دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ ذِكْرِ رَضَاعِ النَّبِيِّ، صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَمُرْضِعَتِهِ وَحَاضِنَتِهِ [ (293) ]
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الْحَافِظُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
__________
[ (293) ] جملة من قيل إنهن أرضعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عشر نسوة:
(الأولى) : أمه صلى الله عليه وسلم أرضعته سبعة أيام.
(الثانية) : ثويبة مولاة أبي لهب، وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلّى
الله عليه وسلّم بلبن ابنها مسروح، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
وخديجة يكرمان ثويبة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبعث إليها من
المدينة بكسوة وصلة، حتى ماتت بعد فتح خيبر، فسأل عن ابنها «مسروح» فقيل:
قد مات، فسأل عن قرابتها، فقيل: «لم يبق منهم أحد» .
(الثالثة) : امرأة من بني سعد غير حليمة، على ما ذكر ابن سعد في الطبقات
(1: 109) رواه ابن سعد، عن ابن أبي مليكة: أن حمزة كان مسترضعا له عند قوم
من بني سعد بن بكر، وكانت أم حمزة قد أرضعت رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم، وهو عند أمه حليمة.
(الرابعة) : خولة بنت المنذر: أم بردة الأنصارية: ذكر بعض المؤرخين أنها
أرضعت النبي صلّى الله عليه وسلّم، والصحيح أنها أرضعت ابنه ابراهيم كما
ذكر ابن سعد.
(الخامسة) أم أيمن: بركة ذكرها القرطبي، والمشهور أنها من الحواضن لا من
المراضع.
(السادسة والسابعة والثامنة) قال القرطبي: إنه صلّى الله عليه وسلّم مرّ به
على نسوة ثلاث من بني سليم فرضع منهن.
(التاسعة) : أم فروة ذكرها المستغفري.
(العاشرة) : حليمة بنت أبي ذؤيب بن عبد الله بن سجنة بن رزام بن ناصرة.
(1/131)
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
فَدُفِعَ رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أُمِّهِ،
وَالْتُمِسَ لَهُ الرُّضَعَاءُ، وَاسْتُرْضِعَ لَهُ مِنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ
أبي ذويب. وَأَبُو ذُؤَيْبٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ شِجْنَةَ [
(294) ] بْنِ جَابِرِ بْنِ رِزَامِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ
بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ
عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ.
وَاسْمُ أَبِي رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي
أَرْضَعَهُ: الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ
مَلَّانَ [ (295) ] بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ
هَوَازِنَ.
وَإِخْوَتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ: عبد الله بن الحارث، وَأُنَيْسَةُ بِنْتُ
الْحَارِثِ، وَحُذَافَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ- وَهِيَ الشَّيْمَاءُ، غَلَبَ
عَلَيْهَا ذَلِكَ فَلَا تُعْرَفُ فِي قَوْمِهَا إِلَّا بِهِ. وَهِيَ
لِحَلِيمَةَ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، أُمِّ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه
وَسَلَّمَ [ (296) ] .
وَذَكَرُوا [ (297) ] أَنَّ الشَّيْمَاءَ كَانَتْ تَحْضِنُ رَسُولَ اللهِ،
صَلَّى الله عليه وسلم، مَعَ أُمِّهِ إِذْ [ (298) ] كَانَ عِنْدَهُمْ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [الْحَافِظُ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إسحاق، قال:
__________
[ (294) ] كذا في الأصول، وسيرة ابن هشام، ورويت: سجنة بسين مهملة مكسورة،
وجيم ساكنة، فنون مفتوحة، سبل الهدى والرشاد (1: 461) .
[ (295) ] في (ح) و (هـ) : فلان: وأثبت ما في (ص) وهو موافق لما في سيرة
ابن هشام (1:
172) .
[ (296) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 173) .
[ (297) ] في السيرة لابن هشام: «ويذكرون» .
[ (298) ] في (هـ) : «إذا» .
(1/132)
حَدَّثَنِي جَهْمُ بْنُ أَبِي جَهْمٍ-
مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، كَانَتْ عِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ
حَاطِبٍ، فَكَانَ يُقَالُ: مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ- قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبَى طَالِبٍ،
يَقُولُ:
حُدِّثْتُ عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ [ (299) ] ، أُمِّ رَسُولِ
اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، أَنَّهَا
قَالَتْ [ (300) ] :
قَدِمْتُ مَكَّةَ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، أَلْتَمِسُ
[ (301) ] بِهَا الرُّضَعَاءَ [ (302) ] ، وَفِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ [ (303)
] ، فَقَدِمْتُ عَلَى أَتَانٍ [ (304) ] لِيَ قَمْرَاءَ كَانَتْ أَذَمَّتْ
[ (305) ] بِالرَّكْبِ، وَمَعِيَ صَبِيٌّ لَنَا، وَشَارِفٌ لَنَا، وَاللهِ
مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةٍ، وَمَا نَنَامُ لَيْلَنَا ذَلِكَ أَجْمَعَ مَعَ
صَبِيِّنَا ذَاكَ، مَا يَجِدُ فِي ثَدْيَيَّ مَا يُغْنِيهِ، وَلَا فِي
شَارِفِنَا [ (306) ] مَا يُغَذِّيهِ، فقدمنا مكّة، فو الله مَا عُلِمَتْ
مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَأْبَاهُ، إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ يَتِيمٌ
تَرَكْنَاهُ، قُلْنَا: مَاذَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ إِلَيْنَا أُمُّهُ؟
إِنَّمَا نَرْجُو المعروف من أب الْوَلِيدِ، وَأَمَّا أُمُّهُ فَمَاذَا
عَسَى أَنْ تَصْنَعَ إِلَيْنَا. فو الله مَا بَقِيَ مِنْ صَوَاحِبِي
امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي. فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ
رَضِيعًا غَيْرَهُ قُلْتُ لِزَوْجِيَ الحارث بن عبد العزى: وَاللهِ إِنِّي
لَأَكْرَهُ أَنْ أرجع
__________
[ (299) ] في هامش (ص) : «بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله صلى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .. كَذَا وقع في ابن هشام.
[ (300) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 173- 175) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم
ص (111- 113) ، والوفا لابن الجوزي (1: 108) «والبداية والنهاية» (2: 273)
.
[ (301) ] في (ص) : نلتمس. (وألتمس) : أطلب.
[ (302) ] (الرضعاء) : جمع رضيع، وأراد بالرضعاء الأطفال على حقيقة اللفظ
لأنهم إذا وجدوا له مرضعة ترضعه، فقد وجدوا له رضيعا يرضع معه.
[ (303) ] (سنة شهباء) : يعني سنة القحط والجدب لأن الأرض تكون فيها بيضاء.
[ (304) ] (أتان) : الأنثى من الحمير.
[ (305) ] (أذمّت) : إذا أعيت وتأخرت عن الركب.
[ (306) ] (الشارف) : الناقة المسنّة.
(1/133)
مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي لَيْسَ مَعِي
رَضِيعٌ، لَأَنْطَلِقَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ.
فَقَالَ:
لَا عَلَيْكِ. فَذَهَبْتُ فَأَخَذْتُهُ، فو الله مَا أَخَذْتُهُ إِلَّا
أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَخَذْتُهُ فَجِئْتُ
بِهِ إِلَى رَحْلِي [ (307) ] ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ
مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبَ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ،
وَقَامَ صَاحِبِي إِلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَإِذَا إِنَّهَا لَحَافِلٌ [
(308) ] ، فَحَلَبَ مَا شَرِبَ، وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِينَا. فَبِتْنَا
بِخَيْرِ لَيْلَةٍ، فَقَالَ صَاحِبِي: يَا حَلِيمَةُ! وَاللهِ إِنِّي
لَأَرَاكَ قَدْ أَخَذْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، أَلَمْ تَرَيْ مَا بِتْنَا
[ (309) ] بِهِ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ حِينَ
أَخَذْنَاهُ؟ فَلَمْ يَزَلِ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- يَزِيدُنَا خَيْرًا
حَتَّى خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِنَا، فو الله لَقَطَعَتْ
أَتَانِي بِالرَّكْبِ حَتَّى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حِمَارٌ، حَتَّى إِنَّ
صَوَاحِبَاتِي يَقُلْنَ: وَيْلَكِ يَا ابْنَةَ أَبِي ذُؤَيْبٍ، أَهَذِهِ
أَتَانُكِ الَّتِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا مَعَنَا؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ، وَاللهِ
إِنَّهَا لَهِيَ. فَيَقُلْنَ: وَاللهِ إِنَّ لَهَا لَشَأْنًا. حَتَّى
قَدِمْنَا أَرْضَ بَنِي سَعْدٍ، وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللهِ،
تَعَالَى، أَجْدَبَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ غَنَمِي لَتَسْرَحُ، ثُمَّ
تَرُوحُ شِبَاعًا لَبَنًا [ (310) ] ، فَنَحْلُبُ مَا شِئْنَا، وَمَا
حَوْلَنَا أَحَدٌ تَبِضُّ لَهُ شَاةٌ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ، وَإِنَّ
أَغْنَامَهُمْ لَتَرُوحُ جِيَاعًا، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ
لِرُعْيَانِهِمْ [ (311) ] : وَيْحَكُمْ!! انْظُرُوا حَيْثُ تَسْرَحُ
غَنَمُ ابْنَةِ [ (312) ] أَبِي ذُؤَيْبٍ، فَاسْرَحُوا مَعَهُمْ.
فَيَسْرَحُونَ مَعَ غَنَمِي حَيْثُ تَسْرَحُ، فَيُرِيحُونَ أَغْنَامَهُمْ
جِيَاعًا مَا فِيهَا قَطْرَةُ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي شِبَاعًا لَبَنًا
نَحْلُبُ مَا شِئْنَا [ (313) ] . فَلَمْ يَزَلِ اللهُ، تَعَالَى، يُرِينَا
الْبَرَكَةَ وَنتَعَرَّفُهَا حَتَّى بَلَغَ سَنَتَيْهِ، فَكَانَ يَشِبُّ
شَبَابًا لَا يشبّه
__________
[ (307) ] (الرّحل) : سكن الشخص، المنزل والمأوى.
[ (308) ] (الحافل) : الممتلئة الضّرع من اللبن، والحفل: اجتماع اللبن في
الضرع.
[ (309) ] في (ص) : «ما شأنه» وهو تصحيف.
[ (310) ] (لبّن) : أي غزيرات اللبن.
[ (311) ] في (ص) : «لرعاتهم» .
[ (312) ] في (ص) : «ابنت» .
[ (313) ] في (ص) : «نحلب ما شئنا من اللبن» .
(1/134)
الغلمان، فو الله مَا بَلَغَ السَّنَتَيْنِ
حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا [ (314) ] ، فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ
وَنَحْنُ أَضَنُّ شَيْءٍ بِهِ مِمَّا رَأَيْنَا فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ.
فَلَمَّا رَأَتْهُ أُمُّهُ، قُلْنَا لَهَا: يَا ظِئْرُ [ (315) ] ،
دَعِينَا نَرْجِعُ بِبُنَيِّنَا هَذِهِ السَّنَةَ الْأُخْرَى، فَإِنَّا
نَخْشَى عَلَيْهِ وباء مكة، فو الله مَا زِلْنَا بِهَا حَتَّى قَالَتْ:
فَنَعَمْ، فَسَرَّحَتْهُ مَعَنَا، فَأَقَمْنَا بِهِ شَهْرَيْنِ أَوْ
ثَلَاثَةً، فَبَيْنَا هُوَ خَلْفَ بُيُوتِنَا مَعَ أَخٍ لَهُ مِنَ
الرَّضَاعَةِ فِي بَهْمٍ [ (316) ] لَنَا، جَاءَنَا أَخُوهُ ذَلِكَ [ (317)
] يَشْتَدُّ، فَقَالَ: ذَاكَ أَخِي الْقُرَشِيُّ، قَدْ جَاءَهُ رَجُلَانِ
عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ.
فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُوهُ نَشْتَدُّ نَحْوَهُ، فَنَجِدُهُ قَائِمًا
مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ، فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! مَا
شَأْنُكَ؟ فَقَالَ [ (318) ] جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ
بَيَاضٍ، فَأَضْجَعَانِيَ، فَشَقَّا بَطْنِيَ، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا مِنْهُ
شَيْئًا، فَطَرَحَاهُ، ثُمَّ رَدَّاهَ كَمَا كَانَ. فَرَجَعْنَا بِهِ
مَعَنَا، فَقَالَ أَبُوهُ: يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ
ابْنِي قَدْ أُصِيبَ، فَانْطَلِقِي بِنَا، فَلْنَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ
قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ مَا نَتَخَوَّفُ. قَالَتْ حَلِيمَةُ:
فَاحْتَمَلْنَاهُ، فَلَمْ تُرَعْ أُمُّهُ إِلَّا بِهِ قَدْ قَدِمْنَا بِهِ
عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا رَدَّكُمَا بِهِ؟ فَقَدْ كُنْتُمَا عَلَيْهِ
حَرِيصَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: لَا وَاللهِ يَا ظِئْرُ، إِلَّا أَنَّ
اللهَ، تَعَالَى، قَدْ أَدَّى عَنَّا، وَقَضَيْنَا الَّذِي عَلَيْنَا،
فَقُلْنَا [ (319) ] نَخْشَى الْإِتْلَافَ وَالْأَحْدَاثَ نَرُدُّهُ عَلَى
[ (320) ] أَهْلِهِ، قَالَتْ: مَا ذَاكَ بِكُمَا، فَاصْدُقَانِيَ
شَأْنَكُمَا، فَلَمْ تَدَعْنَا حَتَّى أَخْبَرْنَاهَا خَبَرَهُ. قَالَتْ:
أَخِشِيتُمَا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ؟
كَلَّا، وَاللهِ مَا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَإِنَّهُ لَكَائِنٌ
لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ، أَلَا أُخْبِرُكُمَا
__________
[ (314) ] (جفرا) : شديدا.
[ (315) ] (الظئر) : المرضعة.
[ (316) ] (البهم) : بفتح الموحدة، جمه بهمه وهي ولد الضأن.
[ (317) ] في (ص) : ذاك.
[ (318) ] في (ص) : «قال» .
[ (319) ] في (ح) : «وقلنا» .
[ (320) ] في (ص) : «إلى» .
(1/135)
خَبَرَهُ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَتْ:
حَمَلْتُ بِهِ، فَمَا حَمَلْتُ حَمْلًا قَطُّ أَخَفَّ مِنْهُ، فَأُرِيتُ
فِي الْمَنَامِ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ
أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، ثُمَّ وَقَعَ حِينَ وَلَدَتْهُ وُقُوعًا
مَا يَقَعُهُ الْمَوْلُودُ، مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ
إِلَى السَّمَاءِ، فَدَعَاهُ عنكما [ (321) ] .
__________
[ (321) ] حادث شق الصدر ورد في كتب السيرة باتفاق، فهو في سيرة ابن هشام
(1: 176) ، وطبقات ابن سعد (1: 112) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص (111) ،
والبداية والنهاية (2: 275) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (1: 54) ، وقد أشارت
إليه كتب التفسير، في تفسير قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.
وهذا الحادث الذي يسرده المصنف، والذي وقع لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عليه وسلّم منذ الطفولة المبكرة، واستخرج جبريل منه العلقة قائلا: «هذا حظ
الشيطان منك..» قد تكرر لما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ابن عشر سنين.
فقد روى الإمام أحمد، وابن حبان، وابن عساكر، عن أبي بن كعب أن أبا هريرة
سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! ما أول ما رأيت في أمر
النبوة؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إني لفي صحراء، ابن عشر سنين
وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل: «أهو هو؟» ، قال: نعم،
فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم
أرها على أحد قط، فأقبلا إليّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي: لا أجد
لأحدهما هامسا، فقال أحدهما للآخر: أضجعه، فأضجعاني بلا قسر ولا هصر، وقال
أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا
وجع، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أدخل يشبه الفضة، ثم هز
إبهام رجلي اليمنى، فقال: اغد واسلم. فرجعت بها أغدو رقة على الصغير، ورحمة
للكبير.
وقد تكررت حادثة شق الصدر مرة أخرى والنبي صلّى الله عليه وسلّم، رسول جاوز
الخمسين من عمره،
فعن مالك ابن صعصعة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدثهم عن ليلة أسري
به، قال: «بينما أنا في الحطيم- أو قال في الحجر- مضطجع بين النائم
واليقظان، أتاني آت، فشق ما بين هذه إلى هذه- يعني من ثغرة نحره إلى شعرته-
قال: فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا، فغسل قلبي، ثم
أحشائي ثم أعيد ... » [أخرجه مسلم، وأحمد (3: 121) ، والحاكم (2: 616) ] .
وقصة شق الصدر هذه تشير إلى تعهد الله- عز وجل- نبيه صلّى الله عليه وسلّم،
عن مزالق الطبع الإنساني، ووساوس الشيطان، وهو حصانة للرسول الكريم التي
أضفاها الله عليه.
(1/136)
__________
[ () ] والمغزى أعمق من أن نتجاوزه إلى المماحكات التي تشعر بضعف الإيمان
أكثر مما تشعر بنور اليقين.
إن الله سبحانه وتعالى- وقد شاءت إرادته- منذ الأزل- أن يكون محمد خاتم
المرسلين، أراد سبحانه أن يجعل منه المثل الكامل للإنسان الكامل الذي يسير
نحو الكمال بطهارة القلب، وتصفية النفس.
ولما شب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانت مكة تعج بمختلف أنواع اللهو
والفساد والملاذ الشهوانية الدنسة.
كانت حانات الخمر منتشرة، وبيوت الريبة وعليها علامات تعرف بها، وتلك
المغنيات والماجنات والراقصات، من أمور الجاهلية التي كانت تعج في ذلك
المجتمع الجاهلي، وتتوجها عبادة الأصنام والأوثان.
والله سبحانه وتعالى برأ رسوله، واختاره من أكرم معادن الانسانية، ثم
اختاره لحمل أكمل رسالات السماء إلى أمم الأرض،
وفي «صحيح البخاري» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما هممت بشيء من
أمر الجاهلية إلا مرتين كلتاهما عصمني الله- عز وجل- فيهما: قلت ليلة لبعض
فتيان مكة- ونحن في رعاء غنم أهلها- فقلت لصاحبي:
«ألا تبصر لي غنمي حتى أدخل مكة أسمر فيها كما يسمر الفتيان؟
فقال: بلى.
قال: فدخلت حتى جئت أول دار من دور مكة، فسمعت عزفا بالغرابيل والمزامير،
فقلت: ما هذا؟
قالوا: تزوج فلان فلانة.
فجلست أنظر، وضرب الله على أذني فو الله ما أيقظني إلا مسّ الشمس.
فرجعت إلى صاحبي فقال: ماذا فعلت؟
فقلت: ما فعلت شيئا، ثم أخبرته بالذي رأيت.
ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر، ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة
سمعت مثل الذي سمعته تلك الليلة فسألت فقيل:
نكح فلان فلانة.
فجلست أنظر، فضرب الله على أذني، فو الله، ما أيقظني إلا مسّ الشمس.
فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: لا شيء، ثم أخبرته الخبر، فو الله ما
هممت ولا عدت بعدها لشيء من ذلك حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته:
هذا ما كان من أمر عبث الفتيان.
(1/137)
__________
[ () ] أما عبادة الأوثان فإن الله سبحانه عصمه منها والقصة التالية توضح
ذلك.
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال:
حدثتني أم أيمن قالت: كانت بوانة صنما تحضره قريش لتعظمه:
تنسك له النسائك، ويحلقون رؤوسهم عنده، ويعكفون عنده يوما إلى الليل، وذلك
يوما في السنة. وكان أبو طالب يحضره مع قومه. وكان يكلم رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم أن يحضر ذلك العيد مع قوه.
فيأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك حتى رأيت أبا طالب غضب عليه،
ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب، وجعلن يقلن:
ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيد ولا تكثر لهم جمعا؟! قالت: فلم يزالوا
به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله، ثم رجع إلينا مرعوبا فزعا، فقالت له
عماته: ما دهاك؟ قال:
«إني أخشى ان يكون بي لمم» .
فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان، وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذي
رأيت؟
قال:
«إني كلما دنوت من صنم منها: تمثل لي رجل أبيض، يصيح بي: وراءك يا محمد: لا
تمسّه» قالت:
فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ» .
وهكذا كانت حياته صلّى الله عليه وسلّم حياة زكية طاهرة، من الآثام التي
تدنس الشباب في مجتمعاتهم، بعيدة عن الشرك، لم يسجد لصنم قط، بعيدا عن
معايب الجاهلية، ومفاسدها.
ولا يطمئنّ بعض الجاهلين، ومعهم المستشرقين إلى قصة «شقّ الصدر» واستخراجه،
ومعالجته، سواء التي حدثت للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو عند حليمة
السعدية، أو ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب في معجزة الإسراء والمعراج.
وابن حبان منذ أكثر من ألف سنة يناقش الموضوع ويعتبره من معجزات النبوة
ويقول: «كان ذلك له فضيلة فضّل بها على غيره، وانه من معجزات النبوة، إذ
البشر إذا شقّ عن موضع القلب منهم، ثم استخرج قلوبهم ماتوا» . [صحيح ابن
حبان (1: 140) من تحقيقنا] .
فإذا كان ابن حبان يقول معبرا عن العصر الذي عاش فيه «إذ البشر إذا شقّ عن
موضع القلب منهم، ثم استخرج قلوبهم، ماتوا» فهذا فعلا كان في عصر ابن حبان
المتوفى (354) هجرية، لا بل هو إلى عهد قريب جدا.
وتقدّم العلم، والطّبّ، والجراحة، والتخدير، والعمليات الجراحية صارت تجرى
في غرف معقمة، وبوسائل مختلفة، وتقنية جدّ ماهرة، فأمكن للجراحين اليوم من
إجراء مختلف انواع
(1/138)
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ
زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ [ (322) ] بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
عَنْ حَلِيمَةَ، هَذِهِ الْقِصَّةَ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ لِي
مَسْمُوعَةٌ، إِلَّا أَنَّ «مُحَمَّدَ بْنَ زَكَرِيَّا» هَذَا مُتَّهَمٌ
[بِالْوَضْعِ] [ (323) ] فَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ
أَهْلِ الْمَغَازِي أَوْلَى. وَاللهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ إِنِّي اسْتَخَرْتُ اللهَ، تَعَالَى، فِي إِيرَادِهَا، فَوَقَعَتِ
الْخِيَرَةُ عَلَى إِلْحَاقِهِ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنْ نَقْلِ أَهْلِ
الْمَغَازِي، لِشُهْرَتِهِ بَيْنَ الْمَذْكُورِينَ [ (324) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ:
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ الْعُمَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ
بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ: سُلَيْمَانَ بْنِ
عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ: عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي
ذُؤَيْبٍ الَّتِي أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ، صَلَّى الله عليه وسلم، تُحَدِّثُ
أَنَّهَا لَمَّا فَطَمَتْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
تَكَلَّمُ، قَالَتْ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَلَامًا عَجِيبًا: سَمِعْتُهُ
__________
[ () ] العلميات الجراحية، في كل مواضع الجسم الهدف منها استئصال الداء
وطرحه حيث لم تعد تنفع الوسائل الطبية، جراحة القلب ... حتى أمكن الآن
استخراج القلب، وليس فقط معالجته، لا بل استبدال القلب التالف، بقلب سليم
من إنسان مات حديثا، أو حتى من قلب صناعي ... ثم تخاط طبقات الجسم، وتعاد
... فلا يموت المريض!.
وهذا أصبح في استطاعة الإنسان.
أفما استطاعه الإنسان لا يستطيعه الله الذي يقول للشيء: «كن فيكون» ؟!
[ (322) ] هو محمد بن زكريا الغلابي البصري الأخباري: ضعيف، وقد ذكره ابن
حبان في «الثقات» ، وقال: «يعتبر بحديثه إذا روى عن ثقة» ، وقال الدارقطني:
«يصنع الحديث» . «ميزان الاعتدال» (3: 550) .
[ (323) ] الزيادة من (ح) .
[ (324) ] في (ص) : «المذكرين» .
(1/139)
يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا،
فَلَمَّا تَرَعْرَعَ كَانَ يَخْرُجُ فَيَنْظُرُ إِلَى الصِّبْيَانِ
يَلْعَبُونَ فَيَجْتَنِبُهُمْ. فَقَالَ لِي يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ: يا
أماه! مالي لَا أَرَى إِخْوَتِي بِالنَّهَارِ؟ قُلْتُ: فَدَتْكَ نَفْسِي،
يَرْعَوْنَ غَنَمًا لَنَا فَيَرُوحُونَ مِنْ لَيْلٍ إِلَى لَيْلٍ.
فَأَسْبَلَ عَيْنَيْهِ فَبَكَى، فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ، فَمَا أَصْنَعُ
هَهُنَا وَحْدِي؟ ابْعَثِينِيَ مَعَهُمْ. قُلْتُ: أو تحب ذَلِكَ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قَالَتْ: فَلَمَّا أَصْبَحَ دَهَنْتُهُ، وَكَحَّلْتُهُ،
وَقَمَّصْتُهُ، وَعَمَدْتُ إِلَى خَرَزَةِ جَزْعٍ يَمَانِيَّةٍ فَعُلِّقَتْ
فِي عُنُقِهِ مِنَ الْعَيْنِ. وَأَخَذَ عَصًا وَخَرَجَ مَعَ إِخْوَتِهِ،
فَكَانَ يَخْرُجُ مَسْرُورًا وَيَرْجِعُ مَسْرُورًا، فَلَمَّا كَانَ
يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ خَرَجُوا يَرْعَوْنَ بَهْمًا لَنَا حَوْلَ بُيُوتِنَا،
فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ إِذَا أَنَا بِابْنِي «ضَمْرَةَ» يَعْدُو
فَزِعًا، وَجَبِينُهُ يَرْشَحُ قَدْ عَلَاهُ الْبُهْرُ بَاكِيًا يُنَادِي:
يَا أَبَتِ [ (325) ] يَا أَبَهْ وَيَا أُمَّهْ، الْحَقَا أَخِي مُحَمَّدًا
فَمَا تَلْحَقَاهُ إِلَّا مَيِّتًا. قُلْتُ: وَمَا قِصَّتُهُ؟ قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ قِيَامٌ نَتَرَامَى [ (326) ] وَنَلْعَبُ، إِذْ أَتَاهُ
رَجُلٌ فَاخْتَطَفَهُ مِنْ أَوْسَاطِنَا، وَعَلَا بِهِ ذِرْوَةَ الْجَبَلِ
وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى شَقَّ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى عَانَتِهِ،
وَلَا أَدْرِي مَا فَعَلَ بِهِ، وَلَا أَظُنُّكُمَا تَلْحَقَاهِ أَبَدًا
إِلَّا مَيِّتًا. قَالَتْ:
فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأَبُوهُ- تَعْنِي زَوْجَهَا- نَسْعَى سَعْيًا،
فَإِذَا نَحْنُ بِهِ قَاعِدًا عَلَى ذِرْوَةِ الْجَبَلِ، شَاخِصًا
بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَتَبَسَّمُ وَيَضْحَكُ، فَأَكْبَبْتُ
عَلَيْهِ، وَقَبَّلْتُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقُلْتُ: فَدَتْكَ نَفْسِي، مَا
الَّذِي دَهَاكَ؟ قَالَ: خَيْرًا يَا أُمَّاهُ، بَيْنَا أَنَا السَّاعَةَ
قَائِمٌ عَلَى [ (327) ] إِخْوَتِي، إِذْ أَتَانِيَ رَهْطٌ ثَلَاثَةٌ،
بِيَدِ أَحَدِهِمْ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، وَفِي يَدِ الثَّانِي طَسْتٌ مِنْ
زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ مِلْؤُهَا ثَلْجٌ، فَأَخَذُونِي، فَانْطَلَقُوا بِي
إِلَى ذِرْوَةِ الْجَبَلِ، فَأَضْجَعُونِي عَلَى الْجَبَلِ إِضْجَاعًا
لَطِيفًا، ثُمَّ شَقَّ مِنْ صَدْرِي إِلَى عَانَتِي، وَأَنَا أَنْظُرُ
إِلَيْهِ، فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ حِسًّا وَلَا أَلَمًا، ثُمَّ أَدْخَلَ
يَدَهُ في
__________
[ (325) ] في (ح) : «يا أمه» ، وفي (ص) : «يا أبه» .
[ (326) ] في (ص) رسمت: نتراما.
[ (327) ] في (ص) : «معي» .
(1/140)
جَوْفِي، فَأَخْرَجَ أَحْشَاءَ بَطْنِي،
فَغَسَلَهَا بِذَلِكَ الثَّلْجِ فَأَنْعَمَ غَسْلَهَا، ثُمَّ أَعَادَهَا.
وَقَامَ الثَّانِي فَقَالَ لِلْأَوَّلِ: تَنَحَّ،! فَقَدْ أَنْجَزْتَ مَا
أَمَرَكَ اللهُ [بِهِ] [ (328) ] فَدَنَا مِنِّي، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي
جَوْفِي، فَانْتَزَعَ قَلْبِي وَشَقَّهُ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ نُكْتَةً
سَوْدَاءَ مَمْلُوءَةً بِالدَّمِ، فَرَمَى بِهَا، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ
الشَّيْطَانِ مِنْكَ يَا حَبِيبَ اللهِ، ثُمَّ حَشَاهُ بِشَيْءٍ كَانَ
مَعَهُ، وَرَدَّهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ خَتْمَهُ بِخَاتَمٍ مِنْ نُورٍ،
فَأَنَا السَّاعَةَ أَجِدُ بَرْدَ الْخَاتَمِ فِي عُرُوقِي وَمَفَاصِلِي.
وَقَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ: تَنَحَّيَا، فَقَدْ أَنْجَزْتُمَا مَا أَمَرَ
[ (329) ] اللهُ فِيهِ، ثُمَّ دَنَا الثَّالِثُ مِنِّي، فَأَمَرَّ يَدَهُ
مَا بَيْنَ مَفْرِقِ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي، قَالَ الْمَلَكُ:
زِنُوهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ. فَوَزَنُونِي فَرَجَحْتُهُمْ، ثُمَّ
قَالَ:
دَعُوهُ، فَلَوْ وَزَنْتُمُوهُ بِأُمَّتِهِ كُلِّهَا لَرَجَحَ بِهِمْ،
ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَنْهَضَنِي إِنْهَاضًا لَطِيفًا، فَأَكَبُّوا
عَلَيَّ، وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَقَالُوا: يَا
حَبِيبَ اللهِ، إِنَّكَ لَنْ تُرَاعَ [ (330) ] ، وَلَوْ تَدْرِي مَا
يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ لَقَرَّتْ عَيْنَاكَ. وَتَرَكُونِي قَاعِدًا
فِي مَكَانِي هَذَا، ثُمَّ جَعَلُوا يَطِيرُونَ حَتَّى دَخَلُوا حِيَالَ
السَّمَاءِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، وَلَوْ شِئْتُ لَأَرَيْتُكِ
مَوْضِعَ دُخُولِهِمَا. قَالَتْ: فَاحْتَمَلْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ
مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ [ (331) ] بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَقَالَ
لِيَ النَّاسُ: اذْهَبِي بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ
وَيدَاوِيَهُ. فَقَالَ: مَا بِي شَيْءٌ مِمَّا تَذْكُرُونَ، وَإِنِّي أَرَى
نَفْسِي سَلِيمَةً، وَفُؤَادِيَ صَحِيحٌ بِحَمْدِ اللهِ.
فَقَالَ النَّاسُ: أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ. قَالَتْ:
فَغَلَبُونِي عَلَى رَأْيِي، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ،
فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. قَالَ:
دَعِينِي أَنَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْغُلَامَ أَبْصَرُ بِأَمْرِهِ
مِنْكُمْ، تَكَلَّمْ يَا غُلَامُ، قَالَتْ حَلِيمَةُ: فَقَصَّ ابْنِي
مُحَمَّدٌ قِصَّتَهُ مَا بَيْنَ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَوَثَبَ
الْكَاهِنُ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ، فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَنَادَى
بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا آلَ الْعَرَبِ، يَا آلَ
__________
[ (328) ] الزيادة من (ح) .
[ (329) ] في (ح) : «ما أمركما» .
[ (330) ] في (هـ) ، و (ص) : «ترع» !.
[ (331) ] في (ح) : «به منازل» .
(1/141)
الْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبْ،
اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ وَاقْتُلُونِي مَعَهُ، فَإِنَّكُمْ إِنْ
تَرَكْتُمُوهُ وَأَدْرَكَ مَدْرَكَ الرِّجَالِ لَيُسَفِّهَنَّ
أَحْلَامَكُمْ، وَلَيُكَذِّبَنَّ أَدْيَانَكُمْ، وَلَيَدْعُوَنَّكُمْ إِلَى
رَبٍّ لَا تَعْرِفُونَهُ، وَدِينٍ تُنْكِرُونَهُ.
قَالَتْ: فَلَمَّا سَمِعْتُ مَقَالَتَهُ انْتَزَعْتُهُ مِنْ يَدِهِ،
وَقُلْتُ: لَأَنْتَ أَعْتَهُ مِنْهُ وَأَجَنُّ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ
هَذَا يَكُونُ مِنْ قَوْلِكَ مَا أَتَيْتُكَ بِهِ، اطْلُبْ لِنَفْسِكَ مَنْ
يَقْتُلُكَ، فَإِنَّا لَا نَقْتُلُ مُحَمَّدًا. فَاحْتَمَلْتُهُ فَأَتَيْتُ
بِهِ مَنْزِلِي، فَمَا أَتَيْتُ- يَعْلَمُ اللهُ- مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ
بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلَّا وَقَدْ شَمَمْنَا مِنْهُ رِيحَ الْمِسْكِ
الْأَذْفَرِ، وَكَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَجُلَانِ
أَبْيَضَانِ، فَيَغِيبَانِ فِي ثِيَابِهِ وَلَا يَظْهَرَانِ. فَقَالَ
النَّاسُ: رُدِّيهِ يَا حَلِيمَةُ عَلَى جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
وَأَخْرِجِيهِ مِنْ أَمَانَتِكِ. قَالَتْ:
فَعَزَمْتُ عَلَى ذَلِكَ، فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي: هَنِيئًا لَكِ
يَا بَطْحَاءَ مَكَّةَ، الْيَوْمَ يُرَدُّ [ (332) ] عَلَيْكِ النُّورُ،
وَالدِّينُ، وَالْبَهَاءُ، وَالْكَمَالُ، فَقَدْ أَمِنْتِ أَنْ تُخْذَلِينَ
أَوْ تَحْزَنِينَ أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ. قَالَتْ:
فَرَكِبْتُ أَتَانِيَ، وَحَمَلْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم،
بَيْنَ يَدَيَّ، أَسِيرُ حَتَّى أَتَيْتُ الْبَابَ الْأَعْظَمَ مِنْ
أَبْوَابِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، فَوَضَعْتُهُ لِأَقْضِيَ حَاجَةً
وَأُصْلِحَ شَأْنِي، فَسَمِعْتُ [ (333) ] هَدَّةً شَدِيدَةً، فَالْتَفَتُّ
فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ: مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ قَالُوا:
أَيُّ الصبيان؟ قلت: محمد ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
الَّذِي نَضَّرَ اللهُ بِهِ وَجْهِي، وَأَغْنَى عَيْلَتِي، وَأَشْبَعَ
جَوْعَتِي، رَبَّيْتُهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكْتُ بِهِ سُرُورِي وَأَمَلِي،
أَتَيْتُ بِهِ أَرُدُّهُ وَأَخْرُجُ مِنْ أَمَانَتِي، فَاخْتُلِسَ مِنْ
يَدَيَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّ قَدَمَيْهِ الْأَرْضُ، وَاللَّاتِ
وَالْعُزَّى لَئِنْ لَمْ أَرَهُ لَأَرْمِيَنَّ بِنَفْسِي مِنْ شَاهِقِ
هَذَا الْجَبَلِ، وَلَأَتَقَطَّعَنَّ إِرْبًا إِرْبًا. فَقَالَ النَّاسُ
[إِنَّا] [ (334) ] لَنَرَاكِ غَائِبَةً عَنِ الرُّكْبَانِ، مَا مَعَكِ
مُحَمَّدٌ. قَالَتْ: قُلْتُ: السَّاعَةَ
__________
[ (332) ] في (ص) : «يرد الله عليك..» .
[ (333) ] في (هـ) : «سمعت» ، وفي (ص) : «إذ سمعت» .
[ (334) ] الزيادة من (ح) .
(1/142)
كَانَ [ (335) ] بَيْنَ أَيْدِيكُمْ.
قَالُوا: مَا رَأَيْنَا شَيْئًا. فَلَمَّا آيَسُونِي وَضَعْتُ يَدَيَّ
عَلَى رَأْسِي، فَقُلْتُ: وا محمّداه وا ولداه!! أَبْكَيْتُ الْجَوَارِيَ
الْأَبْكَارَ [ (336) ] لِبُكَائِي، وَضَجَّ النَّاسُ مَعِي بِالْبُكَاءِ
حُرْقَهً لِي، فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ كَالْفَانِي مُتَوَكِّئًا عَلَى
عُكَّازٍ [ (337) ] لَهُ. قَالَتْ: فَقَالَ لي: مالي أراك أيها
السَّعْدِيَّةُ تَبْكِينَ [ (338) ] وَتَضِجِّينَ؟!! قَالَتْ: فَقُلْتُ:
فَقَدْتُ ابْنِي مُحَمَّدًا. قَالَ: لَا تَبْكِيَنَّ، أَنَا أَدُلُّكِ
عَلَى مَنْ يَعْلَمُ عِلْمَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ
فَعَلَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: دُلَّنِي عَلَيْهِ. قَالَ: الصَّنَمُ
الْأَعْظَمُ. قَالَتْ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟! كَأَنَّكَ لَمْ تَرَ مَا
نَزَلَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى [فِي] [ (339) ] اللَّيْلَةِ الَّتِي وُلِدَ
فِيهَا مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنَّكِ
لَتَهْذِينَ وَلَا تَدْرِينَ مَا تَقُولِينَ، أَنَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ
وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ. قَالَتْ حَلِيمَةُ: فَدَخَلَ
وَأَنَا أَنْظُرُ، فَطَافَ بِهُبَلَ أُسْبُوعًا وَقَبَّلَ رَأْسَهُ،
وَنَادَى: يَا سَيِّدَاهُ، لَمْ تَزَلْ مُنْعِمًا عَلَى قُرَيْشٍ، وَهَذِهِ
السَّعْدِيَّةُ تَزْعُمُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ ضَلَّ. قَالَ: فَانْكَبَّ
هُبَلُ عَلَى وَجْهِهِ، فَتَسَاقَطَتِ الْأَصْنَامُ بَعْضُهَا عَلَى
بَعْضٍ، وَنَطَقَتْ- أَوْ نَطَقَ مِنْهَا- وَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنَّا
أَيُّهَا الشَّيْخُ، إِنَّمَا هَلَاكُنَا عَلَى يَدَيْ مُحَمَّدٍ. قَالَتْ:
فَأَقْبَلَ الشَّيْخُ لِأَسْنَانِهِ اصْتِكَاكٌ [ (340) ] ، ولركبتيه
ارتعادا، وَقَدْ أَلْقَى عُكَّازَهُ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ:
يَا حَلِيمَةُ لَا تَبْكِي، فَإِنَّ لِابْنِكِ رَبًّا لَا يُضَيِّعُهُ،
فَاطْلُبِيهِ عَلَى مَهَلٍ. قَالَتْ: فَخِفْتُ
__________
[ (335) ] ليست في (ص) .
[ (336) ] في (ص) : «فأبكيت الجوار والأبكار» .
[ (337) ] في (ح) : «عكازة» .
[ (338) ] اضطربت العبارة في النسخ.
- ففي نسخة (هـ) : «أراك تبكين أيها السعدية تبكين» .
- وفي نسخة (ح) : «فقال لي أراك تبكين أيها» .
- وفي نسخة (ص) : «مالي أراك تبكين أيها السعدية» .
[ (339) ] الزيادة من (ح) .
[ (340) ] في (ح) : «لأسنانه ارتعادا ولركبتيه احتكاك» ، وفي (هـ) : «فأقبل
الشيخ. وأقبل لأسنانه اشتكاك» ، وفي (ص) : «اصطكاكا» .
(1/143)
أَنْ يَبْلُغَ الْخَبَرُ عَبْدَ
الْمُطَّلِبِ قَبْلِي، فَقَصَدْتُ قَصْدَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ.
قَالَ:
أَسَعْدٌ نَزَلَ بِكِ أَمْ نُحُوسٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: بَلْ نَحْسُ
الْأَكْبَرِ. فَفَهِمَهَا مِنِّي، وَقَالَ: لَعَلَّ ابْنَكِ قَدْ ضَلَّ
مِنْكِ قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، بَعْضُ قُرَيْشٍ اغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ.
فَسَلَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَيْفَهُ وَغَضِبَ- وَكَانَ إِذَا غَضِبَ لَمْ
يَثْبُتْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ- فَنَادَى بِأَعْلَى [ (341) ]
صَوْتِهِ: يَا يَسِيلُ [ (342) ]- وَكَانَتْ دَعْوَتَهُمْ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ-[قَالَ] : [ (343) ] فَأَجَابَتْهُ قُرَيْشٌ
بِأَجْمَعِهَا، فَقَالَتْ: مَا قِصَّتُكَ يَا أَبَا الْحَارِثِ؟
فَقَالَ: فُقِدَ ابْنِي مُحَمَّدٌ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: ارْكَبْ نَرْكَبْ
مَعَكَ، فَإِنْ سَبَّقْتَ خَيْلًا سَبَّقْنَا مَعَكَ، وَإِنْ خُضْتَ
بَحْرًا خُضْنَا مَعَكَ. قَالَ: فَرَكِبَ، وَرَكِبَتْ مَعَهُ قُرَيْشٌ،
فَأَخَذَ عَلَى أَعْلَى مَكَّةَ، وَانْحَدَرَ عَلَى أَسْفَلِهَا. فَلَمَّا
أَنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا تَرَكَ النَّاسَ وَاتَّشَحَ بِثَوْبٍ، وَارْتَدَى
بِآخَرَ [ (344) ] ، وَأَقْبَلَ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَطَافَ
أُسْبُوعًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يقول:
يَا رَبِّ إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُوجَدْ ... فَجَمِيعُ [ (345) ] قَوْمِي
كُلُّهُمْ مُتَرَدِّدْ
فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي مِنْ جَوِّ الْهَوَاءِ: مَعَاشِرَ
الْقَوْمِ [ (346) ] ، لَا تَصِيِحُوا [ (347) ] ، فَإِنَّ لِمُحَمَّدٍ
رَبًّا لَا يَخْذُلُهُ وَلَا يُضَيِّعُهُ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:
يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ، مَنْ لَنَا بِهِ؟ قَالُوا [ (348) ] : بِوَادِي
تِهَامَةَ عِنْدَ شَجَرَةِ الْيُمْنَى. فَأَقْبَلَ عَبْدُ
__________
[ (341) ] رسمت في (ص) : «بأعلا» .
[ (342) ] في (ص) : «يا نسيل» ، وفي (ح) : «يا سنيل» .
[ (343) ] الزيادة من (ح) .
[ (344) ] في (ح) : «بأخرى» .
[ (345) ] في (ص) : «فجمع قومي كلها مبدد.»
[ (346) ] في (ح) : «الناس» .
[ (347) ] في (ص) : «ولا تصنجوا» .
[ (348) ] في (ح) : «قال: قالوا.
(1/144)
الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا صَارَ فِي بَعْضِ
الطَّرِيقِ تَلَقَّاهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، فَصَارَا جَمِيعًا
يَسِيرَانِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذَا النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَائِمٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَجْذِبُ أَغْصَانَهَا،
وَيَعْبَثُ بِالْوَرَقِ،
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ: فَدَتْكَ نَفْسِي، وَأَنَا جَدُّكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ.
ثُمَّ احْتَمَلَهُ، وَعَانَقَهُ [ (349) ] ،
وَلَثَمَهُ، وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَجَعَلَ يَبْكِي، ثُمَّ حَمَلَهُ
عَلَى قَرَبُوسِ سَرْجِهِ، وَرَدَّهُ إِلَى مَكَّةَ، فَاطْمَأَنَّتْ
قُرَيْشٌ فَلَمَّا اطْمَأَنَّ النَّاسُ نَحَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ
عِشْرِينَ جَزُورًا، وَذَبَحَ الشَّاءَ [ (350) ] وَالْبَقَرَ، وَجَعَلَ
طَعَامًا، وَأَطْعَمَ أَهْلَ مَكَّةَ.
قَالَتْ حَلِيمَةُ: ثُمَّ جَهَّزَنِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِأَحْسَنِ
الْجِهَازِ وَصَرَفَنِي، فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَأَنَا بِكُلِّ
خَيْرِ دُنْيَا، لَا أُحْسِنُ وَصْفَ كُنْهِ خَيْرِي. وَصَارَ مُحَمَّدٌ
عِنْدَ جَدِّهِ.
قَالَتْ حَلِيمَةُ: وَحَدَّثْتُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بِحَدِيثِهِ كُلِّهِ،
فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَبَكَى، وَقَالَ: يَا حَلِيمَةُ، إن لا بني
شَأْنًا، وَدِدْتُ أَنِّي أُدْرِكُ ذَلِكَ الزَّمَانَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ
بْنِ مَعْدَانَ [ (351) ] ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ:
أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ. فَذَكَرَ الحديث. قال:
__________
[ (349) ] في (ح) : «ثم احتمله على عاتقه، ولثمه..» .
[ (350) ] في (ص) : «الشاة» تصحيف.
[ (351) ] في سيرة ابن هشام: «قال ابن إسحق: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ
يَزِيدَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، ولا احسبه إلا عَنْ خَالِدِ بْنِ
مَعْدَانَ القلاعي....» .
(1/145)
وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ
بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي فِي بَهْمٍ لَنَا، أَتَانِي
رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ [ (352) ] ، مَعَهُمَا طَسْتٌ مِنْ
ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٌ ثَلْجًا، فَأَضْجَعَانِي، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ
اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ،
فَأَلْقَيَاهَا [ (353) ] ، ثُمَّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ
الثَّلْجِ، حَتَّى إِذَا أَنْقَيَا ثُمَّ رَدَّاهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ
قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ،
فَوَزَنَنِي بِعَشَرَةٍ، فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ
مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِمِائَةٍ، فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ:
زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِأَلْفٍ، فَوَزَنْتُهُمْ.
فَقَالَ: دَعْهُ عَنْكَ، فَلَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ لَوَزَنَهُمْ [
(354) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ أَبِي
سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ جَعْدَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مَلَكَيْنِ
جَاءَانِي فِي صُورَةِ كُرْكِيَّيْنِ، مَعَهُمَا ثَلْجٌ وَبَرَدٌ وَمَاءٌ
بَارِدٌ، فَشَرَحَ أَحَدُهُمَا صَدْرِي، وَمَجَّ الْآخَرُ بِمِنْقَارِهِ
فِيهِ فَغَسَلَهُ.
هَذَا مُرْسَلٌ. وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ الشَّقِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
مَوْصُولٍ:
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هاني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ
فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عن أنس بن مالك.
__________
[ (352) ] في (ح) : «بيض» .
[ (353) ] في (ص) : «فألقياه» .
[ (354) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 600) ، وقال: «صحيح الإسناد، ولم
يخرجاه» وأقرّه الذهبيّ. وهو في سيرة ابن هشام (1: 177) ، والبداية
والنهاية (2: 275) .
(1/146)
أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ
الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ.
فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا
حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ
زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ
الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ- يَعْنِي ظِئْرَهُ- فَقَالُوا:
إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ
اللَّوْنِ.
قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ
[ (355) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ. وَهُوَ
يُوَافِقُ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي.
* وَقَدْ أَخْبَرَنَا [أَبُو الْحَسَنِ] : عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ [ (356) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى- هَوُ ابْنُ
إِسْمَاعِيلَ- قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُتِيتُ وَأَنَا
فِي أَهْلِي، فَانْطُلِقَ بِي إِلَى زَمْزَمَ، فَشُرِحَ صَدْرِي، ثُمَّ
غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئَةً
إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحُشِيَ بِهَا صَدْرِي- قَالَ أَنَسٌ: وَرَسُولُ
اللهِ، صلى الله عليه وسلم، يُرِينَا أَثَرَهُ- فَعَرَجَ بِيَ الْمَلَكُ
إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ الْمَلَكُ. وَذَكَرَ حَدِيثَ
الْمِعْرَاجِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (357) ] مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ
أَسَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
__________
[ (355) ] أخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان (74) باب الإسراء، حديث رقم
(261) ، صفحة (1:
147) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 121، 149، 288) .
[ (356) ] في (ح) : «هشام» وهو مصحف من تمتام، خطأ من الناسخ.
[ (357) ] في: 1- كتاب الإيمان (74) باب الإسراء، صفحة (1: 147) «فتح
الباري» .
(1/147)
وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ.
وقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً حِينَ كَانَ عِنْدَ
مُرْضِعَتِهِ حَلِيمَةَ، وَمَرَّةً حين كان بمكة، بعد ما بُعِثَ لَيْلَةَ
الْمِعْرَاجِ [ (358) ] . وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَتْ ثُوَيْبَةُ، مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [
(359) ] ، أَرْضَعَتْ أَيْضًا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مَعَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ.
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو،
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
الْمُزَنِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي
سَلَمَةَ- وَأُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ- أَخْبَرَتْهُ:
أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا
قَالَتْ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، انْكِحْ أُخْتِي، ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ.
قَالَتْ: فَقَالَ لِي:
أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَعَمْ،
لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرَكَنِي فِي خَيْرٍ- أُخْتِي.
قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّ ذَلِكَ
لَا يَحِلُّ لِي. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا
لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي
سَلَمَةَ. فَقَالَ: ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ:
والله لو
__________
[ (358) ] سبق ان تقدم في الهامش رقم (321) أن شق الصدر قد تكرر.
[ (359) ] تقدم في الهامش (293) ان ثوبية كانت ممن أرضع النبي صلى الله
عليه وسلّم.
(1/148)
أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي
حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ،
أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ: ثُوَيْبَةُ. فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ
بَنَاتِكُنَّ، وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ.
قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ: مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ
أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتْ رَسُولَ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ،
فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ فِي النَّوْمِ
بِشَرِّ حِيبَةٍ، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ:
لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ رَخَاءً، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ مِنِّي
بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ، وَأَشَارَ إِلَى النَّقِيرِ الَّتِي بَيْنَ
الْإِبْهَامِ وَالَّتِي يَلِيهَا مِنَ الْأَصَابِعِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (360) ] .
وَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَتَهُ حَتَّى كَبِرَ:
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ وهب..
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَذَكَرَ
الحديث، وفيه: قال:
__________
[ (360) ] أخرجه البخاري في كتاب النكاح، (باب) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم،
ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» ، و (باب) : وربائبكم اللاتي في
حجوركم» .
ورواه مسلم في: 17- كتاب الرضاع (4) باب تحريم الربيبة وأخت المرأة، حديث
(16) ، صفحة (1073) .
(1/149)
وَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أَعْطَتْ رَسُولَ
اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِذَاقًا لَهَا، فَأَعْطَاهُنَّ
رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمَّ أَيْمَنَ، وَهِيَ
مَوْلَاتُهُ أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ مِنْ شَأْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أُمِّ أُسَامَةَ
بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، وَكَانَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ
رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ
أَبُوهُ، فَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضِنُهُ حَتَّى كَبِرَ رَسُولُ
اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْتَقَهَا، ثُمَّ أَنْكَحَهَا
زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ [ (361) ] .
__________
[ (361) ] أخرجه مسلم في صحيحه، في: 22- كتاب الجهاد والسير (24) باب رَدَّ
الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْأَنْصَارِ منائحهم من الشجر والثمر، حديث (70) ،
صفحة (1391- 1392) .
(1/150)
بَابُ ذِكْرِ أَسْمَاءِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ (362) ] وَقَالَ:
وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (363) ] .
* حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، لَفْظًا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي
هند، عن العباس ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ كِنْدِيرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ:
حَجَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ
وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
يَا رَبِّ رُدَّ رَاكِبِي مُحَمَّدَا ... يَا رَبِّ رُدَّهْ وَاصْطَنِعْ
عِنْدِي يَدَا
- وَقَالَ غَيْرُهُ: «رَدَّهُ رَبِّ» - فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ:
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، بَعَثَ بِابْنِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ فِي
طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ، وَلَمْ يَبْعَثْهُ فِي حَاجَةٍ إِلَّا أَنْجَحَ
فِيهَا، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ
مُحَمَّدٌ وَالْإِبِلُ، فَاعْتَنَقَهُ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ
جَزِعْتُ عَلَيْكَ جَزَعًا لَمْ أَجْزَعْهُ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ، وَاللهِ
لَا أَبْعَثُكَ في
__________
[ (362) ] الآية الكريمة (29) من سورة الفتح.
[ (363) ] الآية الكريمة (6) من سورة الصف.
(1/151)
حاجة أبدا، ولا تُفَارِقُنِي بَعْدَ هَذَا
أَبَدًا [ (364) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ
الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ: رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَعْجَبُونَ
كَيْفَ يَصْرِفُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ
وَلَعْنَهُمْ؟ يَسُبُّونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا
مُحَمَّدٌ [ (365) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ،
عَنْ سُفْيَانَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفيان، يقال: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ
لِي أسماء: أنا محمد، وأنا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو
اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ
عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ، الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أحد [ (366)
] .
__________
[ (364) ] رواه ابن سعد في الطبقات (1: 112) ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك»
(2: 603) ، وقال:
«على شرط مسلم ولم يخرجاه» .
[ (365) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (17) بَابُ مَا جَاءَ
فِي أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فتح الباري (6: 554- 555) ،
والإمام أحمد في «مسنده» (2: 244، 340، 369) .
[ (366) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (17) بَابُ مَا جَاءَ فِي
أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الفتح (6: 554) ، والترمذي في كتاب
الأدب (بَابُ) مَا جَاءَ فِي أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم (5: 135) ،
ومالك
(1/152)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
أَبِي الْيَمَانِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ
أَبِي الْيَمَانِ.
و [أَخْرَجَهُ] [ (367) ] مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ
وَعُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ [بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ] [ (368) ] بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ ابن مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ
بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ
لِي أَسْمَاءً: أَنَا أَحْمَدُ [ (369) ] وَأَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا
الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ،
يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ.
قَالَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا الْعَاقِبُ؟ قَالَ: الَّذِي ليس بعده
النبي [ (370) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عن عبد
الرّزّاق.
__________
[ () ] في الموطأ في أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم (2: 1004، والدارمي
في الرقاق باب في أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم (2:
317) . والإمام احمد في «مسنده» (4: 80، 81، 84) .
كما أخرجه البخاري (أيضا) في كتاب التفسير، تفسير سورة الصف، فتح الباري
(8: 640) ، ومسلم فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ (بَابُ) أسماء رسول الله صلى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ رقم 124، صفحة (4: 1828) ، وجمع الوسائل
في شرح الشمائل (2: 317) .
[ (367) ] الزيادة من (ح) .
[ (368) ] العبارة بين الحاصرتين سقطت من (ح) ، وثابتة في (ص) و (هـ) .
[ (369) ] في (ح) : إني انا احمد.
[ (370) ] في (ح) : «الذي ليس يعقبه نبي» .
(1/153)
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ
بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: «وَأَنَا
الْعَاقِبُ، الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ
تَعَالَى، رَءُوفًا رَحِيمًا»
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ
يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ،
عَنِ ابْنِ شهاب. فَذَكَرَهُ، وقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ:
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرُ الْعَاقِبِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ،
كَمَا بَيَّنَهُ مَعْمَرٌ.
وَقَوْلُهُ: «وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ، تَعَالَى: رَءُوفًا رَحِيمًا» مِنْ
قَوْلِ الزُّهْرِيِّ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
* حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ
الْعَلَوِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دُلَّوَيْهِ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْسَرَةَ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: لِي
خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا
الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللهُ، تَعَالَى، بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا
الْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا العاقب.
يعني الخاتم [ (371) ] .
__________
[ (371) ] مضى الحديث في الهامش (366) .
(1/154)
وَرَوَاهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، فَعَدَّهُنَّ مَعَ الْخَاتَمِ، سِتَّةً: [ (372) ]
.
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَنَا
مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمَاحِي، وَالْخَاتَمُ،
وَالْعَاقِبُ» [ (373) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ:
مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، قَالَ:
__________
[ (372) ] وقال العلماء: «كثرة الأسماء دالّة على عظم المسمّى ورفعته، وذلك
للعناية به وبشأنه، ولذلك ترى المسّميات في كلام العرب أكثرها محاولة
واعتناء.
قال الإمام النووي: «وغالب هذه الأسماء التي ذكروها إنما هي صفات كالعاقب
والحاشر، فإطلاق الإسم عليها مجاز، ونقل الغزالي: «الاتفاق على أنه لا يجوز
ان نسمّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم باسم لم يسمّه به أبوه، ولا سمّى
به نفسه الشريفة» ، وأقره الحافظ ابن حجر في الفتح على ذلك.
وقد أفرد أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالتصنيف خلائق، ونظمها
جماعة منهم الشيخ: ابو عبد الله القرطبي المفسّر، والعلامة الزيني عبد
الباسط بن الإمام: بدر الدين البلقيني، وكانت قصيدته الميمية بديعة لم ينسج
على منوالها ناسج، ورتب السيوطي أسماءه صلى الله عليه وسلم على حروف المعجم
في كتابه: «الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة.
[ (373) ] رواية نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ أبيه: رواه الإمام أحمد في
«مسنده» (4: 81) ، وأبو نعيم في الدلائل ص (26) ، قال ابن دحية: «هو مرسل
حسن الإسناد» ، وقال السيوطي: «بل هو متصل، فإنّ نافعا رواه عن أبيه..» .
(1/155)
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.
(ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ:
حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عن
عقبة بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ
عَبْدُ الْمَلِكِ: أَتُحْصِي أسماء رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، الَّتِي كَانَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ يَعُدُّهَا؟ قَالَ:
نَعَمْ، هِيَ سِتَّةٌ، مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَخَاتَمٌ، وَحَاشِرٌ،
وَعَاقِبٌ، وَمَاحِي. فَأَمَّا الْحَاشِرُ [ (374) ] : فَبُعِثَ مَعَ
السَّاعَةِ نَذِيرًا لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، وَأَمَّا
عَاقِبٌ: فَإِنَّهُ عَقِبُ [ (375) ] الْأَنْبِيَاءِ، وَأَمَّا مَاحِي:
فَإِنَّ اللهَ، تَعَالَى، مَحَا بِهِ [ (376) ] سَيِّئَاتِ مَنِ
اتَّبَعَهُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ
بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْفَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمَّى لَنَا نَفْسَهُ [ (377) ] ، فَقَالَ:
أَنَا محمد،
__________
[ (374) ] في (ص) : «حاشر» .
[ (375) ] في (ب) : «عقيب» .
[ (376) ] رسمت في (ص) : «محى» .
[ (377) ] في (ب) : «نفسه أسماء» .
(1/156)
وَأَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفَّى،
وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَالْمَلْحَمَةِ [ (378) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ. وَفِي رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ، قَالَ:
سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَفْسَهُ
أَسْمَاءً، مِنْهَا مَا حَفِظْنَا، ثُمَّ ذَكَرَهُنَّ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ،
بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا
النَّاسُ: إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» [ (379) ] .
هَذَا مُنْقَطِعٌ. وَرُوِيَ مَوْصُولًا.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْفَضْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَا:
حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ.
(ح) [ (380) ] وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ [
(381) ] بْنِ سختويه الإسفرايني الْمُجَاوِرُ، بِمَكَّةَ، وَكَتَبَهُ لِي
بِخَطِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَحْمَدَ الطِّرَازِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، وَأَبُو عَلِيٍّ:
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بن
__________
[ (378) ] أخرجه مسلم فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ (بَابُ) أسماء النبي صلى
الله عليه وسلّم، حديث رقم (126) (4: 1828- 1829) ، والإمام أحمد في
«مسنده» (4: 404) .
[ (379) ] ذكره السيوطي في الجامع الصغير (1: 348) عن ابن سعد والحكيم عن
أبي صالح مرسلا، والحاكم عَنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وأشار إليه بالصحة،
وأخرجه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8:
257) ونسبه إلى البزار، والطبراني في الصغير، وقال: رجال البزار رجال
الصحيح» .
[ (380) ] سقطت علامة التحويل من نسخة (هـ) .
[ (381) ] في (ح) : «مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ» .
(1/157)
الْحَسَنِ الْحَافِظُ، وَأَبُو النَّضْرِ:
شَافِعُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَوَانَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو
رَوْقٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ الْهِزَّانِيُّ،
بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ:
زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ
سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا
رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» .
لفظ حديث الإسفرايني.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ،
وَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» .
* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ الْأَزْرَقِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [ (382) ] ، عَنْ [محمد] [
(383) ] بن الْحَنَفِيَّةِ قَالَ:
يس [ (384) ] قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ [ (385) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (382) ] من هامش (ص) : «ابن عمير» .
[ (383) ] الزيادة من (ب) .
[ (384) ] في (هـ) : «أنس» وهو تصحيف وخطأ.
[ (385) ] ذكره جماعة في أسمائه صلى الله عليه وسلم، وورد في حديث أبي
الطّفيل عن ابن مردويه، ونقله السيوطي في الدر المنثور (5: 258) عن
البيهقي، وقال السّهيلي لو كان اسما لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم،
لقال: ياسين بالضم، كما قال: «يوسف أيها الصّديق» ، وقال تلميذه ابن دحية:
«وهذا غير لازم فإن الكلبي قرأه بالضم. اي على حذف حرف النداء.
(1/158)
ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
طه مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [ (386) ] يَا رَجُلُ مَا
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى. وَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ
عَلَى رِجْلَيْهِ، فَهِيَ لُغَةٌ لِعَكٍّ، إِنْ قُلْتَ لِعَكِّيٍّ: يَا
رَجُلُ، لَمْ يَلْتَفِتْ، وَإِذَا قُلْتَ لَهُ: طه، الْتَفَتَ إِلَيْكَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ، يَقُولُ:
قَالَ «الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ» : خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ذَوُو [
(387) ] اسْمَيْنِ، مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، نَبِيُّنَا، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعِيسَى، وَالْمَسِيحُ، صَلَّى الله عَلَيْهِ،
وَإِسْرَائِيلُ، وَيَعْقُوبُ، صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَيُونُسُ، وَذُو
النُّونِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ. وَإِلْيَاسُ، وَذُو الْكِفْلِ، صَلَّى
الله عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: وَلِنَبِيِّنَا، صلى الله عليه وسلم، خَمْسَةُ
أَسْمَاءٍ فِي الْقُرْآنِ: مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَطه،
وَيس. قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي ذِكْرِ محمد، صلى الله عليه
وَسَلَّمَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ (388) ] وَقَالَ: وَمُبَشِّراً
بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (389) ] وَقَالَ اللهُ،
عَزَّ وَجَلَّ، فِي ذِكْرِ عَبْدِ اللهِ: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ
اللَّهِ يَدْعُوهُ. يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
لَيْلَةَ الْجِنِّ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [ (390) ] .
وَإِنَّمَا كَانُوا يَقَعُونَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا أَنَّ الّلبد
يتّخذ من
__________
[ (386) ] «الآيتان الكريمتان (1، 2) من سورة طه، وقد ذكر خلائق (طه) في
أسمائه صلى الله عليه وسلم، وورد في حديث رواه ابن مردويه بسند ضعيف عن أبي
الطفيل، وقيل: «إنه أراد يا طاهر من العيوب والذنوب، او يا هادي إلى كل
خير» .
[ (387) ] في (ح) و (هـ) : ذو.
[ (388) ] الآية الكريمة (29) من سورة الفتح.
[ (389) ] الآية الكريمة (6) من سورة الصف.
[ (390) ] الآية الكريمة (19) من سورة الجن.
(1/159)
الصُّوفِ، فَيُوضَعُ بَعْضُهُ عَلَى
بَعْضٍ، فَيَصِيرُ لِبَدًا. وَقَالَ: عَزَّ وَجَلَّ: طه مَا أَنْزَلْنا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [ (391) ] وَالْقُرْآنُ إِنَّمَا نَزَلَ
عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ غَيْرِهِ.
وَقَالَ، عَزَّ وَجَلَّ: يس [ (392) ] يَعْنِي يَا إِنْسَانُ،
وَالْإِنْسَانُ هَاهُنَا: الْعَاقِلُ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ، صلى الله عليه
وسلم إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ (393) ] .
قُلْتُ: وَزَادَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالَ: سَمَّاهُ اللهُ،
تَعَالَى: فِي الْقُرْآنِ: «رَسُولًا، نَبِيًّا، أُمِّيًّا، وَسَمَّاهُ:
شَاهِدًا، وَمُبَشِّرًا، وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إلى الله بإذنه، وسراجا
مُنِيرًا، وَسَمَّاهُ: رَءُوفًا رَحِيمًا، وَسَمَّاهُ: نَذِيرًا مُبِينًا،
وَسَمَّاهُ: مُذَكِّرًا، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً، وَنِعْمَةً، وَهَادِيًا،
وَسَمَّاهُ: عَبْدًا. صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ
كَثِيرًا.
* وأَخْبَرَنَا [ (394) ] أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ- وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ- قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
إِسْحَاقَ، قال: حدثنا المسيب بن رافع، قال:
قَالَ كَعْبٌ: قَالَ اللهُ، تَعَالَى، لِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: عَبْدِي [سَمَّيْتُكَ] [ (395) ] الْمُتَوَكِّلَ الْمُخْتَارَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ حُبَيْبٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ
__________
[ (391) ] الآيتان الكريمتان (1، 2) من سورة طه.
[ (392) ] الآية الكريمة (1) من سورة يسن.
[ (393) ] الآية الكريمة (3) من سورة يسن.
[ (394) ] في (ص) : «أخبرنا» .
[ (395) ] الزيادة من (ص) .
(1/160)
الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: اجْتَمَعُوا، فَتَذَاكَرُوا أَيُّ بَيْتٍ [ (396) ]
أَحْسَنُ فِيمَا قَالَتْهُ الْعَرَبُ؟ قَالُوا: الَّذِي قَالَهُ أَبُو
طَالِبٍ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم:
وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ كَيْ يُجِلَّهُ* فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ
وَهَذَا مُحَمَّدُ وَرَوَاهُ الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ [ (397) ] ، عَنْ
سفيان، وقال: «ليجلّه» .
__________
[ (396) ] في (هـ) : «بيت الله» .
[ (397) ] في (ح) : «وفي رواية المسيب» .
(1/161)
بَابُ ذِكْرِ كُنْيَةِ رَسُولِ اللهِ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ
بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى: زَكَرِيَّا
بْنُ يَحْيَى بْنِ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ،
عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ، يَقُولُ:
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» [ (398) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ،
عَنْ سُفْيَانَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بن جعفر،
__________
[ (398) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (20) باب كنية النبي
صلى الله عليه وسلّم، من حديث جابر.، فتح الباري (6: 560) ، وأخرجه البخاري
أيضا في: 78- كتاب الأدب (106) بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه
وسلّم: «سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» ، الفتح (10: 571) ، وأخرجه مسلم في
أول كتاب الأدب (3: 1682) ، وأخرجه ابن ماجة في: 33- كتاب الأدب (33) باب
الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلّم وكنيته (2: 1230) ، وأخرج الترمذي
جزأه الثاني في كتاب الأدب (5: 136) .
(1/162)
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم: لَا تَجْمَعُوا اسْمِي
وَكُنْيَتِي، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، اللهُ يَرْزُقُ، وَأَنَا أَقْسِمُ» [
(399) ] .
وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعَيدٍ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبَى عُثْمَانَ
الزَّاهِدُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ
السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، إِلَّا
أَنَّهُ قَالَ: «اللهُ يُعْطِي وَأَنَا أَقْسِمُ» [ (400) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ.
(ح) [ (401) ] وحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ
الْأَصْفَهَانِيُّ، وأَبُو بَكْرٍ:
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ
حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَعُقَيْلٍ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أنس ابن مالك:
__________
[ (399) ] الحديث له شواهد قوية في البخاري ومسلم: فأخرج البخاري في: 57-
كتاب الخمس (7) باب قول الله تعالى: فإن لله خمسه يعني للرسول قسم ذلك
«الله المعطي وأنا القاسم» فتح الباري (6: 217) ، وأخرج مسلم في 38- كتاب
الآداب (1) باب النبي عن التكني بأبي القاسم، حديث (4) إنما بعثت قاسما
اقسم بينكم (3: 1683) .
[ (400) ] المستدرك (2: 604) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم
يخرجاه» .
[ (401) ] سقطت علامة التحويل من (ح) .
(1/163)
أَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ مَارِيَةَ جَارِيَتِهِ،
كَانَ [ (402) ] يَقَعُ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مِنْهُ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ،
فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ [ (403) ] . وَفِي
رِوَايَةِ الْفَقِيهِ: «يا أبا إبراهيم» [ (404) ] .
__________
[ (402) ] في (ح) : «كاد» .
[ (403) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 604) .
[ (404) ] في هامش (هـ) عند اللوحة (36 ب) : «بلغ سماع الجماعة عليّ بقراءة
السيد أبي الصلاح:
الحسين بن عبد الرحمن الشيخوني، وصح وثبت في يوم الأربعاء (30) رمضان سنة
(1191) بسويقة اللاله. وكتب محمد مرتضى «غفر له بمنه» .
(1/164)
|