ذخائر العقبى في مناقب ذوى القربى

(الباب الثالث) في مناقب أولاد الاعمام وفى هذا الباب أبواب الباب الاول في ذكر اولاد ابى طالب وجملة أولاد أبى طالب ستة أربعة ذكور وابنتان والذكور طالب ومات كافرا وهو أكبر ولد أبى طالب وبه كان يكنى، وعقيل وجعفر وعلى وأم هانئ وجمانة أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكان على أصغرهم كان جعفر أسن منه بعشر سنين وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين وطالب أسن من عقيل بعشر سنين.
ذكره ابن قتيبة وأبو سعيد وأبو عمر.
وقد تقدم ذكر مناقب على بن أبى طالب رضى الله عنه ولنذكر مناقب من بقى منهم ونفرد كلا منهم بفصل.
الفصل الاول في ذكر جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشى الهاشمي وقد تقدم ذكر أمه يكنى أبا عبد الله.
أسلم قديما وهاجر الحبشة للهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس وولدت له ثمة بنيه عبد الله ومحمدا وعونا فلم يزل هنالك حتى قدم على النبي صلى الله عليه

(1/207)


وسلم وهو بخيبر سنة سبع فحصلت له الهجرتان رضى الله عنه.
ذكر جواره في ارض الحبشة وما جرى له مع النجاشي قال بعث عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية من أبى سفيان إلى النجاشي فقالوا له ونحن عنده قد صار اليك ناس من سفلتنا وسفهائنا فادفعهم الينا قال لا
حتى أسمع كلامهم قال فبعث الينا فقال ما يقول هؤلاء قال قلنا هؤلاء قوم يعبدون الاوثان وان الله عزوجل بعث الينا رسولا فآمنا به وصدقناه قال فقال لهم النجاشي أعبيد هم لكم قالوا لا قال فلكم عليهم دين قالوا لا قال فخلوا سبيلهم قال فخرجنا من عنده فقال عمرو بن العاص ان هؤلاء يقولون في عيسى بن مريم غير ما تقول قال ان لم يقولوا في عيسى مثل قولى لم أدعهم في أرضى ساعة من نهار فأرسل الينا فكانت الدعوة الثانية أشد علينا من الاولى قال ما يقول صاحبكم في عيسى بن مريم قال قلنا يقول هو روح الله وكلمته ألقاها إلى عذارء بتول قال فأرسل فقال أدع لى فلانا القس وفلانا الراهب وأتاه أناس منهم قال فقال ما تقولون في عيسى بن مريم قالوا أنت أعلمنا بما نقول فقال النجاشي وأخذ شيئا من الارض ما عدا عيسى ما قال هؤلاء بمثل هذا قال لهم أيؤذيكم أحد قالوا نعم فأمر مناديا فنادى من آذى أحدا منهم فاغرموه أربعة دراهم ثم قال أيكفيكم قلنا لا قال فأضعفوها قال فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إلى المدينة وظهر بها أتيناه فقلنا ان صاحبنا قد خرج إلى المدينة وظهر بها وقتل الذين كنا حدثناك عنهم وقد أردنا الرحيل فزودنا فحملنا وزودنا ثم قال أخبر صاحبك بما صنعت اليكم وهذا صاحبي معك وأنا أشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقل له يستغفر لى قال جعفر فخرجنا حتى أتينا المدينة فتلقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقني ثم قال ما أدرى أبفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر ووافق ذلك فتح خيبر ثم جلس فقام رسول النجاشي فقال هذا جعفر فاسأله ما صنع به صاحبنا فقال نعم فعل بنا وحملنا وزودنا وشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وقال قل له يستغفر لى فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم دعا ثلاث مرات اللهم اغفر للنجاشي فقال المسلمون آمين قال جعفر فقلت للرسول

(1/208)


انطلق وأخبر صاحبك بما قد رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم.
خرجه المخلص
الذهبي والبغوى.
وعن أم سلمة قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي هدايا مما يستظرف من متاع مكة (1) فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن ربيعة المخزومى وعمرو بن العاص وقالوا لهما ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي بهداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم قال فخرجا فقدما على النجاشي فدفعا إلى كل بطريق هديته وقالا إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فقالوا نعم ثم قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم ثم كلماه فقالا له أيها الملك انه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلم بما عابوا عليهم فقالت البطارقة بطارقته صدقوا فأسلمهم إليهم فغضب النجاشي وقال لاها الله إذن لاأسلمهم إليهم ولا أكيد قوما جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواى حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هؤلاء في أمرهم فان كان كما يقولون سلمتهم إليهما وإن كان على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني قال ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم فلما أن جاءهم الرسول اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا نقول والله ما علمناه وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في دينى ولادين من دين هذه الامم قالت وكان الذى
__________
(1) زاد في مجمع الزوائد (وكان أعجب ما يأتيه منها الادم) وزيادات أخرى في مواضع.

(1/209)


يكلمه جعفر بن أبى طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الاصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الارحام ونسئ الجوار يأكل القوى منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عزوجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والاوثان من أمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله لانشرك به شيئا وأمر بالصلاة والزكاة والصيام فصدقناه وآمنا به فعبدنا الله عزوجل ولم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الاوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما نهرونا فظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لانظلم عندك أيها الملك قالت فقال النجاشي هل معك مما جاء به عن الله عزوجل شئ قال نعم قال فاقرأه على فقرأ عليه صدرا من كهيعص فبكى والله النجاشي حتى اخضل لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم ثم قال إن هذا والذى جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقوا فوالله لاأسلمهم اليكم أبدا قالت فلما خرجنا من عنده قال عمرو بن العاص لآتينه غدا أعيبهم عنده بما أستأصل به خضراءهم فقال له عبد الله بن ربيعة وكان أتقى الرجلين لا تفعل فان لهم أرحاما قال لا والله لاخبرنه انهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد قالت ثم غدا عليه الغد فقال أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه قالت فأرسل إليهم فسألهم عنه قالت ولم ينزل
بنا مثلها فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم قالوا نقول والله ما قال الله عزوجل وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم قال له جعفر بن أبى طالب نقول فيه الذى جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله وروحه ورسوله وكلمته ألقاها

(1/210)


إلى مريم العذراء البتول قال فضرب النجاشي يده على الارض فأخذ منها عودا ثم قال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، ثم قال اذهبوا فأنتم سيوم بأرضى ردوا عليهما هداياهم فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله منى الرشوة حين رد على ملكى فآخذ الرشوة أو ما أطاع الله الناس في فأطيعهم فيه قال فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار قالت فوالله إنا على ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه قالت فوالله ما علمنا حزنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك خوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي يعرف منه قالت وسار إليه النجاشي وبينهما عرض النيل قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا بالخبر قالت فقال الزبير بن العوام أنا قالوا فأنت وكان من أحدث القوم سنا فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى عبر إلى ناحية النيل التى بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم قالت فدعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكن في بلاده قالت فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير يسعى فلمع بثوبه وهو يقول إلا ابشروا فقد ظفر النجاشي وأهلك الله عدوه ومكن له في بلاده قالت فوالله ما علمنا فرحنا فرحة قط مثلها قالت فرجع النجاشي وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة.
خرجه ابن إسحق.
(شرح) الاساقفة جمع أسقف وهم علماؤهم ورؤساؤهم وهو اسم سرياني فيحتمل أن يكون سمى به لخضوعه وخشوعه في عبادته والاسقف في اللغة طول في انحناء.
اخضل لحيته: بلها تقول خضل وأخضل إذا ندى وأخضلته أنا، مشكاة هي الكوة وقيل الحديدة التى يعلق عليها القنديل أراد أن القرآن والانجيل من أصل واحد، خضراؤهم أي سوادهم ودهماؤهم، سيوم أي آمنون بها كذا جاء مفسرا في الحديث وهى كلمة حبشية ويروى بفتح السين وقيل سيوم جمع سائم أي أنتم كالغنم السائمة لا يعارضكم أحد، وقول النجاشي ما أخذ الله منى الرشوة حين رد على ملكى إلى

(1/211)


آخره وذلك أن أباه كان ملك قومه ولم يكن له ولد سواه وكان له أخ له من صلبه اثنا عشر ولدا وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة فقالت الحبشة لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فانه لا ولد له غير هذا الغلام ولاخيه اثنا عشر ولدا لصلبه فعدوا على أبى النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه ومكثوا على ذلك حينا ونشأ النجاشي مع عمه وكان لبيبا حازما فغلب على أمر عمه ونزل منه كل منزل فلما رأت الحبشة مكانة منه قالت والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه وإنا لنتخوف أن يملكه علينا وإن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين لقد عرف أنا قتلنا أباه فمشوا إلى عمه فقالوا إما أن تقتل هذا الفتى وإما أن تخرجه من بين أظهرنا فانا قد خفناه على أنفسنا قال ويلكم قتلت أباه بالامس وأقتله اليوم بل أخرجه من بلادكم قال فخرجوا به إلى السوق فباعوه من رجل تاجر بستمائة درهم فقذفه في سفينة فانطلق به حتى إذا كان من العشى من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر فأصابته صاعقة فأهلكته ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا ليس في ولده خير فمرج على الحبشة أمرهم فلما ضاق عليهم ما هم فيه قال بعضهم لبعض إن ملككم الذى لا يقيم أمركم غيره بعتموه غدوة فان كان لكم بالحبشة حاجة فأدركوه قالت
فخرجوا في طلبه وطلب الرجل الذى باعوه منه حتى أدركوه فأخذوه منه ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير الملك فملكوه فجاءهم التاجر الذى باعوه منه فقال إما أن تعطوني مالى وإما أن أكلمه في ذلك قالوا لا نعطيك شيئا قال والله إذا أكلمه في ذلك قالوا فدونك قال فجاءه فجلس بين يديه فقال أيها الملك ابتعت غلاما من قوم بالسوق بستمائة درهم فأسلموا إلى غلامي وأخذوا دراهمي حتى إذا سرت بغلامي أدركوني فأخذوا منى غلامي ومنعوني دراهمي قال فقال لهم النجاشي لتعطنه دراهمه أو ليضعن غلامه في يده فليذهب بن حيث شاء قالوا بل نعطيه دراهمه قال فذلك قوله ما أخذ الله منى رشوة حين رد إلى ملكى وما أطاع الناس في وكان ذلك أول ما خبر من صلابته ودينه وعدله رحمه الله.
ذكر ابن اسحق عن عائشة أم المؤمنين وعن أبى بردة قال أمرنا رسول الله صلى الله

(1/212)


عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبى طالب إلى أرض النجاشي فبلغ ذلك قريشا فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد وجمعوا للنجاشي هدية فأتيناه بها فقبلها ثم قالا ان ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرض الملك فبعث الينا فقال لنا جعفر لا يتكلم منكم أحد أنا خطيبكم اليوم فقالوا اسجدوا للملك قال جعفر لا نسجد إلا لله، ثم ذكر نحو حديث أم سلمة وقال ثم قال النجاشي مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده وأنا أشهد أنه رسول الله وانه الذى بشر بن عيسى بن مريم عليه السلام ولولا ما أنا فيه من الملك لاتيته حتى أقبل نعله.
خرجه في الصفوة.
وعن عمرو بن العاص قال لما اتينا باب النجاشي ناديت ائذن لعمر وبن العاص فنادى جعفر من خلفي ائذن لحزب الله فأذن له قبلى.
خرجه في الصفوة.
(ذكر ما ثبت لجعفر رضى الله عنه) ومن هاجر إلى الحبشة من الفضل
عن أبى موسى الاشعري قال بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لى أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال في بضعة وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي قال فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبى طالب وأصحابه عنده فقال جعفر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا ههنا وأمرنا بالاقامة فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا قال فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها وما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لاصحاب سفينتنا جعفر وأصحابه قسم لهم معهم قال وكان ناس من الناس يقولون لنا سبقناكم بالهجرة قال فدخلت أسماء بنت عميس وهى ممن قدمت معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي ممن هاجر إليه فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء من هذه قالت أسماء بنت عميس فقال عمر الحبشية هذه البحرية هذه فقالت أسماء نعم فقال عمر سبقناكم بالهجرة فنحن أحق بالنبي صلى الله

(1/213)


عليه وسلم منكم فغضبت وقالت يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم يعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء من الحبشة وذلك في الله وفى رسوله وايم الله لاأطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله والله لاأكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك قال فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا نبى الله إن عمر قال كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بأحق منكم وله ولاصحابه هجرة ولكم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة
يأتوني ارسالا ليسألوني عن هذا الحديث ليس من الدنيا شئ هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد رأيت أبا موسى يستعيد هذا الحديث منى.
أخرجاه.
(ذكر قدوم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم) عن الشعبى قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوم جعفر وفتح خيبر قال ما أدرى بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر قال ثم التزمه وقبل ما بين عينيه.
خرجه البغوي في معجمه هكذا ورفعه من طريق آخر عن جابر ابن عبد الله.
وعن جابر قال لما قدم جعفر بن أبى طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل قال سفيان حجل مشى على رجل واحدة إعظاما منه صلى الله عليه وسلم فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه وقال حدثنى ببعض عجائب الحبشة قال نعم بأبى أنت وأمى يا رسول الله بينا أنا سائر في بعض طرقاتها إذا بعجوز على رأسها مكتل فأقبل شاب يركض على فرس له فرجمها فألقاها لوجهها وألقى المكتل عن رأسها فاسترجعت قائمة وأتبعته النظر وهى تقول الويل لك غدا إذا جلس الملك على كرسيه فاقتص المظلوم من الظالم قال جابر فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وان دموعه على لحيته مثل الجمان ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاقدس الله أمه لا تأخذ للمظلوم

(1/214)


حقه من الظالم.
خرجه الغساني في معجمه.
(ذكر شبهه بالنبي صلى الله عليه وسلم) عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجعفر (أشبهت خلقي وخلقي) خرجه الترمذي وقال حسن صحيح، وخرجه أحمد وأبو حاتم.
وعن أسامة ابن زيد بن أبيه قال اجتمع على وجعفر وزيد بن حارثة فقال جعفر أنا أحبكم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال على أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال زيد أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسأله قال أسامة فجاءوا يستأذنونه فقال اخرج فانظر من هؤلاء فقلت هذا جعفر وعلى وزيد ما أقول أبى فقال ائذن لهم فدخلوا فقالوا يا رسول الله من أحب اليك قال فاطمة قالوا نسألك عن الرجال فقال أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي وأشبه خلقي خلقك وأنت منى وشجرتي وأما أنت يا على فختنى وأبو ولدي وأنا منك وأنت منى وأما أنت يا زيد فولاى منى والى وأحب القوم إلى.
خرجه أحمد.
(ذكر أنه خلق من الطينة التى خلق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن جابرلما قال قدم جعفر بن أبى طالب من الحبشة قبل النبي صلى الله عليه وسلم بين عينيه وقال يا حبيبي أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي وخلقت من الطينة التى خلقت منها.
(ذكر أنه خير الناس للمساكين) عن أبى هريرة أن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة وإنى كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حين لا أكل الخمير ولا ألبس الحرير ولا يخدمني فلان ولافلانة وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع وان كنت لاستقرئ الرجل الآية هي معى كى ينقلب بى فيطعمني وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى أن كان ليخرج إلينا العكة التى ليس فيها شئ فيشقها فنلعق ما فيها.
خرجه

(1/215)


البخاري.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال كنا ندعو جعفر بن أبى طالب.
رضى الله عنه أبا المساكين فكنا إذا أتيناه قرب إلينا ما حضر فأتيناه يوما فلم نجد عنده شيئا فأخرج جرة من عسل فكسرها فجعلنا نلعق منها.
أخرجه الترمذي
وقال حسن غريب.
وعنه قال كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين.
خرجه البغوي في معجمه وصاحب الصفوة والحافظ أبو الحسين العطار في الثمانية.
وعنه أنه قال ان كنت لاسأل الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الآية من القرآن أنا أعلم بها منه ما أسأله إلا ليطعمني شيئا وكنت إدا سألت جعفر بن أبى طالب لم يجبنى حتى يذهب بى إلى منزله ويقول لامرأته يا أسماء أطعمينا فإذا أطعمتنا أجانبي وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبى المساكين.
خرجه الترمذي وقال حديث غريب.
(ذكر ما جاء انه يطير بجنا حين مع الملائكة في الجنة) عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة) خرجه الترمذي وقال غريب.
وخرجه البغوي في معجمه وزاد بجناحين، وخرجه أبو حاتم بزيادة ولفظه رأيت جعفرا ملكا يطير بجناحيه في الجنة.
وخرجه أبو عمر عن ابن عباس ولفظه دخلت البارحة الجنة فإذا فيها جعفر يطير مع الملائكة، وهكذا رواه ابن غيلان.
وعن ابن عمر أنه كان إذا سلم على ابن جعفر قال السلام عليك يا ابن ذى الجناحين.
خرجه البخاري والبغوى.
وعن ابن عباس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبا منه إذ رد السلام فقال يا أسماء هذا جعفر بن أبى طالب مع جبرائيل وميكائيل فمروا فسلموا علينا فردوا عليهم وأخبرني أنه لقى المشركين يوم كذا وكذا قبل ممره على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث أو أربع فقال له لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمى ثمانى وسبعين بين طعنة وضربة ثم أخذت اللواء بيدى اليمنى فقطعت ثم أخذته بيدى اليسرى فقطعت فعوضني الله عزوجل من يدى جناحين أطير بهما

(1/216)


مع جبريل وميكائيل أنزل من الجنة حيث شئت وآكل من ثمارها ما شئت، قالت اسماء هنيئا لجعفر ما رزقه الله من الخير ولكني أخاف أن لا يصدق الناس فأصعد المنبر فأخبر من الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن جعفر بن أبى طالب مر مع جبريل وميكائيل وله جناحان عوضه الله عزوجل من يديه فسلم على ثم أخبرهم كيف أخبره حين لقى المشركين فاستبان الناس من بعد ذلك اليوم الذى أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جعفرا لقيهم فلذلك سمى جعفر الطيار في الجنة.
خرجه ابن البخترى.
وعن اسماعيل بن أبى خلف عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قد رأيته يعنى جعفرا في الجنة له جناحان مضرجان بالدماء مصبوغ القوادم.
خرجه ابن الضحاك.
ذكر ما جاء في أنه أفضل من ركب الكور بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبى هريرة قال ما احتذى النعال ولا انتعل ولاركب المطايا ولاركب الكور (1) بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر.
خرجه الترمذي وقال حسن صحيح.
وعن عبد الله ابن جعفر قال كنت إذا سألت عليا فمنعني قلت له بحق جعفر أعطاني.
خرجه أبو عمر.
(ذكر وفاته رضى الله عنه) قتل رضى الله عنه في غزاة مؤتة بالبلقاء سنة ثمان من الهجرة.
عن عبد الله ابن الزبير قال حدثنى أبى الذى أرضعني وكان أحد بنى مرة قال شهدت مؤتة مع جعفر بن أبى طالب وأصحابه فرأيت جعفرا حين التحم القتال اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها وقاتل القوم حتى قتل وكان أول رجل عقر في الاسلام.
خرجه البغوي في معجمه وخرجه أبو عمر وقال عرقبها حين رأى الغلبة وقاتل حتى قتل رضى الله عنه وقطعت في تلك الوقعة يداه جميعا ثم قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء فمن هناك قيل لجعفر ذو الجناحين.
وعن سالم بن أبى الجعد قال أرى النبي صلى الله
عليه وسلم في النوم جعفر بن ابى طالب ذا جناحين مضرجا بالدماء.
خرجهما أبو
__________
(1) الكور بالضم هو رحل الناقة بأداته وهو كالسرح وآلته للفرس.

(1/217)


عمر.
وعن ابى عمر قال امر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال إن قتل زيد فجعفر وان قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال ابن عمرو كنت معهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدناه في القتلى ووجدنا فيما اقبل من جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية.
وعنه انه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل فعددت به خمسين من طعنة وضربة ليس شئ في دبره.
اخرجهما البخاري وتابعة أبو حاتم في الاول، ويمكن ان يكون استوفى العدد في احدى المرتين دون الاخرى من غير أن يكون بينهما تضادد وعن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم نعى جعفرا وزيدا قبل ان يجئ خبرهم وعيناه تذرفان.
خرجه في الصفوة.
وعن عائشة قالت لما جاء نعى جعفر وزيد وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف الحزن في وجهه متفق على صحته.
وعن أسماء بنت عميس قالت لما أصيب جعفر وأصحابه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين منيا، وفى رواية منيئة (1) وعجنت عجيني وغسلت بنى ودهنتهم ونظفتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتينى ببنى جعفر فأتيته بهم وذرفت عيناه فقلت يارسول الله بأبى أنت وأمى ما يبكيك أبلغك عن جعفر وأصحابه شئ قال نعم قتل اليوم هو وأصحابه قالت فقمنا واجتمع النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال لا تغفلوا عن آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فانهم قد شغلوا بأمر صاحبهم.
خرجه ابن اسحق والبغوى، وخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه منه اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم، قال أبو عمر ولما جاء نعى جعفر اتى امرأته اسماء بنت عميس فعزاها في زوجها ودخلت فاطمة وهى تبكى وتقول
واعماه فقال صلى الله عليه وسلم على مثل جعفر فلتبك البواكي.
وعن ابن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل إلى جعفر وزيد بن حارثة وعبد الله ابن رواحة في خيمة من دركل واحد منهم على سرير فرأيت زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدود ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود قال فسألت فقيل لى إنهما
__________
(1) يقال منأت الاديم إذا ألقيته في الدباغ، ويقال له مادام في الدباغ منيئه أيضا.

(1/218)


حين غشيهما الموت أعرضا أو كأنهما صدا بوجههما وأما جعفر فانه لم يفعل.
خرجهما أبو عمر قال الزبير بن بكار كانت سن جعفر حين قتل إحدى وأربعين سنة.
وعن عبد الله ابن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل اهل جعفر ثلاثا ثم اتاهم فقال لا تبكوا على اخى بعد اليوم ثم قال ادعوا بنى اخى فجئ بنا كأننا افرخ فدعا الحلاق فحلق رؤوسنا.
خرجه البغوي.
(ذكر ولده) كان له من الولد ثلاثة عبد الله وبه كان يكنى ومحمد وعون ولدوا كلهم بأرض الحبشة.
ذكره الدارقطني وابو عمر والبغوى وغيرهم.
امهم اسماء بنت عميس واخوتهم لامهم محمد بن أبى بكر ويحيى بن على بن أبى طالب رضى الله عنه.
(ذكر عبد الله بن جعفر ويكنى أبا جعفر) هو أول مولود ولد في الاسلام في أرض الحبشة وقدم مع أبيه المدينة وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه.
(ذكر بيعته) عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر بايعا النبي صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآهما تبسم وبسط يده فبايعهما.
خرجه البغوي.
(ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له)
عن عمر بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر وهو يلعب مع الغلمان أو الصبيان فقال اللهم بارك لعبد الله في بيعته أو في صفقته.
وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على رأسه ثلاثا كلما مسح قال اللهم اخلف جعفرا في ولده.
خرجه أحمد والبغوى.
(ذكر حمل النبي صلى الله عليه وسلم إياه معه على دابته) عن عبد الله بن جعفر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر يلقى بالصبيان من أهل بيته قال وانه قدم من سفر فسبق بى إليه قال فحملني بين يديه

(1/219)


قال ثم أتى بأحد ابني فاطمة إما حسن وإما حسين فأردفه خلفه قال فدخلنا المدينة ثلاثة على الدابة.
خرجه مسلم.
وعنه قال أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه وأسر إلى.
خرجه البغوي.
وسيأتى في باب قثم انه صلى الله عليه وسلم حمله بين يديه وقثم خلفه، خرجه أحمد وأبو عمر والبغوى.
(ذكر جوده وكرمه وغيرهما من صفاته الجميلة) قال أبو عمر وكان عبد الله جوادا ظريفا حليما عفيفا سخيا يسمى بحر الجود يقال إنه لم يكن في الاسلام أسخى منه وكان لا يرى بأسا بسماع الغناء.
روى أن عبد الله كان إذا قدم على معاوية أنزله داره وأظهر له من بره وكرمه ما يستحقه فكان ذلك يغيظ فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف زوجة معاوية فسمعت ليلة غناء عند عبد الله بن جعفر فجاءت إلى معاوية فقالت هلم فاسمع ما في منزل هذا الرجل الذى جعلته بين لحمك ودمك قال فجاء معاوية فسمعه وانصرف فلما كان في آخر الليل سمع معاوية قراءة عبد الله بن جعفر فجاء فاختة فقال اسمعي مكان ما أسمعتيني.
وكانوا يقولون أجواد العرب في الاسلام عشرة فأجواد أهل الحجاز عبد الله بن جعفر وعبيد الله بن عباس وسعيد بن العاص،
وأجواد أهل الكوفة عتاب بن ورقاء أحد بنى رباح بن يربوع وأسماء بن خارجة ابن حصن الفزارى وعكرمة بن ربعى الفياض أحد بنى تيم الله بن ثعلبة.
وأجواد أهل البصرة عمر بن عبد الله بن معمر وطلحة بن عبيد الله بن خلف الخزاعى ثم أحد بنى مليح وهو طلحة الطلحات وعبيد الله بن أبى بكر.
وأجواد أهل الشام خالد بن عبد الله بن خالد بن اسيد.
وليس في هؤلاء كلهم اجود من عبد الله بن جعفر ولم يكن مسلم يبلغ مبلغه في الجود وعوتب في ذلك فقال إن الله عودني عادة وعودت الناس عادة فأنا اخاف ان قطعتها قطعت عنى.
وأخباره في الجود كثيرة.
ذكره أبو عمر.
(ذكر شبهه بالنبي صلى الله عليه وسلم) عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات جعفر دعا الحالق فحلق رؤوسنا وقال أما محمد فشبيه عمى أبى طالب وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي

(1/220)


ثم أخذ بيدى وقال اللهم اخلف جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في صفقته ميته ثلاث مرات فجاءت أسماء أمنا فذكرت يتمنا فقال العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة.
خرجه البغوي.
(شرح) : العيلة الفقر ومنه (وان خفتم عيلة) وكان عبد الله يسكن المدينة وكان قد أتى الكوفة والبصرة والشام.
(ذكر وفاته) توفى عبد الله بن جعفر بالمدينة سنة ثمانين وهو ابن تسعين سنة، وقيل سنة أربع أو خمس وثمانين وهو ابن ثمانين قال أبو عمر والاول أشبه وعليه الاكثر.
وصلى عليه أبان بن عثمان وهو أمير بالمدينة يومئذ ولما حضرته الوفاة دعا بابنه معاوية فنزع شنفا (1) من أذنه وأوصى إليه وفى ولده من هو أسن منه وقال انى لم أزل أؤملك لها.
فلما توفى عبد الله احتال معاوية بدينه وخرج يطلب فيه حتى قضاه وقسم أموال أبيه بين ولده ولم يستأثر عنهم بشئ.
ذكر محمد بن جعفر رضى الله عنه
قال أبو عمر ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه اسماء بنت عميس وقال صلى الله عليه وسلم محمد يشبه عمنا أبا طالب.
وقد تقدم ذكر ذلك.
وزوجه على رضى الله عنه بابنته أم كلثوم بعد عمر على ما تقدم ذكره في فضل ذكرها، وكان محمد بن جعفر هذا ومحمد بن الحنفية ومحمد بن الاشعث ومحمد بن أبى حذيفة كلهم يكنى أبا القاسم واستشهد محمد بتستر.
ذكر عون بن جعفر رضى الله عنه ولد أيضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمه أيضا أسماء واستشهد أيضا بتستر ولاعقب له.
الفصل الثاني في ذكر عقيل بن أبى طالب رضى الله عنه لم يزل اسمه في الجاهلية والاسلام عقيلا ويكنى أبا يزيد.
أمه فاطمة بنت أسد
__________
(1) الشنف: من حلى الاذن، وجمعه شنوف.

(1/221)


(ذكر اسلامه رضى الله عنه) قال العذري وكان عقيلا قد خرج مع كفار قريش يوم بدر مكرها فأسر ففداه عمه العباس ثم أتى مسلما قبل الحديبية وشهد غزوة مؤتة.
ذكره أبو عمر.
ذكر محبة النبي صلى الله عليه وسلم له روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا يزيد إنى أحبك حبين حبا لقرابتك منى وحبا لما كنت أعلم من حب عمى إياك.
خرجه أبو عمر والبغوى.
ذكر ترحيب النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله عنه عن جابر أن عقيلا دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بك يا أبا يزيد كيف أصبحت قال بخير صبحك الله بخير يا أبا القاسم.
خرجه البغوي.
(ذكر علمه بالنسب وأيام العرب)
وكان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامها ولكنه كان مبغضا إليهم لانه كان يعد مساوئهم وكانت له قطيفة تفرش له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى عليها ويجتمع إليه الناس في علم النسب وأيام العرب وكان رضى الله عنه أسرع الناس جوابا وأحضرهم مراجعة في القول وأبلغهم في ذلك.
خرجه أبو عمر.
(ذكر خروجه إلى معوية) قال أبو عمر كان عقيل غاضب عليا وخرج إلى معاوية وأقام عنده فزعموا أن معاوية قال يوما بحضرته هذا أبو يزيد لولا علمه بأنى خير له من أخيه ما أقام عندنا وتركه فقال عقيل أخى خير لى في دينى وأنت خير لى في دنياى وقد آثرت دنياى وأسأل الله خاتمة خير.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عقيلا جاء إلى على بالعراق فسأله فقال إن أحببت أن أكتب لك إلى مالى بينبع فأعطيتك منه فقال عقيل لاذهبن إلى رجل هو أوصل لى منك فذهب إلى معاوية فعرف ذلك له.
خرجه البغوي.
(ذكر نبذ من اخباره) قال أبو عمر قدم عقيل البصرة ثم الكوفة ثم الشام.
وعن عطاء قال رأيت

(1/222)


عقيلا شيخا كبيرا يفتل غرب زمزم فإذا خرج الغرب يعنى الدلو فتله بيده.
وعن الحسن بن أبى الحسن عن عقيل أنه تزوج إمرأة فقيل بالرفاء والبنين فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أحدكم فليقل له بارك الله لك وبارك عليك.
ورواه عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبيه عن جده ولفظه كنا نؤمر بأن نقول بارك الله لكم وبارك عليكم ولا نقول بالرفاء والبنين.
خرجهما أبو عمر وخرج الاول البغوي أيضا.
وعن موسى بن طلحة عن عقيل بن أبى طالب قال جاءت قريش إلى أبى طالب فقالوا إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفى كعبتنا وفى ديارنا ويسمعنا ما نكره فان رأيت أن تكفه عنا فافعل فقال لى يا عقيل التمس لى ابن عمك فأخرجته من كبس
من كباس أبى طالب فجاء يمشى معى يطلب الفئ يطأ فيه لا يقدر عليه حتى انتهى إلى أبى طالب فقال يا ابن أخى والله لقد كنت لى مطيعا جاء قومك يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وفى ناديهم فتؤذيهم وتسمعهم ما يكرهون فان رأيت أن تكف عنهم فحلق بصره إلى السماء وقال والله ما أنا بقادر أن أرد ما بعثنى به ربى ولو أن يشعل أحدهم من هذا الشمس نارا فقال أبو طالب والله ما كذب قط فارجعوا راشدين.
والكبس بالباء الموحدة والسين المهملة بيت صغير.
ويروى بالنون من الكناس وهو بيت الظبى، وتوفى رضى الله عنه في خلافة معاوية ولم يوقف على السنة التى مات فيها.
ذكره ابن الضحاك.
(ذكر الاناث من أولاد ابى طالب) كان له ابنتان أم هانئ واسمها فاختة وقيل هند أسلمت يوم الفتح.
حكاه أبو عمر.
وتزوجها هبيرة بن أبى وهب بن عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم.
وولدت له أولادا وهرب إلى نجران ومات مشركا وهى التى صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها عام الفتح الضحى ثمان ركعتان في ثوب واحد مخالفا بين طرفيه وقال لها قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ.
متفق عليه.
وعن ابن عباس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم هانئ بنت أبى طالب يوم الفتح وكان جائعا فقالت يا رسول الله إن أصهارا لى قد لجؤا إلى وأن على بن أبى طالب لا تأخذه في الله لومة لائم وإنى أخاف أن يعلم

(1/223)


بهم فيقتلهم فاجعل من دخل دار أم هانئ آمنا حتى يسمع كلام الله فأمنهم رسول لله صلى الله عليه وسلم وقال أجرنا من أجارت أم هانئ فقال هل عندك من طعام نأكله فقالت ليس عندي إلا كسر يابسة وانى لاستحى أن أقدمها اليك قال هلميهن فكسرهن في ماء وجاءت بملح فقال هل من إدام فقالت ما عندي يا رسول الله إلا شئ من خل فقال هلميه فصبه على طعامه فأكل منه ثم حمد الله
ثم قال نعم الادام الخل يا ام هانئ لا يفقر بيت فيه خل.
خرجه بهذا السياق الطبراني وجماعة.
وجمانة ذكرها ابن قنيبة وأبو سعيد في شرف النبوة في أولاد أبى طالب أمهما فاطمة بنت أسد، وأما أبو عمر فلم يذكرها فلعلها لم يثبت عنده إسلامها، وذكرها الدارقطني في كتاب الاخوة والاخوات ولم يذكر فيه إلا من أسلم يدل على أنه صح عنده إسلامها.
قال وتزوجها ابن عمها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وولدت له قال ولم يسند عنها شئ.
وهذا القول دليل على صحة إسلامها إذ من لم يسلم لم يوصف بذلك اثباتا ولانفيا.