دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ عُمْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْجِعْرَانَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ (ح) .
وأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَا:
وَأَهَلَّ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ فَقَضَى عُمْرَتَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ اسْتَخْلَفَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ السُّلَمِيَّ، عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرْآنَ وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ، وَكَانَتْ عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ إِحْدَى ثَلَاثِ عُمَرَاتٍ اعْتَمَرَهُنَّ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (1) ] ثُمَّ صَدَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَخَلَّفَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَدِمَ
__________
[ (1) ] ومما يجب التنبيه عليه ان عمرة الجعرانة هذه ذكرها اصحاب «المغازي والسير» . مثل عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، وابن هشام، وابن حبان، والواقدي، وقد أنكره ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه مولاه نافع، فأخرج البخاري من طريق أيوب عن نافع قال: لم يعتمر رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ، ولو اعتمر لم يخف على عبد الله، وأخرج مسلم من هذا الوجه عن نافع قال: ذكر عند ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه عُمْرَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ فقال: لم يعتمر منها، وهذا الذي نفياه قد أثبته غيرهما، والمثبت مقدم على النافي، قال النووي: هذا محمول على نفي علمه، اي أنه لم

(5/201)


الْمَدِينَةَ وَأَنْزَلَ اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] الْقُرْآنَ، فَقَالَ: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ، شَيْئاً، وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [ (3) ] هَذِهِ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ بَعْدَهَا.
قَالَ مُوسَى: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ [ (4) ] بِفَتْحِ حُنَيْنٍ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَمُعَاذُ بْنُ أَوْسٍ [ (5) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن
__________
[ () ] يعلم ذلك، وقد ثبت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم اعتمر من الجعرانة، والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة العلم، وقد ذكر مسلم في كتاب الحج اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة عام حنين من رواية انس رضي الله عنه، انتهى.
قلت: وحديث أنس أخرجه احمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وقد ورد من حديث ابن عباس أخرجه ابو داود، والترمذي، وابن ماجة، وحسنه الترمذي، ومن حديث جابر رواه البزار والطبراني في «الأوسط» ، ورجاله رجال الصحيح كما قاله الهيثمي، ومن حديث محرش الكعبي رواه أحمد والحميدي وأبو داود، والترمذي والنسائي، ومن حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ العزى بن سلامة الخزاعي رواه الحسن بن سفيان والنسائي في «الكنى» كما في «الاصابة» وغيرها، قال الحافظ ابن كثير، قد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح، والسنن والمسانيد، وذكر ذلك أصحاب المغازي والسير كلهم.
قلت: ووجه الخفاء ما وقع في حديث محرش الكعبي عند أحمد والترمذي ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج ليلا معتمرا فدخل مكة ليلا. فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت، الى آخر الحديث، وفيه: ومن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس، وفي لفظ لأحمد قال محرش: فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس، قال العيني: ليس في قول نافع حجة، لأن ابن عمر ليس كل ما علمه حدث به نافعا، وليس كل ما حدث به حفظه نافع، ولا كل ما علمه ابن عمر لا ينساه، والعمرة من الجعرانة أشهر وأظهر من أن يشك فيها، انتهى.
[ (2) ] ليست في (ك) .
[ (3) ] [الأعراف- 25] .
[ (4) ] في (ح) و (ك) : «قدم من المدينة» .
[ (5) ] ذكرها ابن عبد البر في الدرر (236- 237) عن موسى بن عقبة باختصار شديد.

(5/202)


ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من الْجِعْرَانَةِ مُعْتَمِرًا، وَأَمَرَ بِبَقَايَا الفيء فحبس بمحنّة وَهُوَ بِنَاحِيَةِ كَذَا وَكَذَا الْمَوْضِعُ سَمَّاهُ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمْرَتِهِ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ، وَخَلَّفَ مَعَهُ مُعَاذًا يُفَقِّهُ النَّاسَ فِي الدِّينِ وَيُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ، فَكَانَتْ عُمْرَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي بَقِيَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ، أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَحَجَّ النَّاسُ تِلْكَ السَّنَةَ عَلَى مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَحُجُّ عَلَيْهِ وَحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً- أَظُنُّهُ قَالَ- الْعَامَ الْمُقْبِلَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قسم غنائم حنين في ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حجته.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ [ (7) ] .
أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى: أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عثمان بن
__________
[ (6) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 115) .
[ (7) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ في: 64- كتاب المغازي، (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4148) ، فتح الباري (7: 439) ، ومسلم عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ في: 15- كتاب الحج، (35) باب بيان عدد عُمُرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وزمانهن، الحديث (217) ، ص (2: 916) .

(5/203)


خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الْجِعْرَانَةِ، فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ ثَلَاثًا وَمَشَوْا أَرْبَعًا، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ الْيُسْرَى [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا [ (9) ] أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْإِمَامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بن منبه [ (10) ] ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهَا خَلُوقٌ، أَوْ قَالَ: أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَصْنَعُ فِي عُمْرَتِي؟ قَالَ: وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم الوحي فَسُتِرَ بِثَوْبٍ، وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، قَالَ: فَرَفَعَ عُمَرُ طَرَفَ الثَّوْبِ عَنْهُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا لَهُ غَطِيطٌ [قَالَ] [ (11) ] وَأَحْسَبُهُ كَغَطِيطِ الْبَكْرِ [ (12) ] ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السائل عن
__________
[ (8) ] أخرجه ابو داود في كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف، الحديث (1884) ، ص (2:
177) ، عن ابي سلمة: موسى عن حماد ...
[ (9) ] في (ك) : «أخبرني» .
[ (10) ] يعلى بن منبه كذا في الأصول، وفي البخاري ومسلم: يعلى بن أمية، وكذا ذكر الإسماعيلي وأبو نعيم، والحميدي، وغيرهم، وأفاد الكرماني في شرحه ان في بعض النسخ العراقية: «حدثنا محمد، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ يزيد بن خالد الرملي، عن الليث، عن عطاء، عن يعلى بن منية، عن أبيه، ولم يقل «عن ابن» .
قال ابن حجر: «هذه رواية اللؤلؤي، وأما ابن داسة فإن فِي رِوَايَتِهِ: «عَنِ ابْنِ يعلى» .
وكذا أخرجه المصنف في «السنن الكبرى» (5: 57) من طريق ابن داسة، ويدل على أن اللؤلؤي اخطأ فيه، ان ابن حبان أخرجه في «صحيحه» عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قتيبة، عن يزيد ابن خالد، شيخ ابي داود، فقال: «عن عطاء، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عن أبيه» .
[ (11) ] الزيادة من (ك) .
[ (12) ] (البكر) : «هو الفتى من الإبل» .

(5/204)


الْعُمْرَةِ؟ اغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ، أَوْ قَالَ: أَثَرَ الْخَلُوقِ، وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ.
قَالَ: وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ قَدْ عَضَّ رَجُلًا فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتَا الَّذِي عَضَّهُ، قَالَ: فَأَبْطَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (13) ] وَقَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تَقْضِمَهُ كَمَا يَقْضِمُ الْفَحْلُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (14) ] .
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ هِشَامٍ [ (15) ] .
وَأَخْرَجَا حَدِيثَ الْعَضِّ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ عَطَاءٍ، وَقِصَّةُ الْعَضِّ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ [ (16) ] .
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النُّضَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ، مِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ، فَكَانَ يَقُولُ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَكْرَمَنَا بِالْإِسْلَامِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ نَمُتْ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ الْآبَاءُ، وَقُتِلَ عَلَيْهِ الْإِخْوَةُ وَبَنُو الْعَمِّ، ثُمَّ ذَكَرَ عَدَاوَتَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ خَرَجَ مَعَ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى حُنَيْنٍ، وَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ [ (17) ] بَعْدُ، قَالَ: وَنَحْنُ نُرِيدُ إِنْ كَانَتْ دَبْرَةً
__________
[ (13) ] بعد صلى الله عليه وسلم، وحتى «فأسمع ما يقول» في أول باب قُدُومِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، سقط من (ك) ، ثم أثبته الناسخ في حاشية (ك) .
[ (14) ] مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ في: 15- كتاب الحج، (1) باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه، الحديث (6) ، ص (2: 836) .
[ (15) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ في: 66- كتاب فضائل القرآن (2) باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب، الحديث (4985) ، فتح الباري (9: 9) .
[ (16) ] قصة العض في البخاري في الإجارة باب (5) عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وفي المغازي (78) باب، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ سعيد، وغيرها، وفي صحيح مسلم، في 28- كتاب القسامة (4) باب الصائل على نفسه (3: 1300- 1301) .
[ (17) ] في (ح) : «دينه» .

(5/205)


عَلَى مُحَمَّدٍ أَنْ نُغِيرَ عليه، فلم يمكننا ذَلِكَ فَلَمَّا صَارَ بِالْجِعْرَانَةِ فو الله إِنِّي لَعَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ إِنْ شَعَرْتُ إِلَّا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّانِي، فَقَالَ: النُّضِيرُ! فَقُلْتُ:
لَبَّيْكَ، قَالَ: هَذَا خَيْرٌ مِمَّا أَرَدْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِمَّا حَالَ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، قَالَ:
فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ سَرِيعًا، فَقَالَ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تُبْصِرَ مَا أَنْتَ فِيهِ تُوضَعُ، قُلْتُ قَدْ أَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى شَيْئًا، وإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ زِدْهُ ثَبَاتًا، قَالَ النُّضَيْرُ فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَكَأَنَّ قَلْبِي حَجَرٌ ثَبَاتًا فِي الدِّينِ وَبَصِيرَةً بِالْحَقِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ.

(5/206)


بَابُ مَا جَاءَ فِي قُدُومِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ [ (1) ] عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ زَمَنَ الْفَتْحِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحسن بْنِ أَحْمَدَ الْأَسَدِيُّ بِهَمْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ ذِي الرُّقَيْبَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بن أبي سلمى والْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
خَرَجَ كَعْبٌ وَبُجَيْرٌ أَبْنَاءُ زُهَيْرٍ، حَتَّى أَتَيَا أَبْرَقَ الْعَرَّافَ، فَقَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ: اثْبُتْ فِي عَجَلٍ هَذَا الْمَكَانَ حَتَّى آتِيَ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَأَسْمَعَ مَا يَقُولُ، فَثَبَتَ كَعْبٌ وَخَرَجَ بُجَيْرٌ، فَجَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا، فقال:
أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ غير ذلك دلّكا
__________
[ (1) ] هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني، شاعر عالي الطبقة من اهل نجد، كان ممن اشتهر في الجاهلية، ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلى الله عليه وسلم، واقام يشبب بنساء المسلمين، فهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه فجاء «كعب» مستأمنا، وقد اسلم، وأنشد لاميته المشهورة التي مطلعها.
«بَانَتْ سُعَادُ فَقلْبِي الْيَوْمَ متبول» .
فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، وخلع عليه بردته وهو من أعرق الناس في الشعر: أبوه: زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، واخوه بجير، وابنه عقبة، وحفيده العوّام كلهم شعراء.
وقد كثر مخمسو لاميته، ومشطروها، ومعارضوها، وشراحها.

(5/207)


عَلَى خُلُقٍ لَمْ أُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا ... عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بكأس روية ... وأ نهلك الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا [ (2) ]
فَلَمَّا بَلَغَ الْأَبْيَاتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَهْدَرَ دَمَهُ، وَقَالَ: مِنْ لَقِيَ كَعْبًا فَلْيَقْتُلْهُ فَكَتَبَ بِذَلِكَ بُجَيْرٌ إِلَى أَخِيهِ يَذْكُرُ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ وَيَقُولُ لَهُ:
النَّجَاءَ، وَمَا أَرَاكَ تَنْفَلِتُ.
ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَاكَ: أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْتِيهُ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ إِلَّا قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَسْقَطَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَسْلِمْ، وَأَقْبِلْ.
فَأَسْلَمَ كَعْبٌ وَقَالَ الْقَصِيدَةَ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ مَكَانَ الْمَائِدَةِ مِنَ الْقَوْمِ، وَالْقَوْمُ مُتَحَلِّقُونَ مَعَهُ حَلْقَةً دون حلقة يلتفت هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ، وَإِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ قَالَ كَعْبٌ: فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَعَرَفْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصِّفَةِ، فَتَخَطَّيْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمْتُ، فَقُلْتُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ» ، الْأَمَانَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قُلْتُ: أَنَا كعب ابن زُهَيْرٍ قَالَ: «الَّذِي يَقُولُ» ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «كَيْفَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ، فَأَنْشَدَهُ أَبُو بكر.
__________
[ (2) ] أنهلك: سقاك النهل، وهو الشرب الأول وعلك: سقاك العلل، والعلل: الشرب الثاني، وقد وردت الأبيات في سيرة ابن هشام هكذا:
أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
فبيّن لنا إن كنت لست بفاعل ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ دَلَّكَا
عَلَى خُلُقٍ لَمْ أُلْفِ يوما أبا له ... عليه وما تلفي عليه أبا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قائل إمّا عثرت لعا لكا
سقاك بها المأمون كأسا رويّة ... فأنهلك المأمون منها وعلّكا

(5/208)


سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رويّة ... وأ نهلك الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا قُلْتُ هَكَذَا، قَالَ: فَكَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ:
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رويّة ... وأ نهلك الْمَأْمُورُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَأْمُورٌ وَاللهِ» ، ثُمَّ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا، حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَأَمْلَاهَا عَلَيَّ الْحَجَّاجُ بْنُ ذِي الرُّقَيْبَةِ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا، وَهِيَ هَذِهِ القصيدة:
بَانَتْ سُعَادُ فَقلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ... مُتَيَّمٌ عِنْدَهَا لَمْ يغد مَعْلُولُ
فَذَكَرَ أَبْيَاتًا، ثُمَّ قَالَ:
تَسْعَى الْغُوَاةُ بِدَفَّيْهَا وَقِيلِهِمُ ... بِأَنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ:
يَسْعَى الْوُشَاةُ بِجَنْبَيْهَا وَقَوْلُهُمُ ... خَلُّوا طَرِيقَ يَدَيْهَا لَا أَبَا لَكُمُ
فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ
[ (3) ] وَفِي رِوَايَةٍ:
فَقُلْتُ: خَلُّوا طَرِيقِي لَا أَبَا لَكُمُ ... كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ
يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ [ (4) ]
__________
[ (3) ] لما يئس من نصرة خلانه أمرهم ان يخلوا طريقه ولا يحبسوه عن المثول بنفسه بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فيمضي فيه حكمه، فان نفسه قد أيقنت ان كل شيء قدره الله تعالى واقع لا محالة، وخلوا: اتركوا وصيروه خاليا، والسبيل: الطريق، ويروى «خلوا طريقي» .
[ (4) ] يقول: إذا كان كل انسان ولدته أنثى وان عاش زمانا طويلا سالما من النوائب فانه واقع بين مخالب

(5/209)


نُبِّئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَنِي ... وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَأْمُولُ [ (5) ]
مَهْلًا رَسُولَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ ... الْفُرْقَانِ فيه مواعيظ وتفضيل
وَفِي رِوَايَةٍ: مَهْلًا هَدَاكَ الَّذِي.
لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ ... أُجْرِمْ وَلَوْ كَثُرَتْ عَنِّي الْأَقَاوِيلُ
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ:
فَلَمْ أُذْنِبْ، وَلَوْ كَثُرَتْ فِيَّ الْأَقَاوِيلُ
ثُمَّ ذَكَرَ أَبْيَاتًا ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ
وَفِي رِوَايَةٍ:
مُهَنَّدٌ مِنْ سيوف الله ... مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ
بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
وَقَالَ فِي عَصَبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ:
زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا حِيلٌ مَعَازِيلُ
وَفِي رِوَايَتِهِ:
وَلَا ميل معازيل
__________
[ () ] الموت فليس هناك ما يبيح الجزع، وليس هناك ما يفرح الشامتين، والآلة الحدباء: قيل: هي النعش الذي يحمل عليه الموتى، وقيل: المراد الداهية.
[ (5) ] بدأ ههنا يذكر مقصده الذي مهد له بما سبق من الغزل والوصف وقد شرع من هذا البيت في التنصل مما اتهم به، والاستعطاف، وأنبئت- بالبناء للمجهول- أخبرت، والنبأ، الخبر، مستويان في الوزن والمعنى، وبعض اهل اللغة يخص النبأ بالخبر العظيم، ويبعده وصفه بالعظيم في قوله تعالى: «عم يتساءلون عن النبأ العظيم» ، وقوله «أوعدني» معناه تهددني وذكر أنه ينالني بشر، يقول: انه قد ثبت لي وتواتر، عندي ان رسول الله يغفر الذنب ويعفو عن المسيء.

(5/210)


ثُمَّ ذَكَرَ أَبْيَاتًا:
قَالَ وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْقَصُ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، قَالَ: أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرِ ابن أَبِي سُلْمَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: وحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: أَنْشَدَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم كعب ابن زُهَيْرٍ «بَانَتْ سُعَادُ» فِي مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا بَلَغَ قوله:
إِنَّ الرَّسُولَ لَسَيْفٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ
فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
أَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكُمِّهِ إِلَى الْخَلْقِ لِيَأْتُوا فَيَسْمَعُوا مِنْهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ لَنَا شَيْخُنَا الْأَبْيَاتَ بِتَمَامِهَا فِي الثَّامِنِ وَالسِّتِّينَ مِنَ الأمالي وفيها زحف فَلَمْ أَنْقُلْهَا.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَيْضًا فِي الْمَغَازِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْمَدِينَةَ مُنْصَرِفًا مِنَ [ (6) ] الطَّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرٍ إِلَى أَخِيهِ: كَعْبٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَذَكَرَ الْأَبْيَاتَ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ كَعْبٌ: الْمَأْمُونُ لِقَوْلِ قُرَيْشٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَتْ تَقُولُهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَبْيَاتَهُ لِلْأَنْصَارِ [ (7) ] حِينَ غَضِبُوا مِنْ مَدْحِهِ قُرَيْشًا دُونَهُمْ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الْمَغَازِي بأجزائي وبالله التوفيق.
__________
[ (6) ] في (ح) ، و (ك) : «عن» ، وأثبتنا ما في (أ) ، وهو موافق لما في سيرة ابن هشام.
[ (7) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 116- 117) .

(5/211)