا ثم أخذ ناحية الارض اليسرى فأتى
تاويل ففعل بهم كفعله فيما قبلها ثم عمد الى الامم التى فى وسط الارض فلما
كان مما يلى منقطع الترك مما يلى المشرق قالت له أمّة صالحة من الانس ياذا
القرنين ان بين هذين الجبلين خلقا أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش
كالسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذى روح خلق فى الارض وليس يزداد خلق
كزيادتهم فلا نشك أنهم سيملؤن الارض ويظهرون عليها فيفسدون فيها فهل نجعل
لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا قال ما مكنى فيه ربى خير فأعدوا لى
الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على
مقدار واحد يبلغ الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا لهم مخاليب وأضراس
كالسباع ولهم هلب شعر يوارى أجسادهم ويتقون به من الحرّ والبرد ولكل واحد
أذنان عظيمتان يفترش احداهما ويلتحف بالاخرى يصيف فى واحدة ويشتو فى أخرى
يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذو القرنين ذلك انصرف الى بين
الصدفين فقاس ما بينهما وحفر له الاساس حتى بلغ الماء فذلك قوله تعالى
قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون فى الارض* وفى أنوار التنزيل
فسار حتى اذا بلغ مغرب الشمس أى منتهى العمارة من نحو المغرب وكذا المطلع
وجدها تغرب فى عين حامئة أى حارّة أو حمئة من حمأت البئر اذا صارت فيها
الحمأة أى فى ماء وطين لعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك اذ لم يكن فى مطمح
بصره غير الماء وكذلك من كان فى البحر يرى فى مطمح بصره كأنها تغرب فى
البحر وكذلك من كان فى البرّ أو الجبل لا أن جرم الشمس تغرب فى عين اذ جرم
الشمس أكبر من أن يسعها عين ولا تتزايل عن فلكها ولذلك قال وجدها تغرب ولم
يقل وكانت تغرب ووجد عند تلك العين قوما كفّارا عراة من الثياب لباسهم جلود
الوحوش والصيد وطعامهم ما لفظه البحر فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل على
كفرهم وبين أن يحسن
(1/102)
اليهم بالارشاد وتعليم الشرائع ثم اتبع
سببا أى ظريقا يوصله الى المشرق فسار حتى اذا بلغ مطلع الشمس أى الموضع
الذى تطلع عليه الشمس أوّلا من معمورة الارض وجدها فى نظره تطلع على قوم لم
نجعل لهم من دونها سترا من اللباس أو البنيان فان أرضهم لا تمسك الابنية
وانهم اتخذوا الاسراب بدل الابنية ذكر أبو الليث كانوا عراة عماة عن الحق
فى مكان لا يستقرّ فيه البناء وليس فيه شجر ولا جبل* وقال قتادة هم الزنج
كانوا فى مكان لا ينبت فيه النبات كذلك أى كان أمر ذى القرنين فى أهل
المشرق كأمره فى أهل المغرب من التخيير والاختبار أو صفة هؤلاء القوم مثل
ذلك القوم الذى تغرب عليهم الشمس من الكفر والحكم أو أمر ذى القرنين كما
وصفناه فى رفعة المكان وبسطة الملك ثم اتبع طريقا ثالثا معترضا بين المشرق
والمغرب آخذا بين الجنوب والشمال فسار حتى اذا بلغ بين السدّين*
سدّ الاسكندر
فى أنوار التنزيل أى بين الجبلين المبنى بينهما سدّه وهما جبلا أرمينية
واذربيجان وقيل جبلان فى آخر الشمال فى منقطع أرض الترك منيفان من ورائهما
يأجوج ومأجوج* وفى المدارك وهذا المكان فى منقطع أرض الترك مما يلى المشرق*
وفى الينابيع هما جبلان قبل المشرق رفيعان بحيث يعجز الخلق عن صعودهما
وبلوغ قللهما وكان بينهما واد كبير ومن دونهما قوم لا يكادون يفقهون قولا
فقال مترجمهم لذى القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون فى الارض* عن الكلبى كانا
فيما يلى بنات نعش وقيل السدّ وراء بحر الروم وقيل بناحية أرمينية وقيل
ارتفاعه مقدار مائتى ذراع وعرضه خمسون ذراعا* وفى المدارك بعد ما بينهما
مائة فرسخ* وفى الينابيع جاء فى بعض الروايات طوله مائة فرسخ وعرضه خمسون
فرسخا* وفى رواية فرسخ فى فرسخ* وفى لباب التأويل قيل ان عرضه خمسون ذراعا
وارتفاعه مائة ذراع وطوله فرسخ* وفى أنوار التنزيل فحفر الاساس حتى بلغ
الماء وجعل الاساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد أى
القطع الكبار من الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلا الجبلين ثم وضع
فيه المنافيخ فنفخوا فيه حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليها فاختلط
والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا وقيل بناه من الصخر مرتبطا بعضها ببعض
بكلاليب من حديد ونحاس مذاب فى تجاويفها كذا فى أنوار التنزيل والمدارك*
وفى الينابيع عن الكلبى حفروا حتى وصلوا الماء فوضعوا قطعة من حديد وقطعة
من نحاس وقطعة من صفر بعضها فوق بعض يعنى سافا من حديد وسافا من نحاس وسافا
من صفر بعضها فوق بعض ووضعوا الحجارة فى وسطها والحطب فى خلالها حتى ارتفع
الى أعلا الجبل ثم وضعوا المنافيخ الكبار وكان يعمل فيه أربعون ألف عملة
فصار بناء رفيعا لا يقدر الطير أن يطير من أعلاه ثم نفخوا فيه حتى صار مثل
النار ثم صب عليه النحاس المذاب حتى سدّ التجاويف والثقب وجعلوه أملس حتى
لا يقدر على تسوّره وتركوه حتى برد فظهر فيه خطوط خط أسود من الحديد وخط
أحمر من النحاس وخط أصفر من الصفر*
ذكر يأجوج ومأجوج
وروى أن رجلا جاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى
رأيت ردم يأجوج ومأجوج يعنى السدّ قال صفه لى كيف هو أو قال كيف رأيته قال
كالبرد المحبر المخطط طريقة سوداء وطريقة حمراء وفى رواية قال طريقة بيضاء
وطريقة سوداء قال عليه السلام أجل رأيته* وفى أنوار التنزيل يأجوج ومأجوج
قبيلتان من ولد يافث بن نوح وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل* وقال
السدّى الترك طائفة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السدّ
فبقيت خارجة فسموا الترك بذلك لانهم تركوا خارجين وقيل كانوا يخرجون أيام
الربيع فلا يتركون شيئا أخضر الا أكلوه ولا يابسا الا حملوه وقيل كانوا
يأكلون الناس ولا يموت أحدهم حتى ينظر الى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل
السلاح وقيل هم على صنفين طوال مفرط الطول وقصار معرط القصر كذا فى المدارك
وعن
(1/103)
علىّ أنه قال منهم من طوله شبر ومنهم من هو
مفرط قى الطول وأخفاه تسحبان فى الارض واذا نام يفترش احداهما ويلتحف
بالاخرى* وفى ربيع الابرار عن ابن عباس يأجوج ومأجوج شبر وشبران وثلاثة
أشبار وهم من ولد آدم وقال كعب هم نادرة فى بنى آدم وذلك أن آدم احتلم ذات
يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون
بنا مر جهة الاب دون الامّ كذا فى لباب التأويل وفيه نظر لما روى أن
الانبياء لا يحتلمون* وعن ثوبان أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ان
يأجوج وماجوج أمّتان كل أمّة اربعة آلاف فوج قلت صفهم يا رسول الله كيف
صفتهم قال هم ثلاثة أصناف صنف على مثال الابل وطول قامتهم كطول الارز
والارز شجر بالشام يكون طوله مائة وعشرين ذراعا فى السماء وصنف منهم عرضه
وطوله سواء عشرين ومائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد وصنف منهم
يفترش احدى أذنبه ويلتحف بالاخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير الا
أكلوه ومن مات منهم أكلوه* وفى بعض الروايات على أبدانهم شعر كشعر البهائم
ولهم مخاليب وأنياب كالسباع وأصواتهم كأصوات الذئاب وصورهم كصور الانسان
وطعامهم حشرات الارض والثعبان والتمساح فيخرج كل سنة تمساح من البحر* وفى
رواية أخرى تأتى اليهم حيات من البرّ فيأكلونها* وفى رواية يبعث الله عليهم
كل سنة سحابة فتمطر فى أرضهم حية عظيمه يأكلون منها وتكفيهم الى الاخرى وأى
سنة تأتيهم فيها واحدة تكون جدبا وغلاء عليهم وأى سنة تأتيهم اثنتان تكون
وسطى وأى سنة تأتى ثلاثة تكون رخاء وسعة عليهم* وفى حياة الحيوان التنين
ضرب من الحيات كأكبر ما يكون منها كنيته أبو مرداس وهو أيضا نوع من السمك*
قال القزوينى فى عجائب المخلوقات انه شر من الكوسج فى فمه أنياب مثل أسنة
الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف
برّاق العينين يبتلع كثيرا من الحيوان يحافه حيوان البرّ والبحر اذا تحرك
تموّج البحر لشدّة قوّته فأوّل أمره يكون حية متمردة تأكل من دواب البرّ ما
ترى فاذا كثر فسادها احملها ملك فالقاها فى البحر تفعل بدواب البحر ما كانت
تفعل بدواب البر فيعظم بدنها فيبعث الله ملكا يحملها ويلقيها الى يأجوج
ومأجوج روى عن بعضهم أنه رأى تنينا طوله نحو من فرسخين ولونه مثل لون النمر
مفلسا مثل فلوس السمك بجناحين عظيمين على هيئة جناح السمك رأسه كرأس
الانسان لكنه كالتل العظيم أذناه طويلتان وعيناه مدوّرتان تبرقان جدّا* وفى
رواية طعام يأجوج ومأجوج شوك يابس يكون ببلاد العرب منه كثير يدقونه
ويجعلون منه طعامهم ولا دين لهم ولا يعرفون الله وقبل أن يصل الاسكندر الى
ذلك المكان بشهرين خرج بعضهم الى المسلمين وقتلوا بعضهم وأخذوا كل ما وجدوا
منها الطعام وغيره* وعن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ان
يأجوج ومأجوج يحفرون الردم كل يوم حتى اذا كانوا يرون شعاع الشمس* وفى
رواية أخرى يلعقون السدّ بألسنتهم فيجعلونه رقيقا كقشر البيض حتى اذا انتهى
قال الذى عليهم ارجعوا فستغفرونه غدا فيعيده الله كما كان حتى اذا بلغ
مدّته قال الذى عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا ان شاء الله تعالى فيعودون اليه
فيجدونه كهيئته حين تركوه فيحفرون ويخرجون الى الناس فينشفون المياه ويتحصن
الناس فى حصونهم وينتشرون فى الارض ولم يسلطوا على أربعة مساجد مسجد
المدينة والمسجد الحرام ومسجد بيت المقدس ومسجد طور سيناء وكثرتهم بحيث اذا
خرجوا تكون مقدّمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون مياه المشرق ويمرّ
أوائلهم على بحيرة طبرته فيشربون ما فيها ويمرّ أواخرهم فيقولون لقد كان
بهذه مرة ماء وخروجهم من أمارات تكون بين يدى الساعة كخروج الدجال ودابة
الارض وغير ذلك وسيأتى ذكر دابة الارض والله أعلم*
(ذكر خروج الدجال)
* عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الدجال
(1/104)
يخرج من أرض بالعراق كثيرة السباخ يقال لها
كوثى* وفى المشكاة عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله صلّى الله عليه
وسلم الدجال قال ان يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وان يخرج ولست فيكم
فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتى على كل مسلم وأقول انه شاب قطط عينه طافئه
كأنى أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ فواتح سورة الكهف
فانها حرز لكم من فتنته وانى لا خاله خارجا ما بين الشام والعراق فعاث
يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه فى
الارض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم
قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذى كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم قال لا
أقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما اسراعه فى الارض قال كالغيث استدبرته
الريح فيأتى على قوم فيدعوهم فيؤمنون به فيأمر السماء فتمطر والارض فتنبت
فتروح عليهم سارختهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وأمدّه خواصر ثم يأتى
القوم فيدعوهم فيردّون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم
شئ من أموالهم ويمرّ بالخربة فيقول لها أخرجى كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب
النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه حزلتين رمية الغرض
ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك اذ بعث الله المسيح عيسى
ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهروذتين واضعا كفيه على
أجنحة ملكين اذا طأطأ رأسه قطر واذا رفع تحدر منه مثل الجمان كاللؤلؤ فلا
يحل لكافر يجدريح نفسه الامات ونفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه فيطلبه حتى يدركه
بباب لدّ فيقتله* وفى رواية فاذا رآه عدوّا لله ذاب كما يذوب الملح فى
الماء فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكنه يقتله بيده فيريهم دمه فى حربته أخرجه
الامام الحافظ أبو عمرو الدانى فى مسنده وروى أن التسبيح والتهليل يجزى عن
الطعام فى زمن الدجال ويعيش بالتسبيح والتكبير ويجزى ذلك مجزى الطعام* وفى
صحيح مسلم يجزى المسلمين من الطعام التسبيح والتهليل فقيل يا رسول الله انا
لنعجن عجينا فانخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمن يومئذ قال يجزيهم ما يجزى أهل
السماء من التسبيح والتهليل قال ثم يأتى الى عيسى قوم قد عصمهم الله فيمسح
عن وجوههم ويحدّثهم بدرجاتهم فى الجنة فبينما هو كذلك اذ أوحى الله الى
عيسى انى قد أخرجت عبادا لى لايدان لاحد يقاتلهم فحرز عبادى الى الطور
فيبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمرّ أوائلهم على بحيرة
طبرية فيشربون ما فيها ويمرّ آخرهم فيقول لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون
حتى ينتهوا الى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من فى
الارض هم فلنقتل من فى السماء فيرمون نشابهم الى السماء فيردّ الله نشابهم
مخضوبة دماء ويحصر نبىّ الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لاحدهم خير من
مائة دينار لاحدكم اليوم فيرغب نبىّ الله عيسى وأصحابه الى الله فيرسل الله
عليهم النغف فى رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبىّ الله عيسى
وأصحابه فلا يجدون فى الارض موضع شبر الا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبىّ
الله عيسى وأصحابه الى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم
بالبهيل ويستوقد المسلمون فى قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين ثم يرسل الله
مطر الا يكنّ منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الارض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال
للارض أنبتى ثمرتك وردّى بركتك فيومئذ تأكل العصابة من رمانة ويستظلون
بقحفها ويبارك الله فى الرسل حتى ان اللقحة من الابل لتكفى الفئام من الناس
واللقحة من البقر لتكفى القبيلة واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس
فبينماهم كذلك اذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن
وكل مسلم فتبقى شرار يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة رواه
مسلم الا الرواية الثانية وهى قوله تطرحهم بالبهيل الى قوله سبع سنين رواه
الترمذى وهذا وقع فى البين
(1/105)
فلنذكر بقية ما يتعلق بالاسكندر والخضر*
آثار الاسكندر
روى انّ من آثار الاسكندر الاسكندرية بالمغرب بقرب مصر وهى من عجائب
البلدان وفيها بنيان عجيب ومنار على أربع أساطين طوله ثلثمائة ذراع وكان فى
القديم على ذلك المنار مرآة كبيرة صنعها يليناس الحكيم تلميذ أرسطاطاليس
الحكيم تلميذ أفلاطون يطلع بها على القسطنطينية وبلاد الروم والفرنج وفيها
اسطوانة تستدير الدهر كله ومنها دمشق بالشام وهراة بخراسان وسمرقند بماوراء
النهر وبرذع باذربيجان ولما دنت وفاته قسم الممالك لملوك الطوائف لا ينقاد
بعضهم لبعض ولم يقدروا أن يحكموا على الروم التى هى مقام آبائه ومولده
ومنشأه فبقيت سالمة عن الفتن* وفى المختصر الجامع بنى الاسكندر اثنتى عشرة
مدينة وسماها كلها الاسكندرية ومات بناحية السواد فى موضع يقال له شهرزور
وحمل فى تابوت من ذهب الى أمّه بالاسكندرية وقبره هناك وكان عمره ستلو
ثلاثين سنة بالاتفاق ومدّة ملكه أربع عشرة سنة وقيل ثلاث عشرة وقيل اثنتا
عشرة سنة قيل كان قبل المسيح بثلثمائة وثلاث وستين سنة*
(ذكر الخضر عليه السلام)
* فى شواهد التوضيح فى شرح جامع الصحيح لابن الملقن الكلام عليه فى مواضع
(أحدها) فى ضبطه وهو بفتح أوّله وكسر ثانيه ويجوز كسر أوّله واسكان ثانيه
كما فى كبد (وثانيها) فى سبب تسميته بذلك قال البخارى لانه جلس على فروة
بيضاء فقام عنها وهى تهتز من خلفه خضراء والفروة الارض اليابسة أو الحشيش
اليابس قال ابن الفارسى الفروة كل نبات مجمع اذا يبس قال الخطابى الفروة
وجه الارض اذا أنبتت واخضرّت بعد أن كانت جرداء وفيه قول آخر لانه اذا جلس
اخضر ما حوله (وثالثها) فى اسمه وفيه أقوال فى قول أن اسمه بليا بباء موحدة
مفتوحة ثم لام ساكنة ثم مثناة تحتية ابن ملكان بفتح الميم وسكون اللام ابن
فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح حكاه ابن قتيبة عن وهب ابن
منبه وحكى ابن الجوزى عن ابن وهب أبليا بدل بليا وكان أبوه من الملوك* وفى
أنوار التنزيل اسم الخضر بليان بن ملكان وقيل اليسع وقيل الياس وفى قول
اسمه الخضر بن عاميل قاله كعب الاحبار وفى قول أرميا بن حزقيا قاله ابن
اسحاق ووهاه الطبرى وقال أرميا كان فى زمن بخت نصر وبين عهد موسى وبخت نصر
زمن طويل وفى قول الياس قاله يحيى بن سلام ووهاه ابن اسحاق وفى قول اليسع
قاله مقاتل وسمى بذلك لان علمه وسع ست سموات وست أرضين ووهاه ابن الجوزى
وقال اليسع اسم عجمى ليس بمشتق وفيه قول سادس اسمه أحمد حكاه القشيرى ووهاه
ابن دحية فانه لم يسم أحد قبل نبينا صلّى الله عليه وسلم بذلك والسابع أن
اسمه عامر حكاه ابن دحية فى كتاب مرج البحرين وفى قول انه خضرون ولد عيص
حكاه ابن دحية وروى الكلبى عن أبى صالح أنه من ولد آدم* وفى لباب التأويل
اسمه خضرون بن قابيل بن آدم وعن سعيد قال أمه رومية وأبوه فارسى وقيل انه
أبو العباس (ورابعها) فى أىّ وقت كان روى الضحاك عن ابن عباس قال الخضر بن
آدم لصلبه وقال الطبرى انه الرابع من أولاده وقيل انه من ابن قابيل سبط
هارون وكذا قال ابن اسحاق وروى محمد بن أيوب عن ابن لهيعة أنه ابن فرعون
موسى وفى القاموس فرعون والد الخضر أو ابنه فيما حكاه النقاش وتاج القرّاء
فى تفسيريهما والعهدة عليهما وقال عبد الله بن سودون انه من ولد فارس وقيل
كان فى أيام افريدون بن اينيان من ملوك فارس قبل موسى وكان على مقدمة ذى
القرنين الاكبر وبقى الى زمان موسى عليه السلام كذا فى الكشاف وأنوار
التنزيل وقيل كانت ولادته قبل ابراهيم ولكن أعطى النبوّة بعد يعقوب ويوسف
والاسباط قال الطبرى كان فى أيام افريدون كما مر قال وقيل كان على مقدّمة
ذى القرنين الاكبر الذى كان فى أيام الخليل عليه السلام وهو عند علماء
الكتب ذو القرنين الاوّل حىّ الى الآن كذا فى الكامل وذو القرنين الاكبر
عند قوم هو افريدون وقال أهل
(1/106)
الكتاب انه ابن خالة ذى القرنين ووزيره
وانه شرب من عين الحياة وذكر الثعلبى أيضا اختلافا هل كان فى زمن الخليل أم
كان بعده بقليل أو بكثير* وذكر بعضهم أنه كان فى زمن سليمان عليه السلام
وانه المراد بقوله تعالى قال الذى عنده علم من الكتاب حكاه الداودى واختلف
فيه هل كان نبيا أو وليا على قولين وبالثانى جزم القشيرى واختلف أيضا هل
كان مرسلا أم لا على قولين وأغرب ما قيل انه من الملائكة والصحيح أنه نبىّ
وجزم به جماعة وقال الثعلبى هو نبىّ على جميع الاقوال هو معمر محجوب عن
الابصار وصححه ابن الجوزى أيضا لقوله تعالى حكاية عنه وما فعلته عن أمرى
فدل على أنه نبى أوحى اليه وانه أعلم من موسى (وخامسها) فى حياته وقد
أنكرها جماعة منهم البخارى وابراهيم الحربى وابن المنادى وأفردها ابن
الجوزى فى تأليف له والمختار بقاؤها وقال ابن الصلاح هو حىّ عند جماهير
العلماء والصالحين والعامة معهم فى ذلك وانما أنكرها بعض المحدّثين وقيل
انه لا يموت الا فى آخر الزمان حين يرفع القرآن* وفى صحيح مسلم فى حديث
الدجال أنه يقتل رجلا ثم يحييه قال ابراهيم ابن سنين راوى كتاب مسلم انه
الخضر وكذا قال معمر فى مسنده وذكر الشيخ علاء الدولة السمنانى فى العروة
الوثقى كنيته ولقبه واسمه هكذا أبو العباس الخضر عليه السلام أعنى بليان بن
ملكان ابن سمعان وأورد له فيها حديثين سمعهما عنه عن النبى صلّى الله عليه
وسلم أحدهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مؤمن قال صلّى الله
على محمد الانضر الله قلبه ونوّره والثانى قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم اذا رأيت الرجل لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته* وفى كتاب القرّاء
عن ابن عباس قال يلتقى الخضر والياس فى كل عام فى الموسم فيلحق كل منهما
رأس صاحبه ويفترقان عن هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير الا
الله ما شاء الله لا يصرف السوء الا الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن
الله ما شاء الله لا حول ولا قوّة الا بالله قال فمن قالها حين يصبح وحين
يمسى ثلاث مرّات عوفى من السرق والحرق والغرق وأحسبه قال ومن السلطان
والشيطان والحية والعقرب اخرجه أبو ذر* وفى العرائس عن ابن اسحاق الخضر من
ولد فارس والياس من بنى اسرائيل* وفى زبدة الاعمال عن عبد الله رضى الله
عنه سكن الخضر بيت المقدس فيما بين باب الرحمة الى باب الاسباط وهو يصلى كل
جمعة فى خمسة مساجد فى المسجد الحرام وفى مسجد المدينة وفى مسجد بيت المقدس
وفى مسجد قباء ويصلى كل ليلة جمعة فى مسجد الطور ويأكل كل جمعة أكلتين من
كماءة وكرفس ويشرب من زمزم ومن جب سليمان الذى ببيت المقدس ويغتسل من عين
سلوان أخرجه الحافظ أبو القاسم بن عساكر* وفى ربيع الابرار من الانبياء
أربعة أحياء اثنان فى السماء عيسى وادريس واثنان فى الارض الياس والخضر
فالياس فى البرّ والخضر فى البحر وهما يجتمعان كل ليلة على ردم ذى القرنين
يحرسانه ويحجان كل سنة ولا يراهما الا من شاء الله وأكلهما الكرفس والكماءة
وهذه القصة وقعت فى البين وقطعت اتصال حديث ابراهيم عليه السلام فلنرجع
الآن اليه*
بقية اخبار ابراهيم عليه السلام
وفى الاكتفاء قال أبو الجهم ولما فرغ ابراهيم من بناء البيت وأدخل الحجر فى
البيت جعل المقام لا صقا بالبيت عن يمين الداخل فلما كان زمن قريش قصر
الخشب عليهم فأخرجوا الحجر وقيل قصرت النفقة من الحلال كما سيجىء وكان ما
أخرجوا منه سبعة أذرع وأمر ابراهيم بعد فراغه أن يؤذن فى الناس بالحج فقال
يا رب وما يبلغ صوتى قال الله عز وجل أذن فمنك النداء وعلىّ البلاغ فارتفع
على المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت فارتفع به المقام حتى كان كأطول الجبال
فنادى وأدخل اصبعيه فى اذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول أيها الناس كتب
عليكم الحج الى البيت العتيق فأجيبوا ربكم فأجابه من تحت البحور السبعة ومن
بين المشرق والمغرب الى منقطع التراب من أطراف الارض كلها لبيك اللهم لبيك
(1/107)
أفلا تراهم يأتون يلبون فمن حج من يومئذ
الى يوم القيامة فهو ممن استجاب لله عز وجل وذلك قوله تعالى فيه آيات بينات
مقام ابراهيم يعنى نداء ابراهيم على المقام بالحج فهى الآية* قال الواقدى
وقد روى أن الآية هى أثر ابراهيم على المقام* وفى أنوار التنزيل وغيره روى
أن ابراهيم صعد أبا قبيس فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم* وفى العرائس
فعلا ثبير ونادى يا عباد الله الى آخره فأسمعه الله تعالى من فى أصلاب
الرجال وأرحام النساء فيما بين المشرق والمغرب ممن سبق فى علمه أن يحج وكان
بناء الكعبة بعد أن مضى مائة سنة من عمر ابراهيم عليه السلام ويكون
بالتقريب بين بناء الكعبة وبين الهجرة النبوية ألفان وسبعمائة وثلاث وتسعون
سنة قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهيم من الاذان ذهب به جبريل فأراه الصفا
والمروة وأقامه على حدود الحرم وأمره أن ينصب عليها الحجارة ففعل ابراهيم
ذلك وكان أوّل من أقام أنصاب الحرم ويريه اياها جبريل فلما كان اليوم
السابع من ذى الحجة خطب ابراهيم عليه السلام بمكة حين زاغت الشمس قائما
واسماعيل جالس ثم خرجا من الغد يمشيان على أقدامهما يلبيان محرمين مع كل
واحد منهما أداوة يحملها وعصا يتوكأ عليها فسمى ذلك اليوم يوم التروية
فأتيا منى فصليا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح وكانا نزلا فى
الجانب الايمن ثم أقاما حتى طلعت الشمس على ثبير ثم خرج يمشى هو واسماعيل
حتى أتيا عرفة وجبريل معهما يريهما الاعلام حتى نزلا بنمرة وجعل يريه أعلام
عرفات وكان ابراهيم قد عرفها قبل ذلك فقال ابراهيم قد عرفت فسميت عرفات
فلما زاغت الشمس خرج بهما جبريل حتى انتهى بهما الى موضع المسجد اليوم فقام
ابراهيم فتكلم بكلمات واسماعيل جالس ثم جمع بين الظهر والعصر ثم ارتفع بهما
الى الهضبات فقاما على أرجلهما يدعو ان الى أن غابت الشمس وذهب الشعاع ثم
دفعا من عرفة على أقدامهما حتى انتهيا الى جمع فنزلا فصلى ابراهيم المغرب
والعشاء فى ذلك الموضع الذى يصلى فيه اليوم ثم باتا حتى اذا طلع الفجر وقفا
على قزح فلما أسفرا قبل طلوع الشمس دفعا على أرجلهما حتى انتهيا الى محسر
فأسرعا حتى قطعاه ثم عادا الى مشيهما الاوّل ثم رميا جمرة العقبة بسبع
حصيات حملاها من جمع ثم نزلا من منى فى الجانب الايمن ثم ذبحا فى المنحر
اليوم وحلقا رؤسهما ثم أقاما أيام منى يرميان الجمار حين تزيغ الشمس ماشيين
ذاهبين راجعين وصدرا يوم الصدر فصليا الظهر بالابطح وكل هذا يريه جبريل
عليه السلام* قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهيم من الحجّ انطلق الى منزله
بالشام وكان يحج البيت كل عام وحجته سارة وحجه اسحاق ويعقوب والاسباط
والانبياء وهلم جرّا وحجه موسى بن عمران عليه السلام روى الواقدى باسناد له
الى ابن عباس قال مرّ موسى عليه السلام بصفاح الروحاء يلبى تجاوبه الجبال
عليه عباءتان قطوانيتان من عباء الشام وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه
قال حج هارون نبىّ الله البيت فمرّ بالمدينة يريد الشام فمرض بالمدينة
فأوصى أن يدفن بأصل أحد ولا يعلم به اليهود مخافة أن ينبشوه فدفنوه فقبره
هناك* وعن ابن عباس أن الحواريين كانوا اذا بلغوا الحرم نزلوا يمشون حتى
يأتوا البيت* وعن ابن الزبير أن الحواريين خلعوا نعالهم حين دخلوا الحرم
اعظاما أن ينتعلوا فيه ثم توفى ابراهيم خليل الله عليه السلام بعد أن وجه
اليه ملك الموت فاستنظره ابراهيم ثم عاد اليه لما أراد الله قبضه فأخبره
بما أمر به فسلم ابراهيم لامر الله عز وجل فقال ملك الموت يا خليل الله على
أى حال تحب أن أقبضك فقال تقبضنى وأنا ساجد فقبضه وهو ساجد فصعد بروحه الى
الله عز وجل ودفن ابراهيم عليه السلام بالشام وعاش اسماعيل بعد أبيه ما شاء
الله وكانت ولاية البيت له ما دام فى حياته وتوفى بمكة ودفن داخل الحجر مما
يلى باب الكعبة وهناك قبر أمه هاجر ودفن معها وكانت توفيت قبله* وفى البحر
العميق سأل الفقيه اسماعيل الحضرمى الشيخ محب الدين الطبرى عن البلاطة
الخضراء التى فى الحجر فأجاب الشيخ بأن البلاطة الخضراء قبر اسماعيل عليه
السلام قال ويشبر من رأس
(1/108)
البلاطة الى ناحية الركن الغربى مما يلى
باب بنى سهم وهو الذى يقال له اليوم باب العمرة ستة أشبار فعند انتهائها
يكون رأس اسماعيل عليه السلام انتهى ثم ان العماليق بنوا الكعبة بعد
ابراهيم عليه السلام وبعض المؤرّخين يقدمون بناء جرهم على بناء العمالقة
والله أعلم* ولما توفى اسماعيل ولى البيت بعده ولده نابت وقام مقامه ما شاء
الله أن يليه ولم يله أحد من ولده غيره وكان أكبرهم* ثم مات نابت فدفن فى
الحجر مع أمه رعلة بنت مضاض فولى البيت بعده جدّه مضاض بن عمرو الجرهمى وضم
بنى نابت وبنى اسماعيل اليه ولما مات مضاض بقيت ولاية البيت فى أيدى أخواله
من جرهم فقاموا عليه فكانت جرهم ولاة البيت وحجابه وولاة الاحكام بمكة
لغلبتهم واستيلائهم وكان البيت قد دخله السيل من أعلاه فانهدم فاعادته جرهم
على بناء ابراهيم وكان طوله فى السماء تسعة أذرع قال بعض أهل العلم الذى
بنى البيت الحرام لجرهم أبو الجدرة عمرو فسمى الجادر ويسمى بنوه الجدرة*
وفى شفاء الغرام ذكر المسعودى ما يفضى الى أن الذى بنى الكعبة من جرهم هو
الحارث بن مضاض الاصغر وجعلت جرهم للبيت مصراعين وقفلا ثم ان جرهم وقطورا
بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها حتى شبت الحرب بينهم على الملك وبنو
اسماعيل وبنو نابت يومئذ مع مضاض واليه ولاية الامر وولاية البيت دون
السميدع فلم يزل البغى بينهم حتى سار بعضهم الى بعض فخرج مضاض بن عمرو من
قعيقعان فى كتيبته سائر الى السميدع ومع كتيبته عدّتها من الرماح والدرق
والسيوف والجعاب تقعقع معه وقيل ما سمى قعيقعان الا لذلك وخرج السميدع
بقطورا من أجياد ومعه الخيل الجياد والرجال وقيل ما سمى أجيادا الا لخروج
الخيل الجياد مع السميدع منه* وغير ابن اسحاق يقول انما سمى أجيادا لان
مضاضا ضرب فى ذلك المواضع أجياد مائة رجل من العمالقة وقيل بل أمر بعض
الملوك غير مسمى بضرب رقاب فيه فكان يقول السيافه توسط الاجياد وهذا ونحوه
أصح فى تسمية الموضع باجياد مما قال ابن اسحاق قال فالتقوا بفاضح فاقتتلوا
قتالا شديدا فقتل السميدع وفضحت قطورا فيقال ما سمى فاضح فاضحا الا لذلك ثم
ان القوم تداعوا الى الصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ شعبا بأعلى مكة يقال
له شعب عبد الله بن عامر ابن كريز فنزلوا بذلك الشعب فاصطلحوا به وأسلموا
الامر الى مضاض بن عمرو فلما جمع اليه أمر مكة وصار ملكها له دون السميدع
نحر للناس وأطعمهم فأطبخ الناس وأكلوا فيقال ما سميت المطابخ المطابخ الا
لذلك وقال ابن اسحاق وقد زعم بعض أهل العلم انها سميت بذلك لما كان تبع نحر
بها وأطعم بها وكانت منزله قال وكان الذى كان بين مضاض والسميدع أوّل بغى
كان بمكة فيما يزعمون فقال مضاض فى تلك الحرب يذكر السميدع وقتله وبغيه
والتماسه ما ليس له
ونحن قتلنا سيد الحىّ عنوة ... فأصبح فيها وهو حيران موجع
وما كان يبغى أن يكون سوى انا ... لها ملك حتى أتانا السميدع
فذاق وبالاحسين حاول ملكنا ... وعالج مناغصة تتجرّع
فنحن عمرنا البيت كنا ولاته ... نحاول عنه من أتانا وندفع
وما كان يبغى أن يلى ذاك غيرنا ... ولم يك حىّ قبلنا ثم يمنع
وكنا ملوكا فى الدهور التى مضت ... ورثنا ملوكا لا ترام وتوضع
قال ثم نشر الله بنى اسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم اذ ذاك ولاة البيت
والحكام بمكة وكانوا كذلك بعد نابت بن اسماعيل فلما ضاقت عليهم مكة وكثروا
بها انبسطوا فى الارض فابتغوا المعايش والتفسح فى الارض فلا يأتون قوما ولا
ينزلون بلدا الا أظهرهم الله عز وجل عليهم بذنبهم فوطئوهم وغلبوهم حتى
ملكوا البلاد ونفوا عنها العماليق وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت لا
ينازعهم اياه بنو اسماعيل
(1/109)
لخؤولتهم وقرابتهم واعظام الحرم أن يكون به
بغى أو قتال ثم ان جرهما بغوا بمكة واستحلوا حلالا من الحرمة وارتكبوا
أمورا عظاما وأحدثوا فيها احداثا لم تكن فقام مضاض بن عمرو بن الحارث وهو
مضاض الاصغر فيهم خطيبا فقال يا قوم احذروا البغى فانه لا بقاء لاهله قد
رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم فلم يعظموه وتنازعوا بينهم
واختلفوا حتى سلطكم الله عليهم فأخرجتموهم فتفرقوا فى البلاد فانكم ان
فعلتم ذلك تخوّفت عليكم أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار فقال قائل منهم يقال
له مجذع من الذى يخرجنا منه ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالا وأموالا وسلاحا
فقال مضاض اذا جاء الامر بطل ما تقولون فلم يقصروا عن شئ مما كانوا يصنعون
وكان للبيت خزانة بئر فى بطنها يلقى فيها الحلى والمتاع الذى يهدى له وهو
يومئذ لا سقف له وتواعد له خمسة نفر من جرهم أن يسرقوا ما فيه فقام على كل
زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس فجعل الله عز وجل أعلاه أسفله وسقط
منكسا فهلك وفرّ الاربعة الاخر* قال أهل العلم ان جرهما لما طغت فى الحرم
دخل منهم رجل وامرأة يقال لهما أساف بن بغى ونائلة بنت ديك البيت ففجرا فيه
فمسخهما الله تعالى حجرين فأخرجا من الكعبة فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر
بهما من رآهما وليزدجر الناس عن مثل ما ارتكبا ويقال ان الرجل من جرهم
والمرأة من قطورا ثم لم يزل أمرهما يندرس ويتقادم حتى صارا صنمين يعبدان
وقال بعض أهل العلم انه لم يفجر بها فى البيت وانما قبلها وقيل ان عمرو بن
لحىّ دعا الناس الى عبادتهما وقال انما نصبا هاهنا لان آباءكم ومن كان
قبلكم كانوا يعبدونهما وانما ألقاه عليه ابليس وكان عمرو فيهم شريفا مطاعا
متبعا وقد اختلف أهل العلم فى نسبهما والمشهور أن الرجل أساف بن سهيل
والمرأة نائلة بنت عمرو بن ديك ولم يزالا يعبدان ويستملهما الطائف اذا فرغ
حتى كان يوم الفتح فكسرا* وفى شفاء الغرام اختلف أهل الاخبار فيمن أخرج
جرهما من مكة اختلافا يعسر التوفيق بينه قيل ان بنى بكر بن عبد منات بن
كنانة وغبشان ابن خزاعة أخرجوا جرهما من مكة لبغيهم فيها كما سيجىء وقيل ان
بنى عمرو بن عامر ماء السماء أخرجوا جرهما من مكة حين لم يترك جرهم بنى
عمرو بن عامر أن يقيموا عندهم بمكة حتى يصل اليهم روّادهم وقيل ان عمرو بن
ربيعة بن حارثة بن عمرو أخرج جرهما حين طلب حجابة البيت لسيادته وشرفه وقيل
ان بنى اسماعيل أخرجوا جرهما من مكة بعد أن سلط الله على جرهم آفات من
الرعاف والنمل الذى فنى به أكثر من أصابهم بمكة وقيل ان الله سلط على الذين
يلون البيت من جرهم دواب شبيهة بالنغف فهلك منهم ثمانون كهلا فى ليلة واحدة
سوى الشباب حتى جلوا من مكة الى أطم والقول الاوّل ذكره ابن اسحاق لانه قال
ثم ان جرهما لما بغوا فى مكة واستحلوا حلالا من الحرمة وظلموا من دخلها من
غير أهلها وأكلوا مال الكعبة الذى يهدى لها فرّق أمرهم وكان ملكهم يومئذ
عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى فلما رأت بنو بكر بن عبد منات بن كنانة
وغبشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم واخراجهم من مكة فآذنوهم بالحرب
فاقتتلواهم واياهم فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة وكانت مكة فى
الجاهلية لا تقرّ فيها ظلما ولا بغيا لا يبغى فيها أحد الا أخرجته يقال ما
سميت مكة بالناسة بالنون والسين المهملة الا أنها تنسّ من ألحد فيها اى
تطرّده وتنفيه أو لقلة مائها والنس اليبس كذا قاله الماوردى ولا يريدها ملك
يستحل حرمتها الا هلك ويقال ما سميت باسة بالباء الموحدة والسين المهملة
الا لانها تبسّ من ألحد فيها أى تحطمه ومنه قوله تعالى وبست الجبال بسا كذا
ذكرهما أى الروايتين بالنون والباء فى زبدة الاعمال* ويقال ما سميت ببكة
الا لانها تبك أعناق الجبابرة اذا أحدثوا فيها شيئا أى تدقها وما قصدها
جبار الا قصمه الله تعالى أو من الازدحام أى ازدحام الناس فيها يبك بعضهم
بعضا أى يدفع فى ازدحام الطواف وعن ابن عباس أنه قال مكة من الفج الى
التنعيم وبكة من
البيت الى البطحاء وقال
(1/110)
عكرمة البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة
وقيل بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة وقال الضحاك ان مكة وبكة اسمان
مترادفان لهذا البلد والباء بدل من الميم وقيل بكة بالباء الموحدة موضع
البيت وفى رواية اسم البيت وقيل مكة اسم المدينة أو قال القرية سميت بكة
بمكة لانها تمك الذنوب أى تذيبها وقيل لانها يؤمّها الناس من كل ناحية وكل
مكان فكأنها تجذبها وهذه الاقوال ترجع الى قول العرب امتك الفصيل ضرع أمّه
اذا امتصه وجذب بفيه ما فيه هكذا فى زبدة الاعمال* وفى سيرة مغلطاى تسمى
أيضا الرأس وصلاح وأمّ رحم وكوبا وأمّ القرى والحاطمة والعرش وطيبة قال ابن
اسحاق فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى بغز الى الكعبة وبحجر الركن
فدفنها فى زمزم وانطلق هو ومن معه من جرهم الى اليمن قال المسعودى فى أخبار
الفرس وكانت الفرس تهدى الى الكعبة أموالا فى صدر الزمان وجواهر وقد كان
ساسان بن بابك وقيل اسفنديار أهدى غزالين من ذهب وجوهر وسيوفا وذهبا كثيرا
قد دفن فى زمزم قال فحزنت جرهم على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا
فقال عمرو بن الحارث بن مضاض فى ذلك وليس بمضاض الاكبر شعر
كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالى والحدود العوابر
وكنا ولاة الامر من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
ونحن ولينا البيت من بعد نابت ... بعز فما يحظى لدينا المكاثر
ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا ... وليس لحىّ غير ناثم فاخر
فانكح جدى غير شخص علمته ... فأبناؤه منا ونحن الاصاهر
* قال الفاسى فى شفاء الغرام أفاد المسعودى أمورا لم يفدها غيره فيما علمته
منها كون السميدع وقومه من العماليق ومنها أنهم قدموا مكة قبل جرهم قيل
يجوز أن تكون طائفة من العماليق ولوا مكة قبل جرهم وطائفة من العماليق غير
الاوّلين ولوا مكة مع جرهم ومنها ما ذكره فى مدّة جرهم وأفاد فى تاريخه أن
أوّل من ملك من ملوكهم بمكة مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنى ابن بنت
جرهم بن قحطان مائة سنة ثم كانت ولاية البيت بعده لابنه عمرو بن مضاض مائة
وعشرين سنة ثم ملك الحارث بن عمرو مائة سنة وقيل دون ذلك ثم ملك بعده عمرو
بن الحارث مائة سنة ثم ملك بعده مضاض الاصغر بن عمرو ابن الحارث بن عمرو بن
مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنى ابن بنت جرهم بن قحطان أربعين سنة
انتهى* وقيل كانت ولاية البيت بعد نابت بن اسماعيل فى جرهم ثلثمائة وقيل
خمسمائة سنة وقيل ستمائة سنة* وفى شفاء الغرام ذكر ابن هشام أن جرهما هو
ابن قحطان أبو اليمن واليه يجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن نوح
وقيل ان جرهما ابن ملك من الملائكة قال ابن عباس كان الملك من الملائكة اذا
أذنب ذنبا عظيما أهبط الى الارض ونزعت منه روحانية الملائكة وجعل فى خلق
بنى آدم فأذنب ملك من الملائكة يقال له عذرا أو نحوها ذنبا فكان فى الهواء
ثم هبط مكة فتزوّج امرأة من العماليق فولدت جرهما فذلك قول الحارث بن مضاض
لا همّ ان جرهما عبادك ... والناس طرف وهم تلادك
ثم بنى البيت قصى بن كلاب بعد ما انقرضت العمالقة وجرهم وخلفتهم فيها قريش
واستولت على الحرم لكثرتهم بعد القلة وعزهم بعد الذلة وكان قصى أوّل من
جدّدها من قريش بعد ابراهيم وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل كذا فى شفاء
الغرام ثم بعد قصى بن كلاب بنى البيت قريش وكان ذلك قبل المبعث بخمس سنين
ورسول الله صلّى الله عليه وسلم حضر هذا البناء وهو ابن خمس وثلاثين سنة
وكان
(1/111)
مولد فاطمة الزهراء تلك السنة كما سيجىء
قال ابن اسحاق كانت الكعبة فى عهد قريش وضيمة فوق القامة ولم تكن مسقفة
ويخالفه ما مرّ أن قصى بن كلاب بناها مسقفة بخشب الدوم وجريد النخل فهدمتها
قريش وبنتها مسقفة وسبب ذلك أنه كان فى جوفها بئر يكون فيها أموال الكعبة
فدخلها جماعة ليلا فسرقوها* وفى سيرة ابن هشام وكان الذى وجد عنده الكنز
دويك مولى لبنى مليح بن عمرو من خزاعة ويقال كانت امرأة منهم جمرت الكعبة
فطارت شرارة من مجمرتها فتعلقت بثياب الكعبة فوهن البيت من ذلك فهابوا
انهدامه وكان البحر قد ألقى سفينة الى جدّة لرجل من تجار الروم فتحطمت
فاشترت قريش خشبها فأعدّوه لسقفها وكان بمكة رجل قبطى نجار فتهيأ لهم فى
أنفسهم بعض ما يصلحها وكانت حية تخرج كل يوم من بئر الكعبة التى كانت يطرح
فيها ما يهدى لها فتشرف على جدار الكعبة وكانت مما يهابونها وذلك أنه كان
لا يدنو منها أحد الا تحرّكت ونشت وفتحت فاها فكانوا يهابونها فبينما هى
يوما تشرف على جدار الكعبة كما كانت تصنع بعث الله اليها طيرا فاختطفها
فذهب بها فقالت قريش انا لنرجو أن يكون الله قد رضى ما أردنا كذا فى سيرة
ابن هشام* وفى رواية لما شرعوا فى نقض البناء وهدمها خرجت عليهم الحية التى
كانت فى بطنها تجرسها سوداء الظهر بيضاء البطن رأسها مثل رأس الجدى فمنعتهم
عن ذلك فلما راوا ذلك اعتزلوا عند مقام ابراهيم وكان يومئذ فى مكانه الذى
هو فيه اليوم فتشاوروا فقال لهم الوليد بن المغيرة يا قوم ألستم تريدون بها
الاصلاح قالوا بلى قال فان الله لا يهلك المصلحين ولكن لا تدخلوا فى عمارة
بيت ربكم الا من طيب أموالكم وجنبوه الخبيث فان الله طيب لا يقبل الا طيبا*
وفى أسد الغابة قال يا معشر قريش لا تدخلوا فى بنيانها من كسبكم الا طيبا
لا تدخلوا فيها مهر بغى ولا ربا ولا مظلمة وقيل ان أبا وهب بن عمرو قال هذا
ففعلوا ودعوا وقالوا اللهم ان كان لك فى هدمها رضى فأتمه واشغل عنا هذا
الثعبان فأقبل طائر من جوّ السماء كهيئة العقاب ظهره أسود وبطنه أبيض
ورجلاه صفراوان والحية على جدار البيت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم طار بها
حتى أدخلها أجياد الصغرى قالت قريش انا لنرجو أن الله قد قبل عملكم
ونفقتكم* وفى حياة الحيوان الثعبان الذى فى جوف الكعبة اختطفه العقاب حين
أراد قريش بناء البيت الحرام وان الطائر حين اختطفها ألقاها بالحجون
فالتقمتها الارض فهى الدابة التى تخرج عند الصفا تكلم الناس*
(ذكر دابة الارض)
* عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال تخرج دابة الارض حين يترك
الامر بالمعروف والنهى عن المنكر* وفى لباب التأويل عن عبد الله بن عمرو بن
العاص قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول ان أوّل الآيات خروجا
طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيتهما كانت قبل صاحبتها
فالاخرى على أثرها قريبا وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان وعصا موسى فتجلو وجه المؤمن وتخطم أنف
الكافر بالخاتم حتى ان أهل الجوان ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا
كافر ويقول هذا يا كافر وهذا يا مؤمن أخرجه الترمذىّ وقال حديث حسن* وروى
البغوى باسناد الثعلبى عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال يكون للدابة ثلاث
خروجات من الدهر فتخرج خروجا بأقصى اليمن فيفشو ذكرها بالبادية ولا يدخل
ذكرها القرية يعنى مكة ثم تمكث زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى قريبا من مكة
فيفشو ذكرها بالبادية ويدخل ذكرها القرية يعنى مكة ثم بينا الناس يوما فى
أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها على الله يعنى المسجد الحرام لم يرعهم
الا وهى فى ناحية المسجد تدنو كذا وتدنو كذا قال عمرو ما بين الركن الاسود
الى باب بنى مخزوم عن يمين الخارج فى وسط من ذلك فارفض الناس عنها ويثبت
لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله فخرجت عليهم تنقض رأسها
(1/112)
من التراب فمرت بهم فجلت وجوههم حتى تركتها
كأنها الكواكب الدرّية ثم ولت فى الارض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب حتى
ان الرجل ليقوم فيتعوّذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه وتقول يا فلان الآن
تصلى فيقبل عليها بوجهه فتمسه فى وجهه فيتجاور الناس فى ديارهم ويصطحبون فى
أسفارهم ويشتركون فى الاموال يعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن يا مؤمن
ويقال للكافر يا كافر* وباسناد الثعلبى عن حذيفة بن اليمان ذكر رسول الله
صلّى الله عليه وسلم الدابة قلت يا رسول الله من أين تخرج قال من أعظم
المساجد حرمة على الله* بينما عيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون
اذ تضطرب وتنشق الصفا مما يلى المسعى وتخرج الدابة من الصفا أوّل ما يبدو
منها رأسها ملعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب تسم الناس
مؤمنا وكافرا أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب درّىّ وتكتب بين عينيه مؤمن
وأما الكافر فرفتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه كافر* وروى عن
ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم وقال ان الدابة لتسمع قرع عصاى هذه*
وعن ابن عمر قال تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون الى منى* وعن أبى
هريرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال بئس الشعب شعب أجياد مرّتين أو
ثلاثا قيل ولم ذلك يا رسول الله قال تخرج منه الدابة تصرخ ثلاث صرخات
يسمعها من بين الخافقين* وروى عن أبى الزبير أنه وصف الدابة فقال رأسها رأس
الثور وعينها عين الخنزير واذنها اذن الفيل وقرنها قرن ايل بفتح الهمزة
وكسر المثناة التحتية وفتحها الوعل وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها
خاصرة هرّ وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر
ذراعا* وعن عبد الله بن عمرو قال تخرج الدابة من شعب فيمس رأسها السحاب
ورجلاها فى الارض* وروى عن علىّ قال ليست الدابة لها ذنب ولكن لها لحية
وقال وهب وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير فتخبر من رآها أن أهل مكة
كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون* وفى العمدة فى الحديث دابة الارض طولها
ستون ذراعا* وفى الينابيع عن عبد الله بن عمر قال انها تخرج بالطائف وكان
عبد الله بن عمر بالطائف فضرب برجله الارض قال تخرج من هذه الارض* وفى
رواية عنه قال تخرج من غار فى جبل صنعاء فتخرج حتى لوعدا الفرس السريع
العدو ثلاثة أيام ولياليها لم يجاوز رأسها وما خرج بعد ثلثها من الارض وقيل
لا تخرج الا رأسها ورأسها يبلغ عنان السماء وقال الضحاك الدابة تشبه البغل
تدور حول الدنيا وبيدها عصا فتضرب الناس بها فاذا ضربت على رأس الكافر يظهر
خط أسود مكتوب فيه هذا كافر بالله واذا ضربت على رأس المؤمن يظهر خط أخضر
مكتوب فيه هذا مؤمن بالله* وفى رواية دابة الارض تقبل على الكافرين فتقول
لهم أيها الكافرون مصيركم الى النار ثم تقبل على المؤمنين فتقول لهم مصيركم
الى الجنة* قال السدّى تكلم الناس وتخبرهم ببطلان جميع الاديان الا دين
الاسلام* وفى رواية طولها ستون ذراعا وانها تنكت فى وجه الكافر نكتة سوداء
فتفشو فى وجهه حتى يسودّ وجهه وتنكت فى وجه المؤمن نكتة بيضاء فتفشو فى
وجهه حتى يبيض وجهه ويتبايعون فى الاسواق فيعرفون المؤمن من الكافر وروى عن
مقاتل ان رأسها تخرج من الصفا حتى يرى أهل المشرق والمغرب رأسها وعنقها
فلما رأوها تتوارى حيث خرجت فلما مضت من النهار ست ساعات تضطرب الارض
اضطرابا عظيما فيبيت الناس تلك الليلة على تخوّف ولما أصبحوا يكثر صياح
الناس ويفشو فيهم الخبر بأن الدجال قد خرج فيهرب الناس الى بيت المقدس
ويتبعه ستون ألف يهودى عليهم طيالسة زرق على رؤسهم ويستوفى تمام الارض فى
أربعين يوما وتطوى الارض تحت قدميه واذا أراد أن يدخل مكة فتضرب الملائكة
وجهه وظهره وتمنعه عن دخولها وكذا تمنعه عن المدينة
(1/113)
وحين يصل بيت المقدس ينزل عيسى ابن مريم
وبيده حربة فيضربه بها فيقتله فيقع قتال عظيم بين المسلمين وبين اليهود
وتكون الغلبة للمسلمين حتى ان الحجر والشجر يخبر المؤمن بأن خلفه كافر
ليقتله* وفى رواية لا يبقى شجر ولا حائط يتوارى به اليهود الا قال يا مؤمن
اقتل هذا غير الغرقد فانه من شجرهم* وفى رواية ولا يبقى شىء مما خلق الله
عز وجل يتوارى به اليهود لا حجر ولا شجر ولا حائط الا أنطق الله ذلك الشىء
فقال يا عبد الله المسلم هذا يهودى فاقتله الا الغرقد فانه من شجر اليهود
لا ينطق فبينما هم كذلك اذا جاء الخبر بأن الحبشة قد خرجت وقصدت الكعبة
فيبعث عيسى الى مكة من يأتى بالخبر فقبل أن يأتى بالخبر يقبض عيسى ويصلى
عليه رجل من هذه الامة اسمه المهدى* وفى ربيع الابرار بلغنا أن عيسى ابن
مريم عليه السلام تكون هجرته اذا نزل من السماء الى المدينة فيستوطنها حتى
يأتى أمر الله وفيه أيضا روى أبو هريرة عنه عليه السلام اذا أهبط الله عيسى
ابن مريم من السماء فانه يعيش فى هذه الامة ما شاء الله ثم يموت بمدينتى
هذه ويدفن الى جانب قبر عمر فطوبى لابى بكر وعمر فانهما يحشران بين نبيين
وبعد ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وتاويل وتاريس ومنسك ويغلبون الناس كلهم ثم
تطلع الشمس والقمر من المغرب متكدرين كأنهما ثوران أسودان مقطوعا العنق
ويرتفعان الى وسط السماء ثم رجعان ويغربان فيغلب يأجوج ومأجوج ويختبئ
المسلمون فى المساجد فيميت الله يأجوج ومأجوج كما سبق فيخبر المسلمون
بموتهم ولا يصدّقون حتى يروهم بأعينهم فيرسل الله الطير حتى تطرحهم حيث
يشاء ثم يرسل الله ريحا طيبة حمراء من قبل اليمن فتقبض روح كل مسلم تصيبه
ولا يبقى أحد فيمضى على ذلك مائة سنة أو أربعون سنة ثم تقوم الساعة* وفى
خبر آخر عن حذيفة بن اليمان أن الاوّل خروج الدجال ثم نزول عيسى ثم طلوع
الشمس من مغربها ثم خروج دابة الارض وبعد ذلك لم تلبث الدنيا مقدار أن يلقح
أحد رمكته ويركب فلوها*
أشراط الساعة
وقال بعضهم أشراط الساعة عشرة وقد مضى خمس منها وهى خروج النبىّ صلى الله
عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان واللزام والبطشة وكلاهما عذاب يوم بدر قال
الله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى وقال الله تعالى ان عذابها كان غراما أى
لزاما وبقى خمس وهى خروج يأجوج ومأجوج وخروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها
ونزول عيسى عليه السلام وخروج دابة الارض وهو آخرها وهى رواية عبد الله بن
مسعود كذا فى الينابيع وهذا الكلام وقع فى البين وقطع اتصال الكلام فى بناء
الكعبة فلنرجع اليه*
بقية أخبار بناء الكعبة
روى أنه لما انكسرت السفينة فى نواحى جدّة خرج اليها الوليد ابن المغيرة فى
نفر من قريش فاشتروا خشبها كما مرّ وكلموا رئيس السفينة وكان اسمه باقوم
الرومى* وفى سيرة مغلطاى ان باقوم النجار النبطى الذى قيل انه هو الذى عمل
منبره عليه السلام من طرفاء الغابة وقيل الذى عمل منبره عليه السلام اسمه
مينا وقيل ابراهيم وقيل صباح وقيل باقول وقيل ميمون وقيل قبيصة فيما ذكره
ابن بشكوال وكان بناء حاذقا فقالوا له لو بنينا بيت ربنا وقدم الباقوم معهم
فأمروا بالحجارة فجمعت ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ ابن خمس
وثلاثين سنة كما جزم به ابن اسحاق وغير واحد من العلماء وقيل ابن خمس
وعشرين كما جزم به موسى بن عقبة فى مغازيه وابن جماعة فى منسكه وكان صلى
الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة وكانوا يضعون أزرهم على عواتقهم ويحملون
الحجارة عليها ففعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسقط على الارض من قيام
فنودى عورتك وكان ذلك أوّل ما نودى فقال أبو طالب يا ابن أخى اجعل ازارك
على رأسك فقال ما أصابنى الا فى تعرىّ فما رؤيت لرسول الله صلّى الله عليه
وسلم عورة رواه البخارى* وفى سيرة ابن هشام قال ان قريشا تجزأت الكعبة
واقترعوا عليها فكان شق الباب لبنى عبد مناف وبنى زهرة وكان ما بين الركن
الاسود والركن اليمانى لبنى مخزوم وتيم وقبائل من قريش انضموا اليهم وكان
ظهر الكعبة لبنى جمح وسهم ابنى عمرو بن هصيص بن كعب
(1/114)
ابن لؤى وكان شق الحجر وهو الحطيم لبنى عبد
الدار بن قصىّ ولبنى أسد بن عبد العزى بن قصى ولبنى عدى بن كعب بن لؤى* وفى
سيرة ابن هشام ثم ان الناس هابوا هدمها وفزعوا منه فقال لهم الوليد بن
المغيرة أنا أبدأكم فى هدمها فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول اللهم لم
نرع ويقال لم نزغ اللهم لا نريد الا الخير ثم هدم من ناحية الركنين فتربص
الناس تلك الليلة فقالوا ننظر فان أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما
كانت وان لم يصبه شىء فقد رضى الله بما صنعنا هدمنا فأصبح الوليد من ليلته
غاديا على عمله فهدم وهدم الناس معه حتى انتهى الهدم بهم الى الاساس أساس
ابراهيم فوصلوا الى حجارة خضر كالاسنمة آخذ بعضها بعضا* وفى رواية لما
بلغوا الاساس الذى رفع عليه ابراهيم واسماعيل عليهما السلام القواعد من
البيت فأبصروا الحجارة كأنها الابل الخلف لا يطيق الحجر منها ثلاثون رجلا
وقد تشبك بعضها ببعض فأدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين حجرين انفلقت منه
فلقة فأخذها وهب بن عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم ففرّت من يده حتى عادت
مكانها وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف الابصار ورجفت مكة بأسرها* وفى
رواية أدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين حجرين ليقلع بها أحدهما فلما تحرّك
الحجر رجفت مكة بأسرها فلما رأوا ذلك أمسكوا عن أن ينظروا الى ما تحت ذلك*
وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وحدثت أن قريشا وجدوا فى الركن كتابا
بالسريانية فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من يهود فاذا هو أنا الله ذو
بكة خلقتها يوم خلقت السموات والارض وصوّرت الشمس والقمر وحففتها بسبعة
أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشباها مبارك لاهلها فى الماء واللبن وقال
ابن اسحاق وحدثت أنهم وجدوا فى المقام كتابا فيه مكة بيت الله الحرام
يأتيها رزقها من ثلاثة سبل لا يحلها رجل من أهلها* ثم قلت بهم النفقة فلم
تبلغ عمارة البيت كله فتشاوروا فى ذلك فأجمع رأيهم على أن يقصروا من قواعد
ابراهيم ويحجروا ما يقدرون عليه من بناء البيت ويتركوا بقيته فى الحجر عليه
جدار مدار يطوف الناس من ورائه ففعلوا ذلك وبنوا فى بطن الكعبة أساسا يبنون
عليه من شق الحجر وتركوا من ورائه من فناء البيت سبعة أذرع أو ستة وشبرا
فبنوا على ذلك فلما وضعوا أيديهم فى بنائها قالوا ارفعوا بابها من الارض
حتى لا تدخلها السيول ولا ترقى الا بسلم ولا يدخلها الا من أردتم وان كرهتم
أحدا دفعتموه ففعلوا ذلك ويقال ان الذى قال لهم ذلك أبو حذيفة بن المغيرة*
قال ابن اسحاق ثم ان قبائل قريش جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة على حدة
فبنوا سافا من حجر وسافا من خشب بين الحجارة فكان الخشب خمسة عشر مدماكا
والحجارة ستة عشر مدماكا وجعلوا طولها فى السماء ثمانية عشر ذراعا* وفى
سيرة ابن هشام كانت الكعبة على عهد النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثمانية عشر
ذراعا فلما بلغوا موضع الركن الاسود اختصمت قريش فى أنّ أىّ القبائل يلى
رفعه وكثر الكلام فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا فاقتضى الحال بينهم
أن يحكموا أوّل من يطلع من هذا السفح* وفى المنتقى ثم اتفقوا على أن أوّل
رجل يدخل من باب بنى شيبة يكون هو الذى يضعه موضعه فاذا رسول الله صلّى
الله عليه وسلم قد طلع فقالوا هذا الامين قد رضينا بحكمه ثم أخبروه الخبر
فبسط رداءه ثم وضع الحجر الاسود فيه ثم أمر سيد كل قبيلة أن يأخذ طرفا من
الثوب* وفى سيرة ابن هشام قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هلم الىّ ثوبا
فأتى به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب
ثم ارفعوا جميعا ففعلوا حتى اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بنى عليه
انتهى فذهب رجل من أهل نجد ليناول النبىّ صلّى الله عليه وسلم حجرا يشدّ به
الحجر الاسود فقال العباس بن عبد المطلب لا ونحاه وناول العباس رسول الله
صلّى الله عليه وسلم حجرا فشدّ به الركن فغضب النجدى حين نحى فقال رسول
الله صلّى الله عليه وسلم ليس يبنى معنا فى البيت الامنا ثم بنى حتى انتهوا
الى موضع الخشب وسقفوا البيت وجعلوا فيه
(1/115)
ست دعائم فى صفين فى كل صف ثلاث دعائم من
الشق الشامىّ الذى يلى الحجر الى الشق اليمانى وجعلوا درجة من خشب فى بطنها
من الركن الشامى يصعد فيها الى ظهرها وزوّقوا سقفها وجدر انها من بطنها
ودعائمها وجعلوا فى دعائمها صور الانبياء والملائكة والشجر ولما كان يوم
الفتح أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بطمس تلك الصور فطمست وجعلوا لها
بابا واحدا فكان يغلق ويفتح وكانوا قد أخرجوا ما كان فى البيت من حلى ومال
وجعلوه عند أبى طلحة وأخرجوا هبلا ونصبوه عند المقام حتى فرغوا من بناء
البيت وربطوا ذلك المال فى الجب ونصبوا هبلا مكانه كما كان قبل ذلك وكسوها
حين فرغوا من بنائها خبرات يمانية* وفى سيرة ابن هشام وكانت الكعبة تكسى
القباطى ثم كسيت البرود وأوّل من كساها الديباج الحجاج بن يوسف ثم بنى
الكعبة بعد قريش عبد الله بن الزبير بعد أن هدمها كلها وسببه توهن الكعبة
من حجارة المنجنيق التى اصابتها حين حوصر ابن الزبير بمكة اذ تحصن فى
المسجد الحرام أوّل مرّة قبل حصار الحجاج حاصره الحصين بن نمير السكونى فى
أوائل سنة أربع وستين من الهجرة بأمر يزيد بن معاوية كما سيجىء فى الموطن
الثانى فى خلافة عبد الله بن الزبير روى أن أوّل حجر منها لما وقع على
الكعبة سمع لها أنين كأنين الريض آه آه ومما أصابها من ذلك من الحريق بسبب
النار التى أوقدها بعض أصحاب ابن الزبير فى خيمة له فصارت الرياح تلهب تلك
النار فأحرقت كسوة الكعبة والساج الذى جعل فى سافات جدارها حين عمرتها قريش
فضعفت جدران الكعبة حتى انها لتنقضّ من أعلاها الى أسفلها ويقع الحمام
عليها فتتناثر حجارتها ولما زال الحصار عن ابن الزبير لأدبار الحصين بن
نمير من مكة بعد أن بلغه خبر موت يزيد بن معاوية رأى ابن الزبير أن يهدم
الكعبة ويبنيها فوافقه على ذلك نفر قليل منهم جابر بن عبد الله وجبير بن
عمير وكره ذلك نفر كثير منهم عبد الله بن عباس ولما أجمع على هدمها خرج
كثير من أهل مكة الى منى فأقاموا بها ثلاثا مخافة أن يصيبهم عذاب بسبب
هدمها وأمر ابن الزبير جماعة من الحبشة فهدمتها رجاء أن يكون فيهم الذى
أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه يهدمها فهدمت الكعبة أجمع حتى بلغت
الارض وكان هدم ابن الزبير لها يوم السبت النصف من جمادى الآخرة سنة أربع
وستين* وفى رواية لما أمر ابن الزبير بهدمها ما اجترأ على ذلك أحد فلما رأى
ذلك علاها هو بنفسه وأخذ المعول وجعل يهدمها ويرمى أحجارها فلما رأوا أنه
لا يصيبه شىء اجترءوا فصعدوا وهدموا حتى بلغوا الاساس الاوّل فقال لهم
زيدوا فقالوا قد رأينا صخورا معمولة أمثال الابل الخلف قال يزيد بن رومان
شهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحجر وقد رأيت أساس ابراهيم
كأسنمة الابل فقال ابن الزبير زيدوا واحفروا فلما زادوا بلغوا هواء من نار
تلقاهم فقال ما لكم قالوا لسنا نستطيع أن نزيد رأينا أمرا عظيما فقال لهم
ابنوا عليه قال عطاء يرون أن ذلك الصخر من بناء آدم عليه السلام* وفى
العرائس هدم عبد الله بن الزبير الكعبة حتى ساواها بالارض وكان الناس
يطوفون بها من وراء الاساس ويصلون الى موضعها وجعل الحجر الاسود فى صندوق
عنده وقفل عليه وكان قد تصدّع وانكسر بثلاث فرق من الحريق الذى أصاب الكعبة
فانشطت منه شطية كانت عند بعض آل شيبة بعد ذلك بدهر طويل فشدّه ابن الزبير
بالفضة الا تلك الشطية من أعلاه بين موضعها فى أعلى الركن فلما بلغ البناء
موضع الركن جاء ابن الزبير حتى وضعه بنفسه وقيل وضعه ابنه عياد وشدّه
بالفضة وذكر الازرقى ان عبد الله بن الزبير أمر ابنه عبادا وجبير بن شيبة
أن يجعلا الركن فى ثوب واحد ويخرجانه وهو يصلى بالناس فى صلاة الظهر فى يوم
شديد الحرّ لئلا يعلم الناس بذلك فيتنا فسوا فى وضعه فيه ففعلا ذلك وقيل
وضعه حمزة بن عبد الله بن الزبير بأمر أبيه* وفى تاريخ الازرقى كان ابن
الزبير ربط الركن الاسود بالفضة لما أصابه من الحريق وكانت الفضة قد تزلزلت
وتقلقلت
(1/116)
حول الحجر حتى خافوا عليه أن ينقض فلما
اعتمر هارون الرشيد وجاور فى سنة تسع وثمانين ومائة أمر بالحجارة التى هى
بينها وبين الحجر الاسود فثقبت بالماس من فوقها ومن تحتها ثم أفرغ فيها
الفضة كذا فى شفاء الغرام وجعل لها بابين شرقيا وغربيا يدخل من الشرقى
ويخرج من الغربى وبناها على قواعد ابراهيم وأدخل فيها ما نقصته قريش من
الحجر وزاد فى طولها فى السماء تسعه أذرع أخرى فضار ارتفاعها سبعا وعشرين
ذراعا ولم تزل كذلك حتى قتل ابن الزبير ولما فرغ من بنائها خلقها من داخلها
وخارجها ومن أعلاها الى أسفلها بالمسك والعنبر* وفى ايضاح المناسك أن ابن
الزبير خلق حول الكعبة كله وعن عائشة لأن أطيب الكعبة أحب الىّ من أن أهدى
لها ذهبا أو فضة وكساها القباطى والديباج وقال من كانت لى عليه طاعة فليخرج
وليعتمر من التنعيم فمن قدر على أن ينحر بدنة فليفعل ومن لم يقدر فليذبح
شاة ومن لم يقدر فليتصدّق بقدر قدرته وخرج ماشيا وخرج الناس معه مشاة حتى
اعتمروا من التنعيم شكرا لله تعالى ولم ير يوم أكثر عتيقا ولا أكثر بدنة
منحورة ولا شاة مذبوحة ولا صدقة منه فى ذلك اليوم ونحر ابن الزبير مائة
بدنة* وأما بناء الحجاج ابن يوسف الثقفى فما روى أنه بناها بأمر عبد الملك
بن مروان حين أرسله الى حرب عبد الله بن الزبير فحاصره الحجاج بمكة وقتله
وصلبه بالحجون سنة أربع وسبعين وولى الحجاج الحجاز من قبل عبد الملك بن
مروان كذا فى العرائس وسيجىء فى الفصل الثانى من الموطن الاوّل وأن الحجاج
بعد ما حاصر ابن الزبير وظفر به كتب الى عبد الملك بن مروان يخبره أن ابن
الزبير زاد فى الكعبة ما ليس منها وأحدث فيها بابا آخر واستأذنه فى ردّ ذلك
على ما كانت عليه فى الجاهلية فكتب اليه عبد الملك أن يسدّ بابها الغربى
ويهدم ما زاد فيها ابن الزبير من الحجر ففعل ذلك الحجاج فبناؤه فى الكعبة
الجدار الذى من جهة الحجر بسكون الجيم والباب الغربى المسدود فى ظهر الكعبة
عند الركن اليمانى وما تحت عتبة الباب الشرقى وهو أربعة أذرع وشبر على ما
ذكره الازرقى وترك بقية الكعبة على بناء ابن الزبير وكان ذلك فى سنة أربع
وسبعين من الهجرة على ما ذكره ابن الاثير كذا فى شفاء الغرام* وفى العرائس
فنقض الحجاج بنيان الكعبة الذى بناه ابن الزبير بأمر عبد الملك وأعادها الى
بنائها الاوّل بمشهد من مشايخ قريش فهى اليوم على ما بناه الحجاج*
عدّة بناء الكعبة
وفى البحر العميق اعلم أن الكعبة بنيت سبع مرّات الاولى بناء الملائكة أو
آدم على الخلاف الثانية بناء ابراهيم الثالثة بناء العمالقة الرابعة بناء
جرهم الخامسة بناء قريش قبل الاسلام بخمسة أعوام وقد حضر النبىّ صلّى الله
عليه وسلم هذا البناء السادسة بناء عبد الله بن الزبير السابعة بناء الحجاج
بن يوسف الثقفى وهو الذى من ناحية حجر اسماعيل الذى هو موجود اليوم* وفى
شفاء الغرام لا شك أن الكعبة بنيت مرارا وقد اختلف فى عدد بنائها ويتحصل من
مجموع ما قيل فيه أنها بنيت عشر مرّات منها بناء الملائكة ومنها بناء آدم
ومنها بناء أولاده ومنها بناء ابراهيم ومنها بناء العماليق ومنها بناء جرهم
ومنها بناء قصىّ بن كلاب ومنها بناء قريش ومنها بناء ابن الزبير ومنها بناء
الحجاج ووجدت بخط عبد الله بن عبد الملك المرجانى ان عبد المطلب جدّ النبىّ
صلّى الله عليه وسلم بنى الكعبة بعد قصىّ وقبل بناء قريش ولم أر ذلك لغيره
وأخشى أن يكون ذلك وهما والله أعلم* وفى تشويق الساجد أن الحجاج هدم الكعبة
وبناها ولم يغير طولها فى السماء ونقص طولها فى الارض مما يلى الحجر منها
ستة أذرع وفى رواية سبعة أذرع تركها فى الحجر وبناها على أساس قريش فالدرجة
التى فى بطنها اليوم والبابان اللذان عليها اليوم هما من عمل الحجاج قال
واستمرّت الكعبة الى يومنا هذا على بناء الحجاج وسيبقى هذا البناء الى أن
تخربها الحبشة وتقلعها حجرا حجرا كما ورد فى الحديث وفى خبر آخر تجىء
الحبشة
(1/117)
ويخربونها خرابا لا تعمر بعده أبدا وهم
الذين يستخرجون كنزه أخرجه الحاكم فى مستدركه* وفى المستدرك أيضا أن النبىّ
صلّى الله عليه وسلم قال ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج
قال العلماء لا يغير هذا البناء ويروى أن الخليفة هارون الرشيد وقيل أبوه
المهدى وقيل جدّه المنصور أراد أن يغير ما صنعه الحجاج فى الكعبة وأن
يردّها الى ما صنع ابن الزبير فهاه عن ذلك الامام مالك بن أنس وقال نشدتك
الله يا أمير المؤمنين لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك لا يشاء أحد منهم أن
يغيره الا غيره أو قال الا نقضه وبناه فتذهب هيبته من قلوب الناس كذا فى
شفاء الغرام*
نقل الحجر الاسود
وذكر أهل التاريخ أن عبد الله أبا طاهر القرمطى وهو منسوب الى رجل يقال له
حمدان قرمط وهى احدى قرى واسط وسيجىء فى الخاتمة فى خلافة المقتدر بالله
وافى مكة فى سابع ذى الحجة وقيل فى ثامنه سنة سبع عشرة وثلاثمائة فى خلافة
المقتدر بالله وفعل فيها هو وأصحابه أمورا منكرة منها أن بعضهم ضرب الحجر
الاسود بدبوس فكسره ثم قلعه وقيل قلعه جعفر بن علاج البناء بأمر أبى طاهر
يوم الاثنين بعد الصلاة لاربع عشرة ليلة خلت من ذى الحجة من السنة المذكورة
وقلع الباب وأصعد رجلا من أصحابه ليقلع الميزاب فتردى ومات وأخذ اسلاب اهل
مكة والحجاج وانصرف ومعه الحجر الاسود وعلقه على الاسطوانة السابعة من
الجانب الغربى من جامع الكوفة ظنا منه أن الحج ينتقل الى الكوفة ثم حمل الى
بلاد هجر وبقى عند القرامطة اثنين وعشرين سنة الا أربعة أيام كذا قال
المسيحى وقيل الاشهرا وقيل ثمانية وعشرين سنة* وفى العرائس قلع القرمطى
صاحب البحرين لعنه الله الحجر الاسود عام أوقع بالحجيج بمكة فذهب به مع
أسرى من الحجاج الى البحرين وكان الامير يحكم التركى مدبرا للخلافة ببغداد
بذل للقرمطى خمسين ألف دينار ليردّه فأبوا وقالوا أخذناه بأمر ولا نردّه
الا بأمر* وقيل ان المطيع لله العباسى اشتراه بثلاثين ألف دينار من
القرامطة كذا قال ابن جماعة فى منسكه وفيه نظر لان أبا طاهر مات قبل خلافة
المطيع فى سنة اثنين وثلاثين وثلثمائة على ما ذكره ابن الاثير وغيره وقيل
ان أبا طاهر باعه من المقتدر بالله بثلاثين ألف دينار وأعيد الى موضعه من
البيت فى خلافة المطيع لله لخمس خلون من ذى الحجة سنة تسع وثلاثين وثلثمائة
وبقى موضع الحجر الاسود من الكعبة خاليا مدّة بقائه عند القرامطة يضع الناس
فيه أيديهم للتبرّك الى حين ردّ الى موضعه من الكعبة المعظمة وذلك فى يوم
الثلاثا يوم النحر سنة تسع وثلاثين وثلثمائة على ما ذكره المسيحى روى أنه
لما أخذه القرمطى هلك تحته أربعون جملا ولما أعيد أنفذ على قعود أعجف فسمن
تحته وزاد جسمه الى مكة وذكر المسيحى أن الذى وافى به مكة سنبر ابن الحسن
القرمطى وان سنبر لما صار بفناء الكعبة ومعه أمير مكة أظهر الحجر من سفط
وعليه ضبات من فضة وقد عملت من طوله ومن عرضه تضبط شقوقا حدثت عليه بعد
انقلاعه وأحضر معه جصا ليشدّ به فوضع سنبر الحجر بيده وشدّه الصانع بالجص
وقال سنبر لما ردّه أخذناه بقدرة الله ورددناه بمشيئة الله تعالى ونظر
الناس الى الحجر فتنافسوه وقبلوه واستلموه وحمدوا الله تعالى وكان ردّ
الحجر الى موضعه قبل حضور الناس لزيارة الكعبة يوم النحر وسيجىء فى الخاتمة
فى خلافة المقتدر بالله وأما ما صنعه الحجبة بالحجر الاسود بأثر ردّ
القرمطى له فذكر المسيحى أنه فى سنة أربعين وثلثمائة قلع الحجبة الحجر
الاسود الذى نصبه سنبر وجعلوه فى الكعبة خوفا عليه وأحبوا أن يجعلوا له
طوقا من فضة يشدّ به كما كان قديما حين عمله ابن الزبير فأخذ فى اصلاحه
صانعان صادقان فعملا له طوقا من فضة وأحكماه ونقل المسيحى عن محمد بن نافع
الخزاعى أن مبلغ ما على الحجر الاسود من الطوق وغيره ثلاثة آلاف وسبعمائة
وتسعون درهما ونصف على ما قيل انتهى وهذه الحلية غير حلية الحجر الاسود
الآن لان داود بن عيسى الحسنى أمير مكة أخذ طوق الحجر الاسود قبل عزله من
مكة فى سنة خمس وثمانين وخمسمائة
(1/118)
على ما ذكره أبو شامة وغيره ولم أتحقق أن
الحجر الاسود قلع من موضعه بعد ردّ القرامطة له الى يومنا هذا غير أن بعض
الفقهاء المصريين أخبرنى أن الحجر قلع من موضعه سنة احدى وثمانين وسبعمائة
وأما ما أصاب الحجر الاسود بعد فتنة القرامطة له من بعض الملاحدة مثلهم
فذكر أبو عبد الله محمد بن على بن عبد الرحمن أنه فى سنة ثلاث عشرة
وأربعمائة يوم النفر الاوّل قام رجل فقصد الحجر الاسود فضربه ثلاث ضربات
بدبوس فتشقق وجه الحجر من تلك الضربات وتساقطت منه شطايا مثل الاظفار وخرج
مكسره أسمر يضرب الى الصفرة محببا مثل الخشخاش فأقام الحجر على ذلك يومين
ثم ان بنى شيبة جمعوا الفتات وعجنوها بالمسك واللك وحشوا الشقوق وطلوها
بطلاء من ذلك وذكر ابن الاثير هذه الحادثة فى أخبار سنة أربع عشرة
وأربعمائة ثم بعث الوليد بن عبد الملك الى واليه على مكة خالد بن عبد الله
القشيرى بستة وثلاثين ألف دينار فضرب منها على باب الكعبة صفائح الذهب وعلى
ميزاب الكعبة وعلى الاساطين التى فى بطنها وعلى الاركان التى فى جوفها فكل
ما على الاركان والميزاب من الذهب فهو من عمل الوليد وهو أوّل من ذهب البيت
فى الاسلام وأما ما كان على الباب من عمل الوليد فبقى كذلك الى أن رق
وتفرّق فرفع ذلك للمعتصم محمد بن الرشيد فى خلافته فأرسل الى سالم بن
الجرّاح عامله على مكة بثمانية عشر ألف دينار ليضرب بها صفائح على باب
الكعبة فقلع ما كان على الباب من الصفائح وزاد عليه الثمانية عشر ألف دينار
فضرب الصفائح التى عليه اليوم وحلقتا الباب والعتبة كلها من عمل أمير
المؤمنين المعتصم محمد بن الرشيد فالذى على الباب من الذهب ثلاثة وثلاثون
ألف مثقال وعمل للوليد بن عبد الملك الرخام الاخضر والابيض والاحمر فى
بطنها مؤزرا به جدرانها وفرشها بالرخام فجميع ما فى الكعبة من الرخام هو من
عمل الوليد بن عبد الملك وهو أوّل من فرشها بالرخام وازربه جدرانها وهو
أوّل من زخرف المساجد*
أوّل من كسا الكعبة
قال الازرقى قال ابن جريج كان تبع أوّل من كسا البيت كسوة كاملة أرى فى
المنام أن يكسوها فكساها الايطاع ثم أرى أن يكسوها فكساها الوصائل وهى ثياب
مخططة يمانية كذا فى الصحاح* وفى ايضاح النووى الوصائل ثياب حبرة من عصب
اليمن* وفى الوفاء اسم تبع الذى كسا الكعبة أسعد* وفى شفاء الغرام كسيت
الكعبة فى الجاهلية والاسلام أنواعا من الكساء منها الخصف والمغافر والملاء
والوصائل والعصب كساها كلها تبع الحميرى وكان مؤمنا وقد سبق ذكره وكساها
النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثيابا يمانية وكساها أبو بكر وعمرو عثمان قباطى
من مصر وكساها معاوية وابن الزبير رضى الله عنهم ومن بعدهم كذا روى الازرقى
وكانت تكسى يوم عاشوراء ثم صار معاوية يكسوها فى السنة مرّتين ثم كان
المأمون يكسوها ثلاث مرّات فيكسوها الديباج الاحمر يوم التروية والقباطى
يوم هلال رجب والديباج الابيض يوم سبع وعشرين من رمضان وهذا الابيض ابتدأه
المأمون سنة ست ومائتين حين قالوا له الديباج الاحمر يتخرّق قبل الكسوة
الثانية فسأل عن أحسن ما تكون الكعبة فيه قيل الديباج الابيض ففعله وكان
عبد الله بن الزبير يجمر الكعبة كل يوم برطل من الطيب ويوم الجمعة برطلين
وأجرى معاوية للكعبة الطيب لكل صلاة وأجرى الزيت لقناديل المسجد الحرام من
بيت المال*
ذرع الكعبة
وفى تشويق الساجد أما ذرع الكعبة الشريفة وذرع ما بين الاركان وغيرهما
فاعلم أن الذراع أربع وعشرون أصبعا مضمومة سوى الابهام بعدد حروف لا اله
الا الله محمد رسول الله والاصبع ست شعيرات والشعيرة ست شعرات من شعر البغل
وذرع الكعبة الشريفة اليوم ارتفاعها الى السماء سبعة وعشرون ذراعا وربع
ذراع ومن الركن الاسود الى الركن العراقى ثلاثة وعشرون ذراعا وربع ذراع ومن
الركن العراقى الى الركن الشامى اثنان وعشرون ذراعا ومن الركن الشامى الى
الركن اليمانى أربعة وعشرون ذراعا
(1/119)
وشبر والشبر اثنا عشر أصبعا ومن الركن
اليمانى الى الركن الاسود أحد وعشرون ذراعا وشبر* وفى ايضاح النووى الكعبة
اليوم طولها فى السماء سبعة وعشرون ذراعا وأما طولها فى الارض وهو ما بين
الركن الاسود والركن العراقى الذى يلى باب الحجر الذى يلى المقام فخمسة
وعشرون ذراعا وبين اليمانى والغربى كذلك وأما عرضها وهو ما بين الركنين
اليمانى والاسود فعشرون ذراعا وبين الشامى والغربى أحد وعشرون ذراعا* قال
العبد الضعيف حسين بن محمد الديار بكرى غفر الله لهما أنا لما ذرعت بين
أركان الكعبة الشريفة وغيرها فى شوّال سنة احدى وثلاثين وتسعمائة وجدت
بعضها مخالفا لما فى التشويق والايضاح فوجدت بين الركن الاسود والعراقى
أربعة وعشرين ذراعا ونصف ذراع مخالفا لما فى الكتابين معا وبين العراقى
والغربى أحدا وعشرين ذراعا موافقا لما فى الايضاح وبين الغربى واليمانى
خمسة وعشرين ذراعا كما فى الايضاح أيضا وبين اليمانى والاسود أحدا وعشرين
ذراعا وسبع أصابع مخالفا لما فى الكتابين معا* وفى تشويق الساجد وعرض جدار
الكعبة ذراعان ولها سقفان أحدهما فوق الآخر وفيها ثلاثة أعمدة مصطفة على
طولها كلها من خشب الساج وعرض الباب أربعة أذرع وارتفاع الباب وطوله الى
السماء ستة أذرع وعشرة أصابع والباب فى الجدار الشرقى والباب من خشب الساج
مضبب بصفائح من الفضة وعرض سطح الكعبة ثمانية عشر ذراعا فى خمسة عشر ذراعا
والميزاب فى وسط الجدار الذى يلى الحجر وعرض الملتزم وهو ما بين الباب
والحجر الاسود أربعة أذرع وارتفاع الحجر الاسود من الارض ثلاثة أذرع
الاسبعة أصابع وعرض القدر الذى يرى منه شبر وأربعة أصابع مضمومة* قال حسين
بن محمد أنا وجدت عرض الملتزم أربعة أذرع وستة أصابع وارتفاع ما تحت عتبة
الباب من الارض أربعة أذرع وثلاثة أصابع وعرض المستجار وهو ما بين الركن
اليمانى الى الباب المسدود فى ظهر الكعبة مقابلا للملتزم أربعة أذرع وخمسة
أصابع ويسمى ذلك الموضع مستجارا من الذنوب وعرض الباب المسدود ثلاثة أذرع
ونصف ذراع* وفى الايضاح وأما الحجر فهو محوط مدوّر على صورة نصف دائرة وهو
خارج من جدار البيت فى صوب الشام وهو كله أو بعضه من البيت تركته قريش حين
بنت البيت وأخرجته عن بناء ابراهيم وصار له جدار قصير وروى عن عائشة رضى
الله عنها أنها نذرت ان فتح الله تعالى مكة على رسول الله صلّى الله عليه
وسلم تصلى فى البيت ركعتين فلما فتحت مكة أخذ رسول الله صلّى الله عليه
وسلم بيدها وأدخلها الحطيم وقال صلّى هاهنا فان الحطيم من البيت الا أن
قومك قصرت بهم النفقة فأخرجوه من البيت ولولا حدثان عهد قومك بالجاهلية
لنقضت بناء الكعبة وأظهرت قواعد الخليل وأدخلت الحطيم فى البيت وألصقت
العتبة بالارض وجعلت له بابين شرقيا وغربيا ولئن عشت الى قابل لا فعلنّ ذلك
ولم يعش ولم يفرغ لذلك الخلفاء الراشدون حتى كان فى زمن عبد الله بن الزبير
وكان سمع الحديث من عائشة ففعل ذلك وأظهر قواعد الخليل بمحضر من الناس
وأدخل الحطيم فى البيت فلما قتل كره الحجاج أن يكون بناء البيت على ما فعله
ابن الزبير فنقض بناء البيت وأعاده على ما كان فى الجاهلية كذا فى شرح
الوقاية* قال الازرقى فى تاريخ مكة الحجر ما بين الركن الشامى والغربى
وأرضه مفروشة برخام وهو مستو بالشاذر وان الذى تحت ازار الكعبة وعرضه من
جدار الكعبة الذى تحت الميزاب الى جدار الحجر سبعة عشر ذراعا وثمانية أصابع
وذرع ما بين بابى الحجر عشرون ذراعا وذرع جداره من داخله فى السماء ذراع
وأربعة عشر أصبعا وذرعه مما يلى الباب الذى يلى المقام ذراع وعشرون أصبعا
وذرعه من خارجه مما يلى الركن الشامى ذراع وستة عشر أصبعا وطوله فى وسطه فى
السماء ذراعان وثلاثة أصابع وعرض الجدار ذراعان الا أصبعين وذرع تدوير
الحجر من داخله ثمانية
(1/120)
وثلاثون ذراعا ومن خارجه أربعون ذراعا وستة
أصابع وطول الشاذروان فى السماء ستة عشر أصبعا وعرضه ذراع وذرع طوفة واحدة
حول الكعبة والحجر مائة ذراع وثلاثة وعشرون ذراعا واثنا عشر أصبعا أقول وما
ذرعته مخالف لبعض هذا أيضا وسيجىء وأما الشاذر وان فهو الاحجار اللاصقة
بجدار الكعبة عليها البناء المسنم القصير المرخم من جوانبها الثلاثة الشرقى
والغربى واليمانى وبعض حجارة الجانب الشرقى لا بناء عليه وهو شاذر وان أيضا
وأما الاحجار اللاصقة بجدار الكعبة التى تلى الحجر فليس بشاذر وان لان
موضعها من الكعبة بلا ريب كذا فى شفاء الغرام* قال العبد الضعيف حسين بن
محمد الديار بكرى أنا ذرعت ذلك فوجدت طول الشاذر وان فى السماء فى بعض
المواضع ذراعا وستة أصابع وفى بعضها ذراعا وأربعة أصابع وعرضه فى بعض
المواضع اثنين وعشرين اصبعا وفى بعضها ثمانية عشرا صبعا والشاذر وان ليس من
الكعبة عند الائمة الحنفية بل هو عارض ملصق بأصل الجدار لاحكامه ومن البيت
عند الائمة الشافعية وهو المقدار الذى ترك من عرض الاساس خارجا من الجدار
خاليا عن البناء الطويل فان قريشا لما رفعت الاساس بمقدار ثلاثة أصابع من
وجه الارض نقصوا عرض الجدار عن الاساس وأما خبر عمارة الحجر فروى أن
المنصور العباسى لما حج دعا زياد بن عبيد الله الحارثى أمين مكة فقال انى
رأيت الحجر حجارته بادية فلا أصبحنّ حتى يصير جدار الحجر بالرخام فدعا زياد
بالعمال فعملوا على السراج قبل أن يصبح وكان قبل ذلك مبنيا بحجارة بادية
ليس عليه رخام وكان ذلك فى سنة احدى وأربعين ومائة ثم ان المهدى بعد ذلك فى
سنة احدى وستين ومائة جدّد رخامه برخام حسن قال صاحب شفاء الغرام لم يذكر
الازرقى السنة التى أمر فيها المنصور بعمل رخامه* قال العبد الضعيف مؤلف
الكتاب حسين بن محمد الديار بكرى عفا الله عنه وعن أسلافه لما ذرعت وجدت
عرض الحجر من تحت ازار الكعبة الى جدار الحجر سبعة عشر ذراعا وسبعة عشر
أصبعا وما بين بابى الحجر عشرين ذراعا وتسعة عشر أصبعا وعرض كل من بابى
الحجر خمسة أذرع وأربعة عشر أصبعا ووجدت ارتفاع جدار الحجر من الارض ذراعين
وثمانية أصابع وعرض جدار الحجر ذراعين وأحدا وعشرين أصبعا ووجدت ذرع تدوير
جدار الحجر من داخله أربعة وثلاثين ذراعا وسبعة عشر أصبعا ومن خارجه أربعة
وأربعين ذراعا وأربعة أصابع فذرع طوفة واحدة حول الكعبة والحجر على ما ذرعه
مائة وسبعة وأربعون ذراعا وثلاثة أصابع* وفى شفاء الغرام من فضائل الحطيم
أن فيه قبر تسعة وتسعين نبيا عن عبد الله بن ضمرة السلولى يقول ما بين
الركن الى المقام الى زمزم قبر تسعة وتسعين نبيا جاء واحجاجا فقبضوا هناك*
وعن محمد بن سائط عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال كان النبىّ صلّى الله
عليه وسلم من الانبياء اذا هلكت أمته لحق بمكة فيعبد الله تعالى فيها حتى
يموت فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام وقبورهم بين زمزم والحجر*
وفى العمدة فى الحديث ما من نبىّ هرب من قومه الا هرب الى مكة فيعبد الله
فيها حتى يموت فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب ذكر الازرقى خبرا يقتضى أن
يكون فى الحطيم قبر تسعين نبيا قال مقاتل فى المسجد الحرام بين زمزم والركن
قبر تسعين نبيا منهم هود وصالح واسماعيل وقبر آدم وابراهيم واسحاق ويعقوب
ويوسف عليهم السلام فى بيت المقدس عن ابن اسحاق قال كان من حديث جرهم وبنى
اسماعيل لما توفى اسماعيل دفن فى الحجر مع أمه وزعموا أنها فيه دفنت حين
ماتت قال المسعودى قبض اسماعيل وله من العمر مائة وسبع وثلاثون سنة ودفن فى
المسجد الحرام جيال الموضع الذى فيه الحجر الاسود كذا فى شفاء الغرام وطول
الحفيرة المرخمة الملاصقة للكعبة فى المطاف من جهة الشرق ثمانية أشبار
وسبعة أصابع مضمومة روى أنّ الفقيه اسماعيل الحضرمى لما حج الى مكة سأل
الشيخ محب الدين الطبرى عن الحفيرة الملاصقة للكعبة فى المطاف فأجاب
(1/121)
الشيخ محب الدين بأن الخفيرة مصلى جبريل
بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم* وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الحفيرة
الملاصقة للكعبة بين الباب والحجر هى المكان الذى صلّى فيه جبريل عليه
السلام بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم الصلوات الخمس فى اليومين حين فرضها
الله على أمته قال القاضى عز الدين ابن جماعة فى مناسكه الكبرى ولم أر ذلك
لغيره وفيه بعد لان ذلك لو كان صحيحا لنبهوا عليه بالكتابة فى الحفيرة ولما
اقتصروا على التنبيه على من أمر بعمل المطاف انتهى كلامه وليس هذا بلازم
لانه يحتمل أن يكون الامر كما قال عز الدين بن عبد السلام ولا يلزم التنبيه
بالكتابة عليه والشيخ عز الدين ناقل وهو حجة على من لم ينقل كذا فى البحر
العميق وأما مقام ابراهيم عليه السلام فقال عز الدين بن جماعة وحرّرت لما
كنت بمكة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة مقدار ارتفاع المقام من الارض فكان نصف
ذراع وربع ذراع وثمن ذراع بالذراع المستعمل فى زماننا بمصر فى القماش وأعلى
المقام مربع من كل جهة نصف ذراع وربع ذراع وموضع عرض القدمين فى المقام
ملبس بفضة وعمقه من فوق الفضة سبعة قراريط ونصف قيراط من ذراع القماش
والمقام يومئذ فى صندوق من حديد حوله شباك من حديد وعرض الشباك عن يمين
المصلى ويساره خمسة أذرع وثمن ذراع وطوله الى جهة الكعبة خمسة أذرع
الاقيراطين وخلف الشباك المصلى وهو محوز بعمودين من حجارة وحجرين من جانبى
المصلى وطول المصلى خمسة أذرع وسدس ذراع ومن شباك الصندوق الذى هو داخل
المقام الى شاذروان الكعبة عشرون ذراعا وثلثا ذراع وثمن ذراع كل ذلك
بالذراع المتقدّم ذكره انتهى كلام ابن جماعة كذا فى البحر العميق ومن الحجر
الاسود الى المقام سبعة وعشرون ذراعا وفى السروجى تسعة وعشرون ذراعا وبين
المقام وبين الصفا مائة وأربع وستون ذراعا وذرع بئر زمزم من أعلاها الى
أسفلها أعنى عمقها سبع وستون ذراعا وعرض رأس البئر أربعة أذرع ومن الكعبة
الى بئر زمزم ثلاث وثلاثون ذراعا وما بين المقام الى بئر زمزم احد وعشرون
ذراعا وأما عرض البلاط المفروش بالمطاف فمن صوب المشرق وباب السلام من شباك
مقام ابراهيم الى شاذر وان الكعبة مقابلا له أربع وأربعون قدما ومن صوب
الشمال والمقام الحنفى من طرف المطاف الى جوار الحجر مقابلا له ثمان
وأربعون قدما ومن صوب المغرب والمقام المالكى من طرف المطاف الى شاذر وان
الكعبة خمس وستون قدما وهو أبعد الجوانب من الكعبة ومن صوب الجنوب والمقام
الحنبلى من طرف المطاف الى الشاذروان الذى تحت الحجر الاسود سبع وأربعون
قدما*
مقامات الائمة ومصلاهم
وأما مقامات الائمة الاربعة ومصلاهم فمقام الشافعى من صوب المشرق مستقبلا
الى وجه الكعبة خلف مقام ابراهيم وأما مقام الحنفى فمن جهة الشمال مستقبلا
الى الميزاب وهو قبلة أهل المدينة وأما مقام المالكى فمن جهة المغرب وأما
مقام الحنبلى فمن جهة الجنوب وأبى قبيس مستقبلا الى الحجر الاسود والمقامات
الاربع المذكورة كلها وراء المطاف وخلف بئر زمزم قبة الفرّاشين والشموع
وخلف قبة الفرّاشين قبة أخرى وهى سقاية العباس* وأما المسجد الحرام فكان
فناء حول الكعبة للطائفين ولم يكن له على عهد رسول الله صلّى الله عليه
وسلم وأبى بكر رضى الله عنه جدار يحيط به وانما كانت الدور محدقة به وبين
الدور أبواب يدخل الناس منها من كل ناحية فلما استخلف عمر بن الخطاب وكثر
الناس وسع المسجد واشترى دورا فهدمها وأدخلها فيه ثم أحاط عليه جدارا قصيرا
دون القامة وكانت المصابيح توضع عليه فكان عمر أوّل من اتخذ الجدار للمسجد
الحرام ثم لما استخلف عثمان ابتاع المنازل فى سنة ست وعشرين ووسع الحرم بها
أيضا وبنى المسجد والاروقة فكان عثمان أوّل من اتخذ للمسجد الحرام الاروقة
ثم ان عبد الله بن الزبير زاد فى المسجد زيادة كثيرة واشترى دورا من جملتها
بعض دار الازرقى اشترى ذلك ببضع عشرة ألف دينار وأدخلها فيه ثم عمره
(1/122)
بعده عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه لكن
رفع جدار المسجد وسقفه بالساج المزخرف وعمره عمارة حسنة ثم ان الوليد بن
عبد الملك وسع المسجد وحمل اليه أعمدة الحجارة والرخام ثم ان المنصور زاد
فى المسجد فى شقه الشامى وبناه وجعل فيه أعمدة الرخام ثم زاد المهدى بعده
مرّتين احداهما بعد سنة ستين ومائة والثانية سنة سبع وستين ومائة الى سنة
تسع وستين ومائة وفيها توفى المهدى واستقرّ بناؤه الى يومنا هذا وكانت
الكعبة فى جانب من المسجد فأحب أن تكون فى الوسط فاشترى الدور من الناس
ووسطها كذا ذكره النووى فى الايضاح وفى البحر العميق زيادة المهدى الزيادة
التى تلى دار الندوة* وفى البحر العميق حج المهدى أمير المؤمنين سنة ستين
ومائة وأمر بأساطين الرخام فنقلت فى السفن من الشام حتى أنزلت بجدّة ثم
جرّت على العجل من جدّة الى مكة وجعلت أساطين* وفى البحر العميق عن أبى
هريرة قال انا لنجد فى كتاب الله تعالى أن حدّ المسجد الحرام من الحزورة
الى المسعى* وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أساس المسجد الحرام الذى
وضعه ابراهيم عليه السلام من الحزورة الى المسعى الى مخرج سيل أجياد قال
والمهدى وضع المسجد على المسعى* وعن عطاء بن أبى رباح المسجد الحرام الحرم
كله وأما طول المسجد الحرام فهو من باب بنى شيبة المشهور بباب السلام فى
الجدار الشرقى للمسجد الى باب العمرة فى الجدار الغربى فأربعمائة ذراع
وأربعة أذرع كذا فى البحر العميق فذلك مائتان وثمانون خطوة وأما عرضه وهو
من باب بنى مخزوم المشهور بباب الصفا فى الجدار الجنوبى للمسجد الى الجدار
الاصلى له فى جهة الشمال الذى عند باب دار الندوة فثلثمائة ذراع وأربعة
أذرع كذا فى البحر العميق فذلك مائتان وست خطوات وفى السروجى ثلثمائة ذراع
وعشرة أذرع والله أعلم*
(ذكر عدد أبواب المسجد الحرام)
* فى البحر العميق عدد أبوابه اليوم تسعة عشر بتقديم التاء على السين تنفتح
على ثمانية وثلاثين مدخلا فى جدرانه الاربع أما أبوابه فى جداره الشرقى
فأربعة* الاوّل باب بنى شيبة ويقال له باب السلام وباب بنى عبد شمس بن عبد
مناف وبه كان يعرف فى الجاهلية والاسلام عند أهل مكة وفيه ثلاثة مداخل قال
الازرقى وهو الذى كان يدخل منه الخلفاء* النانى باب النبىّ صلّى الله عليه
وسلم ويعرف اليوم بباب الجنائز وانما قيل له باب النبىّ صلّى الله عليه
وسلم لان النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يخرج منه الى بيت خديجة رضى الله
عنها وفيه مدخلان* الثالث باب العباس بن عبد المطلب وعنده علم المسعى من
خارج وفيه ثلاثة مداخل وسماه صاحب النهاية وابن الحاج باب الجنائز ولعله
كانت يصلى عليها فيه* الرابع باب على وفيه ثلاثة مداخل* وأما أبوابه فى
جداره الجنوبى فسبعة* الاوّل باب بنى عائد ويقال له اليوم باب بازان وفيه
مدخلان* الثانى باب بنى سفيان بن الاسد ويقال له اليوم باب البغلة وفيه
مدخلان وسماه صاحب النهاية باب الحناطين* الثالث باب بنى مخزوم ويقال له
اليوم باب الصفا وفيه خمسة مداخل* الرابع باب أجياد الصغير وفيه مدخلان*
الخامس باب المجاهدية وفيه مدخلان ويقال له باب الرحمة وهو من أبواب بنى
مخزوم وكذا باب أجياد الصغير كذا ذكره الازرقى فيهما* السادس باب مدرسة
الشريف عجلان بن رميثة وفيه مدخلان ويقال له باب بنى تميم وسماه صاحب
النهاية باب العلافين* السابع باب أمّ هانئ بنت أبى طالب وفيه مدخلان وهذا
الباب مما يلى دور بنى عبد شمس وبنى مخزوم ويقال لهذا الباب باب الملاعبة
ويقال له باب العرج على ما وجد بخط الاقشهرى وسماه صاحب النهاية باب أبى
جهل* وأما أبوابه فى جداره الغربى فثلاثة الاوّل باب الحزورة وهو الذى يلى
المنارة التى تلى أجياد الكبير سمى باب الحزورة باسم أمة لرجل يقال له وكيع
بن سلمة وكان اليه أمر البيت فبنى فيه ضريحا جعل فيه أمة يقال لها حزورة
كذا فى شفاء الغرام وسيجىء ذلك فى ذكر ظهور زمزم وعامة أهل مكة يسمونه باب
(1/123)
عزورة بالعين وانما هى بالحاء المهملة وفيه
مدخلان قال الازرقى ويقال له باب حكيم بن حزام وبنى الزبير بن العوّام
والغالب عليه باب الحزامية* الثانى باب ابراهيم وكان فيه فى الزمن السابق
مدخلان أحدهما كبير وأما اليوم فدخل واحد كبير وذكر أبو عبيدة البكرى أن
ابراهيم المنسوب اليه هذا الباب هو خياط كان عنده على ما قيل ونسبه سعد
الدين الاسفراينى فى كتاب زبدة الاعمال فقال ابراهيم الاصبهانى وبعضهم
ينسبه الى ابراهيم الخليل عليه السلام ولا وجه لخصوصيته دون سائر الابواب
والله أعلم قال الازرقى ويقال له باب الخياطين* الثالث باب بنى سهم ويعرف
اليوم بباب العمرة وهو مدخل واحد وأما أبوابه فى جداره الشمالى فخمسة*
الاوّل باب سدّة الوهوط ويقال له باب عمرو ابن العاص وهو مدخل واحد صغير*
الثانى باب دار العجلة وهو مدخل واحد صغير* الثالث باب دار الندوة وهو مدخل
واحد* الرابع باب زيادة دار الندوة قال الازرقى وهو باب دار شيبة بن عثمان
يسلك منه الى السويقة وفيه مدخلان* الخامس باب الزريبة وهو مدخل واحد صغير
كذا ذكره فى البحر العميق*
(ذكر عدد الاساطين التى فى المسجد الحرام)
* فى البحر العميق الاساطين التى حول المسجد الحرام غير ما فى الزيادتين
أربعمائة اسطوانة وتسع وستون اسطوانة بتقديم التاء على السين وهى مصفوفة فى
كل جانب من جوانبه الاربع ثلاثة صفوف وأما عدد أساطين زيادة باب ابراهيم
فسبع وعشرون اسطوانة وأما عدد أساطين زيادة باب دار الندوة فست وستون
اسطوانة وأما الاساطين التى حول المطاف لتعليق القناديل فثلاث وثلاثون
اسطوانة منها اسطوانتان من حجارة وهما اللتان تليان مقام ابراهيم من جانبيه
والبواقى وهى احدى وثلاثون اسطوانة من صفر والله أعلم*
عدد منائر المسجد الحرام
وأما منائر المسجد الحرام فست أربع منها فى زواياه الاربع وواحدة فى زيادة
باب دار الندوة وواحدة فى مدرسة قايتباى المتصلة بجدار المسجد*
فضيلة مكة
وأما الفضيلة فاعلم أن العلماء اختلفوا فى أن مكة حرسها الله تعالى أفضل أم
المدينة فعند أبى حنيفة والشافعى رحمهما الله أن مكة أفضل من المدينة سوى
موضع قبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال مالك المدينة أفضل من مكة وأما
المجاورة بمكة فقد اختلف علماء الدين فى ذلك فذهب أبو حنيفة وبعض أصحاب
الشافعى من المحتاطين فى دين الله من أرباب القلوب الى أن المقام بها مكروه
لقوله عليه السلام من فرغ من حجه فليعجل الرجوع الى أهله فانه أعظم لاجره
ولان كثرة المشاهدة توجب التبرّم وتقلل الحرمة من حيث العادة ولهذا قال
صلّى الله عليه وسلم لابى هريرة يا أبا هريرة زرغبا تزدد حبا وقال عمر رضى
الله عنه لما فرغ من نسك الحج يا أهل اليمن يمنكم ويا أهل الشام شامكم ويا
أهل العراق عراقكم* وقد روى أن عمر رضى الله عنه همّ أن يمنع الناس عن كثرة
الطواف وقال خشيت أن يأنس الناس هذا البيت فتزول هيبته من صدورهم وقال ابن
عباس رضى الله عنه حين اختار المقام من مكة الى الطائف وحواليه لأن أذنب
خمسين وفى ربيع الابرار سبعين ذنبا بركبة أحب الىّ من أن أذنب ذنبا واحدا
بمكة والركبة موضع بين مكة والطائف بقرب الطائف كثير العشب والماء* وقال
ابن مسعود رضى الله عنه ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمة قبل العمل الا
مكة وتلاهذه الآية والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه
والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم أى ومن يرد الميل عن
الحق بمجرّد النية والارادة والالحاد الميل والباء فيه زائدة كما فى قوله
تعالى تنبت بالدهن وقال ان السيئات تتضاعف كما تتضاعف الحسنات فيه لان
الباء للمصاحبة وليست بزائدة* وقال أبو يوسف ومحمد وجماعة من أصحاب الشافعى
وغيرهم من العلماء انه يجوز ذلك من غير كراهة لقوله تعالى وطهر بيتى
للطائفين والقائمين مطلقا ولقوله صلّى الله عليه وسلم مكة والمدينة ينفيان
الذنوب كما ينفى الكير خبث
(1/124)
الحديد الا فمن صبر على حرّها ولأوائها
وشدّتها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة* ولما ورد فى الاحاديث أن
المقام بمكة سعادة والخروج منها شقاوة ثم بعض العلماء من المحتاطين فى
الدين يكرهون أيضا المنع من الاقامة والمجاورة لانه منع من الطاعة والعبادة
ويحتمل أن المجاور يفى بحقّ الكعبة وما يتعلق به من التعظيم والحرمة
والحاصل أن من لم يقدر على الوفاء بحقه كما يجب فترك المقام والمجاورة أفضل
له لما فيه من وجود التقصير والتبرّم والاخلال بحرمته وتعظيمه وتوقيره كما
هو المشهور ومن قدر على المجاورة والمقام بها على وجه يتمكن من الوفاء بحقه
وحرمته وتعظيمه على وجه تبقى تلك الحرمة فى عينه كما دخل فيها فهيهات هيهات
فذلك الفوز الكبير والفضل الكثير الذى لا يوازيه شىء كما نطق به سيد البشر
صلوات الله وسلامه عليه النظر الى الكعبة عبادة ومن نظر الى البيت ايمانا
واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ومن نظر الى البيت من غير طواف
ولا صلاة تطوّعا فذلك عند الله أفضل من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها
وعن ابن عباس أنه قال لا أعلم على وجه الارض بلدة يكتب لمن نظر الى بعض
بنيانها عبادة الدهر وصيام الدهر الا مكة* وقال صلّى الله عليه وسلم صلاة
فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام فان
صلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة اذا صلاها وحده وان صلاها فى
جماعة فان صلاته بألفى ألف صلاة وخمسمائة ألف صلاة وصلاة الرجل فى المسجد
الحرام كله اذا صلاها وحده بمائة ألف صلاة فاذا صلاها فى جماعة فصلاته
بألفى ألف صلاة وخمسمائة ألف صلاة فذلك خمسة وعشرون مرّة مائة ألف صلاة وعن
أنس بن مالك قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلاة الرجل فى بيته
بصلاة وصلاته فى مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته فى المسجد الذى يجمع
فيه بخمسمائة صلاة وصلاته فى المسجد الاقصى بخمسين ألف صلاة وصلاته فى
مسجدى بخمسين ألف صلاة وصلاته فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة رواه ابن
ماجه ومن جلس مستقبل الكعبة ساعة واحدة ايمانا واحتسابا لله ورسوله وتعظيم
القبلة كان له مثل أجر الحاجين والمعتمرين والمجاهدين والمرابطين فى سبيل
الله وان الله ينظر الى خلقه فى كل يوم ثلثمائة وستين نظرة فأوّل من ينظر
اليه منهم أهل حرمه وأمنه فمن رآه طائفا غفر له ومن رآه قائما غفر له ومن
رآه جالسا مستقبل الكعبة غفر له فتقول الملائكة الهنا وسيدنا ما بقى الا
النائمون فيقول ألحقوهم بهم فهم جيران بيتى ألا وان أهل مكة هم أهل الله
وجيران بيته وحملة القرآن هم أهل الله وخاصته وقال صلّى الله عليه وسلم من
اعتمر فى شهر رمضان عمرة فكأنما حج معى وعن ابن عباس عن رسول الله صلّى
الله عليه وسلم قال عمرة فى رمضان تعدل حجة ومن صام شهر رمضان بمكة فصام
كله وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغيرها وكان له بكل
يوم مغفرة وشفاعة وبكل ليلة مغفرة وشفاعة وبكل يوم وليلة حملان فرس فى سبيل
الله وفى رواية ابن ماجه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أدرك
رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر له كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما
سواها وكتب له بكل يوم وليلة عتق رقبة وكل يوم حملان فرس فى سبيل الله وفى
كل يوم حسنة وفى كل ليلة حسنة* وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلم عمرة فى رمضان تقضى حجة أو حجة معى روياه وهذا لفظ مسلم* وعن عبد
الله بن عمر رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول
من طاف بالبيت وصلّى ركعتين كان كعتق رقبة رواه ابن ماجه وقال النساءى من
طاف سبعا فهو كعدل رقبة وعن أبى هريرة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال
من طاف بالبيت سبعا لا يتكلم الا بسبحان الله والحمد لله
ولا اله الا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة الا بالله العلىّ العظيم
محيت عنه عشر سيئات وكتبت له عشر حسنات ورفع له عشر
(1/125)
درجات ومن طاف فتكلم وهو فى تلك الحال خاض
فى الرحمة برجليه كخائض الماء برجليه رواه ابن ماجه وعن ابن عباس قال قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم من طاف بالبيت خمسين مرّة خرج من ذنوبه كيوم
ولدته أمّه رواه الترمذى* وفى رسالة الحسن البصرى عن رسول الله صلّى الله
عليه وسلم من دخل البيت دخل فى رحمة الله وفى حمى الله وفى أمن الله ومن
خرج خرج مغفورا له وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من
دخل البيت دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفورا له رواه البيهقى وغيره أوردهما
فى البحر العميق وعن عبد الله بن عمير أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين
فقلت يا أبا عبد الرحمن انك تزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب
رسول الله صلّى الله عليه وسلم يزاحم عليه قال ان أفعل فانى سمعت رسول الله
صلّى الله عليه وسلم يقول ان مسحهما كفارة للخطايا* وفى رواية النساءى يحبط
الخطيئة وسمعته يقول من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة وسمعته
يقول لا يضع قدما ولا يرفع أخرى الا حط الله بها عنه خطيئة وكتب له بها
حسنة رواه الترمذى* وعن ابن عباس أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال الطواف
حول البيت مثل الصلاة الا انكم تتكلمون فيه فمن تكلم فلا يتكلم الا بخير
رواه الترمذى* وفى ربيع الابرار عن وهب ابن الورد كنت ليلة فى الحجر أصلى
فسمعت كلا ما بين الكعبة والاستار الى الله أشكو ثم اليك يا جبريل ما ألقى
من الطائفين حولى من تفكههم بالحديث ولغوهم ولهوهم لئن لم ينتهوا لأنتفضنّ
انتفاضة يرجع كل حجر منى الى الجبل الذى قلع منه وقال أبو غفار طفت مع أنس
بن مالك فى مطر فلما قضينا الطواف أتينا المقام فصلينا ركعتين فقال لنا أنس
ائتنفوا العمل فقد غفر لكم هكذا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وطفنا معه فى مطر أخرجه ابن ماجه وعن أبى هريرة أن النبىّ صلّى الله عليه
وسلم قال وكل الله به سبعين ملكا يعنى الركن اليمانى فمن قال اللهم انى
أسألك العفو والعافية فى الدنيا والآخرة ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين* وقال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم من فاوضه يعنى الركن الاسود فانما يفاوض يد الرحمن رواه ابن ماجه وعن
عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ما من يوم أكثر
أن يعتق الله عز وجل فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه ليدنو ثم يباهى
الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء رواه مسلم والنساءى زاد النساءى أو أمة يعنى
عبدا أو أمة وعن عباس بن مرداس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا لامته
عشية عرفة بالمغفرة فأجيب انى قد غفرت لهم ما خلا الظالم فانى آخذ للمظلوم
منه قال أى رب ان شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشية
عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب الى ما سأل قال فضحك رسول الله
صلّى الله عليه وسلم أو قال تبسم فقال أبو بكر وعمر رضى الله عنهما بأبى
أنت وأمى ان هذه الساعة ما كنت تضحك فيها فما الذى أضحكك أضحك الله سنك قال
ان عدوّ الله ابليس لما علم أن الله عز وجل قد استجاب دعائى وغفر لامّتى
أخذ التراب فجعل يحثو على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكنى ما رأيت من
جزعه رواه ابن ماجه* وفى ربيع الابرار عن محمد بن قيس بن مخرمة يرفعه من
مات فى أحد الحرمين بعثه الله يوم القيامة آمنا روى أن حجة غير مقبولة خير
من الدنيا وما فيها ويقال الذى لا يقبل حجه منه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته
أمه والذى يقبل الله منه فقد فاز* قال مؤلف الكتاب حسين بن محمد الديار
بكرى فالطمع فى احراز هذه الفضائل جرّذيلى الى المجاورة بها مع اعترافى
بأنى غير موف بحقها كما ينبغى
رجع الى ذكر أحوال ابراهيم
هذا فلنرجع الى أحوال ابراهيم عليه السلام* ففى الانس الجليل فى تاريخ
القدس والخليل أقام ابراهيم عليه السلام بين الرملة وايليا بموضع يعرف
بوادى السبع وهو شاب لا مال له وأقام فيه حتى كثر ماله وشاخ وضاق على أهل
الموضع
(1/126)
موضعه من كثرة ماله ومواشيه فقالوا له ارحل
عنا فقد آذيتنا بمالك أيها الشيخ الصالح وكانوا يسمونه بذلك فقال لهم نعم
فلما همّ بالرحيل قال بعضهم لبعض جاءنا وهو فقير وقد جمع عندنا هذا المال
كله فلو قلنا له أعطنا شطر مالك وخذ الشطر فقالوا له ذلك فقال لهم صدقتم
جئت وكنت شابا فردّوا علىّ شبابى وخذوا ما شئتم من مالى فخصمهم ورحل فلما
كان وقت ورود الغنم الماء جاءوا يستقون فاذا الآبار قد جفت فقال بعضهم لبعض
الحقوا الشيخ الصالح واسألوه الرجوع الى موضعه فانه ان لم يرجع هلكنا وهلكت
مواشينا فلحقوه فوجدوه بالموضع الذى يعرف بالمغارة وسألوه أن يرجع فقال انى
لست براجع ودفع لهم سبع شياه من غنمه وقال اذهبوا بها معكم فانكم اذا
أوردتموها البئر ظهر الماء حتى يكون عينا معينا ظاهرا كما كان واشربوا ولا
تقربها امرأة حائض فرجعوا بالاعنز فلما وقفت على البئر ظهر الماء فكانوا
يشربون منها وهى على تلك الحالة وأتت امرأة حائض واغترفت فغاض ماؤها ورحل
ابراهيم عليه السلام ونزل اللجون فأقام بها ما شاء الله ثم أوحى الله اليه
أن انزل ممرى فرحل ونزل عليه جبريل وميكائيل بممرى وهما يريدان قوم لوط
فخرج ابراهيم ليذبح العجل فانفلت منه ولم يزل حتى دخل مغارة حبرون فنودى يا
ابراهيم سلم على عظام أبيك آدم فوقع ذلك فى نفسه ثم ذبح العجل وقرّبه اليهم
وكان شأنه ما قص الله عز وجل فى كتابه فمضى ابراهيم معهم الى قريب من ديار
لوط فقالوا له اقعد ها هنا فقعد وسمع صوت الديك فى السماء فقال هو الحق
اليقين فأيقن بهلاك القوم فسمى ذلك الموضع مسجد اليقين وهو على نحو فرسخ من
بلد ابراهيم عليه السلام ثم رجع ابراهيم*
أوّل من شاب ابراهيم
قال أهل السير أوّل من شاب من بنى آدم ابراهيم عليه السلام ولما رأى الشيب
فى لحيته قال يا رب ما هذا أجيب بأنه وقار قال رب زدنى وقارا وفى رواية قال
الحمد لله الذى بيض القار وسماه الوقار* وفى كتاب المغازى لابن قتيبة لما
ولد اسحاق من سارة تعجب الكنعانيون فقالوا ألا ترون هذا العجوز والعجوزة
تبنيا لقيطا ولم يكونوا يصدّقون أن يولد لابراهيم ولد اذ عمره تجاوز المائة
فجعل الله صورة اسحاق شبيهة بابراهيم بحيث لما التحى لم يفرق بين الاب
والابن فجعل الله الشيب علامة لابراهيم يمتاز به عن اسحاق* وفى شفاء الغرام
والعرائس عاشت سارة مائة وسبعا وعشرين سنة* وفى العرائس ماتت سارة بالشأم
بقرية الجبابرة من أرض كنعان فى حبرون فدفنت بمزرعة اشتراها ابراهيم وكانت
هاجر قد ماتت قبل سارة بمكة ودفنت فى الحجر* قيل عاش ابراهيم بعد سارة
خمسين سنة* وفى الانس الجليل عن كعب الاحبار أوّل من دفن فى حبرون سارة
وذلك لما ماتت خرج ابراهيم يطلب موضعا ليقبرها فيه رجاء أن يجد بقرب ممرى
موضعا فمضى الى عفرون وكان ملك الموضع وكان مسكنه حبرى فقال له ابراهيم
بعنى موضعا أقبر فيه من مات من أهلى فقال عفرون قد أبحتك ادفن حيث شئت من
أرضى قال انى لا أحب الا بالثمن فقال له أيها الشيخ الصالح ادفن حيث شئت من
أرضى فأبى عليه وطلب منه المغارة فقال له أبيعكها بأربعمائة درهم وزن كل
درهم خمسة دراهم وكل مائة درهم ضرب ملك وأراد بذلك التشديد عليه كيلا يجد
فيرجع الى قوله وخرج ابراهيم من عنده فاذا جبريل فقال له ان الله قد سمع
مقالة الجبار وهذه الدراهم ادفعها اليه فأخذها ابراهيم ودفعها الى الجبار
فقال له من أين لك هذه الدراهم فقال له من عند الهى وخالقى ورازقى فأخذها
منه وحمل ابراهيم سارة ودفنها فى المغارة فكانت أوّل من دفن فيها وتوفيت
وهى بنت مائة وسبع عشرة سنة وقيل مائة وسبع وعشرين سنة وعاش ابراهيم مائتى
سنة وعليه أكثر العلماء وقيل مائة وخمسا وتسعين سنة وقيل مائة وخمسا وسبعين
سنة كذا فى الحدائق*
(ذكر وفاة ابراهيم عليه السلام)
* قال أهل السير لما أراد الله قبض روح ابراهيم أرسل اليه ملك الموت فى
صورة شيخ هرم فأطعمه فجعل الشيخ يأخذ اللقمة ليضعها فى فيه
(1/127)
فيدخلها فى عينه وأذنه ثم يدخلها فاه وكان
يسيل لعابه المخلوط بالطعام على لحيته وصدره فاذا دخل الطعام بطنه يخرج من
دبره وكان ابراهيم قد سأل ربه أن لا يقبض روحه حتى يكون هو الذى يسأل الموت
فقال للشيخ حين رأى حاله يا شيخ مالك تصنع هكذا قال يا ابراهيم الكبر قال
ابن كم أنت قال فزاد على عمر ابراهيم سنتين قال ابراهيم أنا بينى وبينك
سنتان فاذا بلغت ذلك صرت مثلك قال نعم فوقعت الكراهة فى نفس ابراهيم فقال
ابراهيم اللهم اقبضنى اليك قبل ذلك فقام ذلك الشيخ وكان ملك الموت فقبض
روحه كذا روى عن كعب الاحبار وحكى غير ذلك* وفى الحدائق عن وهب بن منبه قال
له ملك الموت يا خليل الله على أىّ حال تحب أن أقبض روحك فقال اقبض روحى
وأنا ساجد فقبض روحه وهو ساجد قيل مات من الانبياء فجأة ثلاثة ابراهيم
وداود وسليمان عليهم السلام* وعن عائشة رضى الله عنها وابن مسعود رضى الله
عنه موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة غضب أو أسف للكافر كذا فى النجم الوهاج*
ولما توفى ابراهيم دفنه اسحاق بحذاء سارة من جهة الغرب ثم توفيت ربقة زوجة
اسحاق فدفنت فيها بازاء سارة من جهة القبلة ثم توفى اسحاق فدفن بحيال زوجته
من جهة الغرب ثم توفى يعقوب فدفن عند باب المغارة وهو بحيال قبر ابراهيم من
جهة الشمال ثم توفيت لبقا زوجة يعقوب فدفنت بحياله من جهة المشرق بازاء كل
نبىّ زوجته فاجتمع أولاد يعقوب والعيص واخوته وقالوا ندع باب المغارة
مفتوحا وكل من مات منا دفناه بها فتشاجروا فرفع أحد اخوة العيص وفى رواية
أحد أولاد يعقوب يده ولطم العيص لطمة فسقط رأسه فى المغارة فحملوا جثته
ودفن بغير رأس وبقى الرأس فى المغارة وحوّطوا عليها وعملوا فيها علامات
القبور فى كل موضع وكتبوا عليه هذا قبر ابراهيم هذا قبر سارة هذا قبر اسحاق
هذا قبر ربقة هذا قبر يعقوب هذا قبر زوجته لبقا وخرجوا عنه وأطبقوا بابه
وكل من جاء اليه يطوف به ولا يصل اليه حتى جاءت الروم بعد ذلك ففتحوا له
بابا ودخلوا اليه وبنوا فيه كنيسة ثم أظهر الله الاسلام بعد ذلك وملك
المسلمون تلك الديار وهدموا الكنيسة وبالقرب من مدينة ابراهيم قرية تسمى
سيعير وهى الفاصلة بين عمل الخليل وعمل القدس وبها قبر بداخل مسجدها يقال
انه قبر العيص عليه السلام وقد اشتهر ذلك عند الناس وصار يقصد للزيارة
والله أعلم وعن وهب بن منبه أنه قال أصبت على قبر ابراهيم عليه السلام
مكتوبا خلفه فى حجر رجز* غرّ جهولا أمله* يموت من جا أجله* لم تغن عنه
حيله*
صورة ما كتبه النبى صلّى الله عليه وسلم لتميم الدارى
وأقطع النبىّ صلّى الله عليه وسلم لتميم الدارى الارض التى بها بلد ابراهيم
وما حوله من الاراضى وكتب له ذلك فى قطعة أدم من خف أمير المؤمنين علىّ بن
أبى طالب رضى الله عنه بخطه وقد وجدت فى صندوق تلك القطعة وقد صارت رثة
وفيها أثر الكتابة ومعها ورقة مكتوبة بخط أمير المؤمنين المستنجد بالله
العباسى صورته هكذا الحمد لله هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذى كتبه لتميم الدارى واخوته فى سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة
تبوك فى قطعة أدم من خف أمير المؤمنين علىّ بخطه نسخته كهيئته بسم الله
الرحمن الرحيم هذا ما أنطا محمد رسول الله لتميم الدارى واخوته حبرون
والمرطوم وبيت عينون وبيت ابراهيم وما فيهنّ نطية بت بينهم ونفذت وسلمت ذلك
لهم ولا عقابهم فمن آذاهم آذاه الله فمن آذاهم لعنه الله شهد عتيق بن أبى
قحافة وعمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان وكتب علىّ بن أبى طالب وشهد* وقد
نسخت ذلك من خط المستنجد بالله كهيئته ولعل هذا أصح ما قيل فيه والله أعلم*
وفى مزيل الخفاء أسلم تميم الدارى سنة تسع من الهجرة وكان نصرانيا قبل ذلك
روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أقطع قرية ابراهيم وهى حبرون بأسرها
لتميم الدارى قبل أن يفتح الله على المسلمين الشام وكتب له بذلك كتابا وجاء
الى أبى بكر وأجاز له كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم وكذا جاء الى عمر
فأجاز له بعد الفتوح ما أجاز له رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتلك
(1/128)
القرية تعرف الآن بالخليل اسم ثاويها عليه
السلام وهى قبلى بيت المقدس مستديرة حول المسجد من الجهات الاربع وبناؤها
محدث بعد بناء السور السليمانى الذى هو المسجد بزمان طويل فان المغارة فى
زمن ابراهيم كانت فى صحراء ولم يكن هناك بناء وكان ابراهيم مقيما بممرى فى
مخيمه وهى بالقرب من بلد ابراهيم من جهة الشمال وهى أرض بها عين ماء وكروم
واستمرّ الحال على ذلك بعد وفاة ابراهيم الى أن بنى سليمان السور على
القبور الشريفة* روى أنه أمر الجنّ فبنوه بغير باب ومخرج ولما تم السور أمر
الريح حتى رفعته من فوق السور وألقته الى الخارج فبقى السور كذلك من غير
مدخل الى أن ثقب الروم أحجاره بالنار والخل وجعلوا له بابا ثم اختطت
المدينة بعد ذلك وأوّل من اختط البناء حول السور رجل من الرامة من ذوى
الاموال من بنى اسرائيل اسمه يوسف الرامى أدرك زمن عيسى عليه السلام وآمن
به فبنى بالقرب من السور السليمانى بيوتا للسكنى تبرّكا بقبور الانبياء
عليهم السلام ثم تتابع البناء قليلا قليلا فصارت هناك مدينة وهى محيطة
بالمسجد من الجهات الاربع فبعضها مرتفع على رأس جبل وهو شرقى المسجد يسمى
بيلون وبعضها منخفض فى واد هو غربى المسجد أما بناء السور السليمانى فانه
بنى عقب بناء بيت المقدس وأما بناء مدينة ابراهيم فانه بعد زمن عيسى ومن
رفع عيسى الى السماء الى آخر سنة تسعمائة وخمس وثلاثين من الهجرة ألف
وخمسمائة سنة وثلاث وثلاثون سنة وأما حدود بلد ابراهيم المنسوبة اليه عرفا
فمن جهة القبلة منزلة الملح على درب الحجاز وقباب الشاورية وهى قرية منسوبة
الى بنى شاور من أمراء عرب جرم ومن جهة المشرق عين جدى من عمل بلد ابراهيم
وبحرة لوط وهذا الحدّ هو الفاصل بين عمل بلد ابراهيم وعمل مدينة الكرك ومن
جهة الشمال عمل القدس يفصل بينهما قرية ساعير وما حاذاها ومن جهة الغرب مما
يلى الرملة وما يحاذيها قرية زكريا وهى من أعمال الخليل ومن جملة وقفه ومما
يلى غزوة وما يحاذيها قرية سيسمح المجاورة لقرية السكرية وبلاد بنى عبد وهى
من أعمال الخليل وأما المسافة بين مدينة ابراهيم وبين بيت المقدس فهى قريبة
من بريدين بينهما بيت لحم وهى قرية على نحو ربع بريد من القدس من جهة
القبلة وغالب سكان هذه القرية فى عصرنا نصارى وبها كنيسة محكمة البناء فيها
ثلاثة محاريب مرتفعة أحدها موجه الى جهة القبلة والثانى الى جهة المشرق
والثالث الى جهة الصخرة وسقفها خشب مرتفعة على خمسين عمودا من الصخر الاصفر
الصلب غير السوارى المبنية بالاحجار وأرضها مفروشة بالرخام وعلى ظاهر سطحها
رصاص فى غاية الاحكام وهى من بناء هيلانة أمّ قسطنطين وفى داخلها مولد عيسى
عليه السلام فى مغارة بين المحاريب الثلاثة وللنصارى بها اعتناء يأتون
اليها من بلاد الفرنج وغيرها بالاموال للرهابين المقيمين بالدير المجاورين
للكنيسة وأما قبر مريم ففى بيت المقدس فى كنيسة فى ذيل جبل طور زيتاء تسمى
الجيسمانية خارج باب الاسباط وهو مكان يقصده الناس للزيارة من المسلمين
والنصارى وهذه الكنيسة من بناء هيلانة وبين بيت المقدس وبيت لحم قبر راحيل
أمّ يوسف عليه السلام الى جنب الطريق فى قبة موجهة الى جهة صخرة بيت المقدس
والله أعلم*
(ذكر ختن ابراهيم عليه السلام)
* فى الانس الجليل عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال اختتن ابراهيم
النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم بالتخفيف والتشديد*
وفى العرائس اختتن ابراهيم بقدوم فى موضع يقال له قدوم وهو ابن مائة وعشرين
سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة وروى عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال ربط
ابراهيم عليه السلام غرلته وجمعها اليه ومدّها قدّامه وضرب قدومه بعود كان
معه فندرت بين يديه بلا ألم ولادم وختن اسماعيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة وختن
اسحاق وهو ابن سبعة أيام وعن عكرمة اختتن ابراهيم وهو ابن ثمانين سنة فأوحى
الله تعالى اليه انك أكملت ايمانك الا بضعة من جسدك
(1/129)
فألقها فختن نفسه بالفأس وسبب اختتانه أنه
أمر بقتال العمالقة فقاتلهم فقتل خلق كثير من الفريقين فلم يعرف ابراهيم
أصحابه ليدفنهم فأمر بالختان ليكون علامة للمسلم وختن نفسه بالقدوم* وعن
ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال أوّل من سمانا مسلمين ابراهيم عليه الصلاة
والسلام وهو أوّل من ضرب بالسيف من الانبياء وقيل أوّل من ضرب بالسيف ادريس
كما مرّ وكسر الاصنام واختتن ولبس السراويل والنعلين ورفع يديه فى الصلاة
فى كل خفض ورفع وصلّى أوّل النهار أربع ركعات وجعلهنّ على نفسه فسماه الله
وفيا وهو أوّل من أضاف الضيف وثرد الثريد وفرق الشعر واستنجى بالماء وقلم
الظفر وقص الشارب ونتف الابط وأوّل من استاك وتمضمض واستنشق وحلق العانة
وأوّل من صافح وعانق وقبل بين العينين موضع السجود وأوّل من شاب فقال ما
هذا فقال الله وقار فقال رب زدنى وقارا فما برح حتى ابيضت لحيته*
(ذكر أولاد ابراهيم عليه السلام)
* فى معالم التنزيل ولد لابراهيم ثمانية بنين اسماعيل سمى به لان ابراهيم
كان يدعو الله أن يرزقه ولد او يقول اسمع يا ايل وايل هو الله ولما رزق
ولدا سماه به وأمّه هاجر القبطية أم ولد واسحاق وأمّه سارة حملت به ليلة
خسف الله بقوم لوط وولدته ولها تسعون سنة ومن ولده الروم واليونان والارمن
ومن يجرى مجراهم وبنو اسرائيل ومدين ومدان ونيشان وزمران ويشبق ويشرخ
وهؤلاء الستة أمهم قطورا بنت يقطن الكنعانية* وفى الانس الجليل والعرائس
تزوّجها ابراهيم بعد موت سارة ثم تزوّج امرأة أخرى من العرب اسمها حجور بنت
أهيب فولدت له خمسة بنين كيسان وسروح وأميم ولوطا وياسن فكان جميع أولاد
ابراهيم ثلاثة عشر مع اسماعيل واسحاق وكان اسماعيل أكبر أولاده فأنزله أرض
الحجاز واسحاق أرض الشام وفرّق سائر أولاده فى البلاد* وفى أنوار التنزيل
وبنو ابراهيم كانوا أربعة اسماعيل واسحاق ومدين ومدان وقيل ثمانية وقيل
أربعة عشر قال ابن عباس ولد اسماعيل لابراهيم وهو ابن تسع وتسعين سنة وقيل
ست وثمانين سنة وولد اسحاق له وهو ابن مائة واثنتى عشرة سنة قال سعيد بن
جبير بشر ابراهيم باسحاق وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة* وفى شفاء الغرام ان
اسماعيل أكبر من اسحاق بأربعة عشر سنة وكذا ذكره السخاوى فى الاصل الاصيل
فى تحريم النقل من التوراة والانجيل* وفى الانس الجليل لم يمت ابراهيم حتى
بعث الله اسحاق الى أرض الشام وبعث يعقوب الى أرض كنعان واسماعيل الى جرهم
وقبائل اليمن والى العماليق ولوطا الى سدوم وكانوا أنبياء على عهد ابراهيم*
وفى معالم التنزيل يقال ان الله لم يبعث نبيا بعد ابراهيم الا من نسله وفيه
أيضا قال ابن عباس كل الانبياء من بنى اسرائيل الا عشرة وهم نوح وهود وصالح
وشعيب ولوط وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب ومحمد صلّى الله عليه وسلم قيل
وآدم وشيث وادريس واسرائيل هو يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم ولما مضى من عمر
اسحاق ستون سنة ولد له عيص ويعقوب وهما توأمان أما عيص فهو أبو أيوب النبىّ
عليه السلام وكان ذاقوّة ويحب القنص وأما يعقوب فأعطى النبوّة قيل سمى به
لانه خرج من بطن أمه عقب عيص وقيل لكثرة عقبه كذا فى العمدة هذا على تقدير
كونه عربيا واما على تقدير كونه أعجميا وهو الاصح لعدم صرفه فلا اشتقاق له
كما مرّ فى آدم* وفى عرائس الثعلبى وأما اسحاق عليه السلام فانه نكح ربقة
بنت سويل فولدت له عيصا ويعقوب فى بطن واحد وكان لهما قصة عجيبة على ما ذكر
قال حملت ربقة امرأة اسحاق بغلامين فى بطن واحد فلما أرادت أن تضع اقتتلا
فى بطنها وأراد يعقوب أن يخرج قبل عيص فقال عيص والله لئن خرجت قبلى لا
تحرّكنّ فى بطنها فأقتلها فتأخر يعقوب وخرج عيص قبله فسمى عيصا لانه عصى
وخرج قبل يعقوب وسمى يعقوب لانه خرج ماسكا بعقب عيص وكان يعقوب أكبرهما فى
البطن فلما كبر الغلامان كان عيص أحب الى أبيه ويعقوب أحب الى أمه وكان عيص
صاحب
(1/130)
صيد فلما كبر اسحاق وعمى قال لابنه عيص يا
بنىّ أطعمنى لحم صيد وادن منى أدع لك بدعاء دعا لى به أبى ابراهيم وكان عيص
أشعر ويعقوب أجرد فخرج عيص فى طلب الصيد وسمعت أمهما الكلام فأتت يعقوب
فقالت له يا بنىّ اذهب الى الغنم واذبح سخلة ثم اشوها وقدّمها لابيك وقل يا
أبتاه كل من لحم الصيد الذى طلبت وقل انى ابنك عيص ففعل يعقوب ذلك وقدّم
الشاة بين يديه وقال يا أبتاه كل من لحم الصيد الذى طلبت فقال له من أنت
قال ابنك عيص فادع لى قال قدّم طعامك فقدّمه فأكل منه فقال ادن منى فدنا
منه فدعا له بأن يكون من ذريته الانبياء والملوك وقام يعقوب وأتى عيص فقال
يا أبتاه قد أتيتك بالصيد الذى أردت قال يا بنىّ انه قد سبقك أخوك يعقوب
فاشتدّ غيظه وقال لاقتلنّ يعقوب فقال يا بنىّ لا تحزن قد بقيت لى دعوة فادن
منى لادعو لك بها فدنا منه فدعا له بأن تكون ذريته بعدد التراب ولم يملكهم
أحد قالوا وخافت أم يعقوب عليه من أخيه عيص فقالت له يا بنىّ الحق بخالك
وكن عنده فانطلق يعقوب الى خاله يسرى بالليل ويكمن بالنهار فلهذا سمى
اسرائيل أى لانه سرى وقيل غير ذلك فأتى يعقوب خاله وكان اسحاق قد أوصى
يعقوب أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين وأمره أن يتزوّج من بنات خاله ليان
بن ناهد فلما استقرّ يعقوب عند خاله خطب ابنته فقال له خاله هل لك من مال
أزوّجك عليه قال لا ولكنى أخدمك حتى تستوفى صداق ابنتك قال صداقها أن
تخدمنى سبع حجج قال يعقوب نعم ولكن شرطى معك أن تزوّجنى راحيل قال له خاله
ذلك بينى وبينك فرعى له يعقوب سبع سنين فلما وفاه شرطه زوّجه ابنته الكبرى
غير راحيل وكان اسمها ليا فلما أصبح يعقوب وجد غير ما شرط له فأتى خاله وهو
فى نادى قومه وقال يا خال خدعتنى وغررتنى واستحللت عملى وأدخلت علىّ غير
امرأتى فقال له خاله يا ابن اختى ألست منى وأنا منك أردت أن تدخل علىّ
العار أرأيت أحدا زوّج ابنته الصغرى قبل الكبرى ولكن اخد منى سبع سنين أخرى
وأنا ازوّجك ابنتى الاخرى وكان الناس يجمعون بين الاختين الى أن بعث الله
نبيه موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة* وفى الكشاف تزوّج يعقوب راحيل
بعد موت اختها ليا قالوا فرعى يعقوب لخاله سبع سنين اخرى وزوّجه ابنته
الاخرى وهى راحيل فولدت له ليا أربعة أسباط روبيل ويهوذا وشمعون ولاوى
وولدت راحيل يوسف وبنيامين وهو بالعبرانية المشكل وكان ليان دفع الى ابنتيه
حين زوّجهما بيعقوب جاريتين اسم احداهما زلفة والاخرى بلهة فوهبتا له
الجاريتين وولدت كل واحدة منهما ثلاثة أسباط فولدت زلفة دان وبفتالى
وريالون وولدت بلها جاد ويسحر ودنبه* وفى الكشاف وغيره غير هذا وسيجىء فكان
عدّة بنى يعقوب اثنى عشر ولدا وهم الاسباط سموا بذلك لان كل واحد منهم والد
قبيلة والسبط بكلام العرب الشجرة الملتفة الكثيرة الاغصان والاوراق
فالاسباط من بنى اسرائيل والشعوب من العجم والقبائل من العرب* قالوا ثم ان
يعقوب فارق خاله ليان ومعه امرأتاه وجاريتاه المذكورتان الى منزل أبيه من
فلسطين خوفا من أخيه عيص فلم يرمنه الاخيرا فتألفه ونازله وتلطف له حتى نزل
له وتنقل الى السواحل ثم عبر الروم فاستوطنها فصار ذلك له ولولده من بعده*
قال ابن اسحاق تزوّج عيص ابنة عمه نسيمة بنت اسماعيل عليه السلام فولدت له
فى بلاد الروم ولد اسماه الاصفر وتناسل منه الروم فالروم كلهم من بنى
الاصفر قالوا وعاش اسحاق بعد ما ولد له عيص ويعقوب مائة سنة وتوفى وله من
العمر مائة وستون سنة ودفن بالارض المقدّسة عند قبر ابراهيم عليه السلام فى
مزرعة حبرون وهى التى اشتراها ابراهيم عليه السلام كذا روى عن عبد الله بن
سلام وكذلك العيص ويعقوب دفنا فى تلك المزرعة عند قبر ابراهيم عليه السلام
وأما قبر يوسف عليه السلام فهو خارج المغارة فى بطن الوادى*
(ذكر نبذة من قصة يعقوب ويوسف عليهما السلام)
* روى أنه لما بلغ عمر يعقوب ثلاثا وسبعين سنة ولد له
(1/131)
من راحيل يوسف ولما بلغ يعقوب تسعين سنة
فقد عنه يوسف وكان فى فراقه أربعين سنة أو ثمانين سنة قال الثعلبى كان يوسف
أبيض اللون حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين وكان أهداب عينيه مثل قوادم
النسور مستوى الخلق غليظ الساقين والساعدين والعضدين خميص البطن صغير
السرّة أقنى الانف بخدّه الايمن خال أسود وبين عينيه شامة وكان اذا تبسم
رؤى النور فى ضواحكه* وفى المدارك كان فضل يوسف على الناس فى الحسن كفضل
القمر ليلة البدر على نجوم السماء وكان اذا سار فى أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه
على الجدران كما يتلألأ نور الشمس وضوء القمر على الجدران وكان يشبه آدم
يوم خلقه ربه وقيل ورث الجمال من جدّته سارة وكانت قد أعطيت سدس الحسن* وفى
العرائس قيل انه ورثه من جدّه اسحاق واسحاق ورث الحسن من سارة وسارة ورثت
الحسن من حوّاء عليهم السلام وفى الحديث أعطى يوسف شطر الحسن* وفى رواية
قسم الله ليوسف من الحسن والجمال ثلثى حسن الخلق وقسم بين سائر الخلق الثلث
قال وهب بن منبه الحسن عشرة أجزاء تسعة منه ليوسف وواحد منه بين الناس ولما
بلغ يوسف ثنتى عشرة سنة رأى فى المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له
ساجدين كذا فى تفسير الحدادى* وقيل كان ابن سبع عشرة سنة وقيل ابن سبع سنين
كذا فى لباب التأويل والكشاف والعرائس* روى جابر أن يهود يا سأل النبىّ
صلّى الله عليه وسلم عن النجوم التى رآها يوسف فقال جريان وكذا فى كتاب
الاعلام ولباب التأويل والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح
والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين فقال اليهودى اى والله انها لا سماؤها
فأسلم كذا فى الكشاف* وأما أسماء أولاد يعقوب فهى روبيل وهو أكبرهم وشمعون
ولاوى ويهوذا وريالون ويشجر ودينه وأمّ هؤلاء السبعة ليابنت ليان وهى ابنة
خال يعقوب وولد له من سرّيتين زلفة وبلهه أربعة بنين دان ويفتالى وجاد وآشر
ثم توفيت ليا فتزوّج اختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين وماتت راحيل من
نفاس بنيامين وقيل جمع بين الاختين ولم يكن الجمع حينئذ محرما الى زمان
موسى ونزول التوراة كذا فى العرائس وقد مرّ فعلى ما فى الكشاف يكون جملة
أولاد يعقوب ثلاثة عشر لا اثنى عشر كما لا يخفى بخلاف ما فى العرائس فانه
اثنا عشر كما مرّ* وفى أنوار التنزيل ذكر أسامى أولاد يعقوب هكذا روبين
بالنون وشمعون ولاوى ويهودا ويشنوخون وزبولون ودونى ولقنونى وكؤدى وأوشير
وبنيامين ويوسف وكان يعقوب شديد الحبّ ليوسف فحسدوه عليه وزادهم حسدا
بلوغهم خبر رؤياه وقالوا ما رضى أن تسجد له اخوته حتى يسجد له أبواه
فأجمعوا أن يكيدوا له كيدا فسألوا أباهم أن يرسله معهم ليرتعوا ويلعبوا
فتعلل يعقوب بالخوف عليه من أكل الذئب فألحوا وبالغوا حتى أرسله معهم
فذهبوا مجمعين على القائه فى الجب أى البئر واختلفوا فى مكان الجب* قال وهب
ومقاتل هو فى أرض ليزد على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب وكان معروفا يرد عليه
المسافرون وقال قتادة هو بئر بيت المقدس* وفى العرائس كان ذلك الجب بين
القدس وطبرية على قارعة الطريق وكان جبا وحشا مظلما ضيق الفم واسع السفل
يهلك من طرح فيه وكان ماؤه مالحا وكان الجب من حفر سام بن نوح ويسمى جب
الاخيار قال ولما برزوا الى البرية أظهروا له العداوة وضربوه وكادوا
يقتلونه فمنعهم يهودا فلما أراد والقاءه فى الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من
يديه فتعلق بشفيرا لبئر فربطوا يديه الى عنقه بعد أن نزعوا عنه قميصه
ليلطخوه بالدم فيحتالوا به على أبيهم ودلوه فى البئر فلما توسط البئر قطعوا
الحبل حتى يسقط ويموت فأخرج الله له على وجه الماء صخرة ململمة لينة
كالعجين فسقط عليها كذا فى العرائس* وفى رواية كان فى البئر ماء فسقط فيه
ثم أوى الى صخرة فقام عليها وهو يبكى وعن ابن عباس كان يوسف يوم ألقى فى
الجب ابن سبع سنين قاله ابن السائب وقال الحسن ابن اثنتى عشرة سنة وقيل
ثمانى عشرة سنة
(1/132)
وقد مرّ ومكث فى الجب ثلاثة أيام وكان
اخوته يرعون حول البئر وكان يهودا يأتيه بالطعام خفية ويروى أن ابراهيم حين
ألقى فى النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه اياه
فدفعه ابراهيم الى اسحاق واسحاق الى يعقوب فجعله يعقوب فى تميمة وعلقها فى
عنق يوسف فأخرجه جبريل وألبسه اياه روى أنهم ذبحوا سخلة ولطخوا قيصه بدمها
وزلّ عنهم أن يمزقوه* وروى أن يعقوب لما سمع بخبر يوسف صاح بأعلى صوته وقال
أين القميص فأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال تالله
ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من ذئب أكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه قال بل
سوّلت لكم أى زينت وسهلت لكم أنفسكم أمرا عظيما ارتكبتموه فصبر جميل والله
المستعان على ما تصفون وجاءت سيارة رفقة تسير من قبل مدين الى مصر وذلك بعد
ثلاثة أيام من القاء يوسف فى الجب فأخطؤا الطريق هائمين فنزلوا قريبا من
الجب فى قفر بعيد من العمران وكان ماء الجب ملحا فعذب حين ألقى فيه يوسف
فأرسلوا واردهم الذى يرد الماء ليستقى للقوم اسمه مالك بن ذعر الخزاعى من
العرب العرباء ولم يكن له ولد فسأل يوسف أن يدعو له بالولد فدعا له فرزق
اثنى عشر ولدا أعقب كل واحد قبيلة كذا فى كتاب الاعلام فأدّلى دلوه ليملأها
فتشبث يوسف بالدلو فنزعه فجاء اخوة يوسف وقالوا هذا الغلام لناقد أبق
فاشتروه منا وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه فباعوه بثمن بخس أى مبخوس ناقص عن
القيمة نقصا ظاهرا دراهم معدودة اشارة الى القلة وكانت عادتهم أنهم لا
يزنون الا ما بلغ أوقية وهى أربعون درهما وقال ابن عباس كانت الدراهم
المعدودة أربعين درهما كذا فى لباب التأويل ويروى أن اخوته اتبعوهم وقالوا
لهم استوثقوا منه لا يأبق ولما ذهبوا الى مصر اشتراه العزيز الذى كان على
خزائن مصر واسمه قطفير أو اطفير* وفى لباب التأويل قال ابن عباس لما دخلوا
مصر لقى قطفير مالك بن ذعر فاشترى يوسف منه بعشرين دينارا وزوج نعل وثوبين
أبيضين* وقال وهب بن منبه قدمت السيارة بيوسف مصر ودخلوا به السوق يعرّضونه
للبيع فترافع الناس فى ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه ذهبا ووزنه فضة ووزنه مسكا
ووزنه حريرا وكان وزنه أربعمائة رطل وكان عمره حينئذ ثلاث عشرة سنة أو سبع
عشرة سنة فابتاعه قطفير بهذا الثمن انتهى والملك يومئذ الريان بن الوليد
العمليقى يعنى من أولاد عمليق بن لاود بن ارم بن سام بن نوح قد آمن بيوسف
ومات فى حياته وقيل كان الملك فى أيام يوسف فرعون موسى وهو مصعب بن ريان أو
ابنه وليد بن مصعب عاش أربعمائة سنة وبقى الى زمان موسى بدليل قوله ولقد
جاءكم يوسف من قبل بالبينات والمشهور أن فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف من
بقايا عاد والآية من قبيل خطاب الابناء بأحوال الآباء* وفى كتاب الاعلام كل
من ولى مصر والقبط فهو فرعون قال المسعودى لا يعرف تفسير فرعون بالعربية
وكنيته أبو مرّة وأخوه قابوس بن مصعب هو الذى كان بعد الريان ولما هلك
فرعون وقومه فى اليمّ ملكت مصر امرأة يقال لها دلوكة ولها فيها آثار عجيبة
وكان فرعون موسى أحمر قصيرا أزرق كما ان أشقى ثمود عاقر ناقة صالح قداربن
سالف كان كذلك*
عجائب فرعون
وفى لباب التأويل كان لفرعون أربع عجائب كانت لحيته خضراء ثمانية أشبار
وقامته سبعة أشبار ولحيته أطول منه بشبر وعمره اربعمائة سنة وكان له فرس
اذا صعد الجبل قصرت يداه وطالت رجلاه واذا انحدر يكون على ضدّ ذلك وكان
يجرى النيل بأمره كما قال وهذه الانهار تجرى من تحتى ولاجل هذه الاربعة
ادّعى الربوبية انتهى وكان فرعون طاغيا عاتيا ادّعى الالوهية وقال أنا ربكم
الاعلى وقال يأيها الملأ ما علمت لكم من اله غيرى* وفى الكشاف كان بين
القولين أربعون سنة وكان له وزير يقال له هامان فقال له أوقد لى يا هامان
على الطين واطبخ الآجر قيل انه أوّل من اتخذ الآجر وبنى به فاجعل لى صرحا
قصرا عاليا لعلى أطلع الى اله موسى أنظر
(1/133)
اليه وأقف على حاله وانى لأظنه يعنى موسى
من الكاذبين فى زعمه ان للارض والخلق الها غيرى وانه رسوله* وفى معالم
التنزيل قال أهل التفسير لما أمر فرعون وزيره ببناء الصرح جمع هامان العمال
والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الاتباع والاجراء ومن يطبخ الآجر
والجص وينجر الخشب ويضرب المسامير فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم
يبلغه بنيان أحد من الخلق وأراد الله عز وجلّ أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه
ارتقى فرعون فوقه فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردّت اليه وهى متلطخة
دما فقال قد قتلت اله موسى وكان فرعون يصعد على البراذين قيل كانت تقصر يد
البراذين حين يصعد وتطول رجلاه وقت الهبوط على عكس ذلك كما مرّ فتنة من
الله واستدراجا فبعث الله عز وجلّ جبريل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه
ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل ووقعت
قطعة فى البحر وقطعة فى الغرب ولم يبق أحد ممن عمل فيه شيئا الا هلك وفرعون
لقب ملك العمالقة والقبط ككسرى وقيصر والنجاشى لملوك الفرس والروم والحبشة*
وفى المدارك يقال لملوك مصر الفراعنة كما يقال لملوك فارس أكاسرة واسم
فرعون قابوس أو الوليد بن مصعب بن ريان* وفى العمدة اسم فرعون قابوس وقيل
كيكاوس وقيل حقيق أى جدير انتهى* وفى زمانه بعث شعيب النبىّ عليه السلام
الى أولاد مدين بن اسماعيل بن ابراهيم وبعث موسى وهارون عليهما السلام الى
فرعون وكان اسمه الوليد بن مصعب وكان من أولاد عاد وكان شدّاد أرسله حاكما
الى مصر* روى أن يوسف لما اشتراه العزيز كان ابن سبع عشرة سنة وقال الذى
اشتراه من مصر يعنى قطفير من أهل مصر لامرأته وكان اسمها راغيل وقيل زليخا
اكرمى مثواه منزله ومقامه عندك قال ابن مسعود أفرس الناس ثلاثة العزيز فى
يوسف حيث قال أكرمى مثواه الى آخره وابنة شعيب فى موسى حيث قالت يا أبت
استأجره الى آخره وأبو بكر فى عمر حيث استخلفه بعده كذا فى لباب التأويل
وأقام يوسف فى منزله فى بيت امرأته زليخا ثلاث عشرة سنة كما مرّ وهى كانت
بنت خمس عشرة سنة وعشقت يوسف وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه أى طلبت منه
المواقعة وتمحلت له من راد يرود اذا جاء وذهب وغلقت الابواب قيل كانت سبعة
والتشديد للتكثير أو للمبالغة فى ايثاق الابواب وقالت هيت لك أى أقبل وبادر
أو تهيأت لك هيت اسم فعل بنى على الفتح كبناء أين واللام للتبيين أى لك
أقول كما تقول هلمّ لك قال معاذ الله انه أى الشأن والحديث ربى وسيدى
ومالكى يريد قطفير أحسن مثواى مقامى فلا أخونه فى أهله ولقد همت به وهمّ
بها قصدت مخالطته وقصد مخالطتها والهمّ بالشىء قصده والعزم عليه ومنه
الهمام وهو الذى اذا همّ بشئ أمضاه ولم ينكل عنه* وفى أنوار التنزيل المراد
بهمه ميل الطبع ومنازعة الشهوة لشبق ألغلمة لا الميل الاختيارى وذلك مما لا
يدخل تحت التكليف والحقيق بالمدح والاجر الجزيل من الله سبحانه وتعالى من
يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم الاختيارى أو المراد بهمه مشارفة الهم
كقولك قتلته لو لم أخف الله لولا أن رأى برهان ربه فى قبح الزنا وسوء
عاقبته ولا يجوز أن يجعل وهمّ بها جواب لولا فانها فى حكم أدوات الشرط
وللشرط صدر الكلام فلا يتقدّم عليها جوابها بل الجواب محذوف يدل عليه وهم
بها كقولك هممت بقتله لولا انى خفت الله معناه انى لولا خفت الله لقتلته*
وفى الكشاف وقد فسرهم يوسف بأنه حل الهميان وجلس منها مجلس المجامع وبأنه
حلّ تكة سراويله وقعد بين شعبها الاربع وهى مستلقية على قفاها وفسر البرهان
بأنه سمع صوتا اياك واياها فلم يكترث له فسمع ثانيا فلم يعمل به فسمع ثالثا
أعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضا على أنملته وقيل ضرب بيده فى
صدره فخرجت شهوته من أنامله* وقيل ولد لكلّ من ولد يعقوب اثناعشر ولدا الا
يوسف فانه ولد له احد عشر ولدا
(1/134)
من أجل ما نقص من شهوته حين همّ وقيل صيح
به يا يوسف لا تكن كطائر كان له ريش فلما زنا أى سفد غير أنثاه قعد لا ريش
له وقيل بدت كف فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم مكتوب فيها وانّ عليكم
لحافظين كراما كاتبين فلم ينصرفه ثم رأى فيها ولا تقربوا الزنا انه كان
فاحشة وساء سبيلا فلم ينته ثم رأى فيها واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله
فلم ينجع فيه فقال الله لجبريل أذرك عبدى قبل أن يصيب الخطيئة فانحط جبريل
وهو يقول يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب فى ديوان الانبياء وقيل رأى
تمثال العزيز قطفير وقيل قامت المرأة الى صنم كان هناك فترته وقالت أستحيى
أن يرانا فقال يوسف استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر ولا أستحيى من السميع
البصير العليم بذات الصدور وهذا ونحوه مما يورده أهل الحشو والجبر الذين
دينهم بهت الله وأنبيائه وأهل العدل والتوحيد ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم
بسبيل ولو صدرت من يوسف أدنى زلة لنعيت عليه وذكرت توبته واستغفاره كما
نعيت على آدم عليه السلام زلته وعلى داود وعلى نوح وعلى أيوب وعلى ذى النون
وذكرت توبتهم واستغفارهم كيف وقد أثنى الله عليه وسماه مخلصا انتهى واستبقا
الباب أى ابتدرا اليه يفرّ منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه
لتمنعه الخروج أراد بالباب الباب البرّانى الذى هو المخرج من الدار والمخلص
فلا يرد أن يقال كيف وجد الباب مفتوحا وقد جمعه فى قوله وغلقت الابواب* روى
كعب أنه لما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج من الابواب
وقدّت قميصه من دبر اجتذبته فانقدّ أى انشق طولا حتى هرب منها الى الباب
وتبعته تمنعه وألفيا سيدها أى وجدا زوجها وبعلها وهو قطفير لدى الباب تقول
المرأة لبعلها سيدى وانما لم يقل وجدا سيدهما لان ملك يوسف لم يصح فلم يكن
سيدا له على الحقيقة وقيل ألفياه مقبلا يريد أن يدخل فنزهت نفسها وقالت ما
جزاء من أراد بأهلك سوأ زنا الا أن يسجن أى يحبس أو عذاب أليم مؤلم بأن
يضرب قال يوسف متبرّئا هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهد من أهلها ابن عمّ لها*
روى أنه كان فى المهد وعن النبىّ صلّى الله عليه وسلم تكلم فى المهد أربعة
وهم صغار ابن ماشطة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى وقال نسوة فى
المدينة مصر أى قال جماعة من النساء وكنّ خمسا امرأة الساقى وامرأة الخباز
وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب امرأة العزيز تراود
فتاها عبدها عن نفسه قد شغفها حبا تمييز* فى الكشاف شغفها خرق حبه شغاف
قلبها حتى وصل الى الفؤاد والشغاف حجاب القلب وقيل جلدة رقيقة يقال لها
لسان القلب فلما سمعت بمكرهنّ بغيبتهنّ وسوء مقالتهنّ وقولهنّ امرأة العزيز
عشقت عبدها الكنعانى أرسلت اليهنّ دعتهنّ* قيل دعت أربعين امرأة فيهنّ
الخمس المذكورات وأعتدت أعدّت وهيأت لهنّ متكأ ما يتكئن عليه من نمارق وعن
مجاهد متكأ طعاما يحزّ حزا وقرئ متكا بغير همز وهو الاترج* وقال وهب أترجا
وموزا وبطيخا وآتت أعطت كل واحدة منهنّ سكينا وقالت ليوسف اخرج عليهنّ فلما
رأينه أكبرنه أعظمنه وقطعن جرحن أيديهنّ بالسكاكين ولم يشعرن بالالم لشغل
قلبهنّ بيوسف وقلن حاش لله تنزيها له اللام للتبيين نحو قولك سقيا لك ما
هذا أى يوسف بشرا ان هذا ما هذا الا ملك كريم قالت امرأة العزيز لما رأت ما
حلّ بهنّ فذلكنّ الذى لمتننى فيه فى حبه بيان لعذرها ولقد راودته عن نفسه
فاستعصم فامتنع ولئن لم يفعل ما آمره أى ما آمر به فحذف الجار والضمير
للموصول أو أمرى اياه اى موجب أمرى ومقتضاه على أن ما مصدرية ليسجننّ
وليكونا من الصاغرين من الذليلين قلن له أطع مولاتك ولم يطعها فسجن بسببها
سبع سنين على قول الجمهور ودخل معه السجن فتيان عبدان للملك شرابيه وخبازه
بتهمة السم* وفى كتاب الاعلام اسم أحدهما شرهم والآخر برهم فتحا لما فقال
الشرابىّ انى رأيت كأنى فى بستان
(1/135)
فاذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عنا قيد من عنب
فقطفتها وعصرتها فى كأس الملك وسقيته وقال الخباز رأيت كان فوق رأسى ثلاث
سلال فيها أنواع الاطعمة فاذا سباع الطير تنهش منها فقالا له نبئنا بتأويله
فأوّل يوسف رؤيا الشرابى بأنه يعود الى عمله ويسقى سيده خمرا وأوّل رؤيا
الخباز بأنه يقتل* روى أنه قال للاوّل ما رأيت من الكرمة هو الملك وحسن
حالك عنده وأما القضبان الثلاثة فانها ثلاثة أيام تمضى فى السجن ثم تخرج
وتعود الى ما كنت عليه من عملك اذكرنى وصفنى عند الملك بصفتى وقص عليه قصتى
لعله يرحمنى ويخلصنى من هذه الورطة وفى الحديث رحم الله أخى يوسف لو لم يقل
اذكرنى عند ربك لما لبث فى السجن سبعا وقال للثانى ما رأيت من السلال
الثلاث ثلاثة أيام ثم تخرج وتقتل وكان أمرهما كما قال* ولما دنا فرج يوسف
رأى ملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته رأى سبع بقرات سمان خرجن من
نهر يابص وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان ورأى سبع سنبلات خضر انعقد
حبها وسبعا أخر يابسات قد استحصدت وأدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى
غلبن عليها فاستعبرها الملك وقال يأيها الملأ أفتونى فى رؤياى فلم يجد فى
قومه من يحسن عبارتها وقالوا أضغاث أحلام أى تخاليط منامات باطلة وليس
لنابها علم ولما استفتى الملك فى رؤياه وأعضل على الملأ تأويلها وعجزوا
عنها تذكر الناجى بعد مدّة طويلة يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه
اليه أن يذكره عند الملك فقال أنا اخبركم بمن عنده تأويلها فأرسلوه فانطلق
الى يوسف وقص عليه رؤيا الملك واستعبره فقال أيها الصدّيق أفتنا فى سبع
بقرات سمان الى آخر ما رآه الملك فتأوّل يوسف البقرات السمان والسنبلات
الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من
تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجىء مباركا كثيرا لخير غزير النعم وذلك بعد
أربع عشرة سنة من وقت استفتاء الرؤيا* قيل كان ابتداء بلاء يوسف فى الرؤيا
ثم كان سبب نجاته أيضا الرؤيا فلما رجع المستعبر الى الملك بخبر يوسف
وتأويله الرؤيا قال ائتونى به استخلصه لنفسى فجاءه الرسول ليخرجه من السجن
وكان معه سبعون حاجبا وسبعون مركبا وبعث الملك اليه لباس الملوك فقال أجب
الملك فخرج من السجن ودعا لاهله فقال اللهم أعطف عليهم قلوب الاخيار ولا
تعمّ عليهم الاخبار فهم أعلم الناس بالاخبار فى الواقعات وكتب على باب
السجن هذه منازل البلوى وقبور الاحياء وشماتة الاعداء وتجربة الاصدقاء ثم
اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابا جددا فلما دخل على الملك قال اللهم
انى اسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شرّه ثم سلم عليه ودعا له
بالعبرانية فقال ما هذا اللسان قال لسان آبائى وكان الملك يتكلم بسبعين
لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه فقال أيها الصدّيق انى أحب أن
اسمع رؤياى منك قال رأيت بقرات فوصف لونهنّ وأحوالهنّ ومكان خروجهنّ ووصف
السنابل وما كان منها على الهيئة التى رآها الملك وقال من حقك أن تجمع
الطعام بالاهراء فيأتيك الخلق من النواحى ويمتارون منك ويجتمع لك من الكنوز
ما لم يجتمع لاحد قبلك قال الملك ومن لى بهذا الامر ومن يجمعه قال يوسف
اجعلنى على خزائن الارض أى ولنى خزائن أرضك يعنى مصر* وفى الحديث رحم الله
أخى يوسف لو لم يقل اجعلنى على خزائن الارض لاستعمله من ساعته ولكنه أخر
ذلك سنة* روى أن الملك توجه وختمه بخاتمه ورداه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب
مكللا بالدرّ والياقوت فقال له أما السرير فاشدد به ملكك وأما الخاتم فدبر
به أمرك وأما التاج فليس من لباسى ولا من لباس آبائى فاستوزره الريان وهو
ابن ثلاثين سنة أو ثلاث وثلاثين سنة قيل توفى جدّه اسحاق حينئذ وعمره مائة
وثمانون سنة وكان ضريرا ودفن عند قبر أبيه وأوتى يوسف الحكمة والعلم وهو
ابن ثلاث وثلاثين سنة* وفى تفسير الحدّادى فى قوله تعالى ولما بلغ أشدّه
قال ابن عباس ولما بلغ ثمانى عشرة سنة آتيناه النبوّة ولما
(1/136)
استوزر دانت له الملوك وفوّض اليه الامر
وكان الملك كالتابع له يصدر عن رأيه ولا يعترض عليه فى كل ما رأى وعزل
قطفير ثم مات قطغير بعده فزوّجه الملك امرأته زليخا فلما دخل عليها قال لها
أليس هذا خيرا مما طلبت فوجدها عذراء وكان العزيز عنينا فولدت ليوسف ولدين
افراثيم وميشا وولد لافراثيم نون ولنون يوشع فتى موسى وأقام يوسف العدل
بمصر وأحبه الرجال والنساء وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من
أهل مصر فى سنى القحط الطعام بالدراهم والدنانير فى السنة الاولى حتى لم
يبق معهم شئ منها ثم بالحلى والجواهر فى السنة الثانية ثم بالدواب فى
الثالثة ثم بالعبيد والاماء فى الرابعة ثم بالدور والعقار فى الخامسة ثم
بأولادهم فى السادسة ثم برقابهم فى السابعة حتى استرقهم جميعا ثم أعتق أهل
مصر عن آخرهم وردّ عليهم أملاكهم وكان لا يبيع لاحد من الممتارين أكثر من
حمل بعير وأصاب أهل كنعان ما أصاب أهل مصر من الجهد فأرسل يعقوب بنيه
ليمتاروا منها فجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون لتبدّل
الزىّ أو لانه كان وراء حجاب أو لطول المدّة وهى أربعون سنة* روى أنه لما
رآهم تكلموا بالعبرانية قال لهم أخبرونى من أنتم وما شأنكم قالوا نحن قوم
رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادى
قالوا معاذ الله نحن بنو نبى حزين لفقد ابن كان أحبنا اليه وقد أمسك اخاله
من أمه يستأنس به فقال ائتونى به ان صدقتم وقال ومن يشهد لكم انكم لستم
بعيون وان الذى تقولون حق قالوا اننا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد فيشهد قال
فدعوا بعضكم عندى رهينة وائتونى بأخ لكم من أبيكم وهو يحمل رسالة ابيكم حتى
أصدّقكم فاقترعوا عودا فيهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا فى يوسف
فخلفوه عنده وجهزهم وأعطى كل واحد حمل بعير وقال ائتونى بأخ لكم من أبيكم
قالوا سنراود عنه أباه أى سنخادعه ونحتال عليه حتى ننزعه من يده فلما رجعوا
الى أبيهم بالطعام وأخبروه بما فعل يوسف قالوا يا أبانا منع منا الكيل
فأرسل معنا أخانا نكتل واناله لحافظون عن ان يناله مكروه قال هل آمنكم عليه
الا كما أمنتكم على أخيه من قبل وقال لن ارسله معكم حتى تؤتونى موثقا عهدا
من الله بأن تحلفوا لى بالله لتأتننى به الا أن يحاط بكم وتغلبوا فلم
تطيقوا به فلما آتوه موثقهم وحلفوا بالله رب محمد دفع بنيامين اليهم وقال
الله على ما نقول وكيل وقال فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين* قال كعب لما
قال فالله خير حفظا قال الله بعزتى وجلالى لاردّن عليك كليهما ووصاهم أن لا
يدخلوا من باب واحد بل يدخلوا من أبواب متفرّقة الجمهور على أنه خاف عليهم
العين لجمالهم وجلالة أمرهم فالعين حق وجوده بأن يحدث الله عند النظر الى
الشىء والاعجاب به نقصانا فيه وخللا* وقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان
العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم
يعوّذ الحسن والحسين فيقول أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة
ومن كل عين لامّة فلما دخلوا على يوسف قالوا له هذا أخونا قد جئنا به قال
أحسنتم وآوى وضم اليه أخاه بنيامين فأنزلهم وأحسن مثواهم وأضافهم وأكرم
نزلهم ومقراهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحده فبكى وقال
لو كان أخى يوسف حيالا جلسنى معه فقال يوسف بقى أخوكم وحيدا فأجلسه معه على
مائدته وجعل يواكله وقال أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال من يجد أخا
مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وعانقه وقال انى أنا أخوك
يوسف فلا تبتئس ولا تحزن بما كانوا يعملون بنا فيما مضى فان الله قد أحسن
الينا وجمعنا على خير ولا تعلّمهم بما أعلمتك* روى أن بنيامين قال ليوسف
فأنا لا أفارقك قال يوسف قد علمت اغتمام والدى بى فاذا حبستك ازداد غمه ولا
سبيل الى ذلك الا أن أنسبك الى ما لا يجمل قال لا أبالى افعل ما بدالك قال
فانى أدس صاعى فى رحلك ثم أنادى عليك بأنك سرقته ليتهيألى ردّك بعد تسريحك
معهم
قال افعل فلما جهزهم بجهازهم وهيأ
(1/137)
أسبابهم وأوفى الكيل لهم جعل السقاية يعنى
مشربة يسقى بها وهى الصواع قيل كان يسقى بها الملك ثم جعلت صاعا يكال بها
العزة الطعام وكان يشبه الطاس من فضة أو ذهب فدسوه فى رحل بنيامين* روى
أنهم ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتى انطلقوا ثم أمر بهم فأدركوا وحبسوا ثم نادى
مناد أيتها العير وهى الابل التى عليها الاحمال لانها تعير أى تذهب وتجىء
والمراد أصحاب العير انكم لسارقون كناية عن سرقتهم اياه من أبيه قالوا
وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير قال
المؤذن وأنا به زعيم يريد أنا بحمل البعير كفيل أؤدّيه الى من جاء به وأراد
وسق بعير من طعام جعلا لمن حصله قالوا تالله قسم فيه معنى التعجب مما نسب
اليهم ما جئنا لنفسد فى الارض* روى أنهم حين دخلوا كان أفواه رواحلهم
مشدودة لئلا تتناول زرعا أو طعاما لاحد من أهل السوق وما كنا سارقين قالوا
فما جزاء الصواع أى سرقته ان كنتم كاذبين فى جحودكم وادعائكم البراءة منها
قالوا جزاء سرقته أخذ من وجد فى رحله وكان حكم السارق فى آل يعقوب أن يسترق
سنة فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين لنفى التهمة حتى بلغ وعاء
فقال ما أظنّ هذا أخذ شيئا فقالوا والله لا يترك حتى تنظر فى رحله فانه
أطيب لنفسك وأنفسنا ثم استخرج الصواع من وعاء أخيه قالوا ان يسرق فقد سرق
أخ له من قبل أرادوا يوسف قيل دخل كنيسة فأخذ تمثالا صغيرا من ذهب كانوا
يعبدونه فدفنه وقيل كان فى المنزل دجاجة فأعطاها السائل وقيل كانت منطقة
لابراهيم يتوارثها أكابر ولده فورثها اسحاق ثم وقعت الى ابنته وكانت أكبر
أولاده فحضنت يوسف وهى عمته بعد وفاة أمه وكانت لا تصبر عنه فلما شب أراد
يعقوب أن ينتزعه منها فعمدت الى المنطقة فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وقالت
قد فقدت منطقة اسحاق فانظروا من أخذها ففتشوا فوجدوها محزومة على يوسف
فقالت انه لى سلم أفعل به ما شئت فحلاه يعقوب عندها حتى ماتت يقال فلان سلم
فى أيدى بنى فلان أى أسير* وروى أنهم لما استخرجوا الصواع من رحل بنيامين
نكس اخوته رؤسهم حياء وأقبلوا عليه فقالوا له فضحتنا وسوّدت وجوهنا يا بنى
راحيل ما يزال لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصواع فقال بنو راحيل لا يزال
منكم عليهم بلاء ذهبتم بأخى فأهلكتموه فأسرّ يوسف فى نفسه مقالتهم قد سرق
أخ له من قبل وتغافل عنها كأن لم يسمعها ولما أخذ بنيامين بعلة السرقة
قالوا له يأيها العزيز ان له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه أى بدله فأبى
وقال معاذ الله أن نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فلما استيأسوا من يوسف
واجابته انفردوا عن الناس متناجين فى تدبير أمرهم على أىّ صفة يذهبون وماذا
يقولون لابيهم فى شأن اخيهم قال كبيرهم فى السنّ وهو روبيل أو فى العقل وهو
يهوذا أو رئيسهم وهو شمعون ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله
ومن قبل ما فرّطتم وقصرتم فى شأن يوسف فلن أبرح الارض أى لن أفارق أرض مصر
حتى يأذن لى أبى فى الانصراف اليه أو يحكم الله لى فى الخروج منها او
بالموت او بقتالهم ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا أبانا ان ابنك سرق وما شهدنا
عليه بالسرقة الا بما علمنا من سرقته وما كنا للغيب حافظين أى ما علمنا انه
سيسرق حين أعطيناك المواثيق واسأل اهل مصر عن كنه القصة واصحاب العير
وكانوا قوما من كنعان من جيران يعقوب وانا لصادقون فى قولنا فرجعوا الى
ابيهم فقالوا له ما قال لهم اخوهم قال يعقوب بل سوّلت وسهلت لكم أنفسكم
أمرا أردتموه والا فمن أدرى ذلك الرجل ان السارق يسترق لولا فتواكم
وتعليمكم فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا أى بيوسف واخيه وكبيرهم
وتولى وأعرض عنهم كراهة لما جاءوا به وقال يا اسفا على يوسف الاسف اشدّ
الحزن والحسرة والالف بدل عن ياء الاضافة وابيضت عيناه من الحزن أى اذا كثر
الاستعبار محقت العبرة سواد العين وقلبته الى بياض كدر قيل قد عمى بصره
وقيل يدرك ادراكا ضعيفا قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف الى حين
لقائه
(1/138)
ثمانين سنة أو أربعين سنة كذا فى المدارك*
وفى الكشاف عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم انه سأل جبريل ما بلغ من وجد
يعقوب على يوسف قال وجد سبعين ثكلى قال فما كان له من الاجر قال اجر مائة
شهيد وما ساء ظنه بالله ساعة قط* وفى الكشاف عن الحسن انه بكى على ولده او
غيره فقيل له فى ذلك فقال ما رأيت الله جعل الحزن عارا على يعقوب ويجوز
للنبىّ ان يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لان الانسان مجبول على ان لا يملك نفسه
عند الحزن فلذلك حمد صبره ولقد بكى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ولده
ابراهيم وقال القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وانا عليك يا
ابراهيم لمحزونون وانما المذموم الصياح والنياح ولطم الصدور والوجوه وتمزيق
الثياب* قيل ان يعقوب اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت وروى
انه رأى ملك الموت فى منامه فسأله هل قبضت روح يوسف فقال لا والله هو حىّ
فاطلبه وعلمه هذا الدعاء* يا ذا المعروف الدائم الذى لا ينقطع معروفه ابدا
ولا يحصيه غيره فرّج عنى* فقال يا بنىّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا
تيأسوا من روح الله أى لا تقنطوا من رحمة الله فخرجوا من عند أبيهم راجعين
الى مصر فلما دخلوا على يوسف قالوا يأيها العزيز مسنا واهلنا الضرّ الهزال
من شدّة الجوع وجئنا ببضاعة مزجاة حقيرة يدفعها كل تاجر رآها رغبة عنها
واحتقارا لها قيل كانت دراهم زيوفا لا تؤخذ الا بوضيعة وقيل كانت صوفا
وسمنا فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا ولما قالوا مسنا واهلنا الضرّ وتضرّعوا
اليه وطلبوا أن يتصدّق عليهم ارفضت عيناه ولم يتمالك أن عرّفهم نفسه حيث
قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه اذ أنتم جاهلون وقيل أدّوا اليه كتاب
يعقوب من يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله الى
عزيز مصر أما بعد فانا أهل بيت موكل بنا البلاء فأما جدّى فشدّت يداه
ورجلاه ورمى به فى النار ليحرق فنحاه الله وجعلت النار بردا وسلاما وأما
أبى فوضع السكين فى قفاه ليقتل ففداه الله وأما أنا فكان لى ابن وكان أحب
اولادى فذهب به اخوته الى البرية ثم أتوا بقميصه ملطخا بالدم وقالوا قد
أكله الذئب فذهبت عيناى من بكائى عليه ثم كان لى ابن وكان أخاه من أمه وكنت
أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا وقالوا انه سرق وانك حبسته وانا أهل بيت لا
نسرق ولا نلد سارقا فان رددته علىّ والا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من
ولدك والسلام* فلما قرأ يوسف الكتاب لم يتمالك وعيل صبره فقال لهم هل علمتم
ما فعلتم بيوسف وأخيه* وروى أنه لما قرأ الكتاب بكى وكتب الجواب اصبر كما
صبروا تظفر كما ظفروا* وفى رواية مكتوب يعقوب أخصر مما ذكر كتب بسم الله
الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل
الله الى العزيز ريان أما بعد فانا أهل بيت مولع بنا البلاء أما جدّى
ابراهيم خليل الله ابتلى بالنار فأنجاه الله واما أبى اسحاق ابتلى بالذبح
ففداه الله وأما أنا فكان لى قرّة عين من أولادى ابتليت بفراقه حتى عميت
وكان له أخ كلما هاج بى شوقى ضممته الى صدرى والآن محبوس عندك بعلة السرقة
واعلم انى لا أكون سارقا ولا ألد سارقا فان تفضلت بردّه فلك فى ذلك الاجر
والثواب يوم الحساب وكتب يوسف فى جوابه بعبارة أطول مما ذكر قيل كان باملاء
جبريل كتب بسم الله الرحمن الرحيم كتابى هذا الى يعقوب اسرائيل الله بن
ذبيح الله بن خليل الله من العزيز ريان أما بعد فقد وصل الىّ كتابه بما وصف
من حال آبائه وبلائه وابتلائه بفراق اولاده فوقفت عليه فعليه بالصبر الجميل
أما جدّك ابراهيم ابتلى بالنار صبر فظفر وأما أبوك اسحاق ابتلى بالذبح صبر
فظفر وأنت ابن الصابرين فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا والسلام على من
اتبع الهدى ومعنى فعلهم بأخى يوسف تعريضهم اياه للغم بافراده عن أخيه لابيه
وأمه وايذائهم اياه بأنواع الاذى قال اخوة يوسف أئنك لانت يوسف قال أنا
يوسف وهذا أخى قد منّ الله علينا الآن
بالالفة بعد الفرقة قالوا تالله لقد آثرك الله علينا أى اختارك
(1/139)
وفضلك علينا بالعلم والتقوى والصبر والحسن
وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم
الراحمين* روى ان اخوة يوسف لما عرفوه أرسلوا اليه انك تدعونا الى طعامك
بكرة وعشيا ونحن نستحيى منك لما فرط منافيك فقال يوسف ان اهل مصر وان ملكت
فيهم فانهم ينظرون الىّ بالعين الاولى ويقولون سبحان من بلغ عبدا بيع
بعشرين درهما ما بلغ ولقد شرفت الآن بكم حيث علم الناس أنى من حفدة ابراهيم
اذهبوا بقميصى هذا قيل هو القميص المتوارث الذى كان فى تعويذ يوسف وكان من
الجنة أمره جبريل أن يرسله الى ابيه فان فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلى
ولا سقيم الاعوفى قال فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا أى يأت الىّ وهو بصير
قال يهوذا أنا احمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء قيل حمله وهو خاف
حاسر من مصر الى كنعان وبينهما ثمانون فرسخا وقال لهم يوسف ائتونى بأهلكم
اجمعين لينعموا بآثار ملكى كما اغتموا بأخبار هلكى ولما فصلت العير وخرجت
من عريش مصر قال ابوهم وهو فى كنعان لولد ولده ومن حوله من قومه انى لأجد
ريح يوسف لولا أن تفندون أوجد الله ريح القميص حين اقبل من مسيرة ثمانية
ايام فلما أن جاء البشير وهو يهوذا ألقى القميص على وجهه فارتدّ بصيرا*
وروى أن يعقوب سأل البشير كيف يوسف فقال هو ملك مصر قال ما أصنع بالملك على
أىّ دين تركته قال على دين الاسلام قال الآن تمت النعمة ثم ان يوسف وجه الى
ابيه جهازا ومائتى راحلة ليتجهز هو ومن معه فلما بلغ قريبا من مصر خرج يوسف
والملك فى أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم فتلقوا يعقوب وهو
يمشى ويتوكأ على يهوذا فلما دخلوا على يوسف وذلك قبل دخولهم مصر حين
استقبلهم نزل بهم فى مضرب أو قصر كان له ثمة فدخلوا عليه آوى اليه ابويه أى
ضمهما واعتنقهما اليه قيل كانت أمه باقية وقيل كانت أمه ماتت وتزوّج يعقوب
خالته والخالة امّ كما ان العمّ أب* روى انه لما لقيه يعقوب قال السلام
عليك يا مذهب الاحزان قال له يوسف بعد ردّ السلام عليه يا ابت بكيت علىّ
حتى ذهب بصرك ألم تعلم أن القيامة تجمعنا فقال بلى ولكن خشيت ان يسلب دينك
فيحال بينى وبينك* قيل ان يعقوب وولده دخلوا مصروهم اثنان وسبعون ما بين
رجل وامرأة وخرجوا منها مع موسى ومقاتلتهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة
وسبعون رجلا سوى الذرّية والهرمى وكانت الذرّية ألف ألف ومائتى ألف ولما
دخلوا مصر وجلس يوسف فى مجلسه مستويا على سريره واجتمعوا اليه أكرم أبويه
فرفعهما على السرير وخرّوا له سجدا يعنى الاخوة الاحد عشر والابوين* ذكر
المفسرون ان الله أحيا امّ يوسف تحقيقا لرؤياه والله على كل شىء قدير وكانت
السجدة عندهم جائزة جارية مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل
اليدين قال الزجاج كانت سنة التعظيم فى ذلك الوقت أن يسجد للمعظم وقيل كانت
الانحناء دون تعفير الجبهة وخرورهم سجدا يأباه وقيل خرّوا لاجل يوسف سجدا
لله شكرا وفيه أيضا نبوة واختلف فى استنبائهم وقال يوسف يا أبت هذا تأويل
رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا صادقة وكان بين الرؤيا وبين التأويل أربعون
سنة وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين أو ثمانون سنة وهو قول الحسن البصرى
وسيجىء وقيل ست وثلاثون وقيل اثنتان وعشرون سنة* قال مجاهد أخرج يوسف من
عند يعقوب وهو ابن ست سنين وجمع بينهما وهو ابن أربعين سنة* وعن الحسن قال
ألقى يوسف فى الجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة وكان فى العبودية ثمانين سنة وعاش
بعد ذلك ثمانية وعشرين سنة وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة كاذا فى العرائس*
قال وأقام يعقوب مع يوسف أربعا وعشرين سنة بأغبط حال واهنأ عيش وأتم سرور
وقيل سبع عشرة سنة ثم حضرته الوفاة وأوصى يوسف أن يحمله الى الشام ويدفنه
فى الارض المقدّسة عند أبيه وجده ففعل ذلك وجعله فى تابوت من ساج وحمله الى
بيت
(1/140)
المقدس وخرج معه يوسف وعظماء أهل مصر ووافق
يوم موته يوم موت أخيه عيص فدفنا فى قبر واحد وكان عمرهما جميعا مائة وسبعة
وأربعين سنة وكانا توأمين ولدا فى يوم واحد وماتا فى يوم واحد وقبرا فى قبر
واحد ثم عاد يوسف الى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثا وعشرين سنة كما مرّ قاله
الثعلبى فى العرائس والقاضى البيضاوى فى أنوار التنزيل وكذا فى المدارك
فلما تم أمر يوسف طلبت نفسه الملك الدائم فتمنى الموت قيل ما تمناه نبىّ
قبله ولا بعده فقال رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث فاطر
السموات والارض أنت وليى فى الدنيا والآخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين
فلما حضرته الوفاة جمع قومه من بنى اسرائيل وعرّفهم بحضور أجله وكانوا
ثمانين رجلا فقالوا له يا نبىّ الله انا نحب أن تعلمنا بما يؤول اليه أمرنا
بعد خروجك من بين أظهرنا فى أمر ديننا وملتنا قال لهم يوسف ان اموركم لم
تزل مستقيمة على ما أنتم عليه من أمر دينكم حتى يظهر عليكم رجل جبار من
القبط يدّعى الربوبية فيقهركم ويغلبكم ويذبح أبناءكم ويستحيى نساءكم
ويسومكم سوء العذاب وتمدّ أيامه أياما مديدة ثم يخرج من بنى اسرائيل من ولد
أخى لاوى رجل اسمه موسى بن عمران رجل جعد الشعر آدم اللون فينجيكم الله
تعالى به من أيدى القبط قال فجعل كل رجل من بنى اسرائيل يسمى ولده عمران
رجاء أن يكون ذلك النبىّ منه
ديك يوسف
قالوا وكان ليوسف ديك قد عمر خمسمائة سنة فقال لهم يوسف يستقيم أمركم ما
دام هذا الديك يصرخ فيكم فاذا ولد هذا الجبار سكت فلا يصرخ مدّة ولايته حتى
اذا انقضت أيامه وأذن بمولد هذا النبىّ صرخ كما كان يصرخ أوّلا فذلك علامة
انقضاء ملكه وظهور نبىّ الله فى الارض قال فلم يزالوا على ما هم عليه الى
أن سكت صراخ الديك فوجموا واكتأبوا وانهدمت أركان دينهم وطلع ما أعلمهم به
يوسف من ولادة الجبار وظهوره فاعتزلوا الديك واجمعين الى أن عاد الديك الى
صراخه فاستبشروا وفرحوا وتصدّقوا وأيقنوا بالفرج وكان يوسف عليه السلام قد
أوصى قبل موته أخاه يهوذا واستخلفه على بنى اسرائيل ولما توفاه الله طيبا
طاهرا بروح وريحان تخاصم فيه أهل مصر وتشاحوا فى دفنه كلّ يحب أن يدفن فى
محلتهم حتى هموا بالقتال فاجتمع رأيهم على أن يعملوا له صندوقا من مرمر
ويجعلوه فيه ويدفنوه فى النيل بمكان يمرّ عليه الماء ثم يصل الى مصر
ليكونوا سواء فى الانتفاع ببركته ففعلوا وقد توارثت الفراعنة من العماليق
بعد يوسف ولم تزل بنو اسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف وآبائه ولم
يزل يوسف مدفونا فى النيل حتى استخرجه موسى وبينهما أربعمائة سنة وحمله الى
الشام حين خرج ببنى اسرائيل من مصر ودفنه بأرض كنعان خارج الحصن حيث هو
اليوم فلذلك تنقل اليهود موتاهم الى الشام كذا فى عرائس الثعلبى* وسبب
استخراجه أنه لما دنا هلاك فرعون أمر الله تعالى موسى عليه السلام ان يسرى
ببنى اسرائيل ليلا فأمر موسى قومه أن يسرجوا فى بيوتهم السرج حتى الصبح
وألقى الله الموت على القبط فمات كل بكر لهم فاشتغلوا بدفنهم حين أصبحوا
حتى طلعت الشمس وخرج موسى فى ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يعدّون ابن
العشرين لصغره ولا ابن الستين لكبره* وعن ابن مسعود رضى الله عنه كان أصحاب
موسى ستمائة ألف مقاتل وسبعين ألفا وعن عمرو بن ميمون قال كانوا ستمائة ألف
مقاتل وكان يعقوب وأهل بيته يوم دخول مصر سبعين نفسا وبين دخول يعقوب وأهله
مصر وبين خروج بنى اسرائيل منها على ما قيل أربعمائة سنة وست وثلاثون سنة
فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون*
نقل صندوق يوسف
وفى العرائس لما خرجوا من مصر أظلمت عليهم الارض وتاهوا وضلوا عن الطريق
فسأل موسى مشايخ بنى اسرائيل وعلماءهم عن ذلك فقالوا ان يوسف عليه السلام
لما حضره الموت أخذ على اخوته عهدا أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم*
وفى العمدة أوصى أن لا يخرجوا حتى ينقلوا عظامه معهم قالوا فلذلك انسدّ
عليهم
(1/141)
الطريق فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا
فقام موسى ينادى أنشدكم الله كل من يعلم قبر يوسف الا أخبرنى به ومن لم
يعلم فصمت اذناه عن قولى فكان يمرّ بين الرجلين ينادى فلا يسمعان صوته حتى
سمعته عجوز يقال لها مريم بنت ما موسى فقالت أرأيتك ان دللتك على قبره
أتعطينى كل ما سألتك فأبى عليها فقال حتى أسأل ربى فأمره الله بايتاء سؤلها
فقالت انى عجوز كبيرة لا أستطيع المشى ما حملنى وأخرجنى من مصر هذا فى
الدنيا وأما فى الآخرة فاسألك أن لا تنزل غرفة من الجنة الا نزلتها معك قال
نعم قالت انه فى جوف الماء فى النيل فادفع الله حتى يحسر عنه الماء فدعا
الله فحسر عنه الماء ودعا أن يؤخر طلوع الفجر الى أن يفزغ من أمر يوسف فحفر
موسى ذلك الموضع واستخرجه فى صندوق من مرمر وحمله حتى دفنه بالشام فلما
أخرج التابوت ظهر الضوء وفتح لهم الطريق فاهتدوا وساروا وموسى على ساقتهم
وهارون على مقدّمتهم وعلم بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا فى طلب
بنى اسرائيل حتى يصيح الديك فو الله ما صاح ديك تلك الليلة فخرج فرعون فى
طلب بنى اسرائيل وعلى مقدّمته هامان فى ألف ألف وستمائة ألف وكان فيهم
سبعون ألفا من دهم الخيل سوى سائر الشباب فكان فرعون يكون فى الدهم وقيل
كان فرعون فى سبعة آلاف ألف وكان بين يديه مائة ألف ناشب ومائة ألف أصحاب
حراب ومائة ألف أصحاب اعمدة فسارت بنو اسرائيل حتى وصلوا الى البحر والماء
فى غاية الزيادة ونظروا فاذاهم بفرعون حين أشرقت الشمس فبقوا متحيرين
وقالوا يا موسى كيف نصنع وأين ما وعدتنا هذا فرعون خلفنا ان أدركنا قتلنا
والبحر أمامنا ان دخلناه غرقنا قال الله تعالى فلما تراآى الجمعان قال
أصحاب موسى انا لمدركون قال موسى كلا ان معى ربى سيهدين فأوحى الله اليه أن
اضرب بعصاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله اليه أن كنه فضربه وقال انفلق
ابا خالد باذن الله فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فظهر فيه اثنا عشر
طريقا لكل سبط طريق وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الله الريح
والشمس على قعر البحر حتى صار يبسا فخاضت بنو اسرائيل البحر كل سبط فى طريق
وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضا فخافوا وقال كل سبط قد
قتل اخواننا فأوحى الله عز وجل الى جبال الماء ان تشبكى فصار الماء شبكات
كالطاقات يرى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك
قوله تعالى واذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم من آل فرعون والغرق وأغرقنا آل
فرعون وذلك ان فرعون لما وصل الى البحر ورآه منفلقا قال لقومه انظروا الى
البحر انفلق من هيبتى حتى أدرك عبيدى الذين أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه
أن يدخلوه وقيل قالوا ان كنت ربا فادخل البحر كما دخل موسى وكان فرعون على
حصان ادهم ولم يكن فى خيل فرعون فرس انثى فجاءه جبريل على فرس انثى ودفق
فتقدّمهم وخاض البحر فلما شم ادهم فرعون ريحها اقتحم البحر فى اثرها ولم
يملك فرعون من امره شيئا وهو لا يرى فرس جبريل واقتحمت الخيول خلفه البحر
وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشدّهم ويسوقهم حتى لا يشذّ رجل منهم ويقول
لهم الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر وخرج جبريل من البحر وهمّ أوّلهم
بالخروج فأمر الله البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم وأغرقهم اجمعين وكان بين
طرفى البحر أربع فراسخ وهو بحر قلزم طرف من بحر فارس قال قتادة هو بحر وراء
مصر يقال له اساف* وفى انوار التنزيل والمدارك هو القلزم او النيل* وفى
تفسير الحدّادى هذا البحر هو القلزم يسلك الناس فيه من اليمن الى مصر* وفى
القاموس قلزم بلد بين مصر ومكة قرب جبل واليه يضاف بحر القلزم لانه على
طرفه وكان ذلك بمر أى من بنى اسرائيل ولما أخبر موسى قومه بهلاك فرعون
وقومه قالت بنو اسرائيل ما مات فرعون فأمر الله البحر فألقى فرعون فى
الساحل أحمر قصيرا كأنه ثور فرآه بنو اسرائيل فمن ذلك الوقت لا يقبل البحر
ميتا أبدا* وفى انوار التنزيل قيل ان موسى لبث
(1/142)
فى القبط ثلاثين سنة ثم خرج الى مدين عشر
سنين ثم عاد اليهم يدعوهم الى الله تعالى ثلاثين سنة ثم بقى بعد الغرق
خمسين سنة فعلى هذا يكون عمره مائة وعشرين سنة وهارون كان اكبر من موسى
بثلاث سنين وكذا فى الكشاف* وروى انه كانت النبوّة والملك متصلين بالشام
ونواحيها لولد اسرائيل بن اسحاق الى أن زال عنهم بالفرس والروم بعد يحيى بن
زكريا وبعد عيسى عليهم السلام* وفى الكامل نبئ موسى فى عهد منوجهر وكان ملك
منوجهر بعد جدّه افريدون وكان منوجهر من ولد ايرج بن افريدون وكان مولده
بدنياوند وقيل بالرىّ* وفى الكامل قيل موسى هو موسى بن عمران بن يصهر بن
لاوى بن يعقوب ابن اسحاق بن ابراهيم وأمّ موسى يوحانذ واسم امرأته صفورا
ابنة شعيب النبىّ عليه السلام وكان فرعون مصر فى أيامه قابوس بن مصعب بن
معاوية صاحب يوسف الثانى وكانت امرأته آسية ابنة مزاحم بن عبيد بن الريان
بن الوليد فرعون يوسف الاوّل* وكان من مولد موسى الى أن خرج بنو اسرائيل من
مصر ثمانون سنة ثم صار الى التيه بعد ان مضى وعبر البحر وكان مقامهم هناك
الى أن خرجوا مع يوشع بن نون أربعين سنة وكان ما بين مولد موسى الى وفاته
فى التيه مائة وعشرين سنة وكان اسم فرعون موسى فيما ذكر الوليد بن مصعب*
ذكر منوجهر سبط ايرج
وفى نظام التواريخ للشيخ ناصر الدين البيضاوى ان منوجهر سبط ايرج بن
افريدون لما توفى افريدون قام مقامه وولى عهده منوجهر وعين لكل بلاد حاكما
ولكل قرية دهقانا وحفر الفرات وأجرى الماء الى العراق وعمل البساتين وغرس
أنواع الاشجار واشتغل بعمارة الملك ولما بلغت مدّة ملكه ستين سنة قصده
افراسياب بالعسكر العظيم فهرب منه منوجهر الى طبرستان ولم يتبعه افراسياب
فوقع الصلح بينهما على أن يكون ماوراء جيحون وهو نهر بلخ لافراسياب فرجع
وفى زمان منوجهر أرسل الله تعالى شعيبا الى أولاد مدين بن اسماعيل بن
ابراهيم وبعث موسى وهارون الى فرعون وكان اسمه وليد بن مصعب وكان من أولاد
عاد الذين بعثهم شدّاد لحكومة مصر وقصتهم معروفة مشهورة وبعد وفاة منوجهر
سار أفراسياب الى فارس واشتغل بقتل العباد وتخريب البلاد ومدّة ملكه عشر
سنين الى ان خرج زاب بن طهماسب من اسباط منوجهر وهرب منه افراسياب الى حدود
بلاده واشتغل زاب باصلاح ما أفسده وخرّبه أفراسياب وأجرى نهر الماء الى
العراق ويسمى ذلك زابين واشتغل بالعدل والانصاف ثلاثين سنة وفوّض ملكه الى
ابن أخيه كرشاسف بن كشتاسف الذى كانت أمه بنت بنيامين بن يعقوب وكان ملكه
عشر سنين وكان رستم المشهور بدلستان من نسله* وفى الكامل ولما هلك منوجهر
ملك فارس أفراسياب من نسل رستم ملك على مملكة فارس وعظم ظلمه وخرب ما كان
عامرا ودفن الانهار والقنا وقحط الناس سنة خمس من ملكه الى أن خرج من مملكة
فارس ولم تزل الناس منه فى أعظم بلية الى أن ملك روذ بن طهماسب وطرد
أفراسياب الترك عن مملكة فارس حتى ردّه الى الترك بعد حروب بينهما فكان
أفراسياب على اقليم بابل ومملكة الفرس اثنتى عشرة سنة من لدن توفى منوجهر
الى أن أخرج عنها رود وأمر باصلاح ما كان افراسياب أفسده من مملكتهم
وبعمارة الحصون وأخرج المياه التى غوّر طرقها حتى عادت البلاد الى أحسن ما
كانت ووضع عن الناس الخراج سبع سنين وعمرت البلاد فى ملكه* ثم ملك بعد رود
كيقباد ابن زاع بن مبشر بن نود بن منوجهر وقدّر مياه الانهار والعيون لشرب
الارض وسمى البلاد بأسمائها وحدّدها بحدودها وأخذ العشر من غلاتها لارزاق
الجند وكان كيقباد حريصا على عمارة البلاد وجرت بينه وبين الترك حروب كثيرة
وكان مقيما بقرب نهر بلخ وهو جيحون لمنع الترك عن طرق شتى من بلاده وكان
ملكه مائة سنة* ومن الانبياء الذين كانوا فى زمان كيقباد حزقيل والياس
واليسع وشمويل عليهم السلام ثم ملك بعد كيقباد ابن ابنه كيكاوس بن كبيسة بن
كيقباد فلما ملك حمى بلاده وقتل جماعة
(1/143)
وكان ملكه مائة وخمسين سنة ومن الانبياء
والحكماء الذين كانوا فى زمان كيكاوس داود وسليمان ولقمان الحكيم ومن آثاره
الرصد الذى ببابل* وملك بعد كيكاوس ابن ابنه كيخسرو وكان ملكه ستين سنة*
ومن مشاهير الحكماء الذين كانوا فى عصر كيخسرو فيثاغورس الذى كان تلميذ
داود ولقمان الحكيم روى أن كيخسرو لما حضرته الوفاة عهد الى ابن عمه كهراسب
بن كرخى بن كيكاوس فهو ابن ابن كيكاوس فلما ملك اتخذ سريرا من ذهب فكاله
بأنواع الجواهر وبنيت له بأرض خراسان مدينة بلخ وسماها الحسناء ودوّن
الدواوين وقوّى ملكه باتخاذ الجنود وعمر الارض وجبى الخراج لارزاق الجند
واشتدّت شوكة الجند فنزل مدينة بلح لقتالهم وكان محمودا عند أهل مملكته
شديد القمع للملوك المجاورين له شديد التفقد لاصحابه بعيد الهمة عظيم
البنيان ثم انه تنسك وفارق الملك واشتغل بالعبادة واستخلف ابنه كشتاسف فى
الملك وكان ملك كهراسب مائة وعشرين سنة ومن الانبياء الذين كانوا فى عهد
كهراسب أرميا وعزير عليهما السلام كذا فى نظام التواريخ* وملك بعده كشتاسب
بن كهراسب وفى أيام كشتاسب ظهر زرادشت الذى ادّعى النبوّة وتبعه المجوس
وكان زرادشت من أهل فلسطين يخدم لبعض تلامذة ارميا النبىّ خاصا به فخانه
وكذب عليه فدعا الله تعالى عليه فبرص ولحق ببلاد أذربيجان وشرع بها دين
المجوس وقيل انه كان من العجم وصنف كتابا وطاف به الارض فما عرف أحد معناه
وزعم أنه لغة سمائية خوطب بها وسماه أمتا فسار الى اذربيجان الى فارس فلم
يعرفوا ما فيه ولم يقبلوه فسار الى الهند وعرضه على ملوكها ثم أتى الصين
والترك فلم يقبله احد وأخرجوه من بلادهم وقصد فرغانة وأراد ملكها أن يقتله
فهرب منه وقصد كشتاسب بن كهراسب فأمر بحبسه فحبس مدّة وشرح زرادشت كتابه
وسماه زند ومعناه النفيس ثم شرح النفيس بكتاب سماه بازند يعنى تفسير
التفسير وفيه علوم مختلفة كالرياضات وأحكام النجوم والطب وغير ذلك من اخبار
القرون الماضية وكتب الانبياء وفى كتابه تمسكوا بما جئتكم به الى أن يجيئكم
صاحب الجمل الاحمر يعنى محمدا صلّى الله عليه وسلم وذلك على رأس ألف سنة
وبسبب ذلك وقعت البغضاء بين المجوس والعرب ثم ان كشتاسف أحضر زرادشت وهو
ببلخ فلما قدم عليه شرع له دينه فأعجبه واتبعه وقهر الناس على اتباعه وقتل
منهم خلقا كثيرا حتى قبلوه وأما المجوس فيزعمون أن أصله من أذربيجان وانه
نزل على هذا الملك من سقف ايوانه وبيده كبة من نار يلعب بها ولا تحرقه وكل
من أخذها بيده لم تحرقه واتبعه الملك ودان بدينه وبنى بيوت النيران فى
البلاد واشعل تلك النيران فى بيوتهم وأما المجوس فيزعمون أن النيران التى
فى بيوت عبادتهم من تلك النار الى الآن وكذبوا فان النار التى للمجوس طفئت
فى جميع البيوت لما بعث الله تعالى نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلم وكان
ظهور زرادشت بعد مضى ثلاثين سنة من ملك كشتاسب وأتاه بكتاب زعم انه وحى من
الله تعالى فكتب فى جلد اثنتى عشرة ألف بقرة حفرا ونقشا بالذهب وجعله
كشتاسب فى موضع باصطخر ومنع تعليمه للعامة وكان كشتاسب وآباؤه قبله يدينون
بدين الصابئة* ومن الحكماء الذين كانوا فى زمان كشتاسب سقراط العابد تلميذ
فيثاغورس وجاماسب المشهور فى علم النجوم كذا فى نظام التواريخ
*
(ذكر بخت نصر)
* فى الكامل قد اختلف العلماء فى الوقت الذى أرسل فيه بخت نصر على بنى
اسرائيل فقيل كان فى عهد ارميا ودانيال وحنينا وعزاريا ومسايل وقيل انما
أرسله الله تعالى على بنى اسرائيل لما قتلوا يحيى بن زكريا والاوّل أكثر*
وملك بهمن بن اسفنديار وكانت أمه من أولاد طالوت ولما ملك بهمن أمر على
بابل ابرش من أسباط جاماسب بن كهراسب الذى كانت أمه بنت واحد من أنبياء بنى
اسرائيل وأمره أن يبعث جميع بنى اسرائيل الى بيت المقدس ويعطى رياستهم من
أرادوا فجمع ابرش بنى اسرائيل وأعطى رياستهم باتفاقهم دانيال وبعثهم الى
مقامهم وأمر بعمارة بيت المقدس وكانت مدّة
(1/144)
ملكه مائة واثنتى عشرة سنة وكان ذيمقراطيس
الحكيم وبقراط الطبيب فى عصره* وملك دار ابن بهمن ابن اسفنديار وبنى مدينة
بفارس سماها دارا بجرد وكان ملكه اثنتين وعشرين سنة وكان أقلاطون الالهى
تلميذ سقراط العابد فى زمان دارا* وملك بعده ابنه دارا بن داراوينى بأرض
الجزيرة بقرب نصيبين مدينة مشهورة الى الآن وكان ملكه أربع عشرة سنة ومن
حكماء عصره ارسطاطاليس تلميذ
افلاطون*
(ذكر الاسكندر الملقب بذى القرنين)
* فى الكامل كان فيلقوس أبو الاسكندر اليونانى من أهل بلدة يقال لها
مقدونية كان ملكا عليها وعلى بلاد اخرى فصالح دارا على خراج يحمله فيلقوس
اليه كل سنة فلما هلك فيلقوس ملك بعده ابنه الاسكندر واستولى على بلاد
الروم أجمع وقوى على دارا ولم يحمل اليه من الخراج شيئا وكان الذى يحمله
بيضا من ذهب فسخط عليه دارا وكتب اليه يؤنبه بسوء صنيعه فى ترك حمل الخراج
فوقعت المحاربة بينهما حتى قتل دارا وظفر الاسكندر ولما مات الاسكندر عرض
الملك على ابنه الاسكندروس فأبى واختار العبادة وملك اليونان فيما قيل
بطليموس ابن مرغوس وكان ملكه ثمانيا وثلاثين سنة ثم ملك بعده بطليموس
دميانوس أربعين سنة ثم ملك بعده بطليموس أو دايماطس أربعا وعشرين سنة ثم
ملك بعده بطليموس فيلا قطر احدى وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس افيغالس
اثنتين وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس او دايماطس سبعا وعشرين سنة ثم ملك
بعده بطليموس من بناطر سبع عشرة سنة ثم ملك بعده بطليموس الاخشندر احدى
عشرة سنة ثم ملك بعده بطليموس أخنعى ثمان سنين ثم ملكت بعده قالونطرى سبع
عشرة سنة وهى من الحكماء وهؤلاء كلهم من اليونان وكل من كان بعد الاسكندر
كان يدعى بطليموس كما كان يدعى ملوك الفرس أكاسرة وملوك الروم قياصرة* وقال
بعض العلماء ان بطليموس صاحب المجسطى وغيره من الكتب لم يكن من هؤلاء
الملوك وانما كان أيام ملوك الروم ثم ملك الشام فيما قيل بعد قالو نطرى ملك
الروم وكان أوّل من ملك منهم جانوس بن مركوس خمسين سنة* ثم ملك بعده اغسطوس
ستا وخمسين سنة ولما مضى من ملكه اثنتان وأربعون سنة ولد عيسى ابن مريم
عليه السلام وقيل كان بين مولده وقيام الاسكندر ثلثمائة سنة وثلاث سنين كذا
فى الكامل* وفى نظام التواريخ من الانبياء الكبار الذين كانوا فى أيام
الملوك الاشكانيين جرجيس النبىّ فى الجزيرة وزكرياء ويحيى وعيسى عليهم
السلام فى الشام* ومن الحوادث الكائنة فى أيامهم واقعة أصحاب الكهف وعيسى
بعث فى أيام شابور ابن اشكان وهذا وقع فى البين وقطع اتصال الكلامين فلنرجع
لما كنا فيه*
بقية قصة اسماعيل عليه السلام
روى ان اسماعيل كان ابن تسع وثمانين سنة حين توفى ابراهيم* وفى حياة
الحيوان انّ أوّل من ركب الخيل اسماعيل عليه السلام ولذلك سميت العراب
وكانت قبل ذلك وحشية كسائر الوحوش ولذلك قال نبينا صلّى الله عليه وسلم
اركبوا الخيل فانها ميراث أبيكم اسماعيل وتزوّج اسماعيل فى حياة ابراهيم
رعلة بنت عمرو فولدت له اثنى عشر ابنا أو عشرة وكان اكبرهم نابت* وفى
المنتقى كان أحدهم قيدار وفى العرائس قال العلماء لما كبر اسماعيل وبلغ
النكاح تزوّج امراة يقال لها السيدة بنت مضاض الجرهمية وهى التى قال لها
ابراهيم اذا جاء زوجك قولى له قد أصلحت عتبة بابك وقد رضيتها لك فولدت
لاسماعيل اثنى عشر ولدا منهم نابت وقيدار ومنهم العرب وقيل التى تزوّجها
اسماعيل هالة بنت الحارث ابن عمرو الجرهمى* وروى ان الله بعث اسماعيل الى
مارب من اليمن وحضرموت فدعاهم الى الاسلام خمسين سنة فآمن له قليل منهم
وكان عمره مائة وسبعا وثلاثين سنة ولما حضرته الوفاة أوصى الى أخيه اسحاق
أن يزوّج بنته نسيمة للعيص ففعل وتوفى اسماعيل بمكة ودفن فى الحجر مع امّه
هاجر وتقول العرب هاجر وآجر فيبدلون الالف من الهاء كما قالوا هراق الماء
وأراق الماء وغيره وهاجر كانت
(1/145)
من أرض مصر قال ابن لهيعة أمّ اسماعيل هاجر
من أمّ العرب قرية كانت أمام الغرما من أرض مصر وأمّ ابراهيم مارية سرية
النبىّ صلّى الله عليه وسلم الّتى أهداها له المقوقس بن حقن من كورة أنصنا
كذا فى سيرة ابن هشام وكان قيدار قد أعطى سبع خصال البأس والشدّة والصراع
والرمى والقنص والفروسية واتيان النساء وكان صاحب ضفيرتين يخرج كل يوم الى
قنصه وكان يسمع من قنصه ظبية كان أو طير الا تذبحنى حتى تسمى الله ولا تأكل
مما لم يذكر اسم الله عليه وكان قد تزوّج مائة امرأة من بنات اسحاق فى سنة
يظنّ ان المطهرات التى أمر بنكاحهنّ من ولد اسحاق طمعا أن يولد له منهنّ
ولد ولم يحبلن فرجع يوما من قنصه وقد عيرته وحوش الجبال ونادته يا قيدار لو
هممت بهذا النور الذى فى وجهك أن تضعه فى مستودعه لكان أفضل لك من اقتنائنا
وقنصنا فاتق اله ابراهيم وقد آن لك أن يخرج نور أبى القاسم صلّى الله عليه
وسلم من ظهرك فرجع قيدار الى أهله فزعا مرعوبا فحلف باله ابراهيم أن لا
يأكل طيبا ولا يشرب باردا ولا يأتى أنثى حتى يأتيه بيان ما سمع من ألسن
الوحوش فبينما هو قاعد مغموم اذ هبط عليه ملك من السماء فى صورة شاب فسلم
عليه وقال يا قيدار قد ملكت الارض وقد أعطيت قوّة ابن عمك عيص وقد نقل اليك
نور محمد صلّى الله عليه وسلم وانه كائن لك ولد من غير نسل اسحاق فلو قرّبت
لاله ابراهيم قربانا يبين لك التزويج فقام قيدار فانطلق الى البقعة التى
ربط فيها اسماعيل حين أريد ذبحه فقرب سبعمائة كبش وقال الهى ان كنت رازقى
ولدا فتقبل قربانى وبين لى من أين أتزوّج وكان كلما ذبح كبشا نزلت نار من
السماء فى سلسلة بيضاء فتحمل ذلك القربان الى السماء فلم يزل كذلك حتى نودى
من السماء وقيل نودى من ورائه أن يكفيك يا قيدار قد استجيب دعاؤك وتقبل
قربانك انطلق الى شجرة الوغد فنم فى أصلها وانته الى ما تؤمر به فى مناسك
فانطلق قيدار فنام فى أصلها فهتف به هاتف فى منامه فقال له يا قيدار ان هذا
النور الذى فى وجهك نور محمد صلّى الله عليه وسلم وهو النور الذى فتح الله
به الانوار وخلق الدنيا لاجله وانه عربى لا ينبغى أن يجرى الا فى العربيات
فابتغ لنفسك عربية وليكن اسمها الغاضرة فانتبه قيدار مسرورا ووجه فى شرق
الارض وغربها من يطلبها له حتى وجد الغاضرة بنت ملك الجرهميين وكان من ولد
ذهل بن عمرو بن يعرب بن قحطان الذى هو من نسل شيث فتزوّجها قيدار فولد له
منها حمل وكانت ولادة حمل فى زمن يعقوب وانه قال انى لأجد فى صحف جدّى
ابراهيم عليه السلام أنه يجرى نور هذا الحبيب المصطفى فى الرجال والنساء من
نسل شيث لا يخالطه أحد من نسل قابيل كذا فى المنتقى* ولما ترعرع حمل أخذ
قيدار بيده بعد ما أخذ عليه العهد والميثاق فى رعاية نور رسول الله صلّى
الله عليه وسلم وذهب به حتى اذا صار على جبل ثبير استقبله ملك الموت فى
صورة رجل شاب وسلم عليه وقال له يا قيدار ناولنى أذنك لا سارّك فتقدّم اليه
ليسارّه فقبض روحه من اذنه فخرّ ميتا فغضب ابنه حمل وقال يا هذا قتلت أبى
قال له ملك الموت يا غلام انظر الى أبيك أميت هو فانكب لينظر الى أبيه فغاب
ملك الموت عن عينه فالتفت حمل عن يمينه وشماله فلم ير احدا فعلم أنه ملك
الموت وقيض الله له واحدا من أولاد اسرائيل فغسل أباه وكفنه وفى جبل ثبير
دفنه وبقى حمل يتيما يكلأه الله ويرعاه حتى بلغ فتزوّج امرأة من قومه يقال
لها سعيدة فولد له منها نبت وفيه نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ
يسير بسيرة حسنة يحب القنص ويتبع آثار آبائه فولد له الهميسع ولهميسع أدد
وانما سمى أدد لانه كان مديد الصوت طويل العز والشرف وقيل أوّل من تعلم
بالقلم من ولد اسماعيل أدد فضل بالكتابة على اهل زمانه فولد له عدنان كذا
فى سيرة مغلطاى وانما سمى عدنان لان أعين الجنّ والانس كانت اليه وأراد
واقتله
وقالوا لئن تركنا هذا الغلام حتى يدرك مدارك الرجال ليخرجنّ من ظهره من
يسود الناس فوكل الله عز وجل به من يحفظه ولم تعلم ملته وكان فيه نور
(1/146)
رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى
الاكتفاء ومن عدنان تفرّقت القبائل من ولد اسماعيل فولد لعدنان ابنان معدّ
بن عدنان وعك بن عدنان* وفى غيره تزوّج عدنان امرأة من قومه يقال لها
الامينة فولدت له معدّا انتهى فصارعك فى دار اليمن لان عكا تزوّج فى
الاشعريين منهم وأقام فيهم فصارت الدار واللغة واحدة والاشعريون هم بنو
أشعر بن نبت بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو ابن عريب بن يشجب بن زيد بن
كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وقحطان عند جمهور العلماء بالنسب
أبو اليمن كلها واليه يجتمع نسبها والعرب كلها عندهم من ولد اسماعيل
وقحطان* قال ابن اسحاق وجماعة ان قحطان هو ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن
سام بن نوح عليه السلام وبعض أهل اليمن يقول قحطان من ولد اسماعيل واسماعيل
أبو العرب كلها والله أعلم وأما معدّ بن عدنان ففيه نور رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولم تعرف ملته وانما سمى معدّا لانه كان صاحب حروب وغارات على
بنى اسرائيل ولم يحارب أحدا الارجع بالنصر والظفر* وفى الاكتفاء ذكر الزبير
بن بكار أن بخت نصر لما أمر بغز وبلاد العرب وادخال الجنود عليهم فيها وقتل
مقاتلتهم لانتهاكهم معاصى الله تعالى واستحلالهم محارمه وقتلهم أنبياء
وردّهم رسالاتهم امر ارميا بن حلقيا وكان فيما ذكر نبىّ بنى اسرائيل فى ذلك
الزمان أن ائت معد بن عدنان الذى من ولده محمد رسول الله صلّى الله عليه
وسلم خاتم النبيين فأخرجه عن بلاده واحمله معك الى الشام وتول أمره قبلك
ويقال بل المحمول عدنان والاوّل أكثر* وفى حديث ابن عباس ان الله بعث ملكين
فاحتملا معدّا فلما أدبر الامر ردّاه فرجع الى موضعه من تهامة بعد ما رفع
الله بأسه عن العرب فكان بمكة وناحيتها مع أخواله من جرهم وبها منهم بقية
وهم ولاة البيت يومئذ فاختلط بهم وناكحهم فولد معد بن عدنان نفرا منهم
قضاعة وكان بكره الذى به يكنى فيما يزعمون وقنص بضم القاف وفتحها وفتح
النون كذا ضبطه الحافظ عبد الكريم ونزار واياد أما قضاعة فتيامنت الى حمير
بن سبأ يروى انه واضع الخط العربى قال ابن هشام أوّل من كتب الخط العربى
حمير بن سبأ علمه مناما قال ابن عبد البر عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم
أوّل من كتبه اسماعيل عليه السلام قال شارح القصيدة العقيلية للشاطبى هو
الخط الكوفى استنبط منه نوع نسب الى ابن مقلة ثم آخر نسب الى علىّ بن
البوّاب وعلى هذا استقرّ رأى الكتاب انتهى وانتمت قضاعة الى ابن حمير مالك
بن حمير حتى قال قائلهم يفتخر بذلك
نحن بنو الشيخ الهجان الازهر ... قضاعة بن مالك بن حمير
والنسب المعروف غير المنكر
وأنكر كثير من الناس منتماهم هذا وأما قنص بن معد فهلكت بقيتهم فيما زعموا
وكان منهم النعمان بن المنذر ملك حمير وقد ذكر أيضا فى بنى معد الضحاك بن
معد* ذكر الزبير باسناد له الى مكحول قال اغار الضحاك ابن معدّ على بنى
اسرائيل فى أربعين رجلا من بنى معد عليهم دراريع الصوف خاطمى خيلهم بحبال
الليف فقتلوا وسبوا وظفروا فقالت بنو اسرائيل يا موسى ان بنى معدا غاروا
علينا وهم قليل فكيف لو كانوا كثيرا وأغاروا علينا وأنت بيننا فادع الله
عليهم فتوضأ وصلّى وكان اذا أراد حاجة من الله صلّى ثم قال يا رب ان بنى
معد أغاروا على بنى اسرائيل فقتلوا وسبوا وظفروا فسألونى ان أدعوك عليهم
فقال الله لا تدع عليهم فانهم عبادى وانهم ينتهون عند أوّل أمرى وان فيهم
نبيا أحبه وأحب أمته قال يا رب ما بلغ محبتك له قال اغفر له ما تقدّم من
ذنبه وما تأخر قال يا رب ما بلغ محبتك لامته قال يستغفرنى مستغفرهم فاغفر
له ويدعونى داعيهم فاستجيب له قال يا رب فاجعلهم من أمتى قال نبيهم منهم
قال يا رب فاجعلنى منهم قال تقدّمت واستأخروا قال الزهرى وحدّثنى علىّ بن
المغيرة قال لما بلغ بنو معدّ عشرين رجلا أغاروا
(1/147)
على عسكر موسى عليه السلام فدعا عليهم فلم
يجب فيهم ثلاث مرّات فقال يا رب دعوتك على قوم فلم تجبنى فيهم بشىء فقال يا
موسى دعوتنى على قوم منهم خيرتى فى آخر الزمان* وأما نزار بن معد فلم تدر
ملته وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى نزارا بكسر النون
من النزر وهو القليل لان معدا نظر الى نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم
فى وجهه فقرّب له قربانا عظيما وقال لقد استقللت لك هذا القربان وانه نزر
قليل فسمى نزار او خرج أجمل أهل زمانه وأكثرهم عقلا* وفى الوفاء يقال ان
قبر نزار بن معد وقبر ابنه ربيعة بن نزار بذات الجيش قرب المدينة وتزوّج
امرأة يقال لها عبيدة فولدت له مضر وكان مسلما على ملة ابراهيم وفيه نور
رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى مضر لانه أخذ بالقلب ولم يكن يراه
أحد الا أحبه يقال انه هو أوّل من سنّ الحداء للابل وكان من أحسن الناس
صوتا وقيل بل أوّل من سنّ الحداء للابل عبد له ضرب مضر يده ضربا وجيعا فقال
يا يداه يا يداه فشرع يحدو وكان حسن الحداء* وفى الاكتفاء ولد نزار بن معدّ
أربعة بنين مضر وربيعة وأنمارا وايادا واليه دفع أبوه حجابة الكعبة فيما
ذكره الزبير وأمهم سودة بنت عك بن عدنان وقيل هى أمّ مضر خاصة وأم اخوته
الثلاثة اختها شقيقة بنت عك بن عدنان وقد قيل ان ايادا شقيق لمضر أمهما معا
سودة فأنمار هو أبو بجيلة وخثعم وقد تيامنت بجيلة الا من كان منهم بالشام
والمغرب فانهم على نسبهم الى أنمار بن نزار وجرير بن عبد الله صاحب رسول
الله صلّى الله عليه وسلم سيد من سادات بجيلة وله يقول القائل
لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله
وكذا تيامنت الدار أيضا بخثعم وهم بنو قيل بن أنمار وانما خثعم جبل تحالفوا
عنده فسموا به وهم بالسراة على نسبهم الى أنمار ولذا لما كانت بين مضر
واليمن فيما هنالك حرب كانت خثعم مع اليمن على مضر
قصة الافعى الجرهمى
ويروى أن نزارا لما خضرته الوفاة قسم ماله بين بنيه الاربعة مضر وربيعة
واياد وانمار فقال هذه القبة لقبة كانت له حمراء من أدم وما أشبهها من
المال لمضر وهذا الخباء الاسود وما أشبهه لربيعة وهذه الخادم وكانت شمطاء
وما أشبهها لاياد وهذه البدرة والمجلس لانمار يجلس فيه وقال لهم ان أشكل
عليكم الامر فى ذلك واختلفتم فى القسمة فعليكم بالافعى الجرهمى وكان بنجر
ان فلما مات نزار اختلفوا بعده وأشكل أمر القسمة عليهم فتوجهوا الى الافعى
فبينما هم فى مسيرهم اليه اذر أى مضر كلأ قدرعى فقال ان البعير الذى رعى
هذا لأعور وقال ربيعة وهو أزور وقال اياد وهو أبتر وقال أنمار وهو شرود فلم
يسيروا الا قليلا حتى لقيهم رجل توضع به راحلته فسألهم عن البعير فقال مضر
أهو أعور قال نعم قال ربيعة أهو أزور قال نعم قال اياد أهو أبتر قال نعم
قال أنمار أهو شرود قال نعم هذه والله صفة بعيرى دلونى عليه فحلفوا له أنهم
ما رأوه فلزمهم وقال كيف أصدّقكم وأنتم تصفون بعيرى بصفته فساروا حتى وصلوا
نجران ونزلوا بالافعى الجرهمى فنادى صاحب البعير هؤلاء أصابوا بعيرى فانهم
وصفوا لى صفته ثم قالوا لم نره أيها الملك فقال الافعى كيف وصفتموه ولم
تروه فقال مضر رأيته يرعى جانبا ويدع جانبا فعرفت انه أعور وقال ربيعة رأيت
احدى يديه ثابتة الاثر والاخرى فاسدة الاثر فعلمت أنه أفسدها بشدّة وطئه
لازوراره وقال اياد عرفت بتره باجتماع بعره ولو كان ذيالا لمصع به وقال
أنمار عرفت انه شرود لانه كان يثوى فى المكان الملتف نبته ثم يجوزه الى
مكان أرق منه وأخبث قال الافعى للشيخ ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه ثم سألهم
من هم فأخبروه فرحب بهم وقال تحتاجون الىّ وأنتم كما أرى ثم خرج عنهم وأرسل
لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا فقال مضر لم أر كاليوم خمرا أجود لولا انها
نبتت على قبر وقال ربيعة لم أر كاليوم لحما أطيب لولا انه ربى بلبن كلبة
وقال اياد لم أر كاليوم خبزا اجود لولا ان التى عجنته حائض وقال أنمار لم
أر كاليوم رجلا أسرى لولا انه ليس لابيه الذى يدعى له وكان الافعى وكل بهم
من يسمع كلامهم فأعلمه بما سمع منهم فطلب
(1/148)
صاحب شرابه وقال الخمر التى جئت بها ما
قصتها قال هى من حبلة غرستها على قبر أبيك لم يكن عندنا شراب أطيب منها
وسأل الراعى عن امر اللحم قال لحم شاة أرضعتها من لبن كلبة ولم يكن فى
الغنم اسمن منها فدخل داره وسأل الامة التى عجنت العجين فأخبرته انها كانت
حائضا فأتى أمه وسأل منها فأخبرته انهما كانت تحت ملك لا يولد له ذرّية
فكرهت أن يذهب الملك فأمكنت رجلا نزل بهم من نفسها فوطئها فأتت به فعجب من
أمرهم ودس عليهم من يسألهم عما قالوا فقال مضر انما علمت انها من كرمة غرست
على قبر لان الخمر اذا شربت أزالت الهمّ وهذه بخلاف ذلك لاننا لما شربناها
دخل علينا الغم* وفى الاكتفاء قال مضر لانه أصابنا عطش شديد وقيل لان الكرم
اذا نبت على قبور يكون انفعاله قليلا وقال ربيعة انما علمت انه لحم شاة
رضعت من كلبة لان لحم الضأن وسائرا للحوم يكون شحمها فوق اللحم الا لحم
الكلب فانه عكس ذلك فرأيته موافقا له فعلمت أنه لحم شاة رضعت من كلبة
فاكتسب اللحم منها هذه الخاصية* وفى الاكتفاء قال ربيعة لان لحم الكلب يعلو
شحمه وقيل لانى شممت منه رائحة الكلبة وقال اياد انما علمت أن الملك ليس
لابيه الذى يدعى اليه لانه صنع طعاما ولم يأكل معنا فعرفت ذلك من طباعه لان
أباه لم يكن كذلك وقال انمار انما علمت أن الخبز عجنته حائض لان الخبز
اذافت انتفش فى الطعام وهو بخلاف ذلك فقال ما هؤلاء الا شياطين ثم أتاهم
فقال لهم قصوا علىّ قصتكم فقصوا عليه ما أوصى به أبوهم وما كان من اختلافهم
فقال ما أشبه القبة الحمراء من مال فهو لمضر فصارت اليه الدنانير والابل
وهى حمر فسميت مضر الحمراء قال وما أشبه الخباء الاسود من دابة ومال فهو
لربيعة فصارت له الخيل وهى دهم فسمى ربيعة الفرس قال وما أشبه الخادم وكانت
شمطاء من مال فيه بلق فهو لاياد فصارت له الماشية البلق وقضى لانمار
بالدارهم والارض فساروا من عنده على ذلك* وكان يقال ربيعة ومضر هما
الصريحان من ولد اسماعيل وروى ميمون بن مهران عن عبد الله بن عباس رضى الله
تعالى عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لا تنسبوا مضر وربيعة
فانهما كانا من المسلمين وقال صلّى الله عليه وسلم فيما روى عنه اذا اختلف
الناس فالحق مع مضر وسمع صلّى الله عليه وسلم قائلا يقول
انى امرؤ حميرى حين تنسبنى ... لا من ربيعة آبائى ولا مضرا
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذلك أبعد لك من الله تعالى ورسوله ومما
يؤثر من حكم مضر بن نزار ووصاياه من يزرع شرّا يحصد ندامة وخير الخير أعجله
فاحملوا أنفسكم على مكروهها فيما أصلحكم واصرفوا عن هواها فيما أفسدها وليس
بين الاصلاح والافساد الاصبر فواق* وتزوّج مضر خزيمة فولدت له الياس بكسر
الهمزة عند ابن الانبارى وبفتحها عند قاسم بن ثابت ضدّ الرجاء واللام فيه
للتعريف والهمزة للوصل قال السهيلى هذا أصح كذا فى المواهب اللدنية واسم
الياس حبيب كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم
وانما سمى الياس لان مضر كان قد كبر ولم يولد له ولد فولد على الكبر واليأس
فسماه الياس* وفى حياة الحيوان كان الياس مؤمنا وكان يسمع من صلبه تلبية
النبىّ صلّى الله عليه وسلم بالحج فيتعجب منه* وفى عبارة المنتقى وكان يسمع
أحيانا من ظهره دوى تلبية رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم تزل العرب
تعظم الياس بن مضر تعظيم أهل الحكمة كلقمان وأشباهه وكان يدعى كبير قومه
وسيد عشيرته ولا يقطع أمر ولا يقضى لهم دونه* وفى الاكتفاء فولد مضر بن
نزار ابنين الياس بن مضر وغيلان بن مضر قال الزبير أمهما الخنفاء بنت اياد
بن معد وقال ابن هشام أمهما جرهمة ولما أدرك الياس بن مضر أنكر على بنى
اسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم وسيرهم وبان فضله عليهم وألان جانبه لهم
حتى جمعهم وردّهم على سنن آبائهم وهو أوّل من أهدى البدن الى البيت أو فى
زمانه وأوّل من وضع الركن للناس بعد هلاكه حين غرق البيت وانهدم
(1/149)
زمن نوح عليه السلام فكان أوّل من سقط عليه
الياس أوفى زمانه فوضعه فى زاوية البيت للناس ومن الناس من يقول انما هلك
الركن بعد ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وهو الاشبه ان شاء الله تعالى
فتزوّج الياس بن مضر امرأة يقال لهامخه* وفى حياة الحيوان خندف فولدت له
مدركة وكان اسمه عامرا قال ابن اسحاق ويقال عمرو وانما سمى مدركة لانه أدرك
كل عز كان فى آبائه وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء
فولد الياس بن مضر ثلاثة نفر مدركة وطابخة وقعة وأمهم خندف بنت حلوان بن
عمران بن الحاف بن قضاعة واسمها ليلى واسم مدركة عامر واسم طابخة عمرو واسم
قمعة عمير وانما حالت أسماؤهم الى الذى ذكرناه أوّلا عنهم فيما ذكروا أن
أرنبا أنفرت ابل الياس بن مضر فصاح ببنيه هؤلاء أن يطلبوا الابل والارنب
فأما عمير فاطلع من المظلة ثم قمع فسمى قمعة وخرج عامر وعمرو فى آثار الابل
وخرجت أمهم ليلى تسعى خلفهم فقال لها زوجها الياس أين تخندفين أى تسعين
فسميت خندف ومرّ عامر وعمرو بظبى فرماه عمرو فقتله ويقال بل رمى الارنب
التى نفرت الابل فقال له عامر اطبخ صيدك وأنا أكفيك الابل فطبخ عمرو فسمى
طابخة وأدرك الابل عامر فسمى مدركة واشتهر بنو خندف هؤلاء بأمهم خندف للذى
سار من فعلها فى الناس وكانت وفاة الياس يوم الخميس فولد مدركة بن الياس
نفرا منهم خزيمة بن مدركة وهذيل بن مدركة وأمهما امرأة من قضاعة قيل هى
سلمى بنت سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة وقيل غير ذلك كذا فى الاكتفاء وقال
فى غيره اسم أم خزيمة قزيمة وانما سمى خزيمة تصغير خزمة لانه خزم نور آبائه
وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم فبقى سنين لا يدرى كيف يتزوّج حتى
أرى فى منامه أن تزوّج برّة بنت طابخة فتزوّجها وكانت يومئذ سيدة قومها فى
الحسن والجمال فولدت له كنانة* وفى الاكتفاء فولد خزيمة بن مدركة كنانة
وأسدا وأسدة والهون وأم كنانة منهم عوانة بنت سعد بن قيس بن غيلان بن مضر
وقيل هند بنت عمرو بن قيس ابن غيلان قرأته بخط أحمد بن يحيى بن جابر وأمّ
سائر بنيه برة بنت مرّ أخت تميم بن مر بن أدبن طابخة وفى كنانة نور رسول
الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى كنانة لانه لم يزل فى كن من قومه
فتزوّج كنانة ريحانة فولدت له النضر بن كنانة واسمه قيس كذا فى المنتقى
والمواهب اللدنية وانما سمى النضر لنضارة وجهه وجماله* وفى ذخائر العقبى أم
النضربرة بنت مرّ أخت تميم بن مر فهى مرية وثالثة عشر من الجدّات الابويات
النبويات فتميم أخوال قريش لان قريشا من النضر تقرّشت* وفى المنتقى هو الذى
اختاره الله تعالى بالبسط وسماه قريشا وكل من ولد من النضر فهو قرشى ومن لم
يلده النضر فليس بقرشى* وفى أنوار التنزيل وقريش ولد النضر بن كنانة منقول
من تصغير قرش وهو دابة عظيمة فى البحر تعبث بالسفن ولا تطاق الا بالتار
فسموا بها لانها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى وتصغير الاسم للتعظيم وكذا
عبارة المدارك بعينها الا أن فيها سموا بذلك لشدّتهم ومنعتهم تشبيها بها
وعن ابن عباس وقد سئل عن سبب تسميتهم قريشا قال بدابة فى البحر من أحسن
دوابه لا تدع شيئا من الغث والسمين الا أتت عليه يقال لها القرش وأنشد
الجمحى
وقريش هى التى تسكن البحر ... بها سميت قريش قريشا
سلطت بالعلوّ فى لجة البحر ... على ساكنى البحور جيوشا
تأكل الغث والسمين ولا ... تترك منهم لذى الجناحين ريشا
هكذا فى البلاد حى قريش ... يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبىّ ... يكثر القتل فيهم والخموشا
تملأ الارض خيله ورجال ... يحشرون المطىّ حشر المليشا
(1/150)
وقيل من القرش وهو الجمع والكسب لانهم
كانوا كاسبين بتجاراتهم وضربهم فى البلاد* وفى ذخائر العقبى قريش هو فهر بن
مالك وقيل النضر بن كنانة وهو قول ابن اسحاق* وفى المواهب اللدنية واسم فهر
بن مالك قريش واليه تنسب قريش فما كان فوقه فكنانى لا قرشى وفى سيرة ابن
هشام قال ابن اسحاق فولد كنانة بن خزيمة أربعة نفر النضر بن كنانة ومالك بن
كنانة وعبد مناة بن كنانة وملكان ابن كنانة فأم النضر برّة بنت مرّ بن أدبن
طابخة بن الياس بن مضر وسائر بنيه لامرأة أخرى قال ابن هشام امّ النضر
ومالك وملكان برّة بنت مر وامّ عبد مناة هالة بنت سويد بن الغطريف من أسد
شنوءة سموا شنوءة لشنآن كان بينهم والشنآن البغض قال ابن هشام النضر هو
قريش فمن كان من ولده فهو قرشى ومن لم يكن من ولده فليس بقرشى* وفى
الاكتفاء فولد كنانة بن خزيمة جماعة منهم النضر وبه كان يكنى ونضر ومالك
وملكان وعمرو وعامر وأمهم برة بنت مر خلف عليها كنانة بعد أبيه خزيمة على
ما كانت الجاهلية تفعله فى الجاهلية اذا مات الرجل خلف على زوجته أكبر بنيه
من غيرها فنهى الله تعالى عن ذلك بقوله ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء
الا ما قد سلف ويقال ان برّة هذه أهديت أوّلا الى خزيمة بن مدركة قالت له
انى رأيت فى المنام كأنى ولدت غلامين من خلاف بينهما سائبا فبينما أنا
أتأمّلهما اذا أحدهما أسد يزأر والآخر قمر ينير فأتى خزيمة كاهنة بتهامة
فقص عليها الرؤيا فقالت لئن صدقت فى رؤياها لتلدنّ منك غلاما يكون لولده
قلوب باسلة ثم لتموتن عنها فيخلف عليها ابن لك فتلد منه غلاما يكون لولده
عدل وعدد وقروم مجد وعز الى آخر الابد ثم توفى خزيمة فخلف عليها كنانة بعد
أبيه فولدت له النضر واخوته وأتى أباه كنانة آت وهو نائم فى الحجر فقيل له
تخير يا أبا النضر بين الصهيل والهدر وعمارة الجدر وعز الدهر فقال كل يا رب
فصار هذا كله فى قريش* قال الشيخ تاج الدين عبد الباقى بن العمك اليمنى فى
كتاب غريب الشفاء ولنذكر هنا فائدة جليلة وهى الذى عليه أكثر أهل السير أن
كنانة خلف على برّة بعد أبيه خزيمة على عادة أهل الجاهلية فى أن أكبر ولد
الرجل يخلف على زوجته اذا لم يكن منها وهو مشكل لان رسول الله صلّى الله
عليه وسلم يقول كلنا نكاح ليس فينا سفاح ما ولدت من سفاح أهل الجاهلية وذكر
السهيلى وغيره أعذارا منها أن الله تعالى يقول ولا تنتكحوا ما نكح آباؤكم
من النساء الا ما قد سلف أى ما قد سلف تحليل ذلك قبل الاسلام وفائدة هذا
الاستثناء أن لا يعاب نسب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وليعلم أنه ليس فى
أجداده سفاح ألا ترى انه لم يقل فى شىء نهى عنه فى القرآن الا ما قد سلف
الا فى هذه الآية وفى الجمع بين الاختين وما عدا ذلك فلا* وذكر الحافظ أبو
عثمان عمرو بن بحر فى كتاب له سماه كتاب الاصنام قال وخلف كنانة بن خزيمة
بن مدركة على زوجة أبيه بعد وفاته وهى برة بنت أدّبن طابخة بن الياس بن مضر
وهى أمّ أسد بن الهون بن خزيمة ولم تلد لكنانة ولدا وكانت ابنة أخيها وهى
برة بنت مرّ بن طابخة تحت كنانة بن خزيمة فولدت له النضر بن كنانة قال
وانما غلط كثير من الناس لما سمعوا ان كنانة خلف على زوجة أبيه برّة لاتفاق
اسمهما وتقارب نسبهما قال هذا الذى عليه مشايخنا من أهل العلم بالنسب قال
ومعاذ الله أن يكون أصاب النبى صلّى الله عليه وسلم مقت نكاح وقال من اعتقد
غير ذلك فقد أخطأ وشك فى الخبر ويؤيد ذلك قوله صلّى الله عليه وسلم تنقلت
فى الاصلاب الزكية الى الارحام الطاهرة* قلت ويؤيد ذلك ما روى عن ابن عباس
رضى الله عنهما فى تفسير قوله تعالى وتقلبك فى الساجدين أى من نبىّ الى
نبىّ حتى أخرجتك نبيا انتهى فعلى هذا التقدير لم تكن رؤيا برة المذكورة
سابقا من انها رأت فى المنام كأنها ولدت غلامين الى آخرها ثابتة صحيحة
والنضر هو
جماع قريش فى قول طائفة من أهل العلم بالنسب والاكثر على ان فهر بن مالك بن
النضر هو
(1/151)
قريش فمن كان من ولده فهو قرشى ومن لم يكن
من ولده فليس بقرشى وذكر الزبير أن هذا هو رأى كل من أدرك من نساب قريش*
وفى المنتقى والنضر هو الذى رأى فى منامه وهو نائم فى الحجر شجرة خضراء
خرجت من ظهره ولها أغصان بعدد الاوّلين والآخرين وقد ارتفع بعض أغصانها الى
السماء وله نور فى نور الشمس وقد تعلق به قوم بيض الوجوه من لدن ظهره فلما
انتبه أتى الكاهنة فأخبرها بذلك فقالت لئن صدقت رؤياك لقد صرف اليك العز
وخصصت باسم ونسب لم يخص به من كان قبلك فتزوّج النضر ابن كنانة هند بنت
عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان فهى قيسية وثانية عشر من الجدات النبويات
الابويات فولدت له مالكا وانما سمى مالكا لانه ملك العرب* وفى سيرة ابن
هشام فولد النضر ابن كنانة رجلين مالك بن النضر ويخلد بن النضر فأم مالك
عاتكة بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان ولا أدرى أهى أم يخلد أولا قال
ابن هشام والصلت بن النضر فيما قال أبو عمرو الدانى أمهم جميعا بنت سعد ابن
ظرب العدوانى عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان* وفى الاكتفاء فولد النضر بن
كنانة مالكا ويخلد والصلت انتهى وتزوّج مالك جندلة بنت الحارث بن جندل بن
عامر بن سعد بن الحارث بن مضاض الجرهمى فهى جرهمية وحادية عشرة من الجدّات
النبويات فولدت له فهر بن مالك وهو جماع قريش عند الاكثر* قال الزبير قد
أجمع النساب من قريش وغيرهم على أن قريشا انما تفرّقت عن فهر* وفى الاكتفاء
ويقال ان قريشا هو اسمه الذى سمته به امّه ولقبته فهرا فتزوّج سلمى بنت سعد
ابن هذيل فهى هذلية وعاشرة الجدّات النبويات فولدت له غالبا* وفى الاكتفاء
فولد فهر بن مالك غالبا ومحاربا والحارث وأسدا وأختهم جندلة وأمهم جميعا
ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركه فتزوّج غالب وحشية بنت مدلج بن مرّة بن عبد
مناف بن كنانة فهى كنانية وتاسعة الجدّات النبويات فولدت له لويا بالهمز
تصغير اللأى وهو الثور* وفى الاكتفاء فولد غالب بن فهر لؤيا وتيما وهو
الازرم كان منقوص الذقن ويقال لقومه بنو الازرم وأمهما فى قول ابن اسحاق
سلمى بنت عمر والخزاعى وفى قول الزبير عاتكة بنت يخلد بن النضر* قال ابن
هشام وقيس بن غالب وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعى فتزوّج لؤى بن فهر
سلمى بنت محارب من فهم أو فهر الخط فى الاصل توهم فهى فهمية أو فهرية
وثامنة الجدّات النبويات فولدت كعبا وكان يوم الجمعة يسمى يوم العروبة فكعب
أوّل من سماه الجمعة لاجتماع قومه اليه فيه فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبىّ
صلّى الله عليه وسلم ويعلمهم بأنه من ولده ويأمرهم باتباعه والايمان به
وينشد فى ذلك أبياتا منها قوله
يا ليتنى شاهد نجواء دعوته ... اذا قريش تبغى الحق خذلانا
وفى الاكتفاء فولد لؤى بن غالب كعبا وعامر اوسامة وعوفا وسعدا وخزيمة* وفى
سيرة ابن هشام فأم كعب وعامر وسامة ماوية بنت كعب بن القين بن جسر بن
قضاعة* قال ابن هشام ويقال والحارث بن لؤى وهم جشم بن الحارث بن هزان بن
ربيعة وامّ بنى لؤى كلهم الاعامر بن لؤى ماوية بنت كعب بن القين بن جسر
وامّ عامر بن لؤى مخشبة بنت شيبان بن محارب بن فهر فدخل بنو خزيمة فى شيبان
بن ثعلبة ويسمون فيهم بعائدة وهى امرأة من اليمن كانت أمّ بنى عبيد بن
خزيمة بن لؤى فنسبوا اليها وكذلك دخل بنو سعد أيضا فى شيبان بن ثعلبة
ويسمون فيهم ببنانة خاضنة كانت لهم من بنى القين من قضاعة وقيل بنت النمر
بن قاسط من ربيعة فنسبوا اليها* قال ابن اسحاق وأما سامة بن لؤى فخرج الى
عمان ويزعمون ان عامر بن لؤى أخرجه وذلك انه كان بينهما شىء ففقأ سامة عين
عامر فأخافه عامر فخرج الى عمان فيزعمون ان سامة بن لؤى بينما هو يسير على
ناقته اذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حية بمشفرها فهصرتها حتى وقعت النافة لشقها
ثم نهشت سامة فى ساقة فقتلته* قال ابن اسحاق وأما عوف بن لؤى
(1/152)
فانه خرج فيما يزعمون فى ركب من قريش حتى
اذا كان فى أرض غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان أبطأ به فانطلق من كان معه من
قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه فى نسب بنى ذبيان ثعلبة بن سعد ابن ذبيان
بن بغيض بن ريث بن غطفان فحبسه والطاطه وآخاه وزوّجه فانتسب بتلك المؤاخاة
الى سعد ابن ذبيان الى ثعلبة وثعلبة فيما يزعمون هو القائل
احبس علىّ ابن لؤى جملك ... تركك القوم ولا منزل لك
وأما كعب بن لؤى وعامر بن لؤى فهما أهل الحرم وصريح ولد لؤى وكان كعب منهما
عظيم القدر فى العرب وأرّخوا بموته اعظاما له الى ان كان عام الفيل فأرّخوا
به وكان بين موته والفيل فيما ذكروا خمسمائة سنة وعشرون سنة كذا فى
الاكتفاء* وفى شواهد النبوّة بين موت كعب ومبعث نبينا صلّى الله عليه وسلم
خمسمائة وستون سنة وتزوّج كعب وحشية بنت شيبان بن محارب من فهم فهى فهمية
أيضا وسابعة الجدّات النبويات فولدت له مرّة* وفى الاكتفاء فولد كعب بن لؤى
مرّة وهصيصا وعديا وأمهم وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهم بن مالك وقيل ان
أمّ عدى وحده امرأة من فهم وهى حبيبة بنت بجالة بن سعد بن فهم بن عمرو بن
قيس بن غيّلان بن مضر بن نزار فتزوّج مرّة نعمى بنت سرير بن ثعلبة بن
الحارث بن مالك بن كنانة فهى كنانية وسادسة الجدّات النبويات الابويات
فولدت له كلابا واسمه حكيم وقيل عروة كذا فى سيرة مغلطاى والمواهب اللدنية
وهو اما منقول من المصدر الذى فى معنى المكالبة نحو كالبت العدوّ مكالبة
وكلابا واما من الكلاب جمع كلب لانهم يريدون الكثرة كما يسمون بسباع*
نفيسة فى تسمية العرب أولادها بشر الاسماء
وسئل اعرابى لم تسمون أولادكم بشرّ الاسماء نحو كلب وذئب وعبيدكم بأحسن
الاسماء نحو مرزوق ورباح فقال انما نسمى أبناءنا لاعدائنا وعبيدنا لانفسنا
يريدون ان الابناء عدّة للاعداء وسهام فى نحورهم فاختاروا لهم هذه الاسماء*
وفى الاكتفاء فولد مرّة بن كعب كلابا وتيما ويقطة قال ابن اسحاق فأم كلاب
هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك ابن كنانة بن خزيمة وأم يقطة
البارقية امرأة من بارق الاسد من اليمن ويقال هى أم تيم ويقال تيم لهند بنت
سرير بن كلاب كذا فى سيرة ابن هشام فتزوّج كلاب فاطمة بنت سعد من ازد
السراة فهى أزدية وخامسة الجدّات النبويات* فولدت له قصيا واسمه زيد وقال
الشافعى يزيد فيما حكاه أبو احمد كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول الله
صلّى الله عليه وسلم وفى الاكتفاء فولد كلاب رجلين قصيا وزهرة وأمهما فاطمة
بنت سعد ابن سيل أحد الجدرة من خثعمة الاسد من اليمن واسم سيل خير وانما
سمى سيلا لطوله وسيل اسم جبل وهو خير بن حماله بن عوف بن غنم بن عامر
الجادر بن عمرو بن خثعمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نضر بن الازد
وسمى عامر الجادر لانه بنى جدار الكعبة كان وهى من سيل أتى أيام ولاية جرهم
البيت وكان عامر تزوّج منهم بنت الحارث بن مضاض وقيل لولده الجدرة لذلك
وذكر الشرقى بن القطامى أن الحاج كانوا يتمسحون بها ويأخذون من طينها
وحجارتها تبرّكا بذلك فان عامرا هذا كان موكلا باصلاح ما شعث من جدرها فسمى
الجادر والله أعلم وسعد بن سيل جدّ قصى بن كلاب هو أوّل من حلى السيف
بالفضة والذهب وأهدى الى كلاب بن مرّة مع ابنته فاطمة سيفين محليين فجعلا
فى خزانة الكعبة وقصى هو الذى جمع الله به قريشا وكان اسمه زيدا فسمى مجمعا
لما جمع من أمرها قال الشاعر
أبوكم قصىّ كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر
وسمى قصيا تصغير قصى لتقصيه أى تبعده عن بلاد قومه فى بلاد قضاعة مع امه
فاطمة بعد وفات أبيه كلاب بن مرّة وذلك انه لما هلك أبوه كلاب بن مرّة خلف
ولديه زهرة وقصيا مع أمهما فاطمة بنت
(1/153)
سعد بن سيل بن عذره وزهرة حينئذ رجل وقصى
فطيم فقدم مكة بعد مهلك كلاب حاج من قضاعة فيهم ربيعة بن حزام بن ضبة بن
عبد كبير بن عذره فتزوّج فاطمة بنت سعد فاحتملها الى بلاده فاحتملت ابنها
قصيا لصغره وأقام زهرة فى قومه فولدت فاطمة لربيعة رزاحا فكان أخا قصى لامه
وكان لربيعة بنون ثلاثة من امرأة اخرى وهم حن ومحمود وجلهمة بنى ربيعة
وأقام قصى مع امه فى أرض قضاعة لا ينسب الا الى ربيعة ابن حزام الى أن كبر
وخرج فى حاج قضاعة فى الشهر الحرام حتى قدم مكة الى قومه وهذا سبب تسميته
قصيا فخرج قصى شابا جميلا ورجلا جلد او عالم قريش وأقومها بالحق وأوّل من
ولى سدانة البيت الكعبة من قريش* قال ابن اسحاق بعد اخراج جرهم وقطورا من
مكة ثم ان غبشان من خزاعة وليت البيت دون بنى بكر بن عبد مناة وكان الذى
يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشانى وقريش اذ ذاك حلول وصرم وبيوتات
متفرّقون فى قومهم من بنى كنانة فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن
كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشية على لفظ المنسوب الى حبشة قال ابن هشام
ويقال حبشة يعنى بضم الحاء وسكون الباء الموحدة ابن سلول بن كعب بن عمرو
الخزاعى* وفى الاكتفاء وخطب قصى الى حليل ابنته حبى فعرف حليل النسب ورغب
فى الرجل فزوّجه وحليل يومئذ يلى أمر مكة والحكم فيها وحجابة البيت فأقام
قصى معه بمكة وولدت له حبى أربعة بنين عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى
وعبدا فلما انتشر ولد قصى وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل ورأى قصى أنه أولى
بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر وان قريشا فرع اسماعيل وابراهيم
عليهما السلام وصريح ولده فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة ودعاهم الى اخراج
خزاعة وبنى بكر من مكة فأجابوه الى ذلك فكتب عند ذلك قصى الى أخيه من أمه
رزاح بن ربيعة يدعوه الى نصرته والقيام معه فخرج رزاح ومعه اخوته لابيه حن
ومحمود وجلهمة فيمن تبعهم من قضاعة فى حاج العرب وهم مجمعون لنصر قصى
والقيام معه فلما اجتمع الناس بمكة وفرغوا من الحج ولم يبق الا أن يصدر
الناس كان أوّل ما تعرض له قصى من المناسك أمر الاجازة للناس بالحج وكانت
صوفة هى التى تلى ذلك مع الدفع بهم من عرفة ورمى الجمار وهم ولد غوث بن
مرفولى غوث الاجازة بالناس وتحيز بهم اذا نفروا واذا كان يوم النفر أتوا
لرمى الجمار ورجل من صوفة يرمى للناس لا يرمون حتى يرمى فاذا فرغوا من رمى
الجمار وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة فحبسوا الناس وقالوا
جيزى صوفة فلم يجز أحد حتى يمرّوا فاذا نفدت ومضت خلى سبيل الناس وانطلقوا
بعدهم وكانت اجازة الافاضة من المزدلفة فى عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان
يتوارثون كابرا عن كابر حتى كان آخرهم الذى قام عليه الاسلام أبو السيارة
عميله بن أعزل ذكروا أنه أجاز عليها أربعين سنة وعزم قصى على انتزاع ذلك من
أيديهم فأتاهم بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة فقال لنحن
أولى بهذا الامر منكم فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا ثم انهزمت صوفة
وغلبهم قصى على ما كان بأيديهم من ذلك وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر
وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة وانه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة
فلما انحازوا عنه ناواهم وأجمع لحربهم وخرجت له خزاعة وبنو بكر فالتقوا
فاقتتلوا قتالا شديدا بالابطح حتى كثرت القتلى فى الفريقين جميعا وفشت
الجراحة فيهم وأكثرها فى خزاعة ثم انهم تداعوا الى الصلح والى أن يحكموا
بينهم رجلا من العرب فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر ابن ليث بن بكر بن
عبد مناف بن كنانة فقضى بينهم ان قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة وان
كل دم أصابه قصى من خزاعة وبنى بكر موضوع يشدخه تحت قدميه وأن ما أصابت
خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤدّاة وأن يخلى بين قصى
وبين الكعبة ومكة فسمى يعمرو بن
عوف
(1/154)
يومئذ الشداخ لما شدخ من الدماء ووضع منها*
قال ابن اسحاق فولى قصى البيت وأمر مكة وجمع قومه من منازلهم الى مكة وتملك
على قومه وأهل مكة فملكوه فكان قصى أوّل بنى كعب أصاب ملكا أطاع له به قومه
فكانت اليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف مكة كله
وقطع مكة أرباعا بين قومه فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التى أصبحوا
عليها ويزعم الناس ان قريشا هابوا قطع الشجر من الحرم فى منازلهم فقطعها
قصى بيده وأعوانه فسمته قريش مجمعا لما جمع من أمرها وتيمنت بأمره فما نكحت
امرأة ولا تزوّج رجل من قريش ولا يتشاورون فى أمر نزل بهم ولا يعقد لواء
الحرب قوم غيرهم الا فى داره يعقده لهم بعض أولاده ولا يعذر غلام الا فى
داره ولا تدّرع جارية من قريش الا فى بيته يشق عليها فيها درعها اذا بلغت
ذلك ثم تدرعه ثم ينطلق بها الى أهلها ولا يخرج عير من قريش فيرحلون الا من
داره ولا يقدمون الا نزلوا فى داره فكان أمره فى حياته وبعد موته كالدين
المتبع لا يعمل بغيره واتخذ لنفسه دار الندوة قيل كانت فى جهة الحجر
والميزاب عند المقام الحنفى اليوم وجعل بابها الى مسجد الكعبة ففيها كانت
قريش تقضى امورها ولم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصى الا ابن أربعين
سنة وكان يدخلها ولده كلهم وحلفاؤهم ولما فرغ قصى من حربه انصرف أخوه رزاح
الى بلاده بمن معه من قومه* وعن محمد بن جبير بن مطعم ان قصى بن كلاب كان
يعشر من يدخل مكة من غير أهلها فهذا حديث قصى فى ولاية البيت بعد حليل بن
حبشية واخراج خزاعة عنه وخزاعة تزعم أن حليلا أوصى بذلك قصيا وأمره به حين
انتشر له من ابنته من الولد وقال أنت أولى بالكعبة وبالقيام عليها وبأمر
مكة من خزاعة فعند ذلك طلب قصى ما طلب* قال ابن اسحاق ولم يسمع ذلك من
غيرهم والله أعلم وقد سمع فى سبب ولاية قصى وجه آخر وهو أنه قال أبو عبيدة
زعم ناس من خزاعة كان حليل آخر من ولى البيت من خزاعة فلما ثقل جعل ولاية
البيت الى ابنته حبى فقالت له قد علمت انى لا أقدر على فتح الباب واغلاقه
قال انى أجعل الفتح والاغلاق الى رجل يقوم لك فجعله الى رجل خزاعى يقال له
أبو غبشان بفتح الغين المعجمة وضمها وهو سليم بن عمرو بن لؤى بن ملكان وهو
الذى ولى سدانة الكعبة قبل قريش فاجتمع مع قصى فى شرب بالطائف فأسكره قصى
ثم اشترى مفاتيح بيت الله الحرام منه بزق خمر وفى رواية بزق خمر وكبش وفى
رواية بزق خمر وقعود وأشهد عليه ودفع المفاتيح الى ابنه عبد الدار وطيره
الى مكة فلما أفاق أبو غبشان ندم من المبيع أو ندّمه قومه وعابوا عليه فجحد
البيع وقال انما رهنته بحقه فضرب به الامثال فى الحمق والندم وخسارة الصفقة
فقالوا أخسر من صفقة أبى غبشان فذهب مثلا كذا فى القاموس ثم وقع الحرب بين
قصى وابى غبشان وقومهما قريش وخزاعة فذلك قول الشاعر
أبو غبشان أظلم من قصىّ ... وأظلم من بنى فهر خزاعه
فلا تلحوا قصيا فى شراه ... ولوموا شيخكم ان كان باعه
ونصر قصيا رجال من قومه قريش وبنى كنانة وقضاعة وبعد قتال شديد استقرّ
الامر على قصى فتزوّج قصى عاتكة بنت فالخ بن مليك بن فالخ بن ذكوان من بنى
سليم فولدت له عبد مناف* وقال أبو اليقظان أم عبد مناف حبى بنت حليل
الخزاعى فأمّ عبد مناف سلمية وقيل خزاعية فهى رابعة الجدّات النبويات* وفى
الاكتفاء فولد قصى بن كلاب أربعة بنين وبنتين عبد مناف واسمه المغيرة وعبد
الدار وعبد العزى وعبد او تخمر وبرة وأمهم جميعا حبى بنت حليل بن حبشية قال
ابن هشام ويقال حبشية بن سلول وفى سيرة ابن هشام سلول بن كعب بن عمرو
الخزاعى* قال الزبير بن بكار لما ولد لقصى أوّل ولده سماه عبد مناة ثم نظر
فاذا هو موافق لاسم عبد مناف بن كنانة فأحاله الى عبد مناف
(1/155)
وساد عبد مناف فى حياة أبيه وكان مطاعا فى
قريش وهو الذى يدعى القمر لجماله واسمه المغيرة وكنيته أبو عبد شمس ومناة
اسم صنم وذكر الزبير عن موسى بن عقبة انه وجد كتابا فى حجر فيه أنا المغيرة
بن قصى آمر بتقوى الله وصلة الرحم واياه عنى القائل بقوله
كانت قريش بيضة فتقلقت ... فالمح خالصه لعبد مناف
وعن الواقدى أنه قال مات قصى بمكة فدفن بالحجون فتدافن الناس بعده بالحجون
وكان نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف وكان فى يده لواء نزار
وقوس اسماعيل* وفى شفاء الغرام فلم تزل السقاية والرفادة والقيادة لعبد
مناف بن قصى يقوم بها حتى توفى* قال ابن هشام هلك عبد مناف بغزة من أرض
الشام تاجرا وقد تزوّج عاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذكوان من بنى
سليم فهى سلمية أيضا وثالثة الجدّات النبويات الابويات فولدت له هاشما
واسمه عمرو* وفى الاكتفاء فولد عبد مناف أربعة نفر هاشما وعبد شمس والمطلب
ونوفلا كلهم لعاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة
ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر الا نوفلا فليس
منهم فانه لوافدة بنت عمرو المازنية مازن بن منصور بن عكرمة* قال ابن هشام
وأبو عمرو وتماضر وقلابة وحبيبة وريطة وامّ الاخثم وامّ سفيان بنو عبد مناف
فأم أبى عمرو وريطة امرأة من ثقيف وامّ سائر النساء عاتكة بنت مرّة بن هلال
امّ هاشم بن عبد مناف وأمها صفية بنت حوزة بن عمرو بن سلول بن صعصعة بن
معاوية ابن بكر بن هوازن وامّ صفية بنت عائذ الله بن سعد العشيرة بن مذحج*
وفى المنتقى كان لعبد مناف خمسة بنين وسبع بنات* وفى شفاء الغرام ولد عبد
مناف بن قصى خمسة نفر عمرو وهاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل فعدّ عمرا وهاشما
اثنين وفى غير شفاء الغرام عدّهما واحدا وسيجىء تحقيقه* وفى روضة الاحباب
كان لعبد مناف أربعة بنين هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل كأنه عدّ عمرا
وهاشما واحدا أما هاشم فهو جدّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم واسمه عمرو
ويقال له عمرو العلا أيضا لعلوّ مرتبته ولقبه هاشم لانه كان يهشم الثريد
لاهل مكة أيام القحط والهشم كسر الشىء اليابس كذا فى القاموس* ولما توفى
عبد مناف ولى بعده هاشم السقاية والرفادة أما السقاية فحياض من أدم كانت
على عهد قصى توضع بفناء الكعبة ويستقى فيها الماء العذب من الآبار ويسقاه
الحاج وأما الرفادة فخرج كانت تخرجه قريش فى الجاهلية من أموالها فى كل
موسم فتدفعه الى قصى فتصنع به طعاما للحاج ويأكل منه من لم يكن له سعة ولا
زاد وكان عبد مناف يعمل به بعده وكان هاشم يعمل به بعد أبيه فيطعم الناس فى
كل موسم ما يجتمع عنده من ترافد قريش فلم يزل على ذلك من أمره حتى أصاب
الناس سنة جدب شديد فخرج هاشم الى الشام فاشترى بما اجتمع عنده من المال
دقيقا وكعكا فقدم مكة فى الموسم فهشم الخبز والكعك ونحر الجزور وطبخ وجعله
ثريدا وأطعم الناس وكانوا فى مجاعة شديدة حتى أشبعهم فسمى لذلك هاشما* وقال
عطاء عن ابن عباس انهم كانوا فى ضرّ ومجاعة شديدة حتى جمعهم هاشم على
الرحلتين يعنى فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشام وكانوا يقسمون
ربحهم بين الفقير والغنى حتى كان فقيرهم كغنيهم وقال الكلبى كان أوّل من
حمل السمراء من الشام ورحل اليها الابل هاشم بن عبد مناف وفى ذلك يقول ابن
الزبعرى السهمى
قل للذى طلب السماحة والندى ... هلا مررت بآل عبد مناف
هلا مررت بهم تريد قراهم ... منعوك من ضرّ ومن اتلاف
الرائشين وليس يوجد رائش ... والقائلين هم للاضياف
والخالطين فقيرهم بغنيهم ... حتى يكون فقيرهم كالكا فى
(1/156)
والقائلين لكل وعد صادق ... والراحلين
برحلة الايلاف
سفرين سهما له ولقومه ... سفر الشتاء ورحلة الاصياف
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون حجاف
وفى رواية
عمرو العلا هشم الثريد لمعشر ... كانوا بمكة مسنتين عجاف
وكان عبد المطلب بعد هاشم يلى الرفادة فلما توفى قام بذلك أبو طالب فى كل
موسم حتى جاء الاسلام وهو على ذلك وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قد أرسل
بمال يعمل به الطعام مع أبى بكر حين حج بالناس سنة تسع من الهجرة ثم عمل به
النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى حجة الوداع سنة عشر ثم قام بذلك أبو بكر رضى
الله عنه فى خلافته ثم عمر ثم عثمان ثم على وهلم جرّا وهو طعام الموسم الذى
كان الخلفاء يطعمونه أيام الحج بمكة وبمنى حتى تنقضى أيام الموسم كذا فى
شفاء الغرام* قال ابن اسحاق كان أوّل بنى عبد مناف هلاكا هاشم هلك بغزة من
أرض الشام واختلف فى سنه حين مات فقيل عشرون سنة وقيل خمس وعشرون سنة وأما
عبد شمس فهو الجدّ الاعلى لابى سفيان بن حرب بن أمية ابن عبد شمس وبه كان
يكنى عبد مناف* وفى شفاء الغرام قيل ان هاشما وعبد شمس توأمان وان أحدهما
ولد قبل الآخر قيل ان الاوّل هاشم وان اصبع أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه
فنحيت فسال الدم فقيل يكون بينهما دم* وفى روضة الاحباب كان جباههما
متلاصقتين فكلما عالجوا فى فكهما لم يقدروا حتى فصلوهما بالسيف فبلغ الخبر
بعض عقلاء العرب فقال كان ينبغى أن يفصلوهما بشىء آخر فاذ لم يفعلوا فلا
تزال تكون العداوة والسيف فى أولادهما فكان كما قال ولما توفى عبد مناف ولى
القيادة بعده من بنيه عبد شمس فمات عبد شمس بعد هاشم بمكة فولى القيادة
بعده ابنه أمية ثم بعده حرب بن أمية فقاد الناس يوم عكاظ فى حرب قريش وقيس
عيلان وفى الفجارين الاوّل والثانى وقاد الناس قبل ذلك بذات نكيف كأمير
موضع بناحية يلملم ويوم نكيف معروف ونكيف موضع معروف كان به وقعة فهزمت
قريش بنى كنانة انتهى والاحابيش يومئذ مع بنى بكر تحالفوا على جبل يقال له
الحبشى على قريش فسموا الاحابيش بذلك* وفى كتاب القرى الحبشى بضم الحاء
المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين وتشديد الياء جبل قريب من مكة قاله
ابن الاثير وقال الحافظ أبو عمرو على عشرة اميال من مكة وقال الصاغانى على
ستة أميال وقال الجوهرى جبل بأسفل مكة وكان أبو سفيان بن حرب يقود قريشا
بعد أبيه حتى كان يوم بدر فقاد الناس عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان أبو
سفيان فى العير يقود الناس فلما كان يوم أحد قاد الناس أبو سفيان وقاد
الناس يوم الاحزاب وكانت آخر وقعة لقريش حتى جاء الاسلام وفتح مكة فأسلم
وأما المطلب فهو الجدّ الاعلى للامام الشافعى مات بعد عبد شمس بردمان من
أرض اليمن وأما نوفل فهو جدّ جبير بن مطعم مات بعد المطلب بسلمان من ناحية
العراق* وفى المنتقى كان هاشم أفخر قومه وأعلاهم وكانت مائدته منصوبة لا
ترفع فى السرّاء والضرّاء وكان يحمل ابن السبيل ويؤوى الخائف وكان نور رسول
الله صلّى الله عليه وسلم فى وجهه يتوقد شعاعه ويتلألأ ضياؤه ولا يراه حبر
من الاحباء الاقبل يديه ولا يمرّ بشىء الاسجد اليه تفد اليه قبائل العرب
ووفود الاحبار يحملون بناتهم يعرضون عليه ليتزوّج بهنّ حتى بعث اليه هرقل
ملك الروم وقال ان لى ابنتا لم تلد النساء أجمل منها ولا أبهى وجها فاقدم
الىّ حتى أزوجكها فقد بلغنى جودك وكرمك وانما أراد بذلك نور رسول الله صلّى
الله عليه وسلم الموصوف عندهم فى الانجيل وكان هاشم يأبى وكان ينطلق الى
جبل ثبير يسأل اله السماء ثم يرجع الى الاصنام وكان اذا أراد أن يدخل عليها
يدركه جبريل فينزع نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ظهره فلم يزل هاشم
كذلك حتى أرى فى منامه
(1/157)
أن تزوّج سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن
خداش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار فهى نجارية وثانية الجدّات الابويات
النبويات وكانت قبل هاشم تحت أحيحة بن الجلاح فولدت له عمرو بن أحيحة وهو
أخو عبد المطلب لامه وكانت فى زمانها كخديجة فى زمانها لها عقل وحلم فولدت
له عبد المطلب اسمه شيبة الحمد وقيل عامر كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول
الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر
وخمس نسوة عبد المطلب وأسدا وهو أبو فاطمة امّ علىّ رضى الله عنه وأبا صيفى
واسمه عمرو كذا فى الحدائق ونضلة والشفاء وخالدة وصفية ورقية وحمنة وامّ
عبد المطلب منهم سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن
عدىّ بن النجار واسم النجار تيم بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وأمها عميرة
بنت صخر بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار وامّ عميرة سلمى بنت عبد
الاشهل النجارية وام أسد قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعى وأم أبى صيفى وحمنة
هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجية وأم نضلة والشفاء امرأة من قضاعة وأم خالدة
وصفية واقدة بنت أبى عدى المازنية واسم عبد المطلب شيبة ويقال له أيضا شيبة
الحمد سمى بها لانه كان حين ولد كان وسط رأسه أبيض وقيل اسمه عامر وهو قول
ابن قتيبة وتابعه عليه المجد الشيرازى وانما سمى عبد المطلب لانه كان طفلا
حين توفى أبوه فرباه عمه المطلب بن عبد مناف وكان من عادة العرب أن تقول
ليتيم كان فى حجر واحد هو عبده وقيل لما دنت وفاة أبيه هاشم بمكة وكان عبد
المطلب حينئذ بالمدينة قال لاخيه المطلب أدرك عبدك الذى بيثرب فسمى عبد
المطلب* وفى المنتقى لانّ هاشما خرج الى الشام فى تجارة فمرّ بالمدينة فرأى
سلمى بنت عمرو ويقال بنت زيد بن عمرو النجارى فأعجبته فحطبها الى أبيها
فأنكحه اياها وشرط عليه أن لا تلد ولدا الا فى أهلها ثم مضى هاشم لوجهه قبل
أن يبنى بها ثم انصرف راجعا من الشام فبنى بها فى أهلها بيثرب ثم ارتحل الى
مكة وحملها معه فلما أثقلت ردّها الى أهلها ومضى الى الشام ومات بغزة فولدت
له عبد المطلب فمكث بيثرب سبع سنين أو ثمان ثم ان رجلا من بنى الحارث ابن
عبد مناف مرّ بيثرب فاذا بغلمان ينتضلون فجعل شيبة اذا خسق قال أنا ابن
هاشم أنا ابن سيد البطحاء فقال له الحارثى من أنت قال أنا شيبة بن هاشم بن
عبد مناف فلما أتى الحارثى مكة أخبر بذلك المطلب فقال المطلب والله لا أرجع
الى أهلى حتى آتى به فقال له الحارثى هذه راحلتى بالفناء فاركبها فركبها
المطلب وورد يثرب عشاء حتى أتى عدى بن النجار فاذا غلمان يضربون كرة بين
ظهرى مجلس فعرف ابن أخيه فقال للقوم أهذا ابن هاشم قالوا نعم هذا ابن أخيك
فان كنت تؤثر أخذه فالساعة قبل أن تعلم به أمه فانها ان علمت لم تدعك وحالت
بينك وبينه فدعاه المطلب فقال يا ابن أخى أنا عمك وقد أردت الذهاب بك الى
قومك واناخ راحلته فجلس على عجز الناقة فانطلق به ولم تعلم أمه حتى كان
الليل فقامت تدعوه فأخبرت ان عمه ذهب به وقدم المطلب مكة* وفى سيرة ابن
هشام خرج اليه عمه المطلب ليقبضه فيلحقه ببلده وقومه فقالت له أمه لست
بمرسلة معك وقال شيبة لعمه المطلب فيما يزعمون لست بمفارقها الا أن تأذن لى
فأذنت له ودفعته اليه فاحتمله فدخل به مكة مردفه معه على بعيره فقالت قريش
عبد المطلب ابتاعه فيها سمى شيبة عبد المطلب فقال المطلب ويحكم انما هو ابن
أخى هاشم قدمت به من المدينة* وفى المنتقى لما قدم به المطلب من المدينة
كان أردفه على راحلته وقد أثرت فيه الشمس وعليه اخلاق ثياب وقدم به مكة
ضحوة والناس فى مجالسهم فجعلوا يقولون له من هذا وراءك فيقول عبدى وكره ان
يقول ابن أخى وهو هيئة بذلة فاشتهر بعبد المطلب فلما أدخله وأحسن من حاله
أظهر أنه ابن أخيه هذا ما قيل فى وجه تسميته بعبد المطلب* وفى سيرة ابن
هشام هلك المطلب بردمان من
اليمن قيل ليس اليوم على وجه الارض هاشمى الا من أولاد عبد المطلب اذ لم
يبق من سائر أولاد هاشم نسل
(1/158)
قال السهيلى ان عبد المطلب أوّل من خضب
بالسواد من العرب قال ابن الاثير هو أوّل من تحنث بحراء وكان اذا دخل شهر
رمضان صعد حراء وأطعم المساكين وقال ابن قتيبة يرفع من مائدة عبد المطلب
للوحوش والطيرفى رؤس الجبال فيقال له الفياض لجوده ومطعم طير السماء وكان
مجاب الدعوة فتزوّج فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم وأمهرها مائة
ناقة كوماء وعشرة أواق من ذهب فهى مخزومية وجدة أولى للنبىّ صلّى الله عليه
وسلم ذكر ذلك ابن قتيبة فى كتاب المعارف فجملة نسوة تزوّجهنّ عبد المطلب
خمس فولدن له اثنى عشرا بنا على ما فى الصفوة أو ثلاثة عشر على ما فى
الذخائر للعقبى أو عشرة على ما فى سيرة ابن هشام والاكتفاء وست بنات باتفاق
الكل* أما البنون ففى الصفوة قال ابن السائب هم اثنا عشر الحارث والزبير
وأبو طالب وحمزة وأبو لهب والغيداقى والمقوّم وضرار والعباس وقثم وحجل
واسمه المغيرة وعبد الله* وفى سيرة مغلطاى يقال حجل وغيداق واحد ويقال عبد
الله والمقوّم واحد وقال غيره أحد عشر ولم يذكر قثما وقال اسم الغيداق حجل
بتقديم الجيم وهو السقاء الضخم* وقال الدارقطنى بتقديم الجاء وكذا فى أسد
الغابة وهو القيد والخلخال كذا فى المواهب اللدنية
أعمامه صلّى الله عليه وسلم
وفى ذخائر العقبى وكان له اثنا عشر عما بنو عبد المطّلب أبوه صلّى الله
عليه وسلم ثالث عشرهم الحارث وأبو طالب واسمه عبد مناف والزبير ويكنى أبا
الحارث وحمزة وأبو لهب واسمه عبد العزى والغيداق والمقوّم وضرار والعباس
وقثم وعبد الكعبة وحجل ويسمى المغيرة وقيل كانوا أحد عشر فأسقط المقوّم
وقيل هو عبد الكعبة وقيل عشر فأسقط الغيداق وحجلا وقيل تسعة فأسقط قثم ولم
يذكر ابن قتيبة وابن اسحاق وأبو سعيد غيره* وفى أسد الغابة عبد الكعبة درج
صغيرا وضرار مات صغيرا وقثم هلك صغيرا والغيداق اسمه نوفل وامه ممنعة بنت
عمرو بن مالك الخزاعية وفى رواية الغيداق لقب حجل لقب به لكثرة خيره قال
ابن اسحاق عبد الله أصغر بنى عبد المطلب والصواب بنى أمه والا فحمزة
والعباس أصغر منه كذا فى سيرة مغلطاى وأما البنات الست فعاتكة وأميمة
والبيضاء وهى امّ حكيم وبرة وصفية وأروى وهؤلاء الاولاد لعبد المطلب من
امهات شتى فحمزة والمقوّم وحجل وصفية لام وهى هالة بنت وهب بن عبد مناف بن
زهرة والعباس وضرار وقثم لامّ وهى نتيلة بنت خباب بن كليب بن مالك بن عمرو
بن عامر والحارث من صفية بنت جندب من بنى عامر بن صعصعة وأبو لهب من لبنا
بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول بن كعب الخزاعى ولم يكن
لهما اناثى وعبد الله أبو النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأبو طالب والزبير
وعبد الكعبة والبيضاء واميمة وبرة وعاتكة لامّ وهى فاطمة بنت عمرو بن عائذ
بن عمرو بن مخزوم وامها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقطة بن مرّة بن
كعب وامّ صخرة تخمر بنت عبد بن قصى بن كلاب ولم يعقب من الذكور الا خمسة
الحارث والعباس وأبا طالب وأبا لهب وعبد الله وكان أكبرهم الحارث وبه كان
يكنى عبد المطلب شهد معه حفر زمزم ومن ولده وولد ولده جماعة لهم صحبة
وسيأتى ذكرهم ولم يدرك الاسلام من الذكور غير أربعة أبو طالب وأبو لهب
وحمزة والعباس ولم يسلم غير حمزة والعباس ومن البنات لم تسلم الا صفية بلا
خلاف واختلف فى أروى وعاتكة فى الصفوة قال محمد بن سعد أسلمتا وهاجرتا الى
المدينة وقال غيره لم يسلم منهنّ الا صفية* وفى ذخائر العقبى فذهب أبو جعفر
العقيلى الى اسلامهما وعدّهما فى الصحابة وذكر الدارقطنى عاتكة فى جملة
الاخوة والاخوات ولم يذكرا روى وأما محمد بن اسحاق وغيره فذكروا أنه لم
يسلم من عماته صلّى الله عليه وسلم غير صفية وقد صح أن جملة أولاد أعمامه
الذكور من أسلم ومن لم يسلم خمسة وعشرون اثنان منهم لم يسلما طالب بن أبى
طالب وعتيبة بن أبى لهب والباقون أسلموا ولهم صحبة تفصيلهم أربعة أولاد
لابى طالب طالب ومات كافرا وعقيل وجعفر وعلى وعشرة للعباس الفضل وعبد الله
وعبيد الله وقثم
(1/159)
وعبد الرحمن ومعبد وكثير والحارث وعون
وتمام وخمسة للحارث أبو سفيان ونوفل وربيعة والمغيرة وعبد شمس وابن للزبير
عبد الله وثلاثة لابى لهب عتبة وعتيبة مات كافرا ومعتب وابنان لحمزة عمارة
ويعلى والاناث عشرة تفصيلهنّ ابنتان لابى طالب امّ هانى وجمانة وثلاث
للعباس امّ حبيب وصفية وأمينة وبنت للحارث أروى وابنتان للزبير ضباعة وامّ
حكيم وبنت لابى لهب درّة وبنت الحمزة امامة وقد صح أن جملة أولاد العمات
أحد عشر رجلا وثلاث بنات عرفن أما الرجال فعامر بن البيضاء من كريز بن
ربيعة وعبد الله وزهير ابنا عاتكة من أبى امية المخزومى وأبو سلمة بن برّة
من عبد الاسد المخزومى وعبد الله وعبيد الله وأبو أحمد بنو أميمة من جحش
وطليب بن أروى من عمير بن وهب والزبير والسائب وعبد الله بنو صفية من
العوّام كلهم أسلموا وثبتوا على الاسلام الا عبيد الله بن جحش وأما الاناث
فزينب وامّ حبيبة وحمنة بنات أميمة من جحش وذكرت لامّ حكيم بنات لم يذكر
عددهنّ ولا اسلامهنّ ولا أساميهنّ وسيجىء ذكر أولاد الاعمام والعمات مفصلا*
ذكر الذكور من أولاد عبد المطلب* أما عبد الله بن عبد المطلب أبو النبىّ
صلّى الله عليه وسلم فسيجىء ذكر ولادته وتزوّجه ووفاته وغير ذلك فى الطليعة
الثالثة من المقدّمة فليطلب ثمة* ذكر الحارث بن عبد المطلب وأولاده* وهو
أكبر أولاد عبد المطلب وبه كان يكنى وجملة أولاده ستة أبو سفيان ونوفل
وربيعة والمغيرة وعبد شمس وأروى خمسة ذكورا أما أبو سفيان بن الحارث فهو
ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة أرضعتهما حليمة
السعدية أياما قيل اسمه المغيرة ولم يذكر الدارقطنى غيره وقيل اسمه كنيته
والمغيرة اخوه امّه غزية بنت قريش بن طريف من ولد فهر بن مالك وكان ترب
رسول الله صلّى الله عليه وسلم يألفه الفا شديدا قبل النبوّة فلما بعث رسول
الله صلّى الله عليه وسلم عاداه وهجاه وهجا أصحابه وكان شاعرا ذكره ابن
اسحاق فلما كان عام الفتح ألقى الله فى قلبه الاسلام فخرج متنكرا وتصدى
لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فأعرض عنه فتحوّل الى الجانب الآخر فأعرض
عنه قال فقلت أنا مقتول قبل أن اصل اليه فأسلمت وذلك بطريق الابواء كذا فى
الصفوة* وفى ذخائر العقبى أسلم أبو سفيان عام الفتح وحسن اسلامه ويقال انه
ما رفع رأسه الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم حياء منه وأسلم معه ولده جعفر
لقيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالابواء وأسلما قبل دخوله مكة وقيل بل
لقيه هو وعبد الله بن أمية بين السقيا والعرج فأعرض رسول الله صلّى الله
عليه وسلم عنهما فقالت أمّ سلمة لا يكن ابن عمك وأخو ابن عمتك أشقى الناس
بك وقال له علىّ بن أبى طالب ائت رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قبل
وجهه فقل له ما قال اخوة يوسف ليوسف تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا
الخاطئين فانه لا يرضى أن يكون أحسد أحسن قولا منه ففعل ذلك أبو سفيان فقال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين قال
أبو سفيان وخرجت معه شهدت فتح مكة وحنينا فلما لقينا العدوّ بحنين اقتحمت
عن فرسى وبيدى السيف صلتا والله يعلم انى أريد الموت دونه وهو ينظر الىّ
فقال العباس يا رسول الله أخوك وابن عمك أبو سفيان فارض عنه فقال فعلت فغفر
الله له كل عداوة عادانيها ثم التفت الىّ وقال أخى لعمرى فقبلت رجله فى
الركاب كذا فى الصفوة* وفى ذخائر العقبى كان أبو سفيان ممن ثبت مع رسول
الله صلّى الله عليه وسلم ولم يفرّ ولم تفارق يده لجام بغلة رسول الله صلّى
الله عليه وسلم أو غرزه على اختلاف فى النقل حتى انصرف الناس وكان يشبه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال ان الذين كانوا يشبهون النبىّ صلّى
الله عليه وسلم جعفر بن أبى طالب والحسن بن على وقثم بن
العباس وأبو سفيان بن الحارث والسائب بن عبيد بن عبد بن نوفل بن هاشم بن
المطلب بن عبد مناف وعبد الله بن جعفر فهم ستة وقيل وعبد الله بن نوفل بن
الحارث فهم سبعة وكان صلّى الله عليه
(1/160)
وسلم يحب أبا سفيان بن الحارث وشهد له
بالجنة وعن عروة عن أبيه أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أبو سفيان بن
الحارث من شباب أهل الجنة أو سيد فتيان أهل الجنة رواه ابن عمرو عن أبى حية
البدرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أبو سفيان خير أهلى أو من خير
أهلى خرّجه أبو عمرو وذكر الدارقطنى انه صلّى الله عليه وسلم قاله يوم حنين
كذا فى ذخائر العقبى وعن ابن اسحاق لما حضر أبا سفيان ابن الحارث الوفاة
قال لاهله لا تبكوا علىّ فانى لم انتطف بخطيئة منذ أسلمت قال أهل السير مات
أبو سفيان ابن الحارث بالمدينة بعد ان استخلف عمر بسنة وسبعة أشهر ويقال بل
مات سنة عشرين وقيل توفى بسنة خمس عشرة وصلّى عليه عمر ودفن بالبقيع قاله
ابن قتيبة وقال أبو عمرو دفن فى دار عقيل بن أبى طالب وكان هو الذى حفر قبر
نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيام وسبب موته انه كان فى رأسه ثؤلول فحلقه
الحلاق فقطعه فلم يزل مريضا حتى مات بعد مقدمه من الحج وكان له من الولد
عبد الله بن أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب القرشى الهاشمى رأى النبىّ
صلّى الله عليه وسلم وروى عنه وكان معه مسلما بعد الفتح وجعفر بن أبى سفيان
بن الحارث ذكر أهل بيته أنه شهد حنينا مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذكره
ابن هشام وغيره وقطع به الدارقطنى وانه لم يزل مع أبيه ملازما لرسول الله
صلّى الله عليه وسلم حتى قبض وتوفى جعفر فى خلافة معاوية وأبو الهياج بن
أبى سفيان قيل اسمه عبد الله وقيل علىّ وعاتكة بنت أبى سفيان بن الحارث
تزوّجها معتب بن أبى لهب فولدت له وأما نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ويكنى
أبا الحارث وكان أسنّ من اخوته ومن جميع من أسلم من بنى هاشم حتى من حمزة
والعباس أسر يوم بدر ففداه العباس وقيل بل فدى نفسه قيل أسلم وهاجر أيام
الخندق وقيل أسلم يوم فدى نفسه وعن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال لما اسر
نوفل بن الحارث ببدر قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم افد نفسك قال
مالى شىء افتدى به قال افد نفسك برماحك التى بحدّة فقال والله ما علم أحد
أن لى بحدّة رماحا غيرى بعد الله أشهد أنك رسول الله وفدى نفسه بها وكانت
ألف رمح ذكره أبو عمرو وشهد نوفل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة
وحنينا والطائف وكان ممن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم
وأعان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف رمح فقال رسول الله صلّى
الله عليه وسلم كأنى أرى رماحك تقصف أصلاب المشركين وآخى رسول الله صلّى
الله عليه وسلم بينه وبين العباس بن عبد المطلب وكانا شريكين فى الجاهلية
متفاوضين فى المال متحابين توفى بالمدينة سنة خمس عشرة فى خلافة عمر وصلّى
عليه عمر بعد أن شيعه الى البقيع ووقف على قبره حتى دفن وكان له من الولد
الحارث وعبد الله وعبيد الله والمغيرة وسعيد وعبد الرحمن وربيعة بنو نوفل
فأما الحارث بن نوفل فهو الذى كان يقال له ببه لأنّ أمه هند ابنة أبى سفيان
بن حرب بن أمية كانت ترقصه وهو طفل وتقول
لانكحنّ ببه* جارية خدبة* مكرمة محبة* تجبّ أهل الكعبة
ببة لقب له وخدبة أى غليمة سمينة والخدب هو العظيم الجافى وكان قد اصطلح
عليه أهل البصرة حين توفى يزيد بن معاوية وخرج مع ابن الاشعث فلما هزم هرب
الى عمان ومات بها* قال الواقدى كان الحارث بن نوفل على عهد رسول الله صلّى
الله عليه وسلم رجلا فأسلم عند اسلام أبيه نوفل وولد له على عهد رسول الله
صلّى الله عليه وسلم ولده عبد الله فأتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم
فحنكه ودعا له وكانت تحته درّة بنت أبى لهب بن عبد المطلب واستعمله النبىّ
صلّى الله عليه وسلم على بعض أعماله بمكة واستعمله أبو بكر أيضا قاله
الدارقطنى وقيل ان أبا بكر ولى الحارث بن نوفل مكة وانتقل الحارث من
المدينة الى البصرة واختط بها دارا فى ولاية عبد الله بن عامر ومات بها فى
آخر خلافة عثمان وأما المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ويكنى أبا
يحيى فولد له على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم
(1/161)
بمكة قبل الهجرة وقيل بعدها ولم يدرك من
حياة النبىّ صلّى الله عليه وسلم غير ست سنين وهو الذى تلقى عبد الرحمن بن
ملجم المرادى حين ضرب عليا على هامته بسيفه فصرعه فلما هم الناس به حمل
عليهم بسيفه ففرّجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة فرماها عليه واحتمله
وضرب به الارض وقعد على صدره وانتزع سيفه عنه وكان ايدا ثم حمل ابن ملجم
وحبس الى أن مات علىّ رضى الله عنه فقتل كما سيجىء فى الخاتمة والايد
القوّة ومنه ذا الايد انه أوّاب وكان المغيرة هذا قاضيا فى زمن عثمان وشهد
مع علىّ صفين وتزوّج امامة بنت أبى العاص بن الربيع بعد علىّ بن أبى طالب
وولد يحيى منها وروى المغيرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقيل ان حديثه
مرسل ولم يسمع من النبىّ صلّى الله عليه وسلم شيئا ومن ولده عبد الملك بن
المغيرة بن نوفل روى عنه الزهرى وعبد الرحمن الاعرج وعمران ابن أبى أويس
وأما عبد الله بن نوفل بن الحارث فكان جميلا وكان يشبه رسول الله صلّى الله
عليه وسلم وكان أوّل من ولى القضاء بالمدينة فى خلافة معاوية وأما أخواه
عبيد الله وسعيد فقد روى عنهما العلم وأما عبد الرحمن وربيعة ابنا نوفل فلا
لقية لهما ولا رواية ذكر ذلك الدارقطنى فى كتاب رواية الاخوة والاخوات*
وأما ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ويكنى أبا أروى فكانت له صحبة وهو الذى
قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ألا ان كل مأثرة كانت
فى الجاهلية تحت قدمىّ ودماء الجاهلية موضوعة وان أوّل دم أضع دم ابن ربيعة
بن الحارث وذلك انه قتل لربيعة ابن الحارث فى الجاهلية ولد يسمى آدم وقيل
تمام فأبطل النبىّ صلّى الله عليه وسلم الطلب به فى الاسلام ولم يجعل
لربيعة فى ذلك تبعة وكان ربيعة هذا أسنّ من العباس فيما ذكر بسنتين ذكره
أبو عمرو وغيره وقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم نعم الرجل ربيعة لو قصر
من شعره وشمر من ثوبه وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أطعمه مائة وسق من
خيبر كل عام ذكره الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات وكان شريك عثمان فى
التجارة ذكره ابن قتيبة توفى سنة ثلاث وعشرين فى خلافة عمر وروى عن النبىّ
صلى الله عليه وسلم أحاديث وله من الولد بنون وبنات فالبنون العباس بن
ربيعة وعبد المطلب بن ربيعة وعبد الله بن ربيعة ذكر عبد الله هذا أبو عمرو
فى باب عبد الله بن عباس فيمن شهد مع علىّ صفين وغيرها ولم يفرده بالذكر
وذكره الدارقطنى فى باب الاخوة من ولد ربيعة بن الحارث وذكر من ولده أيضا
الحارث وأمية وعبد شمس ومن ولده أيضا آدم بن ربيعة وهو الذى كان مسترضعا فى
هذيل وكان العباس بن ربيعة ذا قدر وأقطعه عثمان دارا بالبصرة وأعطاه مائة
ألف درهم وشهد صفين مع على وكان تحته أمّ فراس بنت حسان بن ثابت فولدت له
أولادا وعقبه كثير ذكره ابن قتيبة وأما البنات فلم يذكر اسماء هنّ عند
ذكرهنّ وذكر أبو عمرو فى باب هند بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب انها
ولدت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذكر الدارقطنى أن اسمها أروى
قال وقيل هند تزوّجها حبان ابن منقد الانصارى النجارى فولدت له واسعا ويحيى
ابنى حبان ولم أظفر بأسماء باقيهنّ ولا بكنيتهنّ غير انهنّ ذكرن على سبيل
الجمع كما قدّمنا كذا فى ذخائر العقبى* وأما عبد شمس بن الحارث بن عبد
المطلب وسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله فمات بالصفراء فى
حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكفنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم
فى قميصه وقال فى حقه سعيد أدركته السعادة قاله الدارقطنى فى كتاب الاخوة
والاخوات والبغوى فى معجمه وليس له عقب وقال ابن قتيبة عقبه بالشام يقال
لهم الموزة لقلتهم لانهم لا يكادون يزيدون على ثلاثة* وفى شرح الكرمانى
عبيدة بن الحارث كان أسنّ من رسول الله صلّى الله عليه
وسلم بعشر سنين أسلم قبل دخوله دار الارقم شهد بدرا وجرح بها وتأخرت وفاته
حتى وصل وادى الصفراء فدفن بها وهو ابن ثلاث وستين سنة وسيجىء فى غزوة بدر
ان شاء الله تعالى
(1/162)
وأما المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب فله
صحبة وقد قيل ان أبا سفيان بن الحارث اسمه المغيرة والصحيح أنه أخوه وذكر
الدارقطنى أمية بن الحارث مكان المغيرة بن الحارث وقال لا عقب له ولا رواية
وأما أروى بنت الحارث فذكرها ابن قتيبة وأبو سعد فى ولده ولم يذكرها أبو
عمرو فلعله لم يثبت عنده اسلامها وذكرها الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات
وذلك دليل اسلامها لانه لم يذكر فيه الا من أسلم قال وتزوّجها أبو وداعة بن
صبرة السهمى فولدت له المطلب وأبا سفيان بن أبى وداعة*
(ذكر أبى طالب وأولاده)
* واسمه عبد مناف وجملة أولاده ستة أربعة ذكور طالب ومات كافرا فى غزوة بدر
حين وجهه المشركون الى حرب المسلمين وهو أكبر ولده وبه كان يكنى وعقيل
وجعفر وعلى وبنتان أمّ هانى وجمانة أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف
وكان علىّ أصغرهم وكان جعفر أسنّ منه بعشر سنين وعقيل أسنّ من جعفر بعشر
سنين وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين ذكره ابن قتيبة وأبو سعيد وأبو عمرو
وأما على فسيجىء ذكره فى الخاتمة فى ذكر الخلفاء وأما جعفر فقد تقدّم ذكر
أمه ويكنى أبا عبد الله أسلم قديما وهاجر الى الحبشة الهجرة الثانية ومعه
زوجته أسماء بنت عميس وولدت ثمة بنيه عبد الله ومحمدا وعونا فلم يزل هنا لك
حتى قدم على النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو بخيبر سنة سبع فحصلت له
الهجرتان وأما ذكر جواره فى أرض الحبشة وما جرى له مع النجاشى فسيجىء فى
الركن الثانى فى حوادث السنة الخامسة من النبوّة وسيجىء ذكر وفاته وبعض
أحواله فى الموطن الثامن فى سرية مؤتة ان شاء الله تعالى وأما عقيل بن أبى
طالب فلم يزل اسمه فى الجاهلية والاسلام عقيلا ويكنى أبا يزيد أمه فاطمة
بنت أسد قال العذرى وكان عقيل قد خرج مع كفار قريش يوم بدر مكرها فأسر
ففداه عمه العباس ثم أتى مسلما قبل الحديبية وشهد غزوة مؤتة ذكره أبو عمرو
وروى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال له يا أبا يزيد انى أحبك حبين حبا
لقرابتك منى وحبا لما كنت أعلم من حب عمى اياك خرجه أبو عمرو والبغوى وكان
عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامها ولكنه كان مبغضا اليهم لانه كان يعدّ
مسلويهم وكانت له قطيفة تفرش له فى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم
يصلى عليها ويجتمع اليه فى علم النسب وأيام العرب وكان أسرع الناس جوابا
وأحضرهم مراجعة فى القول وأبلغهم فى ذلك خرجه أبو عمرو وعن جعفر بن محمد عن
أبيه أن عقيلا جاء الى علىّ بالعراق فسأله فقال له ان أحببت أن أكتب لك الى
مالى بينبع فأعطيتك منه فقال عقيل لا ذهبن الى رجل هو أوصل لى منك فذهب الى
معاوية فعرف ذلك له خرجه البغوى قال أبو عمرو وكان عقيل غاضب عليا وخرج الى
معاوية واقام عنده فزعموا ان معاوية قال يوما بحضرته هذا أبو يزيد لولا
علمه بأبى خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه فقال عقيل أخى خير لى فى
دينى وأنت خير لى فى دنياى وقد آثرت دنياى وأسأل الله خاتمة خير وتوفى عقيل
فى خلافة معاوية ولم يوقف على السنة التى مات فيها ذكره ابن الضحاك* وأما
أم هانى فاسمها فاختة وقيل هند أسلمت يوم الفتح حكاه أبو عمرو وتزوّجها
هبيرة بن أبى وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم وولدت له أولاد او هرب
الى نجران ومات مشركا وهى التى صلّى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى بيتها
عام الفتح الضحى ثمان ركعات فى ثوب واحد مخالفا بين طرفيه وقال لها قد
أجرنا من أجرت يا أم هانى متفق عليه وعن ابن عباس دخل رسول الله صلّى الله
عليه وسلم على أم هانى بنت أبى طالب يوم الفتح وكان جائعا فقالت يا رسول
الله ان أصهار الى قد لجؤا الىّ وان علىّ بن أبى طالب لا تأخّذه فى الله
لومة لائم وانى أخاف أن يعلم بهم فيقتلهم فاجعل من دخل دار أم هانى آمنا
حتى يسمع كلام الله فأمنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال أجرنا من
أجارت أم هانى فقال هل عندك من طعام نأكله فقالت ليست عندى الاكسر يابسة
وانى لاستحيى ان أقدمها اليك قال هلميهنّ فكسرهنّ فى ماء وملح فقال هل من
ادام فقالت
(1/163)
ما عندى يا رسول الله الا شىء من خل فقال
هلميه فصبه على طعامه فأكل منه ثم حمد الله ثم قال نعم الادام الخل يا أم
هانى لا يفقر بيت فيه خل خرجه بهذا السياق الطبرانى وجماعة* وأما جمانة
فذكرها ابن قتيبة وأبو سعيد فى شرف النبوّة فى أولاد أبى طالب أمها فاطمة
بنت أسد وأما أبو عمرو فلم يذكرها فلعله لم يثبت عنده اسلامها وذكرها
الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات ولم يذكر فيه الا من أسلم فدل على أنه
صح عنده اسلامها قال وتزوّجها ابن عمها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
وولدت له قال ولم يسند منها شىء وهذا القول دليل على صحة اسلامها اذ من لم
يسلم لم يوصف بذلك اثباتا ولا نفيا*
(ذكر الزبير وأولاده)
* ويكنى أبا الحارث وكان من أشراف قريش وجملة أولاده ثلاثة عبد الله
وابنتان امّ الحكيم ويقال امّ حكيم وضباعة أما عبد الله بن الزبير فأمه
عاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ المخزومية أدرك الاسلام وأسلم وثبت مع
النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم حنين فيمن ثبت يومئذ ذكره الدارقطنى وقتل
يوم أجنادين فى خلافة أبى بكر شهيدا ووجد حوله عصبة من الروم قد قتلهم ثم
أثخنته الجراحة فمات بها وذكر الواقدى ان أوّل قتيل قتل من الروم بطريق
معلم برز ودعا الى البراز فبرز اليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب
واختلفا ضربات ثم قتله عبد الله ولم يتعرّض لسلبه ثم برز آخر يدعو الى
البراز فبرز اليه فاقتتلا بالرمحين ساعة ثم صارا الى السيفين فضربه عبد
الله على عاتقه وهو يقول خذها وأنا ابن عبد المطلب فأثبته وقطع سيفه الدرع
وأسرع فى منكبه ثم ولى الرومى منهزما فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز
فقال عبد الله انى والله ما أجد لى صبرا فلما اختلطت السيوف وأخذ بعضها
بعضا وجد فى ربضة من الروم عشرة حوله قتلى وهو مقتول بينهم وكان سنه نحوا
من ثلاثين سنة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول له ابن عمى وحبى
ومنهم من يقول كان يقول ابن امى ولم يعقب قاله ابن قتيبة وأما بنتا الزبير
بن عبد المطلب فضباعة بنت الزبير وهى التى أمرها رسول الله صلّى الله عليه
وسلم بالاشتراط فى الحج وكانت تحت المقداد بن الاسود وامّ الحكيم وكانت تحت
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قاله ابن قتيبة ذكرهما ابو عمرو فى باب
أخيهما عبد الله بن الزبير*
(ذكر حمزة بن عبد المطلب)
* وأمه هالة بنت وهب وقد تقدّم ذكرها وكان أخا رسول الله صلّى الله عليه
وسلم من الرضاعة أرضعتهما وعبد الله بن عبد الاسد ثويبة بلبن ابنها مسروح
وكانت ثويبة مولاة لابى لهب وقال ابن قتيبة امراة من أهل مكة ولا تضاد بين
كونها مولاة وامرأة من أهل مكة وكان أسنّ من النبىّ صلّى الله عليه وسلم
بأربع سنين قال أبو عمرو وهذا يردّه ما تقدّم ذكره آنفا من تقييد رضاع
ثويبة بلبن ابنها مسروح اذ لا رضاع الا فى حولين ولولا النقييد بذلك امكن
حمل الرضاع على زمانين مختلفين قلت ويمكن أن تكون أرضعت حمزة فى آخر سنتيه
فى اوّل رضاع ابنها وارضعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى اوّل سنتيه فى
آخر رضاع ابنها فيكون أكبر بأربع سنين وقيل كان اسنّ بسنتين ولم يزل اسمه
فى الجاهلية والاسلام حمزة ويكنى ابا عمارة وابا يعلى كنيتان له بابنيه
عمارة ويعلى وكان يدعى اسد الله واسد رسوله وعن يحيى ابن عبد الرحمن بن أبى
لبيبة عن ابيه عن جدّه ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال والذى نفسى
بيده انه لمكتوب عند الله عز وجل فى السماء السابعة حمزة اسد الله واسد
رسوله خرجه البغوى فى معجمه وكان اسلامه فى السنة الثانية من المبعث وقيل
فى السادسة بعد دخوله عليه السلام دار الارقم وقيل قبل اسلام عمر بثلاثة
ايام وسيجىء فى الركن الثانى عن عبد الرحمن بن عابس عن ابيه قال قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلم خير أعمامى حمزة خرجه الحافظ الدمشقى عن جابر قال
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد
المطلب ورجل قام الى امام جائر فأمره ونهاه فقتله خرّجه ابن السرّى وفى
رواية حمزة خير الشهداء وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم ألا انبئكم
(1/164)
بأفضل الشهداء عند الله بعد حمزة بن عبد
المطلب قالوا بلى يا رسول الله قال رجل أتى أميرا جائرا فأمره بالمعروف
ونهاه عن المنكر فان هو لم يقتله لم يجر عليه ذنب ما كان حيا وان هو قتله
كان من افضل الشهداء عند الله عز وجل بعد حمزة بن عبد المطلب خرجه الحلبى
وذكر مقتله سيجىء فى الموطن الثالث فى غزوة احد كان له من الولد عمارة امه
خولة بنت قيس بن فهر بن مالك النجارى* ويعلى قال مصعب لم يعقب واحد من ولد
حمزة وكان يعلى قد ولد له خمسة رجال وماتوا كلهم من غير عقب وتوفى رسول
الله صلّى الله عليه وسلم ولكل واحد منهما اعوام ولم تحفظ لواحد منهما
رواية وكان له ابنة يقال لها امّ ابيها قاله ابن قتيبة وقال صاحب الصفوة
اسمها أمامة امّها زينب بنت عميس الخثعمية وكانت تحت عمرو بن ابى سلمة
المخزومى ربيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهى التى اختصم فى حضانتها
علىّ وجعفر وزيد فقال على ابنة عمى وقال جعفر ابنة عمى وخالتها تحتى وقال
زيد ابنة اخى فقضى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة
بمنزلة الامّ اخرجاه وفيه دلالة على ان من نكحت قريبا لا يسقط حقها من
الحضانة وعن على رضى الله عنه قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ألا
تتزوّج ابنة حمزة فانها احسن فتاة فى قريش فقال اليس قد علمت انها ابنة أخى
من الرضاعة وان الله عز وجل قد حرم من الرضاعة ما حرّم من النسب خرجه
البغوى فى معجمه*
(ذكر العباس بن عبد المطلب وإسلامه)
* أمه نتيلة ويقال لها نتلة وقد تقدّم ذكرها ويقال انها أوّل عربية كست
البيت الحرام الديباج وأصناف الكسوة وذلك ابن العباس ضل وهو صبى فنذرت ان
وجدته أن تكسو البيت الحرام فوجدته ففعلت ولم يزل اسمه العباس ويكنى ابا
الفضل* ذكر صفته* وكان رضى الله عنه جميلا جسيما وسيما ابيض بضاله ضفيرتان
معتدل القامة وقيل كان طوالا عن جابر أن الانصار لما ارادوا أن يكسوا
العباس حين اسر يوم بدر فلم يصلح عليه قميص الا قميص عبد الله ابن ابىّ بن
سلول فكساه اياه فلما مات عبد الله بن ابىّ بن سلول ألبسه النبىّ صلّى الله
عليه وسلم قميصه وتفل عليه من ريقه قال سفيان فظنّ انه مكافأة لقميص العباس
خرّجه ابن الضحاك وابو عمرو وكان مولده قبل الفيل بثلاث سنين وكان اسنّ من
النبىّ صلّى الله عليه وسلم بسنتين وقيل بثلاث* وعن أبى رزين قال قيل
للعباس أيكما اكبر أنت أو النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال هو اكبر منى وانا
ولدت قبله خرجه ابن الضحاك وهو اصغر أولاد عبد المطلب غير عبد الله كذا فى
المواهب اللدنية* وعن ابن عمر مثله خرجه البغوى فى معجمه وغيره وكان العباس
فى الجاهلية رئيسا فى قريش واليه عمارة المسجد الحرام والسقاية بعد أبى
طالب أما السقاية فمعروفة واما عمارة المسجد الحرام فكان لا يدع أحدا يشبب
فيه ولا يقول فيه هجر او كانت قريش قد اجتمعت وتعاقدت على ذلك فكانوا له
عونا عليه وأسلموا ذلك اليه ذكره الزبير ابن بكار وغيره من علماء النسب
حكاه ابو عمرو والتشبيب ترقيق الشعر بذكر النساء وكأنه أراد انشاد ذلك فى
المسجد والهجر بالضم الهذيان والقول الباطل ويطلق على الكلام الفاحش وذكر
شهوده بيعة العقبة سيجىء فى الركن الثانى* (ذكر اسلامه) * قال اهل العلم
بالتاريخ كان اسلام العباس قديما وكان يكتم اسلامه وخرج مع المشركين يوم
بدر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من لقى العباس فلا يقتله فانه خرج
مستكرها فأسره ابو اليسر كعب بن عمرو ففادى نفسه ورجع الى مكة ثم أقبل الى
المدينة مهاجرا قاله ابو سعيد وقيل انه أسلم يوم بدر فاستقبل النبىّ صلّى
الله عليه وسلم يوم الفتح بالابواء وكان معه يوم فتح مكة وبه ختمت الهجرة
وقال أبو عمرو أسلم قبل فتح خيبر وكان يكتم اسلامه ويسرّ بما يفتح الله على
المسلمين وأظهر اسلامه يوم فتح مكة وشهد حنينا والطائف وتبوك ويقال ان
اسلامه كان قبل بدر وكان يكتب بأخبار المشركين الى رسول الله صلّى الله
عليه وسلم وكان المسلمون بمكة يثقون به وكان يحب القدوم على رسول الله صلّى
الله عليه وسلم فكتب اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان مقامك بمكة
(1/165)
خير لك وعن شرحبيل بن سعد قال لما بشر أبو
رافع رسول الله صلّى الله عليه وسلم باسلام العباس بن عبد المطلب أعتقه
خرجه أبو القاسم السهمى فى الفضائل* وفى المواهب اللدنية قال عليه الصلاة
والسلام للعباس يا عم لا ترم منزلك أنت وبنوك غدا حتى آتيك فان لى فيكم
حاجة فلما أتاهم اشتمل عليهم بملاءته ثم قال يا رب هذا عمى وصنو أبى وهؤلاء
أهل بيتى فاسترهم من النار كسترى اياهم بملاءتى هذه قال فأمّنت أسكفة الباب
وحوائط البيت فقالت آمين آمين آمين رواه ابن غيلان وأبو القاسم حمزة
والسهمى ورواه ابن السرى وفيه فما بقى فى البيت مدرة ولا باب الا أمّن*
(ذكر وفاته) * توفى رضى الله عنه فى خلافة عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة
يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة وقيل لا ربع عشرة ليلة خلت من رجب ولم يذكر
صاحب الصفوة غيره وقيل من رمضان سنة اثنتين وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين وهو
ابن ثمان وثمانين سنة وقيل سبع وثمانين سنة بعد أن كف بصره أدرك منها فى
الاسلام اثنتين وثلاثين سنة وصلّى عليه عثمان ودفن بالبقيع ودخل فى قبره
ابنه عبد الله* مروياته فى كتب الحديث خمسة وثلاثون حديثا* (ذكر ولده) *
وكان له من الذكور تسعة وسيجىء فى رواية الزبير بن بكار انهم عشرة ومن
الاناث ثلاث الفضل وعبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وقثم ومعبد وأمّ حبيب
أمّهم أم الفضل اسمها لبابة الكبرى بنت الحارث بن حرب الهلالية وتمام
وكثيرا بنا العباس لامّ ولد والحارث أمه هذلية قاله الطبرانى وقال صاحب
الصفوة أمه حجيلة بنت جندب وآمنة وأمّ كلثوم وصفية لامهات أولاد قاله هشام
بن الكلبى وصبيح ومسهرا بنا العباس ولم يتابع على ذلك وقال ابراهيم المزنى
ولبابة وأمينة ذكر ذلك كله الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات وتابعه غيره
على أكثره*
ذكر الفضل بن عباس
أما الفضل بن العباس فكان أكبر ولده وبه كان يكنى أمه أم الفضل لبابة
الكبرى بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة زوج النبى عليه السلام وقد روى أنها
أوّل امرأة أسلمت بعد خديجة بمكة خرجه البغوى ولم يزل اسمه الفضل فى
الجاهلية والاسلام ويكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد وكان أجمل الناس وجها
وعن جابر أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما دفع من المزدلفة الى منى أردف
الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فمرت ظعن يجرين فجعل الفضل
ينظر اليهنّ فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحوّل
الفضل وجهه الى الشق الآخر ينظر فحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده
من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر خرجه مسلم* وفى
بعض الطرق فقال العباس لويت عنق ابن عمك يا رسول الله فقال رأيت شابا وشابة
فلم آمن الشيطان عليهما قال أهل العلم بالتاريخ غزا الفضل مع رسول الله
صلّى الله عليه وسلم مكة وحنينا وثبت يومئذ وشهد حجة الوداع وأردفه رسول
الله صلّى الله عليه وسلم خلفه فيها على ما تقدّم وهو الذى كان يصب الماء
فى غسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلىّ يغسله* (ذكر وفاته) قال أبو
عمرو اختلف فى وفاته فقيل أصيب بأجنادين فى خلافة أبى بكر سنة ثلاث عشرة*
وفى ذخائر العقبى أجنادين بفتح الهمزة وسكون الجيم وبالنون وفتح الدال
المهملة وقد تكسر الموضع المعروف من نواحى دمشق وكانت بها الوقعة بين
المسلمين والروم وكان الامير بها عمرو ابن العاص وأبو عبيدة ويزيد بن أبى
سفيان وشرحبيل بن حسنة كل منهم على طائفة وقيل ان عمرا كان الامير عليهم
كلهم وقيل انه قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة أيضا وقيل مات بطاعون عمواس
وهو أوّل طاعون كان فى الاسلام بالشام سنة ثمان عشرة فى خلافة عمرو قيل انه
قتل يوم اليرموك فى خلافة أبى بكر ذكره الدارقطنى وغيره* (ذكر ولده) * توفى
رضى الله عنه ولم يترك ولدا غير ابنة تزوّجها الحسن ابن على ثم فارقها
فتزوّجها أبو موسى الاشعرى فولدت له موسى ومات عنها فتزوّجها عمر بن طلحة
بن عبد الله وقيل ان الفضل خلف ابنا يقال له عبد الله ولم يتبت ذكر ذلك
جميعه الدارقطنى فى كتاب الاخوة
(1/166)
والاخوات ونابعه غيره على بعضه*
ذكر عبد الله بن عباس
وأما عبد الله بن عباس فهو الحبر ويكنى أبا العباس ولم يزل اسمه عبد الله
أمه أمّ الفضل ولد قبل الهجرة بثلاث سنين بالشعب قبل خروج بنى هاشم منه*
وذكر الطائى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حنكه بريقه ودعا له وقال اللهم
بارك فيه وانشر منه وعلمه الحكمة وسماه ترجمان القرآن وكان يوم توفى رسول
الله صلّى الله عليه وسلم ابن ثلاث عشرة سنة روى ذلك عنه وروى عنه أيضا أنه
قال توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم
يعنى المفصل* وفى رواية وأنا ابن خمس عشرة وأنا ختين ولعله الاشبه اذ روى
عنه أنه قال فى حجة الوداع وأنا قد ناهزت الاحتلام وصحح أبو عمرو القول
الاوّل وهو ظاهر اختيار الدارقطنى* (ذكر صفته) * وكان طويلا أبيض مشربا
بشقرة جسيما وسيما صبيح الوجه وكان يصفر لحيته وقيل كان يخضب بالحناء وكان
له وفرة خرجه ابن الضحاك قال ابن اسحاق رأيت ابن عباس بمنى طويل الشعر
فعرفت انه قصر ولم يحلق وعليه ازار وعليه رداء أصفر وكان يخضب بالسواد وهذا
مغاير لما تقدّم من خضابه ولعله كان يفعل هذا مرّة وهذا اخرى فيروى كل ما
بلغه* قال أبو عمرو شهد عبد الله بن عباس مع علىّ الجمل وصفين والنهروان
وكان ممن شهد ذلك مع علىّ الحسن والحسين ومحمد بنوه وعقيل اخوه وعبيد الله
وقثم ابنا عمه العباس وعبد الله ومحمد وعون بنو جعفر والمغيرة بن نوفل بن
الحارث بن عبد المطلب وعبيد الله بن ربيعة بن عبد المطلب ذكره أبو عمرو فى
ذكر عبد الله بن عباس رضى الله عنهم* عن عبد الله ابن عباس عن امّ الفضل
قالت لما وضعته أتيت به النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأذن فى أذنه اليمنى
وأقام فى أذنه اليسرى ولته من ريقه وسماه عبد الله وقال فاذهبى بأبى
الخلفاء أخرجه أبو القاسم السهمى فى الفضائل* (ذكر وفاته) * توفى رضى الله
عنه بالطائف سنة ثمان وستين أيام ابن الزبير وهو ابن سبعين وقيل احدى
وسبعين وقيل أربع وسبعين وصلّى عليه محمد بن الحنفية وكبر عليه أربعا وقال
اليوم مات ربانى هذه الامة وضرب على قبره فسطاطا ذكر ذلك أبو عمرو والبغوى
فى معجمه وفى رواية عنه ربانى العلم* وعن سعيد بن جبير قال مات ابن عباس
بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم ير على مثل خلقته فدخل فى نعشه ولم ير
خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية يأيتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك
راضية مرضية الآية خرجه ابن عرفة العبدى وروى ابن الزبير مثله وعن غيلان بن
عمرو بن أبى سويد قال شهدت جنازة ابن عباس بالطائف فلما حملناه جاء طائر
أبيض فدخل فى أكفانه ولم نره خرج خرجه البغوى فى معجمه ويروى أن طائرا أبيض
خرج من قبره فتأوّلوه علمه خرج الى الناس وعن أبى بكر بن أبى عاصم ان ابن
عباس مات بمكة خرجه ابن الضحاك والمشهور انه مات بالطائف ودفن بها وقبره
معروف ثمة مروياته فى كتب الاحاديث ألف وستمائة وستون حديثا* (ذكر ولده) *
كان له من الولد العباس وبه كان يكنى وعلىّ السجاد والفضل ومحمد وعبيد الله
ولبابة وأسماء
ذكر عبيد الله بن عباس
(أما عبيد الله بن عباس) أمه أمّ الفضل وكان أصغر من أخيه عبد الله قيل انه
رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وسمع منه وحفظ عنه واستعمله على بن أبى
طالب على اليمن وأمره على الموسم فحج بالناس سنة ست وثلاثين أو سبع وثلاثين
فلما كان سنة ثمان وثلاثين بعثه أيضا على الموسم وبعث معاوية ذلك العام
يزيد بن شجرة الرهاوى ليقيم الحج فاجتمعا فسأل كل واحد منهما صاحبه أن يسلم
له فأبى واصطلحا على أن يصلى بالناس شيبة بن عثمان وروى أن معاوية بعث الى
اليمن بشر بن أرطاة العامرى وعليها عبيد الله بن عباس من قبل علىّ فتنحى
عبيد الله واستولى بشر عليها فبعث علىّ حارثة بن قثامة السعدى فهرب بشر
ورجع عبيد الله بن عباس فلم يزل عليها حتى قتل على وكان عبيد الله أحد
الاجواد وكان يقال من أراد الجمال والفقه والسخاء فليأت دار العباس الجمال
للفضل والفقه
(1/167)
لعبد الله والسخاء لعبيد الله ومات عبيد
الله بن عباس سنة ثمان وخمسين* وقال الواقدى والزبير توفى فى المدينة فى
أيام يزيد بن معاوية وقال مصعب مات باليمن والاوّل أصح وقال الحسن مات سنة
سبع وثمانين فى خلافة عبد الملك والله أعلم*
ذكر قثم بن العباس
وأما قثم بن العباس أمه أمّ الفضل أيضا وهو رضيع الحسن بن على وكان قثم
يشبه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وعن ابن عباس قال وأخذ العباس ابنا له
يقال له قثم فوضعه على صدره وهو يقول* حبى قثم شبيه ذى الانف الاشم بنى ذى
النعم يرغم من رغم خرجه ابن الضحاك وعن ابن عباس قال آخر الناس عهدا برسول
الله صلّى الله عليه وسلم قثم وذلك انه كان آخر من خرج من قبره ممن نزل فيه
خرجه أبو عمرو وخرجه ابن الضحاك مختصر اوقد ادعى المغيرة ذلك فأنكر ذلك ابن
عباس فقال آخر الناس عهدا برسول الله صلّى الله عليه وسلم قثم بن العباس
وروى عن علىّ مثل ذلك فى انه أنكر ما ادعاه المغيرة وقال آخر الناس عهدا
برسول الله صلّى الله عليه وسلم قثم بن العباس وولى علىّ ابن أبى طالب قثم
مكة ولم يزل واليا عليها حتى قتل علىّ وكان ولاها قبله أبا قتادة الانصارى
ثم عزله وولى قثم وقال الزبير استعمل علىّ قثم على المدينة رواه عنه أبو
اسحاق السباعى وغيره واستشهد قثم بسمرقند وكان خرج اليها مع سعيد بن عثمان
بن عفان زمن معاوية ذكره الدارقطنى وأبو عمرو وقال الضحاك مات فى خلافة
عثمان بن عفان وقبره خارج سور سمرقندى فى قبة عالية معروفة بمزار شاه زنده
يعنى السلطان الحىّ*
ذكر عبد الرحمن وكثير وتمام أولاد العباس
وأما عبد الرحمن بن عباس فامّه أمّ الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله صلّى
الله عليه وسلم وقتل هو وأخوه معبد بافريقية شهيدين فى خلافة عثمان سنة خمس
وثلاثين مع عبد الله بن سعد بن ابى سرح قاله مصعب* وقال ابن الكلبى قتل عبد
الرحمن بالشام وذكره الدارقطنى* وأما معبد بن عباس ويكنى أبا العباس فأمه
أمّ الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه
شيئا واستعمله علىّ رضى الله عنه على مكة وقتل بافريقية كما تقدّم ذكره
آنفا ويقال ما من اخوة اشدّ تباعدا قبورا من بنى العباس من أمّ الفضل ذكره
الدارقطنى* وأما كثير بن عباس أمه أمّ ولد رومية اسمها سبا وقيل أمه حميرية
ويكنى أبا تمام ولد قبل وفاة النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأشهر فى سنة عشر
من الهجرة وكان فقيها ذكيا فاضلا روى عنه ابن شهاب وعبد الرحمن الاعرج ذكره
أبو عمرو* وأما تمام بن عباس فأمه سبأ أمّ كثير المذكورة آنفا ولد على عهد
رسول الله صلّى الله عليه وسلم وروى عنه قوله صلّى الله عليه وسلم لا
تدخلوا علىّ قلحا استاكوا فلولا ان اشق على أمتى لامرتهم بالسواك عند كل
صلاة خرجه البغوى فى معجمه وخرج أبو عمرو الى قوله استاكوا ولم يذكر ما
بعده وكان تمام واليا لعلىّ على المدينة وكان قد استخلف قبله سهل بن حنيف
حين توجه الى العراق ثم عزله واستجلبه لنفسه وولى تماما ثم عزله وولى أبا
أيوب الانصارى ثم شخص أبو أيوب الى علىّ واستخلف رجلا من الانصار فلم يزل
واليا الى أن قتل علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ذكر ذلك كله أبو عمرو*
وقال الزبير بن بكار كان تمام أشدّ الناس بطشا وله عقب وقال الزبير كان
للعباس عشرة بنين ستة منهم من أمّ الفضل أمامة بنت الحارث الهلالية وهذا
يخالف ما سبق من ان اسم أمّ الفضل لبابة قال عبد الله بن يزيد الهلالى
ما ولدت نجيبة من فحل ... كستة من بطن أمّ الفضل
أكرم بها من كهلة وكهل
الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد وعبد الرحمن وسابعتهم أمّ حبيب
شقيقتهم وعون بن عباس قال أبو عمرو ولم أقف على اسم أمه وتمام وكثير لامّ
ولد والحارث أمه من هذيل فهؤلاء عشرة أولاد للعباس وكان تمام أصغرهم وكان
العباس يحمله ويقول
تموا بتمام فصاروا عشرة ... يا رب فاجعلهم كراما بررة
واجعل لهم ذكرا وأثم الشجرة
ذكر ذلك أبو عمرو وهذا يضادّ ما تقدّم فى كثير لانه ذكر أن كثيرا ولد قبل
وفاة النبىّ صلّى الله عليه وسلم
(1/168)
بأشهر وذكر أن تماما روى عن النبىّ صلّى
الله عليه وسلم فيكون كثير أصغر منه قطعا الا أن يكون هذا من قول الزبير بن
بكار وغيره يخالفه فيه وقد ذكر أبو عمرو عونا والحارث فى ولد العباس وذكر
أن أم الحارث هذلية وقد تقدّم ذكر الدارقطنى ذلك فى فضل ولد العباس اجمالا*
قال صاحب الصفوة واسمها حجيلة بنت جندب ولم يذكر ابن قتيبة عونا فى ولد
العباس وذكر الحارث وقال أمه أمّ ولد وتابعه أبو سعيد فى شرف النبوّة*
(ذكر الاناث من ولد العباس)
* وهنّ أربع أم حبيب لبابة ويقال لها أمّ حبيبة أمها أمّ الفضل وقد روى من
حديث أم الفضل ان النبىّ صلّى الله عليه قال لو بلغت أمّ حبيبة بنت العباس
واناحى لتزوّجتها فتوفى قبل ان تبلغ فتزوّجها الاسود بن سفيان بن عبد الاسد
بن هلال المخزومى ذكره أبو عمرو وروى الدارقطنى تزوّجها الاسود بن عبد
الاسد أخو أبى سلمة فولدت له رزق بن الاسود ولبابة بنت الاسود وصفية وأمينة
قاله الدارقطنى ذكره ابن قتيبة وأبو سعد وقالا تمام وكثير والحارث وصفية
وأمينة لامهات أولا دشتى وأما أبو عمرو فلم يذكر انثى غير أمّ حبيبة وقال
صاحب الصفوة تمام وكثير وصفية وأميمة أمهم أمّ ولد فجعل أمّ الاربعة واحدة
وقال أميمة ولعله تصحيف من الناسخ وذكر الدارقطنى ان أمينة تزوّجها عياش بن
عتبة بن أبى لهب فولدت له الفضل الشاعر قال ولا رواية لها ولا لصفية بنت
العباس وأمّ حبيب وأمّ كلثوم روى عنهما محمد بن ابراهيم التيمى ذكر
الدارقطنى فى مناقب العباس أمّ كلثوم كذا فى ذخائر العقبى*
(ذكر أبى لهب) * بن عبد المطلب
اسمه عبد العزى قيل كناه به أبوه لحسنه واشراق وجهه وكانت وجنتاه كأنهما
تلتهبان النار كذا فى العمدة وجملة أولاده اربعة عتبة وعتيبة ومعتب ودرة*
وفى حديث أبى هزيرة جاءت سبيعة بنت أبى لهب الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم
فقالت يا رسول الله ان الناس يقولون أنت بنت حطب النار الحديث فان كانت
سبيعة ودرة واحدة فأولاده أربعة وان كانت غيرها فهم خمسة ثلاثة ذكور وبنتان
أسلموا يوم الفتح ولهم صحبة وعتيبة قتله الاسد بالزرقاء كافرا وسيجىء ذكره
فى مناقب أمّ كلثوم ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الباب الثالث فى
السنة الخامسة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم وأما عتبة ومعتب
فأمهما أمّ جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب أخت أبى سفيان أسلما يوم
الفتح وكانا قد هربا من النبىّ صلّى الله عليه وسلم روى عبد الله بن عباس
عن أبيه عباس بن عبد المطلب قال لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة
فى عام الفتح قال لى يا عباس أين ابنا أخيك عتبة ومعتب لا أراهما قال قلت
يا رسول الله تنحيا فيمن تنحى من مشركى قريش فقال اذهب اليهما فأتنى بهما
قال العباس فركبت اليهما بعرفة فقلت ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدعو
كما فركبا معى فقد ما على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعاهما الى
الاسلام فأسلما وبايعا قاله أبو موسى وفى رواية فسرّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم باسلامهما ودعا لهما وقال أبو عمرو شهد معتب وعتبة حنينا مع رسول
الله صلّى الله عليه وسلم وفقئت عين معتب بحنين وكانا فيمن ثبت ولم ينهزم
وشهدا معه الطائف ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا المدينة ولهما عقب* قال
الزبير بن بكار شهد عتبة وعتيبة ابنا أبى لهب حنينا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكانا فيمن ثبت وأقاما بمكة أخرجه أبو عمرو وأبو موسى ان ثبت وما
أراه قول الزبير يرد عليه كذا فى أسد الغابة وسيجىء ذكر تزوّج عتبة وعتيبة
بنتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم رقية وامّ كلثوم وفراقهما اياهما قبل
الدخول واما درة بنت أبى لهب فأسلمت وكانت عند نوفل بن الحارث ابن عبد
المطلب ولدت له عقبة والوليد وأبا سلمة وروت عن النبىّ صلّى الله عليه
وسلم* عن أبى هريرة ان سبيعة بنت أبى لهب شكت الى النبىّ صلّى الله عليه
وسلم اذى الناس لها وقولهم بنت حطب النار لعلى هذه اسمها وذاك لقب لها اذ
لم يذكر أبو عمرو وغيره فى أولاده غير هؤلاء وذكر الدارقطنى فى كتاب
(1/169)
الاخوة والاخوات فى أولاده عتبة ومعتبا
ودرّة وخالدة وعزة بنو أبى لهب وقال ولا رواية لهما يعنى عزة وخالدة*
(ذكر الاناث من أولاد عبد المطلب)
* أما أم حكيم البيضاء فهى شقيقة عبد الله أبى النبىّ صلّى الله عليه وسلم
وأبى طالب والزبير وعبد الكعبة وأمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ وقد تقدّم
ذكرها كانت عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف ولدت له عامر
او بنات لم يذكر عددهنّ ولا أسماءهنّ ولا اسلامهنّ* فى أسد الغابة فولدت له
أروى امّ عثمان وامّ عامر بن كريز أما غامر فأسلم يوم فتح مكة وبقى الى
خلافة عثمان وهو والد عبد الله بن عامر بن كريز الذى ولاه عثمان العراق
وخراسان وكان عمره اربعا وعشرين سنة ذكره ابو عمرو واما عاتكة المختلف فى
اسلامها فأمها ايضا فاطمة بنت عمرو بن عائذ فتكون شقيقة عبد الله ابى
النبىّ صلّى الله عليه وسلم وابى طالب وكانت تحت أبى امية بن المغيرة
المخزومى فولدت له عبد الله وزهيرا ابنا أبى امية وكلاهما ابنا عمّ أبى جهل
واخوا امّ سلمة زوج النبىّ صلّى الله عليه وسلم لابيها هكذا ذكره ابو عمرو
وذكر أن امّ امّ سلمة عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة
بن فراس وأن امّ عبد الله وزهير عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى
الله عليه وسلم واما ابو سعيد فذكر فى شرف النبوّة ان امّ سلمة بنت عمة
النبىّ صلّى الله عليه وسلم عاتكة بنت عبد المطلب فتكون اخت عبد الله وزهير
لابويهما والاوّل اثبت لان معه زيادة علم والثانى لعله اشتبه عليه فأما عبد
الله فأسلم وكان قبل اسلامه شديد العداوة للنبىّ صلّى الله عليه وسلم
وللمسلمين وهو الذى قال لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا الى أو
يكون لك بيت من زخرف ثم انه خرج مهاجرا الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم
فلقيه فى الطريق بين السقيا والعرج مريدا لمكة عام الفتح فتلقاه فأعرض
النبىّ صلّى الله عليه وسلم عنه مرة بعد أخرى حتى دخل على اخته أمّ سلمة
وسألها ان تشفع له فشفعت فشفعها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلم وحسن
اسلامه وشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتح مكة مسلما وحنينا
والطائف فرمى يوم الطائف بسهم فقتل ومات شهيدا وهو الذى قال له المخنث فى
بيت أمّ سلمة يا عبد الله ان فتح عليكم الطائف غدا فانى أدلك على ابنة
غيلان فانها تقبل باربع وتدبر بثمان وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم عندها
فقال لا يدخلنّ هذا عليكم* وفى رواية من حديث عائشة رضى الله عنها قالت كان
يدخل على ازواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم مخنث قالت وكانوا يعدونه من غير
أولى الاربة فذكرت معنى ما تقدّم وزادت فقال صلّى الله عليه وسلم أرى هذا
ما ههنا لا يدخل عليكم فحجبوه وقوله تقبل بأربع أى بأربع عكن فى بطنها
وتدبر بثمان لان كل عكنة لها طرفان وسيجىء فى غزوة الطائف واما زهير بن ابى
أمية فقد عدّ فى المؤلفة قلوبهم* واما برة بنت عبد المطلب فأمها فاطمة ايضا
وكانت عند أبى رهم بن عبد العزى العامرى فولدت له ابا سبرة ثم خلف عليها
بعده عبد الاسد بن هلال المخزومى فولدت له ابا سلمة بن عبد الاسد الذى كانت
عنده امّ سلمة قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقيل كانت أوّلا عند عبد
الاسد ثم خلف عليها أبورهم ولم يذكر أبو سعد غيره والوجهان ذكرهما أبو عمرو
واسم أبى سلمة عبد الله اسلم وهاجر الى أرض الحبشة الهجرتين وهو أوّل من
هاجر الى الحبشة ومعه زوجته أمّ سلمة ثم هاجر الى المدينة وهو أوّل من هاجر
اليها وكانت هجرته قبل بيعة العقبة لما آذته قريش حين قدم من الحبشة وقد
بلغه اسلام من أسلم من الانصار فخرج اليها مهاجرا وشهد بدرا وجرح يوم أحد
جرحا اندمل ثم انتقض عليه فمات منه وتزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعده
زوجته أمّ سلمة عن امّ سلمة قالت دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على
أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه وقال ان الروح اذا قبض تبعه البصر فصاح ناس من
أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم الا بخير فان الملائكة
تؤمّن على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لابى سلمة وارفع درجته فى المهديين
واخلفه فى عقبه فى الغابرين واغفر لنا وله
(1/170)
يا رب العالمين اللهم افسح له فى قبره
ونوّر له قبره اخرجاه وخرجه ابو حاتم وقال فى المقرّبين مكان المهديين*
واما اميمة بنت عبد المطلب فأمها ايضا فاطمة بنت عمرو بن عائذ وكانت تحت
حجش بن رئاب اخى بنى تميم بن ذود بن اسد بن خزيمة فولدت له عبد الله وعبيد
الله وابا احمد وزينب وأمّ حبيبة وحمنة اولاد حجش بن رئاب اسلموا كلهم
وهاجر الذكور الثلاثة الى ارض الحبشة فأما عبيد الله فتنصر وبانت منه زوجته
أمّ حبيبة بنت ابى سفيان بن حرب ومات عبيد الله على النصرانية بالحبشة
وتزوّجها رسول الله واما ابو احمد واسمه عبد وقيل ثمامة والاوّل اصح كان
سلفا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت تحته الفارغة بنت ابى سفيان بن
حرب اخت امّ حبيبة ومات بعد وفاة اخته زينب وكانت وفاته سنة عشرين واما عبد
الله فهاجر الهجرتين عن الشعبى قال أوّل لواء عقده رسول الله صلّى الله
عليه وسلم لعبد الله بن جحش* وقال ابن اسحاق بل لواء عبيدة بن الحارث* وقال
المداينى بل لواء حمزة وعبد الله هذا أوّل من سنّ الخمس فى الغنيمة للنبىّ
صلّى الله عليه وسلم قبل أن يفرض ثم افترض بعد ذلك وانما كان قبل ذلك
المرباع وشهد عبد الله بدرا وأحدا واستشهد بها وسيجىء فى الموطن الثالث فى
غزوة أحد* عن عبد الله بن مسعود قال استشار رسول الله صلّى الله عليه وسلم
عبد الله بن جحش وأبا بكر وعمر رضى الله عنهم فى أسارى بدر* واما البنات
فأسلمن كلهنّ ولهنّ صحبة وتزوّج صلّى الله عليه وسلم منهنّ زينب كما سيجىء
وأما حمنة فكانت تحت مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار
العبدرى وكان من فضلاء الصحابة فلما قتل تزوّجها طلحة بن عبيد الله فولدت
له محمدا وعمران وهى التى استحيضت وسألت النبىّ صلى الله عليه وسلم وحديثها
فى باب الاستحاضة مشهور واما امّ حبيبة ويقال امّ حبيب كانت تحت عبد الرحمن
بن عوف وكانت تستحاض أيضا وأهل السير يقولون المستحاضة حمنة والصحيح عند
أهل الحديث انهما استحيضتا وقد قيل ان زينب أيضا كانت تستحاض* وأما أروى
بنت عبد المطلب المختلف فى اسلامها فأمها صفية بنت جندب امّ الحارث بن عبد
المطلب وهى شقيقته وكانت تحت عمير بن وهب ابن عبد بن قصى فولدت له طليبا ثم
خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى وأسلم طليب وكان سببا فى
اسلام أمه* وذكر الواقدى أن طليبا أسلم فى دار الارقم ثم حرج فدخل على أمه
أروى بنت عبد المطلب فقال تبعت محمدا وأسلمت لله عز وجلّ فقالت انّ أحق من
واددت وعضدت ابن خالك والله لو قدرنا على ما قدرت عليه الرجال لمنعناه
وذبينا عنه فقال لها طليب ما يمنعك أن تسلمى وتتبعيه فقد أسلم أخوك حمزة
فقالت انظر ما تصنع أخواتى ثم أكون من احداهنّ قال فقلت انى أسألك بالله
الا أتيته فسلمت عليه وصدقته وشهدت أن لا اله الا الله قالت فانى أشهد أن
لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ثم كانت بعده تعضد النبىّ صلّى الله
عليه وسلم بلسانها وتحض على نصرته والقيام بأمره وهذا دليل قول من قال انها
أسلمت وهاجر طليب الى أرض الحبشة وشهد بدرا فى قول ابن اسحاق والواقدى* قال
الزبير بن بكار كان طليب من المهاجرين الاوّلين شهد بدرا وقتل باجنادين
شهيدا ولا عقب له وقال مصعب قتل يوم اليرموك* وأما صفية بنت عبد المطلب
فأسلمت باتفاق وشهدت الخندق وقتلت رجلا من اليهود وضرب لها النبىّ صلّى
الله عليه وسلم بسهم وروت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا رواه
عنها ابنها الزبير بن العوام ذكر ذلك الدارقطنى أمها هالة بنت وهيب بن عبد
مناف بن زهرة شقيقة حمزة والمقوّم وحجل وكانت فى الجاهلية تحت الحارث بن
حرب بن أمية بن عبد شمس ثم هلك عنها فخلف عليها العوام بن خويلد اخو خديجة
بنت خويلد زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم فولدت له الزبير والسائب وعبد
الكعبة*
ولما مات النبىّ صلّى الله عليه وسلم رثته بأبيات منها هذا البيت
(1/171)
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنا
برّا ولم تك جافيا
وستجىء فى الموطن الحادى عشر فى وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم
بتمامها روى هذه الابيات الحافظ السلفى بسنده عن هشام بن عروة وتوفيت صفية
بالمدينة فى خلافة عمر سنة عشرين ولها ثلاث وسبعون سنة ودفنت بالبقيع ويقال
بفناء دار المغيرة بن شعبة*
ذكر الزبير بن العوّام
وأما ابنها الزبير فأسلم قديما وهو ابن ثمان سنين وقيل ابن ست عشرة سنة
وهاجر الى أرض الحبشة الهجرتين جميعا ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله
صلّى الله عليه وسلم وهو أوّل من سل سيفا فى سبيل الله وكان عليه يوم بدر
ريطة صفراء معتجرا بها وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه وثبت مع
رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد وبايعه على الموت* (ذكر صفته) * كان
أبيض طويلا ويقال لم يكن بالطويل ولا بالقصير الى الخفة فى اللحم ما هو
ويقال كان أسمر اللون أشعر خفيف العارضين* (ذكر أولاده) * كان له من الولد
عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجر وخديجة الكبرى وامّ الحسن وعائشة
أمهم أسماء بنت أبى بكر وخالد وعمرو وحبيبة وسودة وهند أمهم أمّ خالد وهى
أمة الله بنت خالد بن سعيد بن العاص ومصعب وحمزة ورملة أمهم الرباب بنت
أنيف بن عبيد وعبيدة وجعفر أمهما زينب أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط
وخديجة الصغرى أمها الحلال بنت قيس* وعن أبى الاسود قال أسلم الزبير ابن
العوّام وهو ابن ثمان سنين وهاجر وهو ابن ثمانى عشرة سنة وكان عمّ الزبير
يجعل الزبير فى حصر ويدخن عليه بالنار وهو يقول له ارجع الى الكفر فيقول
الزبير لا أكفر أبدا* وعن أبى الاسود محمد بن عبد الرحمن نوفل قال كان
اسلام الزبير بعد أبى بكر رابعا أو خامسا* وعن عبد الله بن الزبير قال جمع
لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد يقول فداك أبى وأمى أخرجاه
فى الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم الخندق ندب النبىّ صلّى
الله عليه وسلم الناس فانتدب الزبير فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم
لكل نبىّ حوارى وحوارىّ الزبير أخرجاه فى الصحيحين عن سعيد بن المسيب قال
أوّل من سل سيفا فى ذات الله الزبير بن العوّام بينما هو فى مكة اذ سمع
نغمة أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قد قتل فخرج عريانا ما عليه شىء فى يده
السيف صلتا فتلقاه النبىّ صلّى الله عليه وسلم كفة كفة فقال له مالك يا
زبير قال سمعت انك قد قتلت قال فما كنت صانعا قال أردت والله ان استعرض أهل
مكة فدعا له النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وعن مصعب بن الزبير قال قاتل
الزبير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتى عشرة سنة فكان يحمل
على القوم* عن نهيك قال كان للزبير ألف مملوك يؤدّون الضريبة لا يدخل بيت
ماله منها درهم يقول يتصدّق بها* وفى رواية اخرى فكان يقسمه كل ليلة ثم
يقوم الى منزله وليس معه منها شىء وعن علىّ بن زيد قال أخبرنى من رأى
الزبير وان فى صدره كأمثال العيون من الطعن والرمى*
(ذكر مقتله)
* قتل الزبير يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين سنة ويقال ستين ويقال بضع
وخمسين ويقال نيف وستين قتله ابن جرموز* وعن ذر قال استأذن ابن جرموز على
علىّ وأنا عنده فقال على بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال سمعت رسول الله
صلّى الله عليه وسلم يقول لكل نبى حوارى وحوارىّ الزبير* وعن عبد الله بن
الزبير قال جعل الزبير يوم الجمل يوصينى بدينه ويقول ان عجزت عن شىء منه
فاستعن عليه بمولاى فقال فو الله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك
قال الله قال والله ما وقعت فى كربة من دينه الا قلت يا مولى الزبير اقض
عنه فيقضيه وانما كان دينه الذى عليه ان الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه
اياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فانى أخشى عليه الضيعة قال فحسب ما عليه من
الدين فوجدته ألفى ألف ومائتى ألف فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما الا أرضين
بعتها وقضيت دينه فقال بنو الزبير فاقسم بيننا ميراثنا قلت لا والله لا
اقسم بينكم حتى أنادى
(1/172)
بالموسم أربع سنين ألا من كان له على
الزبير دين فليأتنا فلنقضه فجعل كل سنة ينادى بالموسم فلما مضى أربع سنين
قسم بينهم وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف انفرد
باخراج هذا الحديث البخارى كذا فى الصفوة* وأما السائب بن صفية فأسلم وشهد
أحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقتل يوم
اليمامة شهيدا* وأما عبد الكعبة فذكره أبو عمرو فى أولاد صفية كذا فى ذخائر
العقبى*
(ذكر قتل شعياء وتخريب بخت نصر بيت المقدس وقصة
قتل زكريا ويحيى)
* فى معالم التنزيل قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان بنى اسرائيل لما
اعتدوا وقتلوا الانبياء بعث الله عليهم ملك فارس بخت نصر وكان الله ملكه
سبعمائة سنة فسار اليهم حتى حل بيت المقدس فحاصرها وفتحها وقتل على دم يحيى
بن زكريا سبعين ألفا ثم سبى أهلها* وفى العمدة قتل مائتى ألف وسبعين ألفا
وسبى مثل ذلك وأحرق التوراة وخرب بيت المقدس* وفى أنوار التنزيل وغيره ان
الله تعالى أوحى الى بنى اسرائيل فى التوراة انكم لتفسدنّ فى الارض مرّتين
افساد المرّة الاولى مخالفتهم أحكام التوراة وقتل شعيا وثانيتهما قتل زكريا
ويحيى وقصد قتل عيسى عليه السلام* وفى المدارك أولاهما قتل زكريا وحبس
أرميا عليهما السلام حين أنذرهم بسخط الله والاخيرة قتل يحيى بن زكريا وقصد
قتل عيسى عليهم السلام قيل وفى كون أولاهما قتل زكريا نظر وقيل رواية من
روى أن بخت نصر غزا بنى اسرائيل عند قتل يحيى بن زكريا غلط عند أهل السير
بل هم مجمعون على أن بخت نصر غزا بنى اسرائيل عند قتلهم شعيا فى عهد أرميا
ومن وقت أرميا وتخريب بخت نصر بيت المقدس الى مولد يحيى بن زكريا اربعمائة
واحدى وستون سنة وذلك انه من لدن تخريب بخت نصر الى حين عمرانه فى عهد كرش
بن اخشورش اصهد بابل من قبل بهمن بن اسفنديار بن كشتاسف بن لهراسف سبعون
سنة ثم بعد عمرانه الى ظهور الاسكندر على بيت المقدس ثمان وثمانون سنة ثم
بعد مملكته الى مولد يحيى بن زكرياء ثلثمائة وثلاث وستون سنة والصحيح ما
قاله محمد بن اسحاق من ان افسادهم فى المرّة الاولى قتل شعيا بن الشجرة
وارتكابهم المعاصى وقوله تعالى بعثا عليكم عبادا لنا* قال ابن اسحاق هم بخت
نصر البابلى وأصحابه وهو الاظهر والله أعلم* وفى أنوار التنزيل هم بخت نصر
عامل لهراسب على بابل وجنوده وقيل جالوت الجزرى وقيل سنجاريب من أهل ينوى*
وفى الكشاف سنحاريب يروى بالجيم وبالحاء المهملة* وفى لباب التأويل قال ابن
اسحاق كانت بنو اسرائيل فيهم الاحداث والذنوب وكان الله فى ذلك متجاوزا
عنهم محسنا اليهم وكان أوّل ما نزل بهم بسبب ذنوبهم أن ملكا منهم كان يدعى
صديقة وكان الله تعالى اذا ملك عليهم ملكا بعث معه نبيا يسدّده ويرشده ولا
ينزل عليه كتابا انما يؤمرون باتباع التوراة والاحكام التى فيها فلما ملك
صديقة بعث الله معه شعيا بن أمضيا وذلك قبل مبعث زكرياء ويحيى وعيسى وشعيا
هو الذى بشر بعيسى ومحمد عليهما السلام فقال ابشر أو روى شلم وهو اسم بيت
المقدس ألا انه يأتيك راكب الحمار وبعده صاحب البعير فملك ذلك الملك يعنى
صديقة بنى اسرائيل وبيت المقدس زمانا فلما انقضى ملكه عظمت الاحداث بينهم
وكان معه شعيا فبعث الله سنجاريب ملك بابل ومعه ستمائة ألف راية فلم يزل
سائرا حتى نزل حول بيت المقدس والملك صديقة مريض من قرحة كانت فى ساقه فجاء
شعيا النبى اليه وقال يا ملك بنى اسرائيل ان سنجاريب ملك بابل قد نزل بك هو
وجنوده وقدها بهم الناس وفرقوا منهم فكبر ذلك على الملك وقال يا نبىّ الله
هل أتاك من الله وحى فيما حدث فتخبرنا به وكيف يفعل الله بنا وبسنجاريب
وجنوده فقال شعيا لم يأتنى وحى فى ذلك وبينماهم على ذلك أوحى الله الى شعيا
النبى ان ائت ملك بنى اسرائيل فمره أن يوصى وصيته ويستخلف على ملكه من يشاء
من أهل بيته فأتى شعيا ملك بنى اسرائيل فقال ان ربك قد أوحى الىّ أن آمرك
أن توصى وصيتك وتستخلف من
(1/173)
شئت من أهل بيتك على ملكك فانك ميت فلما
قال ذلك شعيا لصديقة الملك أقبل على القبلة فصلى ودعا فقال وهو يبكى
ويتضرّع الى الله يقلب مخلص اللهم رب الارباب واله الآلهة يا قدّوس المقدّس
يا رحمن يا رحيم يا رؤف الذى لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرنى بعملى وفعلى وحسن
قضائى على بنى اسرائيل وذلك كله كان منك وأنت أعلم به منى سرّى وعلانيتى لك
فاستجاب الله له وكان عبدا صالحا فأوحى الله الى شعيا أن يخبر صديقة ان ربه
قد استجاب له ورحمه وأخر أجله خمس عشرة سنة وأنجاه من عدوّه سنجاريب فأتاه
شعيا فأخبره فلما قال له ذلك انقطع عنه الحزن وخرّ ساجدا وقال الهى واله
آبائى لك سجدت وسبحت وكرّمت وعظمت أنت الذى تعطى الملك من تشاء وتنزع الملك
ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء عالم الغيب والشهادة أنت الاوّل والآخر
والظاهر والباطن وانت ترحم وتستجيب دعوة المضطرّين انت الذى اجبت دعوتى
ورحمت تضرّعى فلما رفع رأسه اوحى الله الى شعيا ان قل للملك صديقة فيامر
عبدا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله على قرحته فيشفى فيصبح وقد برأ
ففعل ذلك فشفى فقال الملك لشعيا سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع
بعدوّنا هذا قال الله لشعيا قل له انى قد كفيتك عدوّك وانجيتك منهم فانهم
سيصبجون موتى كلهم الا سنجاريب وخمسة نفر من كتابه فلما أصبحوا جاء صارخ
يصرخ على باب المدينة يا ملك بنى اسرائيل ان الله قد كفاك عدوّك فاخرج فان
سنجاريب ومن معه هلكوا فخرج الملك والتمس سنجاريب فلم يوجد فى الموتى فبعث
الملك فى طلبه فأدركه الطلب فى مغارة ومعه خمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر
فجعلوهم فى الجوامع ثم أتوا بهم الملك فلما رآهم خرّ ساجدا لله تعالى من
حين طلعت الشمس الى العصر ثم قال لسنجاريب كيف رأيت فعل ربنا بكم ألم
يقتلكم بحوله وقوّته ونحن وأنتم غافلون* فقال سنجاريب قد أتانى خبر ربكم
ونصره اياكم ورحمته التى يرحمكم بها قبل ان أخرج من بلادى فلم أطع مرشدا
ولم يلقنى فى الشقوة الا قلة عقلى فلو سمعت أو عقلت ما غزوتكم فقال الملك
صديقة الحمد لله رب العالمين الذى كفاناكم بما شاء ان ربنا لم يبقك ومن معك
للكرامة بك ولكنه انما أبقاك ومن معك لتزداد واشقوة فى الدنيا وعذابا فى
الآخرة ولتخبروا من وراءكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذروا من بعدكم
ولولا ذلك لقتلتك ومن معك ولد مك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو
قتلت* ثم ان ملك بنى اسرائيل أمر أمير حرسه أن يقذف فى رقابهم الجوامع ففعل
وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وايليا وكان يرزقهم فى كل يوم خبزتين
من شعير فقال سنجاريب للملك صديقة القتل خير مما يفعل بنا فأمر بهم الى
السجن فأوحى الله الى شعيا النبىّ ان قل لملك بنى اسرائيل يرسل سنجاريب ومن
معه لينذروا من وراءهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ ذلك شعيا
للملك ففعل فخرج سنجاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمعوا الناس
فأخبروهم كيف فعل الله تعالى بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد
كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحى الله الى نبيهم فلم تطعنا وهى أمة
لا يستطيعها أحد مع ربهم وكان أمر سنجاريب تخويفا لبنى اسرائيل ثم كفاهم
الله تعالى ذلك تذكرة وعبرة ثم ان سنجاريب لبث بعد ذلك سبع سنين ثم مات
واستخلف على ملكه ابن ابنه بخت نصر فعمل بعمله وقضى بقضائه فلبث سبع عشرة
سنة* ثم قبض الله ملك بنى اسرائيل صديقة فخرج أمراء بنى اسرائيل فتنافسوا
فى الملك حتى قتل بعضهم بعضا وشعيا نبيهم معهم لا يقبلون منه فلما فعلوا
ذلك قال الله لشعيا قم فى قومك أوح على لسانك ولما قام أنطق الله لسانه
بالوحى وألهمه فى الوقت خطبة بليغة بين لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية
ووعظهم وناصحهم وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر وبشر فيها بنبينا محمد
صلّى الله عليه وسلم وبين سيرته وسيرة أمته ولما فرغ من مقالته عدوا عليه
ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة
(1/174)
فانغلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان فأخذ
هدبة من ثوبه فأراهم اياها فوضعوا المنشار فى وسطها فنشروها حتى قطعوها
وقطعوه فى وسطها ومثل هذا منقول فى قتل زكريا أيضا كما سيجىء واستخلف الله
على بنى اسرائيل بعد ذلك رجلا يقال له ناشية بن أموص وبعث لهم أرميا بن
حلقيا نبيا وكان من سبط هارون بن عمران وذكر ابن اسحاق انه الخضر واسمه
ارميا سمى الخضر لانه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهى تهتز خضراء فبعث
الله أرميا الى ذلك الملك يسدّده ويرشده ثم عظمت الاحداث فى بنى اسرائيل
وركبوا المعاصى واستحلوا المحارم فأوحى الله الى أرميا أن ائت قومك من بنى
اسرائيل فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتى وعرّفهم باحداثهم فقال أرميا
انى ضعيف ان لم تقوّنى عاجز ان لم تبلغنى مخذول ان لم تنصرنى* قال الله
تعالى أولم تعلم أن الامور كلها تصدر عن مشيئتى وان القلوب والالسنة بيدى
أقلبها كيف شئت انى معك ولن يصل اليك شىء وانا معك فقام أرميا ولم يدر ما
يقول فألهمه الله عز وجل فى الوقت خطبة بليغة بين لهم فيها ثواب الطاعة
وعقاب المعصية وقال فى آخرها عن الله عز وجل وانى جلفت بعزتى لا قضين لهم
فتنة يتحير فيها الحليم ولا سلطنّ عليهم جبارا قاسيا ألبسه الهيبة وأنزع من
صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم* ثم أوحى الله الى أرميا انى
مهلك بنى اسرائيل بيافث ويافث أهل بابل فسلط عليهم بخت نصر فخرج فى ستمائة
ألف راية ودخل بيت المقدس وأمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم
يقذفه فى بيت المقدس ففعلوا حتى ملؤه ثم أمرهم أن يجمعوا من فى بلدان بيت
المقدس كلهم فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بنى اسرائيل فاختار منهم سبعين
ألف صبى فلما خرجت غنائم جنده وأراد أن يقسمها فيهم قالت له الملوك الذين
كانوا معه أيها الملك لك غنائمنا كلها واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين
اخترتهم من بنى اسرائيل فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فأصاب كل رجل
منهم أربعة غلمة وفرّق من بقى من بنى اسرائيل ثلاث فرق ثلثا أقرّ بالشام
وثلثا سبى وثلثا قتل وذهب بابنه بيت المقدس وبالصبيان السبعين ألف حتى قدم
بابل وكانت هذه الوقعة الاولى التى أنزل الله عز وجل ببنى اسرائيل بظلمهم
فذلك قوله تعالى فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد
يعنى بخت نصر وأصحابه* ثم ان بخت نصر اقام فى سلطانه ما شاء الله ثم رأى
رؤيا عجيبة اذ رأى شيئا أصابه فأنساه الذى رأى وسألهم عنها فدعا دانيال
وحنانيا وعزاريا وميشائل وكانوا من ذرارى الانبياء وسألهم عنها فقالوا
أخبرنا بها نخبرك بتأويلها قال ما أذكرها ولئن لم تخبرونى بها وبتأويلها
لانزعنّ أكتافكم فخرجوا من عنده فدعوا الله وتضرّعوا اليه فأعلمهم الله
الذى سألهم عنه فجاؤه فقالوا رأيت تمثالا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه
وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من ذهب ورأسه وعنقه من حديد قال صدقتم
قال فبينما تنظر اليه وقد أعجبك أرسل الله صخرة من السماء فدقته فهى التى
أنستكها قال صدقتم فما تأويلها قالوا تأويلها انك أريت ملك الملوك بعضهم
كان ألين ملكا وبعضهم كان أحسن ملكا وبعضهم كان أشدّ ملكا الفخار أضعفه ثم
فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلك وأفضل والذهب أحسن من
الفضة وأفضل ثم الحديد ملكك فهو أشدّ واعز مما كان قبله والصخرة التى رأيت
أرسل الله من السماء فدقته نبى يبعثه الله من السماء فيدق ذلك اجمع ويصير
الامر اليه ثم ان أهل بابل قالوا البخت نصر أرايت هؤلاء الغلمان من بنى
اسرائيل الذى سألناك أن تعطيناهم ففعلت فانا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا
معنا لقد رأينا نساءنا انصرفت وجوههم عنا اليهم فأخرجهم من بين اظهرنا أو
اقتلهم فقال شأنكم بهم فمن احب ان يقتل من كان فى يده فليفعل فلما قربوهم
للقتل بكوا وتضرّعوا الى الله عز وجل وقالوا يا ربنا أصابنا البلاء بذنوب
غيرنا فوعدهم ان يحييهم فقتلوا الا من كان منهم مع بخت نصر منهم دانيال
(1/175)
وحنانيا وعزاريا وميشائل* ثم لما أراد الله
تعالى هلاك بخت نصر انبعث فقال لمن فى يديه من بنى اسرائيل أرأيتم هذا
البيت الذى اخربت والناس الذين قتلت من هم وما هذا البيت قالوا هذا بيت
الله وهؤلاء أهله كانوا من ذرارى الانبياء فظلموا وتعدّوا قسلطت عليهم
بذنوبهم وكان ربهم رب السموات والارض ورب الخلائق كلهم يكرمهم ويعزهم فلما
فعلوا ما فعلوا أهلكهم الله وسلط عليهم غيرهم فاستكبر بخت نصر وتجبر وظنّ
أنه بجبروته فعل ذلك ببنى اسرائيل* قال فأخبرونى كيف لى أن أطلع الى السماء
العليا فأقتل من فيها واتخذها ملكا فانى قد فرغت من أهل الارض قالوا ما
يقدر عليها أحد من الخلائق قال لتفعلنّ أولا قتلنكم عن آخركم فبكوا
وتضرّعوا الى الله عز وجل فبعث الله عز وجل بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتى
عضت امّ دماغه فما كان يقرّ ولا يسكن حتى يوجأ له رأسه على امّ دماغه فلما
مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على امّ رأسه ليرى الله العباد قدرته
ونجى الله من بقى من بنى اسرائيل فى يده وردّهم الى الشام فبنوا فيه وكثروا
حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه ويزعمون ان الله تعالى احيا أولئك الذين
قتلوا فلحقوا بهم ثم انهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم من الله عهد
كانت التوراة قد احترقت وكان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل فلما رجع
الى الشام جعل يبكى ليله ونهاره وخرج عن الناس فبينا هو كذلك اذ جاء رجل
فقال له يا عزير ما يبكيك قال أبكى على كتاب الله وعهده الذى كان بين
أظهرنا الذى لا يصلح ديننا وآخرتنا غيره قال افتحب أن يردّ اليك ارجع فصم
وتطهر وطهر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا فرجع عزير فصام وتطهر وطهر ثيابه
ثم عمد الى المكان الذى وعده فجلس فيه فأتى ذلك الرجل باناء فيه ماء وكان
ملكا بعثه الله اليه فسقاه الملك من ذلك الاناء فمثلت له التوراة فى صدره
فرجع الى بنى اسرائيل فوضع لهم التوراة فأحبوه حبا لم يحبوا حبه شيئا قط*
ثم قبضه الله تعالى فجعلت بنو اسرائيل بعد ذلك يحدثون الاحداث ويعود الله
عليهم ويبعث فيهم الرسل ففريقا يكذبون وفريقا يقتلون حتى كان آخر من بعث
اليهم من انبيائهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وكانوا من بيت آل داود
فزكريا مات وقيل قتل والمشهور انه نشر بالمنشار وقصدوا عيسى ليقتلوه فرفعه
الله من بين أظهرهم وقتلوا يحيى وسيجىء كيفية قتله فلما فعلوا ذلك بعث الله
عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش فصار اليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم
الشام فلما ظهر عليهم أمر رأسا من رؤساء جنوده يقال له بيور زاذان صاحب
القتل فقال له انى كنت قد حلفت بالهى لئن أنا طفرت على أهل بيت المقدس
لاقتلنهم حتى يسيل الدم فى وسط عسكرى فأمره أن يقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم*
ثم ان بيور زاذان دخل بيت المقدس فقام فى البقعة التى كانوا يقربون فيها
قربانهم فوجد دما يغلى فسألهم عنه فقال يا بنى اسرائيل ما شأن هذا الدم
يغلى أخبرونى خبره فقالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فلذلك يغلى
ولقد قربنا القربان من ثمانمائة سنة فتقبل منا الا هذا فقال ما صدقتمونى
فقالوا لو كان كأوّل زماننا لقبل منا ولكن قد انقطع منا الملك والنبوّة
والوحى فلذلك لم يقبل منا فذبح بيور زاذان منهم على ذلك الدم سبعمائة
وسبعين روحا من رؤسهم فلم يهدأ الدم فأمر بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم
على الدم فلم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم
يهدأ* فلما رأى بيور زاذان ان الدم لا يهدأ قال لهم يا بنى اسرائيل ويلكم
أصدقونى واصبروا على أمر ربكم فقد طال ما ملكتم فى الارض تفعلون ما شئتم
قبل أن لا أترك منكم نافخ نار من ذكر ولا انثى الا قتلته فلما رأوا الجهد
وشدّته صدقوه الخبر فقالوا ان هذا دم نبىّ كان ينهانا عن امور كثيرة من سخط
الله فلو كنا اطعناه كنا أرشدنا وكان يخبرنا عن امركم فلم نصدقه فقتلناه
فهذا دمه قال لهم بيور زاذان ما كان اسمه قالوا يحيى بن زكريا قال الآن
صدقتمونى لمثل هذا ينتقم ربكم منكم* فلما رأى بيور زاذان
(1/176)
انهم صدقوه خرّ ساجدا وقال لمن حوله أغلقوا
أبواب المدينة وأخرجوا من كان ههنا من جيش خردوش وخلافى بنى اسرائيل ثم قال
يا يحيى بن زكريا يا قد علم ربى وربك ما أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم
فاهدأ باذن ربك قبل أن لا أبقى من قومك أحدا فهدأ الدم باذن الله تعالى
ورفع بيور زاذان عنهم القتل وقال آمنت بما آمنت به بنو اسرائيل وأيقنت انه
لا رب غيره وقال لبنى اسرائيل ان خردوش أمرنى أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم
وسط عسكره وانى لا أستطيع أن اعصيه قالوا له افعل ما أمرت به فأمرهم
فخندقوا خندقا وأمرهم بأموالهم من الخيل والبغال والحمير والابل والبقر
والغنم فذبحها حتى سال الدم فى العسكر وامر بالقتلى الذين قتلوا قبل ذلك
فطرحوا على ما قتلوا من المواشى فلم يظنّ خردوش الا أن ما فى الخندق من
دماء بنى اسرائيل فلما بلغ الدم عسكره ارسل الى بيور زاذان أن ارفع عنهم
القتل ثم انصرف الى بابل وقد أفنى بنى اسرائيل أولاد وهى الوقعة الاخيرة
التى انزل الله ببنى اسرائيل فى قوله لتفسدن فى الارض مرّتين فكانت الوقعة
الاولى بخت نصر وجنوده والاخيرة خردوش وجنوده وكانت اعظم الوقعتين فلم يقم
لهم بعد ذلك راية وانتقل الملك بالشام ونواحيها الى الروم واليونانيين الا
أن بقايا بنى اسرائيل كثير وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على وجه
الملك وكانوا فى نعمة الى أن بدلوا وأحدثوا فسلط الله عليهم ططوس بن
اسبيانوس الرومى فأخرب بلادهم وطردهم منها ونزع الله عنهم الملك والرياسة
وضرب عليهم الذلة فليسوا فى أمة الا وعليهم الصغار والجزية فبقى بيت المقدس
خرابا الى خلافة عمر بن الخطاب فعمره المسلمون بأمره* روى أن زكريا بن
برخيا وعمران بن ماثان كانا متزوّجين بأختين احداهما عند زكريا وهى أشاع
بنت فاقوذ امّ يحيى والاخرى عند عمران وهى حنة بنت فاقوذ امّ مريم امّ
عيسى* وفى العرائس والمختصر أن بنى اسرائيل اتهموا زكريا بمريم فهرب منهم
فدخل من خوفه جوف شجرة فقطعوها بالمنشار وفلقوها به فلقتين طولا ويقال انه
مات موتا وكان زكريا ابن برخيا من ولد سليمان بن داود عليهما السلام* وفى
الكامل لما قتل يحيى عليه السلام وسمع أبوه بقتله فرّ هاربا فدخل بستانا
عند بيت المقدس فيه اشجار فأرسل الملك فى طلبه فمرّ زكريا بشجرة فنادته
الىّ يا نبىّ الله فلما أتاها انشقت فدخلها وانطبقت عليه فبقى فى وسطها
فأتى عدوّ الله ابليس لعنه الله فأخذ هدب ردائه فأخرجه من الشجرة ليصدّقوه
اذا أخبرهم ثم لقى الطلب فقال لهم ما تريدون فقالوا نلتمس زكريا فقال انه
سحر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها فقالوا لا نصدّقك قال انى آتى بعلامة
تصدّقونى بها وأراهم طرف ردائه فقطعوا الشجرّة وشقوها بالمنشار فمات زكريا
فيها*
سبب قتل يحيى عليه السلام
وقيل فى سبب قتل يحيى عليه السلام ان ملك بنى اسرائيل كان يكرمه ويدنى
مجلسه وان الملك هوى بنت امرأته وقال ابن عباس ابنة أخيه فسأل يحيى تزويجها
فنهاه عن نكاحها فبلغ ذلك أمها فحقدت على يحيى وعمدت حين جلس الملك على
شرابه فألبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستها الحلى وأرسلتها الى
الملك وأمرتها أن تسقيه فان رادوها عن نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته
فاذا أعطاها ما سألت سألت رأس يحيى بن زكريا أن يؤتى به فى طست ففعلت فلما
راودها قالت لا أفعل حتى تعطينى ما أسألك قال فما تسألينى قالت رأس يحيى بن
زكريا فى هذا الطست فقال ويحك سلينى غير هذا قالت ما اريد غير هذا فلما أبت
عليه بعث فأتى برأسه حتى وضع بين يديه والرأس تتكلم تقول لا يحل لك فلما
أصبح اذا دمه يغلى فأمر بتراب فألقى عليه فرقى الدم يغلى فلا زال يلقى عليه
التراب وهو يغلى حتى بلغ سور المدينة وهو فى ذلك يغلى ويرقى فسلط الله
عليهم ملك بابل خردوش فخرب بيت المقدس وقتل سبعين ألفا حتى سكن هكذا ذكر فى
لباب التأويل واما فى غيره فقد ذكر وجه آخر فى قتله وذكر بعض احواله وجاء
فى الخبر ان الشمس بكت على يحيى عليه السلام اربعين صباحا وكان بكاؤها ان
طلعت حمراء وغربت حمراء
(1/177)
ويروى أن يحيى بن زكريا سيد الشهداء يوم
القيامة وقائدهم الى الجنة وذابح الموت يوم القيامة* وفى الفتوحات قال
الشارع وهو الصادق صاحب العلم الصحيح والكشف الصريح ان الموت يجاء به يوم
القيامة فى صورة كبش أملح يعرفه الناس ولا ينكره أحد فيذبح بين الجنة
والنار وروى أن يحيى عليه السلام هو الذى يضجعه ويذبحه بشفرة تكون فى يده
والناس ينظرون اليه* وفى معالم التنزيل ذكر وهب بن منبه ان الله مسخ بخت
نصر نسرا فى الطير ثم مسخه ثورا فى الدواب ثم مسخه أسدا فى الوحوش وكان
مسخه الله سبع سنين وقلبه فى ذلك قلب انسان ثم ردّ الله اليه ملكه فآمن
فسئل وهب أكان بخت نصر مؤمنا قال وجدت أهل الكتاب اختلفوا فيه فمنهم من قال
مات مؤمنا ومنهم من قال احرق بيت المقدس وكتبه وقتل الانبياء فغضب الله
عليه فلم يقبل توبته وذكر السدّى هلاك بخت نصر بوجه آخر غير ما ذكر من
اهلاك البعوضة فقال لما رجع الى صورته بعد المسخ وردّ الله اليه ملكه كان
دانيال وأصحابه أكرم الناس فحسدهم المجوس وقالوا لبخت نصر ان دانيال اذا
شرب خمرا لم يملك نفسه أن يبول وكان ذلك عارا عندهم فجعل لهم طعاما وشرابا
فأكلوا وشربوا وقال للبوّاب انظر أوّل من يخرج يبول فاضربه بالطير زين فان
قال لك أنا بخت نصر فقل له كذبت بخت نصر أمرنى فكان أوّل من قام للبول بخت
نصر فلما رآه البوّاب شدّ عليه فقال أنا بخت نصر فقال كذبت بخت نصر أمرنى
فضربه فقتله*
نقش خاتم دانيال
وفى نهاية الكفاية فى شرح الهداية كان على خاتم دانيال صورة أسد ولبوة بوزن
سمرة وهى انثى الاسد وبينهما صبى يلحسانه فلما نظر اليه عمر اغر ورقت عيناه
أى دمعتا وأصل ذلك ان بخت نصر حيث استولى أخبر أن بعض ما يولد فى زمانك
يقتلك فكان يتتبع قتل الصبيان فيقتلهم فلما ولد دانيال ألقته أمه فى غيضة
رجاء أن ينجو من القتل فقيض الله تعالى له اسدا يحفظه ولبوة ترضعه وهما
يلحسانه فأراد دانيال بهذا النقش على خاتمه أن يحفظ منة الله عليه* وفى
حياة الحيوان قالوا قبر دانيال بنهر السوس ووجده أبو موسى الاشعرى فأخرجه
وكفنه وصلّى عليه ثم قبره بنهر السوس وأجرى عليه الماء* وعن أبى الزناد أنه
قال رأيت فى يد أبى بردة بن أبى موسى الاشعرى خاتما نقش فصه أسدان بينهما
رجل وهما يلحسانه قال أبو بردة هذا خاتم دانيال أخذه أبو موسى الاشعرى حين
وجده يوم دفنه
*
(ذكر ظهور زمزم فى زمن عبد المطلب ثانيا)
* وكانت مدفونة بعد جرهم زها خمسمائة سنة لا يعرف مكانها كما يجىء* وفى
سيرة مغلطاى سميت زمزم بذلك لانها زمت بالتراب أو لزمزمة الماء فيها* وفى
سيرة ابن هشام وهى دفن بين صنمى قريش اساف ونائلة عند منحر قريش كانت جرهم
دفنتها حين ظعنوا من مكة وهى بئر اسماعيل بن ابراهيم التى سقاه الله حين
ظمئ وهو صغير فالتمست له أمه ماء فلم تجده فقامت على الصفا تدعو الله
وتستسقيه لاسماعيل ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك وبعث الله جبريل فهمزها
بعقبه فى الارض فظهر الماء وسمعت أمه أصوات السباع فخافت عليه فأقبلت تشتدّ
نحوه فوجدته يفحص بيديه عن الماء تحت خدّه ويشرب فجعلته حبسا كما مرّ فى
ابتداء ظهور زمزم* وفى المواهب اللدنية أن الجرهمى عمرو بن الحارث لما أحدث
قومه بحرم الله الحوادث قيض الله لهم من أخرجهم من مكة فعمد عمرو الى نفائس
فجعلها فى زمزم وبالغ فى طمها وفرّ الى اليمن بقومه فلم تزل زمزم من ذلك
العهد مجهولة الى ان رفعت الحجب برؤيا منام رآها عبد المطلب دلته على حفرها
بامارات عليها قال ابن هشام فى سيرته حدّثنا زياد بن عبد الله البكائى عن
محمد بن اسحاق المطلبى قال بينما عبد المطلب بن هاشم نائم فى الحجر اذ أتى
فأمر بحفر زمزم* وفى رواية ان زمزم بقيت منطمسة بعد جرهم زها خمسمائة سنة
لا يعرف مكانها الى أن بلغت نوبة حكومة مكة ورياسة أهلها عبد المطلب وتعلقت
ارادة الله القديمة باظهارها فأمر عبد المطلب فى المنام بحفرها* وفى سيرة
ابن هشام كان
(1/178)
أوّل ما بدأ به عبد المطلب من حفرها كما
روى عن عبد الله بن زريق الغافقى أنه سمع علىّ بن أبى طالب يحدث حديث زمزم
حين أمر عبد المطلب بحفرها* قال قال عبد المطلب انى لنائم فى الحجر اذ
أتانى آت فقال احفر طيبة قلت وما طيبة قال قال ثم ذهب عنى فلما كان الغد
رجعت الى مضجعى فنمت فيه فجاءنى فقال احفر برة قلت وما برة ثم ذهب عنى فلما
كان الغد رجعت الى مضجعى فنمت فيه فجاءنى فقال احفر المضنونة قلت وما
المضنونة ثم ذهب عنى فلما كان الغد رجعت الى مضجعى فنمت فيه فجاءنى فقال
احفر زمزم قال قلت وما زمزم قال لا تنزف أبدا ولا تذم تسقى الحجيج الاعظم
وهى بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الاعصم عند قرية النمل وكذا أورده ابن
الجورى فى الحقائق الا انه لم يذكر عند قرية النمل وزاد بعد نقرة الغراب
الاعصم قوله وهى شرف لك ولولدك وكان غراب أعصم لا يبرح عند الذبائح مكان
الفرث والدم* قال ابن اسحاق فلما بين له شأنها ودل على موضعها وعرف أنه قد
صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره فجعل
يحفر ثلاثة أيام حتى بدا له كذا فى الحقائق فلما بدا لعبد المطلب الطى كبر
وقال هذا لطوى اسماعيل فعرفت قريش انه قد أدرك حاجته فقاموا اليه فقالوا يا
عبد المطلب انها بئرأ بينا اسماعيل وان لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها قال
ما أنا بفاعل ان هذا الامر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم قالوا له
فأنصفنا فانا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها قال فاجعلوا بينى وبينكم من شئتم
أحاكمكم اليه قالوا كاهنة بنى سعد بن هذيم قال نعم وكانت باشراف الشام فركب
عبد المطلب ومعه نفر من بنى أمية من بنى عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش
نفر قال والارض اذ ذاك مفازة فخرجوا حتى اذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين
الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة
فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا انا بمفازة نخشى على
أنفسنا مثل ما أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوّف على
نفسه وأصحابه قال فماذا ترون قالوا ما رأينا الا تبع لرأيك فمرنا بما شئت
قال فانى أرى أن يحفر كل رجل منكم حفيرة لنفسه بما بكم الآن من القوّة
فكلما مات رجل دفنه أصحابه فى حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلا واحدا
فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا قالوا نعم ما أمرت به فقام كل رجل
منهم فخفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا ثم ان عبد المطلب قال لاصحابه
والله ان القاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب فى الارض ونبتغى لا نفسنا
لعجز فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى اذا فرغوا
ومن معهم من قبائل قريش ينظرون اليهم ما هم فاعلون تقدّم عبد المطلب الى
راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب فكبر عبد
المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملؤا أسقيتهم ثم
دعا القبائل من قريش وقال هلمّ الى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا
فجاؤا فشربوا واستقوا ثم قالوا قدو الله قضى لك علينا يا عبد المطلب والله
لا نخاصمك فى زمزم أبدا ان الذى سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذى سقاك
زمزم فارجع الى سقايتك راشدا فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا الى الكاهنة وخلوا
بينه وبينها* قال ابن اسحاق فهذا الذى بلغنى من حديث على بن أبى طالب رضى
الله عنه فى زمزم وقد سمعت من يحدّث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أمر بحفر
زمزم
ثم ادع بالماء الروا غير الكدر ... تسقى حجيج الله فى كل مبر
ليس يخاف منه شىء ما عمر
فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك الى قريش فقال تعلمون انى قد أمرت أن أحفر
زمزم قالوا فهل بين لك أين هى قال لا قالوا فارجع الى مضجعك الذى رأيت فيه
ما رأيت فان يك حقا من الله يبين لك أين هى وان يكن من الشيطان فلن يعود
اليك فرجع عبد المطلب الى مضجعه فنام فيه فأتى فقيل له احفر
(1/179)
زمزم فانك ان حفرتها لم تندم وهى تراث من
أبيك الاعظم لا تنزف أبدا ولا تذم تسقى الحجيج الاعظم مثل نعام حافل لم يقم
ينذر فيها ناذر لمنعم تكون ميراثا وعقدا محكم ليس كبعض ما قد تعلم وهى بين
الفرث والدم* قال ابن هشام هذا الكلام والكلام الذى قبله فى حديث علىّ فى
حفر زمزم من قوله لا تنزف أبدا ولا تذم الى قريه عند قرية النمل عندنا سجع
وليس بشعر* قال ابن اسحاق فزعموا انه حين قيل له ذلك قال وأين هى قيل له
عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غدا فالله أعلم أىّ ذلك كان* وفى بعض الكتب
فرأى فى المنام يقال له زمزم وما زمزم هزمة جبريل برجله وسقيا اسماعيل
وأهله زمزم البركات تروى الرماق الواردات شفاء سقام وخير طعام وأرى مرّة
اخرى قيل له احفر تكتم بين الفرث والدم وعند نقر الغراب الاعصم وفى قرية
النمل مستقبل الاصنام الحمر وفى القاموس تكتم على ما لم يسم فاعله اسم بئر
زمزم كمكتوم وفى الحديث الغراب الاعصم الذى احدى رجليه بيضاء رواه ابن أبى
شيبة وقيل أحمر المنقار والرجلين رواه الحاكم فى مستدركه وفى الاحياء
الاعصم أبيض البطن وقال غيره أبيض الجناحين وقيل أبيض الرجلين كذا فى حياة
الحيوان فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس فى المسجد ينتظر ما سمى له من الآيات
فنحرت بقرة بالحزورة وهى بأسفل مكة سميت باسم أمة لرجل يقال له وكيع بن
سلمة وكان اليه أمر البيت فبنى فيه ضريحا جعل فيه أمة يقال لها خرورة وجعل
فيه سلما يرقاه ويقول بزعمه انه يناجى ربه كذا فى شفاء الغرام فبينما تنحر
البقرة انفلتت منحورة عن جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت فى المسجد فى
موضع زمزم فجزرت فى مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوى حتى وقع فى
الفرث والدم فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب يحفر هناك فجاءت قريش
فقالوا له لم تحفر فى مسجدنا فقال انى لحافر هذه البئر ومجاهد من صدّنى
عنها فطفق يحفر هو وابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فسفه عليهما ناس من
قريش ونازعوهما وقاتلوهما حتى اذا اشتدّ عليه الاذى نذر لئن ولد له عشرة
نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه وسهل الله له حفر زمزم لينحرنّ أحدهم لله عند
الكعبة كذا فى أنوار التنزيل* وعبارة المواهب اللدنية فمنعته قريش من ذلك
قالوا لم تحفر هنالك فآذاه من السفهاء من آذاه واشتدّ بذلك بلواه ومعه ولده
الحارث ولم يكن له ولد سواه فنذر لئن جاءه عشر بنين وصاروا له أعوانا
ليذبحنّ أحدهم لله قربانا فأعان الله عبد المطلب حتى غلب مع ابن واحد على
سائر قريش فامتنعوا عنه* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فغدا عبد المطلب
ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر
عندها بين الوثنين اساف ونائله اللذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها فجاء
بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت اليه قريش حين رأوا جدّه وقالوا والله لا
نتركك تحفر بين وثنينا اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب لابنه الحارث
ذدعنى حتى أحفر فو الله لا مضين لما أمرت به فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا
بينه وبين الحفر وكفوا عنه فلم يحفر الا يسيرا حتى بداله الطى فكبر وعرف
أنه قد صدق فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان
اللذان دفنتهما جرهم فيها حين خرجت من مكة ووجدت فيها أسيافا قلعية وأدراعا
فقالت له قريش يا عبد المطلب لنا معك فى هذا شرك وحق قال لا ولكن هلم الىّ
أمر نصف بينى وبينكم نضرب عليها بالقداح قالوا وكيف تصنع قال أجعل للكعبة
قد حين ولى قد حين ولكم قد حين فمن خرج قدحاه على شىء كان له ومن تخلف
قدحاه فلا شىء له قالوا أنصفت فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقد حين أسودين
لعبد المطلب وقد حين أبيضين لقريش ثم اعطوها صاحب القداح الذى يضرب بها عند
هبل وهبل صنم فى جوف الكعبة على بئر وكانت تلك البئر هى التى يجمع فيها ما
يهدى للكعبة وكان أعظم أصنامهم وهو الذى يعنى أبو سفيان بن حرب يوم
(1/180)
أحد حين قال اعل هبل أى ظهر دينك وقام عبد
المطلب يدعو الله وضرب صاحب القداح فخرج الاصفران على الغزالين للكعبة وخرج
الاسودان على الاسياف والادراع لعبد المطلب وتخلف قدحا قريش فضرب عبد
المطلب الاسياف بابا للكعبة وضرب فى الباب الغزالين من ذهب فكان أوّل ذهب
حليته الكعبة فيما يزعمون* وفى شفاء الغرام أوّل من علق المعاليق بالكعبة
فى الجاهلية على ما قيل عبد المطلب علقها بالغزالين من الذهب اللذين وجدهما
فى زمزم حين حفرها وكانا معلقين مدّة حتى سرقوهما*
سرقة الغزالين من الكعبة
وقصته أن جماعة من قريش كانوا فى ليلة من الليالى يشربون الخمر وفيهم أبو
لهب ومعهم القيان ولما فنيت أسباب طربهم عمدوا الى باب الكعبة وسرقوا
الغزالين وباعوهما من تجار قدموا مكة بالخمر وغيرها واشتروا بثمنهما جميع
ما فى العير من الخمر بالمرة واشتغلوا بالطرب واللهو شهرا ولم يدر من سرق
حتى مرّ العباس بن عبد المطلب فى ليلة من الليالى بباب الدار التى تلك
الجماعة فيها فسمع القيان يغتين بقصة سرقة الغزالين من باب الكعبة وبيعهما
من أهل القافلة وأخبر بها العباس قريشا فأخذوهم وضربوهم وقطعوا أيدى بعضهم
ثم ان عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحاج
*
(ذكر بئار قبائل قريش بمكة)
* قال ابن هشام وكانت قريش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمكة فيما حدّثنى
زياد بن عبد الله عن محمد بن اسحاق قال حفر عبد شمس بن عبد مناف الطوى وهى
البئر التى بأعلى مكة عند البيضاء دار محمد بن يوسف الثقفى وحفر هاشم بن
عبد مناف بذر وهى البئر التى عند المستند حطم الخندمة وهى على فم شعب أبى
طالب وزعموا أنه قال حين حفرها لأجعلنها بلاغا للناس قال ابن هشام وقال
الشاعر
سقى الله أمواها عرفت مكانها ... جرابا وملكوما وبذر والغمرا
قال ابن اسحاق وحفر سجلة وهى بئر المطعم بن عدىّ بن نوفل بن عبد مناف التى
يسقون عليها اليوم تزعم بنو نوفل أن المطعم بن عدى ابتاعها من أسد بن هاشم
وتزعم بنو هاشم أنه وهبها له حين ظهرت زمزم فاستغنوا بها عن تلك الآبار
وحفر أمية بن عبد شمس الحفر لنفسه وحفرت بنو أسد بن عبد العزى شفية وهى بئر
بنى أسد وحفرت بنو عبد الدار امّ احزاد وحفرت بنو جمح السنبلة وهى بئر خلف
بن وهب وحفرت بنو سهم الغمر وهى بئر بنى سهم وكانت آبار حفائر خارجة من مكة
قديمة من عهد مرّة بن كعب بن كلاب بن مرّة وكبراء قريش الاوائل منها يشربون
وهى رم ورم بئر مرّة بن كعب وحم وخم بئر بنى كلاب بن مرّة والحفر* وقال
حذيفة بن غانم أخو بنى عدى بن كعب بن لؤى قال ابن هشام وهو ابن أبى جهم بن
حذيفة
وقد ما غنينا قيل ذلك حقبة ... ولا نستقى الا بخم أو الحفر
قال ابن اسحاق فعفت زمزم على البئار التى كانت قبلها يستقى عليها الحاج
وانصرف الناس اليها لمكانها من المسجد الحرام ولفضلها على ما سواها من
المياه ولانها بئر اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام وافتخرت بها بنو عبد
مناف على قريش كلها وعلى سائر العرب* وفى البحر العميق فلم يزل هاشم ابن
عبد مناف يسقى الحاج حتى توفى فقام بأمر السقاية بعده عبد المطلب بن هاشم
فلم يزل كذلك حتى حفر زمزم فعفت على آبار مكة فكان منها شرب الحاج وكانت
لعبد المطلب ابل كثيرة اذا كان الموسم جمعها ثم سقى لبنها بالعسل فى حوض من
أدم عند زمزم ويشترى الزبيب فينبذه بماء زمزم ويسقيه الحاج ليكسر غلظ ماء
زمزم وكانت اذ ذاك غليظة جدّا وكان للناس اذ ذاك فى بيوتهم أسقية فيها
الماء من هذه الآبار ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر لتكسر عنهم غلظ
ماء آبار مكة وكان الماء العذب بمكة عزيزا لا يوجد الا لإنسان يستعذب له من
بئر ميمون خارج مكة فلبث عبد المطلب يسقى الناس حتى توفى
(1/181)
فقام بأمر السقاية بعده العباس بن عبد المطلب فلم تزل فى يده وكان للعباس
كرم بالطائف وكان يحمل ربيبه اليها وكان يداين أهل الطائف ويقتضى منهم
الزبيب فينبذ ذلك كله ويسقيه الحاج أيام الموسم فدخل رسول الله صلّى الله
عليه وسلم مكة يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من
عثمان بن طلحة ثم ردّهما عليهما وسيجىء فى الموطن الثامن فى فتح مكة ان شاء
الله تعالى
* |