تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس

الله (

الجزء الثانى من تاريخ الخميس فى أحوال أنفس نفيس)
[تتمة الركن الثالث من الحوادث من ابتداء نبوته إلى زمان هجرته ووفاته]
* (بسم الله الرحمن الرحيم) **

(الموطن السادس فيما وقع فى السنة السادسة من الهجرة
من سرية محمد بن مسلمة الى القرطا بالضرية وقصة ثمامة وكسوف الشمس وغزوة بنى لحيان وبعث أبى بكر الى كراع الغميم وزيارة النبىّ صلى الله عليه وسلم قبر أمّه وغزوة الغابة وسرية عكاشة الى عمر وسرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة وسرية أبى عبيدة بن الجراح الى مصارع أصحاب محمد بن مسلمة وسرية زيد بن حارثة الى بنى سليم بالجموم وسرية زيد بن حارثة الى العيص وسرية زيد بن حارثة الى الطرف وسرية زيد بن حارثة الى حسمى وسرية كرز ابن جابر الفهرى الى العرنيين وسرية زيد بن حارثة الى وادى القرى وبعث عبد الرحمن بن عوف الى بنى كلب وبعث على بن أبى طالب الى بنى سعد وسرية زيد بن حارثة الى أمّ قرفة وسرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع والاستسقاء وسرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن رزام اليهودى بخيبر وسرية زيد ابن حارثة الى مدين وغزوة الحديبية وبيعة لرضوان ووفاة أمّ رومان ونزول حكم الظهار وتحريم الخمر وتزوّج أمّ حبيبة) *

سرية محمد ابن مسلمة الى القرطا
* وفى محرّم هذه السنة لعشر خلون منه على رأس تسعة وخمسين شهرا من الهجرة كانت سرية محمد ابن مسلمة الى القرطا بطن من بنى بكر بن كلاب وهم ينزلون ضرية بالبكرات* روى أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فى ثلاثين راكبا على جماعة من بنى بكر بن كلاب بموضع يقال له الضرية فى خلاصة الوفا الضرية بفتح الضاد المعجمة وكسر الراء وتشديد المثناة التحتية قرية على سبع مراحل بطريق خارج البصرة الى مكة وفى القاموس ضرية بين البصرة ومكة* وأمره أن يغير عليهم

(2/2)


بغتة وكان محمد يسير بالليل ويختفى بالنهار حتى أغار عليهم فجأة وهم عارون غافلون وهرب سائرهم* وعند الدمياطى قتل نفرا منهم وهرب سائرهم وأصاب منهم خمسين بعيرا وثلاثة آلاف شاة وساقها وقدم المدينة لليلة بقيت من المحرّم فقسمها النبيّ صلى الله عليه وسلم بين أصحابه بعد اخراج الخمس وكانت غيبته فى تلك السرية تسع عشرة ليلة

قصة ثمامة بن أثال الحنفى
وكان معه ثمامة بن أثال الحنفى سيد اليمامة أسيرا فربط بسارية من سوارى المسجد* وفى الاكتفاء ان خيلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت فأخذت رجلا من بنى حنيفة لا يشعرون من هو حتى أتوابه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتدرون من أخذتم هذا ثمامة ابن أثال الحنفى أحسنوا أساره ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أهله فقال اجمعوا ما عندكم من طعام فابعثوا به اليه وأمر بلقحته أن يغدى عليه بها ويراح فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ويأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أسلم يا ثمامة وفى رواية ما تقول يا ثمامة* وفى رواية فخرج اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندى خير يا محمد ان تقتلنى تقتل ذادم وان تنعم تنعم على شاكر وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت فترك حتى كان الغد ثم قال له ما عندك يا ثمامة وهكذا الى ثلاثة أيام ففى اليوم الثالث أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بأن يطلق فانطلق الى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم عاد اليه فقال أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله* وفى الاكتفاء فلما أطلقوه خرج حتى أتى الى البقيع فتطهر وأحسن طهوره ثم أقبل فبايع النبىّ صلى الله عليه وسلم على الاسلام فلما أمسى جاؤه بما كانوا يأتونه به من الطعام فلم ينل منه الا قليلا وباللقحة فلم يصب من حلابها الا يسيرا فتعجب المسلمون من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مم تعجبون من رجل أكل أوّل النهار فى معى كافر وأكل آخر النهار فى معى مسلم انّ الكافر يأكل فى سبعة أمعاء وانّ المسلم يأكل فى معى واحدة* وقال ثمامة حين أسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان وجهك أبغض الوجوه الىّ فأصبح وهو أحب الوجوه الىّ ولقد كان دينك أبغض الاديان الىّ فأصبح وهو أحب الاديان الىّ ولقد كان بلدك أبغض البلاد الىّ فأصبح وهو أحب البلاد الىّ* وفى رواية قال يا محمد والله ما كان على الارض وجه أبغض الىّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه الىّ ووالله ما كان من دين أبغض الىّ من دينك فقد أصبح دينك أحب الاديان الىّ ووالله ما كان من بلد أبغض الىّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد الىّ وانّ خيلك أخذتنى وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره النبىّ صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا ولكنى أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لما تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم خرج الى اليمامة فمنعهم أن يحملوا الى مكة شيئا فكتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك تأمر بصلة الرحم وانك قد قطعت أرحامنا فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل بين قومى وبين ميرتهم ففعل ويقال انه لما كان ببطن مكة فى عمرته لبى فكان أوّل من دخل مكة يلبى فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأت علينا وهموا بقتله ثم خلوه لمكان حاجتهم اليه والى بلده ذكر قصته البخارى*

كسوف الشمس
وفى هذه السنة كسفت الشمس أوّل مرّة قبل الكسوف الذى كان فيه موت ابراهيم كذا فى الوفا*

غزوة بنى لحيان
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة بنى لحيان بكسر اللام وفتحها لغتان وذكرها ابن اسحاق فى جمادى الاولى على رأس ستة أشهر من فتح بنى قريظة* قال ابن حرم الصحيح أنها فى الخامسة قال أهل السير لما وقعت وقعة عاصم بن ثابت وخبيب بن عدى وغيرهما من الصحابة الذين قتلهم هذيل وجد النبىّ صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا فأراد أن ينتقم منهم فأمر أصحابه بالتهيؤ وورّى فأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة

(2/3)


وعسكر فى مائتى رجل ومعهم عشرون فرسا واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم فسلك على غراب جبل بناحية المدينة الى الشام ثم على مخيض تم على البتراء ثم ذات اليسار فخرج على بين ثم على صخيرات اليمام ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة فأسرع السير حتى انتهى الى منازلهم ببطن عران بخط السلفى كتب تحت العين عين صغيرة وقال ابن الاثير بضم الغين المعجمة وفتح الراء وهو واد بين أمج وعسفان وبينه وبين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحاب الرجيع الذين قتلوا فوجد بنى لحيان قد حذروا وتمنعوا فى رؤس الجبال فترحم على أصحاب الرجيع ودعا لهم واستغفر وأقام هناك يوما أو يومين يبعث السرايا فى كل ناحية فلما أخطأ من غرتهم ما أراد قال لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة فخرج فى مائتى راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرّا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا وكان جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه راجعا آيبون تائبون ان شاء الله تعالى لربنا حامدون أعوذ بالله من وعثاء السفر وكابة المنقلب وسوء المنظر فى الاهل والمال كذا فى الاكتفاء* وفى رواية بعث أبا بكر فى عشرة فوارس من عسفان ليسمع بهم قريش فيذعرهم فأتوا كراع الغميم ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا وانصرف صلى الله عليه وسلم الى المدينة ولم يلق كيدا وكانت غيبته عن المدينة أربع عشرة ليلة*

زيارة النبي ص قبر أمه
وفى هذه السنة زار قبر أمّه روى أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من بنى لحيان وقف على الابواء فنظر يمينا وشمالا فرأى قبر آمنة أمه فتوضأ ثم صلى ركعتين فبكى وبكى الناس لبكائه ثم قام فصلى ركعتين ثم انصرف الى الناس فقال ما الذى أبكاكم قالوا بكيت فبكينا يا رسول الله قال ما ظننتم قالوا ظننا أنّ العذاب نازل علينا قال لم يكن من ذلك شئ قالوا ظننا أنّ أمتك كلفت من الاعمال ما لا يطيقون قال لم يكن من ذلك شئ ولكنى مررت بقبر أمى فصليت ركعتين ثم استأذنت ربى عز وجل أن أستغفر لها فنهيت فبكيت ثم عدت وصليت ركعتين فاستأذنت ربى عز وجل أن أستغفر لها فزجرت زجرا فأبكانى ثم دعا براحلته فركبها فسار يسيرا فقامت الناقة لثقل الوحى فأنزل الله ما كان للنبىّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى الى آخر الايتين فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أشهد كم أنى برىء من آمنة كما تبرأ ابراهيم من أبيه* وفى رواية لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة زار قبر أمه بالابواء ثم قام متغيرا ذكره الطيبى فى شرح المشكاة* وفى رواية لما مرّ بالابواء فى عمرة الحديبية زار قبرها وعن أبى هريرة قال زار النبىّ صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربى فى أن أستغفر لها فلم يأذن لى واستأذنته فى أن أزور قبرها فأذن لى فزوروا القبور فانها تذكر الموت* وعن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الاضاحى فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ الا فى سقاء فاشربوا فى الاسقية كلها ولا تشربوا مسكرا رواهما مسلم* وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تزهد فى الدنيا وتذكر الاخرة رواه ابن ماجه* وعن محمد بن النعمان يرفعه الى النبىّ صلى الله عليه وسلم قال من زار قبر أبويه أو أحدهما فى كل جمعة غفر له وكتب برّا رواه البيهقى فى شعب الايمان* وعن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم اذا خرجوا الى المقابر ان يقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لا حقون نسأل الله لنا ولكم العافية رواه مسلم* وعن أبى هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوّارات القبور رواه أحمد والترمذى وابن ماجه وقد رأى بعض أهل العلم انّ هذا كان قبل أن يرخص النبىّ صلى الله عليه وسلم فى زيارة القبور فلما رخص دخل فى رخصته

(2/4)


الرجال والنساء وقال بعضهم انما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهنّ وكثرة جزعهنّ كذا فى المشكاة وعن عائشة قالت كنت أدخل بيتى الذى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وانى واضعة ثوبى وأقول انما هو زوجى وأبى فلما دفن عمر معهما فو الله ما دخلته الا وأنا مشدودة علىّ ثيابى حياء من عمر رواه أحمد والله تعالى أعلم

* (وفى ربيع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة الغابة) *
وتعرف بذى قرد بفتح القاف والراء وبالدال المهملة وهو ماء على بريد من المدينة* وفى خلاصة الوفا الغابة واد لم يزل معروفا فى أسفل سافلة المدينة من جهة الشام وهو مغيض مياه أوديتها بعد مجتمع السيول وكان بها املاك أهل المدينة استولى عليها الخراب والحفياء من أدنى الغابة وانها على خمسة أميال أو ستة من المدينة* وعن محمّد بن الضحاك أنّ العباس كان يقف على سلع فينادى غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم وذلك من آخر الليل وبينهما ثمانية أميال وهو محمول على انتهاء الغابة لا أدناها* وفى حياة الحيوان الغابة موضع بينه وبين المدينة أربعة أميال وفيها أيضا كان للنبىّ صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة بالغابة وهى على بريد من المدينة بطريق الشام* وفى معجم ما استعجم الغابة بالموحدة اثنتان العليا والسفلى ومنبر النبى صلى الله عليه وسلم كان من طرفاء الغابة* وفى خلاصة الوفا وذو قرد ماء انتهى اليه المسلمون فى غزوة الغابة قال ابن الاثير هو بين المدينة وخيبر على يومين من المدينة* وفى فتح البارى مسافة يوم وفى غيره نحو يوم مما يلى بلاد غطفان وكانت فى ربيع الاوّل سنة ست قبل الحديبية وعند البخارى انها كانت قبل خيبر بثلاثة أيام وفى مسلم نحوه قال الحافظ مغلطاى فى ذلك نظر لاجتماع أهل السير على خلافهما انتهى* قال القرطبى شارح مسلم لا يختلف أهل السير أنّ غزوة ذى قرد كانت قبل الحديبية وقال الحافظ ابن حجر ما فى الصحيح من التاريخ لغزوة ذى قرد أصح مما ذكره أهل السير وهى الغزوة التى أغار فزارة على لقاح النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ربيع الاوّل قبل خيبر وعن سلمة بن الاكوع قال رجعنا أى من الغزوة الى المدينة فوالله ما لبثنا فى المدينة الا ثلاث ليال حتى خرجنا الى خيبر وقال ابن اسحاق كانت غزوة بنى لحيان فى شعبان سنة ست فلما رجع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المدينة لم يقم بها الا ليال قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى على لقاحه وقال ابن سعد كانت غزوة ذى قرد فى ربيع الاوّل سنة ست قبل الحديبية ويمكن الجمع بأنّ اغارة عيينة ابن حصن على اللقاح كانت مرّتين الاولى قبل الحديبية والثانية بعدها قبل الخروج الى خيبر كذا فى فتح البارى* وفى المواهب اللدنية سببها أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة وهى ذوات اللبن القريبة العهد بالولادة ترعى بالغابة وكان أبو ذرّ فيها فأغار عليهم عيينة بن حصن الفزارى* وفى المشكاة وغيرها انّ عبد الرحمن بن حصن الفزارى أغار على اللقاح ويمكن الجمع بأنّ عبد الرحمن هو الذى أنشأ الاغارة لكن عيينة لما جاء الى امداده نسبت الاغارة تارة الى هذا وتارة الى هذا وكانت الاغارة ليلة الاربعاء فى أربعين فارسا فاستاقوها وقتلوا ابن أبى ذرّ الغفارى* وقال ابن اسحاق وكان فيها رجل من بنى غفار وامرأته فقتلوا الرجل وسبوا المرأة واحتملوها فى اللقاح وكان أوّل من نذر بهم سلمة بن الاكوع الاسلمى غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس له يقوده حتى اذا علا ثنية الوداع نظر الى بعض خيولهم فأشرف فى ناحية سلع ثم صرخ واصباحاه وخرج يشتدّ فى آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق القوم فجعل يردّهم بالنبل ويقول

(2/5)


اذا رمى* خذها وأنا ابن الاكوع* اليوم يوم الرضع* فكلما وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا ثم عارضهم فاذا أمكنه الرمى رمى ثم قال خذها وأنا ابن الاكوع اليوم يوم الرضع فيقول قائلهم أكيعنا أوّل النهار فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الاكوع فصرخ بالمدينة الفزع الفزع* وفى رواية ونودى يا خيل الله اركبى وكان أوّل ما نودى بها وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خمسمائة وقيل فى سبعمائة واستخلف على المدينة ابن أمّ مكتوم وخلف سعد بن عبادة فى ثلثمائة يحرسون المدينة وكان قد عقد لمقداد بن عمرو فى رمحه لواء وقال له امض حتى تلحقك الخيول وانا على أثرك فأدرك أخريات العدوّ كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء فكان أوّل من انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو وهو الذى يقال له المقداد بن الاسود حليف بنى زهرة ثم كان أوّل فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الانصار عباد بن بشر بن وقش أحد بنى عبد الاشهل وسعد بن زيد أحد بنى كعب بن عبد الاشهل وأسيد بن ظهير أخو بنى حارثة يشك فيه وعكاشة بن محصن أخو بنى أسد بن خزيمة ومحرز بن نضلة أخو بنى أسد بن خزيمة وأبو قتادة الحارث بن ربعى أخو بنى سلمة وأبو عياش وهو عبيد بن زيد بن صامت أخو بنى رزيق فلما اجتمعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر عليهم سعد بن زيد وقال اخرج فى طلب القوم حتى ألحقك فى الناس وقال لابى عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق القوم قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس الناس ثم أضرب الفرس فو الله ما جرى بى خمسين ذراعا حتى طرحنى فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أعطيته أفرس منك وأقول أنا أفرس الناس فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرس أبى عياش هذا فيما يزعمون معاذ بن ما عص أو عائذ بن ما عص فكان ثامنا وبعض الناس يعد سلمة بن عمر وابن الاكوع أحد الثمانية ويطرح أسيد بن ظهير أخابنى حارثة والله أعلم أى ذلك كان* ولم يكن سلمة يومئذ فارسا قد كان أوّل من لحق بالقوم على رجليه فخرج الفرسان فى طلب القوم حتى تلاحقوا وكان أوّل فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو بنى أسد بن خزيمة وكان يقال لمحرز هذا الآخرم ويقال له أيضا قمير لما كان الفزع جال فرس لمحمود بن سلمة فى الحائط وهو مربوط بجذع نخل حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا ضبعا جامعا فقال بعض نساء بنى عبد الاشهل حين رأى الفرس يجول فى الحائط بجذع نخل هو مربوط به يا قمير هل لك فى أن تركب هذا الفرس فانه كما ترى ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين فأعطته اياه فخرج عليه فلم يلبث ان بدأ الخيل بحمامه حتى أدرك القوم فوقف بين أيديهم ثم قال قفوا بنى اللكيعة كذا فى الاكتفاء* وفى سيرة ابن هشام معشر اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من المهاجرين والانصار ثم حمل عليه رجل منهم فقتله وجال الفرس فلم يقدر حتى وقف على اربة فى بنى عبد الاشهل فقيل انه لم يقتل من المسلمين يومئذ غيره وقيل انه قتل مع محرز وقاص ابن محرز المدلجى* قال ابن اسحاق وكان اسم فرس محمود ذا اللمة وقال ابن هشام وكان اسم فرس سعد لا حق واسم فرس المقداد برجة ويقال سمحة وفرس عكاشة ذو اللمه وفرس أبى قتادة خرودة وفرس عباس بن بشر لماع وفرس أسيد بن ظهير مسنون وفرس عياش جلوة قال ابن اسحاق وقد حدّثنى بعض من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك أن محرزا انما كان على فرس عكاشة بن محصن يقال لها الجناح فقتل محرز واستلبت الجناح ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه برده ثم لحق بالناس وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسلمين فاذا حبيب مسحى ببرد أبى قتادة فاسترجع الناس وقالوا قتل أبو قتادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بأبى
قتادة ولكنه قتيل لابى قتادة وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه

(2/6)


* وفى المواهب اللدنية وقتل أبو قتادة مسعدة فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وسلاحه وقتل عكاشة بن محصن أبان بن عمرو وقتل من المسلمين محرز بن نضلة قتله مسعدة وأدرك عكاشة ابن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا واستنقذوا بعض اللقاح* وفى المواهب اللدنية استنقذوا عشرة من اللقاح وأفلت القوم بما بقى وهو عشر وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذى قرد وتلاحق الناس والخيول عشاء وذهب الصريخ الى بنى عمرو بن عوف فجاء الامداد فلم تزل الخيل تأتى والرجال على أقدامهم وعلى الابل حتى انتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يذى قرد وأقام عليه يوما وليلة وقال له سلمة بن الاكوع يا رسول الله لو سرحتنى فى مائة رجل لاستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم الان ليغبقون فى غطفان* وفى المواهب اللدنية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الاكوع اذا ملكت فأسحج بهمزة قطع ثم سين مهملة ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة أى فارفق وأحسن من السجاحة وهى السهولة ثم قال انهم ليقرون فى غطفان فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أصحابه فى كل مائة رجل جزورا* وفى المواهب اللدنية وصلى صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذى قرد ثم رجع قافلا الى المدينة وقد غاب عنها خمس ليال وافلتت امرأة الغفارى على ناقة من ابل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر فلما فرغت قالت يا رسول الله انى نذرت أن أنحرها ان نجانى الله عليها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها انه لا نذر فى معصية الله ولا فيما لا تملكين انما هى ناقة من ابلى ارجعى الى أهلك على بركة الله وهذا حديث ابن اسحاق عن غزوة ذى قرد وخرج مسلم بن الحجاج حديثها فى صحيحه باسناده الى سلمة بن الاكوع مطوّلا ومختصرا وخالف فيه حديث ابن اسحاق فى مواضع منها أنّ هذه الغزوة بعد انصراف النبىّ صلى الله عليه وسلم من الحديبية وجعلها ابن اسحاق قبلها وكذلك فعل ابن عقبة قال القرطبى لا تختلف أهل السير أنّ غزوة ذى قرد كانت قبل الحديبية وما فى الصحيح من التاريخ لها أصح مما فى السير كما مرّ ويمكن الجمع بتكرر الواقعة ويؤيده أنّ الحاكم ذكر فى الاكليل أنّ الخروج الى ذى قرد تكرّر الاولى خرج اليها زيد بن حارثة قبل أحد وفى الثانية خرج اليها النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ربيع الاخر سنة خمس والثالثة هى المختلف فيها ومنها أنّ اللقاح كانت ترعى بذى قرد وكذا فى البخارى وقال ابن اسحاق بالغابة وكذا قال عياض الاوّل غلط ويمكن الجمع بأنها كانت ترعى تارة بذى قرد وتارة بالغابة ومنها قد ورد فى صحاح الاحاديث عن سلمة أنه قال خرجت أنا ورباح عبد النبىّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤذن بلال بالاولى يعنى صلاة الصبح نحو الغابة وأنا راكب على فرس أبى طلحة الانصارى فاذا أغار عبد الرحمن ابن عيينة بن حصن الفزارى قبل طلوع الفجر على لقاح النبىّ صلى الله عليه وسلم وكانت ترعى بذى قرد وقد قتل الراعى واستاق اللقاح فقلت أى رباح اركب هذا الفرس وبلغه الى أبى طلحة وأخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى رواية عن سلمة خرجت قبل أن يؤذن بلال بالاولى فلقينى عبد لعبد الرحمن بن عوف فقلت ويحك مالك قال أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من أخذها قال أخذها غطفان وفزارة* وفى رواية لمسلم ما يقتضى أنّ سلمة كان مع السرح لما أغير عليه وانه قام على اكمة وصاح واصباحاه ثلاثا وهذا يرجح ان السرح كان بالغابة ويبعد كونه بذى قرد اذ لو كان بذى قرد لما أمكنه لحوقهم ومنها أنّ سلمة بن الاكوع استنقذ سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بجملته قال سلمة فو الله ما زلت أرميهم وأعقرهم فاذا رجع
الىّ فارس منهم أتيت شجرة فجلست فى أصلها ثم رميته

(2/7)


فعقرت حتى اذا تضايق الجبل فدخلوا فى مضائقه علوت الجبل فجعلت أردّهم بالحجارة قال فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الا خلفته وراء ظهرى وخلوا بينى وبينه ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفون ولا يطرحون شيئا الا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أتوا متضايقا من ثنية فأتاهم فلان ابن بدر الفزارى فجلسوا يتضحون أى يتغدون وجلست على رأس قرن قال الغزارى ما هذا الذى أرى قالوا لقينا من هذا البرح والله ما رافقنا منذ عيش يومنا حتى انتزع كل شئ فى أيدينا قال فليقم اليه نفر منكم قال فصعد الىّ منهم أربعة فى الجبل فلما أمكنونى من الكلام قلت هل تعرفوننى قالوا لا ومن أنت قلت فأنا سلمة بن الاكوع والذى كرّم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم الا أدركته ولا يطلبنى فيدركنى قال أحدهم أظنّ ذلك فرجعوا فما برحت مكانى حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر فاذا أوّلهم الآخرم الاسدى وعلى أثره أبو قتادة الانصارى وعلى أثره المقداد بن الاسود الكندى فأخذت بعنان الآخرم وقلت يا أخرم احذرهم لا يقتطعونك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال يا سلمة ان كنت تؤمن بالله واليوم الاخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بينى وبين الشهادة قال فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن فقتله وتحوّل على فرسه ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فطعنه فقتله* وفى رواية اختلفا طعنتين فطعن أوّلا الآخرم عبد الرحمن فجرحه ثم طعن عبد الرحمن أخرم فقتله وركب فرسه فبلغه أبو قتادة فاختلفا طعنتين أيضا فطعن أوّلا عبد الرحمن أبا قتادة فجرحه بالرمح الذى طعن به أخرم فطعنه أبو قتادة فقتله فركب فرس أخرم الذى ركبه عبد الرحمن* وفى الشفاء أصاب سهم وجه أبى قتادة يوم ذى قرد فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثر السهم فما ضرب ولا قاح* وفى الاكتفاء قال سلمة بن الاكوع والذى أكرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم أعدو على رجلىّ حتى ما أرى من ورائى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا من غبارهم شيئا حتى عدلوا قبل غروب الشمس الى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش فنظروا الى عدوى وراءهم فجلوتهم عنه فما ذاقوا منه قطرة ويخرجون ويشتدّون فى ثنية فأعد وفألحق رجلا منهم فاصكه بسهم فى نغض كتفه فقلت خذها وأنا ابن الاكوع واليوم يوم الرضع قال يا ثكلة أمه أكوعه بكره قلت نعم يا عدوّ نفسه أكوعه بكره قال وأردوا فرسين على ثنية فجئت بهما أسوقهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحقنى عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذى جلاتهم عنه قد أخذت تلك الابل وكل شئ استنقذته من المشركين وكل رمح وكل بردة واذا بلال نحر ناقة من الابل التى استنقذت من القوم فاذا هو يشوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها قلت يا رسول الله خلنى فانتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر الا قتلته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فى ضوء النهار وقال يا سلمة أتراك كنت فاعلا قلت نعم والذى أكرمك قال انهم الان ليقرّون بأرض غطفان قال فجاء رجل من غطفان فقال نحر لهم فلان جزورا فلما كشطوا جلدها رأوا غبارا فقال أتاكم القوم فخرجوا هاربين فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة ويرخ؟؟؟
رجالتنا سلمة بن الاكوع ثم أعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الراجل وسهم الفارس فجمعهما الىّ جميعا وذكر الزبير بن أبى بكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ فى غزوة ذى قرد هذه على ماء يقال له بيسان فسأل عنه فقيل اسمه يا رسول الله بيسان وهو مالح فقال رسول الله صلى الله

(2/8)


عليه وسلم لا بل اسمه نعمان وهو طيب فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه فغير الله تعالى الماء فاشتراه طلحة بن عبيد الله ثم تصدّق به وجاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنت يا طلحة الافياض فسمى طلحة الفياض قال سلمة ثم أردفنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته فرجعنا الى المدينة فلما دنونا الى المدينة نادى رجل من الانصار هل من سابق نتسابق الى المدينة فاستأذنت النبىّ صلى الله عليه وسلم فسابقته فسبقته*

سرية عكاشة الى غمر مرزوق
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية عكاشة بن محصن الاسدى الى غمر مرزوق بالغين المعجمة المكسورة وهو ماء لبنى أسد على ليلتين من فيد فى أربعين رجلا فخرج سريعا فأخبر به القوم فهربوا فنزل المسلمون عليا بلادهم وبعث شجاع بن وهب فى جماعة الى بعض النواحى فأخذ رجلا من بنى أسد فدلهم على نعمهم فى المرعى فساقوا مائة بعير وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا كيدا*

سرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة بفتح القاف والصاد المهملة المشدّدة موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا ومعه عشرة الى بنى ثعلبة فورد عليه ليلا فأحدق به القوم وهم مائة رجل فتراموا ساعة من الليل ثم حملت الاعراب عليهم بالرماح فقتلوهم الا محمد بن مسلمة فوقع جريحا وجردوهم من ثيابهم ومرّ رجل من المسلمين فحمله حتى ورد به الى المدينة* وفى ربيع الاخر من هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح فى أربعين رجلا الى مصارعهم فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا فى الجبال وأصاب رجلا واحدا فأسلم وتركه وأخذ نعما من نعمهم فاستاقها ورثة من متاعهم وقدم به المدينة فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقى عليهم* وفى القاموس الرث السقط من متاع البيت كالرثة بالكسر*

سرية زيد بن حارثة الى بنى سليم
وفى ربيع الاخر من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة الى بنى سليم بالجموم من أرض بنى سليم ويقال بالجموح ناحية ببطن نخل من المدينة على أربعة أميال فأصابوا امرأة من مزينة يقال لها حليمة فدلتهم على محلة من محال بنى سليم فأصابوا نعما وشاء وأسرى فكان فيهم زوج حليمة المزنية فلما قفل زيد بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها*

سرية زيد بن حارثة أيضا الى العيص
وفى جمادى الاولى من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة أيضا الى العيص موضع على أربعة أميال من المدينة ومعه سبعون راكبا لما بلغه عليه السلام أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام يتعرّض لها فأخذوها وما فيها فأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية وأسر منهم ناسا منهم أبو العاص بن الربيع زوج زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادت فى الناس حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجرانى قد أجرت أبا العاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمت بشئ من هذا وقد أجرنا من أجرت وردّ عليه ما أخذ* وذكر ابن عقبة ان أسره كان على يد أبى بصير بعد الحديبية وكانت هاجرت قبله وتركته على شركه وردّها النبىّ صلى الله عليه وسلم بالنكاح الاوّل قيل بعد سنتين وقيل بعد ست سنين وقيل قبل انقضاء العدّة* وفى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ردّها له بنكاح جديد سنة سبع*

سرية زيد بن حارثة أيضا الى الطرف
وفى جمادى الاخرة من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة أيضا الى الطرف وهو ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة فخرج الى بنى ثعلبة فى خمسة عشر رجلا فأصاب نعما وشاء وهربت الاعراب وصبح زيد بالنعم المدينة وهى عشرون بعيرا ولم يلق كيدا وغاب أربع ليال*

سرية زيد بن حارثة أيضا الى حسمى
وفى جمادى الاخرة من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة أيضا الى حسمى وهو واد وراء ذات القرى* وفى الاكتفاء وكان من حديثها كما حدّث رجال من جذام وكانوا علماء بها ان رفاعة بن زيد الجذامى لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم الى الاسلام فاستجابوا له لم يلبث أن قدم دحية بن خليفة الكلبى من عند قيصر صاحب

(2/9)


الروم حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه تجارة له وقد أجازه قيصر وكساه حتى اذا كان بواد من أوديتهم يقال له حسمى أغار عليه الهنيد بن عوض الضلعى بطن منه وابنه عوض فأصاب كل شئ معه فبلغ ذلك قوما من بنى الضبيب وهم رهط رفاعة ممن كان أسلم وأجاب فنفروا الى الهنيد وابنه فاستنقذوا ما كان فى أيديهما من متاع دحية فخرج دحية حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره واستشفاه دم الهنيد وابنه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وبعث معه جيشا خمسمائة رجل وردّ معه دحية فكان زيد يسير بالليل ويكمن بالنهار حتى هجموا مع الصبح على القوم فأغاروا عليهم وقتلوا فيهم وأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه وأخذوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف ومائة من النساء والصبيان* وفى الاكتفاء فجمعوا ما وجدوا من مال وأناس وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين معهما فلما سمع ذلك بنو الضبيب ركب نفر منهم فيهم حسان بن ملة فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال حسان انا قوم مسلمون فقال له زيد اقرأ أم الكتاب فقرأها فقال زيد بن حارثة نادوا فى الجيش أن قد حرم علينا ثغرة القوم التى جاؤا منها الا من ختر أى غدر واذا بأخت حسان فى الاسارى فقال له زيد خذها فقالت أم الغرار الضلعية أتنطلقون ببناتكم وتذرون أمهاتكم فقال أحد بنى الخصيب انها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم فسمعها بعض الجيش فأخبر بها زيدا فامر بأخت حسان وقد كانت أخذت بحقوى أخيها ففكت يداها من حقويه وقال لها اجلسى مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه فرجعوا ونهى الجيش أن يهبطوا الى واديهم الذى جاؤا منه فامسوا فى أهليهم فلما شربوا عتمتهم ركبوا الى رفاعة بن زيد فصبحوه فقال له حسان بن ملة انك لجالس تحلب المعزى وان نساء جذام أسارى قد غرّها كتابك الذى جئت به فدعا رفاعة بجمل له فشدّ عليه رحله وهو يقول* هل أنت حى وتنادى حيا* ثم غدا رفاعة فى نفر من قومه وهم مبكرون فساروا الى جهة المدينة ثلاث ليال فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح اليهم بيده أن تعالوا من وراء الناس فلما استفتح رفاعة بن زيد النطق قال رجل من الناس يا رسول الله ان هؤلاء قوم سحرة فردّدها مرتين فقال رفاعة رحم الله من لم يحدث فى يومنا هذا الاخيرا ثم دفع رفاعة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه الذى كان كتب له ولقومه ليالى قدم عليه فأسلم فقال دونك يا رسول الله قديما كتابه حديثا غدره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأه يا غلام وأعلن فلما قرأ كتابه استخبرهم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع بالقتلى ثلاث مرّات فقال رفاعة أنت أعلم يا رسول الله لا نحرّم عليك حلالا ولا نحلل لك حراما فقال أبو زيد بن عمر وأحد قومه مع رفاعة أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمى هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق أبو زيد اركب معهم يا على فقال له على يا رسول الله انّ زيدا لا يطيعنى قال فخذ سيفى هذا فأعطاه سيفه فخرجوا فاذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من ابلهم فأنزلوه عنها فقال يا على ما شأنى فقال ما لهم عرفوه فأخذوه ثم ساروا فلقوا الجيش فأخذوا ما بأيديهم حتى كانوا ينتزعون لبد المرأة من تحت الرجل*

سرية كرز الى العرنيين
وفى جمادى الاخرة من هذه السنة على قول ابن اسحاق وهو المذكور فى المواهب اللدنية أو فى شوّال هذه السنة على ما قاله الواقدى وتبعه ابن سعد وابن حبان أو فى ذى القعدة بعد الحديبية وهو المذكور فى البخارى كانت سرية كرز بن جابر الفهرى الى العرنيين بضم العين وفتح الراء المهملتين حى من قضاعة وحى من بجيلة والمراد ههنا الثانى كذا ذكره ابن عقبة فى المغازى* روى ان ثمانية نفر من عرينة وفى البخارى من عكل وعرينة* عكل بضم العين واسكان الكاف وفى الاكتفاء من قيس كبة من بجيلة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلموا فى الاسلام ثم استوخموا أو قال اجتووا أو استوبأوا المدينة

(2/10)


وطلحوا وقالوا انا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فبعثهم النبىّ صلى الله عليه وسلم الى لقاحه* وفى الاكتفاء وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاح ترعى بناحية الجماوان يرعاها عبد له يقال له يسار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه فى غزوة بنى محارب وبنى ثعلبة* وفى رواية بعثهم الى ابل الصدقة وكأنهما كانا معا فصح الاخبار بالبعث الى كل منهما* وفى الاكتفاء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خرجتم الى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها فخرجوا اليها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا وانطوت بطونهم عكنا وعدوا على راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذبحوه* وفى رواية وقتلوا راعيها يسارا وقطعوا يده ورجله وغرّزوا الشوك فى لسانه وعينيه حتى مات واستاقوا الابل فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه الخبر فى أوّل النهار بعث فى أثرهم عشرين فارسا وأمّر عليهم كرز بن جابر الفهرى فأدركوهم وأحاطوا بهم وربطوهم فما ارتفع النهار حتى قدموا بهم المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة فخرجوا بهم نحوه* وفى الاكتفاء فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة ذى قرد فامر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم* وفى رواية وسمرت أعينهم وصلبوا هنا لك* وفى صحيح البخارى فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وما حسمهم ثم ألقوا فى الحرّة يستقون فماسقوا حتى ماتوا قال أنس فكنت أرى أحدهم يكد أو يكدم الارض بفيه وعن محمد بن سيرين انما فعل النبىّ صلى الله عليه وسلم هذا قبل ان تنزل الحدود كذا فى الترمذى قال أبو قلابة هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة فردّوها الا واحدة وفى الوفاء ذكر أهل السيران اللقاح كانت ترعى بناحية الجماوان* وفى رواية بذى الجدر غربى جبال عير على ستة أميال من المدينة وذكر ابن سعد عن ابن عقبة ان أمير الخيل يومئذ سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرة فأدركوهم وربطوهم وأردفوهم على خيلهم وردّوا الابل ولم يفقدوا منها الا لقحة واحدة من لقاحه صلى الله عليه وسلم تدعى الحناء فسأل عنها فقيل نحروها فلما دخلوا بهم المدينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة قال بعضهم وذلك مرجعه من غزوة ذى قرد كما مر فخرجوا بهم نحوه فلقوه بالغابة فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وصلبوا هناك*

سرية زيد الى وادى القرى
وفى رجب هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة الى وادى القرى فقتل من المسلمين قتلى وارتث زيد أى حمل من المعركة رثيثا أى جريحا وبه رمق وهو مبنى للمجهول قاله فى القاموس والله أعلم

* سرية عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل
وفى شعبان هذه السنة بعث عبد الرحمن بن عوف الى بنى كلب بدومة الجندل قال أهل السير دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف فأجلسه بين يديه وعممه بيده وقال اغز باسم الله وفى سبيل الله فقاتل من كفر بالله ولا تغدر ولا تقتل وليدا وبعثه الى بنى كلب بدومة الجندل وقال ان استجابوا لك فتزوّج ابنة ملكهم فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم الى الاسلام فأسلم اصبغ بن عمرو الكلبى وكان نصرانيا وكان رئيسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام من أقام على دينه على اعطاء الجزية وتزوّج عبد الرحمن تماضر ابنة الاصبغ فقدم بها المدينة فولدت له أبا سلمة عبد الله الاصغر وهو من الفقهاء السبعة بالمدينة ومن أفضل التابعين كذا فى المواهب اللدنية وفى الاكتفاء قال عطاء بن أبى رباح سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عبد الله ابن عمر بن الخطاب عن ارسال العمامة من خلف الرجل اذا اعتم فقال عبد الله سأخبرك عن ذلك ان شاء الله تعالى ثم ذكر مجلسا شاهده من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فيه عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها قال فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سود فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ثم نقضها ثم عممه بها وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ثم قال هكذا يا ابن عوف فاعتم

(2/11)


فانه أحسن وأعرف ثم أمر بلالا أن يدفع اليه اللواء فدفعه اليه فحمد الله وصلى على نفسه ثم قال خذه يا ابن عوف اغزوا جميعا فى سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم فأخذ عبد الرحمن اللواء قال ابن هشام فخرج عبد الرحمن ومن معه الى دومة الجندل المذكور

* بعث على بن أبى طالب الى بنى سعد
وفى شعبان هذه السنة بعث على بن أبى طالب فى مائة رجل الى بنى سعد بن بكر بفدك وسببه انه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لهم جمعا يرويدون أن يمدّوا يهود خيبر فسار علىّ بمن معه فأغاروا عليهم وهم عارون بين فدك وخيبر فأخذوا خمسمائة بعير وألفى شاة وهربت بنو سعد وعزل علىّ طائفة من الابل الجياد صفى المغنم وقسم الباقى على السرية وقدم بمن معه المدينة ولم يلقوا كيدا*

بعث زيد الى أم قرفة
وفى رمضان هذه السنة بعث زيد بن حارثة الى أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن زيد الفزارى بناحية وادى القرى على سبع ليال من المدينة وكان سببها ان زيد بن حارثة خرج فى تجارة الى الشام ومعه بضائع لاصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فلما كانوا بوادى القرى لقيه ناس من فزارة من بنى بدر فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فبعثه صلى الله عليه وسلم اليهم فكمن أصحابه بالنهار وساروا بالليل ثم صبحهم زيد وأصحابه فكبروا وأحاطوا بالحاضر وأخذوا أم قرفة وكانت ملكة رئيسة وفى المثل يقال* أمنع وأعز من أم قرفة* لانه كان يعلق فى بيتها خمسون سيفا لخمسين رجلا كلهم لها محرم وهى زوجة مالك بن حذيفة بن بدر كذا فى القاموس وأخذوا بنتها جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر وعمد قيس بن المحسر الى أم قرفة وهى عجوز كبيرة فقتلها قتلا عنيفا وربط برجليها حبلين ثم ربطها بين بعيرين ثم زجرهما فذهبا بها فقطعاها وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك فقرع باب النبىّ صلى الله عليه وسلم فقام اليه عريانا يجرّثو به حتى اعتنقه وقبله وسأله فأخبره بما ظفر به والله أعلم*

سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع
وفى رمضان هذه السنة كانت سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع عبد الله تاجر أهل الشام* وفى سيرة ابن هشام وكان سلام ابن أبى الحقيق وهو أبو رافع اليهودى وهو بخيبر فيمن حزب الاحزاب يوم الخندق كذا ذكره ابن سعد هنا انها كانت فى رمضان وذكر فى ترجمة عبد الله بن عتيك انه بعثه فى ذى الحجة الى أبى رافع سنة خمس بعد وقعة بنى قريظة وقيل فى جمادى الاخرة سنة ثلاث* وفى البخارى قال الزهرى بعد قتل كعب بن الاشرف وأرسل معه أربعة فكانوا خمسة عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبا قتادة الحارث بن ربعى والاسود بن الخزاعى ومسعود بن سنان وأمرهم بقتله فذهبوا الى خيبر فكمنوا فلما هدأت الرجل جاؤا الى منزله فصعدوا درجة له وقدّموا عبد الله بن عتيك لانه كان يرطن باليهودية فاستفتح وقال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له امرأته فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشار اليها بالسيف فسكتت فدخلوا عليه فما عرفوه الا ببياضه فعلوه بأسيافهم* وفى البخارى كان أبو رافع يؤدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه وكان فى حصن له فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد الله لاصحابه اجلسوا مكانكم فانى منطلق ومتلطف للبوّاب لعلى أدخل فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضى حاجته مبديا انه من أهل الحصن فدخل الناس فهتف به البوّاب يا عبد الله ان كنت تريد أن تدخل فادخل فانى أريد أغلق الباب فحسب البوّاب انه من أهل الحصن فدخل عبد الله فكمن فلما دخل الناس أغلق البوّاب الباب ثم علق الاقاليد فأخذها بعد ما رقد وافتتح الباب وكان أبو رافع يسمر عنده وكان فى علالى له فلما ذهب عنه أهل سمره صعد عبد الله فجعل كلما فتح بابا من خارج أغلق عليه من داخل لئلا يصل اليه القوم ان علموا به حتى يقتله فانتهى اليه فاذا هو فى بيت مظلم وسط عياله لا يدرى أين هو

(2/12)


من البيت فقال يا أبا رافع فقال من هذا فأهوى نحو الصوت فضربه ضربة بالسيف وهو دهش فما أغنى عنه شيئا وصاح أبو رافع فخرج عبد الله من البيت فمكث غير بعيد ثم دخل عليه كأنه يغيثه فقال مالك يا أبا رافع وغير عبد الله صوته فقال لامك الويل دخل علىّ رجل فضربنى بالسيف فعمد اليه بالسيف فضربه ضربة أخرى فلم تغن عنه شيئا فصاح وقام أهله فجاء وغير صوته كهيئة المغيث له فاذا هو مستلق على ظهره فوضع ضبيب السيف فى بطنه ثم انكفأ عليه حتى سمع صوت العظم ثم خرج دهشا يفتح الابواب بابا بابا حتى أتى السلم يريد أن ينزل فنزل حتى انتهى الى درجة له فوضع رجله وهو يحسب انه انتهى الى الارض فسقط فى ليلة مقمرة فانكسرت ساقه* وفى رواية فانخلعت رجله فعصبها بعمامته ثم انطلق حتى جلس على الباب فقال لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا فلما صاح الديك قام الناعى على السور فقال أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز فانطلق الى أصحابه يحجل وقال قد قتل الله أبا رافع فأسرعوا فانطلقوا حتى أتوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه بما جرى فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم أبسط رجلك فمسحها فبرأت كما كانت وكأنه لم يشتكها قط* وفى رواية محمد بن سعد أن الذى قتله عبد الله بن أنيس والصواب ان الذى دخل عليه وقتله عبد الله بن عتيك وحده كما فى البخارى كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية بعث صلى الله عليه وسلم خمسة من أصحابه منهم أبو قتادة الى خيبر لقتل سلام بن أبى الحقيق فدخلوا بيته ليلا وقتلوه وخرجوا فنسى أبو قتادة قوسه فرجع اليها وأخذها فأصيبت رجله فشدّها بعمامته ولحق بأصحابه وكانوا يتناوبون حمله حتى قدموا المدينة فأتوا به النبىّ صلى الله عليه وسلم فمسحها بيده فبرأت كأنما لم تشتك وهذا لفظ البخارى* وفى سيرة ابن هشام ولما أصابت الاوس كعب ابن الاشرف فى عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج والله لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى العداوة كابن الاشرف فذكروا ابن أبى الحقيق وهو بخيبر فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قتله فأذن لهم فخرج اليه من الخزرج من بنى سلمة خمسة نفروهم عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة الحارث بن ربعى وخزاعى بن أسود حليف لهم من أسلم فخرجوا حتى اذا قدموا خيبر أتوادار أبى الحقيق ليلا فلم يدعوا بيتا فى الدار الا أغلقوه على أهله قال وكان فى علية له اليها عجلة فاستندوا اليها حتى قاموا على بابه فاستأذنوه فخرجت اليهم امرأته فقالت من أنتم فقالوا انا من العرب نلتمس الميرة فقالت لهم ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه قال فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوّفا أن تكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه قال وصاحت بنا امرأته فنوّهت بنا وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا والله ما يدلنا عليه فى سواد الليل الا بياضه كأنه قطنة ملقاة قال ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يتذكر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل قال ولما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه فى بطنه حتى أنفذه وهو يقول قطنى قطنى أى حسبى حسبى وخرجنا وكان عبد الله بن عتيك رجلا سيئ البصر فوقع من الدرجة فوثبت يده وثيا شديدا ويقال انها رجله فيما قاله ابن هشام وحملناه حتى نأتى نهرا من عيونهم فندخل فيه قال وأوقدوا النيران واشتدّوا فى كل وجه يطلبون حتى اذا أيسو ارجعوا الى صاحبهم فأكتنفوه وهو يقضى بينهم قال فقلنا كيف لنا بأن نعلم بأن عدوّ الله قد مات فقال رجل منا أنا أذهب فأنظر لكم الخبر فانطلق حتى دخل فى الناس قال فوجدتها ورجال يهود حوله وفى يدها المصباح فتنظر فى وجهه وتحدّثهم وتقول أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت وقلت اين ابن عتيك بهذه البلاد ثم أقبلت عليه تنظر فى وجهه ثم قالت فاظ؟؟؟ واله يهود فما سمعت كلمة كانت ألذ الى نفسى منها قال ثم جاءنا فأخبرنا
الخبر فاحتملنا

(2/13)


صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدوّ الله واختلفنا عنده فى قتله وكلنا يدّعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا أسيافكم فجئناه بها فنظر اليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس هذا قتله أرى فيه أثر الطعام*

حديث الاستسقاء
وفى رمضان هذه السنة استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجدب الناس فطروا فقال صلى الله عليه وسلم أصبح الناس مؤمنا بالله وكافرا بالكواكب* قاله مغلطاى واستسقى فى موضع المصلى وصلى صلاة الاستسقاء روى أنه قحط الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه المسلمون وقالوا يا رسول الله قحط المطر ويبس الشجر وهلكت المواشى وأسنت الناس فاستسق لنا ربك فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه يمشى ويمشون بالسكينة والوقار حتى أتوا المصلى فتقدّم وصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ فى العيدين والاستسقاء فى الركعة الاولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الاعلى وفى الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية فلما قضى صلاته استقبل الناس بوجهه وقلب رداءه لكى ينقلب القحط الى الخصب ثم جثا على ركبتيه ورفع يديه وكبر تكبيرة قبل أن يستسقى ثم قال اللهم أسقنا وأغثنا غيثا مغيثا وحياء ربيعا وجدا طبقا غدقا مغدقا عامّا هنيئا مريئا مريعا مرتعا وابلا شاملا مسبلا مجللا دائما ودرا نافعا غير ضارّ عاجلا غير رائث غيثا اللهم تحيى به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغا صالحا للحاضر والباد اللهم أنزل فى أرضنا زينتها وأنزل عليها سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا تحى به بلدة ميتا واسقه مما خلقت أنعاما وأناسىّ كثيرا* فما برحوا حتى أقبل قزع من السحاب فالتأم بعضه الى بعض ثم أمطرت سبعة أيام بليا ليهنّ لا تقلع عن المدينة فأتاه المسلمون وقالوا يا رسول الله قد غرقت الارض وتهدّمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله تعالى أن يصرفها عنا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر حتى بدت نواجذه تعجبا لسرعة ملالة بنى آدم ثم رفع يديه ثم قال حوالينا ولا علينا اللهم على رؤس الظراب ومنابت الشجر وبطون الاودية وظهور الاكام فتصدّعت عن المدينة حتى كانت مثل ترس عليها كالفسطاط تمطر مراعيها ولا تمطر فيها قطرة* وفى رواية لما صارت المدينة كالفسطاط وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لله أبو طالب لو كان حيا لقرّت عيناه من الذى ينشدنا قوله فقام على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال يا رسول الله كأنك أردت
وأبيض يستسقى العمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل
يلوذبه الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده فى نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله يردى محمد ... ولما نقاتل دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فقام رجل من كنانة يترنم ويذكر هذه الابيات ويقول فى ذلك
لك الحمد والشكر ممن شكر ... سقينا بوجه النبىّ المطر
دعا الله خالقنا دعوة ... اليه وأشخص منه البصر
ولم يك الا كقلب الردا ... وأسرع حتى رأينا المطر
دفاق الغرائل جم البعاق ... أغاث به علينا مضر
وكان كما قاله عمه ... أبو طالب أبيض ذو غرر
به الله يسقيه صوب الغمام ... وهذا العيان لذاك الخبر

(2/14)


فمن يشكر الله يلق المزيد ... ومن يكفر الله يلق العبر
فقال صلى الله عليه وسلم ان يكن شاعر أحسن فقد أحسنت وأنشد بعض السلف عقيب حديث الاستسقاء هذه الابيات
سألنا وقد ضنّ السحاب بمائه ... نبى الهدى فى جمعة وهو يخطب
فقلنا قد اغبرّت من الجدب أرضنا ... فليس لنا فيها من الضرّ مذهب
فما زال يدعو الله والصحب حوله ... ويضرع مقلوب الرداء ويرغب
الى أن بدت من نحو سلع غمامة ... فلما تزل سبعا على القوم تسكب
فقام اليه بعض من كان شاهدا ... يقول وأخلاف السموات تحلب
سل الله يا خير النبيين حبسها ... فقد خيف منها أن تهدّم يثرب

سرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن رزام اليهودى
وفى شوّال هذه السنة كانت سرية عبد الله بن رواحة الى اسير ابن رزام اليهودى بخيبر* وفى سيرة ابن هشام اليسير بن رزام ويقال رازم وكان سببها أنه لما قتل أبو رافع بن أبى الحقيق أمّرت يهود عليها أسيرا فسار فى غطفان وغيرهم يجمع لحربه صلى الله عليه وسلم وبلغه ذلك فوجه عبد الله بن رواحة فى ثلاثة نفر فى رمضان سرّ افسأل عن خبره وعربه فأخبر بذلك فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فندب عليه السلام الناس فانتدب له ثلاثون رجلا لأمّر عليهم عبد الله بن رواحة فقدموا عليه وقالوا انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا اليك لتخرج اليه يستعملك على خيبر ويحسن اليك فطمع فى ذلك وخرج معه ثلاثون رجلا من اليهود مع كل رجل رديفه من المسلمين حتى اذا كانوا بقرقرة فضربه عبد الله بن أنيس بالسيف وكان فى السرية فسقط عن بعيره ومالوا على أصحابه فقتلوهم غير رجل ولم يصب من المسلمين أحد ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد نجاكم الله من القوم الظالمين* وفى الاكتفاء غزا عبد الله بن رواحة خيبر مرّتين احداهما التى أصاب فيها اليسير بن رزام ومن حديثه أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة فى نفر من أصحابه منهم عبد الله بن أنيس حليف بنى سلمة فلما قدموا عليه كلموه وقاربوا له وقالوا له انك ان قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملك وأكرمك فلم يزالوا به حتى خرج معهم فى نفر من يهود فحمله عبد الله بن أنيس على بعيره حتى اذا كانوا بالقرقرة من خيبر على ستة أميال ندم اليسير على مسيره الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففطن به عبد الله بن أنيس وهو يريد السيف فاقتحم به فضربه بالسيف فقطع رجله وضربه اليسير بمخرش فى يده من شوحط فأمّه فمال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله الا رجلا واحدا أفلت على رجليه فلما قدم عبد الله بن أنيس على رسول الله عليه السلام تفل على شجته فلم تقح ولم تؤذه*

سرية زيد بن حارثة الى مدين
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الى مدين وفى معجم ما استعجم مدين بلد بالشام معلوم تلقاء غزة وهو المذكور فى كتاب الله تعالى وهو منزل جذام وشعيب النبىّ عليه السلام المبعوث الى أهل مدين أحد بنى وائل من جذام فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم اذا قدم جذام مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى لا تقوم الساعة حتى يتزوّج فيكم المسيح ويولد له وفى كتاب الاعلام شعيب هو شعيب ابن صيعون بن مدين بن ابراهيم* وفى أنوار التنزيل مدين قرية شعيب سميت باسم مدين بن ابراهيم ولم تكن فى سلطنة فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمانى مراحل بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية الى مدين أميرهم زيد بن حارثة فأصاب سرايا من أهل مينا قال ابن اسحاق ميناهى سواحل فبيعوا وفرّقوا بين الامّهات وأولادهنّ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال ما لهم

(2/15)


فأخبر خبرهم فقال لا تبيعوا الا جميعا*

غزوة الحديبية
وفى هلال ذى القعدة من هذه السنة وقعت غزوة الحديبية* وفى معجم ما استعجم الحجازيون يخففونها والعراقيون يثقلونها ذكر ذلك ابن المدينى فى كتاب العلل والشواهد وكذلك الجعرانة والحديبية قرية سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة وبين الحديبية والمدينة تسع مراحل وبينها وبين مكة مرحلة* قيل هى من الحرم وقيل بعضها من الحرم قال المحب الطبرى هى قرية قريبة من مكة أكثرها فى الحرام وهى على تسعة أميال من مكة* وفى شفاء الغرام ومسجد الشجرة بالحديبية والشجرة المنسوب اليها هذا المسجد هى الشجرة التى كانت تحتها بيعة الرضوان وكانت هذه الشجرة سمرة معروفة عند الناس وهذا المسجد عن يمين طريق جدّة وهو المسجد الذى يزعم الناس أنه الموضع الذى كان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وثمة مسجد آخر وهذان المسجدان والحديبية لا تعرف اليوم والله أعلم بذلك* وسبب هذه الغزوة أنه أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام بالمدينة قبل أن يخرج الى الحديبية أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام وأخذ مفتاح الكعبة بيده وطافوا واعتمروا وحلق بعضهم وقصر بعضهم فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك فأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر فاستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادى من الاعراب ليخرجوا معه وهو لا يريد الحرب لكنه يخشى من قريش أن يتعرّضوا له بحرب أو يصدّوه عن البيت وأبطأ عليه كثير من الاعراب فاغتسل النبىّ صلى الله عليه وسلم ولبس ثيابه وركب ناقته القصوى واستخلف على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم وخرج منها يوم الاثنين غرّة ذى القعدة من السنة السادسة من الهجرة للعمرة وهى عام الحديبية ومعه أصحابه من المهاجرين والانصار ومن لحق به من العرب وساق معه سبعين بدنة منها جمل أبى جهل الذى غنمه يوم بدر وجعل على الهدى ناجية بن جندب الاسلمى* وفى معالم التنزيل ناجية بن عمير وساق ذو اليسار من أصحابه معه الهدى فصلى الظهر بذى الحليفة وقلد الهدى وأشعر فتولى تقليد البعض بنفسه وأمر ناجية فقلد الباقى واقتدى به من أصحابه من كان معه الهدى فقلدوا وأشعروا ثم أحرم من ذى الحليفة بالعمرة ولبى فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك انّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك فاقتدى به جمهور الصحابة فأحرموا من ذى الحليفة وبعضهم أحرم من جحفة وبعث من ذى الحليفة عينا له من خزاعة يقال له بشر بن سفين بن عمرو بن عويمر الخزاعى يخبره عن قريش وقدّم ناجية الاسلمى مع الهدى وسار هو من خلفه وجعل عباد بن بشر فى عشرين راكبا من المهاجرين والانصار طليعة وكانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر كذا فى البخارى عن البراء وعن مروان والمسور بن مخرمة بضع عشرة مائة* وفى معالم التنزيل الناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن عشرة نفر وكانت معه من أمّهات المؤمنين أمّ سلمة ولما بلغ المشركين خبر مسيره الى مكة تشاور وافى ذلك فاستقرّ رأيهم على انهم يصدّوه عن البيت واستعانوا من قبائل العرب وجماعة الاحابيش فأجابوهم واستعدّوا وخرجوا من مكة وعسكروا بموضع يقال له بلدح وجعلوا خالد بن الوليد وعكرمة بن أبى جهل فى مائتى رجل طليعة وسار صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان بغدير الاشطاط على وزن الاشتات تلقاء الحديبية على ثلاثة أميال من عسفان مما يلى مكة أتاه عنه الخزاعى الذى بعثه من ذى الحليفة الى أهل مكة بخبر قريش* وفى الاكتفاء حتى اذا كان بعسفان لقيه عينه بشر بن سفين الكعبى فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل وقد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذى طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا وهذا خالد بن الوليد فى خيلهم قد قدّموها الى كراع الغميم* وفى رواية قال انّ قريشا جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الاحابيش وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت فقال

(2/16)


النبىّ صلى الله عليه وسلم أشيروا علىّ أيها الناس أترون أن أميل على ذرارى هؤلاء الذين عاونوهم فنصيبهم فان قعدوا قعدوا موتورين وان نجوا يكونوا عتقاء عتقها الله أو ترون البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدّنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله فنفذوا حتى اذا كانوا ببعض الطريق قال النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ خالد بن الوليد بالغميم فى خيل لقريش طليعة لهم فخذوا ذات اليمين* وفى الاكتفاء بعد ما أخبره عينه بتهيؤ قريش للصدّ عن البيت قال النبىّ صلى الله عليه وسلم يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بينى وبين سائر العرب فان هم أصابونى كان الذى أرادوا وان أظهرنى الله عليهم دخلوا فى الاسلام وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوّة فما تظنّ قريش فو الله لا أزال أجاهد على الّذى بعثنى الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة ثم قال من رجل يخرج بنا على غير طريقهم فقال رجل من أسلم أنا فسلك بهم طريقا وعرا أجزل بين شعاب فلما خرجوا منه وقد شق عليهم وأفضوا الى أرض سهلة عند منقطع الوادى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا نستغفر الله ونتوب اليه فقالوا ذلك فقال والله انها للحطة التى عرضت على بنى اسرائيل فلم يقولوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسلكوا ذات اليمين بين ظهرى الحمض فى طريق مخرجة على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة فسلك الجيش ذلك الطريق فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين الى قريش وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا سلك فى ثنية المرار بركت ناقته قالت الناس خلأت القصوى الى آخر الحديث* وفى نهاية ابن الاثير الخلأ للنوق كالالحاح للجمال والحران للدواب يقال خلأت الناقة وألخ الجمل وحرن الفرس* وفى خلاصة الوفاء الغميم بالفتح موضع بين رابغ والجحفة قاله المجد وقال ابن شهاب الغميم بين عسفان وضجنان وقال عياض هو واد بعد عسفان بثمانية أميال* وفى القاموس الغميم كأمير واد بين الحرمين على مرحلتين من مكة وقيل الغميم حيث حبس العباس أبا سفيان بن حرب أيام الفتح دون الاراك الى مكة وهذا يقتضى أن يكون الغميم دون مر الظهران الى مكة لان الجيوش مرّت على أبى سفيان بعد توجهها من مر الظهران الى مكة فيكون الغميم بين مر الظهران ومكة كذا فى شفاء الغرام ومن كراع الغميم الى بطن مر خمسة عشر ميلا ومر الظهران هو الذى تسميه أهل مكة الوادى ويقال له وادى مر أيضا نقل الحازمى عن الكندى ان مرا اسم لقرية والظهران اسم للوادى وبين مرو مكة ستة وعشرون ميلا على ما قاله البكرى وقيل ثمانية عشر ميلا وقيل أحد وعشرون كذا فى شفاء الغرام ودون مر بثلاثة أميال مسلك خشن وطريق رتب بين جبلين وهو الموضع الذى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه عباسا أن يحبس هناك أبا سفيان حتى يرى جيوش المسلمين ومن مر الظهران الى سرف سبعة أميال ومن سرف الى مكة ستة أميال وبين مكة وسرف التنعيم ومنه يحرم من أراد العمرة وهو الموضع الذى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبى بكر أن يعمر منه عائشة ودونه الى مكة مسجد عائشة بينه وبين التنعيم ميلان* وفى شفاء الغرام التنعيم من جهة المدينة النبوية امام أدنى الحل على ما ذكره المحب الطبرى وليس بطرف الحل ومن فسره بذلك تجوّز وأطلق اسم الشئ على ما قرب منه وأدنى الحل انما هو من جهته ليس موضع فى الحل أقرب الى الحرم منه وهو على ثلاثة أميال من مكة والتنعيم امامه قليلا فى صوب طريق مر الظهران وقال صاحب المطالع التنعيم من الحل بين مكة وسرف على فرسخين من مكة وقيل على أربعة اميال وسميت بذلك لان جبلا عن يمينها يقال له نعيم وآخر عن شمالها يقال له ناعم والوادى نعمان وبين أدنى الحل ومكة ذو طوى وهذا وقع فى البين لفوائد فلنرجع الى ما كنا فيه قال فو الله

(2/17)


ما شعر بهم خالد حتى اذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذير القريش وسار النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان بثنية ارمياء الثنية التى يهبط عليها منها بركت راحلته فقال الناس حل حل فالحت فقالوا خلأت القصوى فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصوى وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذى نفسى بيده لا تدعونى قريش اليوم الى حطة يعظمون فيها حرمات الله وفيها صلة الرحم الا أعطيتهم ثم زجرها فوثبت فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا فلم يلبث حتى نزحوه وشكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسل العطش فانتزع سهما من كنانته وأعطاه رجلا من أصحابه يقال له ناجية بن عمير وهو سائق بدن النبىّ صلى الله عليه وسلم فنزل فى البئر فغرزه فى جوفه فو الله ما زال يجيش لهم بالرواء حتى صدروا عنه* وفى المشكاة فبلغ النبىّ صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا باناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها ثم قال دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركائبهم حتى ارتحلوا رواه البخارى* وعن البراء بن عازب عن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه قالوا ليس عندنا ما نتوضأ به ونشرب الا ما فى ركوتك فوضع النبىّ صلى الله عليه وسلم يده فى الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضأنا* قيل لجابركم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة متفق عليه* قال فبينماهم كذلك اذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعى فى نفر من قومه وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال انى تركت كعب بن لؤى وعامر بن لؤى نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت* العوذ جمع عائذ وهى كل أنثى لها سبع ليال منذ وضعت وقيل النساء مع الاولاد وقيل النوق مع فصلانها وهذا هو الاصل وهى كالنفساء من النساء والمطافيل ذوات الاطفال الصغار جمع مطفيل وهى الناقة التى معها ولدها ذكرهما فى المنتقى* فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين وانّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم فان شاؤا ماددتهم مدّة ويخلوا بينى وبين الناس وان شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا والا فقد حموا وان هم أبوا فو الذى نفسى بيده لا قاتلنهم على أمرى هذا حتى تنفرد سالفتى وهى أعلى العنق أو لينفذنّ الله أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال انا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فان شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشئ وقال ذو الرأى منهم هات ما سمعته قال سمعته يقول كذا وكذا فحدّثهم بما قال النبىّ صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفى فقال أى قوم ألستم بالولد قالوا بلى قال ألست بالوالد قالوا بلى قال فهل تتهمونى قالوا لا قال ألستم تعلمون أنى استنفرت أهل عكاظ فلما بلجوا علىّ جئتكم بأهلى وولدى ومن أطاعنى قالوا بلى قال فانّ هذا الرجل قد عرض عليكم حطة رشد فاقبلوها ودعونى آته قالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك يا محمد ان استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وان تكن الآخرى فانى والله لا أرى وجوها وانى لارى أشوابا من الناس خليقا أن يفرّوا ويدعوك فقال له أبو بكر امصص بظر اللات أنحن نفرّ عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر قال أما والذى نفسى بيده لولا يد كانت لك عندى لم أجزك بها لا جبتك وكان عروة فى الجاهلية تحمل دينا فأعانه أبو بكر فيه اعانة جميلة* وفى رواية أعطاه عشرة ابل شواب وجعل عروة يكلم النبى صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبىّ صلى الله
عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما

(2/18)


أهوى عروة بيده الى لحية النبىّ صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنصل السيف ويقول اكفف يدك عن لحية رسول الله فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال أى غدر ألست أسعى فى غدرتك* وفى رواية لما أكثر المغيرة ضرب يد عروة بنصل السيف غضب عروة وقال يا محمد من هذا الذى يؤذينى من بين أصحابك والله ما أظنّ فيكم ألأم منه ولا أسوأ منه فتبسم النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال يا عروة هذا ابن أخيك المغيرة ابن شعبة فأقبل عروة على المغيرة وقال أى غدر ألست أسعى فى غدرتك وكان المغيرة صحب فى الجاهلية ثلاثة عشر رجلا من بنى مالك من قبيلة ثقيف وكانوا خرجوا الى مصر وقصدوا المقوقس ولما بلغوا الى مصر ولا قوة أمر لكل واحد منهم بالجائزة ولم يعط المغيرة شيئا فحسد عليهم وبعد ما رجعوا من مصر نزلوا منزلا وشربوا خمرا فلما سكروا وناموا وثب عليهم المغيرة وقتل هؤلاء الثلاثة عشر كلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أمّا الاسلام فأقبل وأمّا المال فلست منه فى شئ فلما أخبر بنو مالك اختصموا مع رهط المغيرة وشرعوا فى محاربتهم فسعى عروة بن مسعود الثقفى فى اطفاء نائرة الحرب وقبل لبنى مالك ثلاث عشرة دية فصالحوا على ذلك* فقول عروة للمغيرة أى غدر ألست أسعى فى غدرتك كان اشارة الى تلك القصة ثم انّ عروة جعل يرمق أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم بعينيه فلما رجع الى قريش قال أى قوم لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشى والله ان رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمدا والله أعلم ما تنخم نخامة الا وقعت فى كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده اذا أمر ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم أو تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون اليه النظر تعظيما له* وفى رواية واذا سقطت شعرة من رأسه أو لحيته أخذوها تبركا وحفظوها احتراما وانه قد عرض عليكم حطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بنى كنانة دعونى آته فقالوا ائته فلما أشرف على النبىّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعث له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغى لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت ثم بعثوا اليه الحليس* وفى رواية رقت وفاضت عيناه وقال هلكت قريش ورب الكعبة ما جاء هؤلاء الا للعمرة فلما رجع الى أصحابه قال رأيت بدنا قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدّوا عن البيت ثم بعثوا اليه الحليس بن علقمة كذا فى معالم التنزيل* وفى روضة الاحباب قعد الرجل الكنانى والحليس واحدا فقال رجل من بنى كنانة يقال له الجليس* وفى رواية العلقمة الى آخره وكان الحليس يومئذ سيد الاحابيش فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان هذا من قوم يتألهون فابعثوا بالهدى فى وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادى فى قلائد قد أكل أوباره من طول الحبس رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظاما لما رأى فقال يا معشر قريش انى رأيت مالا يحل صدّه الهدى فى قلائد قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله فقالوا له اجلس فانما أنت رجل أعرابى لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أن تصدّوا عن البيت الحرام من جاءه معظما له والذى نفس الحليس بيده لتخلنّ بين محمد وبين ما جاء له أو لا نفرنّ بالاحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له مه كف عنايا حليس حتى نأخذ لا نفسنا ما نرضى به* وفى الاكتفاء دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم جواس ابن أمية الخزاعى فحمله على بعير له وبعثه الى قريش ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا الجمل وأرادوا قتله فنعته الاحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثت قريش أربعين رجلا أو خمسين وأمروهم أن يطوفوا بعسكر

(2/19)


رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا فأخذوا أخذ فأتى بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلى سبيلهم*

(ذكر بيعة الرضوان)
* ولما رجع الجواس دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه الى مكة فقال انى أخاف قريشا على نفسى وليس بمكة من بنى عدى ابن كعب أحد يمنعنى وقد عرفت قريش عداوتى اياها وغلظتى عليها ولكن أدلك على رجل هو أعز بها منى عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وبعثه الى أبى سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وانما جاء زائرا للبيت معظما لحرمته فخرج عثمان الى مكة فلقيه أبان ابن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فحمله أبان بين يديه ثم أجاره حتى يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له فيما ذكر غير ابن اسحاق أقبل وأدبر ولا تخف أحدا بنو سعيدهم أعزة الحرم وانطلق عثمان حتى دخل مكة وأتى أبا سفيان وعظماء قريش وأشرافهم وبلغهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاقدوه ولما فرغ وأراد أن يرجع قالوا ان شئت أن تطوف بالبيت فطف قال ما كنت لا فعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضبت قريش وحبسته عندها ولما أبطأ عثمان قال المسلمون طوبى لعثمان دخل مكة وسيطوف وحده فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما كان ليطوف وحده ولما احتبس عثمان طارت الاراجيف بأنّ عثمان قد قتل أى بأنّ قريشا قتلوه بمكة قيل انّ الشيطان دخل جيش المسلمين ونادى بأعلى صوته ألا انّ أهل مكة قتلوا عثمان فحزن النبىّ صلى الله عليه وسلم والمسلمون من سماع هذا الخبر حزنا شديدا فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا النبىّ صلى الله عليه وسلم الناس الى البيعة فبايعهم على أن يقاتلوا قريشا ولا يفرّوا عنهم* وكان صلى الله عليه وسلم جالسا تحت سمرة أو سدرة وكان عدد المبايعين ألفا وثلثمائة قاله عبد الله بن أبى اوفى أو ألفا وأربعمائة على ما قاله معقل بن يسار قال لقد رأيتنى يوم الشجرة والنبىّ صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة مائة أو ألفا وخمسمائة على ما قاله جابر وسميت هذه البيعة بيعة الرضوان لان الله تعالى ذكر فى سورة الفتح المؤمنين الذين صدرت عنهم هذه البيعة بقوله لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فسميت بهذه الاية كذا فى المدارك قال سعيد بن المسيب حدّثنى أبى أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نفد عليها* روى أنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه مرّ بذلك المكان بعد ذهاب الشجرة فقال أين كانت فجعل بعضهم يقول ها هنا وبعضهم يقول هنا فلما كثر اختلافهم قال سيروا قد ذهبت الشجرة قال أبو بكر بن الاشجع وسلمة بن الاكوع بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل على ما استطعتم وقال جابر ابن عبد الله ومعقل بن يسار ما بايعناه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفرّ وقال أبو عيسى معنى الحديثين صحيح فبايعه جماعة على الموت أى لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نقتل وبايعه آخرون وقالوا لا نفرّ كذا فى معالم التنزيل وكان أول من بايعه بيعة الرضوان رجل من بنى أسد يقال له أبو سنان بن وهب ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين ممن حضرها الا الجدّ بن قبس الانصارىّ أخو بنى سلمة اختفى تحت ابط بعيره قال جابر وكأنى أنظر اليه لاصقا يابط ناقته مستترا بها عن الناس وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ عثمان فى حاجة الله وحاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه لعثمان وكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لانفسهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير أهل الارض وعن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة

(2/20)


ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر بانّ ما ذكر من أمر عثمان باطل ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو وقالوا ائت محمدا فصالحه ولا يكون فى صلحه الا أن يرجع عنا عامه هذا فو الله لا تحدّث العرب أنه دخل علينا عنوة أبدا* وروى أنه بعد ما رجع الحليس قام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعونى آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبى صلى الله عليه وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى رواية قال وهو رجل غادر فلا تقولوا له شيئا فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم بكلمه فبينما هو يكلمه اذ جاء سهيل بن عمرو فلما رآه النبىّ صلى الله عليه وسلم مقبلا قال قد سهل لكم من أموركم وقد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى اليه سهيل قال يا محمد انّ قريشا يصالحونك على ان تعتمر من العام المقبل* وفى الاكتفاء تكلم سهيل فأطال الكلام وتراجعا ثم جرى بينهما الصلح* وفى المدارك بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص على أن يعرضوا على النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك على أن تخلى له قريش مكة من العام المقبل ثلاثة أيام فقبل النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال سهيل هات اكتب بيننا وبينكم كتاب صلح فدعا النبىّ صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال له اكتب* بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل وأصحابه أمّا الرحمن فو الله ما ندرى أو ما نعرف ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون لا نكتب الا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال اكتب هذا ما قضى أو صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو فقالوا والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك محمد ابن عبد الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انى لرسول الله وان كذبتمونى اكتب محمد بن عبد الله* وفى رواية كان الكاتب على بن أبى طالب وكان قد كتب محمد رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى امح رسول الله واكتب مكانه محمد بن عبد الله فقال على لا والله لا أمحوك أبدا فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم فأرنيه فأراه اياه فأخذ الكتاب بيده الكريمة صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومحا رسول الله ولم يكن يحسن الكتابة فكتب مكانه ابن عبد الله وكانت هذه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كتب بيده ولم يكن يحسن الخط* وفى شواهد النبوّة وغيرها أنه صلى الله عليه وسلم بعد ما كتب فى كتاب الصلح محمد بن عبد الله أقبل بوجهه على علىّ فقال يا على سيكون لك يوم مثل هذه الواقعة وهذا الكلام كان اشارة الى أنه لما وقعت المصالحة بين علىّ ومعاوية بعد حرب صفين وكتب الكاتب فى كتاب الصلح هذا ما صالح أمير المؤمنين علىّ قال معاوية لا تكتب أمير المؤمنين لو كنت أعلم انه أمير المؤمنين ما قاتلته ولكن اكتب على بن أبى طالب فلما سمع ذلك علىّ تذكر قول النبىّ صلى الله عليه وسلم له يوم الحديبية فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب على بن أبى طالب ثم قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لسهيل على أن تخلوا بيننا وبين البيت لنطوف به قال سهيل والله لا تتحدّث العرب أنا أخذنا ضغطة واضطرارا ولكن ذلك من العام المقبل فكل شرط شرطه سهيل يوم الحديبية قبله النبىّ صلى الله عليه وسلم وكتبه علىّ وكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض وعلى انه من أتى محمدا من قريش بغير اذن وليه ردّه عليه وان كان مسلما وان جاء قريشا ممن مع محمد لم يردّوه عليه وانّ بيننا عيبة مكفوفة وانه لا اسلال ولا اغلال وانه من أحب أن يدخل فى عقد قريش
وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن فى عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن فى عقد قريش وعهدهم وانك ترجع عنا عامك هذا فلا

(2/21)


تدخل علينا مكة وانه اذا كان عام قابل خرجنا عنها فدخلتها أنت وأصحابك فأقمت فيها ثلاثا مع سلاح الراكب السيوف فى القرب لا تدخلها بغيرها* وفى رواية ولا تدخلها الا بجلباب السلاح السيف والقوس ونحو ذلك كذا فى المنتقى* وفى رواية لما بلغ هذا الشرط ان من أتى محمدا من قريش ردّه عليهم وان كان مسلما ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردّوه عليه تعجب المسلمون من هذا الشرط فقالوا سبحان الله كيف نردّ من أتانا مسلما وقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال نعم انه من ذهب منا اليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا* وفى رواية قال عمر عند ذلك أترضى بهذا الشرط يا رسول الله فتبسم النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال من جاءنا منهم فرددناه اليهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا ومن أعرض عنا وذهب اليهم لسنا منه فى شئ أو ليس منا بل هو أولى بهم فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو اذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف فى قيده وقد انفلت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل يا محمد هذا أوّل ما أقاضيك عليه ان تردّه الىّ فقال انا لم نقض الكتاب بعد قال فو الله ما أصالحك على شىء أبدا قال النبىّ صلى الله عليه وسلم فأجره لى قال ما أنا بمجير لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجرناه لك قال لا تعذبه وكان قد عذب فى الله عذابا شديدا فضمن له ذلك مكرز بن حفص فلما رأى سهيل أبا جندل قام اليه وضرب وجهه وأخذ بتلبيبه وجرّه ليردّه الى قريش فجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته ويقول يا معشر المسلمين أردّ الى المشركين يفتنونى فى دينى فزاد الناس ذلك الى ما بهم* وفى رواية قام سهيل الى سمرة وجز منها غصنا وضرب به وجه أبى جندل ضربا رق عليه المسلمون وبكوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فانّ الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا اننا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدا واصطلحنا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وانا لا نغدر بهم فوثب عمر بن الخطاب يمشى الى جنب أبى جندل ويقول اصبر يا أبا جندل فانما هم المشركون وانما دم أحدهم كدم كلب ويدنى عمر وهو قائم السيف منه يقول رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه فضنّ الرجل بأبيه* وفى رواية قال أبو جندل يا عمر ما أنت بأحرى بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم منى* وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون فى الفتح لرؤيارآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع من غير فتح وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفسه دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون* وروى عن عمر أنه قال والله ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ فأتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبىّ الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل قال بلى قلت أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار قال بلى قلت فلم نعطى الدنية فى ديننا قال انى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصرى قلت أو لست كنت تحدّثنا أنا سنأتى البيت فنطوف به قال بلى أفأخبرتك انا نأتيه العام قلت لا قال فانك آتيه ومطوّف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبىّ الله حقا قال بلى قلت فلم نعطى الدنية فى ديننا قال أيها الرجل انه رسول الله ولن يعصيه فاستمسك بغرزه فو الله انه لعلى الحق المبين فكان عمر رضى الله عنه يقول ما زلت أتصدّق وأصوم وأصلى وأعتق من الذى صنعت يومئذ مخافة كلامى الذى تكلمت به حين رجوت أن يكون خيرا كذا فى الاكتفاء* وفى غيره قال عمر جعلت كثيرا من الاعمال الصالحة من الصوم والصلاة والصدقة والاعتاق كفارة لتلك الجراءة التى صدرت منى
يومئذ وما فى الاكتفاء مغاير لما ذكرنا حيث قال فلما التأم الامر ولم يبق الا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال يا أبا بكر أليس هذا برسول الله قال بلى قال

(2/22)


أو لسنا بالمسلمين قال بلى قال أو ليس هؤلاء بالمشركين قال بلى قال فلم نعطى الدنية فى ديننا قال أبو بكر يا عمر الزم غرزه فانى أشهد انه رسول الله قال عمر وأنا أشهد انه رسول الله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألست برسول الله قال بلى قال أو لسنا بالمسلمين قال بلى قال أو ليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطى الدنية فى ديننا قال أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعنى فلما فرغ من الكتاب أشهد رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين* وهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وعلىّ بن أبى طالب وهو كاتب الصحيفة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وأبو عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص* وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطربا فى الحل وكان يصلى فى الحرم فلما فرغ من الصلح قال لاصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرّات فلما لم يقم أحد منهم قام فدخل على أمّ سلمة فذكر لها ما لقى من الناس فقالت أم سلمة يا رسول الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلق لك فخرج ولم يكلم أحدا حتى نحر بدنه ودعا حالقه فحلق له قيل كان حالقه فى ذلك اليوم الجواس بن أمية بن فضل الخزاعى فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وجعل بعضهم يحلق لبعض حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما* وفى حياة الحيوان وكان الهدى مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الحديبية ونحر مائة بدنة قال ابن عمرو ابن عباس حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للمحلقين* وفى معالم التنزيل قال يرحم الله المجلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين وفى الثالثة أو الرابعة قال والمقصرين قالوا يا رسول الله لم ظاهرت الترحم للمحلقين دون المقصرين قال لانهم لم يشكوا قال ابن عمر وذلك انه تربص قوم وقالوا لعلنا نطوف بالبيت* قال ابن عباس اهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فى هداياه جملا لابى جهل فى رأسه برة فضة قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غنمه يوم بدر ليغيظ المشركين بذلك* روى أن جمل أبى جهل ندّ من بين الهدايا وذهب الى مكة ودخل داره فتعاقبه جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد سفهاء قريش أن لا يردّوه فمنعهم سهيل بن عمرو وهو المؤسس لبنيان الصلح وقال لهم ان تريدوه فاعرضوا على محمد مائة من الابل فان قبلها فأمسكوا هذا الجمل والا فلا تتعرّضوا له فقبلوا قول سهيل فعرضوا على النبىّ صلى الله عليه وسلم مائة من الابل فأبى وقال لو لم يكن هذا الجمل للهدى لقبلت المائة وأعطيت هذا الواحد أو كما قال فنحره أيضا وقسم لحوم الهدايا على الفقراء الذين حضروا الحديبية* وفى رواية بعث النبىّ صلى الله عليه وسلم الى مكة عشرين بدنة مع ناجية حتى نحروها بمروة وقسموا لحومها على فقراء مكة* روى انه لما تم النحر والحلق بعث الله ريحا شديدة حتى حملت شعرات المسلمين الى أرض الحرم ونشرتها هناك وفى بعض كتب السيران رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه ألقى شعره على سمرة بقربه فأجهد بعض الصحابة نفسه جهدا بليغا حتى أصاب شعرات منه وكانت عنده يغسلها للمرضى ويسقيهم للشفاء* وفى رواية انه صلى الله عليه وسلم كان بالحديبية اذ جاءته جماعة من النساء المؤمنات مهاجرات من مكة منهنّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط وسبيعة ابنة الحارث الاسلمية فأقبل زوجها وهو مسافر المخزومى طالبا لها وأراد مشركو مكة أن يردّوهنّ الى مكة فنزل جبريل بهذه الاية يا أيها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الى آخره فاستحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيعة فحلفت فأعطى زوجها مسافرا ما أنفق فتزوّجها عمر* وفى الاكتفاء وهاجرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مدّة الصلح

(2/23)


أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط فخرج أخواها عمارة والوليدا بنا عقبة حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئلانه ان يردّها عليهما بالعهد الذى بينه وبين قريش بالحديبية فلم يفعل وقال أبى الله ذلك وأنزل فيه على رسوله* يا أيها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الاية فكأنّ الاية بيان انّ ذلك الرد فى الرجال لا فى النساء لانّ المسلمة لا تحلّ للكافر فلما تعذر ردّهنّ لورود النهى عنه لزم ردّ مهورهنّ فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أن لا ترجع المؤمنات الى الكفار لشرف الاسلام وأن لا تكون كافرة فى نكاح مسلم لقوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر* العصم جمع عصمة وهى ما يعتصم به من عقد ونسب والكوافر جمع كافرة وهى التى بقيت فى دار الحرب أو لحقت بها مرتدة والمراد نهى المؤمنين عن البقاء على نكاح المشركات فطلق الاصحاب كل امرأة كافرة فى نكاحهم وطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين له مشركتين بمكة فتزوّج احداهما معاوية بن أبى سفيان والآخرى صفوان بن أمية وعن ابن عباس يعنى من كانت له امرأة بمكة فلا يعدّها من نسائه لان اختلاف الدارين قطع عصمتها منه* قال أهل السير أقام النبىّ صلى الله عليه وسلم بالحديبية قريبا من عشرين يوما ثم رجع الى المدينة* روى انه صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية وكان بضجنان كسكران جبل بقرب مكة نزلت عليه ليلة سورة انا فتحنا لك فتحا مبينا والمراد من الفتح المبين عند بعض المفسرين فتح الحديبية وسمى فتحا لانه كان مقدمة لفتوح كثيرة كما ورد فى كتب التفاسير والسير من أن الذين أسلموا فى سنتى الصلح يعدلون الذين أسلموا قبلهما وبعض المفسرين على ان المراد بالفتح المبين فتح مكة أو فتح خيبر الذى وعده الله لرسوله وانما أدّى بصيغة الماضى لان اخبار الله فى التحقق بمنزلة الكائن الموجود والله أعلم* روى أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من الحديبية جاءه أبو بصير عتبة بن أسد بن حارثة رجل من قريش وهو مسلم وكان ممن حبس بمكة فكتب أزهر بن عبد بن عوف والاخنس بن شريق الثقفى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا وبعثا فى طلبه رجلا من بنى عامر بن لؤى ومعه مولى لهم فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بالكتاب وقالا العهد الذى جعلت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير انا أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصح فى ديننا الغدر وان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ثم دفعه الى الرجلين فخرجا به وانطلق معهما حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا هناك فدخل أبو بصير المسجد وركع ركعتين ثم جلسوا يتغدّون ويأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لاحد الرجلين والله انى لارى سيفك هذا يا اخا بنى عامر صار ما جيدا فاستله الاخر فقال أجل انه والله لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرنى أنظر اليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد* وفى رواية استله أبو بصير فضربه به حتى برد وذكر ابن عقبة ان الرجل هو الذى سل سيفه ثم هزه وقال لا ضربن بسيفى هذا فى الاوس والخزرج يوما الى الليل فقال له أبو بصير فصارم سيفك هذا فقال نعم فقال ناولنيه لا نظر اليه فناوله اياه فلما قبض عليه ضربه به حتى برد ويقال بل تناول أبو بصير سيف الرجل بفيه فقطع أساره ثم ضربه به حتى برد وطلب الاخر فخرج مرعوبا حتى دخل المسجد* وفى رواية وفرّ الاخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعد وحتى لتطن الحصباء من شدّة سعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد لقى هذا ذعرا فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ويلك مالك قال قتل صاحبكم صاحبى وانى لمقتول* وفى الاكتفاء قال ويحك مالك قال قد قتل صاحبكم صاحبى قال فو الله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتنى اليهم ثم أنجانى الله منهم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو
كان معه أحد* وفى الاكتفاء

(2/24)


محش حرب لو كان معه رجال وفى هذا الكلام ايماء لابى بصير الى الفرار ورمز للمؤمنين الذين كانوا بمكة أن يلحقوا به فلما سمع ذلك أبو بصير عرف أنه سيردّه الى قريش فخرج حتى نزل سيف البحر موضعا يقال له العيص من ناحية المروة على ساحل البحر بطريق قريش الذى كانوا يأخذونه الى الشام وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال فخرجوا الى أبى بصير بالعيص فاجتمع اليه قريب من سبعين رجلا منهم وذكر موسى ابن عقبة ان أبا جندل بن سهيل بن عمرو الذى ردّ الى قريش بالحديبية مكرها يوم الصلح والقضية هو الذى انفلت فى سبعين راكبا أسلموا وهاجروا فلحقوا بأبى بصير ونزلوا مع أبى بصير فى منزل كريه الى قريش فقطعوا مادتهم من طريق الشام وكان أبو بصير على ما زعموا وهو فى مكانه ذلك يصلى بأصحابه فلما قدم عليهم أبو جندل كان هو يؤمّهم واجتمع الى أبى جندل أناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل وهم مسلمون فأقاموا مع أبى جندل وأبى بصير لا تمرّ بهم عير لقريش الا أخذوها وقتلوا أصحابها وقال فى ذلك أبو جندل فيما ذكره غير ابن عقبة شعرا
أبلغ قريشا عن أبى جندل ... أنا بذى المروة بالساحل
فى معشر تخفق أيمانهم ... بالبيض فيها والقنا الذابل
يأبون أن تبقى لهم رفقة ... من بعد اسلامهم الواصل
أو يجعل الله لهم مخرجا ... والحق لا يغلب بالباطل
فيسلم المرء باسلامه ... أو يقتل المرء ولا يأتل
فأرسل قريش أبا سفيان بن حرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ويتضرّعون اليه ويناشدونه بالله والرحم أن يرسل الى أبى بصير وأبى جندل بن سهيل ومن معهم فيقدموا عليه وقالوا انا أسقطنا هذا الواحد من الشروط فمن أتاه فهو آمن* وفى الاكتفاء قالوا من خرج منا اليك فأمسكه فى غير حرج فانّ هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح اقراره فلما كان ذلك من أمرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع أبا جندل من أبيه يوم الصلح والقضية أنّ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير فيما أحبوا وفيما كرهوا وانّ رأيه أفضل من رأيهم* وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبى جندل وأبى بصير يأمرهم أن يقدموا عليه بالمدينة ويأمر من معهما من المسلمين أن يرجعوا الى بلادهم وأهليهم ولا يتعرّضوا لاحد مرّ بهم من قريش وعيرانها فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى جندل وأبى بصير وكان أبو بصير حينئذ مشرفا على الموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يده يقتريه فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أناس من أصحابه ورجع سائرهم الى أهليهم وأمنت عيران قريش ولم يزل أبو جندل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد ما أدرك من المشاهد بعد ذاك وشهد الفتح ورجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل معه بالمدينة حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم أبوه سهيل بن عمرو المدينة أوّل امارة عمر بن الخطاب رضى الله عنه فمكث بها شهرا ثم خرج الى الشام يجاهد وخرج معه ولده أبو جندل فلم يزالا مجاهدين حتى ماتا جميعا هناك رحمهما الله وظاهر بعض روايات البخارى يدل على أنّ قوله تعالى وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة الاية نزلت فى قصة أبى بصير والله أعلم*

بيان حكم الظهار
وفى هذه السنة نزل حكم الظهار وذلك أنّ أوس ابن الصامت غضب على زوجته خولة بنت ثعلبة ذات يوم وقال لها أنت علىّ كظهر أمى وكان ذلك أوّل ظهار فى الاسلام وكان الظهار طلاقا فى الجاهلية ثم ندم على ما قال فأتت خولة النبىّ

(2/25)


صلّى الله عليه وسلم وعائشة تغسل رأسه فقالت يا رسول الله انّ زوجى أوس بن الصامت تزوّجنى وأنا ذات مال وأهل فلما أكل مالى وذهب شبابى ونفضت بطنى وتفرّق أهلى ظاهر منى فقال صلى الله عليه وسلم حرمت عليه فبكت وصاحت وقالت أشكو الى الله فقرى وفاقتى ووجدى وصبية صغارا ان ضممتهم اليه ضاعوا وان ضممتهم الىّ جاعوا فقال صلى الله عليه وسلم ما أراك الا حرمت عليه فجعلت ترفع صوتها باكية وتقول اللهم انى أشكو اليك فبينما هى على تلك الحالة اذ تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم للوحى فنزل جبريل عليه السلام بهذه الايات* قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى الى الله والله يسمع تحاور كما الايات* فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوس بن الصامت فتلا عليه الايات المذكورة فقالت عائشة تبارك الله الذى وسع سمعه كل شئ انى كنت أسمع كلام خولة ويخفى علىّ بعضه وهى تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الايات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاوس أعتق رقبة قال مالى بهذا قدرة قال فصم شهرين متتابعين قال انى اذا لم آكل فى اليوم مرّتين كل بصرى قال فأطعم ستين مسكينا قال لا أجد الا أن تعيننى منك بعون وصلة فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا وكانوا يرون أنّ عند أوس مثلها وذلك لستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع*

وفاة أم رومان أم عائشة رضى الله عنها
وفى هذه السنة ماتت أمّ رومان بنت عامر بن عويمر أمّ عائشة رضى الله عنها كانت أسلمت قديما وكانت أوّلا تحت عبد الله ابن سخبرة فولدت له الطفيل وهو أخو عائشة لامها كذا فى أسد الغابة ثم مات عنها فتزوّجها أبو بكر فولدت له عبد الرحمن وعائشة فلما ماتت نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قبرها فلما دليت فى قبرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن ينظر الى امرأة من الحور العين فلينظر الى هذه وكون وفاتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قول محمد بن سعد وابراهيم الحربى وقال آخرون انها عاشت بعده دهرا طويلا كذا فى الصفوة*

تحريم الخمر
وفى هذه السنة السادسة حرمت الخمر* جزم الحافظ الدمياطى فى سيرته بأنّ تحريم الخمر كان فى سنة الحديبية وهى سنة ست من الهجرة وقال ابن اسحاق كان تحريمها فى وقعة بنى النضير وهى بعد أحد وذلك فى سنة أربع على القول الراجح* وفى أسد الغابة فى السنة الثالثة وقيل فى الرابعة حرمت الخمر فى ربيع الاوّل وكذا فى المنتقى أورد تحريمها فى سنة أربع كما قاله ابن اسحاق وفيه نظر لان أنسا كان الساقى يوم حرمت وأنه لما سمع المنادى بتحريمها بادر فأراقها ولو كان ذلك سنة أربع لكان أنس يصغر عن ذلك وآية تحريم الخمر نزلت عام الفتح قبل الفتح ذكر كله القسطلانى ورجح القول بكون تحريمها فى السنة السادسة وقيل كون تحريمها فى السنة الرابعة هو المشهور كما هو قول ابن اسحاق* الخمر فى الاصل مصدر خمره اذا ستره سمى به عصير العنب اذا اشتدّ وغلا كأنه يخمر العقل كما سمى سكرا لانه يسكره أى يحجزه كذا فى المواهب اللدنية وفى القاموس الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عام كالخمرة والعموم أصح لانها حرمت وما بالمدينة خمر عنب وما كان شرابهم الا البسر والتمر سميت خمرا لانها تخمر العقل وتستره* وفى الكشاف الخمر ما غلا واشتدّ وقذف الزبد من عصير العنب وهو حرام وكذا نقيع الزبيب والتمر الذى لم يطبخ فان طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم غلا واشتدّ وذهب خبثه ونصيب الشيطان حلّ شربه ما دون السكر اذا لم يقصد بشر به اللهو والطرب عند أبى حنيفة* وعن بعض أصحابه لأن أقول مرارا هو حلال أحب الىّ من ان أقول مرّة هو حرام ولئن أخرّ من السماء فأتقطع قطعا أحبّ الىّ من أن أتناول منه قطرة* وعند أكثر الفقهاء هو حرام كالخمر وكذلك كل ما أسكر من كل شراب سميت خمرا لتغطيتها العقل والتمييز كما سميت سكرا لانها تسكرهما أى تحجزهما وكأنها سميت بالمصدر من خمره خمرا اذا ستره

(2/26)


للمبالغة* وعن على لو وضعت قطرة أى من الخمر فى بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذن عليها ولو وقعت فى بحر ثم جف ونبت فيه الكلأ لم أرعه* وعن ابن عمر لو أدخلت اصبعى فيه لم يتبعنى وهذا هو الايمان وهم الذين اتقوا الله حق تقاته* وفى المواهب اللدنية قال أبو هريرة فيما رواه أحمد حرمت الخمر ثلاث مرّات* وفى المنتقى جملة الايات النازلة فى تحريم الخمر أربع الاولى قوله تعالى ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا وهى نزلت بمكة وكان المسلمون يشربونها وهى يومئذ كانت حلالا* والثانية يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس* نزلت فى عمر وحمزة ومعاذ بن جبل قالوا يا رسول الله أفتنا فى الخمر والميسر فانهما مذهبتان لعقولنا ومسلبتان لاموالنا فنزلت هذه الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ الله تقدم فى تحريم الخمر فتركها قوم لقوله تعالى قل فيهما اثم كبير وشربها قوم لقوله تعالى ومنافع للناس الى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا فحضرت صلاة المغرب فقدّموا بعضهم ليصلى بهم فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون هكذا الى آخر السورة بحذف لا فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون وهى ثالثة الايات فحرّم الخمر فى أوقات الصلاة فترك قوم الخمر مطلقا فقالوا لا خير فى شئ يحول بيننا وبين الصلاة وتركها قوم فى أوقات الصلاة وشربوها فى غير وقت الصلاة فكان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر ويشرب بعد الصبح فيصحو اذا جاء وقت الظهر* واتخذ عتبان بن مالك صنيعا ودعا رجالا من المسلمين وفيهم سعد بن أبى وقاص وكان شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى سكروا ثم انهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الاشعار فأنشد سعد قصيدة فيها هجاء الانصار وفخر لقومه فأخذ رجل من الانصار لحى بعير فضرب به رأس سعد فشجه شجة موضحة فانطلق سعد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا اليه الانصارى فقال عمر اللهم بين لنار رأيك فى الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تعالى تحريم الخمر فى سورة المائدة وهو قوله تعالى انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان الى قوله فهل أنتم منتهون* فقال عمر انتهينا يا رب وهى رابعة الايات النازلة فى تحريم الخمر وكذا فى الكشاف* وفى المواهب اللدنية وهى حرام مطلقا وكذا كل ما أسكر عند أكثر العلماء وقال أبو حنيفة نقيع الزبيب والتمر اذا طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم اشتد حل شربه ما دون السكر انتهى*

ذكر الحشيشة وأشباهها
وأمّا الحشيشة وتسمى القنب الهندية والحيدرية والقلندرية فلم يتكلم فيها الأئمة الاربعة ولا غيرهم من علماء السلف لانها لم تكن فى زمنهم وانما ظهرت فى أواخر المائة السادسة أو السابعة واختلف هل هى مسكرة فيجب فيها الحدّ أو مفسدة للعقل فيجب التعزير والذى أجمع عليه الاطباء أنها مسكرة وبه جزم الفقهاء وصرّح به الشيخ أبو اسحاق الشيرازى فى كتاب التذكرة فى الخلاف والنووى فى شرح المهذب ولا يعرف فيه خلاف عند الشافعية ونقل عن ابن تيمية أنه قال الصحيح أنها مسكرة كالشراب فان أكلتها ينتشون عنها ولذلك يتناولون بخلاف البنج فانه لا ينشى ولا يشتهى قال الزركشى ولم أر من خالف فى هذا الا القرافى فى قواعده فقال قال بعض العلماء بالنبات فى كتبهم انها مسكرة والذى يظهر أنها مفسدة وقد تظافرت الادلة على حرمتها ففى صحيح مسلم كل مسكر حرام وقد قال الله تعالى ويحرّم عليهم الخبائث وأىّ خبيث أعظم مما يفسد العقول التى اتفقت الملل والشرائع على ايجاب حفظها ولا ريب أنّ متناول الحشيشة يظهر به التغير فى انتظام الفعل والقول المستمد كماله من نور العقل* وقد روى أبو داود باسناد حسن عن ديلم الحمير قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله انا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا

(2/27)


وانا نتخذ شرابا من هذا القبح نتقوّى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا قال هل يسكر قلت نعم قال فاجتنبوه قلت فانّ الناس غير تاركيه قال فان لم يتركوه فقاتلهم وهذا تنبيه على العلة التى لاجلها حرم المزر فوجب أنّ كل شئ عمل عمله يجب تحريمه ولا شك أنّ الحشيش يعمل ذلك وفوقه* وروى أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه عن أمّ سلمة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر* قال العلماء المفتر كل ما يورث الفتور والخدر فى الاطراف وهذا الحديث أدل دليل على تحريم الحشيشة وغيرها من المخدّرات فانها وان لم تكن مسكرة كانت مفترة مخدّرة ولذا يكثر النوم من متعاطيها وتثقل رؤسهم بواسطة تبخيرها فى الدماغ* وقد نقل الاجماع على تحريمها غير واحد منهم القرافى واختلف هل يحرم تعاطى اليسير الذى لا يسكر فقال النووى فى شرح المهذب انه لا يحرم اكل القليل الذى لا يسكر من الحشيش بخلاف الخمر حيث حرم قليلها الذى لا يسكر والفرق أنّ الحشيش طاهر والخمر نجس فلا يجوز شرب قليله للنجاسة وتعقبه الزركشى بأنه صح فى الحديث ما أسكر كثيره فقليله حرام قال والمتجه أنه لا يجوز تناول شىء من الحشيش لا قليل ولا كثير* وأمّا قول النووى انها طاهرة وليست نجسة فقطع به ابن دقيق العيد وحكى الاجماع قال والافيون وهو لبن الخشخاش أقوى فعلا من الحشيش لان القليل منه يسكر جدّا وكذلك السيكران وجوز الطيب مع أنه طاهر بالاجماع انتهى*

مضار الحشيشة
وقد جمع بعضهم فى الحشيش مائة وعشرين مضرّة دينية وبدنية حتى قال بعضهم كل ما فى الخمر من المذمومات موجود فى الحشيش وزيادة فانّ أكثر ضرر الخمر فى الدين لا فى البدن وضررها فيهما* فمن ذلك فساد العقل وعدم المروءة وكشف العورة وترك الصلاة والوقوع فى المحرّمات وقطع النسل والبرص والجذام والاسقام والرعشة والابنة ونتن الفم وسقوط شعر الاجفان وحفر الاسنان وتسويدها وتضييق النفس وتصفير اللون وتنقيب الكبد وتجعل الاسد كالجعل وتورث الكسل والفشل وتجعل العزيز دليلا والصحيح عليلا والفصيح أبكم والصحيح أثلم وتذهب السعادة وتنسى الشهادة فصاحبها بعيد من السنة طريد عن الجنة موعود من الله باللعنة الا أن يقرع من الندم سنه ويحسن بالله ظنه ولقد أحسن القائل فيما قال
قل لمن يأكل الحشيشة جهلا ... يا خسيسا قد عشت شرّ معيشه
دية العقل بدرة فلماذا ... يا سفيها قد بعتها بحشيشه
ولبعضهم فى القهوة
شراب مطبوخة القشر قد حرما ... لكونه مفسدا عقل الذى طعما
أبو كثير به أفتى وكم رجل ... أفتوا بتحريمه قطعا وقد جزما
فذر مقالة قوم قد غدوا سفها ... يحللون الذى قد حرّم العلما

صفة الميسر
وأمّا الميسر فهو القمار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعليهما يقال يسرته اذا قمرته واشتقاقه من اليسر لانه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب أو من اليسار لانه سلب يساره* وعن ابن عباس كان الرجل فى الجاهلية يخاطر على أهله وماله وصفة الميسر كانت لهم عشرة أقداح وهى الازلام والاقلام الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى والمنيح والسفج والوغد ولبعضهم شعر
وأقداح أزلام القمار عديدة ... فثنتان منها مسبل وسفيح
وفذ وحلس والمعلى ونافس ... رقيب ووغد توأم ومنيح
لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزؤنها عشرة أجزاء وقيل ثمانية وعشرين جزآ الا

(2/28)


الثلاثة فانها لا نصيب لها وهى المنيح والسفيح والوغد* ولبعضهم
لى فى الدنيا سهام* ليس فيهنّ ربيح* وأساميهنّ وغد* وسفيح ومنيح
للفذ سهم وللتوأم سهمان وللرقيب ثلاثة وللحلس أربعة وللنافس خمسة وللمسبل ستة وللمعلى سبعة يجعلونها فى الرباب وهى حريطة ويضعونها على يدى عدل ثم يجلجلها ويدخل يده فيها فيخرج باسم رجل رجل قدحا منها فمن خرج له قدح من ذوات الانصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغرم ثمن الجزور كله وكانوا يدفعون تلك الانصباء الى الفقراء ولا يأكلون منها ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم* وفى حكم الميسر أنواع القمار من النرد والشطرنج وغيرهما* وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم اياكم وهاتين الكعبتين المشؤمتين فانهما من ميسر العجم* وعن على رضى الله عنه أنّ النرد والشطرنج من الميسر* وعن ابن سيرين كل شئ فيه خطر فهو من الميسر كذا فى الكشاف* وفى هذه السنة تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ حبيبة وسيجئ البناء بها فى الموطن السابع
*