تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس

(ذكر خلافة الحسن بن على وخروجه الى معاوية وتسليمه الامر اليه)
* وهو أبو محمد الحسن بن على بن أبى طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو السادس فخلع كما سيأتى وأمّة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا صفته وميلاده فى الموطن الثالث قال أبو عمرو ولما قتل على بن أبى طالب بايع الحسن أكثر من أربعين ألفا كلهم قد بايع أباه قبله على الموت وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم فى أبيه فبقى نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وماوراءها من خراسان والحجاز واليمن وغير ذلك كذا فى اسد الغابة وقيل ستة أشهر* وفى المختصر الجامع بويع له يوم مات أبوه وأقام بعد المبايعة بالكوفة الى ربيع الاوّل من سنة احدى وأربعين* وعن شرحبيل بن سعد قال مكث الحسن نحوا من ثمانية أشهر لا يسلم الامر الى معاوية وفى حياة الحيوان بويع له بالخلافة بعد موت والده ثم سار الى المدائن واستقرّ بها فبينما هو بالمدائن اذ نادى مناد ان قيسا قد قتل فانفروا وكان الحسن قد جعله على مقدّمة الجيش وهو قيس ابن سعد بن عبادة* فلما خرج الحسن عدا عليه الجراح بن الاسد ليسير معه فوجأه بالخنجر فى فخذه ليقتله فقال الحسن قتلتم أبى بالامس ووثبتم علىّ اليوم تريدون قتلى زهدا فى العادلين ورغبة فى القاسطين والله لتعلمن نبأه بعد حين ثم كتب الى معاوية بتسليم الامر اليه كما سيجىء*

ترجمة الاشعث بن قيس الكندى
ومات فى خلافة الحسن الاشعث بن قيس الكندى من كبار أمراء العرب كان سيد قومه وارتدّ بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم استأمن ووفد على أبى بكر مسلما فمنّ عليه الصدّيق وزوّجه بأخته ففرح وذهب الى سوق الابل فجذب سيفه وعرقب كل ابل بالسوق فصاح الناس ارتدّ الاشعث قال لا والله ولكن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجنى بأخته وهذه وليمتى فانحروا وكلوا ولو كنا ببلادنا لكانت أضعاف هذه ثم وزن للناس أثمان ابلهم ثم نزل الكوفة وولى أذربيجان وتوريز لعثمان وكان على ميمنة علىّ يوم صفين وكان أحد الاجواد وعاش بعد علىّ أربعين ليلة* وفى دول الاسلام لما استشهد علىّ عمد اهل العراق الى ابنه الحسن فبايعوه ثم أشاروا عليه بالمسير ليأخذ الشام من معاوية وسار معاوية

(2/289)


بجيش الشام لقصده فلما تقارب الجيشان وتراآى الجمعان بموضع يقال له مسكن بناحية الانبار من أرض السواد علم الحسن أن لن تغلب احدى الفئتين حتى يذهب أكثر الآخرى فرأى أن المصلحة فى جمع الكلمة وترك القتال فكتب الى معاوية يراسله يخبر بانه يصير الامر اليه وينزل عنه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشئ مما كان فى أيام أبيه وان يكون ولى العهد من بعده وان يمكنه من بيت المال ليأخذ حاجته منه ففرح معاوية وأجاب الى ذلك الا أنه قال الا عشرة أنفس لا أو منهم فراجعه الحسن فيهم فكتب اليه معاوية انى قد آليت اننى متى ظفرت بقيس بن سعد بن عبادة ان أقطع لسانه ويده فراجعه الحسن انى لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا وغيره بتبعة قلت أو كثرت فبعث اليه معاوية حينئذ برق أبيض وقال له اكتب ما شئت فيه فأنا ألتزمه فاصطلحا على ذلك فكتب الحسن كل ما اشترط عليه من الامور المذكورة واشترط ان يكون له الامر بعده فالتزم ذلك كله معاوية فخلع الحسن نفسه وسلم الامر الى معاوية ببيت المقدس تورعا وقطعا للشر واطفاء لنائرة الفتنة ويقال انه باعه اياها بخمسة آلاف ألف درهم يدفعها اليه كل سنة كذا فى المختصر الجامع فلما اصطلحا دخل معاوية الكوفة وسمى ذلك العام عام الجماعة وسيجىء عطاء معاوية الحسن وكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وذكر ذلك كله فى الاستيعاب وكان الحسن يقول ما أحببت منذ علمت ما ينفعنى وما يضرنى أن ألى أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يهراق فى ذلك محجمة دم ثم سار الحسن بأهله وحشمه الى المدينة وأقام بها وغضب من فعله شيعته ويقولون له يا عار المؤمنين سوّدت وجوه المؤمنين فيقول لهم العار خير من النار* وعن أبى العريف قال كنا فى مقدّمة الحسن بن على اثنى عشر ألفا مستميتين حراصا* وفى الاستيعاب مستميتين تقطر أسيافنا من الجدّ والحرص على قتال أهل الشام فلما جاءنا صلح الحسن كانما كسرت ظهورنا من الغيظ والحزن فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شيخ منا يكنى أبا عمر وسفيان بن أبى ليلى فقال السلام عليك يا مذل المؤمنين قال لا تقل يا أبا عمر وفانى لم أرذل المؤمنين ولكن كرهت ان أقتلكم فى طلب الملك خرجه أبو عمرو* وفى دول الاسلام قال لست بمذل المؤمنين ولكن كرهت ان أقتلكم على الملك* وعن جبير بن نفير قال قدمت المدينة فقال الحسن بن على كانت جماجم العرب بيدى يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت وتركتها ابتغاء لوجه الله تعالى وحقن دماء المسلمين خرجه الدولابى* وكان الحسن من المبادرين الى نصرة عثمان بن عفان وكان كثير الزواج والطلاق يقال تزوّج رضى الله عنه تسعين امرأة* وروى المدائنى انه أحصن فى زمان أبيه تسعين امرأة فقال على رضى الله عنه لقد تزوّج الحسن وطلق حتى خفت ان يجنى علينا بذلك عداوة أقوام* قال ابن سيرين تزوّج الحسن امرأة فبعث اليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم وحج مرات ماشيا ونجائبه تقاد بين يديه وكان قاضيه قاضى أبيه وكذلك كاتبه ولم يكن له حاجب* قال أبو عمرو بايع الناس معاوية فاجتمعوا عليه فى منتصف جمادى الاولى سنة اثنتين وأربعين* وفى الاستيعاب سنة احدى وأربعين ومعاوية يومئذ ابن ست وستين سنة الاشهرين قال أبو عمرو هذا أصح ما قيل فى تاريخ عام الجماعة وعليه أكثر أهل هذه الصناعة من أهل السير والعلم بالخبر قال ومن قال سنة أربعين فقدوهم اذ لم يختلفوا ان المغيرة حج بالناس سنة أربعين من غير ان يأمره أحد وكان بالطائف ولو كان الاجتماع على معاوية قبل ذلك لم يكن كذلك والله أعلم* وفى الاستيعاب لما دخل معاوية الكوفة حين أسلم الامر اليه الحسن بن على كلم عمرو بن العاص معاوية ان يأمر الحسن بن على فيخطب الناس فكره ذلك معاوية وقال لا حاجة لنا فى ذلك قال عمرو ولكنى أريد ذلك

(2/290)


ليبدوعيه فانه لا يدرى هذه الامور ما هى فلم يزل بمعاوية حتى أمر الحسن أن يخطب وقال له قم يا حسن وكلم الناس فيما جرى بيننا فقام الحسن فتشهد وحمد الله وأثنى عليه ثم قال فى بديهته أما بعد أيها الناس فانّ الله هداكم بأوّلنا وحقن دماءكم باخرنا وان هذا الامر مدّة والدنيا دول وان الله عز وجل يقول قل ان أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون انه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وان أدرى لعله فتنة لكم ومتاع الى حين فلما قالها قال له معاوية إجلس فجلس ثم قام معاوية فخطب الناس ثم قال لعمرو هذا من ورائك* وعن الشعبى قال لما جرى الصلح بين الحسن بن على وبين معاوية قال له معاوية قم فاخطب الناس واذكر ما كنت فيه فقام الحسن فخطب فقال الحمد لله الذى هدى بنا أوّلكم وحقن بنا دماء آخركم الا ان أكيس الكيس التقى وأعجز العجز الفجور وأن هذا الامر الذى اختلفت أنا ومعاوية اما ان يكون كان أحق به منى أو يكون حقى تركته لله ولصلاح امّة محمد وحقن دمائهم قال ثم التفت الى معاوية وقال وان أدرى لعله فتنة لكم ومتاع الى حين ثم نزل* قال عمرو بن العاص لمعاوية ما أردت الا هذا* وعن الشعبى انه قال شهدت خطبة الحسن حين أسلم الامر الى معاوية*

(ذكر عطاء معاوية الحسن واكرامه له)
* عن عبد الله بن بريدة انّ الحسن دخل على معاوية فقال لاجيزنك بجائزة لم أجز بها أحدا قبلك ولا أجيز بها أحدا بعدك فأجازه بأربعمائة ألف درهم فقبلها خرجه ابن الضحاك فى الاحاد والمثانى ذكر ذلك المحب الطبرى فى ذخائر العقبى وسيجىء ذكر وفاته فى سنة تسع وأربعين فى خلافة معاوية* مروياته فى كتب الاحاديث ثلاثة عشر حديثا وقد ذكرنا ولادته وتسميته وأولاده فى الموطن الثالث*

فائدة غريبة
* ذكرها المؤرخون وهى انّ كل سادس قائم بأمر الامة مخلوع* ونقل ابن الجوزى عن أبى بكر الصولى انه قال الناس يقولون كل سادس يقوم بأمر الناس منذ أوّل الاسلام لا بد وان يخلع* قال ابن الجوزى فتأملت ذلك فرأيت عجبا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على ثم الحسن فخلع ثم معاوية ثم يزيد ثم معاوية بن يزيد ثم مروان ثم عبد الملك ثم عبد الله بن الزبير فخلع وقتل وسيأتى ذكر تمامهم بالترتيب ان شاء الله تعالى قيل الفائدة المذكورة انما تستقيم اذا تأخرت خلافة ابن الزبير عن خلافة عبد الملك بن مروان كما وقعت فى حياة الحيوان وأما اذا كانت بعد خلافة معاوية بن يزيد كما وقع فى دول الاسلام ومورد اللطافة وغيرهما فلا يستقيم وأيضا الفائدة المذكورة أكثرية لا كلية لتخلفها فى بعض المواضع كما ذكر فى حياة الحيوان*