دلائل النبوة للبيهقي محققا

جُمَّاعُ أَبْوَابِ السَّرَايَا الَّتِي تُذْكَرُ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَقَبْلَ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَإِنْ كَانَ تَارِيخُ بَعْضِهَا لَيْسَ بِالْوَاضِحِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى نَجْدٍ قِبَلَ بَنِي فَزَارَةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عِكْرِمَةُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ: هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إياس ابن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ إِلَى فَزَارَةَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا مَا دَنَوْنَا مِنَ الْمَاءِ عَرَّسَ بِنَا أَبُو بَكْرٍ حَتَّى إِذَا مَا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ أَمَرَنَا فَشَنَنَّا الْغَارَةَ فَوَرَدْنَا الْمَاءَ، فَقَتَلَ أَبُو بَكْرٍ مَنْ قَتَلَ، وَنَحْنُ مَعَهُ.
قَالَ سَلَمَةُ فَرَأَيْتُ عُنُقًا [ (1) ] مِنَ النَّاسِ فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ [ (2) ] فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَلِ فَأَدْرَكْتُهُمْ فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا رَأَوَا السَّهْمَ، قَامُوا فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ فِيهِمْ عَلَيْهَا قِشَعٌ [ (3) ] مِنْ أَدَمٍ مَعَهَا ابْنَتُهَا مِنْ أَحْسَنِ
__________
[ (1) ] (عنق من الناس) جماعة.
[ (2) ] (الذراري) النساء والصبيان.
[ (3) ] (القشع) : النطع.

(4/290)


الْعَرَبِ فَجِئْتُ أَسُوقُهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ بَاتَتْ عِنْدِي فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا حَتَّى لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السُّوقِ، وَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ! هَبْ لِي الْمَرْأَةَ» .
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ وَاللهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ وَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، قَالَ يَا سَلَمَةُ:
هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ، قُلْتُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَفَدَا بِهَا أَسْرَى [ (4) ] مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (5) ] مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ.
__________
[ (4) ] في مسلم: «ناس» .
[ (5) ] صحيح مسلم في: 32 كتاب الجهاد والسير، (14) باب التنفيل، الحديث (46) ص (1375) .

(4/291)


بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى عَجُزِ هَوَازِنَ وَرَاءَ مَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى تُرَبَةِ عَجُزِ [ (1) ] هَوَازِنَ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا فَخَرَجَ عُمَرُ وَمَعَهُ دَلِيلٌ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، فَكَانُوا يَسِيرُونَ اللَّيْلَ وَيَكْمُنُونَ النَّهَارَ، فَأَتَى الْخَبَرُ هَوَازِنَ فَهَرَبُوا، وَجَاءَ عُمَرُ مَحَالَّهُمْ، فَلَمْ يَلْقَ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَانْصَرَفَ عُمَرُ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى سَلَكَ النَّجْدِيَّةَ فَلَمَّا كَانُوا بِالْجَدَدِ، قَالَ الْهِلَالِيُّ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: هَلْ لَكَ فِي جَمْعٍ آخَرَ تَرَكْتُهُ مِنْ خَثْعَمٍ جَاءُوا سَائِرِينَ قَدْ أَجْدَبَتْ بِلَادُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، إِنَّمَا أَمَرَنِي أَنْ أَصْمُدَ لِقِتَالِ هَوَازِنَ بِتُرَبَةَ، فَانْصَرَفَ عُمَرُ راجعا الى المدينة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (عجز هوازن) بنو نصر بن معاوية، وبنو جشم بن بكر. (وتربة) : موضع بناحية العبلاء على اربع ليال من مكة طريق صنعاء ونجران.
[ (2) ] الخبر بهذا الاسناد رواه الواقدي في الْمَغَازِي (2: 722) .

(4/292)


بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ [ (1) ] إِلَى يسير [ (2) ] بن رزام اليهودي وَمَا ظَهَرَ فِي شَجَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ مِنَ الصِّحَّةِ بِبَرَكَةِ بُصَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِيهَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا كَذَا قَالَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ ابي
__________
[ (1) ] قال الصالحي في السيرة الشامية (6: 178) :
ذكر البيهقي وتبعه في زاد المعاد: هذه السرية بعد خيبر. قال في النور: (وهو الذي يظهر فإنهم قالوا أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا إليك ليستعملك على خيبر، وهذا الكلام لا يناسب أن يقال إنها قبل الفتح والله اعلم) . قلت: كونها قبل خيبر أظهر، قال في القصة إنه سار في غطفان وغيرهم لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم بموافقة يهود ذلك. وذلك قبل فتح خيبر قطعا إذ لم يصدر من يهود بعد فتح خيبر شيء من ذلك. وقول الصحابة لأسير بن رزام أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا إليك ليستعملك على خيبر لا ينافي ذلك لأن مرادهم باستعماله المصالحة وترك القتال والاتفاق على أمر يحصل له بذلك والله اعلم.
[ (2) ] وقيل: أسير.

(4/293)


أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ السُّلَمِيُّ إِلَى اليسير ابن رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ، حَتَّى أَتَوْهُ بِخَيْبَرَ، وَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِيَغْزُوهُ بِهِمْ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَعْمِلَكَ عَلَى خَيْبَرَ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى تَبِعَهُمْ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَدِيفٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا بَلَغُوا قَرْقَرَةَ ثِبَارٍ [ (3) ] وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ نَدِمَ البشير، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى سَيْفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ فَفَطِنَ لَهُ عَبْدُ اللهِ فَزَجَرَ بَعِيرَهُ ثُمَّ اقْتَحَمَ يَسُوقُ بِالْقَوْمِ حَتَّى إِذَا اسْتَمْكَنَ من السّير ضَرَبَ رِجْلَهُ فَقَطَعَهَا وَاقْتَحَمَ الْيُسَيْرُ وَفِي يَدِهِ مِخْرَشٌ [ (4) ] مِنْ شَوْحَطٍ فَضَرَبَ بِهِ وَجْهَ عَبْدِ اللهِ شَجَّةً مأمومة [ (5) ] كل رجل كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَدِيفِهِ فَقَتَلَهُ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنَ الْيَهُودِ أَعْجَزَهُمْ شَدًّا وَلَمْ يُصَبْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ وقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَصَقَ فِي شَجَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ فَلَمْ تَقْحُ وَلَمْ تُؤْذِهِ حَتَّى مَاتَ.
لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عقبة [ (6) ] .
__________
[ (3) ] (ثبار) : موضع على ستة أميال من خيبر. معجم البلدان (3: 5) .
[ (4) ] (المخرش) عصا معوجة الرأس.
[ (5) ] الشجة المأمومة: التي تبلغ ام الرأس والدماغ.
[ (6) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ نقلها ابن كثير في التاريخ (4: 221) .

(4/294)


بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ إِلَى بَنِي مُرَّةَ، وَسَرِيَّةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْكَلْبِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا إِلَى بَنِي مُرَّةَ بِفَدَكٍ، فَخَرَجَ فَلَقِيَ رِعَاءَ الشَّاءِ [ (1) ] فَاسْتَاقَ الشَّاءَ وَالنَّعَمَ مُنْحَدِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَدْرَكَهُ الطَّلَبُ عِنْدَ اللَّيْلِ، فباتوا يرامونهم بِالنَّبْلِ، حَتَّى فَنِيَتْ نَبْلُ أَصْحَابِ بَشِيرٍ، فَأَصَابُوا أَصْحَابَهُ وَوَلَّى مِنْهُمْ مَنْ وَلَّى، وَقَاتَلَ بَشِيرٌ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى ضُرِبَ كَعْبَاهُ، وَقِيلَ: قَدْ مَاتَ، وَرَجَعُوا بِنَعَمِهِمْ وَشَائِهِمْ وَتَحَامَلَ بَشِيرٌ حَتَّى انْتَهَى إِلَى فَدَكَ، فَأَقَامَ عِنْدَ يَهُودِيٍّ حَتَّى ارْتَفَعَ مِنَ الْجِرَاحِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي بَعْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إِلَيْهِمْ حَتَّى أَتَاهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْخُدْرِيُّ بِالْخَبَرِ [ (2) ] .
__________
[ (1) ] في المغازي بعده: فسأل: أين الناس؟ فقالوا: هم في بواديهم، والناس يومئذ شاتون لا يحضرون الماء، فاستاق النعم..
[ (2) ] الخبر في مغازي الواقدي (2: 723) .

(4/295)


قَالَ الْوَاقِدِيُّ فَحَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ الْأذَانُ قَالَ كَانَ مَعَ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلَمَّا دَنَا غَالِبٌ مِنْهُمْ بَعَثَ الطَّلَائِعَ ثُمَّ رَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُ فَأَقْبَلَ غَالِبٌ يُشِيرُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ مِنْهُمْ لَيْلًا وَقَدِ احْتَلَبُوا وَهَدَءُوا [ (3) ] قَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ تُطِيعُونِي وَلَا تَعْصُونِي، وَلَا تُخَالِفُوا لِي أَمْرًا، فَإِنَّهُ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ، ثُمَّ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا فُلَانُ،! أَنْتَ وَفُلَانُ، وَقَالَ: يا فلان! أنت، وفلان لَا يُفَارِقْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ زَمِيلَهُ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يُرْفَعَ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَأَقُولَ: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، وَإِذَا كَبَّرْتُ فَكَبِّرُوا، وَجَرِّدُوا السُّيُوفَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِحَاطَتِهِمْ بِهِمْ قَالَ وَوَضَعْنَا السُّيُوفَ حَيْثُ شينا مِنْهُمْ وَنَحْنُ نَصِيحُ بِشِعَارِنَا أمت أمت، وخرج وَخَرَجَ أُسَامَةُ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ مِرْدَاسٍ، فَأَبْعَدَ فقاله أَمِيرُنَا: أَيْنَ أُسَامَةُ فَجَاءَنَا بَعْدَ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَامَهُ أَمِيرُنَا، فَقَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُ وَلَحَمْتُهُ السَّيْفَ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ أَمِيرُنَا: أَغْمَدْتَ سَيْفَكَ؟
قَالَ: لَا، وَاللهِ مَا فَعَلْتُ حَتَّى أَوْرَدْتُهُ شَعُوبَ، قَالَ: قُلْنَا بِئْسَ وَاللهِ مَا صَنَعْتَ وَمَا جِئْتَ به تقتل امرءا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَنَدِمَ وَسُقِطَ فِي يَدَيْهِ.
قَالَ فَاسْتَقْنَا الْغَنَمَ وَالنِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ، وَكَانَتْ سِهَامُهُمْ عَشَرَةَ أَبْعِرَةٍ لِكُلِّ رَجُلٍ أَوْ عِدْلَهَا مِنَ الْغَنَمِ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابن
__________
[ (3) ] في المغازي: «وقد اجتلبوا وعطنوا وهدأوا» والمعنى: انهم سقوا الإبل ثم أناخوها وحبسوها عند الماء.
[ (4) ] مغازي الواقدي (2: 724- 725) .

(4/296)


إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبَ بْنَ عبد الله الكلبي كلب لَيْثٍ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ فَأَصَابَ بِهَا مِرْدَاسَ ابن نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنَ الْحُرَقَةِ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أسامة ابن زَيْدٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَعْنِي مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ فَلَمَّا شَهَرْنَا عَلَيْهِ السِّلَاحَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَاهُ خَبَرَهُ، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ! مَنْ لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ، فَقَالَ: فَمَنْ لَكَ يَا أُسَامَةُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا زَالَ يُرَدِّدُهَا عَلَيَّ حَتَّى لَوَدِدْتُ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ إِسْلَامِي لَمْ يَكُنْ، وَأَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، وَلَمْ أَقْتُلْهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُعْطِي اللهَ عَهْدًا أَنْ لَا أَقْتُلَ رَجُلًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدِي يَا أُسَامَةُ فَقُلْتُ بَعْدَكَ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ، يُحَدِّثُ قَالَ أَتَيْنَا الْحُرَقَةَ مِنْ جُهَيْنَةَ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَقَالَ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا
__________
[ (5) ] الخبر في سيرة ابن هشام (4: 231) .

(4/297)


كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْبَزَّازُ الْحَافِظُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ ابراهيم البوسنجي، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْجُهَنِيِّ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم غالب بن عبد الله الْكَلْبِيَّ- كَلْبَ لَيْثٍ- إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ بِالْكَدِيدِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ، وَكُنْتُ فِي سَرِيَّتِهِ فَمَضَيْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِقُدَيْدٍ لَقِينَا بِهِ الْحَارِثَ بْنَ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ اللَّيْثِيَّ، فَأَخَذْنَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا جِئْتُ لِأُسْلِمَ فَقَالَ لَهُ غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ مُسْلِمًا فَلَا يَضُرُّكَ رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ اسْتَوْثَقْنَا مِنْكَ قَالَ فَأَوثَقَهُ رِبَاطًا وَخَلَّفَ عَلَيْهِ رُوَيْجِلًا أَسْوَدَ كَانَ مَعَنَا، قَالَ: امْكُثْ مَعَهُ حَتَّى نَمُرَّ عَلَيْكَ فَإِنْ نَازَعَكَ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ، وَمَضَيْنَا حَتَّى أَتَيْنَا بَطْنَ الْكَدِيدِ فَنَزَلْنَا عَشِيَّةً بَعْدَ الْعَصْرِ فَبَعَثَنِي أَصْحَابِي إِلَيْهِ فَعَمِدْتُ إِلَى تَلٍّ يُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ فَانْبَطَحْتُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَنَظَرَ فَرَآنِي مُنْبَطِحًا عَلَى التَّلِّ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ، إِنِّي لَأَرَى سَوَادًا عَلَى هَذَا التَّلِّ مَا رَأَيْتُهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَانْظُرِي لَا تَكُونُ الْكِلَابُ اجْتَرَّتْ بَعْضَ أَوْعِيَتِكِ فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَفْقِدُ شيئا. قال: فناولني قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ مِنْ نَبْلِي، فَنَاوَلَتْهُ فَرَمَانِي بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِي جَبِينِي أَوْ قَالَ في جنبي،
__________
[ (6) ] أخرجه البخاري في المغازي، فتح الباري (7: 517) ، ومسلم في الإيمان عن يعقوب الدورقي.

(4/298)


فَنَزَعْتُهُ، فَوَضَعْتُهُ، وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، ثم رماني بالآخر فوضعته فِي رَأْسِ مَنْكِبِي، فَنَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَانِ وَلَوْ كَانَ رِيبَةً لَتَحَرَّكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتُ فَابْتَغِي سَهْمَيَّ فَخُذِيهِمَا لَا تَمْضُغُهُمَا عَلَيَّ الْكِلَابُ قَالَ: وَمَهَّلْنَا حَتَّى إِذَا رَاحَتْ روايحهم، وَحَتَّى إِذَا أَحْلَبُوا وَعَطَنُوا وَسَكَنُوا وَذَهَبَتْ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ شَنَنَّا عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ فَقَتَلْنَا مَنْ قَتَلْنَا، وَاسْتَقْنَا النَّعَمَ، فَوَجَّهْنَا قَافِلِينَ بِهِ، وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ إِلَى قَوْمِهِمْ مُغَوِّثًا قَالَ وَخَرَجْنَا سراعا حتى تمرّ بالحارث ابن مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ مَعَنَا، وَأَتَانَا صريخ الناس فجاءنا مالا قِبَلَ لَنَا بِهِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إِلَّا بَطْنُ الْوَادِي من قديد، فبعثه اللهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ مَا رَأَيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ مطرا ولا حال، فَجَاءَ بِمَا لَا يَقْدِرُ أحد يُقْدِمَ عَلَيْهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ وقُوفًا يَنْظُرُونَ إِلَيْنَا، مَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا وَنُحْذِرُهَا- شَكَّ النُّفَيْلِيُّ- فَذَهَبْنَا سِرَاعًا حَتَّى أَسْنَدْنَا بِهَا فِي الْمَسْلَكِ، ثُمَّ حَدَرْنَا عَنْهُ، فَأَعْجَزْنَا الْقَوْمَ بِمَا فِي أَيْدِينَا [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: كَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَرِيَّةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْكَلْبِيِّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ أَمِتْ أَمِتْ [ (8) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قال: حدثنا
__________
[ (7) ] رواه ابو داود مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ في روايته عبد الله بن غالب، والصواب: غالب بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَذَكَرَ الواقدي هذه القصة بإسناد آخر، وقال فيه: كَانَ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مائة وثلاثون رجلا، وعنهما وعن المصنف نقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 223) .
[ (8) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 220) .

(4/299)


الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ عُتْبَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَهُ يَسَارٌ مَوْلَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ غِرَّةً مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَأَرْسِلْ مَعِي إِلَيْهِمْ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ رَجُلًا، فَذَكَرَ قِصَّةً فِي كَيْفِيَّةِ مَسِيرِهِمْ حَتَّى فَنِيَتْ أَزْوَادُهُمْ وَاقْتَسَمُوا التَّمْرَ عَدَدًا وَانْتَهَوْا إِلَى ضِرْسٍ [ (9) ] مِنَ الْحَرَّةِ قَالَ غَالِبٌ انْطَلِقْ بِنَا يَا يَسَارُ أَنَا وَأَنْتَ [وَنَدَعَ الْقَوْمَ] [ (10) ] كمينّا، فَفَعَلَا حَتَّى إِذَا كُنَّا مِنَ الْقَوْمِ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ سَمِعْنَا حِسَّ النَّاسِ وَالرِّعَاءِ وَالْحَلْبِ، فَرَجَعَا سَرِيعَيْنِ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى أَصْحَابِهِمَا، فَأَقْبَلُوا جَمِيعًا حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنَ الْحَيِّ قَرِيبًا وَقَدْ وَعَظَهُمْ أَمِيرُهُمْ غَالِبٌ وَرَغَّبَهُمْ فِي الْجِهَادِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْإِمْعَانِ فِي الطَّلَبِ، وَأَلَّفَ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ: إِذَا كَبَّرْتُ فَكَبِّرُوا، قَالَ: وَكَبَّرَ فَكَبَّرُوا مَعَهُ جَمِيعًا وَرَفَعُوا وَسْطَ مَحَالِّهِمْ، فَاسْتَاقُوا نَعَمًا وَشَاءً، وَقَتَلُوا مَنْ أَشْرَفَ لَهُمْ، وَصَادَفُوهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ:
الْمَيْضَعَةُ [ (11) ]
__________
[ (9) ] (الضرس) : الأكمة.
[ (10) ] الزيادات في النص المشار إليها بالحاصرتين من مغازي الواقدي.
[ (11) ] رواه الواقدي في الْمَغَازِي (2: 726- 727) .

(4/300)


بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى جَنَابٍ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عبادة، عن بشير ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ حُسَيْلُ بْنُ نُوَيْرَةَ [ (2) ] وَكَانَ دَلِيلَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَيْنَ يَا حُسَيْلُ» ؟ قَالَ مِنْ يَمَنٍ وَجَنَابٍ قَالَ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ تَرَكْتُ جَمْعًا مِنْ يَمَنٍ وَغَطَفَانَ وَجَنَابٍ [ (3) ]
قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ عُيَيْنَةَ: إِمَّا أَنْ يَسِيرُوا إِلَيْنَا، وَإِمَّا أَنْ نَسِيرَ إِلَيْهِمْ، فَأَرْسَلُوا أَنْ سِرْ إِلَيْنَا، وَهُمْ يُرِيدُونَكَ أَوْ بَعْضَ أَطْرَافِكَ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَذَكَرَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَقَالَا جَمِيعًا: ابْعَثْ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ أَبَا النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، فَعَقَدَ لَهُ لواء،
__________
[ (1) ] في الأصل: «الجنان» ، مصحفا، والجناب من ارض غطفان.
[ (2) ] (حسيل بن نويرة) : ترجم له ابن حجر في الإصابة، وقال: «حسيل بالتصغير»
وقيل: ابن نويرة الأشجعي، قال: قدمت المدينة في جلب أبيعه، فأتى بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا حسيل! هل لك ان أعطيك عشرين صاع من تمر على أن تدل اصحابي على طريق خيبر؟» ففعلت،
قال:
فأعطاني، فذكر القصة، قال: فأسلمت.
[ (3) ] في المغازي: «تركت جمعا من غطفان بالجناب» .

(4/301)


وَبَعَثَ مَعَهُ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا اللَّيْلَ وَيَكْمُنُوا النَّهَارَ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ حُسَيْلٌ دَلِيلًا فَسَارُوا اللَّيْلَ وَكَمَنُوا النَّهَارَ حَتَّى أَتَوْا أَسْفَلَ خَيْبَرَ، فَنَزَلُوا سِلَاحَ [ (4) ] ثُمَّ خَرَجُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْقَوْمِ.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِغَارَتِهِمْ عَلَى سَرْحِ الْقَوْمِ وَبُلُوغِ الْخَبَرِ جَمْعَهُمْ فَتَفَرَّقَ الْجَمْعُ فَخَرَجَ بَشِيرٌ فِي أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى مَحَالَّهُمْ فَيَجِدُوهَا وَلَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، فَرَجَعَ بِالنَّعَمِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِسِلَاحَ رَاجِعِينَ لَقُوا عَيْنًا [ (5) ] لِعُيَيْنَةَ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ لَقُوا جَمْعَ عُيَيْنَةَ وَعُيَيْنَةُ لَا يَشْعُرُ بِهِمْ، فَنَاوَشُوهُمْ حَتَّى انْكَشَفَ جَمْعُ عُيَيْنَةَ، وَتَبِعَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ فَأَسَرُوهُمَا، فَقَدِمُوا بِهِمَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَا، فَأَرْسَلَهُمَا.
قَالَ وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَلَقِيَهُ مُنْهَزِمًا عَلَى فَرَسٍ لَهُ عَتِيقٍ يعدوا بِهِ عَدْوًا سَرِيعًا فَاسْتَوْقَفَهُ الْحَارِثُ فَقَالَ: لَا، مَا أَقْدِرُ! خَلْفِي الطَّلَبُ، أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ يَرْكُضُ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ أَمَا آنَ لَكَ تَبْصُرُ بَعْضَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَطِئَ الْبِلَادَ وَأَنْتَ مُوضِعٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ، قَالَ الْحَارِثُ: فَتَنَحَّيْتُ عن سنين خَيْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ أَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنِي، فَأَقَمْتُ مِنْ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ إِلَى اللَّيْلِ مَا أَرَى أَحَدًا وَمَا طَلَبُوهُ إِلَّا الرُّعْبَ الَّذِي دَخَلَهُ، قَالَ: فَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: قَدْ أَقَمْتَ فِي مَوْضِعِي حَتَّى اللَّيْلِ مَا رَأَيْتُ مِنَ طَلَبٍ، قَالَ عُيَيْنَةَ: هُوَ ذَاكَ أَنِّي خِفْتُ الْإِسَارَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَ لَهُ الْحَارِثُ مِنْ نُصْرَةِ اللهِ تَعَالَى مُحَمَّدًا وَجَوَابِهِ بِأَنَّ نَفْسَهُ لَا تُقِرَّهُ، ثُمَّ ارْتِيَادَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى مَا يَصْنَعُ قَوْمُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي هم فيها [ (6) ] .
__________
[ (4) ] قال البكري: بكسر السين والحاء المهملة، وتبعه في عيون الأثر، وهي موضع أسفل خيبر.
«معجم ما استعجم» (2: 744) .
[ (5) ] العين: الجاسوس.
[ (6) ] وكله مبسوط في مغازي الواقدي (2: 727- 731) .

(4/302)


بَابُ سَرِيَّةِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ [ (1) ] إِلَى الْغَابَةِ
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
كَانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ وَغَزْوَتِهِ إِلَى الْغَابَةِ مَا حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي حَدْرَدٍ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَأَصْدَقْتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى نِكَاحِي، فَقَالَ: كَمْ أَصْدَقْتَ؟ فَقُلْتُ: مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ، لَوْ كُنْتُمْ تأخذونها من وادي مَا زَادَ، لَا، وَاللهِ مَا عِنْدِي مَا أُعِينُكَ بِهِ [ (2) ] ، فَلَبِثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ جُشَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، أَوْ قَيْسُ بْنُ رِفَاعَةَ فِي بَطْنٍ عَظِيمٍ مِنْ جُشَمٍ حَتَّى نَزَلَ بِقَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِالْغَابَةِ يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ قَيْسًا عَلَى حَرْبِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَا اسم
__________
[ (1) ] هو أبو حدرد الاسلمي: اختلف في اسمه فقيل: سلامة بن عمير بن سلامة.. كذا قال خليفة، وقال علي بن المديني: اسمه عبيد من اهل الحجاز. له ترجمة في الإصابة (4: 42) .
[ (2) ] هذه عبارة (ح) وفي (أ) : «من وادي عندي مَا زَادَ، لَا، وَاللهِ ما أعنيك به» .

(4/303)


وَشَرَفٍ فِي جُشَمٍ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ:
اخْرُجُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ حَتَّى تَأْتُوا مِنْهُ بِخَبَرٍ وَعِلْمٍ، وَقَدَّمَ لَنَا شَارِفًا [ (3) ] عَجْفَاءَ،
فَحَمَلَ عليها أحدنا فو الله مَا قَامَتْ بِهِ ضَعْفًا، حَتَّى دَعَمَهَا [ (4) ] الرِّجَالُ مِنْ خَلْفَهَا بِأَيْدِيهِمْ، حَتَّى اسْتَقَلَّتْ وَمَا كَادَتْ، وَقَالَ: تَبَلَّغُوا عَلَى هَذِهِ، فَخَرَجْنَا، وَمَعَنَا سِلَاحُنَا مِنَ النَّبْلِ، وَالسُّيُوفِ حَتَّى إِذَا جِئْنَا قَرِيبًا مِنَ الْحَاضِرِ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَكَمَنْتُ فِي نَاحِيَةٍ وَأَمَرْتُ صَاحِبَيَّ فَكَمَنَا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ حَاضِرِ الْقَوْمِ وَقُلْتُ لَهُمَا: إِذَا سَمِعْتُمَانِي قَدْ كَبَّرْتُ وَشَدَدْتُ فِي الْعَسْكَرِ فَكَبِّرُوا وَشُدَّا معي، فو الله إِنَّا لَكَذَلِكَ نَنْتَظِرُ أَنْ نَرَى غُرَّةً أَوْ نَرَى شَيْئًا وَقَدْ غَشِيَنَا اللَّيْلُ حَتَّى ذَهَبَتْ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ [ (5) ] ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ رَاعٍ قَدْ سَرَحَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَخَوَّفُوا عَلَيْهِ، فَقَامَ صَاحِبُهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَأَتَّبِعَنَّ أَثَرَ رَاعِينَا هَذَا، وَلَقَدْ أَصَابَهُ شَرٌّ فَقَالَ نَفَرٌ مِمَّنْ مَعَهُ: وَاللهِ لَا تَذْهَبُ نَحْنُ نَذْهَبُ نَكْفِيكَ، فَقَالَ: لَا يَذْهَبُ إِلَّا أَنَا، قَالُوا: فَنَحْنُ مَعَكَ فَقَالَ وَاللهِ لَا يَتَّبِعُنِي مِنْكُمْ أَحَدٌ، وَخَرَجَ حَتَّى يَمُرَّ بِي فَلَمَّا أَمْكَنَنِي نَفَحْتُهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعْتُهُ فِي فُؤَادِهِ، فو الله مَا تَكَلَّمَ فَوَثَبْتُ إِلَيْهِ فاحترزت رَأْسَهُ، ثُمَّ شَدَدْتُ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ وَكَبَّرْتُ وَشَدَّ صاحباي، وكبروا فو الله مَا كَانَ إِلَّا النَّجَاءُ مِمَّنْ كَانَ فِيهِ عِنْدَكَ بِكُلِّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَمَا خَفَّ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَاسْتَقْنَا إِبِلًا عَظِيمَةً، وَغَنَمًا كَثِيرَةً، فَجِئْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِئْتُ بِرَأْسِهِ أَحْمِلُهُ مَعِي، فَأَعْطَانِي مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا فِي صَدَاقِي فَجَمَعْتُ إِلَيَّ أهلي [ (6) ] .
__________
[ (3) ] الشارف: الناقة المسنة.
[ (4) ] اي قووها بأيديهم.
[ (5) ] فحمة العشاء: أول ظلام الليل.
[ (6) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 238) ونقله ابن كثير في البداية والنهاية (4: 223- 224) .

(4/304)


بَابُ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَ فِيهَا مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ عَامِرًا بَعْدَ مَا حَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله البوسنجي، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عبد الله ابن قُسَيْطٍ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِضَمٍ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ: الْحَارِثُ بْنُ ربعيّ، ومحلّم ابن جثّامة بن قيس، فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنِ إِضَمٍ مَرَّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ [ (1) ] ، مَعَهُ مُتَيِّعٌ [ (2) ] لَهُ وَوَطْبٌ [ (3) ] مِنْ لَبَنٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، فَقَتَلَهُ لِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ وَمُتَيِّعَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَاهُ الْخَبَرَ، فَنَزَلَ فِينَا الْقُرْآنُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً إلى آخر الآية [ (4) ] .
__________
[ (1) ] العقود: البعير المتخذ للركوب.
[ (2) ] المتيع: تصغير متاع.
[ (3) ] الوطب: وعاء اللبن.
[ (4) ] [النساء- 93] .

(4/305)


وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ: إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَبَا قَتَادَةَ وَمُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى إِضَمٍ فَلَقِيَنَا عامر ابن الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ فَحَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ فَكَفَّ أَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو حَدْرَدٍ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمٌ فَقَتَلَهُ وَسَلَبَهُ بَعِيرًا لَهُ وَسِقَاءً وَوَطْبًا مِنْ لَبَنٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَخْبَرُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: آمَنْتُ» ؟
وَنَزَلَ الْقُرْآنُ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [ (5) ] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرَةَ بْنِ سَعْدٍ الضَّمْرِيَّ يُحَدِّثُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَا شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَقَامَ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقَعَدَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ، يَطْلُبُ بِدَمِ عامر بن الأضبط الأشجعي، وَهُوَ سَيِّدُ قَيْسٍ، وَجَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَرُدُّ عَنْ مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ وهو سيد خندق فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِ عَامِرِ بْنِ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيِّ: «هَلْ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنَّا خَمْسِينَ بَعِيرًا، وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ؟» ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ: وَاللهِ لَا أَدَعُهُ حَتَّى أُذِيقَ نِسَاءَهُ مِنَ الْحُرْقَةِ مِثْلَ مَا أَذَاقَ نِسَائِي، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ مُكَيْتِلٍ وَهُوَ قَصْدٌ مِنَ الرِّجَالِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَجِدُ لِهَذَا الْقَتِيلِ مَثَلًا فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ [ (6) ] إِلَّا كَغَنَمٍ وَرَدَتْ فرميت
__________
[ (5) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 235) ، وابن كثير في البداية والنهاية (4: 224- 226) .
[ (6) ] (غرة الإسلام) : أوله.

(4/306)


أُولَاهَا فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا، اسْنُنِ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدَا [ (7) ] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا خَمْسِينَ بَعِيرًا الْآنَ، وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ؟ فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى رَضُوا بِالدِّيَةِ، قَالَ قَوْمُ مُحَلِّمٍ: ائْتُوا بِهِ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
فَجَاءَ رَجُلٌ طُوَالٌ ضَرْبُ اللَّحْمِ فِي حُلَّةٍ قَدْ تَهَيَّأَ فِيهَا لِلْقَتْلِ فَقَامَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمٍ» قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَامَ وَإِنَّهُ لَيَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: زَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدُ كَذَا فِي كِتَابِي عَنِ ابْنِ حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَقِيلَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَنْ حَمَّادٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ أَبِيهِ [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرَةَ الضُّمَيْرِيَّ (ح) .
وحَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَيَانٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ سَعْدِ بْنِ ضُمَيْرَةَ السُّلَمِيَّ وَهَذَا حَدِيثُ وَهْبٍ وَهُوَ أَتَمُّ يُحَدِّثُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ قَالَ مُوسَى وَجَدِّهِ: وكَانَا شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا يَعْنِي أَبَاهُ وَجَدَّهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ وَهْبٍ أَنَّ مُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَشْجَعَ فِي الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ غِيَرٍ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكَلَّمَ عُيَيْنَةُ فِي قَتْلِ الْأَشْجَعِيِّ، لِأَنَّهُ مِنْ
__________
[ (7) ] (اسْنُنِ الْيَوْمَ، وَغَيِّرْ غَدًا) اي: يريد احكم لنا اليوم بالدم، واحكم غدا بالدية لمن شئت.
[ (8) ] سيرة ابن هشام (4: 236- 237) .

(4/307)


غَطَفَانَ وَتَكَلَّمَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ دُونَ مُحَلِّمٍ لِأَنَّهُ مِنْ خندق، فَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَتِ الْخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُيَيْنَةُ أَلَا تَقْبَلُ العير فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَا وَاللهِ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَى نِسَائِهِ من الخرب وَالْحُزْنِ مَا أَدْخَلَ عَلَى نِسَائِي، قَالَ: ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَتِ الْخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عيينة لا تقبل العير» فَقَالَ عُيَيْنَةُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَى أَنْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قَيْسٍ يُقَالُ لَهُ مُكَيْتِلٌ عَلَيْهِ شِكَّةٌ وَفِي يَدِهِ دَرَقَةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَمْ أَجِدْ لِمَا فَعَلَ هَذَا فِي غُرَّةِ الإسلام مثلا إلا غنم وَرَدَتْ فَرُمِيَ أَوَّلُهَا فَنَفَرَ آخِرُهَا اسْنُنِ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «خَمْسُونَ فِي فَوْرِنَا هَذَا، وَخَمْسُونَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ» وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَمُحَلِّمٌ رَجُلٌ طَوِيلٌ آدَمُ وَهُوَ فِي طَرَفَيِ النَّاسِ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى تَخَلَّصَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي بَلَغَكَ وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ.
فَاسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «أَقَتَلْتَهُ بِسِلَاحِكَ فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ: اللهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمٍ» بِصَوْتٍ عَالٍ زَادَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَامَ وَإِنَّهُ لَيَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَزَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو النّصر، قَالَ: لَمْ يَقْبَلُوا الدِّيَةَ حَتَّى قَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَخَلَا بِهِمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ سَأَلَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتِيلًا تَتْرُكُونَهُ لِيُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَمَنَعْتُمُوهُ إِيَّاهُ، أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَيَغْضَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ بِغَضَبِهِ، أَوْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَلْعَنَكُمُ اللهُ بِلَعْنَتِهِ، لَكُمْ وَاللهِ، وَاللهِ لَتُسْلِمُنَّهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَآتِيَنَّ بِخَمْسِينَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ الْقَتِيلَ كَافِرٌ مَا صَلَّى قَطُّ فَلَأُطِلَنَّ دَمَهُ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ: أَخَذُوا الديّة [ (9) ] .
__________
[ (9) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 237) .

(4/308)


بَابُ ذِكْرِ الرَّجُلِ الَّذِي قتل رجلا بعد ما شَهِدَ بِالْحَقِّ ثُمَّ مَاتَ فَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الحالق الْمُؤَذِّنُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عتيق، وموسى ابن عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَوْهَبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: أَغَارَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَانْهَزَمَتْ، فَغَشِيَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْلُوهُ بِالسَّيْفِ قَالَ الرَّجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَلَمْ يَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَتْلِهِ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا نَقَّبْتَ عَنْهُ قَلْبَهُ» ، يُرِيدُ أَنْ يعَبِّرَ عَنِ الْقَلْبِ اللِّسَانُ، فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تُوُفِّيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْقَاتِلُ، فَدُفِنَ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ أَهْلُهُ فَحَدَّثُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ادْفِنُوهُ، فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ أَهْلُهُ

(4/309)


فَحَدَّثُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْفِنُوهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فجاؤوا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثُوهُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنَّ الْأَرْضَ قَدْ أَبَتْ أَنْ تَقْبَلَهُ فَاطْرَحُوهُ فِي غَارٍ مِنَ الْغِيرَانِ» .
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْخَالِقِ ذَكَرَ دَفْنَهُ مَرَّتَيْنِ لَمْ يَذْكُرِ الثَّالِثَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْغَنَوِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، فَذَكَرَ مَعْنَى مَا ذَكَرَ قَبِيصَةُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَمِمَّا زَادَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [ (1) ] . فَبَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ مَاتَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ مَاتَ فُلَانٌ فَدَفَنَّاهُ فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ لَفَظَتْهُ، ثُمَّ دَفَنَّاهُ فَلَفَظَتْهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهَا تَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَوْعِظَةً لَكُمْ لِكَيْلَا يُقْدِمَ رَجُلٌ مِنْكُمْ عَلَى قَتْلِ مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَوْ يَقُولُ: إِنِّي مُسْلِمٌ، اذْهَبُوا بِهِ إِلَى شِعْبِ بَنِي فُلَانٍ فَادْفِنُوهُ، فَإِنَّ الْأَرْضَ سَتَقْبَلُهُ فَدَفَنُوهُ فِي ذَلِكَ الشعب [ (2) ] .
__________
[ (1) ] [النساء- 93] .
[ (2) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 237) .

(4/310)


بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ [ (1) ] بْنِ قَيْسِ ابن عَدِيِّ بْنِ السَّهْمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [ (2) ] نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ ابن حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ. أَخْبَرَنِيهِ يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَبْسِيُّ، قال أخبرنا وكيع،
__________
[ (1) ] عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السهمي: من السابقين الأولين، يقال إنه شهد بدرا، وكان من المهاجرين الأولين، هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الهجرة الثانية مع أخيه قيس بن حذافة،
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كسرى بكتاب الإسلام، فمزق كسرى الكتاب، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ مزق ملكه.
[ (2) ] [النساء- 59] .
[ (3) ] أخرجه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة النساء، ومسلم في: 33- كتاب الإمارة، (8) باب وجوب طاعة الأمراء النساء، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، الحديث (31) ، ص (1465) .

(4/311)


عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ علي ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى سَرِيَّةٍ بَعَثَهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا قَالَ فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ:
اجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا. فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوا، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَادْخُلُوهَا، قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَسَكَنَ غَضَبُهُ وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا. إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْ وَكِيعٍ [ (4) ] .
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخر عن الأعمش [ (5) ] .
__________
[ (4) ] أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة، (8) باب وجوب طاعة الأمراء، الحديث (40) ، ص (1469) .
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (59) بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بن حذافة السهمي، فتح الباري (8: 58) .

(4/312)