سيرة ابن
هشام ت السقا إخْبَارُ الْكُهَّانِ مِنْ الْعَرَبِ،
وَالْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ وَالرُّهْبَانِ مِنْ النَّصَارَى
(مُعْرِفَةُ الْكُهَّانِ وَالْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ بِمَبْعَثِهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ،
وَالرُّهْبَانُ مِنْ النَّصَارَى، وَالْكُهَّانُ مِنْ الْعَرَبِ، قَدْ
تَحَدَّثُوا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَبْلَ مَبْعَثِهِ، لَمَّا تَقَارَبَ مِنْ زَمَانِهِ. أَمَّا الْأَحْبَارُ
مِنْ يَهُودَ، وَالرُّهْبَانُ مِنْ النَّصَارَى، فَعَمَّا وَجَدُوا فِي
كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ زَمَانِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَهْدِ
أَنْبِيَائِهِمْ إلَيْهِمْ فِيهِ. وَأَمَّا الْكُهَّانُ مِنْ الْعَرَبِ
فَأَتَتْهُمْ بِهِ الشَّيَاطِينُ مِنْ الْجِنِّ فِيمَا تَسْتَرِقُ مِنْ
السَّمْعِ، إذْ كَانَتْ وَهِيَ لَا تُحْجَبُ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَذْفِ
بِالنُّجُومِ. وَكَانَ الْكَاهِنُ وَالْكَاهِنَةُ لَا يَزَالُ يَقَعُ
مِنْهُمَا ذِكْرُ بَعْضِ أُمُورِهِ، لَا تُلْقِي الْعَرَبُ لِذَلِكَ فِيهِ
بَالًا، حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَوَقَعَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ
الَّتِي كَانُوا يَذْكُرُونَ، فَعَرَفُوهَا.
(قَذْفُ الْجِنِّ بِالشُّهُبِ، وَآيَةُ ذَلِكَ عَلَى مَبْعَثِهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
فَلَمَّا تَقَارَبَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَحَضَرَ مَبْعَثُهُ، حُجِبَتْ الشَّيَاطِينُ عَنْ السَّمْعِ،
وَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقَاعِدِ الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ
لِاسْتِرَاقِ السَّمْعِ فِيهَا، فَرُمُوا بِالنُّجُومِ، فَعَرَفَتْ
الْجِنُّ أَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ حَدَثَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فِي الْعِبَادِ
[2] ،
__________
[1] وَذَلِكَ حَتَّى لَا يفوتهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوَاب
الْحَج وَالْوُقُوف بِعَرَفَة. وَلَقَد قَالَ جُبَير حِين رَآهُ وَاقِفًا
بِعَرَفَة مَعَ النَّاس: هَذَا رجل أحمسى، فَمَا باله لَا يقف مَعَ الحمس
حَيْثُ يقفون. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[2] وَقد قَالَت قُرَيْش حِين كثر الْقَذْف بالنجوم: قَامَت السَّاعَة،
فَقَالَ عتبَة بن ربيعَة: انْظُرُوا إِلَى العيوق، فان كَانَ رمى بِهِ فقد
آن قيام السَّاعَة وَإِلَّا فَلَا.
(1/204)
يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ بَعَثَهُ،
وَهُوَ يَقُصُّ عَلَيْهِ خَبَرَ الْجِنِّ إذْ حُجِبُوا عَنْ السَّمْعِ،
فَعَرَفُوا مَا عَرَفُوا، وَمَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ حَيْنَ رَأَوْا مَا
رَأَوْا: «قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ،
فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً [1] يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ،
فَآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً. وَأَنَّهُ تَعالى
جَدُّ [2] رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً. وَأَنَّهُ كانَ
يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً [3] . وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ
لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً. وَأَنَّهُ كانَ
رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ، فَزادُوهُمْ
رَهَقاً 72: 1- 6» ... إلَى قَوْلِهِ: «وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها
مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً
[4] . وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ، أَمْ
أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً 72: 9- 10» .
فَلَمَّا سَمِعَتْ الْجِنُّ الْقُرْآنَ عَرَفَتْ أَنَّهَا إنَّمَا مُنِعَتْ
مِنْ السَّمْعِ قَبْلَ ذَلِكَ، لِئَلَّا يُشْكِلَ الْوَحْيُ بِشَيْءٍ مِنْ
خَبَرِ السَّمَاءِ فَيَلْتَبِسُ [5] عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مَا جَاءَهُمْ
مِنْ اللَّهِ فِيهِ، لِوُقُوعِ الْحُجَّةِ، وَقَطْعِ الشُّبْهَةِ.
فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا، ثُمَّ «وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ.
قالُوا يَا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ، وَإِلى طَرِيقٍ
مُسْتَقِيمٍ 46: 29- 30» ...
الْآيَةَ.
وَكَانَ قَوْلُ الْجِنِّ: «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ
يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ، فَزادُوهُمْ رَهَقاً 72: 6» . أَنَّهُ
كَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ
__________
[1] أَي عجبا مباينا لسَائِر الْكتب فِي حسن نظمه وَصِحَّة مَعَانِيه.
وَالْعجب: مَا يكون خَارِجا عَن الْعَادة، وَهُوَ مصدر وضع مَوضِع العجيب.
[2] الْجد: العظمة. يُقَال: جد فلَان فِي عَيْني: إِذا عظم. وَمِنْه قَول
سيدنَا عمر رضى الله عَنهُ: كَانَ الرجل إِذا قَرَأَ الْبَقَرَة وَآل
عمرَان جد فِينَا: أَي عظم فِي عيوننا.
[3] المُرَاد بِهِ الْكفْر. من شطت الدَّار: إِذا بَعدت. فكأنهم بنسبتهم
الصاحبة وَالْولد إِلَيْهِ جلّ شَأْنه بعدوا عَن الصَّوَاب.
[4] الرصد: الراصد. أَي يجد شهابا راصدا لَهُ. أَو هُوَ اسْم جمع للراصد.
على معنى: ذوى شهَاب راصدين بِالرَّجمِ، وهم الْمَلَائِكَة الَّذين
يرجمونهم بِالشُّهُبِ، ويمنعونهم من الِاسْتِمَاع.
[5] وَكَذَلِكَ كَانَ رمى الْجِنّ بالنجوم فِي الْجَاهِلِيَّة، إِلَّا أَنه
لما جَاءَ الْإِسْلَام غلظ وشدد.
(1/205)
إذَا سَافَرَ فَنَزَلَ بَطْنَ وَادٍ مِنْ
الْأَرْضِ لِيَبِيتَ فِيهِ، قَالَ: إنِّي أَعُوذُ بِعَزِيزِ هَذَا
الْوَادِي مِنْ الْجِنِّ اللَّيْلَةَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرَّهَقُ: الطُّغْيَانُ وَالسَّفَهُ. قَالَ رُؤْبَةُ
بْنُ الْعَجَّاجِ:
إذْ تَسْتَبِي الْهَيَّامَةُ الْمُرَهَّقَا
[1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَالرَّهَقُ أَيْضًا:
طَلَبُكَ الشَّيْءِ حَتَّى تَدْنُوَ مِنْهُ، فَتَأْخُذُهُ أَوْ لَا
تَأْخُذُهُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ يَصِفُ حَمِيرِ وَحْشٍ:
بَصْبَصْنَ [2] وَاقْشَعْرَرْنَ مِنْ خَوْفِ الرَّهَقِ
وَهَذَا الْبَيْت فِي أجوزة لَهُ. وَالرَّهَقُ أَيْضًا: مَصْدَرٌ لِقَوْلِ
الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: رَهِقْتُ الْإِثْمَ أَوْ الْعُسْرَ، الَّذِي
أَرْهَقَتْنِي رَهَقًا شَدِيدًا، أَيْ حَمَلْتُ الْإِثْمَ أَوْ الْعُسْرَ
الَّذِي حَمَلَتْنِي حَمْلًا شَدِيدًا، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى:
فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً 18: 80.
وَقَوْلُهُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً 18: 73.
(فَزَعُ ثَقِيفٍ مِنْ رَمْيِ الْجِنّ بالنجوم، وسؤاله عَمْرِو بْنِ
أُمِّيَّةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ [3] بْنُ عُتْبَةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ أَوَّلَ الْعَرَبِ
فَزِعَ لِلرَّمْيِ بِالنُّجُومِ حَيْنَ رُمِيَ بِهَا، هَذَا الْحَيُّ مِنْ
ثَقِيفٍ، وَأَنَّهُمْ جَاءُوا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَمْرُو
بْنُ أُمِّيَّةَ، أَحَدُ بَنِي عِلَاجٍ- قَالَ: وَكَانَ أَدْهَى الْعَرَبِ
وَأَنْكَرَهَا [4] رَأْيًا- فَقَالُوا لَهُ: يَا عَمْرُو: أَلَمْ تَرَ مَا
حَدَثَ فِي السَّمَاءِ مِنْ الْقَذْفِ بِهَذِهِ النُّجُومِ؟ قَالَ: بَلَى،
فَانْظُرُوا، فَإِنْ كَانَتْ مَعَالِمَ النُّجُومِ [5] الَّتِي يُهْتَدَى
بِهَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَتُعْرَفُ بِهَا الْأَنْوَاءُ مِنْ
الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، لِمَا يُصْلِحُ النَّاسَ
__________
[1] تستبى: تذْهب بعقله. والهيامة: الْكَثِيرَة الهيام. وأصل الهيام: دَاء
يُصِيب الْإِبِل فتشتد حرارة أجوافها، فَلَا تروى من المَاء إِذا شربت.
[2] يُرِيد: حركن أذنابهن.
[3] وَقد رأى عتبَة هَذَا السَّائِب بن يزِيد، وروى عَن أبان بن عُثْمَان
وَعُرْوَة وَسليمَان بن يسَار وَالزهْرِيّ.
وروى عَنهُ غير ابْن إِسْحَاق، عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون وَإِبْرَاهِيم
بن سعد. وَكَانَ ثِقَة ورعا مُسلما، يسْتَعْمل على الصَّدقَات، ويستعين
بِهِ الْوُلَاة. وَمَات سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة. (رَاجع تراجم رجال)
.
[4] كَذَا فِي أ. يُرِيد: أهداها رَأيا، من النكر (بِفَتْح النُّون) ،
وَهُوَ الدهاء. ويروى بِالْبَاء.
أَي أَشَّدهم إبداء لرَأى لم يسْبق إِلَيْهِ، من البكور فِي الشَّيْء،
وَهُوَ أَوله. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أمكرها» .
[5] معالم النُّجُوم: النُّجُوم الْمَشْهُورَة.
(1/206)
فِي مَعَايِشِهِمْ، هِيَ الَّتِي يُرْمَى
بِهَا، فَهُوَ وَاَللَّهِ طَيُّ الدُّنْيَا، وَهَلَاكُ هَذَا الْخَلْقِ
الَّذِي فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ نُجُومًا غَيْرَهَا، وَهِيَ ثَابِتَةٌ
عَلَى حَالِهَا، فَهَذَا لِأَمْرٍ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ هَذَا الْخَلْقَ،
فَمَا هُوَ؟ [1] .
(حَدِيثُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْأَنْصَارِ فِي رَمْيِ
الْجِنِّ بِالنُّجُومِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ
الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ابْن عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ نَفَرٍ مِنْ
الْأَنْصَارِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ لَهُمْ: مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي هَذَا النَّجْمِ الَّذِي
يُرْمَى بِهِ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُنَّا نَقُولُ حَيْنَ
رَأَيْنَاهَا يُرْمَى بِهَا: مَاتَ مَلِكٌ مُلِّكَ مُلْكٌ، وُلِدَ
مَوْلُودٌ مَاتَ مَوْلُودٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَكُنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
كَانَ إذَا قَضَى فِي خَلْقِهِ أَمْرًا سَمِعَهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ،
فَسَبَّحُوا، فَسَبَّحَ مَنْ تَحْتَهُمْ، فَسَبَّحَ لِتَسْبِيحِهِمْ مَنْ
تَحْتَ ذَلِكَ، فَلَا يَزَالُ التَّسْبِيحُ يَهْبِطُ حَتَّى يَنْتَهِيَ
إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسَبِّحُوا ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ مِمَّ سَبَّحْتُمْ فَيَقُولُونَ سَبَّحَ مَنْ فَوْقَنَا
فَسَبَّحْنَا لِتَسْبِيحِهِمْ، فَيَقُولُونَ: أَلَا تَسْأَلُونَ مَنْ
فَوْقَكُمْ مِمَّ سَبَّحُوا؟ فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى
يَنْتَهُوا إلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مِمَّ سَبَّحْتُمْ؟
فَيَقُولُونَ: قَضَى اللَّهُ فِي خَلْقِهِ كَذَا وَكَذَا، لِلْأَمْرِ
الَّذِي كَانَ، فَيَهْبِطُ بِهِ الْخَبَرُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ
حَتَّى يَنْتَهِي إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَتَحَدَّثُوا بِهِ،
فَتَسْتَرِقُهُ الشَّيَاطِينُ بِالسَّمْعِ، عَلَى تَوَهُّمٍ وَاخْتِلَافٍ،
ثُمَّ يَأْتُوا بِهِ الْكُهَّانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَيُحَدِّثُوهُمْ
بِهِ فَيُخْطِئُونَ وَيُصِيبُونَ فَيَتَحَدَّثُ بِهِ الْكُهَّانُ،
فَيُصِيبُونَ بَعْضًا وَيُخْطِئُونَ بَعْضًا. ثُمَّ إنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ حَجَبَ الشَّيَاطِينَ بِهَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي يُقْذَفُونَ
بِهَا، فَانْقَطَعَتْ الْكَهَانَةُ الْيَوْمَ، فَلَا كَهَانَةَ [2] .
__________
[1] وَمثل هَذَا مَا حدث لبني لَهب عِنْد فزعهم للرمي بالنجوم فَاجْتمعُوا
إِلَى كَاهِن لَهُم، يُقَال لَهُ:
خطر، فَبين لَهُم الْخَبَر، وَمَا حدث من أَمر النُّبُوَّة. (رَاجع
الرَّوْض الْأنف) .
[2] يُرِيد تَخْصِيص ذَلِك الزَّمَان. والّذي انْقَطع الْيَوْم وَإِلَى
يَوْم الْقِيَامَة أَن تدْرك الشَّيَاطِين مَا كَانَت تُدْرِكهُ فِي
الْجَاهِلِيَّة الجهلاء، وَعند تمكنها من سَماع أَخْبَار السَّمَاء، وَمَا
يُوجد الْيَوْم من كَلَام الْجِنّ على أَلْسِنَة المجانين، إِنَّمَا هُوَ
خبر مِنْهُم عَمَّا يرونه فِي الأَرْض، مِمَّا لَا نرَاهُ نَحن، كسرقة
سَارِق، أَو خبيئة فِي مَكَان خَفِي، أَو نَحْو ذَلِك. وَإِن أخبروا بِمَا
سَيكون كَانَ تخرصا وتظنيا، فيصيبون قَلِيلا، ويخطئون كثيرا، وَذَلِكَ
الْقَلِيل الّذي يصيبون هُوَ مِمَّا يتَكَلَّم بِهِ الْمَلَائِكَة (رَاجع
الرَّوْض الْأنف) .
(1/207)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي
عَمْرُو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي لَبِيبَةَ [1] ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ.
(الْغَيْطَلَةُ وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ بَنِي سَهْمٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ
امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَهْمٍ، يُقَالُ لَهَا الْغَيْطَلَةُ، كَانَتْ
كَاهِنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، جَاءَهَا صَاحِبُهَا لَيْلَةً مِنْ
اللَّيَالِي، فَانْقَضَّ تَحْتَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَدْرِ مَا أَدْرِ [2] .
يَوْمَ عَقْرٍ وَنَحْرٍ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حَيْنَ بَلَغَهَا ذَلِكَ: مَا
يُرِيدُ؟ ثُمَّ جَاءَهَا لَيْلَةً أُخْرَى، فَانْقَضَّ [3] تَحْتَهَا،
ثُمَّ قَالَ: شُعُوبُ [4] مَا شُعُوبٌ، تُصْرَعُ فِيهِ كَعْبٌ [5] لَجُوبُ.
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا. قَالُوا: مَاذَا يُرِيدُ، إنَّ هَذَا
لِأَمْرٍ هُوَ كَائِنٌ، فَانْظُرُوا مَا هُوَ؟ فَمَا عَرَفُوهُ حَتَّى
كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ وَأُحُدٍ بِالشِّعْبِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ الَّذِي
كَانَ جَاءَ بِهِ إلَى صَاحِبَتِهِ.
(نَسَبُ الْغَيْطَلَةِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْغَيْطَلَةُ: مِنْ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَبْدِ
مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، إخْوَةِ مُدْلِجِ ابْن مُرَّةَ، وَهِيَ أُمُّ
الْغَيَاطِلِ الَّذِينَ ذَكَرَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ:
__________
[1] كَذَا فِي أوتراجم رجال وتهذيب التَّهْذِيب، وتقريب التَّهْذِيب،
وَيُقَال فِيهِ أَيْضا: «ابْن لَبِيبَة» بِفَتْح اللَّام وَكسر
الْمُوَحدَة. وَيُقَال إِن لَبِيبَة أمه، وَأَبا لَبِيبَة أَبوهُ، واسْمه
وردان.
روى عَن سعيد بن الْمسيب، وَعبد الله بن أَبى سُلَيْمَان، وَالقَاسِم بن
مُحَمَّد، وَعَمْرو بن سعد بن أَبى وَقاص وَعبد الله بن عَمْرو وَغَيرهم.
وَعنهُ ابْن ابْنه يحيى بن عبد الرَّحْمَن، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ،
وَيحيى بن أَبى كثير وَغَيرهم وَلم نجد عمرا هَذَا من تلاميذه وَكَذَلِكَ
لم نجد عليا من شُيُوخه فِي المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا. وَفِي سَائِر
الْأُصُول: بن لبينة، وَهُوَ تَصْحِيف.
[2] وَفِي رِوَايَة: «وَمَا بدر» وَهِي أبين مِمَّا أثْبته ابْن إِسْحَاق.
[3] انقض: سقط، يُقَال: انقض الطَّائِر، إِذا سقط على الشَّيْء.
ويروى: «أنقض» : أَي صَوت وَتكلم بِصَوْت خَفِي، تَقول: سَمِعت نقيض
الْبَاب ونقيض الرجل أَي صَوته.
[4] قَالَ السهيليّ: «وشعوب (هَاهُنَا) : أَحْسبهُ بِضَم الشين، وَلم
أَجِدهُ مُقَيّدا، وَكَأَنَّهُ جمع شعب وَقَول ابْن إِسْحَاق يدل على هَذَا
حِين قَالَ: فَلم يدر مَا قَالَت حَتَّى قتل من قتل ببدر وَأحد بِالشعبِ» .
[5] كَعْب هَاهُنَا) : هُوَ كَعْب بن لؤيّ، وَالَّذين صرعوا ببدر وَأحد
أَشْرَاف قُرَيْش، معظمهم من كَعْب بن لؤيّ.
(1/208)
لَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلَامُ قَوْمٍ
تَبَدَّلُوا ... بَنِي خَلَفٍ قَيْضًا [1] بِنَا وَالْغَيَاطِلِ
[2] فَقِيلَ لِوَلَدِهَا: الْغَيَاطِلُ، وَهُمْ مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ هُصَيْصٍ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ
سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(حَدِيثُ كَاهِنِ جَنْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ نَافِعٍ الْجُرَشِيُّ:
أَنَّ جَنْبًا [3] : بَطْنًا مِنْ الْيَمَنِ، كَانَ لَهُمْ كَاهِنٌ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا ذُكِرَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَشَرَ فِي الْعَرَبِ، قَالَتْ لَهُ جَنْبٌ:
اُنْظُرْ لَنَا فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ، وَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي
أَسْفَلِ جَبَلِهِ، فَنَزَلَ عَلَيْهِمْ حِينَ طَلَعَتْ الشَّمْسُ،
فَوَقَفَ لَهُمْ قَائِمًا مُتَّكِئًا عَلَى قَوْسٍ لَهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ
إلَى السَّمَاءِ طَوِيلًا، ثُمَّ جَعَلَ يَنْزُو [4] ، ثُمَّ قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ أَكْرَمَ مُحَمَّدًا وَاصْطَفَاهُ،
وَطَهَّرَ قَلْبَهُ وَحَشَاهُ، وَمُكْثُهُ فِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ
قَلِيلٌ، ثُمَّ أَسْنَدَ [5] فِي جَبَلِهِ رَاجِعًا مِنْ حَيْثُ جَاءَ.
(مَا جَرَى بَيْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَوَادِ بْنِ قَارِبٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّهُ حَدَّثَ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ فِي النَّاسِ فِي
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ أَقْبَلَ
رَجُلٌ [6] مِنْ الْعَرَبِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، يُرِيدُ عُمْرَ بْنَ
الْخَطَّابِ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: إنَّ هَذَا الرَّجُلُ لَعَلَى شِرْكِهِ مَا فَارَقَهُ بَعْدُ، أَوْ
لَقَدْ كَانَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ،
ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ
أَسْلَمْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ لَهُ:
__________
[1] قيضا: عوضا.
[2] وَيُقَال إِن الغيطلة: بنت مَالك بن الْحَارِث بن عَمْرو بن الصَّعق بن
شنوق بن مرّة، وشنوق:
أَخُو مُدْلِج.
[3] جنب: من مذْحج. وهم: عيذ الله، وَأنس الله، وَزيد الله، وَأَوْس الله،
وجعفي، وَالْحكم، وجروة، بَنو سعد الْعَشِيرَة بن مذْحج، ومذحج: هُوَ مَالك
بن أدد، وَسموا جنبا، لأَنهم جانبوا بنى عمهم صداء وَيزِيد ابْني سعد
الْعَشِيرَة بن مذْحج.
[4] ينزو: يثب.
[5] كَذَا فِي أ. وَأسْندَ: علا وارتفع. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«اشْتَدَّ» .
[6] هَذَا الرجل هُوَ سَواد بن قَارب، كَانَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّة
ثمَّ أسلم.
14- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/209)
فَهَلْ كُنْتَ كَاهِنًا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ! لَقَدْ خِلْتَ [1] فِيَّ، وَاسْتَقْبَلْتنِي بِأَمْرٍ مَا
أَرَاكَ قُلْتَهُ لِأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ مُنْذُ وُلِّيتَ مَا وُلِّيتَ،
فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهمّ غُفْرًا [2] ، قَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
عَلَى شَرٍّ مِنْ هَذَا، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَعْتَنِقُ
الْأَوْثَانَ، حَتَّى أَكْرَمْنَا اللَّهُ بِرَسُولِهِ وَبِالْإِسْلَامِ،
قَالَ: نَعَمْ، وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ كُنْتُ
كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَأَخْبرنِي مَا جَاءَكَ بِهِ
صَاحِبُكَ، قَالَ: جَاءَنِي قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعِهِ
[3] ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إلَى الْجِنِّ وَإِبْلَاسِهَا [4] ،
وَإِيَاسِهَا [5] مِنْ دِينِهَا، وَلُحُوقِهَا بِالْقِلَاصِ [6]
وَأَحْلَاسِهَا [7] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ سَجْعٌ، وَلَيْسَ بِشِعْرٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَ
ذَلِكَ يُحَدِّثُ النَّاسَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَعِنْدَ وَثَنٍ مِنْ
أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ ذَبَحَ لَهُ
رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ عِجْلًا، فَنَحْنُ نَنْتَظِرُ قَسْمَهُ لِيَقْسِمَ
لَنَا مِنْهُ، إذْ سَمِعْتُ مِنْ جَوْفِ الْعِجْلِ صَوْتًا
__________
[1] هُوَ من بَاب حذف الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد خلت وظننت، كَقَوْلِهِم
فِي الْمثل: من يسمع يخل.
وَلَا يجوز حذف أحد المفعولين مَعَ بَقَاء الآخر، لِأَن حكمهَا حكم
الِابْتِدَاء وَالْخَبَر، فَإِذا حذفت الْجُمْلَة كلهَا جَازَ لِأَن
حكمهمَا حكم الْمَفْعُول، وَالْمَفْعُول قد يجوز حذفه، وَلَكِن لَا بُد من
قرينَة تدل على المُرَاد.
فَفِي قَوْلهم: من يسمع يخل، دَلِيل يدل على الْمَفْعُول، وَهُوَ يسمع.
وَفِي قَوْله: «خلت فِي» . دَلِيل أَيْضا، وَهُوَ قَوْله «فِي» .
[2] غفرا: كلمة تَقُولهَا الْعَرَب إِذا أَخطَأ الرجل على الرجل.
وَمَعْنَاهَا: اللَّهمّ اغْفِر لي غفرا. وَيُقَال إِن عمر مازحه. فَقَالَ:
مَا فعلت كهانتك يَا سَواد؟ فَغَضب وَقَالَ: قد كنت أَنا وَأَنت على شَرّ
من هَذَا من عبَادَة الْأَصْنَام، وَأكل الميتات، أفتعيرنا بِأَمْر تبت
مِنْهُ؟ فَقَالَ عمر حينذاك: اللَّهمّ غفرا. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
وَلَقَد سَاق السهيليّ قصَّة سَواد مَعَ عمر عَن غير ابْن إِسْحَاق فِي
سِيَاقَة حَسَنَة، وَزِيَادَة مفيدة رَأينَا أَن نجتزئ بِالْإِشَارَةِ
إِلَيْهَا إِذْ يمنعنا طولهَا من إِثْبَاتهَا.
[3] شيعه: دونه بِقَلِيل.
[4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري، وأبلس الرجل: إِذا سكت ذليلا أَو
مَغْلُوبًا. وَفِي أ:
«وإسلامها» . وَالْإِسْلَام: الانقياد.
[5] الْإِيَاس: الْيَأْس.
[6] القلاص من الْإِبِل: الْفتية.
[7] الأحلاس: جمع حلْس، وَهُوَ كسَاء من جلد يوضع على ظهر الْبَعِير، ثمَّ
يوضع عَلَيْهِ الرحل، ليقيه من الدبر.
(1/210)
مَا سَمِعْتُ صَوْتًا قَطُّ أَنْفَذَ مِنْهُ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ
الْإِسْلَامِ بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعِهِ، يَقُولُ:
يَا ذَرِيحُ [1] ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، رَجُلٌ يَصِيحُ، يَقُولُ: لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رَجُلٌ يَصِيحُ، بِلِسَانٍ فَصِيحٍ،
يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.
وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَإِبْلَاسِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا
تَهْوِي إلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ
كَأَنْجَاسِهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِنْ الْكُهَّانِ مِنْ
الْعَرَب. |