تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس

* (الباب الثانى فى الحوادث من السنة الثانية عشر الى السنة الرابعة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم
من ارتحال أبى طالب معه الى الشام وذكر رعيه الغنم والفجار الثانى وعزم الزبير ابن عبد المطلب أو العباس لسفر اليمن وخلع هرمز من السلطنة وقتل هرمز وتولى كسرى برويز السلطنة والفجار الثانى عند البعض وولادة عمر بن الخطاب وصحبته صلّى الله عليه وسلم مع أبى بكر يريد ان الشام وحلف الفضول وشكايته الى عمه أبى طالب من آت يأتيه منذ ليال وهدم الكعبة وبنائها عند بعض العلماء) *

* خروجه عليه السلام مع أبى طالب الى الشام
ومن حوادث السنة الثانية عشر من مولده عليه السلام ارتحال أبى طالب معه الى الشام* فى حياة الحيوان خرج أبو طالب معه الى الشام وهو ابن اثنتى عشرة سنة* وفى المواهب اللدنية ولما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة خرج مع عمه أبى طالب الى الشام* وقال ابن الاثير فى أسد الغابة انّ أبا طالب سار الى الشام وأخذ معه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان عمره اثنتى عشرة سنة وقيل تسع سنين والاوّل أكثر* وفى الصفوة قال أهل السير والتواريخ لما أتت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام* وفى سيرة مغلطاى وشهر وقيل لعشر خلون من ربيع الاوّل سنة ثلاث عشرة من الفيل ارتحل به أبو طالب الى الشام وكذا فى سيرة اليعمرى فيكون خروجه على هذا فى السنة الثالثة عشر وكان أبو طالب لم يرد أن يذهب به معه لكن لما تهيأ للرحيل وأجمع للسيرهب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال يا عم الى من تكلنى لا أب لى ولا أم فرق له أبو طالب فقال والله لأخرجن به معى ولا يفارقنى ولا أفارقه أبدا فخرج به معه وذلك فى المرة الاولى فسار الركب حتى نزلوا قرية من قرى الشام يقال لها كفر ومنها الى بصرى ستة أميال أو ثمانية وكان يسكنها راهب يقال له بحيرا بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية آخره راء مقصورة قاله الذهبى رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل البعث وآمن به ذكره ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة* وقال السهيلى وقع فى سيرة الزهرى انه كان حبرا من يهودتيما* وفى المسعودى انه كان من عبد القيس واسمه جرجيس ويكون فى صومعة له ولذا اشتهرت تلك القرية بدير بحيرا وكان ذا علم فى النصرانية ولم يزل فى تلك الصومعة راهب من علماء النصارى يصير اليه علمهم عن كتاب يدرسونه فيما يزعمون يتوارثونها كابرا عن كابر فلما نزلوا ببحير انزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مرّوا به ولا يكلمهم بحيرا حتى اذا كان ذلك العام ونزلوه صنع لهم طعاما ثم دعاهم وانما حمله على دعائهم انه رأى حين طلعوا على تلك الاماكن غمامة تظل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة ثم نظر الى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة وأخصت أغصان تلك الشجرة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم حين استظل تحتها فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بالطعام فأرسل اليهم فقال صنعت لكم طعاما يا معشر قريش

(1/257)


وأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا يتخلف منكم صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد فانّ هذا شىء تكرموننى به فقال رجل ان لك لشأنا يا بحيرا ما كنت تصنع بنا هذا قبل فما شأنك اليوم فقال انى أحببت أن أكرمكم فلكم حق علىّ فاجتمعوا اليه وتخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين القوم فى رحالهم تحت الشجرة لحداثة سنه اذ ليس فى القوم أصغر منه فلما نظر بحيرا الى القوم ولم ير الصفة التى يعرفها ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها متخلفة فوق الشجرة على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا معشر قريش فلا يتخلفن أحد منكم عن طعامى قالوا ما تخلف أحد الاغلام هو أحدث القوم سنا فى الرحال فقال ادعوه فليحضر طعامى فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد منكم مع انى أراه من أنفسكم فقال القوم هو والله من أوسطنا نسبا وهو ابن أخى هذا الرجل يعنون أبا طالب وهو من ولد عبد المطلب فقام الحارث بن عبد المطلب فقال والله ان كان من اللؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ثم احتضنه الحارث وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا وينظر الى أشياء فى جسده قد كان يجدها عنده فى صفته فلما تفرّقوا عن الطعام قام اليه الراهب فقال يا غلام أسألك بحق اللات والعزى الا أخبرتنى عما أسألك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تسألنى باللات والعزى فو الله ما أبغضت شيئا بغضهما قال بالله الا أخبرتنى عما أسألك عنه قال سلنى عما بدالك فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده ثم جعل ينظر بين عينيه ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوّة بين كتفيه على الصفة التى عنده فقبل موضع الخاتم قالت قريش ان لمحمد عند الراهب لقدرا وجعل أبو طالب يخاف على ابن أخيه لما يرى من الراهب قال الراهب لابى طالب ما هذا الغلام منك قال ابنى قال ما هو ابنك وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا قال ابن أخى قال فما فعل أبوه قال هلك وأمّه حبلى قال فما فعلت أمّه قال توفيت قريبا قال صدقت ارجع بابن أخيك الى بلده واحذر عليه اليهود فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنّ قتله فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده فى كتبنا وما روينا عن آبائنا واعلم انى قد أدّيت اليك النصيحة فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا وكان رجال من اليهود قد رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا الى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهى وقال لهم أتجدون صفته قالوا نعم قال فما لكم اليه سبيل فصدّقوه وتركوه ورجع أبو طالب الى مكة سالما فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه كذا فى المنتقى* وفى المشكاة عن أبى موسى قال خرج أبو طالب الى الشام وخرج معه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم وهبط اليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرّون به فلا يخرج اليهم قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه رحمة للعالمين فقال له أشياخ قريش ما علمك فقال انكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر الا خرّ ساجدا ولا يسجدان الا لنبىّ وانى أعرفه بخاتم النبوّة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع وصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو فى رعية الابل فقال ارسلوا اليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوا الى فىء شجرة فلما جلس مال فىء الشجرة عليه فقال انظروا الى فىء الشجرة مال عليه فقال أنشدكم بالله أيكم وليه قالوا ابو طالب فلم يزل يناشده حتى ردّه أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوّده الراهب من الكعك والزيت رواه الترمذى* وفى حياة الحيوان قال الحافظ الدمياطى وفى الحديث وهم فى قوله بعث

(1/258)


معه أبو بكر بلالا اذ لم يكونا معه ولم يكن بلال أسلم ولا ملكه أبو بكر بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشر سنين ولم يملك أبو بكر بلالا الا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعفه الذهبى* قال ابن حجر رجال هذا الحديث ثقات وليس فيه منكر سوى قوله وبعث معه أبو بكر بلالا فيحمل على انه مدرج فيه مقتطعة من حدى آخر وهما من أحد رواته* وفى المواهب اللدنية قال الذهبى فى تجريد الصحابة انّ بحيرا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل البعث وآمن به وذكره ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة وهذا كما سبق يبتنى على تعريفهم الصحابة بمن رآه صلّى الله عليه وسلم وهل المراد حال النبوّة أو أعم من ذلك حتى يدخل فيه من رآه قبل النبوّة ومات قبلها على دين الحنيفية وهو محل نظر*

(ذكر رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم)
* فى الصفوة عن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ما بعث الله نبيا الارعى الغنم فقال أصحابه وأنت قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة انفرد باخراجه البخارى وقد رواه سعيد بن أبى أحيحة فقال فيه كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط* قال سويد بن سعيد يعنى كل شاة بقيراط* وقال الجريرى القراريط موضع ولم يرد بذلك القراريط من الفضة وذكر مغلطاى رعيه الغنم فى سيرته فى سنة عشرين وقال كان يرعى غنم أهله بأجياد على قراريط
*

ولادة عمر رضى الله عنه
وفى السنة الثالثة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم ولد عمر بن الخطاب وفى الاستيعاب ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة* وروى أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه قال سمعت عمر يقول ولدت قبل الفجار الاعظم بأربع سنين* وفى بعض الكتب أورد ولادة عمر فى سنة احدى وعشرين من مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكذا يفهم من كلام صاحب الصفوة*

حرب الفجار الآخر
ومن حوادث السنة الرابعة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم الفجار الآخر* قال ابن هشام لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عيلان وهو من أعظم أيام العرب وكان الذى أهاجها ان عروة الرحال بن عتيبة بن ربيعة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أجار لطيمة للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس أحد بنى ضمرة بن بكر بن عبد منات بن كنانة أتجيرها على كنانة قال نعم وعلى الخلق فخرج عروة الرحال وخرج البراض يطلب غفلته حتى اذا كان بتيمن ذى ظلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله فى الشهر الحرام فلذلك سمى الفجار فأتى آت قريشا فقال انّ البراض قد قتل عروة وهو فى الشهر الحرام بعكاظ فارتحلوا وهوازن لا تشعر ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم فاقتتلوا حتى جاء الليل ودخلوا الحرم فأمسكت عنهم هوازن ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما عديدة والقوم يتساندون وعلى كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم وشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعض أيامهم وهو يوم النخلة وهو من أعظم أيام الفجار وكذا فى أسد الغابة لابن الاثير أخرجه أعمامه معهم وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كنت أنبل على أعمامى يوم الفجار اى كنت أناولهم النبل وأردّ عليهم نبل عدوّهم اذا رموهم بها ويحفظ متاعهم وكان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ أربع عشرة سنة ويقال عشرين سنة كذا فى دلائل النبوّة* قال ابن اسحاق هاجت حرب الفجار ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة وقد حضره ورمى فيه مع أعمامه بأسهمهم وانما سمى حرب الفجار بما استحل هذان الحيان يعنى كنانة وقيس عيلان فيه من المحارم بينهم وكان قائد قريش وكنانة حرب بن أمية بن عبد شمس فكان الظفر فى أوّل النهار لقيس على كنانة حتى اذا كان وسط النهار كانت الظفر لكنانة على قيس* قال ابن اسحاق كان الفجار الآخر بعد الفيل بعشرين سنة فلم يكن فى الحرب يوم أعظم ولا أذهب ذكرا فى الناس منه وقع بين

(1/259)


قريش والفها من كنانة وبين قيس عيلان فالتقوا بعكاظ كذا فى شفاء الغرام وقيل انه شهد يوم شمطة أيضا وهو من أعظم أيام الفجار وكانت الهزيمة فيه على قريش وهذا ليس بشئ كذا فى أسد الغابة* وفى السنة الخامسة عشر من مولده عليه السلام ولد أبو طلحة الانصارى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن حوادث السنة السادسة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم عزم الزبير بن عبد المطلب أو العباس لسفر اليمن للتجارة ولما تهيأ لذلك التمس من أبى طالب أن يبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم معه رجاء أن يناله من بركته فبعثه أبو طالب مع عمه الى اليمن ورأى منه فى الطريق كثيرا من الخوارق كذا فى روضة الاحباب* وفى السنة السابعة عشر ولد حاطب بن أبى بلتعة* ومن حوادث هذه السنة انه وثب العظماء والاشراف بالمدائن وخلعوا هرمز لظلمه وسملوا عينيه وتركوه* وفى السنة الثامنة عشر ولد خباب بن الارت ومحمد بن مسلمة الانصارى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن حوادث السنة التاسعة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم قتل هرمز الظالم بن أنوشروان العادل بعد خلعه وكانت ولاية هرمز احدى عشرة سنة وسبعة أشهر وعشرة أيام وقيل اثنتى عشرة سنة*

ولاية كسرى برويز
وفى هذه السنة تولى الملك كسرى برويز بن هرمز بن أنوشروان بن قباد من الملوك الساسانية وهم أحد وثلاثون ملكا ومدّة ملكهم خمسمائة وسبع وعشرون سنة ومعنى برويز بالعربية المظفر والفرس يسمونه خسرو* ولما تقر ملكه قتل الذين قتلوا أباه هرمز والغرس بالغوا فى ملكه وسلطنته لكن الرواية المعتمد عليها مثل رواية حمزة الاصبهانى وغيره انها كانت له احدى عشرة ألف جوار من المطربة والخدمة وستة آلاف خادم وحارس وعشرين ألفا وخمسمائة من الافراس البراذن والعربية والزومية وبغال الركوب وتسعمائة وستين فيلافى حضرته سوى التى كانت فى البلاد والامصار وأطراف مملكته* وفى حياة الحيوان ان كسرى برويز كان له خمسون ألف دابة واثنا عشر ألف زوجة وقيل ثلاثة آلاف امرأة وحين يركب كان يمشى معه مائتا ألف انسان معهم المجامر والمعاطر يشم منها الروائح الطيبة والمشمومات العبقة وكان له ألف ممن يحملون الماء مع دوابهم معدين لرش الماء فى طرقه لاطفاء الغبار وكان رجلا حسن الوجه حسن الشمائل شجاعا ذا قوّة بدنية وشهوانية وكانت له قطعة ذهب لين قابل للتشكل بأشكال مختلفة كالشمعة يصنع منها ما يريد من الاشكال من غير مساس النار وكانت له قصعة اذا شرب ماؤها تمتلئ بنفسها من غير أن يملأها أحد وكانت عنده مثال يد وكف من عاج لها خمس أصابع منبسطة وحين ولادة مولود له يلقى ذلك العاج فى الماء فاذا ولد المولود تنقبض أصابع العاج فتعرف ولادته فيخرج المنجم طالع المولود ولا يحتاج الى أن يسأل عن ولادته أحدا قيل فى عهده ولد الفيل بخراسان ولم يكن هناك للفيل ولادة* روى انه أصاب كنزا أتى به الريح وقصته انها وقعت بين كسرى وقيصر مخالفة فقصد كسرى ملكه وسار اليه حتى نزل ساحل البحر فخاف قيصر وحمل خزائن آبائه وأجداده فى السفن فأدّتها الريح الى كسرى ولما مضى من ملكه تسع عشرة أو عشرون سنة نزل الوحى الى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم ولما مضى من النبوّة تسع عشرة سنة كتب اليه النبىّ صلّى الله عليه وسلم ودعاه الى الاسلام فأبى ومزق الكتاب فلما سمع النبىّ عليه السلام بذلك دعا عليه فقال مزق الله ملكه كما مزق كتابى فوقع فى ملكه تزلزل وفتنة فخرج عليه ابنه شيرويه وقتله ومدّة ملكه ثمان وثلاثون سنة وسيجىء فى الموطن السادس فى ارسال الرسل الى ملوك الاطراف* ومن حوادث سنة عشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم حرب الفجار الثانى عند بعض الرواة فى شوّال وقد سبق ذكره*

صحبة أبى بكر للنبى فى تجارة الى الشام
ومن وقائع هذه السنة ما روى عن ابن عباس ان أبا بكر رضى الله عنهما صحب النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانى عشرة سنة والنبىّ صلّى الله

(1/260)


عليه وسلم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام فى تجارة حتى نزلوا منزلا فيه سدرة فجلس النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ظلها ومضى أبو بكر الى راهب يقال له بحيرا يسأله عن شئ فقال من الرجل الذى فى ظل السدرة قال أبو بكر ذلك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقال بحيرا هو والله نبىّ ما استظلّ تحتها بعد عيسى ابن مريم الا محمد فوقع فى قلب أبى بكر اليقين والتصديق قبل ما نبئ صلّى الله عليه وسلم* وفى المنتقى هذا السفر هو الذى كان مع أبى طالب فان أبا بكر حينئذ كان معه*

ذكر حلف الفضول
وفى هذه السنة وقع حلف الفضول وذلك ان قريشا كانت تتظالم فى الحرم فقام عبد الله بن جدعان والزبير بن عبد المطلب فدعوا الناس الى التحالف على التناصر والاخذ للمظلوم من الظالم فأجابوهما وتحالفوا فى دار ابن جدعان وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهدت حلفا فى دار ابن جدعان ما أحب أنّ لى به حمر النعم ولو دعيت لاجبت فقال قوم من قريش هذا والله فضل من الحلف فسمى حلف الفضول* وقال آخرون تحالفوا على مثال حلف تحالف عليه قوم من جرهم فى هذا الامر أن لا يروا ظلما ببطن مكة الا غيروه وأسماؤهم الفضيل بن شراعة والفضل بن قضاعة والفضل بن بضاعة* قال ابن الجوزى وانما سمى حلف الفضول لانه كان رجال يردّون المظالم يقال لهم فضيل وفضال ومفضل وفضل فلذلك سمى حلف الفضول* وعن حكيم بن حزام أنه قال كان حلف الفضول منصرف قريش من الفجار ورسول الله صلّى الله عليه وسلم حينئذ ابن عشرين سنة وقيل كان الفجار فى شوّال هذه السنة وهذا الحلف فى ذى القعدة وكان أشرف حلف قط*

شكواه عليه السلام الى عمه أبى طالب مما يأتيه
ومن حوادث هذه السنة ما روى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم شكى الى عمه أبى طالب وهو يومئذ ابن عشرين سنة فقال يا عمّ انى منذ ليال يأتينى آت معه صاحبان له فينظرون الىّ ويقولون هو هو ولم يأن له فقد هالنى ذلك فقال يا ابن أخى ليس بشئ حلمت ثم رجع اليه بعد ذلك فقال يا عمّ سطابى الرجل الذى ذكرت لك فأدخل يده فى جوفى حتى انى لأجد بردها فخرج به عمه أبو طالب الى رجل من أهل الكتاب يتطبب بمكة فحدّثه حديثه وقال عالجه فصوّب به الرجل وصعد وكشف عن قدميه ونظر بين كتفيه وقال يا عبد مناف ابنك هذا طيب للخير فيه علامات ان ظفرت به اليهود قتلته وليس المرئى من الشيطان ولكنه من النواميس الذى ينجسون القلوب للنبوّة فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورأى فى منامه أنّ رجلا وضع يده على منكبيه ثم أدخل يده وأخرج قلبه ثم قال طيب فى جسد طيب ثم ردّه فاستيقط* وقال صلّى الله عليه وسلم ثم رأيت وأنا نائم سقف البيت الذى أنا فيه نزعت منه خشبة وأدخل فيه سلم ونزل منه الىّ رجلان فجلس أحدهما جانبا والآخر الى جنبى ثم استخرج قلبى فقال نعم القلب قلبه قلب رجل صالح ونبىّ مبلغ ثم ردّا قلبى مكانه وضلعى فاستيقظت والسقف على حاله* وفى سنة اثنتين وعشرين من مولده عليه السلام ولد ابن مسعود وفى سنة ثلاث وعشرين ولد سعد بن أبى وقاص وفى سنة أربع وعشرين ولد الزبير فيما قاله العقبى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن حوادث السنة الثالثة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم هدم الكعبة وبناؤها فى قول بعض العلماء كما سيجىء