سيرة ابن
هشام ت السقا إسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدُ
بْنُ الْوَلِيدِ
(ذَهَابُ عَمْرٍو مَعَ آخَرِينَ إِلَى النَّجَاشِيِّ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ
رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ حَبِيبِ
بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ
مِنْ فِيهِ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مَعَ الْأَحْزَابِ عَنْ
الْخَنْدَقِ جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي،
وَيَسْمَعُونَ مِنِّي، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَعْلَمُونَ [6] وَاَللَّهِ أَنِّي
أَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوًّا مُنْكَرًا، وَإِنِّي
قَدْ رَأَيْتُ أَمْرًا، فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ؟ قَالُوا: وَمَاذَا رَأَيْتُ؟
قَالَ: رَأَيْتُ أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ فَنَكُونَ عِنْدَهُ، فَإِنْ
ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنَّا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، فَإِنَّا
أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتُ
يَدَيْ مُحَمَّدٍ وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا،
فَلَنْ يَأْتِيَنَا مِنْهُمْ إلَّا خَيْرٌ، قَالُوا: إنَّ هَذَا الرَّأْيُ
[7]
__________
[1] الْعِصَابَة: الْجَمَاعَة.
[2] الْبيض الرقَاق: السيوف. ومرحا: نشاطا. والعرين: غابة الْأسد. ومغرف:
ملتف الأغصان.
[3] ذفف: سريعة الْقَتْل.
[4] كَذَا فِي أوديوان حسان. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مستنصرين» .
[5] مجحف: يذهب بالأموال والأنفس.
[6] فِي أ: «تعلمُوا» .
[7] فِي أ: «لرَأى» .
(2/276)
قُلْتُ: فَاجْمَعُوا لَنَا مَا نُهْدِيهِ
لَهُ، وَكَانَ أَحَبَّ مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمَ [1] .
فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا
عَلَيْهِ.
(سُؤَالُهُ النَّجَاشِيَّ فِي قَتْلِ عَمْرٍو الضَّمْرِيِّ ورده عَلَيْهِ)
:
فو الله إنَّا لَعِنْدَهُ إذْ جَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ
الضَّمْرِيُّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ بَعَثَهُ إلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ: فَدَخَلَ
عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: هَذَا
عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى
النَّجَاشِيِّ وَسَأَلْتُهُ إيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ،
فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا
[2] حِينَ قَتَلْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ
فَسَجَدْتُ لَهُ كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي،
أَهْدَيْتَ إلَيَّ مِنْ بِلَادِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ،
أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَدْ أَهْدَيْتُ إلَيْكَ أَدَمًا كَثِيرًا، قَالَ:
ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ،
وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوٍّ لَنَا، فَأَعْطِنِيهِ لِأَقْتُلَهُ،
فَإِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا، قَالَ: فَغَضِبَ،
ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ
قَدْ كَسَرَهُ، فَلَوْ انْشَقَّتْ لِي الْأَرْضُ لَدَخَلْتُ فِيهَا فَرَقًا
مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، وَاَللَّهِ لَوْ ظَنَنْتُ
أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ، قَالَ: أَتَسْأَلُنِي أَنْ
أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي
كَانَ يَأْتِي مُوسَى لِتَقْتُلَهُ! قَالَ: قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ،
أَكَذَاكَ هُوَ؟ قَالَ: وَيْحَكَ يَا عَمْرُو أَطِعْنِي وَاتَّبِعْهُ،
فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ
خَالَفَهُ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، قَالَ:
قُلْتُ: أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ،
فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَجْتُ إلَى
أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَكَتَمْتُ
أَصْحَابِي إسْلَامِي.
(اجْتِمَاعُ عَمْرٍو وَخَالِدٍ عَلَى الْإِسْلَامِ) :
ثُمَّ خَرَجْتُ عَامِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِأُسْلِمَ، فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَذَلِكَ
قُبَيْلَ الْفَتْحِ، وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ يَا
أَبَا سُلَيْمَانَ؟
__________
[1] الْأدم: الْجلد.
[2] أَجْزَأت عَنْهَا: كفيتها.
(2/277)
قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ اسْتَقَامَ
الْمَنْسِمُ [1] ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ، أَذْهَبُ وَاَللَّهِ
فَأُسْلِمَ، فَحَتَّى مَتَى، قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا جِئْتُ إلَّا
لأسلم. قَالَ: فقد منا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَقَدَّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ
وَبَايَعَ، ثُمَّ دَنَوْتُ، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَا أَذْكُرُ مَا تَأَخَّرَ، قَالَ: فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمْرُو، بَايِعْ،
فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ [2] مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ
تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَحُتُّ [3] مَا
كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ- تَحُتُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا.
(إسْلَامُ ابْنِ طَلْحَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ: أَنَّ عُثْمَانَ
بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، كَانَ مَعَهُمَا، حِينَ أَسْلَمَا.
(شِعْرٌ لِلسَّهْمِيِّ فِي إسْلَامِ ابْنِ طَلْحَةَ وَخَالِدٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ:
أَنْشُدُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ حِلْفَنَا [4] ... وَمُلْقَى نِعَالِ
الْقَوْمِ عِنْدَ الْمُقَبَّلِ [5]
وَمَا عَقَدَ الْآبَاءُ مِنْ كُلِّ حِلْفِهِ ... وَمَا خَالِدٌ مِنْ
مِثْلِهَا بِمُحَلَّلِ
أَمِفْتَاحَ بَيْتٍ غَيْرِ بَيْتِكَ تَبْتَغِي ... وَمَا يُبْتَغَى مِنْ
مَجْدِ بَيْتٍ مُؤَثَّلِ [6]
فَلَا تَأْمَنَنَّ خَالِدًا بَعْدَ هَذِهِ ... وَعُثْمَانُ جَاءَ
بِالدُّهَيْمِ الْمُعَضَّلِ [7]
__________
[1] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. وَفِي الْأُصُول: «الميسم» . قَالَ أَبُو
ذَر: «وَمَعْنَاهُ: تبين الطَّرِيق ووضح. وأصل المنسم: خف الْبَعِير، وَمن
رَوَاهُ الميسم، فَهُوَ الحديدة الَّتِي توسم بهَا الْإِبِل وَغَيرهَا
والمنسم (بالنُّون) هُوَ الصَّوَاب» .
[2] يجب: يقطع.
[3] يحت: يسْقط.
[4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «خلفنا» .
[5] يُرِيد «بالمقبل» : مَوضِع تَقْبِيل الْحجر الْأسود.
[6] المؤثل: الْقَدِيم.
[7] الدهيم: من أَسمَاء الداهية. والمعضل: الشَّديد.
(2/278)
وَكَانَ فَتْحُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَصَدْرِ ذِي
الْحَجَّةِ، وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجَّةَ الْمُشْرِكُونَ [1] . |