ذخائر
العقبى في مناقب ذوى القربى الباب الثاني من أبواب بنى الاعمام في ولد
العباس بن عبد المطلب قد تقدم ذكر جملتهم اجمالا في آخر مناقب العباس.
ولنذكر كل واحد منهم منفردا بفصل على وجه التفصيل: (الفصل
الاول) (في ذكر الفضل بن العباس)
كان أكبره ولده وبه كان يكنى.
أمه أم الفضل لبابة بنت الحرث الهلالية أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه
وسلم، وقد روى أنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة بمكة.
خرجه البغوي.
(ذكر اسمه وصفته رضى الله عنه) لم يزل اسمه الفضل في الجاهلية والاسلام
ويكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد وكان أحمل الناس وجها.
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفع من
(1/224)
المزدلفة إلى منى أردف الفضل بن العباس
وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فمرت ظعن مجيزين فجعل الفضل ينظر إليهن
فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل إلى الشق
الآخر ينظر فحول رسول الله صلى الله
عليه وسلم يده إلى الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر.
خرجه مسلم.
وفى بعض الطرق فقال العباس لويت عنق ابن عمك يا رسول الله فقال رأيت شابا
وشابة فلم آمن الشيطان عليهما.
(ذكر نبذ من اخباره) قال أهل العلم بالتاريخ غزا الفضل مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكة وحنينا وثبت يومئذ وشهد حجة الوداع وأردفه رسول الله
صلى الله عليه وسلم خلفه فيها على ما تقدم، وهو الذى كان يصب الماء على غسل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رضى الله عنه يغسله.
عن عبد الله بن عباس عن أخيه الفضل قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم
موعوكا قد عصب رأسه فقال خذ بيدى فأخذت بيده فأقبل حتى جلس على المنبر ثم
قال ناد في الناس فصحت في الناس فاجتمعوا إليه فقال أما بعد أيها الناس
فانى أحمد الله إليكم الذى لا إله إلا هو وانه قد دنا منى حقوق من بين
أظهركم فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهرى فليستقض منه ومن كنت شتمت له عرضا
فهذا عرضى فليستقض منه ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالى فليأخذ منه ولا يقول
رجل إنى أخشى الشحناء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وان الشحناء
ليست من طبيعتي ولامن شأني ألا وان أحبكم إلى من أخذ حقا إن كان له أو
حللني فلقيت الله وأنا طيب النفس.
خرجه البغوي.
(ذكر وفاته رضى الله عنه) قال أبو عمر واختلف في وفاته فقيل أصيب بأجنادين
في خلافة أبى بكر سنة ثلاث عشرة وكان الامير بها عمرو بن العاص وأبو عبيدة
ويزيد بن أبى سفيان وشرحبيل بن حسنة كل منهم على طائفة وقيل إن عمرا كان
أميرا عليهم كلهم.
وقيل قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة أيضا وقيل مات بطاغون عموا؟ ى
(1/225)
سنة ثمان عشرة في خلافة عمر وقيل قتل رضى
الله عنه في يوم اليرموك في خلافة أبى بكر رضى الله عنه.
ذكره الدارقطني وغيره.
(ذكر ولده رضى الله عنه) توفى ولم يترك ولدا غير ابنة تزوجها الحسن بن على
ثم فارقها فتزوجها أبو موسى الاشعري فولدت له موسى ومات عنها فتزوجها عمر
بن طلحة.
وقيل إن الفضل خلف ابنا يقال له عبد الله ولم يثبت.
ذكر ذلك جمعه الدارقطني في كتاب الاخوة وتابعه غيره على بعضه.
(الفصل الثاني) في ذكر عبد الله بن عباس ويكنى
أبا العباس (ذكر اسمه وكنيته ومولده
وصفته) لم يزل اسمه عبد الله ويكنى أبا العباس، أمه أم الفضل.
ولد قبل الهجرة بثلاث سنين بالشعب قبل خروج بنى هاشم منه.
وذكر الطائى أن النبي صلى الله عليه وسلم حنكه بريقه ودعا له وقال اللهم
بارك فيه وانشر منه وعلمه الحكمة، وسماه ترجمان القرآن.
وكان يوم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثلاث عشرة سنة.
روى ذلك عنه، وروى عنه أيضا أنه قال مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا
ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم يعنى المفصل.
وفى رواية وأنا ابن خمس عشرة سنة وأنا ختن ولعله الاشبه إذ روى عنه أنه قال
في حجه الوداع وأنا قد ناهزت الاحتلام وصحح أبو عمر القول الاول إخبار
الدارقطني.
وكان له وفرة وكان ابن عباس طويلا أبيض مشربا بشقرة جسيما وسيما صبيح الوجه
وكان يصفر لحيته وقيل كان يخضب بالحناء وكان له وفرة.
خرجه ابن الضحاك.
قال أبو إسحاق رأيت ابن عباس بمنى طويل الشعر فعرفت أنه قصر ولم يحلق وعليه
إزار وعليه رداء أصفر وكان يخضب بالسواد، وهذا مغاير لما تقدم عن خضابه
ولعله كان يفعل هذا مرة
وهذا أخرى فيروى كل ما بلغه.
وعن ابن أبى الحسين أن رجلا نظر إلى ابن عباس وقد دخل المسجد فنظر إلى
هيئته وطوله فقال من هذا قيل هذا ابن عباس
(1/226)
هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال (الله أعلم حيث يجعل رسالته) حديث حسن غريب.
قال أبو عمر وشهد عبد الله بن عباس مع على الجمل وصفين والنهروان وكان ممن
شهد ذلك مع على والحسن والحسين ومحمد بنوه وعقيل أخوه وعبيد الله وقثم ابنا
عمه العباس وعبد الله ومحمد وعون بنو جعفر والمغيرة بن نوفل ابن الحارث بن
عبد المطلب وعبيد الله بن ربيعة بن عبد المطلب.
ذكره أبو عمر في ذكر عبد الله بن عباس رضى الله عنهم.
(ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له)
عن ابن عباس قال ضمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وقال اللهم علمه
الحكمة.
خرجه الترمذي وقال حسن صحيح والبغوى في معجمه وأبو حاتم، وخرجه البخاري
وقال ضمنى إلى صدره، وفى رواية له اللهم علمه الكتاب.
وخرجه أبو عمر وزاد وتأويل القرآن ولم يقل ضمنى.
وفى حديث آخر وزده علما وفقهه في الدين.
قال أبو عمر وكلها أحاديث صحاح.
وفى رواية خرجها الحافظ الثقفى زده فهما وعلما.
وعنه انه رأى جبريل مرتين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم مرتين.
خرجه الترمذي وقال حديث مرسل، وخرجه أبو عمر ولفظه قال رأيت جبريل مرتين
ودعا لى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين، وخرج الترمذي قوله
دعالى رسول الله صلى الله عليه وآله بالحكمة مرتين وقال حسن غريب.
وعنه قال أجلسني النبي صلى الله عليه وسلم في حجره ومسح رأسي ودعا لى
بالبركة.
وعنه قال بينما أنا ردف النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لى (احفظ الله يا
غلام تجده تجاهك إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله جفت الاقلام
وارتفعت الصحف والذى نفسي بيده لو أرادت الامة أن ينفعوك بغير
ما كتبه الله ما استطاعت أو أرادت أن تضرك بغير ما كتبه الله لك ما
استطاعت.
وعن عمر أنه كان يدعو ابن عباس فيقربه ويقول رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم دعاك يوما فمسح رأسك وتفل في فيك وقال اللهم فقهه في الدين وعلمه
التأويل.
خرج الثلاثة البغوي في معجمه.
وعن ابن عباس قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضعت له وضوءا فلما
خرج قال من وضع هذا قالوا ابن عباس قال اللهم.
(1/227)
فقهه.
أخرجاه.
وفى رواية فقهه في الدين.
اخرجه البخاري.
وفى رواية فقهه في الدين وعلمه التأويل.
خرجهما أبو حاتم.
وفى رواية علمه تأويل القرآن.
خرجهما ابن الضحاك.
وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفه أو على منكبه شك
معبد ثم قال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.
خرجه أحمد.
وبعضهم يعزيه إلى البخاري ولم يزد ذكر التأويل في الكتابين.
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم اعط ابن عباس الحكمة وعلمه
التأويل.
خرجه أحمد.
(ذكر علمه رضى الله عنه) عن ابن عباس قال كان عمر رضى الله عنه يدخلنى مع
أشياخ بدر فقال بعضهم لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله قال إنه ممن
علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعانى وما دعاني إلا ليريهم منى فقال ما تقولون
(إذا جاء نصر الله والفتح) إلى أن ختم السورة فقال بعضهم أمرنا أن نستغفر
ونتحمد إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندري ولم يقل بعضهم شيئا فقال
لى يا ابن عباس أكذلك تقول؟ قلت لا قال فما تقول قلت أجل رسول الله صلى
الله عليه وسلم أعلمه الله له إذا جاء نصر الله وفتح مكة فذلك علامة أجلك
(فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) فقال عمر رضى الله عنه ما أعلم
فيها إلا ما يعلم هذا.
خرجه البخاري.
وعنه قال كان عمر يأذن لاهل بدر ويأذن لى معهم فقال بعضهم أتأذن لهذا الفتى
وفى أبنائنا من هو
مثله فقال فانه من قد علمتم فأذن لهم يوما وأذن لى معهم فسألهم عن هذه
السورة (إذا جاء نصر الله والفتح) إلى آخرها فقالوا أمر الله نبيه إذا فتح
عليه أن يستغفر وأن يتوب إليه فقال لى ما تقول يا ابن عباس فقلت ليس كذلك
ولكنه أخبر نبيه بحضور أجله فقال (إذا جاء نصر الله والفتح) فتح مكة (ورأيت
الناس يدخلون في دين الله أفواجا) أي فذلك علامة موتك (فسبح بحمد ربك
واستغفره إنه كان توابا) فقال لهم كيف تلوموني عليه بعد ما ترونه.
خرجه في الصفوة.
وعن عبيد الله ابن عمرو أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه سأل ابن عباس عن شئ
فأجابه فقال جزاك الله عنا الخير يا ابن أخى شفيتنا.
خرجه ابن الضحاك.
وعن عمر أنه قال
(1/228)
يوما لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما
ترون هذه الآية نزلت (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل) قالوا الله
ورسوله أعلم فغضب عمر فقال قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس في نفسي
منها شئ يا أمير المؤمنين قال عمر ابن أخى قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس
ضربت مثلا لعمل قال عمر أي عمل قال ابن عباس لعمل رجل عمل بطاعة الله ثم
بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصى حتى اغرق عمله.
خرجه البخاري.
وعن عمر أنه كان يقول انك والله لاصبح فتياننا وجها وأحسنهم عقلا وافقههم
في كتاب الله عزوجل.
خرجه في الصفوة.
وعن ابن مسعود أنه قال نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
والترجمان بفتح التاء والجيم والجمع تراجم مثل زعفران وزعافر ويقال ترجمان
بفتح التاء وضم الجيم ويقال بضمهما.
وعن مجاهد ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس إلا أن يقول قائل قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وعن طاووس قال أدركت نحو خمسمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا
ذاكروا ابن عباس فخالفوه فلم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله.
وعن ابن سيرين قال مر بجنازة على الحسن بن على وابن عباس فقام الحسن ولم
يقم ابن عباس فقال الحسن بن على لابن عباس أما تعلم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قام لها فقال ابن عباس بلى قام وقعد.
خرجه الترمذي.
وعن يزيد ابن الاصم قال خرج معاوية حاجا معه ابن عباس فكان لمعاوية موكب
ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم.
وعن مسروق قال كنت إذا رأيت عبد الله بن عباس قلت أجمل الناس وإذا تكلم قلت
أفصح الناس وإذا تحدث قلت أعلم الناس.
وعن الاعمش مثله وزاد فإذا اسكت قلت من أحلم الناس.
وعن شقيق بن أبى وائل قال خطبنا ابن عباس وهو على الموسم فافتتح سورة النور
فجعل يقرأو يفسر فجعلت أقول ما سمعت ولا رأيت كلام رجل مثله ولو سمعته فارس
والروم والترك لاسلمت.
خرج جميع ذلك أبو عمر، وخرج في الصفوة حديث شقيق وقال سورة البقرة مكان
سورة النور.
وعن الحسن قال كان ابن عباس يقوم على منبرنا هذا فيقرأ البقرة وآل عمران
فيفسرهما آية آية وكان عمر إذا ذكره قال ذاكم فتى الكهول له لسان سؤول وقلب
عقول.
وعن عمرو بن دينار عن ابن عمر أن رجلا
(1/229)
أتاه فسأله عن (السموات والارض كانتا رتقا
ففتقناهما) فقال اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله فقال ابن عباس كانت السموات
رتقا لا تمطر والارض رتقا لا تنبت ففتق هذه بالمطر وفتق هذه بالنبات فرجع
ابن عمر فأخبره فقال إن ابن عباس قد أوتى علما صدق هكذا كانت ثم قال ابن
عمر قد كنت أول ما يعجبنى جرأة ابن عباس على تفسير القرآن فالآن قد أوتى
علما خرجه في الصفوة.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت
لرجل من الانصار هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهم
اليوم كثير فقال واعجبا لك يا ابن عباس أترى الناس يفتقرون اليك وفى الناس
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم قال فتركته وأقبلت أسأل
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحديث فان كان ليبلغني الحديث عن
الرجل فأتي بابه وهو
قائل فأتوسد الباب فيخرج فيراني فيقول يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما جاء بك ألا أرسلت إلى فأتيك فأقول لا أنت أحق أن آتيك فأسأله عن
الحديث فعاش ذلك الرجل الانصاري حتى رأى وقد اجتمع الناس حولي فيقول هذا
الفتى كان أعقل منى.
خرجه في الصفوة.
وعن عمرو بن دينار قال ما رأيت مجلسا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس الحلال
والحرام والعربية والانساب وأحسبه قال والشعر.
وعن عطاء قال كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والانساب وأناس لايام العرب
ووقائعها وناس للعلم فما منهم من صنف إلا يقبل عليهم بما شاءوا.
خرجه الحربى.
وعن طاووس قال كان ابن عباس قد بسق على الناس في العلم كما تبسق النخلة
السحوق على الودى الصغار (1) .
وعن عبد الله بن عبد الله قال ما رأيت أحدا كان أعلم بالسنة ولا أجلد رأيا
ولا أثقب نظرا من ابن عباس ولقد كان عمر رضى الله عنه يعده للمعضلات مع
اجتهاد عمر ونظره للمسلمين.
وعن القاسم بن محمد قال ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلا قط وما سمعت فتوى
أشبه بالسنة من فتواه وكان أصحابه يسمونه البحر ويسمونه الحبر.
خرج جميع ذلك كله أبو عمر.
وعن
__________
(1) بسق أي علا وارتفع، والودى بتشديد الياء: صغار النخل الواحدة ودية.
(1/230)
أبى صالح قال لقد رأيت من ابن عباس مجلسا
لو اجتمعت قريش وفخرت به لكان فخرا رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاقت بهم الطريق
فما كان احد يقدر على ان يجئ ولا أن يذهب قال فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم
على بابه فقال لى ضع لى وضوءا قال فتوضأ وجلس وقال اخرج لهم من كان يريد أن
يسأل عن القرآن وحروفه وما اراد منه فليدخل قال فخرجت فناديتهم فدخلوا حتى
ملؤا البيت والحجرة قال فما سألوا عن شئ إلا أخبرهم عنه وزادهم مثل ما
سألوا عنه وأكثر ثم قال إخوانكم فخرجوا ثم قال اخرج فقل من أراد أن يسأل عن
تفسير القرآن أو تأويله
فليدخل قال فخرجت فناديتهم فدخلوا حتى ملؤا البيت والحجرة فما سألوا عن شئ
إلا أخبرهم بن وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر ثم قال إخوانكم قال فخرجوا
ثم قال أخرج فقل من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل فخرجت
فقلت لهم قال فدخلوا حتى ملؤا البيت والحجرة فما سألوا عن شئ إلا أخبرهم
وزادهم مثله ثم قال اخوانكم قال فخرجوا ثم قال أخرج فقل من أراد أن يسأل عن
الفرائض وما أشبهها فليدخل قال فخرجت فناديتهم فدخلوا حتى ملؤا البيت
والحجرة فما سألوه عن شئ إلا أخبرهم وزاد مثله ثم قال اخوانكم قال فخرجوا
ثم قال اخرج فقل من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام
فليدخل قال فدخلوا حتى ملؤا البيت والحجرة فما سألوه عن شئ إلا أخبرهم به
وزادهم مثله قال أبو صالح فلو أن قريشا كلها فخرت بذلك لكان لها فخرا ما
رأيت مثل هذا لاحد من الناس.
خرجه في الصفوة.
(ذكر رجوع بعض الخوارج إلى قوله) وانصرافهم عن قتال على رضى الله عنهما
بسبب ذلك عن ابن عباس رضى الله عنه قال اجتمعت الخوارج وهو ستة آلاف أو
نحوها قلت لعلى بن أبى طالب يا أمير المؤمنين ابرد بالصلاة لعلى ألقى هؤلاء
القوم قال إنى أخافهم عليك قال فقلت كلاقال ثم لبس حلتين من أحسن الحلل قال
وكان ابن عباس جميلا جهيرا قال فأتيت القوم فلما بصروا إلى قالوا مرحبا
بابن
(1/231)
عباس فما هذه الحلة قال قلت ما تذكرون من
ذلك لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من أحسن الحلل قال ثم
تلوت عليهم (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده) قالوا فما جاء بك قلت
جئتكم من عند أمير المؤمنين ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن عند المهاجرين والانصار لابلغكم ما قالوا
ولابلغهم ما تقولون فما تنقمون من على بن أبى طالب ابن عم رسول الله صلى
الله عليه وسلم وصهره قال فأقبل بعضهم على بعض فقال بعضهم لا تكلموه فان
الله تعالى يقول (بل هم قوم خصمون) وقال بعضهم وما يمنعنا من كلام ابن عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى كتاب الله قالوا ننقم عليه خلالا
ثلاثا قال وماهن قال حكم الرجال في أمر الله تعالى وما للرجال ولحكم الله
تعالى وقال ولم يسب ولم يغنم فان كان الذى قاتل قد حل قتالهم فقد حل سبيهم
وإن لم يكن حل سبيهم فما حل قتالهم ومحى اسمه من أمير المؤمنين فان لم يكن
أمير المؤمنين فهو أمير المشركين قال فقلت لهم غير هذا شئ قالوا حسبنا هذا
قلت أرأيتم إن خرجت من هذا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله أراجعين أنتم قالوا
وما يمنعنا قال قلت أما قولكم حكم الرجال في أمر الله تعالى فانى سمعت الله
عز وجل يقول في كتابه (يحكم به ذوى عدل منكم) في ثمن صيد أرنب أو نحوه تكون
قيمته ربع درهم ورد الله تعالى الحكم فيه إلى الرجال ولو شاء أن يحكم بنفسه
لحكم.
وقال تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن
يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) أخرجت من هذه قالوا نعم، قلت وأما قولكم
قاتل ولم يسب ولم يغنم فانه قاتل أمكم وقال تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) فان زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم وإن زعمتم
أنها أمكم فما حل سباها فأنتم بين ضلالتين أخرجت من هذه قالوا نعم وأما
قولكم محى اسمه من أمير المؤمنين فانى أنبئكم بذلك عن من ترضون أما تعلمون
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وقد جرى الكتاب بينه وبين
سهيل بن عمرو فقال يا على اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله وسهيل بن
عمرو
(1/232)
فقالوا لو نعلم إنك رسول الله ما قاتلناك
ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال
اللهم تعلم أنى رسولك ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده ثم قال يا على اكتب هذا
ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو فوالله ما أخرجه الله بذلك من
النبوة صلى الله عليه وسلم أخرجت من هذه قالوا نعم فرجع ثلثهم وانصرف ثلثهم
وقتل سائرهم على الضلالة.
خرجه ابن بكار وابن قتيبة في نسخته.
(ذكر أنه كان يقرئ جماعة من المهاجرين) منهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه
وعبد الرحمن بن عوف عن ابن عباس قال كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد
الرحمن بن عوف.
أخرجاه.
وعن أبى رافع قال كان ابن عباس خليطا لعمر كأنه من أهله وكان يقرئه القرآن.
خرجه أبو حاتم.
(ذكر رؤية ابن عباس جبريل عليه السلام)
تقدم في ذكر الدعاء له انه رأى جبريل مرتين.
خرجه الترمذي، قال أبو عمر روى عنه رأى رجلا مع النبي صلى الله عليه وسلم
فلم يعرفه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرأيته قال نعم قال ذلك جبريل أما
انك ستفقد بصرك فعمى في آخر عمره رضى الله عنه.
(ذكر حبه الخير لغيره وإن لم يصبه منه شئ) عن ابن عباس رضى الله عنهما وقد
شتمه رجل فقال إنك لتشتمني وفى خصال انى لآتى على الآية من كتاب الله
فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم وانى لاسمع بالحاكم من حكام
المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به ولعلى لاأقاضى إليه أبدا وانى لاسمع بالغيث
قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح به ومالى من سائمة.
حديث حسن غريب.
(ذكر صبره واحتماله) قال انه ما بلغني
عن أخ لى مكروه إلا نزلته إحدى ثلاث منازل إما أن يكون فوقى فأعرف له قدره
أو نظيرى تفضلت عليه أو يكون دون فلم أحفل به.
وعن
(1/233)
عكرمة قال سب رجل ابن عباس فلما قضى مقالته
قال عكرمة انظر هل للرجل حاجة فتقضيها له قال فنكس الرجل رأسه استحياء.
حديث حسن.
وعن كريب بن سليم الكندى قال كنت مع ابن عباس آكل معه فدخل قوم فقالوا أين
ابن عباس الاعمى قال (فانها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى في
الصدور) .
(ذكر شدته في دين الله تعالى) عن طاووس
انه كان يقول ما رأيت أحدا كان أشد تعظيما لحرمات الله تعالى من ابن عباس.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه لما نزل الماء في عينيه فذهب بصره فأتاه
الذى يثقب العين ويسيل الماء فقال خل بيننا وبين عينيك نسيل ماءهما ولكن
تمسك خمسة أيام عن الصلاة قال لا والله لا ركعة واحدة انى حدثت انه من ترك
صلاة واحدة لقى الله وهو عليه غضبان، وفى رواية انه لما فقد بصره قيل له
نداويك ولكن تمكث كذا وكذا لا تصلى إلا على قفاك فأبى وقال بلغني أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك صلاة، لقى الله وهو عليه غضبان.
خرجه أبو محمد الابراهيمي في كتاب الصلاة، وكان رضى الله عنه لم ير هذا
عذرا في ترك القيام لمكان القدرة عليه فإذا تركه كان تاركا للصلاة لعدم
صحتها.
وفى المسألة خلاف بين العلماء والذى عليه العمل عندنا جواز ذلك للضرورة
إليه فنزل منزلة العجز عن القعود والله أعلم.
(ذكر سخائه وكرمه رضى الله عنه) روى أن معاوية أمر له بأربعة آلاف دينار
ففرقها في بنى عبد المطلب فقالوا إنا لا نقبل الصدقة فقال إنها ليست صدقة
وإنما هي هدية.
(ذكر تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس
كلمات ينفعه الله بهن) عن ابن عباس قال أهدى إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بغلة أهداها له كسرى أو قيصر قال فركبها النبي صلى الله عليه
وسلم بحبل من شعر ثم أردفني خلفه
ثم ساربى مليا ثم التفت إلى فقال يا غلام قلت لبيك يا رسول الله فقال لى
احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده امامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في
الشدة وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد مضى القلم بما هو
كائن
(1/234)
ولو جهد الناس أن ينفعوك بأمر لم يقضه الله
لك لم يقدروا عليه ولو جهد الناس أن يضروك بأمر لم يكتبه الله عليك لم
يقدروا عليه فان استطعت تعمل الصبر مع اليقين وإن لم تستطع فان في الصبر
على ما تكره خيرا كثيرا واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وان مع
العسر يسرا.
وفى رواية قال ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال يا غلام ألا
أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وذكر معنى ما تقدم، وفى رواية أخرى تقرب إلى في
الرخاء يقربك في الشدة مكان تعرف.
خرج جميع ذلك الحافظ أبو الحسن الخلعي.
وخرجه عبد بن حميد في مسنده بتغيير بعض اللفظ واسقاط بعضه.
(ذكر حرصه على الخير من صغره) عن ابن
عباس قال أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلى بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدى بعض الصف وأرسلت
الاتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك على.
أخرجاه إلا قوله إلى غير جدار وانفرد به البخاري.
وفيه دليل على أن سترة الامام سترة من خلفه.
وعنه قال بت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم
قام يصلى فقمت وتوضأت وقمت عن يساره فأخذ بيدى وأدارني عن يمينه فتتامت
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة.
أخرجاه، وفى رواية بت عند خالتي ميمونة فقلت لها إذا قام رسول الله صلى
الله عليه وآله فأيقظيني فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمت إلى جنبه
الايسر فأخذ بيدى فجعلني في
شقه الايمن وجعل إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذنى.
خرجه المخلص الذهبي.
(ذكر قوله صلى الله عليه وسلم في ابن عباس هذا
شيخ قريش وهو صغير) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أتيت خالتي
ميمونة فقلت إنى أريد أن أبيت عندكم الليلة فقالت وكيف تبيت وانما الفراش
واحد فقلت لا حاجة لى في فراشكم أفترش نصف إزارى وأما الوسادة فانى أضع
رأسي مع رؤوسكما من وراء الوسادة قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته
ميمونة بما قال ابن عباس فقال
(1/235)
رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا شيخ
قريش.
خرجه أبو زرعة في كتاب العلل.
(ذكر فزعه إلى الصلاة عند شدة تعروه) عن
عنبسة بن عبد الرحمن عن أبيه أن ابن عباس نعى إليه أخوه قثم فاسترجع ثم
أناخ عن الطريق وصلى ركعتين فأطال فيهما ثم قام فمشى إلى راحلته وهو يقرأ
(واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) خرجه ابن
الضحاك.
(ذكر أنه أبو الخلفاء) عن طاووس عن عبد
الله بن عباس قال حدثتني أم الفضل قالت مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو
جالس في الحجر فقال يا أم الفضل فقلت لبيك يا رسول الله قال إنك حامل بغلام
قلت وكيف يا رسول الله وقد تحالفت قريش أن لا يأتوا النساء قال هو ما أقول
لك فإذا وضعتيه فائتيني به قالت فلما وضعته أتيت به النبي صلى الله عليه
وسلم فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ولته من ريقه وسماه عبد
الله وقال اذهبي بأبى الخلفاء قالت فأتيت العباس فأعلمته وكان رجلا لباسا
مديد القامة فتلبس ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قام إليه وقبل
ما بين عينيه ثم أقعده عن يمينه ثم قال هذا عمى فمن شاء فليباه بعمه قال
نعم القول يا رسول الله قال ولم لاأقول هذا أنت يا عم أنت عمى وصنو أبى
وبقية آبائى
ووارثى وخير من أخلف من أهلى قال قلت يا رسول الله قالت أم الفضل كذا وكذا
قال صلى الله عليه وسلم هي لك يا عباس.
خرجه الحافظ أبو القاسم السهمى في الفضائل، وخرجه ابن حبان والملا في سيرته
ولم يقل ولته من ريقه وسماه عبد الله ولا قال وبقية آبائى ووارثى وخير من
أخلفه، وزاد بعد ذكر حديث أم الفضل إن هذا ابنك أبو الخلفاء منهم السفاح
ومنهم المهدى وحتى يكون منهم من يصلى بعيسى بن مريم.
(ذكر وفاته رضى الله عنه) توفى رضى الله عنه بالطائف سنة ثمان وستين أيام
ابن الزبير وهو ابن سبعين وقيل إحدى وسبعين وقيل اربع وسبعين.
وصلى عليه محمد بن الحنفية وكبر عليه
(1/236)
اربعا وقال اليوم مات ربانى هذه الامة وضرب
على قبره فسطاطا.
ذكر ذلك أبو عمر والبغوى في معجمه.
وروى ابن الضحاك ربانى هذه الامة من قول ابى هريرة وزاد ولعل الله أن يجعل
منه خلفا.
وروى عن ابن الحنفية أنه قال ربانى العلم.
وعن أبى حمزة قال لما مات ابن عباس وليه ابن الحنيفة.
وعن سعيد بن جبير قال مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم ير
على خلقته فدخل في نعشه ولم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية (يا
أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي
جنتي) خرجه ابن عرفة العبدى.
وروى عن أبى الزبير مثله.
وعن غيلان بن عمر بن أبى سويد قال شهدت جنازة ابن عباس بالطائف فلما حملناه
جاء طائر أبيض فدخل في أكفانه ولم نره خرج.
خرجهما البغوي في معجمه.
ويروى أن طائرا أبيض خرج من قبره فتأولوه علمه خرج إلى الناس.
وعن أبى بكر بن أبى عاصم ان ابن عباس مات بمكة.
خرجه ابن الضحاك.
والمشهور أنه مات بالطائف ودفن بها وقبره معروف ثمة.
ذكر ولده رضى الله عنه كان له من الولد العباس وبه كان يكنى، وعلى السجاد
والفضل ومحمد وعبيد الله ولبابة وأسماء.
الفصل الثالث في ذكره عبيد الله بن عباس أمه أم الفضل وكان أصغر من أخيه
عبد الله قيل إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه وحفظ عنه واستعمله
على بن أبى طالب على اليمن وأمره على الموسم فحج بالناس سنة ست وثلاثين
وسبع وثلاثين فلما كان سنة ثمان وثلاثين بعثه أيضا على الموسم وبعث معاوية
ذلك يزيد بن شجرة الرهاوى ليقيم الحج فاجتمعا فسأل كل واحد منهما صاحبه أن
يسلم له فأبى واصطلحا على أن يصلى بالناس شيبة بن عثمان.
وروى أن معاوية بعث إلى اليمن بشر بن ارطاة العامري وعليها عبيد الله ابن
عباس من قبل على فتنحى عبيد الله فاستولى بشر عليها فبعث على حارثة ابن
قثامة السعدى فهرب بشر ورجع عبيد الله بن عباس فلم يزل عليها حتى قتل
(1/237)
على.
وكان عبيد الله أحد الاجواد وكان يقال من أراد الجمال والفقه والسخاء فليأت
دار العباس الجمال للفضل والفقه لعبد الله والسخاء لعبيد الله.
ومات عبيد الله ابن عباس سنة ثمان وخمسين.
وقال الواقدي والزبير توفى في المدينة في أيام يزيد ابن معاوية وقال مصعب
مات باليمن، والاول أصح وقال الحسن مات سنة سبع وثمانين في خلافة عبد الملك
والله أعلم.
الفصل الرابع
في ذكر قثم بن العباس أمه أم الفضل أيضا
وهو رضيع الحسن بن على.
وقد تقدم ذكره في فضل الحسن.
وكان قثم يشبه النبي صلى الله عليه وسلم.
عن ابن عباس قال: أخذ العباس ابنا له يقال له قثم فوضعه على صدره وهو يقول:
حبى قثم شبيه ذى الانف الاشم نبى دى النعم برغم من رغم خرجه ابن الضحاك.
وقد تقدم في قصة طويلة من حديث أبى حاتم في فضل مناقب العباس.
وعن عبد الله بن جعفر قال لو رأيتنى وقثم وعبيد الله ابني العباس صبيانا
نلعب إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارفعوا هذا إلى فحملني أمامه
وقال لقثم ارفعوا هذا إلى فحمله وراءه وكان عبيد الله أحب إلى العباس من
قثم فما استحيا من عمه أن حمل قثم وترك عبيد الله قال قلت ما فعل قثم قال
استشهد قال قلت الله ورسوله أعلم بالخبر.
خرجه أحمد وأبو عمر، وخرج البغوي منه أنه أركبه خلفه.
وعن ابن عباس قال آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم وذلك
أنه كان آخر من خرج من قبره ممن نزل فيه.
خرجه أبو عمر، وخرجه ابن الضحاك مختصرا، وقد ادعى المغيرة بن شعبة ذلك
فأنكر ذلك ابن عباس فقال آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم
بن العباس.
وروى عن على مثل ذلك في أنه أنكر ما ادعاه المغيرة وقال آخر الناس عهدا
برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس وولى على بن أبى طالب قثم مكة
ولم يزل واليا عليها حتى قتل على رضى الله عنه وكان ولاها قبله أبا قتادة
الانصاري ثم عزله وولى قثم، وقال الزبير استعمل على قثم على المدينة
(1/238)
رواه عنه أبو إسحق السبيعى وغيره.
استشهد قثم بسمرقند كان خرج إليها مع سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية.
ذكره الدارقطني وأبو عمر، وقال الضحاك مات في خلافة عثمان بن عفان (الفصل
الخامس في ذكر عبد الرحمن بن عباس)
أمه أم الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل هو وأخوه
بافريقية مخفف شهيدين في خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين مع عبد الله بن سعيد
بن
أبى سرح قاله مصعب وقال ابن الكلبى قتل عبد الرحمن بالشام.
ذكره الدارقطني.
(الفصل السادس في ذكر معبد بن عباس)
يكنى أبا عباس أمه أم الفضل أيضا.
ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه شيئا.
واستعمله على رضى الله عنه على مكة وقتل بافريقية كما تقدم ذكره آنفا،
ويقال ما من إخوة أشد تباعدا قبورا من بنى العباس من أم الفضل.
ذكره الدارقطني.
الفصل السابع في ذكر كثير بن العباس أمه
أم ولد رومية اسمها سبا وقيل أمه حميرية ويكنى أبا تمام.
وقد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأشهر في سنة عشر من الهجرة وكان
فقيها ذكيا فاضلا روى عنه ابن شهاب وعبد الرحمن الاعرج.
ذكره أبو عمر الفصل الثامن في ذكر تمام
بن عباس أمه سبا أم كثير المذكورة آنفا.
ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه قوله صلى الله عليه
وسلم (لا تدخلوا على قلحا - القلح صفرة الاسنان - استاكوا فلولا أن أشق على
أمتى لامرتهم بالسواك عند كل صلاة) خرجه البغوي في معجمه.
وخرج أبو عمر منه إلى قوله استاكوا ولم يذكر ما بعده.
وكان تمام واليا لعلى على المدينة وكان قد استخلف قبله سهل بن حنيف حين
توجه إلى العراق ثم عزله واستجلبه لنفسه وولى تماما ثم عزله وولى أبا أيوب
الانصاري ثم شخص أبو أيوب إلى على
(1/239)
رضى الله عنه واستخلف رجلا من الانصار فلم
يزل واليا إلى أن قتل على بن أبى طالب رضى الله عنه.
ذكر ذلك كله أبو عمر، قال وقال الزبير وكان تمام أشد الناس بطشا، وله عقب.
وكان للعباس عشرة بنين ستة منهم من أم الفضل أمامة بنت الحارث الهلالية
الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد وعبد الرحمن
وسابعتهم أم حبيب شقيقتهم وعون بن العباس، قال أبو عمر لم أقف على اسم أمه
وتمام وكثير لام ولد والحارث أمه من هذيل.
فهؤلاء عشرة أولاد العباس وكان تمام أصغرهم وكان العباس يحمله ويقول: تموا
بتمام فصاروا عشره يا رب فاجعلهم كراما برره واجعل لهم ذكرا وأنم الشجره
ذكر ذلك أبو عمر، وهذا يضادد ما تقدم في كثير لانه ذكر أن كثيرا ولد قبل
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأشهر وذكر أن تماما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم فيكون كثير أصغر منه قطعا إلا أن يكون هذا من قول الزبير بن بكار
وغيره يخالفه فيه.
وقد ذكر أبو عمر عونا والحرث في ولد العباس وذكر أن أم الحارث هذلية وقد
تقدم ذكر الدارقطني ذلك في فصل ولد العباس إجمالا قال صاحب الصفوة واسمها
حجيلة بنت جندب.
ولم يذكر ابن قتيبة عونا في ولد العباس وذكر الحارث وقال أمه أم ولد،
وتابعه أبو سعيد في شرف النبوة على ذلك (ذكر الاناث من ولد العباس) هن أربع
أم حبيب لبابة ويقال أم حبيب أمها أم الفضل وقد روى من حديث أم الفضل أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لو بلغت أم حبيبة بنت العباس وأنا حى
لتزوجتها.
وتزوجها الاسود بن سفيان بن عبد الاسود بن هلال المخزومى.
ذكره أبو عمر.
وروى الدارقطني عن أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أم حبيب بنت
العباس فوق الفطيم فقال إن بلغت بنية العباس هذه وأنا حى لا تزوجها فتوفى
قبل أن تبلغ فتزوجها الاسود بن عبد الاسد أخو أبى سلمة فولدت له رزق بن
الاسود ولبابة بنت الاسود وصفية وأمينة.
قاله الدارقطني،
(1/240)
وذكره ابن قتيبة وأبو سعيد وقالا تمام وكثير والحارث وصفية وأمينة لامهات
أولاد شتى، وأما أبو عمر فلم يذكر أنثى غير أم حبيب وقال في الامهات ما
تقدم، وقال صاحب الصفوة: تمام وكثير وصفية وأميمة أمهم أم ولد فجعل أم
الاربعة واحدة وقال أميمة ولعله تصحيف من الناسخ وقال الحرث أمه ما قدمناه
عنه آنفا والله أعلم.
وذكر الدارقطني أن أمينة تزوجها عياش بن عتيبة بن أبى لهب فولدت له الفضل
الشاعر قال ولا رواية لها ولا لصفية بنت العباس.
وأم حبيب وأم كلثوم روى عنهما محمد بن إبراهيم التيمى، وذكر الدارقطني في
مناقب العباس أم كلثوم كما تقدم في آخر باب ذكر العباس. |