دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ [ (1) ] وَمَا
ظَهَرَ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
آثَارِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
__________
[ (1) ] انظر في هذه الغزوة:
- طبقات ابن سعد (2: 149) .
- سيرة ابن هشام (4: 51) .
- صحيح البخاري (5: 153) .
- صحيح مسلم بشرح النووي (12: 113) .
- مغازي الواقدي (3: 885) .
- ابن حزم (236) .
- عيون الأثر (2: 242) .
- البداية والنهاية (4: 322) .
- شرح المواهب للزرقاني (3: 5) .
- السيرة الحلبية (3: 121) .
- السيرة الشامية (5: 459) . وتسمى أيضا غزوة هوازن، لأنهم الذين أتوا
لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال محمد بن عمر الأسلمي: حدثني ابن
أبي الزناد عن أبيه: أقامت هوازن سنة تجمع الجموع وتسير رؤساؤهم في العرب
تجمعهم- انتهى.
قال ائمة المغازي: لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة مشت اشراف
هوازن، وثقيف بعضها الى بعض، وأشفقوا أن يغزوهم رسول الله صلّى الله عليه
وسلم وقالوا: قد فرغ لنا فلا ناهية له دوننا، والرأي ان نغزوه، فحشدوا
وبغوا وقالوا: والله إن محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال فأجمعوا أمركم،
فسيروا في الناس وسيروا إليه قبل أن يسير إليكم، فأجمعت هوازن أمرها،
وجمعها مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة النصري بالصاد المهملة- وأسلم بعد ذلك،
وهو- يوم حنين- ابن ثلاثين سنة، فاجتمع إليه
(5/119)
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَاصِمُ بْنُ [عُمَرَ بْنِ] [ (2) ] قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ،
وَعَبْدُ اللهِ بْنِ الْمُكَدَّمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيِّ،
عَنْ حَدِيثِ حُنَيْنٍ حِينَ سَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله
عليه وَسَلَّمَ وَسَارُوا إِلَيْهِ فَبَعْضُهُمْ يُحَدِّثُ مَا لَا
يُحَدِّثُ بِهِ بَعْضٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ حديثهم:
__________
[ () ] مع هوازن ثقيف كلها ونصر وجشم كلها، وسعد بن بكر، وناس مِنْ بَنِي
هِلَالٍ، وَهُمْ قليل. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: لا يبلغون مائة، ولم
يشهدها من قيس عيلان- أي بالعين المهملة- إلا هؤلاء، ولم يحضرها من هوازن
كعب ولا كلاب، مشى فيها ابن أبي براء فنهاها عن الحضور وقال: والله لو
ناوءوا محمدا من بين المشرق والمغرب لظهر عليهم.
قال في زاد المعاد: كان الله تعالى قد دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصادق الوعد- أنه إذا فتح مكة دخل الناس في
دينه أفواجا، ودانت له العرب بأسرها، فلما تم له الفتح المبين، اقتضت حكمة
الله- تعالى- ان امسك قلوب هوازن ومن تبعها عن الإسلام وأن يتجمعوا
ويتأهبوا لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم- والمسلمين، ليظهر
أمر الله- سبحانه وتعالى- وتمام إعزازه، لرسوله صلّى الله عليه وسلم ونصره
لدينه، ولتكون غنائمهم شكرا لأهل الفتح، ليظهر الله ورسوله وعباده وقهره
لهذه الشوكة العظيمة التي لم يلق المسلمون مثلها، فلا يقاومهم بعد احد من
العرب. ويتبين ذلك من الحكم الباهرة التي تلوح للمتأملين واقتضت حكمته-
تعالى- أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة والكبوة مع كثرة عددهم وعددهم
وقوة شوكتهم ليطأ من رؤوس رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول
الله صلّى الله عليه وسلم واضعا رأسه منحنيا على فرسه، حتى إن ذقنه تكاد أن
تمس سرجه تواضعا لربه تبارك وتعالى، وخضوعا لعظمته، واستكانة لعزته أن أحل
له حرمة بلده، ولم يحله لأحد قبله، ولا لأحد من بعده، وليبين عز وجل لمن
قال: لن نغلب اليوم من قلة ان النصر إنما هو من عنده، وأنه من ينصره فلا
غالب له، ومن يخذله فلا ناصر له غيره، وأنه- تعالى- هو الذي تولى نصر رسوله
ودينه لا كثرتكم التي أعجبتكم، فإنها لم تغن عنكم شيئا فوليتم مدبرين فلما
انكسرت قلوبهم أرسلت إليها خلع الجبر مع مزيد ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ
سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً
لَمْ تَرَوْها وقد اقتضت حكمته- تبارك وتعالى- أن خلع النصر وجوائزه إنما
تفضي على أهل الانكسار وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ
وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ.
[ (2) ] الزيادة من (ح) .
(5/120)
أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا فَرَغَ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ، جَمَعَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ
النَّصْرِيُّ بَنِي نَصْرٍ، وَبَنِي جُشَمَ، وَبَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ،
وَأَوْزَاعًا مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَهُمْ قَلِيلٌ، وَنَاسًا مِنْ بَنِي
عَمْرِو بْنِ عامر، وعوف بن عامر، وَأَوْعَيَتْ مَعَهُ ثَقِيفٌ
الْأَحْلَافَ، وَبَنُو مَالِكٍ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى الله عليه وسلم، وَسَاقَ مَعَهُ الْأَمْوَالَ وَالنِّسَاءَ
وَالْأَبْنَاءَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ
الْأَسْلَمِيَّ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ حَتَّى تَعْلَمَ
لَنَا مِنْ عِلْمِهِمِ فَدَخَلَ فِيهِمْ فَمَكَثَ فِيهِمْ يَوْمًا أَوِ
اثْنَيْنِ ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ
أَبِي حَدْرَدٍ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَذَبَ، فَقَالَ:
ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ وَاللهِ لَئِنْ كَذَّبَتْنِي يَا عُمَرُ لَرُبَّمَا
كَذَّبْتَ بِالْحَقِّ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا تَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللهِ
مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ فَقَالَ: «قَدْ كُنْتَ يَا عُمَرُ
ضَالًّا فَهَدَاكَ اللهُ» .
ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى صَفْوَانَ
بْنِ أُمَيَّةَ، فَسَأَلَهُ أَدْرَاعًا عِنْدَهُ مِائَةَ دِرْعٍ وَمَا
يُصْلِحُهَا مِنْ عِدَّتِهَا، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ فقال: بل
عادية مَضْمُونَةٌ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا عَلَيْكَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سَائِرًا- زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي
رِوَايَتِهِ قَالَ:
ابْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى حُنَيْنٍ فِي أَلْفَيْنِ مِنْ مَكَّةَ،
وَعَشَرَةِ آلَافٍ كَانُوا مَعَهُ فَسَارَ بِهِمْ [ (3) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ ابن أُمَيَّةَ بْنِ
عَبْدِ شَمْسٍ عَلَى مَكَّةَ أَمِيرًا [ (4) ] .
وَزَادَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ
مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ أَقْبَلَ فِيمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ جَمَعَ مِنْ
قَبَائِلِ قَيْسٍ وَثَقِيفٍ، وَمَعَهُ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ شَيْخٌ
كَبِيرٌ فِي شِجَارٍ [ (5) ]
__________
[ (3) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 55) .
[ (4) ] ابن هشام. الموضع السابق.
[ (5) ] شجار: بزنة كتاب، شبه الهودج إلا انه مفتوح الأعلى.
(5/121)
لَهُ يُعَادُ بِهِ حَتَّى نَزَلَ النَّاسُ
بِأَوْطَاسٍ [ (6) ] فَقَالَ دُرَيْدٌ حِينَ نَزَلُوا بِأَوْطَاسٍ فَسَمِعَ
رُغَاءَ الْبَعِيرِ [ (7) ] ، وَنَهِيقَ الحمير [ (8) ] ، وبعار الشَّاءِ [
(9) ] ، وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ: بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ؟
فَقَالُوا: بِأَوْطَاسٍ، قَالَ: نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ، لَا حَزْنٌ [
(10) ] ضَرِسٌ [ (11) ] وَلَا سهل [ (12) ] دهس [ (13) ] مالي أَسْمَعُ
رُغَاءَ الْبَعِيرِ، وَبُكَاءَ الصغير، ونهيق الحمار، وبعار الشَّاءِ؟
فَقَالُوا: سَاقَ مَالِكٌ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ
وَنِسَاءَهُمْ. قَالَ: فَأَيْنَ مَالِكٌ؟
فَدُعِيَ مَالِكٌ، فَقَالَ يَا مَالِكُ! إِنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ
قَوْمِكَ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ كَائِنٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ
الْأَيَّامِ، فَمَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ تَسُوقَ مَعَ النَّاسِ
أَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ؟، قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ
أَجْعَلَ خَلْفَ كُلِّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَأَمْوَالَهُ [ (14) ] لِيُقَاتِلَ
عَنْهُمْ، قَالَ: فَانْقَضَّ [ (15) ] بِهِ دُرَيْدٌ، وَقَالَ: يَا رَاعِيَ
ضَأْنٍ وَاللهِ وَهَلْ يَرُدُّ وَجْهَ الْمُنْهَزِمِ شَيْءٌ؟ إِنَّهَا إِنْ
كَانَتْ لَكَ لَمْ يَنْفَعْكَ إِلَّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَإِنْ
كَانَتْ عَلَيْكَ فُضِحْتَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ فَارْفَعِ الْأَمْوَالَ
وَالنِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ إِلَى عَلْيَاءِ قَوْمِهِمْ وَمُمْتَنَعِ
بِلَادِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ دُرَيْدٌ: وَمَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ؟ فَقَالُوا: لَمْ
يَحْضُرْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ،
__________
[ (6) ] أوطاس: واد في ديار هوازن، كانت فيه وقعة حنين، وتسمى ايضا غزوة
أوطاس وانظر شرح المواهب (3: 5) .
[ (7) ] رغاء الإبل- بضم الراء وبالغين المعجمة والمد: صوتها.
[ (8) ] نهاق الحمير بضم النون وتخفيف الهاء وبالقاف: صوتها.
[ (9) ] بعار الشاء- بضم التحتية وبالعين المهملة المخففة وبالراء: صوتها
[ (10) ] الحزن- بفتح الحاء المهملة، وسكون الزاى، وبالنون: ما غلظ من
الأرض.
[ (11) ] الضرس- بكسر الضاد المعجمة، وسكون الراء، وبالسين المهملة: الأكمة
الخشنة وفي الإملاء:
هو الموضع فيه حجارة محددة.
[ (12) ] السهل: ضد الحزن.
[ (13) ] دهس- بفتح الدال المهملة، والهاء، وبالسين المهملة، والدهاس مثل
الليث واللباث: المكان السهل اللين الذي لا يبلغ ان يكون رملا وهو بتراب.
ولا طين، وفي الإملاء: لين كثير التراب.
[ (14) ] في (ح) : «وماله» .
[ (15) ] (فانقضّ) زجره كما تزجر الدابة.
(5/122)
فَقَالَ: غَابَ الْحَدُّ وَالْجِدُّ [ (16)
] لَوْ كَانَ يَوْمَ عَلَاءٍ وَرِفْعَةٍ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ كَعْبٌ
وَكِلَابٌ، [وَلَوَدِدْتُ لَوْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ]
[ (17) ] فَمَنْ حَضَرَهَا؟ فَقَالُوا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ، وَعَوْفُ بْنُ
عَامِرٍ، فَقَالَ: ذَانِكَ الْجَذَعَانِ [ (18) ] لَا يَضُرَّانِ وَلَا
يَنْفَعَانِ، فَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدٍ فِيهَا رَأْيٌ،
فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ كَبِرَتْ وَكَبِرَ عِلْمُكَ وَاللهِ لَتُطِيعُنَّ
يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ أَوْ لَأَتِّكِئَنَّ عَلَى هَذَا السَّيْفِ حَتَّى
يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي، فَقَالُوا: أَطَعْنَاكَ.
ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ لِلنَّاسِ إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونَ
سُيُوفِكُمْ ثُمَّ شُدُّوا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ [ (19) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهَ حُدِّثَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ
عَوْفٍ بَعَثَ عُيُونًا مِمَّنْ مَعَهُ فَأَتَوْهُ وَقَدْ تَقَطَّعَتْ
أَوْصَالُهُمْ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ! مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: أَتَأَنَا
رِجَالٌ بِيضٌ على خيل بلق، فو الله مَا تَمَاسَكْنَا أَنْ أَصَابَنَا مَا
تَرَى، فَمَا رَدَّهُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ أَنْ مَضَى عَلَى مَا يُرِيدُ [
(20) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عِيسَى الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ:
أَنَّ رَجُلًا قَالَ يوم حنين لن تغلب مِنْ قِلَّةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى
رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ [ (21) ]
__________
[ (16) ] (الحد) يريد الشجاعة والحدّة.
[ (17) ] ما بين الحاصرتين سقط من (ح) .
[ (18) ] (الجذعان) يريد انهما ضعيفان بمنزلة الجذع في سنه.
[ (19) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 52- 53) ، ونقله ابن كثير في التاريخ
(4: 323) .
[ (20) ] سيرة ابن هشام (4: 54) .
[ (21) ] في (ح) «تعالى» .
(5/123)
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ [ (22) ] قَالَ الرَّبِيعُ [ (23) ] وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ
أَلْفًا مِنْهُمْ أَلْفَانِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ
اللَّيْثِيِّ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ.
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
حُنَيْنٍ وَكَانَتْ لِقُرَيْشٍ شَجَرَةٌ خَضْرَاءُ عظيمة،
__________
[ (22) ] [التوبة- 25] .
[ (23) ] أخرجه يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي زيادات المغازي عَنِ الرَّبِيعِ
بْنِ أَنَسٍ، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (5: 469) . وأضاف:
وروى ابن المنذر عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا اجتمع اهل مكة وأهل المدينة
قالوا: الآن نقاتل حين اجتمعنا، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قالوا مما أعجبهم من كثرتهم، فالتقوا فهزموا حتى ما
يقوم أحد على أحد.
وروى أبو الشيخ والحاكم- وصححه- وابن مردويه والبزار عن أنس- رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- قَالَ: لما اجتمع يوم حنين أهل مكة واهل المدينة أعجبتهم كثرتهم
فقال القوم: اليوم والله نقاتل، ولفظ البزار، فقال غلام من الأنصار يوم
حنين لن نغلب اليوم من قلة، فما هو إلا أن لقينا عدونا فانهزم القوم، وولوا
مدبرين.
وروى محمد بن عمر عن ابن شهاب الزهري، قال رجل من اصحاب رسول الله صلّى
الله عليه وسلم لو لقينا بني شيبان ما بالينا، ولا يغلبنا اليوم احد من
قلة. قال ابن إسحاق: حدثني بعض أهل مكة: ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم
قال حين فصل من مكة الى حنين، ورأى كثرة من معه من جنود الله تعالى: «لن
نغلب اليوم من قلة» ،
كذا في هذه الرواية.
والصحيح أن قائل ذلك غير النبي صلّى الله عليه وسلم كما سبق.
قال ابن إسحاق: وزعم بعض الناس أن رجلا من بني بكر قالها.
وروى محمد بن عمر عن سعيد بن المسيب- رحمه الله تعالى- أن أبا بكر- رضي
الله عنه- قال: يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة كذا في هذه الرواية،
وبذلك جزم ابن عبد البر.
قال ابن عقبة: ولما أصبح القوم ونظر بعضهم الى بعض، أشرف أبو سفيان، وابنه
معاوية، وصفوان بن أمية، وحكيم بن حزام على تل ينظرون لمن تكون الدائرة.
(5/124)
يَأْتُونَهَا كُلَّ سَنَةٍ فَيُعَلِّقُونَ
عَلَيْهَا سِلَاحَهُمْ، وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا،
وَكَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ أَنْوَاطٍ، فَمَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ
خَضْرَاءَ، فَتَنَادَيْنَا مِنْ جَنْبَيِ الطَّرِيقِ، وَنَحْنُ نَسِيرُ
إِلَى حُنَيْنٍ يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا
لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «اللهُ أَكْبَرُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: اجْعَلْ
لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلهة إِنَّهَا السُّنَنُ، لَتَأْخُذُنَّ سُنَنَ
مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» [ (24) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ
إِمْلَاءً، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ، أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ
أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ أَتَى حُنَيْنًا مَرَّ بِشَجَرَةٍ تَعَلَّقَ
الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ
ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى
لِمُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [ (25) ] لَتَرْكَبُنَّ
سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ [ (26) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو تَوْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ زَيْدٍ
يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
السَّلُولِيُّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ سهل بن الْحَنْظَلِيَّةِ أَنَّهُمْ
سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ فَأَطْنَبُوا السَّيْرَ حَتَّى كَانَ عَشِيَّةً فَحَضَرَتْ
صَلَاةُ الظُّهْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَجَاءَ رَجُلٌ فَارِسٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي انْطَلَقْتُ
بَيْنَ أَيْدِيكُمْ حَتَّى طَلَعْتُ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَنَا
بِهَوَازِنَ عَلَى بَكْرَةِ آبَائِهِمْ بِظُعُنِهِمْ وَنَعَمِهِمْ
وَشَائِهِمُ
__________
[ (24) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 56) ، ونقله الحافظ ابن كثير في
البداية والنهاية (4: 325) .
[ (25) ] [الأعراف- 138] .
[ (26) ] أخرجه الترمذي في كتاب الفتن، (18) باب لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ
كَانَ قبلكم، الحديث (2180) ، ص (4: 475) .
(5/125)
اجْتَمَعُوا إِلَى حُنَيْنٍ، فَتَبَسَّمَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: تِلْكَ غَنِيمَةُ
الْمُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا
اللَّيْلَةَ؟ قَالَ أَنَسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ: أَنَا، يَا
رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَارْكَبْ، فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ، وجَاءَ إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَقْبِلْ هَذَا الشِّعْبَ
حَتَّى تَكُونَ فِي أَعْلَاهُ، وَلَا تَغُرَّنَّ مَنْ قِبَلِكَ،
اللَّيْلَةَ» فَلَمَّا أَصْبَحْنَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُصَلَّاهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ:
هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا
أَحْسَسْنَاهُ، فَثَوَّبَ بِالصَّلَاةَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ
حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبْشِرُوا فَقَدْ
جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ» ، فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ إِلَى الشَّجَرَةِ [ (27) ]
فِي الشِّعْبِ فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي انْطَلَقْتُ
حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى هَذَا الشِّعْبِ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ طَلَعْتُ
الشِّعْبَيْنِ كِلَيْهِمَا فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «هَلْ نَزَلْتَ [اللَّيْلَةَ] [
(28) ] ؟» قَالَ: لَا إِلَّا مُصَلِّيًا أَوْ قَاضِيَ حَاجَةٍ. فَقَالَ
لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَوْجَبْتَ
فَلَا عَلَيْكَ أَلَّا تَعْمَلَ بَعْدَهَا» [ (29) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،
قَالَ فَخَرَجَ مَالِكُ بْنُ عوف بمن
__________
[ (27) ] في (ح) : «خلال الشجر» .
[ (28) ] ليست في (ح) .
[ (29) ] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في فضل الحرس في سبيل الله
تعالى، الحديث (2501) ، ص (3: 9- 10) ، من طريق أبي توبة، عن مُعَاوِيَةُ
بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زيد بن سلام..
ونقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 225- 226) ، وقال: «وهكذا رواه
النسائي عن محمد ابن يحيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الحراني، عن أبي
تَوْبَةَ: الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ.
(5/126)
مَعَهُ إِلَى حُنَيْنٍ، فَسَبَقَ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَدُّوا، وَتَهَيَّئُوا فِي
مَضَايِقِ الْوَادِي وَأَحْنَائِهِ [ (30) ] وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه فَانْحَطَّ بِهِمُ الْوَادِي فِي عَمَايَةِ
الصُّبْحِ [ (31) ] فَلَمَّا انْحَطَّ النَّاسُ ثَارَتْ فِي وُجُوهِهِمِ
الْخَيْلُ فَشَدَّتْ عَلَيْهِمْ وَانْكَفَأَ النَّاسُ مُنْهَزِمِينَ لَا
يُقْبِلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَانْحَازَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَيَّ
أَنَا رَسُولُ اللهِ، أَنَا رَسُولُ اللهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الله، فَلَا شَيْءَ،
وَرَكِبَتِ الْإِبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ
أَهْلِ بَيْتِهِ، وَرَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ
بِحَكَمَةِ [ (32) ] بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَهُوَ عَلَيْهَا قَدْ
شَجَرَهَا، قَالَ: وَثَبَتَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ: عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَرَبِيعَةُ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ وَهُوَ ابن
عبيد، وأسامة ابن زَيْدٍ، وَثَبَتَ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: أَبُو
بَكْرٍ، وَعُمَرُ [ (33) ] ، وَرَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ
أَحْمَرَ بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ لَهُ طَوِيلٍ
أَمَامَ هَوَازِنَ، وَهَوَازِنُ خَلْفَهُ إِذَا أَدْرَكَ النَّاسَ طَعَنَ
بِرُمْحِهِ، وَإِذَا فَاتَهُ النَّاسُ رَفَعَ رُمْحَهُ لِمَنْ وَرَاءَهُ
فَأَتْبَعُوهُ [فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هَوَى لَهُ عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُرِيدَانِهِ، فَأَتَاهُ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ خَلْفِهِ فَضَرَبَ عُرْقُوبَيِ الْجَمَلِ،
فَوَقَعَ على
__________
[ (30) ] (أحناؤه) : جوانبه.
[ (31) ] عماية الصبح: ظلامه قبل أن يتبين.
[ (32) ] الحكمة: ما أحاط بحنك الفرس من لجامه.
[ (33) ] وذكر النووي أن الّذين ثبتوا مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى الله
عليه وسلم- اثنا عشر رجلا، ووقع في شعر الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن الذين ثبتوا معه كانوا عشرة فقط،
وذلك لقوله:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من قد فرّ عنه فأقشعوا
وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه ... لما مسّه في الله لا يتوجّع
قال الحافظ: ولعلّ هذا هو الأثبت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعدّ
فيمن لم ينهزم.
(5/127)
عَجُزِهِ، وَوَثَبَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى
الرَّجُلِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَطَنَّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ،
فَانْجَعَفَ عَنْ رَحْلِهِ، وَاجْتَلَدَ النَّاسُ فو الله مَا رَجَعَتْ
رَاجِعَةُ النَّاسِ مِنْ هَزِيمَتِهِمْ حَتَّى وَجَدُوا الْأَسْرَى
مُكَتَّفِينَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [
(34) ] . فَلَمَّا انْهَزَمَ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم مِنْ جُفَاةِ أَهْلِ مَكَّةَ، تَكَلَّمَ رِجَالٌ مِنْهُمْ
بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الضِّغْنِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ
حَرْبٍ: لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبُحُورِ، وَإِنَّ
الْأَزْلَامَ لَمَعَهُ فِي كِنَانَتِهِ.
وَزَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ،
قَالَ: سَارَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ وَإِنَّهُ لَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ،
وَإِنَّ الْأَزْلَامَ الَّتِي يَسْتَقْسِمُ بِهَا لَفِي كِنَانَتِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَصَرَخَ كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ وَهُوَ مَعَ
أَخِيهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَكَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ وَصَفْوَانُ
يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ: أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ، فَقَالَ صَفْوَانُ
اسْكُتْ فَضَّ الله فاك، فو الله لَأَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ.
قَالَ حسّان:
رَأَيْتُ سَوَادًا مِنْ بَعِيدٍ فَرَاعَنِي ... إِذَا حَنْبَلٌ يَنْزُو
عَلَى أُمِّ حَنْبَلِ [ (35) ]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي- وَكَانَ
أَبُوهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ- الْيَوْمَ أَقْتُلُ مُحَمَّدًا فَأَرَدْتُ
بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَقْتُلَهُ فَأَقْبَلَ
شَيْءٌ حَتَّى تَغَشَّى فُؤَادِي فَلَمْ أُطِقْ ذَلِكَ، فَعَرَفْتُ أنه
ممنوع [ (36) ] .
__________
[ (34) ] ما بين الحاصرتين تكملة للخبر من سبل الهدى (5: 471) .
[ (35) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 58) .
[ (36) ] مغازي الواقدي (3: 910) .
(5/128)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله وَأَبُو
بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا
أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ رَأَى
مِنَ النَّاسِ مَا رَأَى: يَا عَبَّاسُ! اصْرُخْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ
يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ، فَأَجَابُوهُ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، فَجَعَلَ
الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَذْهَبُ لِيَعْطِفَ بَعِيرَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى
ذَلِكَ، فَيَقْذِفُ دِرْعَهُ مِنْ عُنُقِهِ، وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ
وَقَوْسَهُ ثُمَّ يَؤُمُّ الصَّوْتَ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مِائَةٌ، فَاسْتَعْرَضُوا
النَّاسَ فَاقْتَتَلُوا فَكَانَتِ الدَّعْوَةُ أَوَّلَ مَا كَانَتْ
بِالْأَنْصَارِ، ثُمَّ جُعِلَتْ آخِرًا بِالْخَزْرَجِ، وَكَانُوا صُبُرًا
عِنْدَ الْحَرْبِ وَأَشْرَفَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي
رَكَائِبِهِ فَنَظَرَ إِلَى مُجْتَلَدِ [ (37) ] الْقَوْمِ، فَقَالَ:
«الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ»
قَالَ: فو الله مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النَّاسِ إِلَّا وَالْأُسَارَى
عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مُكَتَّفُونَ فَقَتَلَ
اللهُ مَا قَتَلَ مِنْهُمْ وَانْهَزَمَ مَنِ انْهَزَمَ مِنْهُمْ وَأَفَاءَ
اللهُ عَلَى رَسُولِهِ: أَمْوَالَهُمْ، وَنِسَاءَهُمْ، وَأَبْنَاءَهُمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: مُحَمَّدُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
(ح) وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ
بِبَغْدَادَ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، قَالَ:
ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِدًا
لِحُنَيْنٍ وَكَانَ أَهْلُ حُنَيْنٍ وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ أَهْلُ
مَكَّةَ يَظُنُّونَ حِينَ دَنَا مِنْهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَادِئٌ بِهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بادئ
__________
[ (37) ] (مجتلد القوم) : موضع جلادهم.
(5/129)
بِهَوَازِنَ، وَصَنَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَتَحَ
اللهُ لَهُ مَكَّةَ، وَأَقَرَّ بِهَا عَيْنَهُ، وَكَبَتَ بِهَا [ (38) ]
عَدُوَّهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى حُنَيْنٍ
خَرَجَ مَعَهُ أَهْلُ مَكَّةَ لَمْ يَتَغَادَرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ:
رُكْبَانًا، وَمُشَاةً حَتَّى خَرَجَ مَعَهُ النِّسَاءُ يَمْشِينَ عَلَى
غَيْرِ دِينٍ، نُظَّارًا يَنْظُرُونَ، وَيَرْجُونَ الْغَنَائِمَ، وَلَا
يَكْرَهُونَ الصَّدْمَةَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وأصحابه،
وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَلَا يَكْرَهُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ
الصَّدْمَةُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابُهُ.
قَالَ مُوسَى: وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ كُلَّمَا سَقَطَ
تُرْسٌ أَوْ سَيْفٌ مِنْ مَتَاعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ
أَعْطُونِيهِ أَحْمِلُهُ حَتَّى أَوْقَرَ جَمَلَهُ.
زَادَ مُوسَى: وَسَارَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كافر وامرأته مسلمة، فلم يفرق رسول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ
اتَّفَقَا فِي الْمَعْنَى.
قَالَ مُوسَى، وَرَأْسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَهْلِ حُنَيْنٍ
مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ وَمَعَهُ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ
يُنْعَشُ مِنَ الْكِبَرِ.
وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ: يُرْعَشُ أَوْ يُنْعَشُ مِنَ الْكِبَرِ.
قَالَ مُوسَى: وَمَعَهُمُ: النِّسَاءُ، وَالذَّرَارِيُّ، وَالنَّعَمُ،
والنساء، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَبْدَ
اللهِ] [ (39) ] بْنَ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى
عَسْكَرِ الْقَوْمِ عَيْنًا، فَخَرَجَ حَتَّى دَنَا مِنْ مَالِكِ بْنِ
عَوْفٍ لَيْلًا، فَسَمِعَ مَالِكًا وَهُوَ يُوصِي أَصْحَابَهُ، يَقُولُ:
إِذَا أَصْبَحْتُمْ فَاحْمِلُوا عَلَى الْقَوْمِ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ،
وَاكْسِرُوا أَغْمَادَ السُّيُوفِ، وَاجْعَلُوا مَوَاشِيَكُمْ صَفًّا
وَنِسَاءَكُمْ صَفًّا، ثُمَّ احْمِلُوا عَلَى الْقَوْمِ.
وَإِنَّ ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[ (38) ] فِي (أ) : «به» .
[ (39) ] ليست في (أ) .
(5/130)
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: اسْمَعْ
مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، فَذَكَرَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَمَا
مَضَى.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
اعْتَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ [وَصَفْوَانُ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي
سُفْيَانَ] [ (40) ] وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَرَاءَ تَلٍّ يَنْظُرُونَ
لِمَنْ تَكُونُ الدُّبْرَةُ. وَصَفَّ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بَغْلَةً لَهُ شَهْبَاءَ،
فَاسْتَقْبَلَ الصُّفُوفَ فَأَمَرَهُمْ وَحَضَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ،
وَبَشَّرَهُمُ بِالْفَتْحِ إِنْ صَبَرُوا، وَصَدَقُوا فَبَيْنَمَا هُمْ
عَلَى ذَلِكَ حَمَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلَةَ رَجُلٍ
وَاحِدٍ، فَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً، ثُمَّ وَلَّوْا مُدْبِرِينَ،
فَقَالَ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ: لَقَدْ حَزَرْتُ مَنْ بَقِيَ مَعَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَدْبَرَ النَّاسُ
فَقُلْتُ مِائَةُ رَجُلٍ، وَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى صَفْوَانَ
بْنِ أُمَيَّةَ، فَقَالَ: أَبْشِرْ بِهَزِيمَةِ مُحَمَّدٍ وأصحابه فو الله
لَا يَجْتَبِرُوَنَها أَبَدًا، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: أَتُبَشِّرُنِي
بِظُهُورِ الأعراب، فو الله لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
رَبٍّ مِنَ الْأَعْرَابِ.
زَادَ عُرْوَةُ: وَغَضِبَ صَفْوَانُ لِحَسَبِهِ.
قَالَ مُوسَى: وَبَعَثَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ غُلَامًا لَهُ، فَقَالَ:
اسْمَعْ لِمَنِ الشِّعَارُ فَجَاءَهُ الْغُلَامُ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُمْ
يَقُولُونَ يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَا بَنِي عَبْدِ اللهِ يَا بَنِي
عُبَيْدِ اللهِ فَقَالَ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ وَكَانَ ذَلِكَ شِعَارُهُمْ فِي
الْحَرْبِ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا
غَشِيَهُ الْقِتَالُ قَامَ فِي الرِّكَابَيْنِ وَهُوَ عَلَى الْبَغْلَةِ
وَيَقُولُونَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى يَدْعُوهُ، يَقُولُ:
اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ لَا يَنْبَغِي
لَهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْنَا» ، وَنَادَى أَصْحَابَهُ وَذَمَّرَهُمْ:
يَا أَصْحَابَ الْبَيْعَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ! اللهَ، اللهَ،
الْكَرَّةَ عَلَى نَبِيِّكُمْ، وَيُقَالُ: قَالَ يَا أَنْصَارَ اللهِ!
وَأَنْصَارَ رَسُولِهِ، يَا بَنِي الْخَزْرَجِ، وَأَمَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ
مَنْ يُنَادِيهِمْ بِذَلِكَ، وقبض قبضة من الحصاء فحصب بها وجوه
__________
[ (40) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
(5/131)
الْمُشْرِكِينَ وَنَوَاحِيَهِمْ كُلَّهَا
وَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ سِرَاعًا
يُقَالُ إِنَّهُمْ يَبْتَدِرُونَ، وَقَالَ يَا أَصْحَابَ سُورَةِ
الْبَقَرَةِ، وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ:
الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ، فَهَزَمَ اللهُ أَعْدَاءَهُ مِنْ كُلِّ
نَاحِيَةٍ حَصَبَهُمْ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم،
وَأَتْبَعَهُمْ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَغَنَّمَهُمُ اللهُ
نِسَاءَهُمْ، وَذَرَارِيَّهُمْ، وَشَاءَهُمْ.
وَفَرَّ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، حَتَّى دَخَلَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي نَاسٍ
مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهِ وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ حِينَ رَأَوْا نَصْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رسوله صلى الله
عليه وَسَلَّمَ، وَإِعْزَازَهُ دِينَهُ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ
عُرْوَةَ قِيَامُهُ فِي الرِّكَابَيْنِ وَلَا قَوْلُهُ: يَا أَنْصَارَ
اللهِ، وَقَالَ فِي الْحَصْبَاءِ فَرَمَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ لَا يَرْمِي نَاحِيَةً إِلَّا
انْهَزَمُوا وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَعَطَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله
صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَزَمَهُمُ اللهُ، وَاتَّبَعَهُمُ
الْمُسْلِمُونَ فَذَكَرَهُ [ (41) ] .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي رَمْيِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى الله عليه وسلم وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ
آثَارِ النُّبُوَّةِ مَوْجُودٌ فِي الْأَحَادِيثِ الموصولة [ (42) ] .
__________
[ (41) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ذكرها ابن عبد البر باختصار شديد
في الدرر (226) .
[ (42) ] وستأتي بعد قليل، وفي جمّاع أبواب دلائل النبوة.
(5/132)
بَابُ ثُبُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِنْصَارِهِ رَبَّهُ وَدُعَائِهِ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ-
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَعُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عن أَبِي إِسْحَاقَ،
قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ
أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ، فَقَالَ الْبَرَاءُ: لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه
وسلم لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً، فَلَمَّا
لَقِينَاهُمْ وَحَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ النَّاسُ
عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، فَانْهَزَمَ
النَّاسُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِ
الْبَغْلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى
بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَقُولُ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ [ (1)
] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 56- كتاب الجهاد، (52) باب من قاد دابّة في
الحرب، الحديث (2864) ، فتح الباري (6: 69) ، وأعاده بعده في باب بغلة
النبي البيضاء، الحديث (2874) ، فتح الباري (6: 75) ، وفي المغازي، (54)
باب قوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ... [25- التوبة] ، الحديث (4315) ، فتح
الباري (8: 27) .
وأخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (28) باب في غزوة حنين، الحديث
(78) ، ص (3: 1400) .
(5/133)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
السَّلَامِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَاءُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سعيد
الاسفرائيني، قَالَ: أَنْبَأَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ
الاسفرائيني، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ أَبَا عُمَارَةَ
أَلَسْتُمْ فَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ مَا وَلَّى
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ خَرَجَ شُبَّانُ
أَصْحَابِهِمْ وَخِفَافِهِمْ حُسَّرًا، لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ أَوْ
كَبِيرُ سِلَاحٍ، فَلَقُوا قَوْمًا رُمَاةً، لَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ
سَهْمٌ، جَمْعَ هَوَازِنَ، وَبَنِي نَصْرٍ، فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا، مَا
يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ، وَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على
بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ، فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ، وَقَالَ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
فَصَفَّهُمْ [ (2) ] رَوَاهُ الخاري [ (3) ] فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ ابن خَيْثَمَةَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (4) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا
__________
[ (2) ] في البخاري: «ثم صفّ أصحابه» .
[ (3) ] الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الحرّاني، عن زهير، في:
56- كتاب الجهاد، (97) باب من صفّ أصحابه عن الهزيمة، الحديث (2930) ، فتح
الباري (6: 105) .
[ (4) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (28) باب في غزوة حنين،
الحديث (78) ، ص (3: 1400) .
(5/134)
أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ
أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ
أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمَّ [ (5) ] يَوْمَ حُنَيْنٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟
فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَقَالَ فِي
آخِرِهِ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ
وَاسْتَنْصَرَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ [ (6) ]
اللهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ، قَالَ: وَكُنَّا وَاللهِ إِذَا حَمِيَ
الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ الَّذِي يُحَاذِي بِهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ
زَكَرِيَّا [ (7) ] .
وَرُوِّينَاهُ فِي حَدِيثِ شَبَابَةَ بْنِ عَاصِمٍ السُّلَمِيِّ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أنا
__________
[ (5) ] قال الصالحي في السيرة الشامية (5: 610) .
تضمّن قول السّائل للبراء في الرواية الثانية أولّيتم مَعَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الثالثة أفررتم مَعَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِ البراء رضي الله عنه، فَأَشْهَدُ
عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إنه لم يولّ، وقوله في
الرّواية الثانية «لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لم يقر
إثبات الفرار، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أنّ إطلاق السّائل يشمل
الجميع حتّى النبي صلى الله عليه وسلم بظاهر الرّواية الثانية، ويمكن الجمع
بين الثّانية والثالثة بحمل المعية على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه،
ثم أوضح ذلك وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد مِنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْتَمَلُ أن البراء فهم أنّ السائل
اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع، ومررت برسول الله صلّى الله عليه وسلم
منهزما، فلذلك حلف البراء أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم لم يولّ، ودلّ على
أن منهزما حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى «ومررت على رسول الله صلّى
الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته» فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعا،
ويحتمل أن يكون السائل أخذ العموم من قوله تعالى: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ
مُدْبِرِينَ فبيّن البراء أنه من العموم الّذي أريد به الخصوص.
[ (6) ] انتسب صلّى الله عليه وسلم إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله لشهرة
عبد المطلّب بين النّاس لما رزق من نباهة الذّكر وطول العمر، بخلاف عبد
الله فإنه مات شابّا ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب كما في
حديث حماد في الصحيح وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد
المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله تعالى الخلق على يديه، ويكون خاتم
الأنبياء، فانتسب ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف
بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوّج عبد الله آمنة وأراد صلّى الله
عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لا بدّ من ظهوره، وإن العاقبة له لتقوى قلوبهم
إذا عرفوا أنه صلّى الله عليه وسلم ثابت غير منهزم.
[ (7) ] أخرجه مسلم في الموضع السابق، الحديث (79) ، ص (3: 1401) عن أحمد
بن جناب المصصي، عن عيسى بن يونس، عن زكريا، عن أبي إسحاق السبيعي.
(5/135)
ابْنُ الْعَوَاتِكِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ سُلَيْمَانَ الْبُرُلُّسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الصَّبَّاحِ، قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:
أَنْبَأَنَا شَبَابَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ وَقَدْ قِيلَ عَنْ
هُشَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ
الْعَاصِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ
الْجُرْجَانِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بَعْضِ [الْمَغَازِي] [ (8) ] أَنَا ابْنُ
الْعَوَاتِكِ [ (9) ] .
قَالَ قُتَيْبَةُ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلَاثُ جَدَّاتٍ مِنْ سُلَيْمٍ اسْمُهُنَّ عَاتِكَةُ فَكَانَ إِذَا
افْتَخَرَ قَالَ أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ [ (10) ] .
قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ إِحْدَاهُنَّ أُمُّ عَبْدِ مَنَافٍ، وَالْأُخْرَى
أُمُّ هَاشِمٍ، وَالثَّالِثَةُ جَدَّتُهِ مِنْ قِبَلِ زهرة.
__________
[ (8) ] الزيادة من (ح) .
[ (9) ] أخرجه سعيد بن منصور، والطبراني في الكبير، عن شبابة بن عاصم،
وأشار إليه السيوطي بالصحة.
[ (10) ] قال المنذري في فيض القدير (3: 38) : (أنا ابن العواتك) جمع عاتكة
(من سليم) قال في الصحاح ثم القاموس العواتك من جداته تسع وقال غيره كان له
ثَلَاثُ جَدَّاتٍ مِنْ سُلَيْمٍ كل تسمى عاتكة وهنّ عاتكة بنت هلال بن فالج
بالجيم بن ذكوان أم عبد مناف وعاتكة بنت مرة بنت هلال بن فالج أم هاشم
وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال أم وهب أبي آمنة وبقية التسع من غير بني
سليم قال الحليمي لم يرد بذلك فخرا بل تعريف منازل المذكورات ومنازلهنّ كمن
يقول كان أبي فقيها لا يريد به إلا تعريف حاله ويمكن أنه أراد به الإشارة
بنعمة الله في نفسه وآبائه وأمهاته قال بعضهم وبنو سليم تفخر بهذه الولادة
وفي رواية لابن عساكر أنا ابن الفواطم وهذا قاله يوم حنين قاله في الروض
وعاتكة اسم منقول من الصفات يقال امرأة عاتكة وهي المصفرة بالزعفران والطيب
وفي القاموس العاتك الكريم والخالص من الألوان وقال ابن سعد العاتكة في
اللغة الطاهرة، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقال الذهبي كابن عساكر في
التاريخ اختلف علي هشيم فيه.
(5/136)
بَابُ رَمْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَ الْكُفَّارِ وَالرُّعْبِ الَّذِي أُلْقِيَ فِي
قُلُوبِهِمْ، وَنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ
(ح) .
وأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [قَالَ] [
(1) ] : قَالَ الْعَبَّاسُ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه
وسلم حنين، فلزمت أنا وأبو سفان بْنُ الْحَارِثِ [ (2) ] بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ
نُفَارِقْهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، عَلَى بَغْلَةٍ
[لَهُ بَيْضَاءَ [ (3) ] أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ
الْجُذَامِيُّ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، وَلَّى
الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَرْكُضُ
__________
[ (1) ] الزيادة من (ح) .
[ (2) ] (أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ) أبو سفيان هذا هو ابْنُ عَمِّ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ جماعة من العلماء:
اسمه هو كنيته. وقال آخرون: اسمه المغيرة.
[ (3) ] (عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ) كَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الرواية
ورواية أخرى بعدها إنها بغلة بيضاء. وقال في آخر الباب على بغلته الشهباء،
وهي واحدة. قال العلماء: لا يعرف لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بغلة
سواها، وهي التي يقال لها: دلدل.
(5/137)
بَغْلَتَهُ [ (4) ] قِبَلَ الْكُفَّارِ.
قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (5) ] أَكُفُّهَا ارادة ان لا تُسْرِعَ،
وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (6) ] :
أَيْ عَبَّاسُ! نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ [ (7) ] فَقَالَ عَبَّاسٌ:
وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا [ (8) ] فقلت بأعلا صوتي أي أصحاب السّمرة! قال:
فو الله لَكَأَنَّمَا عَطْفَتُهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ
الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا [ (9) ] ، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَاهُ! يَا
لَبَّيْكَاهُ! فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَالْكُفَّارُ [ (10) ] وَالدَّعْوَةُ
فِي الْأَنْصَارِ [ (11) ] يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! يَا
مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ
بْنِ الْخَزْرَجِ، فَقَالُوا يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، يَا
بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ:! فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
__________
[ (4) ] (يركض بغلته) أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع.
[ (5) ] ما بين الحاصرتين سقط من الأصول، وأثبتناه من صحيح مسلم (3: 1398)
.
[ (6) ] ليست في الأصول، وأثبتها من صحيح مسلم.
[ (7) ] (أصحاب السمرة) هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان. ومعناه:
ناد أهل بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ.
[ (8) ] (صيّتا) أي قويّ الصوت. ذكر الحازميّ في المؤتلف أن العباس رَضِيَ
اللهُ تَعَالَى عَنْهُ كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليل، وهم في
الغابة، فيسمعهم. قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال.
[ (9) ] (لكأن عَطْفَتُهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ
عَلَى أَوْلَادِهَا) : أي عودهم لمكانتهم وإقبالهم إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا. أي كان فيها انجذاب
مثل ما في الأمّات حين حنّت على الأولاد.
قال النوويّ: قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا.
وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة
أهل مكة المؤلفة ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا. وإنما كانت هزيمتهم فجأة
لانصبابهم عليهم دفعة واحدة، ورشقهم بالسهام. ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم
يستقر الإيمان في قلبه وممن يتربص بالمسلمين الدوائر. وفيهم نساء وصبيان
خرجوا للغنيمة، فتقدم أخفاؤهم. فلما رشقوهم بالنبل ولوا فانقلبت أولاهم على
أخراهم. إلى أن أنزل الله سكينته على المؤمنين، كما ذكر الله تعالى في
القرآن.
[ (10) ] (والكفار) هكذا هو في النسخ. وهو بنصب الكفار. أي مع الكفار.
[ (11) ] (والدعوة في الأنصار) هي بفتح الدال. يعني الاستغاثة والمناداة
إليهم.
(5/138)
عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ
عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه
وَسَلَّمَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ [ (12) ] قَالَ ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ فِي وُجُوهِ
الْكُفَّارِ ثُمَّ قَالَ انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ قَالَ فَذَهَبْتُ
أَنْظُرُ فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هيية فيما ارى قال فو الله مَا هُوَ
إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِحَصَيَاتِهِ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا [ (13) ]
وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا.
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ
عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ [ (14) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ غَيْرَ
أَنَّهُ قَالَ: فَرْوَةُ بْنُ نَعَامَةَ الْجُذَامِيُّ، وَقَالَ:
انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللهُ قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ
عَلَى بَغْلَتِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَزْهَرَ يُحَدِّثُ
أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ يَوْمَئِذٍ
وَكَانَ عَلَى الْخَيْلِ خَيْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ أَزْهَرَ: ثُمَّ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا هَزَمَ اللهُ الْكُفَّارَ وَرَجَعَ
الْمُسْلِمُونَ إِلَى رِجَالِهِمْ يَمْشِي في
__________
[ (12) ] (هذا حين حمي الوطيس) قال الأكثرون: هو شبه تنور يسجر فيه. ويضرب
مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره. وقد قال آخرون: الوطيس هو التنور
نفسه. وقال الأصمعيّ: هي حجارة مدورة، إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها،
فيقال: الآن حمي الوطيس. وقيل: هو الضرب في الحرب. وقيل: هو الجرب الذي
يطيس الناس، أي يدقهم. وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من
أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
[ (13) ] (فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كليلا) أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.
[ (14) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (28) باب غزوة حنين،
الحديث (76) ، ص (3: 1398) .
(5/139)
الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ
عَلَى رَجْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ
ومحمد بْنِ رَافِعٍ، دُونَ رِوَايَةِ ابْنِ أَزْهَرَ [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْحَافِظُ، قَالَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ
بْنُ حَرْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ
عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ [بْنُ سَلَمَةَ] [ (16) ] قَالَ
حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه
وسلم حُنَيْنًا، فَلَمَّا وَاجَهْنَا الْعَدُوَّ تقدمت فاعلو ثَنِيَّةً،
فَأَسْتَقْبِلُ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَرْمِيهِ بِسَهْمٍ وَتَوَارَى
عَنِّي، فَمَا دَرَيْتُ مَا صَنَعَ، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ
فَإِذَا [هُمْ] [ (17) ] قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخْرَى فَالْتَقُوا
هُمْ وَصَحَابَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَوَلَّى
صَحَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْجِعُ
مُنْهَزِمًا وَعَلَيَّ بُرْدَتَانِ مُؤْتَزِرًا بِإِحْدَاهُمَا،
مُرْتَدِيًا بِالْأُخْرَى، قَالَ: فَاسْتَطْلَقَ إزاري [ (18) ] فجمعتها
جمعا، ومَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
مُنْهَزِمًا [ (19) ] وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ رَأَى ابْنُ
الْأَكْوَعِ فَزَعًا» فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه
وَسَلَّمَ نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ
مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ، فَقَالَ: شَاهَتِ
الْوُجُوهُ [ (20) ] فَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ
عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ
فَهَزَمَهُمُ اللهُ وَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين
المسلمين.
__________
[ (15) ] صحيح مسلم (3: 1399) .
[ (16) ] ليست في (ح) .
[ (17) ] الزيادة من (ح) .
[ (18) ] (فاستطلق إزاري) أي انحلّ لاستعجالي.
[ (19) ] (منهزما) قال العلماء: قول منهزما، حال من ابن الأكوع، كما صرح
أولا بانهزامه، ولم يرد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم انهزم.
وقد قالت الصحابة كلهم رضي الله عنهم: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
ما انهزم، ولم ينقل أحد قط أنه انهزم صلى الله عليه وسلم في موطن من
المواطن. وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه صلى
الله عليه وسلم، ولا يجوز ذلك عليه.
[ (20) ] (شاهت الوجوه) أي قبحت.
(5/140)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ:
أَنْبَأَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ يَسَارٍ، وَيُكَنَّى أَبَا هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْفِهْرِيِّ، قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي حُنَيْنٍ
فَسِرْنَا فِي يَوْمٍ قَائِظٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَنَزَلْنَا تَحْتَ
ظِلَالِ الشَّجَرِ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لَأْمَتِي
وَرَكِبْتُ فَرَسِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي فُسْطَاطِهِ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا
رَسُولَ اللهِ، وَرَحْمَةُ اللهِ، قَدْ حَانَ الرَّوَاحُ يَا رَسُولَ اللهِ
قَالَ أَجَلْ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَا بِلَالُ! فَثَارَ مِنْ تَحْتِ سَمُرَةٍ كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَيْرٍ!
فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَأَنَا فِدَاؤُكَ قَالَ:
أَسْرِجْ لِي فَرَسِي، فَأَتَاهُ بِدَفَّتَيْنِ مِنْ لِيفٍ لَيْسَ فِيهِمَا
أَشَرٌ وَلَا بَطَرٌ، قَالَ: فَرَكِبَ فَرَسَهُ ثُمَّ سِرْنَا يَوْمَنَا
فَلَقِينَا الْعَدُوَّ وَتَشَامَّتِ الْخَيْلَانُ، فَقَاتَلْنَاهُمْ،
فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ،
قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
يَا عِبَادَ اللهِ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِلَيَّ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَاقْتَحَمَ رَسُولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم عَنْ فَرَسِهِ.
وَحَدَّثَنِي مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي أَنَّهُ أَخَذَ حَفْنَةً
مِنْ تُرَابٍ فَحَثَا بِهَا وُجُوهَ [ (22) ] الْقَوْمِ، وَقَالَ: شَاهَتِ
الْوُجُوهُ.
قَالَ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ فَأَخْبَرَنَا أَبْنَاؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ
أَنَّهُمْ قَالُوا مَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ
وَفَمُهُ مِنَ التُّرَابِ، وَسَمِعْنَا صَلْصَلَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَرِّ
الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ الْحَدِيدِ فَهَزَمَهُمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ [
(23) ] .
__________
[ (21) ] أَخْرَجَهُ مسلم في باب غزوة حنين، الحديث (81) ، ص (1402) ، عَنْ
زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ.
[ (22) ] في (ح) ، «في وجوه العدو» .
[ (23) ] في (ح) : «تعالى» ، وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، وعنه ابن
كثير في البداية والنهاية (4: 331- 332) .
(5/141)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ
قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ
قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ [ (24) ] ، وَبَقِيتُ مَعَهُ فِي
ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَنَكَصْنَا
عَلَى أَقْدَامِنَا نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ قَدَمًا وَلَمْ نُوَلِّهِمُ
الدُّبُرَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ قَالَ
وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ يَمْضِي
قُدُمًا، فَحَادَتْ بَغْلَتُهُ فَمَالَ عَنِ السَّرْجِ فَشَدَّ نَحْوَهُ
فَقُلْتُ ارْتَفِعْ رَفَعَكَ اللهُ فَقَالَ نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ
تُرَابٍ، فَنَاوَلْتُهُ فَضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَامْتَلَأَ
أَعْيُنُهُمْ تُرَابًا، قَالَ: أَيْنَ الْمُهَاجِرَونَ وَالْأَنْصَارُ؟
قُلْتُ:
هُمْ هُنَا قَالَ: اهْتِفْ فَهَتَفْتُ بِهِمْ فجاؤوا سُيُوفُهُمْ
بِأَيْمَانِهِمْ، كَأَنَّهُمُ الشُّهُبُ وَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ
أَدْبَارَهُمْ [ (25) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْقَنْطَرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ قَالَ:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيَاضِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ،
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَتَى هَوَازِنَ
فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ يَوْمَ
حُنَيْنٍ مِثْلُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ كَفًّا مِنْ حَصًى فَرَمَى بِهَا وُجُوهَنَا
فَانْهَزَمْنَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَلَمْ ينسب
عياضا [ (26) ] .
__________
[ (24) ] في (ح (، «فولى عنه الناس يوم حنين» .
[ (25) ] تفرد به الإمام أحمد وأخرجه في «مسنده» (1: 454) ، ونقله ابن كثير
في التاريخ (4:
332) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، (6: 180) ، وقال: «رواه: أحمد،
والبزار، والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير الحارث بن حصيرة، وهو
ثقة» .
[ (26) ] ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 332) .
(5/142)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدَانَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا
الْأَسْفَاطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ
بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ، عَمَّنْ شَهِدَ حُنَيْنًا كَافِرًا
قَالَ: لَمَّا الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يَقُومُوا لَنَا حَلْبَ شَاةٍ فَجِئْنَا
نَهُشُّ سُيُوفَنَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا غَشِينَاهُ فَإِذَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ رِجَالٌ
حِسَانُ الْوُجُوهِ، فَقَالُوا:
شَاهَتِ الْوُجُوهُ فَارْجِعُوا، فَهُزِمْنَا مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ [
(27) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ
قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ:
عَبْدُ الرحمن ابن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ الشعبي
عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بَدَلٍ النَّصْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ
شَهِدَ ذَاكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَعَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ،
قَالَا: انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قبضة من الحصا فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ
قَالَ فَانْهَزَمْنَا، فَمَا خُيِّلَ إِلَيْنَا إِلَّا أَنَّ كُلَّ حَجَرٍ
أَوْ شَجَرٍ فَارِسٌ يَطْلُبُنَا. قَالَ الثَّقَفِيُّ فَأَعْجَزْتُ عَلَى
فَرَسِي حَتَّى دَخَلَتُ الطَّائِفَ [ (28) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْكُدَيْمِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
السايب الطائفيّ عن السايب بْنِ يَسَارٍ عَنْ يَزِيدَ بن عامر السّواي
أَنَّهُ قَالَ: عِنْدَ انْكِشَافِهِ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ فَتَبِعَهُمُ الْكُفَّارُ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه
وَسَلَّمَ قَبْضَةً مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ
فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ وَقَالَ ارجعوا شاهت
__________
[ (27) ] رواه مسدد في مسنده، وابن عساكر عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى
أُمِّ برثن، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 332) عن المصنف، والزرقاني في
المواهب (3: 15) .
[ (28) ] نقله ابن كثير عن المصنف في البداية والنهاية (4: 332) .
(5/143)
الْوُجُوهُ، قَالَ فَمَا أَحَدٌ يَلْقَاهُ
أَخُوهُ، إِلَّا وَهُوَ يَشْكُو قَذًى [ (29) ] فِي عَيْنَيْهِ وَيَمْحُ
عَيْنَيْهِ [ (30) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ
الْحَمَامِيِّ الْمُقْرِئُ- رَحِمَهُ اللهُ- بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ،
وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ الطَّائِفِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي: السائب يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بن عامر
السّواي، وَكَانَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ
بَعْدُ، قَالَ: فَنَحْنُ نَسْأَلُهُ عَنِ الرُّعْبِ الَّذِي أَلْقَى الله
عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَيْفَ كَانَ
قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ لَنَا الْحَصَاةَ فَيَرْمِي بِهَا فِي الطَّسْتِ
فَيَطِنُّ قَالَ كُنَّا نَجِدُ فِي أَجْوَافِنَا مِثْلَ هَذَا.
وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ
عامر السوايّ قَالَ:
سَأَلْنَاهُ كَيْفَ كَانَ الرُّعْبُ فَذَكَرَهُ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَعْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ فِي
الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا [ (31) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ (ح) .
وحَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ
الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ
عُبَيْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالَوَيْهِ الْمُزَكِّي، قَالَ:
أَنْبَأَنَا
__________
[ (29) ] رسمت في الأصول: «قذى» .
[ (30) ] نقله ابن كثير في التاريخ (4: 333) عن المصنف.
[ (31) ] نقلهما ابن كثير (4: 333) عن المصنف.
(5/144)
أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
همام ابن مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ:
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصِرْتُ
بِالرُّعْبِ وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ [ (32) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَدْ
عَرِيَ ذَكَرْتُ أَبِي وَعَمِّي وَقَتْلَ عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ إِيَّاهُمَا
فَقُلْتُ الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي مِنْ مُحَمَّدٍ قال فذهب لأجئه عَنْ
يَمِينِهِ فَإِذَا أَنَا بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ
عَلَيْهِ دِرْعٌ بَيْضَاءُ. كَأَنَّهَا فِضَّةٌ يُكْشَفُ عَنْهَا
الْعَجَاجُ، فَقُلْتُ عَمُّهُ وَلَنْ يَخْذُلَهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُهُ
عَنْ يَسَارِهِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقُلْتُ ابْنُ عَمِّهِ وَلَنْ يَخْذُلَهُ، قَالَ
ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ خَلْفِهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أن أسوره سَوْرَةً
بِالسَّيْفِ إِذْ رُفِعَ لِي شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
كَأَنَّهُ بَرْقٌ فَخِفْتُ تَمْحَشَنِي فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى بَصَرِي
وَمَشَيْتُ الْقَهْقَرَى، وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَالَ يَا شَيْبُ يَا شَيْبُ ادْنُ مِنِّي اللهُمَّ أَذْهِبْ
عَنْهُ الشَّيْطَانَ قَالَ: فَرَفَعْتُ إِلَيْهِ بَصَرِي وَلَهُوَ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي وَقَالَ: يَا شَيْبُ قَاتِلِ الْكُفَّارَ
قَدْ مَضَى لَهُ شاهد عن مَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [
(33) ] .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَمُحَمَّدُ بْنُ
مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَا:
__________
[ (32) ] أخرجه مسلم من طريق عبد الرزاق في: 5- كتاب المساجد، الحديث (8) ،
ص (1:
372) .
[ (33) ] نقله ابن كثير في تاريخه (4: 333) عن المصنف، وله شاهد في سيرة
ابن هشام (4: 58) ، وقد مضى هذا الشاهد في باب غزوة حنين، وراجع الحاشية
(36) من ذلك الباب.
(5/145)
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ
شَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَاللهِ مَا أَخْرَجَنِي إِسْلَامٌ
وَلَا مَعْرِفَةٌ بِهِ وَلَكِنْ أَنِفْتُ أَنْ تَظْهَرَ هَوَازِنُ عَلَى
قُرَيْشٍ فَقُلْتُ.
وَأَنَا وَاقِفٌ مَعَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَرَى خَيْلًا بُلْقًا
قَالَ: يَا شَيْبَةُ إِنَّهُ لَا يَرَاهَا إِلَّا كَافِرٌ، فَضَرَبَ يَدَهُ
عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اهْدِ شَيْبَةَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا
الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اهْدِ شَيْبَةَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا
الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اهْدِ شَيْبَةَ، فو الله مَا رَفَعَ
يَدَهُ مِنْ صَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ
اللهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْتِقَاءِ النَّاسِ وَانْهِزَامِ الْمُسْلِمِينَ
وَنِدَاءِ الْعَبَّاسِ وَاسْتِنْصَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
حَتَّى هَزَمَ اللهَ الْمُشْرِكِينَ [ (34) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَمَّنْ
حَدَّثَهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: إِنَا لَمَعَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عليه وسلم يوم حُنَيْنٍ وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ إِذْ
نَظَرْتُ إِلَى مِثْلِ الْبِجَادِ الْأَسْوَدِ [ (35) ] يَهْوِي مِنَ
السَّمَاءِ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ فَإِذَا نَمْلٌ
مَنْثُورٌ قَدْ مَلَأَ الْوَادِي فَلَمْ تَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةُ الْقَوْمِ
فَمَا كُنَّا نَشُكُّ أَنَّهَا الملائكة [ (36) ] .
__________
[ (34) ] وتتمة الحديث:
فالتقى المسلمون فقتل من قتل، ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرَ آخذ باللّجام، والعبّاس آخذ بالثّغر، فنادى
العباس: أين المهاجرون، أين أصحاب سورة البقرة- بصوت عال- هَذَا رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ المسلمون وَالنَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ،
أَنَا ابْنُ عَبْدِ المطّلب» فجالدوهم بالسيوف، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ حمي الوطيس» .
وأخرجه ابن مردويه، وابن عساكر عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، ونقله
الزرقاني في المواهب (3:
15) ، وابن كثير في التاريخ (4: 333) عن المصنف.
[ (35) ] البجاد الأسود: الكساء.
[ (36) ] أخرجه ابن هشام في السيرة (4: 63) ، ونقله ابن كثير في التاريخ
(4: 334) .
(5/146)
[قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ] [ (37) ] وَقَالَ
ابْنُ عَوْجَاءَ النَّصْرِيُّ:
وَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ حُنَيْنٍ وَمَائِهِ ... رَأَيْنَا سَوَادًا
مُنْكَرَ اللَّوْنِ أَخْصَفَا
وَمَلْمُومَةً شَهْبَاءَ لَوْ قَذَفُوا بِهَا ... شَمَارِيخَ مِنْ عُودٍ
إِذًا عَادَ صَفْصَفَا
وَلَوْ أَنَّ قَوْمِيَ طَاوَعَتْنِي سَرَاتُهُمْ ... إِذًا مَا لَقِينَا
الْعَارِضَ الْمُتَكَشِّفَا
إِذًا مَا لَقِينَا جُنْدُ آلِ مُحَمَّدٍ ... ثَمَانِينَ أَلْفًا
وَاسْتَمَدُّوا بِخِنْدِفَا
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ يَذْكُرُ مَسِيرَهُمْ بَعْدَ إِسْلَامِهِ:
أذكر مسيرهم للناس إذا جَمَعُوا ... وَمَالِكٌ فَوْقَهُ الرَّايَاتُ
تَخْتَفِقُ
وَمَالِكٌ مَالِكٌ مَا فَوْقَهُ أَحَدٌ ... يَوْمَيْ حُنَيْنٍ عَلَيْهِ
التَّاجُ يَأْتَلِقُ
حَتَّى لَقَوُا النَّاسَ حِينَ الْبَأْسِ يَقْدُمُهُمْ ... عَلَيْهِمِ
الْبِيضُ وَالْأَبْدَانُ وَالدَّرَقُ
فَضَارَبُوا النَّاسَ حَتَّى لَمْ يَرَوْا أَحَدًا ... حَوْلَ النَّبِيِّ
وَحَتَّى جُنَّةِ الْغَسَقِ
حَتَّى تَنَزَّلَ جِبْرِيلُ بِنَصْرِهِمُ ... فَالْقَوْمُ مُنْهَزِمٌ
مِنْهُمْ وَمُعْتَلِقُ
مِنَّا وَلَوْ غَيْرُ جِبْرِيلَ يُقَاتِلُنَا ... لَمَنَّعَتْنَا إِذًا
أَسْيَافُنَا الْغُلُقُ
وَقَدْ وَفَى عُمَرُ الْفَارُوقُ إِذْ هُزِمُوا ... بِطَعْنَةٍ بَلَّ
مِنْهَا سَرْجَهُ الْعَلَقُ
__________
[ (37) ] ليست في (ح) .
(5/147)
بَابُ قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي
طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي سَلَبِ الْقَتِيلِ وَقِصَّةِ أُمِّ
سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ
قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ
أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ [عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ] [ (1) ] أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَامِ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا
كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ،
فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ
بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي
ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ،
فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ:
قَالَ: أَمْرُ اللهِ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ
عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَ فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ
يَشْهَدُ لِي، ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ
عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَ: فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ
يَشْهَدُ لِي، ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ، فَقُمْتُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ يَا
أَبَا قَتَادَةَ؟» فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي
فَأَرْضِهِ مِنْهَا [وَأَعْطِنِيهَا] ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
__________
[ (1) ] ليست في (ح) .
(5/148)
لَاهَا اللهِ [ (2) ] إِذًا يَعْمِدُ إِلَى
أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ
فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ:
فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ مَخْرَفًا فِي بَنِي
سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ الْقَعْنَبِيِّ [ (3) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ
اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَعْيَنَ
الْمِصْرِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكَ
بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى
__________
[ (2) ] لاها الله- قال الجوهري: «ها» للتنبيه، وقد يقسم بها، يقال: ها
الله ما فعلت كذا، قال ابن مالك: فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم
بحرف التّنبيه، قال: ولا يكون ذلك إلّا مع الله، أي لم يسمع لاها الرّحمن،
كما سمع لا والرّحمن، قال: وفي النّطق بها أربعة أوجه، أحدها: ها لله
باللّام بعد الألف، بغير إظهار شيء من الألفين، ثانيها مثله، لكن بإظهار
ألف واحدة بغير همز، ثالثها بثبوت الألفين وبهمزة قطع، رابعها بحذف الألف
وثبوت همزة القطع، انتهى.
والمشهور في الرّواية الثّالث ثم الأوّل.
وقال أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب- رحمه الله تعالى- استرسل جماعة من
القدماء في هذا الإشكال إلى أن جعلوا المخلص من ذلك أن اتهموا الإثبات في
التصحيف فقالوا: الصّواب «لا ها الله ذا» باسم الإشارة، قال: ويا عجبا من
قوم يقبلون التّشكيك على الرّوايات الثّابتة. ويطلقون لها تأويلا، وجوابهم
أنّ «ها الله» لا يستلزم اسم الإشارة. كما قال ابن مالك، وأمّا من جعل لا
يعمد جواب فأرضه فهو سبب الغلط وليس بصحيح ممن زعمه وإنّما هو جواب شرط
مقدّر يدلّ عليه قوله «إن صدق فأرضه» فكأنّ «أبو بكر» قال: إذا صدق في أنه
صاحب السّلب إذا لا يعمد إلى السّلب فيعطيك حقه، فالجزاء على هذا صحيح لأنّ
صدقه سبب الا يفعل ذلك، قال: وهذا واضح لا تكلّف فيه، قال الحافظ: فهو
توجيه حسن، والّذي قبله أقعد ويؤيده كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من
الأحاديث. وسردها الحافظ، وبسط الكلام على هذا اللفظ هو والشيخ في شرح
الموطأ، فمن أراد الزّيادة على ما هنا فليراجع كلامهما رحمهما الله تعالى.
[ (3) ] البخاري عن القعنبي في البيوع (37) باب بيع السلاح في الفتنة، فتح
الباري (4: 322) مختصرا، ومسند أحمد (5: 326) مطولا.
(5/149)
ابن سَعِيدٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ
نَحْوَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ عَنِ
ابْنِ وَهْبٍ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
الْمُقْرِئُ، قَالَ: أنبأنا الحسن ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، أَنَّ هَوَازِنَ جَاءَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِالصِّبْيَانِ
وَالنِّسَاءِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَجَعَلُوهُمْ صُفُوفًا
لِيُكَثِّرُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَالْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ
مُدْبِرِينَ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا عِبَادَ اللهِ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ثم قال: يا معاشر
الْأَنْصَارِ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» فَهَزَمَ اللهُ
الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يُضْرَبْ بِسَيْفٍ وَلَمْ يُطْعَنْ بِرُمْحٍ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَئِذٍ:
«مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ
يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ
بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
لَقِيَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ
فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا معك؟ قال: أَرَدْتُ وَاللهِ إِنْ
دَنَا مِنِّي بَعْضُهُمْ أَنْ أَبْعَجَ بِهِ بَطْنَهُ، فَأَخْبَرَ أَبُو
طَلْحَةَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَتْ أُمُّ
سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ اقْتُلْ مَنْ يَعْدُونَا مِنَ الطُّلَقَاءِ
انْهَزَمُوا عَنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِنَّ
اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَفَى وَأَحْسَنَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سلمة [ (5) ] .
__________
[ (4) ] مسلم في كتاب الجهاد والسير، (13) باب استحقاق القاتل سلب القتيل،
الحديث (41) ، ص (3: 1370) .
[ (5) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير (57) باب غزوة النساء مع
الرجال، الحديث (134) ، ص (1442) .
(5/150)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ حِينَ فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه
وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ وَأَجْمَعَ السَّيْرَ إِلَى الطَّائِفِ.
وقضينا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ... وَخَيْبَرَ ثُمَّ أَجْمَمْنَا
السُّيُوفَا
نُخَبِّرُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ ... قَوَاطِعُهُنَّ دَوْسًا أَوْ
ثَقِيفَا
فَلَسْتُ لِحَاضِنٍ إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... بِسَاحَةِ دَارِكُمْ مِنَّا
أُلُوفَا
فَذَكَرَ أَبْيَاتًا آخِرَهُنَّ:
نُجَالِدُ مَا بَقِينَا أَوْ تُنِيبُوا ... إِلَى الْإِسْلَامِ إِذْعَانًا
مُضِيفَا
لِأَمْرِ اللهِ وَالْإِسْلَامِ حَتَّى ... يَقُومَ الدِّينُ مُعْتَدِلًا
حَنِيفَا
(5/151)
بَابُ مَا جَاءَ فِي جَيْشِ أَوْطَاسٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ
قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا
أَبُو يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
سَلَمَةَ (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ:
أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ
الْأَشْعَرِيُّ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى،
قَالَ:
لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ
بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ
الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ، وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ.
قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مع أبي عَامِرٍ، قَالَ: فَرُمِيَ أَبُو
عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمٍ، فَأَثْبَتَهُ
فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمُّ! مَنْ
رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ أَبُو عَامِرٍ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: إِنَّ
ذَلِكَ قَاتِلِي، تَرَاهُ ذَلِكَ الَّذِي رَمَانِي، قَالَ أَبُو مُوسَى
فَقَصَدْتُ لَهُ، فَاعْتَمَدْتُهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى
عَنِّي ذَاهِبًا، فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا
تَسْتَحِي؟ أَلَسْتَ عَرَبِيًّا؟ أَلَا تَثْبُتُ؟ فَكَفَّ فَالْتَقَيْتُ
أَنَا وَهُوَ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ أَنَا وَهُوَ فَقَتَلْتُهُ،
ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ فَقُلْتُ
(5/152)
قَدْ قَتَلَ اللهُ صَاحِبَكَ، قَالَ:
فَانْتَزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا [ (1) ] مِنْهُ
الْمَاءُ فَقَالَ:
يَا ابْنَ أَخِي انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ ثُمَّ قُلْ لَهُ إِنَّهُ يَقُولُ
لَكَ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ: وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى
النَّاسِ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسلم دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَى سَرِيرٍ
مُرَمَّلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ وَقَدْ أَثَّرَ إلى السَّرِيرُ بِظَهْرِ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ
بِخَبَرِنَا، وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: قُلْ لَهُ
يَسْتَغْفِرْ لِي فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بِمَاءٍ
فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي
عَامِرٍ عَبْدِكَ، حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
اللهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ،
أَوْ مِنَ النَّاسِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلِي فَاسْتَغْفِرْ.
فَقَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ
وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا» .
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: أَحَدُهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ وَالْآخَرُ لِأَبِي
مُوسَى.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ [ (2) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ بَرَّادٍ [
(3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ أَتَوَا الطَّائِفَ،
وَمَعَهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَعَسْكَرَ بَعْضُهُمْ بِأَوْطَاسٍ،
وَتَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ نَخْلَةَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَنْ تَوَجَّهَ
نَخْلَةَ
__________
[ (1) ] (فنزا منه الماء) أي ظهر وجرى.
[ (2) ] أخرجه البخاري، في: 64- كتاب المغازي، (55) باب غزاة أوطاس، الحديث
(4323) ، فتح الباري (8: 41- 42) .
[ (3) ] أخرجه مسلم فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، (38) من
فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين، الحديث (165) ، صفحة (4: 1943- 1944)
.
(5/153)
مِنْ ثَقِيفٍ إِلَّا بَنُو غَيْرَةَ،
فَتَبِعَتْ خَيْلُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَنْ سَلَكَ فِي
نَخْلَةَ مِنَ النَّاسِ وَلَمْ تَتْبَعْ مَنْ سَلَكَ الثَّنَايَا،
فَأَدْرَكَ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعِ بْنِ وَهْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ يَرْبُوعَ بْنِ عَوْفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَكَانَ
يُقَالُ لَهُ ابْنُ لَذْعَةَ وَلَذْعَةُ أُمُّهُ فَغَلَبَتْ عَلَى اسْمِهِ
أَدْرَكَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ جَمَلِهِ وَهُوَ
يَظُنُّ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي شِجَارٍ [ (4) ]
لَهُ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ فَأَنَاخَ بِهِ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ
وَإِذَا هُوَ دُرَيْدٌ وَلَا يَعْرِفُهُ الْغُلَامُ فَقَالَ دُرَيْدٌ
مَاذَا تُرِيدُ قَالَ: قَتْلَكَ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ قَالَ: أَنَا
رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ
فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا، فَقَالَ دُرَيْدٌ: بِئْسَ مَا سَلَّحَتْكَ أُمُّكَ،
خُذْ سَيْفِي هَذَا مِنْ مُؤَخَّرِ الشِّجَارِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ،
وَارْفَعْ عَنِ الْعِظَامِ، وَأَخْفِضْ عَنِ الدِّمَاغِ، فَإِنِّي كَذَلِكَ
كُنْتُ أَقْتُلُ الرِّجَالَ، وَإِذَا أَتَيْتَ أُمَّكَ فَأَخْبِرْهَا
أَنَّكَ قَتَلْتَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَرُبَّ يَوْمٍ وَاللهِ قَدْ
منعت فيك نِسَاءَكَ، فَقَتَلَهُ، فَزَعَمَتْ بَنُو سُلَيْمِ أَنَّ
رَبِيعَةَ قَالَ لَمَّا ضَرَبْتُهُ وَوَقَعَ تَكَشَّفَ وَإِذَا عِجَانُهُ [
(5) ] وَبُطُونُ فَخِذَيْهِ أَبْيَضُ كَالْقِرْطَاسِ مِنْ رُكُوبِ
الْخَيْلِ أَعْرَاءً، فَلَمَّا رَجَعَ رَبِيعَةُ إِلَى أُمِّهِ أَخْبَرَهَا
بِقَتْلِهِ إِيَّاهُ فَقَالَتْ: لَقَدْ أَعْتَقَ أُمَّهَاتٍ لَكَ [ (6) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي آثَارِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَى أَوْطَاسٍ أَبَا عَامِرٍ
الْأَشْعَرِيَّ فَأَدْرَكَ مِنَ النَّاسِ بَعْضَ مَنِ انْهَزَمَ
فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَقُتِلَ وَأَخَذَ الرَّايَةَ
أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ، فَقَاتَلَهُمْ فَفُتِحَ
عَلَيْهِ فَهَزَمَهُمُ اللهُ وَزَعَمُوا أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ دُرَيْدٍ هُوَ
الَّذِي رَمَى أَبَا عَامِرٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَقَتَلَهُ [
(7) ] .
قَالَ: وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: أَيْمَنُ ابن عبيد.
__________
[ (4) ] (الشجار) الهودج، وقد تقدم في غزوة حنين.
[ (5) ] (العجان) ما بين الفرجين.
[ (6) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 67- 68) .
[ (7) ] سيرة ابن هشام (4: 69) .
(5/154)
وَمِنْ بَنِي أَسَدٍ عَبْدُ الْعُزَّى:
يَزِيدُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ جَمَحَ بِهِ
فَرَسٌ فَقُتِلَ.
وَمِنَ الْأَنْصَارِ: سُرَاقَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ
الْعَجْلَانِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ، ثُمَّ جُمِعَتْ إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم سَبَايَا حُنَيْنٍ وَأَمْوَالُهُمْ
وَكَانَ عَلَى الْغَنَائِمِ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو،
فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبَايَا
وَالْأَمْوَالِ إِلَى الْجِعْرَانَةِ فَحُبِسَتْ بِهَا وَاسْتَعْمَلَ عَلَى
السَّبْيِ: مَحْمِيَةَ بْنَ الْجَزِّ، حَلِيفًا لِقُرَيْشٍ [ (8) ] .
__________
[ (8) ] أنظر من استشهد يوم حنين في السيرة النبوية لابن هشام (4: 73- 74)
ومغازي الواقدي (3:
922) .
(5/155)
|