تاريخ
الخميس في أحوال أنفس النفيس (الموطن الرابع فى
حوادث السنة الرابعة من الهجرة
من سرية أبى سلمة الى قطن ووفاته وسرية عبد الله بن أنيس الى عرنة لقتل
سفيان بن خالد وسرية المنذر الى بئر معونة وسرية عاصم وقصة الرجيع وسرية
عمرو بن أمية الضمرى الى مكة لقتل أبى سفيان وغزوة بنى النضير ووفاة زينب
بنت خزيمة وغزوة ذات الرقاع وصلاة الخوف فيها ووفاة عبد الله بن عثمان
وولادة الحسين بن علىّ وتعلم زيد بن ثابت كتاب اليهود وغزوة بدر الصغرى
الموعد وتزوّج أمّ سلمة ورجم اليهوديين ووفاة فاطمة بنت أسد أمّ علىّ
وتحريم الخمر عند البعض) *
(1/449)
* سرية أبى سلمة الى
قطن
وفى هذه السنة لهلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة كانت سرية
أبى سلمة عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم معه
مائة وخمسون رجلا من المهاجرين والانصار لطلب طليحة وسلمة ابنى خويلد
الاسديين الى قطن بفتح أوّله وثانيه جبل بناحية فيد كذا فى المواهب اللدنية
وفى غيره ببلاد بنى أسد على يمينك اذا فارقت الحجاز وأنت صادر من النقرة*
قال ابن اسحاق قطن ماء من مياه بنى أسد بنجد بعث اليه رسول الله صلّى الله
عليه وسلم أبا سلمة بن عبد الاسد فى سرية فقتل مسعود بن عروة كذا فى معجم
ما استعجم روى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى آخر السنة الثالثة أو فى
أوّل السنة الرابعة بعث أبا سلمة بن عبد الاسد المخزومى الى بنى أسد وسببه
انه أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم انّ طليحة وسلمة ابنى خويلد يحرضان
جماة من قومهما ومن تبعهما على قتال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويريدان
اغارة المواشى من أرجاء المدينة وفى رواية جمعوا وتوجهوا الى المدينة ثم
بدا لهم الرجوع فرجعوا الى منازلهم فدعا النبىّ أبا سلمة وعقد له لواء
وأمّره على مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والانصار منهم أبو عبيدة بن
الجراح وسعد بن أبى وقاص وأسيد ابن حضير وأبو نائلة وأبو سبرة بن أبى رهم
الغفارى وعبد الله بن سهل وأرقم بن أبى الارقم وأمر أبا سلمة بالمسير اليهم
والاغارة عليهم بغتة قبل أن يعلموا ويجمعوا الجيش فخرج أبو سلمة من المدينة
ودليله الوليد ابن الزبير الطائى ويسير معتسفا الى أن وصل الى قطن وأغار
على سرحهم ودوابهم وأصابوا ثلاثة أعبد كانوا رعاة وهرب الباقون ولحقوا
بقومهم وأخبروهم بمجىء أبى سلمة وكثرة جيشه فخافوا وهربوا عن منازلهم ثم
نزلها أبو سلمة وأغاروا وجمعوا ما قدروا عليه من الاموال ورجعوا الى
المدينة وأعطى الدليل الطائى ما رضى به من الاموال وعزل من الغنيمة عبد
اللنبى صلّى الله عليه وسلم صفى المغنم ثم خمسها وقسم الباقى على أهل
السرية فبلغ سهم كل واحد منهم سبعة أبعرة وأغناما ومدّة غيبته فى تلك
السرية عشرة أيام وفى هذه السنة توفى أبو سلمة* وفى المواهب اللدنية مات
أبو سلمة سنة أربع وقيل سنة ثلاث من الهجرة انتهى وكان أسلم قبل دخول رسول
الله صلّى الله عليه وسلم دار الارقم وهاجر الى الحبشة الهجرتين ومعه
امرأته أمّ سلمة* قال سهل بن حنيف أوّل من قدم علينا من أصحاب رسول الله
صلّى الله عليه وسلم أبو سلمة وكذا أورد فى المنتقى وانه توفى فى السنة
الرابعة من الهجرة* وقال فى الصفوة شهد بدرا وجرح بأحد فمكث شهرا يداوى
جراحه ثم بعثه رسول الله فى سرية فلما قدم انتقض جرحه ثم توفى سنة ثلاث من
الهجرة فحضره رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأغمضه بيده*
سرية عبد الله بن أنيس الى قتل سفيان بن خالد
وفى هذه السنة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا
من الهجرة بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس وحده الى
قتل سفيان بن خالد بن نبيح الهذلى اللحيانى وفى الاكتفاء خالد بن سفيان
ببطن عرنة وادى عرفة وفى القاموس بطن عرنة كهمزة بعرفات وليس من الموقف*
وفى الاكتفاء وهو بنخلة أو بعرنة يجمع لحرب رسول الله الناس قال عبد الله
بن أنيس دعانى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال انه قد بلغنى ان سفيان
بن نبيح الهذلى يجمع لى الناس قال انك اذا رأيته أدركك الشيطان وآية ما
بينك وبينه انك اذا رأيته وجدت له قشعريرة قال فخرجت متوشحا سيفى حتى دفعت
اليه وهو فى ظعن يرتاد لهنّ منزلا وكان وقت العصر فلما رأيته وجدت ما قال
لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من القشعريرة فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون
بينى وبينه مجادلة تشغلنى عن الصلاة فصليت وأنا أمشى نحوه أومئ برأسى فلما
انتهيت اليه قال من الرجل قلت رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك
لذلك قال أجل أنا فى ذلك قال فمشيت معه شيئا حتى اذا أمكننى حملت عليه
بالسيف فقتلته ثم خرجت وتركت ظعائنه مكيات عليه فلما قدمت على رسول الله
صلّى الله عليه
(1/450)
وسلم فرآنى قال أفلح الوجه قلت قد قتلته يا
رسول الله قال صدقت ثم قام بى وأدخلنى بيته وأعطانى عصا فقال امسك هذه
العصا عندك يا عبد الله بن أنيس قال فخرجت بها على الناس فقالوا ما هذه
العصا قلت أعطانيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمرنى أن أمسكها عندى
قالوا أفلا ترجع اليه فتسأله لم ذلك فرجعت فقلت يا رسول الله لم أعطيتنى
هذه العصا قال آية بينى وبينك يوم القيامة ان أقل الناس المتخصرون يومئذ
فقرنها عبد الله بن أنيس بسيفه فلم تزل معه حتى مات ثم أمر بها فضمت فى
كفنه ثم دفنا جميعا* وفى المواهب اللدنية أوردها فى السنة الرابعة وأوردها
فى الوفاء فى السنة الخامسة بعد غزوة بنى قريظة وأوردها بعض أهل السير بعد
سرية عاصم بن ثابت قال انه يعنى سفيان بن خالد كان سببا لقصة الرجيع وقتل
عاصم وأصحابه فتكون سرية عبد الله بن أنيس بعد الرجيع* وفى بعض السير فلما
قتله أخذ رأسه وكان يسير بالليل ويتوارى بالنهار فدخل غارا فبعث الله
العنكبوت حتى نسجت على فم الغار وأخبر قومه فخرحوا فى طلبه فلم يجدوا
فرجعوا فخرج عبد الله حتى قدم المدينة يوم السبت لسبع بقين من المحرم كذا
فى المواهب اللدنية والوفاء فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أفلح الوجه
قال أفلح الله وجهك يا رسول الله ووضع رأسه بين يديه وكانت مدة غيبته
ثمانية عشر يوما روى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أعطاه مخصرة وقال تخصر
بهذه فى الجنة وكانت المخصرة عنده الى وقت وفاته فلما دنا موته وصى بها
أهله حتى لفوها فى كفنه ودفنوها معه وفى القاموس وذو المخصرة عبد الله بن
أنيس لانّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم أعطاه مخصرة وقال تلقانى بها فى
الجنة والمخصرة كالمكنسة ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه وما يأخذه الملك بيده
يشير به اذا خاطب والخطيب اذا خطب*
سرية المنذر بن عمرو الى بئر معونة
وفى هذه السنة كانت سرية المنذر بن عمرو الى بئر معونة أوّلها فى المحرم
كذا قاله فى الوفاء وقدّمها على سرية الرجيع كما فى المنتقى وأمّا فى
المواهب اللدنية فقدّم سرية الرجيع على بئر معونة كما قاله ابن اسحاق والله
أعلم وأورد كلتاهما فى صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة على رأس
أربعة أشهر من أحد* وفي المواهب اللدنية بئر معونة بفتح الميم وضم المهملة
وسكون الواو بعدها نون موضع ببلاد هذيل بين مكة وعسفان وفى معجم ما استعجم
ماء لبنى عامر بن صعصعة وفى الاكتفاء وهى بين أرض بنى عامر وحرّة بنى سليم
كلا البلدين منها قريب وهى الى حرّة بنى سليم أقرب* وفى الوفاء فى الصحيح
من رواية أنس قال انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم أتاه رعل فزعموا انهم قد
أسلموا واستمدّوه على قومهم فأمدّهم النبىّ بسبعين من الانصار قال أنس كنا
نسميهم القراء وبعث معهم المطلب السلمى ليدلهم على الطريق فانطلقوا بهم حتى
اذا بلغوا بئر معونة غدروا بهم وقتلوهم فقنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وبنى
لحيان* رعل بكسر الراء وسكون المهملة بطن من سليم ينسبون الى رعل بن عوف بن
مالك وذكوان بطن من سليم أيضا ينسبون الى ذكوان بن ثعلبة فنسبت اليها
الغزوة وهذه الغزوة تعرف بسرية القراء وفى رواية لما أخبره جبريل وجد وجدا
شديدا فقنت شهرا وقيل أربعين يوما فى صلاة الغداة وذلك بدء القنوت يدعو على
رعل وذكوان وعصية وسائر القبائل فيقول اللهمّ اشدد وطأتك على مضروا جعل
عليهم ستين كسنى يوسف اللهم عليك ببنى لحيان ورعل وذكوان وعصية فانهم عصوا
الله ورسوله اللهم عليك ببنى لحيان وعضل والقارة وفى بعض الروايات ما يقتضى
انّ الذين استمدّوا لم يظهروا الاسلام بل كان بينهم وبين النبىّ عهد وانهم
غير الذين قتلوا القراء لكنهم من قومهم وهو الذى فى كتب السير وقد بين ابن
اسحاق فى المغازى وكذلك موسى ابن عقبة عن ابن شهاب أسماء الطائفتين وانّ
أصحاب العهد هم بنو عامر ورأسهم أبو براء عامر بن مالك ابن جعفر المعروف
بملاعب الا سنة والطائفة الاخرى من بنى سليم وان عامر بن أخى ملاعب الاسنة
(1/451)
أراد الغدر بأصحاب النبىّ صلّى الله عليه
وسلم فدعا بنى عامر الى قتالهم فامتنعوا وقالوا لا نخفر ذمّة أبى براء
فاستصرخ عليهم عصية وذكوان من بنى سليم فأطاعوه وقتلوهم قالوا ومات أبو
براء بعد ذلك أسفا على ما صنع به عامر بن الطفيل بن أخيه وقيل أسلم أبو
براء عند ذلك وقاتل حتى قتل وعاش عامر بن الطفيل حتى مات كافرا بدعاء
النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصابته غدّة كغدّة البعير ولم يكن القراء
المذكورون كلهم من الانصار بل كان بعضهم من المهاجرين مثل عامر بن فهيرة
مولى أبى بكر الصدّيق ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعى وغيرهما* وفى بعض كتب
السير قصة بئر معونة أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر المشهور بملاعب الا
سنة وكان سيد بنى عامر بن صعصعة من أهل نجد قدم على رسول الله المدينة
وأهدى له هدية فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقبلها وقال لا أقبل
هدية مشرك وعرض عليه الاسلام وأخبر بماله فيه وما وعد الله المؤمنين وقرأ
عليه القرآن فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد انّ الذى تدعو اليه حسن جميل
ولو بعثت رجالا من أصحابك الى أهل نجد فيدعوهم الى أمرك لرجوت أن يستجيبوا
لك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى أخشى عليهم أهل نجد قال أبو
براء أنالهم جاران تعرّض لهم أحد فابعثهم فليدعوا الناس الى أمرك فبعث
سبعين رجلا على الرواية الاكثرية الصحيحة وأربعين رجلا على رواية البعض
وثلاثين راكبا على رواية الآخرين يقال لهم قراء الصحابة وكان أكثرهم من
الانصار وأربعة من المهاجرين المنذر ابن عمر والساعدى وحرام وسليم ابنا
ملحان وحارث بن الصمة وعامر بن فهيرة والحكم بن كيسان وسهل بن عامر وطفيل
بن أسعد وأنس بن معاوية ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعى وعروة بن أسماء بن
الصلت السلمى وعطية بن عبد عمرو ومالك بن ثابت وسفيان بن ثابت وعمرو بن
أمية الضمرى وكعب بن زيد والمنذر بن محمد بن عقبة بن الجلاح فى رجال مسمين
من خيار المسلمين كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وأمر عليهم فى صفر
المنذر بن عمرو أخا بنى ساعدة وهو أحد نقباء ليلة العقبة وكتب كتابا الى
رؤساء نجد وبنى عامر ودفعه اليهم فساوا حتى نزلوا بئر معونة وبعثوا رواحلهم
الى المرعى مع عمرو بن أمية الضمرى ورجل آخر من الانصار أحد بنى عمرو بن
عوف* وفى رواية حارث ابن الصمة بدل الانصارى* وقال بعضهم لبعض أيكم يبلغ
رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا الماء فقال حرام بن ملحان أنا
فخرج بكتاب رسول الله الى عامر بن الطفيل وكان على ذلك الماء فلما أتاهم
حرام وقال أتؤمنونى أن أبلغ رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم ينظر
عامر بن الطفيل فى كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال حرام بن ملحان
يا أهل ماء بئر معونة انى رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى أشهد أن
لا اله الا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج اليه رجل
من كسر البيت فطعنه بالرمح فى حنبه حتى خرج من الشق الآخر* وفى رواية
فأومؤا الى رجل حتى أتاه من خلفه فطعنه بالرمح حتى أنفذ فقال الله أكبر فزت
ورب الكعبة وقال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم استصرخ عامر بن الطفيل
بنى عامر على المسلمين فامتنعوا وقالوا لا نخفر ذمّة أبى براء عمك وقد عقد
لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليهم عصية ورعلا وذكوان من سليم فأجابوه فخرجوا
حتى غشوا القوم وأحاطوا بهم فى رحالهم فلما رآهم المسلمون أخذوا السيوف
فقاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم الا كعب بن زيد أخا بنى دينار بن النجار
فانهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق* وفى
رواية لما استبطأ المسلمون حراما أقبلوا فى أثره فلقيهم القوم فأحاطوا بهم
وكاثروهم فقال المسلمون اللهمّ انا لم نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك
فاقرئه منا السلام فبلغ جبريل رسول الله سلامهم فقال وعليهم السلام وكان فى
سرح القوم عمرو بن أمية الضمرى
(1/452)
ورجل آخر من الانصار من بنى عمرو بن عوف
وقيل انه المنذر بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح فلم ينبههما بمصاب أصحابهما
الا الطير تحوم على العسكر فقالا والله انّ لهذا الطير لشأنا فأقبلا لينظرا
فاذا القوم فى دمائهم والخيل التى أصابتهم واقفة فقال الانصارى لعمرو بن
أمية الضمرى ماذا ترى قال أرى أن نلحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال
الانصارى لكنى ما كنت أرغب بنفسى عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو الساعدى
ثم قاتل القوم* وفى رواية قتل أربعة من المشركين حتى قتل وأسر عمرو بن أمية
فأتى به الى عامر بن الطفيل فقام ودخل به فى القتلى يستبرئهم ويسأل عن اسم
كل واحد ونسبه ثم قال هل من أصحابك من ليس فيهم قال نعم ما رأيت فيهم عامر
بن فهيرة مولى أبى بكر الصدّيق وكان قد قتله رجل من بنى كلاب قال أى رجل هو
فيكم قال من أفضلنا وأوّل المسلمين من أصحاب رسول الله قال لما قتل رأيته
رفع الى السماء* وعن عروة انّ عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منهم لما قتل
وفى أسد الغابة قال عامر بن الطفيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم لما قدم
عليه من الرجل الذى لما قتل رأيته رفع بين السماء والارض حتى رأيت السماء
دونه قال هو عامر بن فهيرة كذا فى معالم التنزيل* وفى شرح صحيح البخارى
للكرمانى قال عروة طلب عامر يومئذ فى القتلى فلم يوجد قال ويرون أن
الملائكة دفنته أو رفعته* وروى عن جبار بن سلمى قاتل عامر بن فهيرة أنه قال
لما طعنته بالرمح وأنفذته سمعته قال فزت والله ورأيته رفع الى السماء* وفى
معجم ما استعجم أنه أخذ من رمحى وصعد به فانطلقت الى ضحاك بن سفيان الكلابى
وحكيت له قول عامر بن فهيرة فزت والله قال ضحاك ان مقصوده انك فزت بالجنة
فعرض ضحاك علىّ الاسلام فأسلمت وكان ما رأيته سببا لاسلامى* وفى الاكتفاء
وكان جبار بن سلمى يقول انّ مما دعانى الى الاسلام انى طعنت رجلا منهم
بالرمح بين كتفيه فنظرت الى سنان الرمح حين خرج من صدره فسمعته يقول فزت
والله فقلت فى نفسى ما فاز ألست قد قتلت الرجل حتى سألت بعد ذلك عن قوله
فقالوا الشهادة فقلت فاز لعمر الله* ونقل انّ الضحاك بن سفيان كتب الى رسول
الله صلّى الله عليه وسلم يخبره باسلام جبار وبما رآه من رفع عامر ابن
فهيرة الى السماء قال دفنته ملائكة الجنة ورفع روحه الى عليين* وفى صحيح
مسلم عن أنس دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر
معونة ثلاثين صباحا وفى المنتقى أربعين يدعو على رعل وذكوان وبنى لحيان
وعصية الذين عصوا الله ورسوله* قال أنس أنزل الله فى الذين قتلوا يوم بئر
معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد أى نسخت تلاوته وهو بلغوا عنا قومنا انا قد
لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه* وفى رواية عنه وأرضانا انتهى كذا وقع فى
هذه الرواية وهو يوهم ان بنى لحيان ممن أصاب القراء يوم بئر معونة وليس
كذلك وانما أصاب هؤلاء رعل وذكوان وعصية ومن صحبهم من سليم وأمّا بنو لحيان
فهم الذين أصابوا بعث الرجيع وانما أتى الخبر الى رسول الله صلّى الله عليه
وسلم عنهم كلهم فى وقت واحد فدعا على الذين أصابوا أصحابه فى الموضعين دعاء
واحدا والله أعلم كذا فى المواهب اللدنية* روى انهم لما أسروا عمرو بن أمية
وأتوا به الى عامر بن الطفيل وأخبر انه من ضمرة أطلقه وجز ناصيته وأعتقه عن
رقبة زعم انها كانت على أمّه فقدم عمرو على النبىّ صلّى الله عليه وسلم
فأخبره الخبر قال هذا عمل أبى براء قد كنت لهذا كارها متخوّفا* روى ان
ربيعة بن أبى براء بعد موت أبيه طعن عامر بن الطفيل فقتله كذا فى معالم
التنزيل* وفى رواية طعنه فى نادى قومه حتى أشرف على الهلاك فقال ان عشت فلا
أبالى بذلك وان مت فدمى لعمى فعاش بعد ذلك حتى ابتلى بغدة كغدة البعير ومات
كافرا ويجىء فى الموطن العاشر* وفى معالم التنزيل قتل المنذر بن عمرو
وأصحابه الا ثلاثة نفر كانوا فى طلب ضالة لهم أحدهم عمرو بن أمية الضمرى
فلم يرعهم الا الطير تحوم فى السماء يسقط من بين
(1/453)
خراطيمها علق الدم فقال أحد النفر الثلاثة
قتل أصحابنا ثم تولى يشتد حتى لقى رجلا فاختلفا ضربتين فلما خالطه الضربة
رفع طرفه الى السماء وفتح عينيه وقال الله أكبر الجنة ورب العالمين ورجع
صاحباه فلقيا رجلين من بنى سليم وكان بين النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبين
قومهما موادعة فانتسبا الى بنى عامر فقتلاهما* وفى الاكتفاء فخرج عمرو بن
أمية حتى اذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بنى عامر حتى نزلا
معه فى ظلّ هو فيه فسألهما ممن أنتما فقالا من بنى عامر فأمهلهما حتى اذا
ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى انه قد أصاب بهما ثؤرة من بنى عامر فيما
أصابوه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مع العامريين عقد من
رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجوار ولم يعلم به عمرو بن أمية ولما قدم
المدينة وأخبر النبىّ خبر أصحابه وخبر قتل الرجلين لامه النبىّ صلّى الله
عليه وسلم وقال قتلت قتيلين كان لهما منى جوار لأدينهما فقدم الى النبىّ
صلّى الله عليه وسلم قومهما فى ديتهما فخرج فيها الى بنى النضير وستجىء
غزوة بنى النضير بعد وقعة الرجيع*
سرية عاصم بن ثابت الى الرجيع
وفى صفر هذه السنة وقعت وقعة الرجيع وهى سرية عاصم بن ثابت* الرجيع بفتح
الراء وكسر الجيم ماء لهذيل ولبنى لحيان ببلاد هذيل بين مكة وعسفان بناحية
الحجاز على سبعة أميال من الهدة كانت الوقعة بقرب منه فسميت به كذا فى
المواهب اللدنية* وفى الصفوة كان يوم الرجيع على رأس ستة وثلاثين شهرا من
الهجرة وذكرها فى الوفاء فى السنة الرابعة بعد بئر معونة كما فى هذا الكتاب
وقال ثم كانت غزوة الرجيع فى صفر وكانت بئر معونة أوّلها فى المحرم على ما
ذكرو الله أعلم*
(ذكر عضل والقارة)
* عضل بفتح المهملة والمعجمة بعدها لام بطن من بنى الهون بن خزيمة بن مدركة
بن الياس بن مضر ينسبون الى عضل بن الديش والقارة بالقاف وتخفيف الراء بطن
من الهون أيضا ينسبون الى الديش المذكور* قال ابن دريد القارة أكمة سوداء
فيها حجارة كأنهم نزلوا عندها فسموا بها كذا فى المواهب اللدنية وقصة عضل
والقارة كانت فى بعث الرجيع لا فى سرية بئر معونة وقد فصل بينهما ابن اسحاق
فذكر بعث الرجيع فى أواخر سنة ثلاث وبئر معونة فى أوائل سنة أربع* وذكر
الواقدى ان خبر بئر معونة وخبر اصحاب الرجيع جاء الى النبىّ صلّى الله عليه
وسلم فى ليلة واحدة وسياق ترجمة البخارى يوهم ان بعث الرجيع وبئر معونة شئ
واحد وليس كذلك لانّ بعث الرجيع كان سرية عاصم وخبيب واصحابهما وهى مع عضل
والقارة وبئر معونة كانت سرية القراء وهى مع رعل وذكوان وكانّ البخارى
أدمجها معها لقربها منها ويدل على قربها منها ما فى حديث أنس من تشريك
النبىّ صلّى الله عليه وسلم بين بنى لحيان وبين بنى عصية وغيرهم فى الدعاء
ولم يرد البخارى انهما قصة واحدة ولم يقع ذكر عضل والقارة عنده صريحا وانما
وقع ذلك عند ابن اسحاق فانه بعد أن استوفى قصة أحد قال ذكر يوم الرجيع
حدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة قال قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم
بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله انّ فينا اسلاما فابعث
معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا فبعث معهم ستة من اصحابه* وفى رواية بعث معهم
عشرة من اصحابه أسامى سبعة منهم معلومة فى كتب الاحاديث والسير وهم عاصم بن
ثابت ومرثد بن ابى مرثد الغنوى وخبيب بن عدى وزيد بن الدثنة وعبد الله بن
طارق وخالد بن أبى البكير ومعتب بن عبيد وأمّا الثلاثة الاخر فكأنهم لم
يكونوا من مشاهير القوم وأعيانهم وأصولهم ولذا لم يكن الاهتمام بضبط
أسمائهم وأمر عليهم مرثد بن أبى مرثد الغنوى كذا فى بعض كتب السير* وفى
الصحيح وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو اصح فخرجوا مع القوم حتى اذا اتوا على
الرجيع ماء لهذيل غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم فى
رحالهم الا الرجال بأيديهم السيوف وقد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم
فقالوا لهم انا والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل
مكة ولكم عهد الله
(1/454)
وميثاقه أن لا نقتلكم فأبوا وأمّا مرثد
وخالد وعاصم بن ثابت فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهدا وقاتلوا حتى قتلوا*
وفى البخارى وأمر عليهم عاصم بن ثابت حتى اذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة
يقال منها الى عسفان سبعة أميال ذكروا لحى من هذيل يقال لهم بنو لحيان
فنفروا لهم بقريب من مائتى رجل وعند بعضهم فتبعوا لهم بقريب من مائة رام
والجمع بينهما واضح وهو أن تكون المائة الاخرى غير رماة* وفى رواية ابى
معشر فى مغازيه فنزلوا بالرجيع سحرا فاكلوا تمر عجوة فسقط نواه بالارض
وكانوا يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما فرأت
النوى فأنكرت صغرهنّ وقالت هذا تمر يثرب فصاحت فى قومها أتيتم فجاؤا فى
طلبهم فوجدوهم كمنوا فى الجبل فاتبعوا آثارهم حتى لحقوهم* وفى رواية ابن
سعد فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤا الى فدفد بفاءين مفتوحتين ومهملتين
الاولى ساكنة وهى الرابية المشرفة فأحاط بهم القوم فقالوا لكم العهد
والميثاق ان نزلتم الينا أن لا نقتل منكم رجلا فقال عاصم بن ثابت أيها
القوم امّا أنا فلا أنزل فى ذمّة كافر ولا أقبل جوار مشرك ولا أضع يدى فى
يد مشرك نذرت بذلك وأشهدت الله عليه ثم قال اللهمّ أخبر عنا رسولك فاستجاب
الله لعاصم فأخبر رسوله خبرهم يوم أصيبوا فرماهم بالنبل وجعل يقاتل ويقول
ما علتى وأنا جلدنا بل ... والقوس فيها وترعنا بل
تزل عن صفحتها المعابل ... ان لم أقاتلكم فأمى هابل
الموت حق والحياة باطل ... وكل ما حمّ الاله نازل
بالمرء والمرء اليه آيل
فرماهم بالنبل حتى فنيت نبله*
كرامة عاصم فى حفظ جثته بعد استشهاده
وفى رواية نثر عاصم كنانته فيها سبعة أسهم فقتل بكل سهم رجلا من عظماء
المشركين ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه ثم سل سيفه وقال اللهمّ انى حميت دينك
صدر النهار فاحم لحمى آخره* وفى الصفوة فجرح رجلين وقتل واحدا وقتلوه
بالنبل فقالوا هذا الذى آلت فيه المكية وهى سلافة فأرادوا أن يحتزوا رأسه
ليذهبوا به اليها فبعث الله مثل الظلة من الدبر بفتح المهملة وسكون الموحدة
أى الزنابير فحمته فلم يستطيعوا أن يحتزوا رأسه فقالوا أمهلوه حتى يمسى
فتذهب عنه فلما أمسى أرسل الله سيلا فحمله الى حيث أراد الله فسمى حمى
الدبر وذلك يوم الرجيع* وفى معالم التنزيل فاحتمل السيل عاصما فذهب به الى
الجنة وحمل خمسين من المشركين الى النار* وفى حياة الحيوان ان المشركين لما
قتلوه أرادوا أن يمثلوا به فحماه الله بالدبر فارتدعوا عنه حتى أخذه
المسلمون فدفنوه* وعن عمر بن الخطاب قال ان عاصما نذر أن لا يمس مشركا فلما
وفى بنذره عصمه الله تعالى عن مساس المشركين اياه فصار عاصم معصوما* روى ان
قريشا بعثت الى عاصم ليؤتوا بشىء من جسده يعرفونه فلم يظفروا منه على شىء
وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر ولعلّ العظيم المذكور عقبة بن أبى
معيط فانّ عاصما قتله صبرا بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ان
انصرفوا من بدر ووقع عند ابن اسحاق وكذا فى رواية يزيد بن أبى سفيان انّ
عاصما لما قتل أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعيد وهى أمّ
مسافع وجلاس ابنى طلحة العبدرى وكان عاصم قتلهما يوم أحد وكانت قد نذرت حين
أصاب ابنيها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر فى قحفه* قال
الطيرى وجعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة فمنعه الدبر أى الزنابير فلم يقدروا
منه على شىء وكان عاصم قد أعطى الله العهد أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا
وكان عمر لما بلغه خبره يقول يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه فى
حياته وانما استجاب الله له فى حماية لحمه من المشركين ولم يمنعه من قتله
لما أراد الله من اكرامه بالشهادة ومن كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع
لحمة* وأمّا الستة الاخر فاقتدوا بعاصم فقاتلوا
(1/455)
حتى قتلوا بالنبل ونزل ثلاثة منهم على
العهد والميثاق ولم يف الكفار بعهدهم وهم خبيب بن عدى وعبد الله بن طارق
وزيد بن الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة وفتح النون المشدّدة
فأسروا فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها* قال عبد الله
هذا أوّل الغدر والله لاصبحتكم انّ لى بهؤلاء أسوة يعنى القتلى فجروه
وعالحوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه كذا فى الصفوة والمنتقى* وفى رواية خرجوا
بالنفر الثلاثة حتى اذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله يده من رباطه
وأخذ سيفه وجعل يشتدّ فيهم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بمر الظهران كذا
ذكره فى الصفوة فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة أمّا خبيب
فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نفيل بمائة ابل وقيل اشتروه بأمة سوداء وقيل
فادوا به أسيرين من هذيل كانا بمكة وكان خبيب قتل الحارث يوم بدر* وفى
المنتقى اشترى خبيبا حجير بن أبى اهاب لابن أخته عقبة بن الحارث ليقتله
بأبيه* وأمّا زيد بن الدثنة فاشتراه صفوان بن أمية بخمسين رأسا ليقتله
بأبيه وكان قتل يوم بدر وقيل اشترك جماعة فى ابتياعه وقيل حين أتوابهما الى
مكة كان ذا القعدة فحبسوا كل واحد منهما فى مكان على حدة حتى تخرج الاشهر
الحرم فيقتلوهما فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله وتخرج الاشهر
الحرم فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدّبها يعنى يحلق عانته فأعارته
فدرج بنى لها وهى غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه* وفى رواية فغفلت
عن ابن لها صغير فأقبل اليه الصبىّ فأجلسه عنده والموسى بيده ففزعت فزعة
عرفها خبيب فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لا فعل ذلك قالت والله ما رأيت
أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب فى يده مثل
رأس الرحل وانه لموثق بالحديد وما بمكة ثمرة وما كان الارزق رزقه الله
خبيبا وهذه كرامة جعلها الله تعالى لخبيب وآية على الكفار وبرهان لنبيه
لتصحيح رسالته*
دقيقة فى أنّ الكرامة ثابتة للاولياء
والكرامة للاولياء ثابتة مطلقا عند أهل السنة ولكن استثنى بعض المحققين
منهم كالعالم الربانى أبى القاسم القشيرى ما وقع به التحدى لبعض الانبياء
قال ولا يصلون الى مثل ايجاد ولد من غير أب ونحو ذلك وهذا أعدل المذاهب فى
ذلك وان اجابة الدعوة فى الحال وتكثير الطعام والمكاشفة بما يغيب عن العين
والاخبار بما سيأتى ونحو ذلك قد كثر جدّا حتى صار وقوع ذلك ممن ينسب الى
الصلاح كالعادة فانحصر الخارق الآن فى نحو ما قاله القشيرى وتعين تقييد ما
أطلق بان كل معجزة وجدت لنبىّ تجوز أن تقع كرامة لولى ووراء ذلك ان الذى
استقرّ عند العامّة ان خرق العادة يدل على ان من وقع له ذلك يكون من أولياء
الله وهو غلط فانّ الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب
فيحتاج من يستدلّ بذلك على ولاية أولياء الله الى فارق وأولى ما ذكروه أن
يختبر حال من وقع له فان كان متمسكا بالاوامر الشرعية والنواهى كان علامة
على ولايته ومن لا فلا والله أعلم وقد مرّ نحوه فى أوائل الكتاب* ولما
انسلخ الاشهر الحرم أخرجوا خبييا وزيدا من الحرم الى التنعيم ليقتلوهما فى
الحل ونصبوا خشبة وحضر أكثر أهل مكة واجتمع خبيب وزيد فى الطريق فتواصوا
بالصبر والثبات على ما يلحقهما من المكاره قال لهم خبيب دعونى أركع ركعتين
فتركوه فركع ركعتين وقال والله لولا أن تحسبوا أن ما بى جزع لزدت وعند موسى
بن عقبة انه صلاهما فى موضع مسجد التنعيم وقال اللهمّ أحصهم عددا واقتلهم
بددا يعنى متفرّقين ولا تبق منهم أحدا فلم يحل الحول ومنهم أحد حىّ كذا فى
المواهب اللدنية* قال معاوية بن أبى سفيان كنت فيمن حضر قتل خبيب ولقد رأيت
أبا سفيان حين دعا خبيب اللهمّ أحصهم عددا يلقينى الى الارض فرقا من دعوته
وكانوا يقولون ان الرجل اذا دعا عليه أحد فاضطجع زلت عنه الدعوة* وقال
حويطب بن عبد العزى جعلت اصبعى فى أذنى وهربت من ذلك المكان* وقال حكيم بن
حزام تخبأت وراء شجرة أو قال بأصل شجرة
(1/456)
وعن ابن اسحاق أنه قال أكثر الذين حضروا
قتل خبيب ابتلوا ببلاء وكان ممن حضره يومئذ سعد بن عامر بن جذيم الجمحى ثم
اسلم واستعمله عمر بن الخطاب على بعض الشأم ويروى على حمص وكان تصيبه غشية
بين ظهرى القوم فذكر ذلك لعمر وقيل ان الرجل مصاب فسأله عمر فى قدمة قدمها
عليه فقال يا سعد ما هذا الذى يصيبك قال والله يا امير المؤمنين ما بى من
بأس ولكننى كنت فيمن حضر خبيب بن عدى حين قتل وسمعت دعوته فو الله ما خطرت
على قلبى وأنا فى مجلس قط الا وغشى علىّ فزادته عند عمر خيرا* وفى رواية
بريدة بن سفيان قال خبيب اللهم انى لا اجد من يبلغ رسولك منى السلام فبلغه*
وفى رواية أبى الاسود عن عروة جاء جبريل الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم
فأخبره بذلك الحديث ثم أنشأ خبيب يقول
فلست أبالى حين اقتل مسلما ... على اىّ شق كان لله مصرعى
وذلك فى ذات الاله وان يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
الى الله أشكو غربتى بعد كربتى ... وما أرصد الاحزاب لى عند مصرعى
وساق ابن اسحاق هذه الابيات ثلاثة عشر بيتا قال ابن هشام ومن الناس من
ينكرها لخبيب والاوصال جمع وصل وهو العضو والشلو بكسر المعجمة الجسد ويطلق
على العضو لكن المراد به هاهنا الجسد كذا فى المواهب اللدنية قال أبو هريرة
كان خبيب أوّل من سنّ الركعتين عند القتل لكل مسلم قتل صبرا لانه فعله فى
حياته صلّى الله عليه وسلم فاستحسن ذلك من فعله وقررها واستحسن المسلمون
فبقى سنة والصلاة خير ما ختم به عمل العبد
دعاء زيد بن حارثة واستجابته
وقد صلّى هاتين الركعتين زيد بن حارثة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم
وذلك فى حياته عليه السلام كما روى السهيلى بسنده الى الليث بن سعد قال
بلغنى أن زيد ابن حارثة اكترى بغلا من رجل بالطائف اشترط عليه المكرى أن
ينزله حيث شاء قال فمال به الى خربة فقال له انزل فنزل فاذا فى الخربة قتلى
كثيرة قال فلما أراد أن يقتله قال له دعنى أصلّ ركعتين قال صلّ فقد صلّى
قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا قال فلما صليت أتانى ليقتلنى فقلت يا
ارحم الراحمين قال فسمعت صوتا لا تقتله فهاب ذلك فخرج يطلب فلم ير شيئا
فرجع الىّ فناديت يا ارحم الراحمين فعل ذلك ثلاثا فاذا بفارس على فرس فى
يده حربة من حديد وفى رأسها شعلة نار فطعنه بها فأنفذ من ظهره فوقع ميتا ثم
قال لما دعوت المرّة الاولى يا أرحم الراحمين كنت فى السماء السابعة فلما
دعوت الثانية يا ارحم الراحمين كنت فى السماء الدنيا فلما دعوت الثالثة
أتيتك انتهى* وفى سيرة مغلطاى ذكر بعضهم ان هذه القصة وقعت لاسامة بن زيد
والصواب زيد بن حارثة والد أسامة ووقع فى رواية أبى الاسود عن عروة فلما
وضعوا السلاح فى خبيب وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب ان محمدا مكانك قال لا
والله ما احب أن يفدينى بشوكة فى قدمه وسيجىء مثل هذا لزيد بن الدثنة ولا
مانع من التعدّد قال سعيد بن عامر بن جذيم قد بضعت قريش لحم خبيب ثم حملوه
على جذعة بحيث كان وجهه الى المدينة قال لا يضرّنى صرف وجهى عن الكعبة فان
الله تعالى قال فأينما تولوا فثمّ وجه الله فقالوا له ارجع عن دين محمد
فقال لا ارجع أبدا قالوا واللات والعزى ان لم ترجع نقتلك قال ان قتلى فى
الله لقليل ثم قال اللهم انك تعلم انه ليس أحد حوالىّ أن يبلغ رسولك سلامى
فابلغه سلامى قال زيد بن أسلم كنت فى جماعة عند رسول الله صلّى الله عليه
وسلم اذ ظهر عليه أثر الوحى فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ان قريشا
قتلوا خبيبا وهذا جبريل أتى بسلامه* وفى الاكتفاء زعموا أن رسول الله صلّى
الله عليه وسلم قال وهو جالس فى ذلك اليوم الذى قتلا فيه وعليكما أو وعليك
السلام خبيب قتلته قريش لا ندرى أذكر ابن الدثنة معه أم لا ثم ان قريشا
طلبوا جماعة ممن قتل آباؤهم وأقرباؤهم ببدر فاجتمع اربعون منهم بأيديهم
الرماح
(1/457)
والحراب وقالوا لهم ان هذا الرجل قتل
آباءكم فطعنوه بالحراب والرماح فتحرّك خبيب على الخشبة فانقلب وجهه الى
الكعبة فقال الحمد لله الذى جعل وجهى نحو قبلته التى رضى لنفسه ولنبيه
وللمؤمنين* وفى الكشاف صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه الى المدينة فقال اللهم ان
كان لى عندك خير فحوّل وجهى نحو قبلتك فحوّل الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد
أن يحوّله فقام اليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فطعنه فى صدره حتى أنفذ من
ظهره فعاش ساعة وبه رمق فأقر فيها بالتوحيد وبنبوّة محمد صلى الله عليه
وسلم ثم مات رضى الله عنه وله كرامات كثيرة يطول الكتاب بذكرها ثم أسلم أبو
سروعة وروى الحديث وله فى صحيح البخارى ثلاثة أحاديث ثم أتى بزيد بن الدثنة
الى الخشبة فاقتدى بخبيب فصلى ركعتين فحملوه على الخشبة وقالوا له مثل ما
قالوا لخبيب من الرجوع عن الدين والتخويف بالقتل فأجابهم بمثل ما أجابهم
خبيب* وفى الصفوة وحضر نفر من قريش فيهم أبو سفيان فقال قائل يا زيد أنشدك
الله أتحب أنك الآن فى أهلك ومالك وأن محمدا عندنا مكانك ويقال ان الذى قال
ذلك لزيد أبو سفيان قال والله ما أحب أن محمدا يشاك فى مكانه شوكة تؤذيه
وأنا جالس فى أهلى فقال ابو سفيان والله ما رأيت من قوم قط أشدّ حبا
لصاحبهم من أصحاب محمد له* وفى رواية قال ابو سفيان ما رأيت من الناس أحدا
يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا فقتله نسطاس بكسر النون عبد صفوان بن أمية
وقد مرّ مثل هذا الخبيب* روى ان اللحيانيين ذهبوا الى سلافة بنت سعيد لطلب
الابل المائة التى جعلتها على قتل عاصم فأبت وقالت جعلتها لمن يأتينى برأسه
أو رأس واحد ممن قتل ابنى وما أتيتم به فرجعوا خائبين خاسرين وروى أن
المشركين تركوا خبيبا على الخشبة ليراه الوارد والصادر فيذهب بخبره الى
الاطراف ولما بلغ النبى صلّى الله عليه وسلم الخبر قال أيكم يختزل خبيبا عن
خشبته وله الجنة قال الزبير بن العوّام أنا يا رسول الله وصاحبى المقداد بن
الاسود فخرجا من المدينة يمشيان ويسيران بالليل ويكمنان بالنهار حتى أتيا
التنعيم ليلا واذا حول الخشبة أربعون من المشركين نيام نشاوى فأنزلاه فاذا
هو رطب يتثنى لم يتغير منه شئ بعد أربعين يوما ويده على جراحته وهى تبض دما
اللون لون الدم والريح ريح المسك فحمله الزبير على فرسه وسارا فانتبه
الكفار وقد فقدوا خبيبا فأخبروا قريشا فركب منهم سبعون رجلا فلما لحقوا
بهما قذف الزبير خبيبا فابتلعته الارض فسمى بليع الارض فقال الزبير ما
جرّأكم علينا يا معشر قريش ثم رفع العمامة عن رأسه فقال أنا الزبير بن
العوام وأمى صفية بنت عبد المطلب وصاحبى المقداد بن الاسود أسدان رابضان
حاميان حافظان يدفعان عن شبلهما فان شئتم ناضلتكم وان شئتم نازلتكم وان
شئتم انصرفتم فانصرفوا الى مكة وقدما على رسول الله صلّى الله عليه وسلم
وجبريل عنده فقال يا محمد ان الملائكة تباهى بهذين من أصحابك فنزل فيهما
ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله الآية وقيل نزلت فى علىّ حين نام
على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة الغار كما مرّ فى معالم
التنزيل* وقال الاكثرون نزلت فى صهيب بن سنان الرومى أخذه المشركون فى رهط
من المؤمنين يعذبونه فقال لهم صهيب انى شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أو من
غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالى وتذرونى ودينى ففعلوا* وفى الصفوة عن عمرو بن
امية الضمرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عينا الى قريش قال
فجئت الى خشبة خبيب وأنا أتخوّف العيون فرقيت فيها فحللت خبيبا فوقع الى
الارض فانتبذت عنه بعيدا ثم التفت فلم أرخبيبا ولكأنما ابتلعته الارض فلم
ير لخبيب أثر حتى الساعة*
بعث عمرو بن أمية الى أبى سفيان بن حرب
وفى هذه السنة كان بعث عمرو بن أمية الضمرى الى أبى سفيان بن حرب بمكة* فى
الاكتفاء بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمرى بعد مقتل
خبيب وأصحابه الى مكة وأورد فى المواهب اللدنية وسيرة مغلطاى بعث عمرو بن
أمية فى السنة السادسة
(1/458)
بعد سرية كرز بن جابر وقبل الحديبية كما
سيجىء وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب وبعث معه جبار ابن صخر الانصارى أو
سلمة بن أسلم فخرجا حتى قدما مكة وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ثم دخلا
مكة ليلا فقال جبار لعمر ولو أنا طفنا بالبيت وصلينا ركعتين فقال عمرو ان
القوم اذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم فقال كلاهما ان شاء الله قال عمرو فطفنا
بالبيت وصلينا ثم خرجنا نريد أبا سفيان فو الله انا لنمشى بمكة اذ نظر الىّ
رجل من أهل مكة فعرفنى فقال عمرو بن أمية والله ان قدومهما الا لشرّ فقلت
لصاحبى النجاء فخرجنا نشتدّ حتى صعدنا فى الجبل وخرجوا فى طلبنا حتى اذا
علونا الجبل يئسوا منا فرجعوا فدخلنا كهفا فى الجبل فبتنا وقد أخذنا حجارة
فرضمنا هادوننا فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يسوق فرسا ويخلى عليها فغشينا
ونحن فى الغار فقلت ان رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا قال ومعى خنجر أعددته
لابى سفيان فخرجت اليه فضربته على ثديه فصاح صيحة أسمع أهل مكة ورجعت ودخلت
مكانى وجاءه الناس يشتدّون وهو بآخر رمق فقالوا من ضربك فقال عمرو بن أمية
الضمرى وغلبه الموت فمات مكانه ولم يدلل على مكاننا فاحتملوه فقلت لصاحبى
لما أمسينا النجاء فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة فمررنا بالحرس وهم
يحرسون جيفة خبيب بن عدى فقال أحدهم والله ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو
ابن أمية الضمرى لولا انه بالمدينة لقلت انه عمرو بن أمية فلما حاذى عمرو
الخشبة شدّ عليها فاحتملها وخرج هو وصاحبه يشتدّان وخرجوا وراءه حتى أتى
جرفا بمهبط ياجج فرمى بالخشبة فغيبه الله عنهم فلم يقدروا عليه قال عمرو بن
امية وقلت لصاحبى النجاء حتى تأتى بعيرك فتقعد عليه فانى شاغل عنك القوم
وكان الانصارى لا راحلة له قال ومضيت حتى خرجت على صجنان ثم أويت الى جبل
فدخلت كهفا فبينا أنا فيه دخل علىّ شيخ من بنى الديل أعور فى غنيمة فقال من
الرجل قلت من بنى بكر فمن أنت قال من بنى بكر قلت مرحبا فاضطجع ثم رفع
عقيرته فقال
ولست بمسلم ما دمت حيا ... ولا دان لدين المسلمينا
فقلت فى نفسى ستعلم فأمهلته حتى اذا نام أخذت قوسى فجعلت سيتها فى عينه
الصحيحة ثم تحاملت علميه حتى بلغت العظم ثم خرجت النجاء حتى جئت العرج ثم
سلكت ركونة حتى اذا هبطت البقيع اذا رجلان من قريش من المشركين كانت قريش
بعثتهما عينا الى المدينة ينظران ويتجسسان فقلت استأسرا فأبيا فرميت أحدهما
بسهم فقتلته واستأسرت الآخر فأوثقته رباطا وقدمت به المدينة هذا ما فى
الاكتفاء* وقد مرّ أن القسطلانى أورد فى المواهب اللدنية بعث عمرو بن أمية
الضمرى الى أبى سفيان فى السنة السادسة بعد سرية كرز بن جابر وقبل الحديبية
وقال بعد ذكر سرية كرز بن جابر ثم سرية عمرو بن أمية الضمرى الى أبى سفيان
بن حرب بمكة لانه أرسل الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم من يقتله من العرب
غدرا فأقبل الرجل ومعه خنجر ليغتاله فلما رآه النبىّ صلّى الله عليه وسلم
قال ان هذا ليريد غدرا فلما دنا قال أين ابن عبد المطلب قال النبىّ صلّى
الله عليه وسلم أنا ابن عبد المطلب فأقبل اليه كأنه يسارّه فجذبه أسيد بن
حضير بداخلة ازاره فاذا بالخنجر فسقط فى يده فقال النبىّ صلّى الله عليه
وسلم أصدقنى ما أنت قال وأنا آمن قال نعم فأخبره بخبره فخلى عنه النبىّ
صلّى الله عليه وسلم فأسلم الرجل وأقام بالمدينة أياما ثم استأذن وذهب الى
بلاده ولم يعرف بعد ذلك خبره وبعث رسول الله عمرو بن أمية ومعه سلمة بن
أسلم ويقال جبار بن صخر الى أبى سفيان وقال ان أصبتما منه غرة فاقتلاه فمضى
عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلا فرآه معاوية بن أبى سفيان فأحبر قريشا
بمكانه فخافوه وطلبوه وكان فاتكا فى الجاهلية فحشد له أهل مكة وتجمعوا فهرب
عمرو وسلمة فلقى عمرو عبيد الله بن مالك التيمى فقتله وقتل آخر ولقى رسولين
لقريش بعثتهما يتجسسان الخبر فقتل أحدهما وأسر الآخر فقدم به المدينة فجعل
عمر ويخبر رسول الله
(1/459)
خبره وهو صلّى الله عليه وسلم يضحك*
غزوة بنى النضير
وفى هذه السنة وقعت غزوة بنى النضير بفتح النون وكسر الضاد المعجمة قبيلة
كبيرة من اليهود فى ربيع الاوّل سنة أربع وذكر ابن اسحاق هناك* قال السهيلى
وكان ينبغى أن يذكرها بعد بدر لما روى عقيل بن خالد وغيره عن الزهرى قال
كانت غزوة بنى النضير على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد ورجح الداودى
ما قاله ابن اسحاق من أن غزوة بنى النضير بعد بئر معونة كذا فى المواهب
اللدنية وكانت منازلهم بناحية الفرع وما يقربها بقرية يقال لها زهرة وكان
النبىّ صلّى الله عليه وسلم حين قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا
يقاتلوه ولا يقاتلوا معه* ولما غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بدرا
وظهر على المشركين قالت بنو النضير والله انه النبىّ الذى وجدنا نعته فى
التوراة لا تردّ له راية فلما غزا أحدا وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا
العداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين ونقضوا العهد الذى كان
بينهم وبين رسول الله وركب كعب بن الاشرف فى أربعين من اليهود فأتوا قريشا*
ودخل أبو سفيان المسجد الحرام فى أربعين من قريش وكعب فى أربعين من اليهود
وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الاستار والكعبة ثم رجع كعب وأصحابه الى
المدينة فنزل جبريل وأخبر النبىّ بما عاقد عليه كعب وأبو سفيان فأمر النبىّ
صلّى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الاشرف فقتله محمد بن مسلمة* وكان النبىّ
صلّى الله عليه وسلم اطلع منهم على خيانة حين اتاهم يستعينهم فى دية
الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى فى منصرفه من بئر معونة فهموا
بطرح حجر عليه من فوق الحصن فعصمه الله وأخبره بذلك جبريل كما سيجىء الآن
كذا فى المدارك ومعالم التنزيل واللفظ له* وفى المنتقى ثم ان رسول الله
صلّى الله عليه وسلم خرج يوم السبت وصلّى فى مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه
منهم أبو بكر وعمرو على والزبير وطلحة وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن
عبادة ثم أتى منازل بنى النضير وكلمهم فى دية الرجلين من بنى سليم اللذين
قتلهما عمرو بن أمية الضمرى ويستعينهم فى عقلهما وكانوا قد عاهدوا النبى
صلّى الله عليه وسلم على ترك القتال وعلى أن يعينوه فى الديات كما مرّ وكان
لهم حلف مع بنى عامر قالوا نعم يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا
حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذى تسألنا فجلس رسول الله الى حدار يهودى
وجلس أصحابه فهمّ اليهودى بالغدر فخلا بعض الى بعض قالوا انكم لن تجدوا
محمدا أقرب منه الآن فمن يظهر على هذا البيت ويطرح عليه صخرة فيريحنا منه
فقال عمرو بن جحاش انا قيل كان ذلك باشارة من حيى بن أخطب فقال سلام بن
مشكم لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به فجاء عمرو بن جحاش الى رحى عظيمة
ليطرحها عليه فأمسك الله يده وعصمه وجاء جبريل فأخبره فخرج رسول الله صلّى
الله عليه وسلم راجعا الى المدينة ثم دعا عليا وقال لا تبرح مقامك فمن خرج
عليك من أصحابى فسألك عنى فقل توجه الى المدينة ففعل ذلك علىّ حتى انصبوا
اليه ثم تبعوه ولحقوا به كذا فى المنتقى* وفى الاكتفاء خرج راجعا الى
المدينة وترك أصحابه فى مجلسهم فلما استلبث النبى أصحابه قاموا فى طلبه
فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال لقيته داخلا المدينة فأقبلوا
حتى انتهوا اليه فقالوا قمت ولم تشعرنا يا رسول الله فقال همت يهود بالغدر
فأخبرنى الله بذلك فقمت* وبعث اليهم رسول الله محمد بن مسلمة أن اخرجوا من
بلدتى ولا تساكنونى وقد هممتم بما هممتم به وقد أجلتكم عشرا فمن رؤى منكم
بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا أياما يتجهزون وتكاروا من اناس ابلا وأرسل اليهم
عبد الله بن أبىّ ابن سلول لا تخرجوا وأقيموا فان معى ألفين من قومى وغيرهم
يدخلون حصونكم فيموتون عن آخرهم معكم وتمدّكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع
حيى بن أخطب فيما قاله ابن أبىّ ابن سلول فأرسلوا الى رسول الله صلّى الله
عليه وسلم انا لا نخرج فاصنع ما بدا لك فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم
وكبر المسلمون لتكبيره
وقال حاربت
(1/460)
يهود فسار اليهم النبىّ صلّى الله عليه
وسلم فى أصحابه فصلوا العصر بفضاء بنى النضير* وروى أيضا من طريق عكرمة ان
غزوتهم كانت صبيحة قتل كعب بن الاشرف كذا فى الوفاء* وفى المدارك مشى
المسلمون اليهم على أرجلهم لانه على ميلين من المدينة وكان رسول الله صلّى
الله عليه وسلم على حمار فحسب وعلىّ رضى الله عنه يحمل رايته واستخلف على
المدينة ابن أم مكتوم* وفى معالم التنزيل فلما صار اليهم النبىّ صلى الله
عليه وسلم وجدهم ينوحون على كعب بن الاشرف وقالوا يا محمد واعية على اثر
واعية وباكية على اثر باكية قال نعم قالوا ذرنا نبك على شجونا ثم نأتمر
أمرك فقال النبىّ اخرجوا من المدينة* وفى المنتقى ولما رأوا رسول الله
قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة واعتزلتهم قريظة وخفر لهم ابن أبىّ
وحلفاؤهم من غطفان وحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم خمسة عشر يوما*
وفى الوفاء وسيرة ابن هشام حاصرهم ست ليال وفى معالم التنزيل ولما نزل رسول
الله صلّى الله عليه وسلم بنى النضير وكانوا أهل حصون وعقار ونخل كثيرة
وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم واحراقها فلما رأى أعداء الله ان المسلمين
يقطعونها شق عليهم فجزعوا عند ذلك وقالوا يا محمد زعمت انك تريد الصلاح
أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخل وهل وجدت فيما زعمت انه انزل عليك الفساد
فى الارض وقالوا للمؤمنين انكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون دعوا أصول النخل
فانما هى لمن غلب عليها فوجد المسلمون فى أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون
ذلك فسادا فاختلفوا فى ذلك فقال بعضهم لا تقطعوا فانه ما أفاء الله علينا*
وقال بعضهم بل نغيظهم بقطعها فأخبر الله تعالى ما قطعتم من لينة أو
تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله واختلفوا فى اللينة فقال قوم النخل
كلها لينة ما خلا العجوة وهو قول عكرمة وقتادة* وفى رواية بازان عن ابن
عباس قال كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أمر بقطع نخلهم الا العجوة وأهل
المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر الالوان واحدها لون ولينة* وقال
الزهرى هى ألوان النخل كلها الا العجوة* وقال مجاهد وعطية هى النخل كلها من
غير استثناء* وقال العوفى عن ابن عباس هى لون من النخل* وقال سفيان هى كرام
النخل* وقال مقاتل هى ضرب من النخل يقال لتمرها اللون وهى شديدة الصفرة يرى
نواها من خارج تغيب فيها الاصراس وكانت من أجود تمرهم وأحبها اليهم وكانت
النخلة الواحدة منها ثمن وصيف وأحب اليهم من وصيف فلما رأوهم بقطعونها شق
عليهم وقيل قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة وقيل كان جميع ما قطعوا وأحرقوا ست
نخلات* وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم حرق نخل
بنى النضير ولها يقول حسان بن ثابت
وهان على سراة بنى لؤىّ ... حريق بالبويرة مستطير
وأجاب سفيان ولم يكن أسلم حينئذ
أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق فى نواحيها السعير
ستعلم أينا منها بنزه ... وتعلم أى أرضينا نضير
وفى روضة الاحباب أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أمر أبا ليلى المازنى وعبد
الله بن سلام بقطع نخيلهم أما أبو ليلى فكان يقطع أجود أنواع التمر وهى
العجوة ويقول قطع العجوة أشدّ عليهم وأما عبد الله بن سلام فكان يقطع أردأ
أنواع التمر وهو تمر يقال له اللون ويقول انى أعلم ان الله سيجعلها
للمسلمين فأترك الاجود لهم فأنزل الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها
قائمة على أصولها فباذن الله وليخزى الفاسقين فلم يغث بنى النضير أحد ولم
يقدر ابن أبى أن يصنع شيئا فجهدهم الحصار وضاقت عليهم الاحوال وقذف الله فى
قلوبهم الرعب حتى أرسلوا الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم انا نخرج من بلادك
فقال لهم رسول الله اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت الابل الا الحلقة وولى
اخراجهم محمد بن مسلمة فاحتملوا أبواب
(1/461)
بيوتهم فكانوا يخربون بيوتهم ويهدمونها
ويحملون ما يوافقهم من أخشابها كذا فى الوفاء* وفى معالم التنزيل قال
الزهرى لما صالحهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم على أن لهم ما أقلت الابل
وأيسوا من منازلهم وتيقنوا بخروجهم منها كانوا ينظرون الى منازلهم
فيهدمونها وينزعون منها الخشب ما يستحسنونها فيحملونها على ابلهم ويخرب
المؤمنون بواقيها وذلك قوله تعالى يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين
قال ابن زيد كانوا يقلعون العمد وينقضون السقف وينقبون الجدر وينزعون الخشب
حتى الاوتاد ويخربونها حتى لا يسكنها المؤمنون حسدا وبغضا* وفى رواية لما
أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهم يأمرهم بالخروج من بلدته قالوا
الموت أقرب الينا من ذلك فتنادوا بالحرب ودس اليهم المنافقون عبد الله بن
أبىّ بن سلول وأصحابه أن لا تخرجوا من الحصن فان قاتلوكم فنحن معكم ولا
نخذلكم ولننصرنكم ولئن أخرجتم لنخرجنّ معكم فدربوا على الازقة وحصنوها ثم
انهم أجمعوا الغدر فأرسلوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن اخرج فى
ثلاثين من أصحابك ويخرج منا ثلاثون حتى نلتقى فى فضاء فيستمعون منك ان
صدّقوك وآمنوا بك آمنا كلنا ففعل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فخرج اليه
ثلاثون حبرا من اليهود فأرسلوا اليه كيف نفهم ونحن ستون رجلا اخرج فى ثلاثة
من أصحابك ونخرج اليك ثلاثة من أصحابنا فيسمعون منك فخرج النبىّ صلّى الله
عليه وسلم فى ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر
وأرادوا المكر برسول الله صلّى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بنى
النضير الى أخيها وهو رجل مسلم من الانصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من
الغدر فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبى صلّى الله عليه وسلم فسارّه بمكرهم
قبل أن يصل النبىّ صلّى الله عليه وسلم اليهم فرجع فلما كان من الغد غدا
عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالعسكر فحاصرهم احدى وعشرين ليلة
فقذف الله فى قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين فسألوا الصلح فأبى
عليهم الا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به النبىّ صلّى الله عليه
وسلم فقبلوا ذلك فصالحهم على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الابل من أموالهم
الا السلاح* وقال ابن عباس على ان يحمل أهل كل ثلاثة أبيات على بعير واحد
ما شاؤا من متاعهم وللنبىّ صلّى الله عليه وسلم ما بقى* وقال الضحاك أعطى
كل ثلاثة نفر بعيرا وسقاء فتجهزوا وتجملوا وتحملوا على ستمائة بعير وحملوا
النساء والابناء والاموال فخرجوا معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن
خلفهم ويظهرون الجلادة فعبروا من سوق المدينة وتفرّقوا فى البلاد فذهب
بعضهم الى الشأم الى أذرعات وأريحاء ولحق أهل بيتين وهم آل أبى الحقيق وآل
حيى بن أخطب بخيبر* قال ابن اسحاق كان اجلاء بنى النضير حين رجع النبىّ
صلّى الله عليه وسلم من أحد وفتح بنى قريظة مرجعه من الاحزاب وبينهما سنتان
أكثر الروايات على انه كان أموال بنى النضير وعقارهم فيئا لرسول الله صلّى
الله عليه وسلم خاصة له خصه الله بها حبسا لنوائبه لم يخمسها ولم يسهم منها
لاحد كما هو مذهب الامام أبى حنيفة رحمه الله* وورد فى بعض الروايات أنه
خمسها وذهب اليه الامام الشافعى رحمه الله وأعطى منها ما أراد لمن أراد
ووهب العقار للناس وكان يعطى من محصول البعض أهله وعياله نفقة سنة ويجعل ما
بقى حيث يجعل مال الله* وفى المهمات المال المأخوذ من الكفار ينقسم الى ما
يحصل من غير قتال وايجاف خيل وركاب والى حاصل بذلك ويسمى الاوّل فيئا
والثانى غنيمة* وفى المدارك أن ما خوّل الله رسوله من أموال بنى النضير شىء
لم يحصلوه بالقتال والغلبة ولكن سلطه الله عليهم وعلى ما فى أيديهم فالامر
فيه مفوّض اليه يضعه حيث يشاء ولا يقسمه قسمة التى قوتل عليها وأخذت عنوة
قهرا فقسمها بين المهاجرين ولم يعط الانصار الا ثلاثة منهم لفقرهم أبا
دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة وكذا فى معالم التنزيل
ولابى داود أعطى أكثر المهاجرين وقسمها بينهم وأعطى رجلين من الانصار ذوى
(1/462)
حاجة لم يعط غيرهما منهم وبقى منها صدقته
التى فى أيدى بنى فاطمة وقيل أعطى سعد بن معاذ سيف أبى الحقيق وكان مشهورا
بالجودة* وفى روضة الاحباب قد ثبت أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما قدم
المدينة آخى بين المهاجرين والانصار كما مرّ فى وقائع السنة الاولى من
الهجرة فذهب كل واحد من الانصار برجل من المهاجرين الى منزله وكفاه مؤنة ما
يحتاج اليه وهكذا كان الانصار يعملون بالمهاجرين ثم تنافسوا فيهم حتى آل
أمرهم الى القرعة فيقترعون فيما بينهم فأى أنصارى تخرج القرعة باسمه يذهب
بالمهاجرى فبلغت مواساتهم ومعاونتهم الى المرتبة القصوى حتى قال سعد بن
الربيع الانصارى لاخيه عبد الرحمن بن عوف المهاجرى هلم أقسم مالى بينى
وبينك نصفين أو شطرين ولى امرأتان انظر أعجبهما اليك فسمها لى أطلقها أو
قال أنزل عنها فاذا انقضت عدّتها فتزوّجها قال له عبد الرحمن بارك الله فى
أهلك ومالك وهكذا كان ديدن الانصار فى مواساتهم الى أن جعل الله أموال بنى
النضير فيئا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فجمع الانصار ثم حمد الله
وأثنى على الانصار وذكر اعانتهم وامدادهم واحسانهم واسعادهم للمهاجرين ثم
قال يا معشر الانصار ان الله تبارك وتعالى أعطانا أموال بنى النضير ان شئتم
قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم فى هذه القسمة وان شئتم
كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شىء من هذه الاموال* قال السعدان
سعد بن معاذ وسعد بن عبادة يا رسول الله بل نحب أن نقسم ديارنا وأموالنا
على المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وعشائرهم وخرجوا حبا لله
ولرسوله ونؤثرهم بالقسمة ولا نشاركهم فيها* وفى الوفاء روى ابن أبى شيبة عن
الكلبى قال لما ظهر النبىّ صلّى الله عليه وسلم على أموال بنى النضير قال
للانصار ان اخوانكم من المهاجرين ليست لهم أموال فان شئتم قسمت هذه الاموال
بيتكم وبينهم جميعا وان شئتم أمسكتم أموالكم فقسمت هذه فيهم قالوا بل اقسم
هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت انتهى فلما قال السعدان ذلك اقتدى
بهما سائر الانصار فقالوا مثل ذلك ففرح النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال
اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء أبناء الانصار فأنزل الله فيهم
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة أى يقدّمون اخوانهم من المهاجرين
ويختارونهم بأموالهم ومنازلهم على أنفسهم ولو كان بهم فاقة وحاجة الى ما
يؤثرون كذا فى معالم التنزيل فقسم أموال بنى النضير على المهاجرين حسبما
اقتضته المصلحة فعين لابى بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وصهيب وأبى سلمة بن
عبد الاسد المخزومى ضياعا معروفة ومن الانصار أعطى سهل بن حنيف وأبا دجانة
شيئا لفقرهما وحاجتهما كذا قاله ابن اسحاق
*
وفاة زينب بنت خزيمة
وفى ربيع الآخر من هذه السنة توفيت زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية
وكانت تدعى فى الجاهلية أم المساكين ذكره أبو عمرو وكان صلّى الله عليه
وسلم تزوّجها فى سنة ثلاث ولبثت عنده شهرين أو ثمانية كما مرّ ودفنت
بالبقيع ذكره الفضائلى*
غزوة ذات الرقاع
وفى هذه السنة كانت غزوة ذات الرقاع وأوردها مغلطاى فى سيرته بعد غزوة بدر
الصغرى اختلف فيها متى كانت ففى خلاصة الوفاء بعد غزوة بنى النضير بشهرين
وعشرين يوما وفى المواهب اللدنية عند ابن اسحاق بعد بنى النضير سنة أربع فى
شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الاولى وعند ابن سعد وابن حبان فى المحرّم سنة
خمس كذا فى المنتقى وجزم أبو معشر بأنها بعد بنى قريظة فى ذى القعدة سنة
خمس فتكون ذات الرقاع فى آخر هذه السنة وأوّل التى تليها* قال فى فتح
البارى قد جنح البخارى الى أنها كانت بعد خيبر واستدل لذلك بأمور ومع ذلك
ذكرها قبل خيبر فلا أدرى هل تعمد ذلك تسليما لاهل المغازى انها كانت قبلها
أو انّ ذلك من الرواة عنه أو اشارة الى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما
لغزوتين مختلفتين احداهما قبل خيبر والاخرى بعدها كما أشار اليه البيهقى
على أن أصحاب المغازى مع جزمهم بأنها
(1/463)
كانت قبل خيبر مختلفون فى زمانها انتهى
والذى جزم به ابن عقبة تقدّمها لكن تردد فى وقتها فقال لا ندرى كانت قبل
بدر أو بعدها أو قبل أحد أو بعدها كذا فى المواهب اللدنية وأوردها مغلطاى
فى سيرته بعد غزوة بدر الصغرى وهى غزوة كانت بأرض غطفان من نجد سميت ذات
الرقاع لان الظهر كان قليلا واقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها
الخرق وهى الرقاع هذا هو الصحيح فى تسميتها وقد ثبت هذا فى الصحيح عن أبى
موسى الاشعرى وقيل سميت به بجبل هناك يقال له الرقاع لان فيه بياضا وحمرة
وسوادا وقيل سميت بشجرة هناك يقال لها ذات الرقاع وقيل لان المسلمين رقعوا
راياتهم ويحتمل أن تكون هذه الامور كلها وجدت فيها وشرعت صلاة الخوف فى
غزوة ذات الرقاع وقيل فى غزوة بنى النضير كذا فى شرح مسلم للنووى وفى أسد
الغابة لابن الاثير وقيل ان فيها قصرت الصلاة وفيها نزلت آية التميم وسببها
أن قادما قدم المدينة فأخبر بأن أنمارا وثعلبة وغطفان قد جمعوا جموعا بقصد
المسلمين فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاستخلف على المدينة
عثمان بن عفان وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم فى أربعمائة رحل وقيل
فى سبعمائة فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع وهو جبل فلم يجد الانسوة
فأخذهنّ وفيهنّ جارية وضيئة وهربت الاعراب الى رؤس الجبال ولم يكن قتال
وأخاف المسلمون بعضهم بعضا من غير أن يغيروا عليهم فصلى بهم النبىّ صلّى
الله عليه وسلم صلاة الخوف* وفى رواية بطائفة ركعتين وبالاخرى أخرتين وكان
أوّل ما صلاها ورجع الى المدينة واشترى فى الطريق من جابر جملا بأوقية وشرط
له ظهره الى المدينة واستغفر لجابر فى تلك الليلة خمسا وعشرين مرّة* وفى
الترمذى سبعين مرّة وكانت غيبته فى تلك الغزوة خمس عشرة ليلة* وعن جابر أن
النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلّى بأصحابه صلاة الخوف فى الغزوة السابعة
غزوة ذات الرقاع* قال ابن عباس صلّى النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلاة الخوف
بذى قرد* اعلم أنه ورد فى صحيح البخارى أن النبى صلّى الله عليه وسلم نام
فى غزوة ذات الرقاع فى ظل شجرة فجاء أعرابى فاخترط سيفه صلّى الله عليه
وسلم وقام عليه فاستيقظ والسيف فى يده صلتا فقال من يمنعك منى قال الله
فقام النبىّ صلّى الله عليه وسلم فجلس الاعرابى فحفظ الله نبيه من شرّه
ووقع مثل هذه القصة أيضا فى السنة الثالثة من الهجرة ففى ظاهر هاتين
القصتين خلاف فلا بدّ من أحد الامرين اما أن ترجح رواية الصحيح أو يقال
بتعدّد الواقعة والله أعلم*
وفاة عبد الله بن عثمان
وفى جمادى الاولى من هذه السنة توفى عبد الله بن عثمان من رقية بنت رسول
الله ولد فى الاسلام فى الحبشة وبه كان يكنى عثمان فبلغ ست سنين فنقره ديك
فى عينه فمرض فمات كما مرّ فى الباب الثالث فى تزويج بناته ونزل فى حفرته
عثمان*
ولادة الحسين بن على رضى الله عنهما
وفى شعبان هذه السنة ولد الحسين بن علىّ كذا فى الصفوة* وفى ذخائر العقبى
لخمس خلون من شعبان سنة أربع* وفى المنتقى لثلاث ليال خلون من شعبانها* وفى
الاستيعاب ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع وقيل سنة ثلاث هذا قول الواقدى
وطائفة معه* وفى شواهد النبوّة كانت ولادته بالمدينة يوم الثلاثاء رابع
شعبان السنة الرابعة من الهجرة* وفى الوفاء المشهور فى ولادتها انها فى
الثالثة وكان علوق فاطمة بالحسين فى ذى القعدة وكان بين ولادة الحسن
وعلوقها بالحسين خمسون ليلة* وفى الاستيعاب روى جعفر بن محمد عن أبيه قال
لم يكن بين الحسن والحسين الاطهر واحد* وقال قتادة ولد الحسين بعد الحسن
بستة عشرة شهر الخمس سنين وستة أشهر من التاريخ وبعض أحواله من التسمية
والختان والعقيقة وغير ذلك ذكر فى الموطن الثالث فى ميلاد الحسن فليطلب ثمة
وسيجىء ذكر مقتله فى الخاتمة فى سنة احدى وستين فى خلافة يزيد بن معاوية
*
تعلم زيد بن ثابت كتاب اليهود
وفى هذه السنة أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم زيد بن ثابت بتعليم
السريانية معللا ذلك بأنه لا يأمن اليهود على كتابه* عن زيد بن ثابت قال
أتى بى النبىّ صلّى الله عليه وسلم مقدمه المدينة فعجب بى فقيل له
(1/464)
هذا الغلام من بنى النجار قد قرأ مما أنزل
الله اليك بضع عشرة سورة فاستقر أنى فقرأت ق فقال لى تعلم كتاب يهود فانى
ما آمن يهود على كتابى فتعلمته فى نصف شهر حتى كتبت الى يهود وكنت أقرأ له
اذا كتبوا له كذا رواه ابن أبى الزناد وأحمد ويونس عند أبى داود وداود بن
عمرو الضبى وسعيد بن سليمان الواسطى وسليمان ابن داود الهاشمى وعبد الله بن
وهب وعلى بن حجر وحديثه عند الترمذى كذا ذكره السخاوى فى الاصل الاصيل*
غزوة بدر الصغرى الموعد
وفى شعبان هذه السنة بعد ذات الرقاع وقعت غزوة بدر الصغرى الموعد وهى بدر
الثالثة* قال ابن اسحاق لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة من
غزوة ذات الرقاع أقام بها جمادى الاولى الى آخر رجب ثم خرج فى شعبان الى
بدر لميعاد أبى سفيان كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى كانت فى هلال ذى
القعدة وذلك ان أبا سفيان لما أراد أن ينصرف من أحد نادى يا محمد الموعد
بيننا وبينكم موسم بدر الصغرى لقابل ان شئت نلتقى بها فنقتتل فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لعمر قل نعم ان شاء الله فافترق الناس على ذلك
فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان فى أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية مرّ
الظهران ويقال عفان ثم ألقى الله الرعب فى قلبه فبدا له فى الرجوع فلقى
نعيم بن مسعود الاشجعى وقد قدم معتمرا فقال له أبو سفيان يا نعيم انى قد
واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقى بموسم بدر الصغرى وان هذا عام جدب ولا يصلحنا
لا عام خصب نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لى أن لا أخرج اليها
واكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جراءة فلأن يكون الخلف من
قبلهم أحبّ الىّ من أن يكون من قبلى فالحق بالمدينة وثبطهم وأعلمهم أنا فى
جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندى عشرة من الابل أضعها على يد سهيل بن
عمرو يضمنها لك وجاء سهيل بن عمرو فقال له نعيم يا أبا يزيد أتضمن لى هذه
الفرائض وأنطلق الى محمد وأثبطه قال نعم فخرج نعيم حتى أتى المدينة فوجد
الناس يتجهزون لميعاد أبى سفيان فقال أين تريدون فقالوا واعدنا أبو سفيان
لموسم بدر الصغرى أن نقتتل بها فقال بئس الرأى رأيتم أتوكم فى دياركم
وقراركم فلم يفلت منكم الا الشريد فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند
الموسم والله لا يفلت منكم أحد فكره أصحاب رسول الله الخروج فقال رسول الله
صلّى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لا خرجنّ ولو وحدى وفى رواية وان لم
يخرج معى أحد فأما الجبان فانه رجع وأما الشجاع فانه تأهب للقتال وقالوا
حسبنا الله ونعم الوكيل* واستخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على
المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه على بن أبى طالب فخرج صلّى الله عليه
وسلم ومعه ألف وخمسمائة رجل والخيل عشرة أفراس وخرجوا ببضائع لهم وتجارات
فجعلوا يلقون المشركين ويسألون عن قريش فيقولون قد جمعوا لكم يريدون أن
يرعبوا المسلمين فيقول المؤمنون حسبنا الله ونعم الوكيل حتى بلغوا بدرا*
قال مجاهد وعكرمة فى هذه الغزوة نزلت هذه الآية الذين استجابوا الله
والرسول وعند أكثر المفسرين نزلت هذه الآية فى غزوة حمراء الاسد كما مرّ
وكانت بدر الصغرى موضع سوق للعرب فى الجاهلية يجتمعون اليها فى كل عام
ثمانية أيام لهلال ذى القعدة الى ثمان تخلو منه ثم يتفرّقون الى بلادهم
ونزلت النبىّ صلى الله عليه وسلم بدر اليلة هلال ذى القعدة وأقام بها
ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنة الى مكة وقال لا
يصلحنا الاعام خصب وهذا عام جدب فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق يقولون
خرجوا يشربون السويق ولم يلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه أحدا
من المشركين وافوا السوق وكانت معهم تجارات ونفقات فباعوها وآصابوا بالدرهم
درهمين وقد سمع الناس بمسيرهم وذهب صيت جيشهم الى كل جانب فكبت الله بذلك
عدوّهم وانصرفوا الى المدينة سالمين غانمين فذلك قوله تعالى الذين استجابوا
الله والرسول الآية كذا فى معالم التنزيل فقال
(1/465)
صفوان بن أمية لابى سفيان نهيتك أن تعد
القوم ولم تسمع كلامى قد اجترؤا علينا ورأوا اناقد أخلفناهم ثم أخذوا فى
الكيد والتهيؤ لغزوة الخندق*
تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بأم سلمة
وفى هذه السنة أو السنة الثالثة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم امّ
سلمة هندا وقيل رملة بنت أبى أمية عبد الله بن مخزوم بن يقظة ابن مرّة بن
كعب بن لؤى واسم أبى أمية سهيل ويقال له زاد الراكب بن المغيرة بن عبد
الله* وقال أبو عمرو تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم سنة اثنتين بعد
بدر فى شوّال وبنى بها فى شوّال كذا فى السمط الثمين* وفى المواهب اللدنية
تزوّجها فى ليال بقين من شوّال من السنة التى مات فيها أبو سلمة* وفى
المنتقى أورد تزوّجها فى السنة الرابعة وكانت قبل رسول الله عند أبى سلمة
بن عبد الاسد هاجرت مع زوجها الى الحبشة ثم هاجرت الى المدينة كذا فى
الوفاء وولدت له سلمة وعمرا وزينب كما سيجىء ومات أبو سلمة بالمدينة فى سنة
ثلاث من الهجرة كما هو فى الصفوة فتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم*
وفى سيرة مغلطاى مات ابو سلمة لثمان خلون من جمادى الآخرة زوجها من النبىّ
صلّى الله عليه وسلم ابنها عمرو وقيل سلمة ويقال تزوّجها سنة اثنتين بعد
بدر ويقال قبل بدر روى ان أبا سلمة جاء الى امّ سلمة وقال لقد سمعت من رسول
الله صلّى الله عليه وسلم حديثا أحب الىّ من كذا وكذا سمعته يقول لا يصيب
أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك ويقول اللهم عندك أحتسب مصيبتى هذه اللهم
اخلفنى فيها خيرا منها الا أعطاه الله عز وجل ذلك قالت امّ سلمة فلما أصبت
يأبى سلمة قلت اللهم عندك أحتسب مصيبتى ولم تطب نفسى أن اقول اللهم اخلفنى
فيها خيرا منها ثم قلت من خير من أبى سلمة أليس أليس ثم قلت ذلك قال لما
انقضت عدّتها أرسل اليها أبو بكر يخطبها فأبت ثم أرسل اليها عمر ابن الخطاب
يخطبها فأبت ثم أرسل اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطبها فقالت
مرحبا برسول الله ان فىّ خلالا ثلاثا أنا امرأة شديدة الغيرة وأنا امرأة
مصبية وأنا امرأة ليس لى ههنا أحد من أوليائى فيزوّجنى فغضب عمر لرسول الله
صلّى الله عليه وسلم أشدّ مما غضب لنفسه حين ردّته فأتاها عمر فقال أنت
التى تردّين رسول الله بما تردّينه فقالت يا ابن الخطاب فىّ كذا وكذا
فأتاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال أما ما ذكرت من غيرتك فأنا أدعو
الله عز وجل ان يذهبها عنك وأما ما ذكرت من صبيتك فالله عز وجلّ سيكفيكهم
وأما ما ذكرت انه ليس من اوليائك أحد شاهد فليس من اوليائك أحد شاهد ولا
غائب يكرهنى فقالت لابنها سلمة زوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى السمط
الثمين أرسل اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة يخطبها
له انتهى فقال رسول الله اما انى لم انقصك عما اعطيت فلانة فقيل لامّ سلمة
ما اعطى فلانة قالت أعطا هاجرتين تضع فيهما حاجتها ورحى ووسادة من أدم
حشوها ليف ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأقبل يأتيها فلما رأته
وضعت زينب أصغر ولدها فى حجرها فلما رأى انصرف ثم أقبل رسول الله صلّى الله
عليه وسلم يأتيها فوضعتها فى حجرها فأقبل عمار مسرعا بين يدى النبىّ صلّى
الله عليه وسلم فانتزعها من حجرها وقال هاتى هذه المشقوحة التى منعت رسول
الله فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يرها فى حجرها قال أين زناب
قالت أخذها عمار فدخل رسول الله على أهله وكانت امّ سلمة فى النساء كأنها
لم تكن فيهنّ لا تجد ما يجدن من الغيرة* وقال أنس ان النبىّ صلّى الله عليه
وسلم تزوّج امّ سلمة على متاع قيمته عشرة دراهم وروى انه لما تزوّجها رسول
الله نقلها الى بيت زينب بنت خزيمة بعد موتها فدخلت فرأت جرّة فيها شعير
ورحى وبرمة فطحنته ثم عصدته فى البرمة وأدمته باهالة وكان ذلك طعام رسول
الله صلّى الله عليه وسلم وطعام آهله ليلة عرسه* وفى القاموس الاهالة الشحم
وما أذيب منه أو الزيت وكل ما ائتدم به
(1/466)
فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثا
ثم أراد أن يدور فأخذت بثوبه فقال ليس بك على أهلك هو ان ان شئت سبعة عندك
وسبعة عندهنّ وان شئت ثلاثا عندك ودرت قالت ثلاث وروى عن هند بنت الفراسية
قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان لعائشة منى شعبة ما نزلها منى
أحد فلما تزوّج امّ سلمة سئل فقيل يا رسول الله ما فعلت الشعبة فسكت فعرف
ان امّ سلمة قد نزلت عنده وروى عن عائشة أنها قالت لما تزوّج رسول الله امّ
سلمة حزنت حزنا شديدا لما ذكروا لى من جمالها فتلطفت حتى رأيتها والله
اضعاف ما وصفت لى فى الحسن والجمال فذكرت ذلك لحفصة وكانتا يدا واحدة فقالت
لا والله ان هذا الا الغيرة ما هى كما يقولون فتلطفت بها حفصة حتى رأتها
فقالت قد رأيتها لا والله ما هى كما تقولين ولا قريب منه وانها لجميلة قالت
فرأيتها بعد وكانت كما قالت حفصة ولكنى كنت غيرى وكانت امّ سلمة عند النبىّ
صلّى الله عليه وسلم سبع سنين وعاشت بعده ثمانية وأربعين سنة وتوفيت فى
أوّل خلافة يزيد بن معاوية سنة ستين وقيل سنة تسع وخمسين وقيل ثنتين وستين
فى شهر رمضان أو شوّال وقبرت بالبقيع وهى بنت أربع وثمانين سنة وصلّى عليها
أبو هريرة قيل كانت الصلاة بوصيتها ودخل قبرها عمرو وسلمة ابنا ابى سلمة
وعبد الله بن أبى اسامة وعبد الله بن زمعة ذكره أبو عمرو صاحب الصفوة قيل
أوّل من هلك من أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعده زينب بنت جحش هلكت
فى خلافة عمرو آخر من هلك منهنّ امّ سلمة هلكت فى زمن يزيد بن معاوية وقيل
آخر من هلك منهنّ ميمونة كما سيجىء مروياتها فى الكتب المتداولة ثلثمائة
وثمانية وسبعون حديثا منها المتفق عليه ثلاثة عشر وفرد البخارى ثلاثة وفرد
مسلم ثلاثة عشروا الباقية فى سائر الكتب*
(ذكر أولاد أم سلمة)
* وكان لها ثلاثة أولاد سلمة وهو أكبرهم وعمرو وزينب وهى أصغرهم ربيبو
النبىّ صلّى الله عليه وسلم وزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم سلمة
أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب وعاش الى خلافة عبد الملك بن مروان ولم تحفظ
له رواية وأما عمرو فله رواية وتوفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وله تسع
سنين وكان مولده بالحبشة فى السنة الثانية من الهجرة واستعمله علىّ على
فارس والبحرين وكان يوم الجمل مع علىّ وتوفى بالمدينة سنة ثلاث وثمانين فى
خلافة عبد الملك وله عقب بالمدينة وأما زينب فولدت أيضا فى الحبشة وقدمت
بها أمّها وكانت اسمها برّة فسماها رسول الله زينب وروى أنها دخلت على
النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو يغتسل فنضح فى وجهها الماء فلم يزل ماء
الشباب فى وجهها حتى كبرت وعجزت وتزوّجها عبد الله بن زمعة بن الاسود
الاسدى فولدت له وكانت من أفقه نساء زمانها ذكره أبو عمرو*
رجم اليهوديين
وفى ذى القعدة من هذه السنة رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهودى
واليهودية بالزنا ونزل قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم
الفاسقون* وعن ابن عمر قال أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيهودى
ويهودية قد أحدثا فقال لهم ما تجدون فى كتابكم قالوا أحبارنا أحدثوا تحميم
الوجه والتحبية قال عبد الله بن سلام ادعهم يا رسول الله يأتوا بالتوراة
فأتوا بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال
له عبد الله بن سلام ارفع يدك فاذا آية الرجم تحت يده فأمر بهما رسول الله
صلّى الله عليه وسلم فرجما عند البلاط فرأيت اليهودى أحنى عليها رواه
البخارى قوله أحدثا أى زنيا التحبية أن يجلد ويحمل على دابة بعد تحميم
الوجه البلاط موضع بالمدينة بين المسجد والسوق يفرش فيه البلاط وهو ضرب من
الحجارة يفرش كذا فى القاموس احنى عليها أى أكب ومال عليها ليقيها الحجارة
كذا فى نهاية ابن الاثير*
وفاة فاطمة أم على بن أبى طالب
وفى هذه السنة توفيت فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم على ابن أبى
طالب* وفى الرياض النضرة قال أبو عمرو وغيره وهى أوّل هاشمية ولدت هاشميا
أسلمت وتوفيت مسلمة بالمدينة وشهدها النبىّ صلّى
(1/467)
الله عليه وسلم وتولى دفنها وألبسها قميصه واضطجع فى قبرها ذكره الخجندى
وذكر الطائى فى الاربعين انه صلّى الله عليه وسلم نزع قميصه وألبسها اياه
وتولى دفنها واضطجع فى قبرها فلما سوّى عليها التراب سئل عن ذلك قال
ألبستها لتلبس من ثياب الجنة واضطجعت معها فى قبرها لا خفف عنها ضغطة القبر
انها كانت أحسن خلق الله صنعا بى بعد أبى طالب* وذكر السلفى انه صلّى الله
عليه وسلم صلّى عليها وتمرّغ فى قبرها وبكى وقال جزاك الله من أمّ خيرا لقد
كنت خير أم قال وكانت ربت النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال وولدت لابى طالب
طالبا وعقيلا وجعفرا وعليا وأم هانى واسمها فاختة وحمانة قال ابن قتيبة
وأبو عمرو وكان علىّ أصغر من طالب بعشر سنين* وفى كتب الاحاديث قال علىّ
قلت لامى فاطمة بنت أسدا كفى فاطمة بنت رسول الله سقاية الماء والذهاب فى
الحاجة وتكفيك خدمة الداخل والطحن والعجن* وفى هذه السنة حرمت الخمر على
قول ابن اسحاق وسيجىء فى الموطن السادس تمامه والله أعلم
* |