سيرة ابن
هشام ت السقا ذِكْرُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ [1] فِي جُمَادَى
الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ، وَمَقْتَلُ جَعْفَرٍ وَزَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ رَوَاحَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَوَلِيَ
تِلْكَ الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ، وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ
رَبِيعٍ، وَبَعَثَ فِي جُمَادَى الْأُولَى بَعْثَهُ إلَى الشَّامِ
الَّذِينَ أُصِيبُوا بِمُؤْتَةَ.
(بَعْثُ الرَّسُولِ إلَى مُؤْتَةَ وَاخْتِيَارُهُ الْأُمَرَاءَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثَةَ إلَى مُؤْتَةَ فِي
جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ
حَارِثَةَ وَقَالَ: إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ
عَلَى النَّاسِ [2]
(بُكَاءُ ابْنِ رَوَاحَةَ مَخَافَةَ النَّارِ وَشِعْرُهُ لِلرَّسُولِ) :
فَتَجَهَّزَ النَّاسُ ثُمَّ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ
آلَافٍ، فَلَمَّا حَضَرَ خُرُوجَهُمْ وَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا
وَدَّعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَنْ وَدَّعَ مِنْ أُمَرَاءِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى، فَقَالُوا:
مَا يُبْكِيكَ يَا بْنَ رَوَاحَةَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا بِي
حُبُّ الدُّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَذْكُرُ فِيهَا النَّارَ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا
وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا 19: 71،
__________
[1] مُؤْتَة (مَهْمُوزَة الْوَاو. وَحكى فِيهِ غير الْهَمْز) : قَرْيَة من
أَرض البلقاء من الشَّام. وَتسَمى أَيْضا غَزْوَة جَيش الْأُمَرَاء،
وَذَلِكَ لِكَثْرَة جَيش الْمُسلمين فِيهَا وَمَا لَا قُوَّة من الْحَرْب
الشَّديد مَعَ الْكفَّار.
(رَاجع السهيليّ، وَالنِّهَايَة، وَشرح أَبى ذَر، وَشرح الْمَوَاهِب) .
[2] وَزَاد الزرقانى: «فَإِن قتل فليتربص الْمُسلمُونَ بِرَجُل من بَينهم
يجعلونه عَلَيْهِم» .
(2/373)
فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدَرِ
بَعْدَ الْوُرُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمْ اللَّهُ وَدَفَعَ
عَنْكُمْ، وَرَدَّكُمْ إلَيْنَا صَالِحِينَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ:
لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وضربة ذَات فرغ تَقْذِفُ
الزَّبَدا [1]
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ
الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا [2]
حَتَّى يُقَالَ إذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي [3] ... أَرْشَدَهُ اللَّهُ
مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا [4]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ الْقَوْمَ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ،
فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَدَّعَهُ، ثُمَّ قَالَ:
فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا
كَاَلَّذِي نُصِرُوا [5]
إنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي
ثَابِتُ الْبَصَرِ [6]
أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ مِنْهُ
فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ [7]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ
هَذِهِ الْأَبْيَاتَ:
أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ مِنْهُ
فَقَدْ أَزْرَى بَهْ الْقَدَرُ
فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... فِي الْمُرْسَلِينَ
وَنَصْرًا كَاَلَّذِي نُصِرُوا
إنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... فِرَاسَةً خَالَفَتْ
فِيكَ الَّذِي نَظَرُوا
يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ الْقَوْمُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا وَدَّعَهُمْ وَانْصَرَفَ
عَنْهُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:
خَلَفَ السَّلَامُ عَلَى امْرِئٍ وَدَّعْتُهُ ... فِي النَّخْلِ خَيْرَ
مُشَيِّعٍ وَخَلِيلِ
__________
[1] ذَات فرغ: ذَات سَعَة. والزبد هُنَا: رغوة الدَّم. (عَن أَبى ذَر) .
[2] مجهزة: سريعة الْقَتْل. وتنفذ الأحشاء: تخترقها.
[3] الجدث والجدف: الْقَبْر.
[4] فِي شرح الْمَوَاهِب: «يَا أرشد الله» .
[5] كَذَا فِي م، ر، وَفِي أ: «نصرا» .
[6] فِي هَذَا الْبَيْت إقواء.
[7] نَافِلَة: هبة من الله وعطية مِنْهُ. والنوافل: العطايا والمواهب.
وأزرى بِهِ الْقدر، أَي قصر بِهِ.
(عَن أَبى ذَر) .
(2/374)
(تَخَوُّفُ النَّاسِ مِنْ لِقَاءِ هِرَقْلَ
وَشِعْرُ ابْنِ رَوَاحَةَ يُشَجِّعُهُمْ) :
ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى نَزَلُوا مَعَانَ، مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَبَلَغَ
النَّاسَ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ، مِنْ أَرْضِ البلقاء، فِي
مائَة أَلْفٍ مِنْ الرُّومِ، وانضمّ إِلَيْهِم مل لَخْمٍ وَجُذَامٍ
وَالْقَيْنِ وبهراء وبلىّ مائَة أَلْفٍ مِنْهُمْ، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ
بَلِيٍّ ثُمَّ أَحَدُ إرَاشَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ زَافِلَةَ.
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانَ
لَيْلَتَيْنِ يُفَكِّرُونَ فِي أَمْرِهِمْ وَقَالُوا: نَكْتُبُ إلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ
عَدُوِّنَا، فَإِمَّا أَنْ يُمِدَّنَا بِالرِّجَالِ، وَإِمَّا أَنْ
يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ، فَنَمْضِيَ لَهُ.
(تَشْجِيعُ ابْنِ رَوَاحَةَ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ) :
قَالَ: فَشَجَّعَ النَّاسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَقَالَ: يَا
قَوْمِ، وَاَللَّهِ إنَّ الَّتِي تَكْرَهُونَ، لَلَّتِي خَرَجْتُمْ
تَطْلُبُونَ الشَّهَادَةُ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدِ وَلَا
قُوَّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إلَّا بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي
أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا هِيَ إحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ إمَّا ظُهُورٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ. قَالَ: فَقَالَ
النَّاسُ: قَدْ وَاَللَّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ. فَمَضَى النَّاسُ
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي مَحْبِسِهِمْ ذَلِكَ:
جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ أَجَإٍ وَفَرْعٍ ... تُغَرُّ مِنْ الْحَشِيشِ
لَهَا الْعُكُومُ [1]
حَذَوْنَاهَا مِنْ الصَّوَّانِ سِبْتًا ... أَزَلَّ كَأَنَّ صَفْحَتَهُ
أَدِيمُ [2]
أَقَامَتْ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَعَانٍ ... فَأَعْقَبَ بَعْدَ فَتْرَتِهَا
جُمُومُ [3]
__________
[1] أجأ: أحد جبلي طيِّئ، وَالْآخر سلمى. وَفرع (بِالْفَتْح) : اسْم مَوضِع
من وَرَاء الفرك.
وَقَالَ يَا قوت: «الْفَرْع: أطول جبل بأجأ وأوسطه» .. وَظَاهر أَن هَذَا
هُوَ المُرَاد هُنَا. وتغر (بالغين الْمُعْجَمَة) : تطعم شَيْئا بعد شَيْء.
يُقَال غر الفرخ غرا وغرارا: زقه. والعكوم: جمع عكم (بِالْفَتْح) وَهُوَ
الْجنب.
[2] قَالَ أَبُو ذَر: «حذوناها: جعلنَا لَهَا حذاء، وَهُوَ النَّعْل:
والصوان: حِجَارَة ملس، واحدتها صوانة. والسبت: النِّعَال الَّتِي تصنع من
الْجُلُود المدبوغة. وأزل، أَي أملس صفحته ظَاهِرَة. والأديم:
الْجلد» .. وَقَالَ السهيليّ: «أَي حذوناها نعالا من حَدِيد، جعله سبتا
لَهَا مجَازًا وصوان من الصون، يصون حوافرها، أَو أخفافها، إِن أَرَادَ
الْإِبِل، فقد كَانُوا يحذونها السريح، وَهُوَ جلد يصون أخفافها.
وَأظْهر من هَذَا أَن يكون أَرَادَ بالصوان: يبيس الأَرْض، أَي لَا سبت
لَهَا إِلَّا ذَلِك» .
[3] معَان (بِفَتْح الْمِيم) : مَوضِع بِالشَّام. والفترة: الضعْف والسكون.
والجموم: اجْتِمَاع الْقُوَّة والنشاط بعد الرَّاحَة.
(2/375)
فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ مُسَوَّمَاتٌ ...
تَنَفَّسُ فِي مَنَاخِرِهَا السَّمُومُ [1]
فَلَا وَأَبِي مَآبَ لَنَأْتِيَنْهَا ... وَإِنْ كَانَتْ بِهَا عَرَبٌ
وَرُومُ [2]
فَعَبَّأْنَا أَعِنَّتَهَا فَجَاءَتْ ... عَوَابِسَ وَالْغُبَارُ لَهَا
بَرِيمُ [3]
بِذِي لَجَبٍ كَأَنَّ الْبَيْضَ فِيهِ ... إذَا بَرَزَتْ قَوَانِسُهَا
النُّجُومُ [4]
فَرَاضِيَةُ الْمَعِيشَةِ طَلَّقَتْهَا ... أَسِنَّتُهَا فَتَنْكِحُ أَوْ
تَئِيمُ [5]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «وَيُرْوَى:
جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ آجَامِ قُرْحٍ [6]
» ، وَقَوْلُهُ: «فَعَبَّأْنَا أَعِنَّتَهَا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى النَّاسُ، فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ:
كُنْتُ يَتِيمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي حَجْرِهِ، فَخَرَجَ
بِي فِي سَفَره ذَلِك مرد فِي عَلَى حقيبة [7] رَحْله، فو الله إنَّهُ
لَيَسِيرُ لَيْلَةً إذْ سَمِعْتُهُ وَهُوَ يُنْشِدُ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ
إذَا أَدَّيْتِنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ... مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ
الْحِسَاءِ [8]
__________
[1] مسومات: مرسلات. والسموم: الرّيح الحارة.
[2] مآب: اسْم مَدِينَة فِي طرف الشَّام من نواحي البلقاء. قَالَ السهيليّ:
«يجوز نَصبه بِفعل مُقَدّر، أَو مَرْفُوع على الِابْتِدَاء» .
[3] البريم فِي الأَصْل: خيطان مختلطان أَحْمَر وأبيض، تشدهما الْمَرْأَة
على وَسطهَا أَو عضدها. وكل مَا فِيهِ لونان مختلطان فَهُوَ بريم أَيْضا.
يُرِيد مَا علاها من الْغُبَار، فخالط لَونه لَوْنهَا. والدمع الْمُخْتَلط
بالإثمد.
وَهَذَا أقرب لِمَعْنى الْبَيْت: أَي أَن دموع الْخَيل اخْتلطت
بِالتُّرَابِ فَصَارَت كالبريم.
[4] ذِي لجب: أَي جَيش. واللجب: اخْتِلَاط الْأَصْوَات وَكَثْرَتهَا:
وَالْبيض: مَا يوضع على الرَّأْس من الْحَدِيد. والقوانس: جمع قونس، وَهُوَ
أَعلَى الْبَيْضَة.
[5] قَالَ أَبُو ذَر: «تئيم: تبقى دون زوج، يُقَال: آمت الْمَرْأَة إِذا لم
تتَزَوَّج» .
[6] قرح (بِالضَّمِّ) : سوق وَادي الْقرى، وبهذه الرِّوَايَة ورد هَذَا
الْبَيْت فِي ياقوت مَنْسُوبا إِلَى ابْن رَوَاحَة.
[7] (الحقيبة) فِي الأَصْل: العجيزة، ثمَّ سمى مَا يحمل من القماش على
الْفرس خلف الرَّاكِب حقيبة، مجَازًا، لِأَنَّهُ مَحْمُول على الْعَجز.
(الْمِصْبَاح) .
[8] الحساء: جمع حسي، وَهُوَ مَاء يغور فِي الرمل حَتَّى يجد صخرا، فَإِذا
بحث عَنهُ وجد يُرِيد مَكَانا فِيهِ الحساء.
(2/376)
فَشَأْنُكَ أَنْعُمٌ وَخَلَّاكِ ذَمٌّ ...
وَلَا أَرْجِعْ إلَى أَهْلِي وَرَائِي [1]
وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي ... بِأَرْضِ الشَّامِ مُشْتَهِيَ
الثَّوَاءِ [2]
وَرَدَّكَ كُلُّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ ... إلَى الرَّحْمَنِ مُنْقَطِعَ
الْإِخَاءِ
هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ ... وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا
رِوَاءُ [3]
فَلَمَّا سَمِعْتُهُنَّ مِنْهُ بَكَيْتُ. قَالَ: فَخَفَقَنِي [4]
بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: مَا عَلَيْكَ يَا لُكَعُ [5] أَنْ يَرْزُقَنِي
اللَّهُ شَهَادَةً وَتَرْجِعَ بَيْنَ شُعْبَتَيْ [6] الرَّحْلِ! قَالَ:
ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي بَعْضِ سَفَرِهِ ذَلِكَ
وَهُوَ يَرْتَجِزُ:
يَا زَيْدُ زَيْدَ الْيَعْمَلَاتِ الذُّبَّلِ ... تَطَاوَلَ اللَّيْلُ
هُدِيتَ فَانْزِلْ [7]
(لِقَاءُ الرُّومِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمَضَى النَّاسُ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ
[8] الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ جَمُوعُ هِرَقْلَ، مِنْ الرُّومِ
وَالْعَرَبِ، بِقَرْيَةِ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ،
ثُمَّ دَنَا الْعَدُوُّ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ
لَهَا مُؤْتَةُ، فَالْتَقَى النَّاسُ عِنْدَهَا، فَتَعَبَّأَ لَهُمْ
الْمُسْلِمُونَ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي
عُذْرَةَ، يُقَالُ لَهُ: قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ
رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُبَايَةُ بْنُ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ مَالِكٍ.
__________
[1] فشأنك أنعم: يُرِيد أَنه لَا يكلفها سفرا بعد ذَلِك، وَإِنَّمَا تنعم
مُطلقَة، لعزمه على الْمَوْت فِي سَبِيل الله. وَلَا أرجع: قَالَ أَبُو
ذَر: «هُوَ مجزوم على الدُّعَاء، دَعَا على نَفسه أَن يستشهد وَلَا يرجع
إِلَى أَهله» .
[2] الثواء الْإِقَامَة فِي الْمَكَان، وَفعله: ثوى يثوى (من بَاب ضرب) .
[3] البعل: الّذي يشرب بعروقه من الأَرْض. ورواء (بِكَسْر الْهمزَة) : صفة
النّخل.
[4] خفتنى بِالدرةِ: أَي ضَرَبَنِي بهَا. والدرة: السَّوْط.
[5] اللكع (كصرد) : اللَّئِيم.
[6] شعبتى الرحل: طرفاه الْمُقدم والمؤخر (عَن أَبى ذَر) .
[7] اليعملات: جمع يعملة، وَهِي النَّاقة السريعة. والذبل: الَّتِي أضعفها
السّير، فَقل لَحمهَا.
(عَن أَبى ذَر) .
[8] التخوم: الْحُدُود الفاصلة بَين أَرض وَأَرْض، وَهِي جمع: تخم. (انْظُر
اللِّسَان) .
(2/377)
(مَقْتَلُ ابْنِ حَارِثَةَ) :
قَالَ ابْن إِسْحَاق: ثمَّ الْتَقَى النَّاسُ وَاقْتَتَلُوا، فَقَاتَلَ
زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى شَاطَ [1] فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ.
(إمَارَةُ جَعْفَرٍ وَمَقْتَلُهُ) :
ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا، حَتَّى إذَا أَلْحَمَهُ
الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ [2] شَقْرَاءَ، فَعَقَرَهَا [3] ،
ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ. فَكَانَ جَعْفَرٌ أَوَّلَ رَجُلٍ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ [4] .
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،
عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي،
وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ
غَزْوَةِ مُؤْتَةَ قَالَ: وَاَللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى جَعْفَرٍ
حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، ثُمَّ عَقَرَهَا ثُمَّ
قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَقُولُ:
يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا ... طَيِّبَةً وَبَارِدًا
شَرَابُهَا
وَالروم روم قددنا عَذَابُهَا ... كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا
عَلَيَّ إذْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ: أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخَذَ اللِّوَاءَ
بِيَمِينِهِ فَقَطِعَتْ، فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ، فَاحْتَضَنَهُ
بِعَضُدَيْهِ حَتَّى قُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَأَثَابَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي
الْجَنَّةِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ. وَيُقَالُ: إنَّ رَجُلًا مِنْ
الرُّومِ ضَرَبَهُ يَوْمَئِذٍ ضَرْبَةً، فَقَطَعَهُ [5] بِنِصْفَيْنِ.
__________
[1] يُقَال شاط الرجل: إِذا سَالَ دَمه فَهَلَك. (عَن أَبى ذَر) .
[2] ألحمه الْقِتَال: نشب فِيهِ فَلم يجد مخلصا. واقتحم عَن فرس لَهُ: رمى
بِنَفسِهِ عَنْهَا.
[3] عقرهَا: ضرب قَوَائِمهَا وَهِي قَائِمَة بِالسَّيْفِ. وَفِي رِوَايَة
لِابْنِ عقبَة والواقدي وَابْن إِسْحَاق أَيْضا «فعرقبها» أَي قطع عرقوبها،
وَهُوَ الْوتر الّذي بَين السَّاق والقدم.
[4] قَالَ السهيليّ: «لم يعب ذَلِك عَلَيْهِ أحد، فَدلَّ على جَوَازه إِذا
خيف أَن يَأْخُذهَا الْعَدو فَيُقَاتل عَلَيْهَا الْمُسلمين، فَلم يدْخل
هَذَا فِي بَاب النهى عَن تَعْذِيب الْبَهَائِم وقتلها عَبَثا، غير أَن
أَبَا دَاوُد قَالَ: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بالقوى. وَقد جَاءَ فِيهِ نهى
كثير عَن الصَّحَابَة ... » وَقَالَ الزرقانى مستدركا: «وَكَأَنَّهُ
يُرِيد: لَيْسَ بِصَحِيح، وَإِلَّا فَهُوَ حسن، كَمَا جزم بِهِ الْحَافِظ،
وَتَبعهُ المُصَنّف» .
[5] فِي رِوَايَة أَبى ذَر: «فقطه» . وَهِي بِمَعْنى قطعه.
(2/378)
(إمَارَةُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَمَقْتَلُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي
الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ:
فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ
الرَّايَةَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَجَعَلَ
يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ، وَيَتَرَدَّدُ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، ثُمَّ قَالَ:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ ... لَتَنْزِلِنَّ أَوْ
لَتُكْرَهِنَّهْ
إنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا الرّنّه ... مَا لي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ
الْجَنَّهْ [1]
قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ ... هَلْ أَنْتِ إلَّا نُطْفَةٌ
فِي شَنَّهْ [2]
وَقَالَ أَيْضًا:
يَا نَفْسُ إلَّا تُقْتَلِي تَمُوتِي ... هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ
صَلِيَتْ
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتُ ... إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتُ
يُرِيدُ صَاحِبَيْهِ: زَيْدًا وَجَعْفَرًا، ثُمَّ نَزَلَ. فَلَمَّا نَزَلَ
أَتَاهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ بِعَرْقٍ [3] مِنْ لَحْمٍ فَقَالَ: شُدَّ بِهَذَا
صُلْبَكَ، فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيتُ فِي أَيَّامِكَ هَذِهِ مَا لَقِيتُ،
فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ انْتَهَسَ [4] مِنْهُ نَهْسَةً، ثُمَّ سَمِعَ
الْحَطْمَةَ [5] فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ، فَقَالَ:
وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا! ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ
سَيْفَهُ فَتَقَدَّمَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
(ابْنُ الْوَلِيدِ وانصرافه بِالنَّاسِ) :
ثمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ [6] أَخُو بَنِي
الْعَجْلَانِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى
رَجُلٍ مِنْكُمْ، قَالُوا: أَنْتَ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ.
فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى
__________
[1] أجلب الْقَوْم: صاحوا واجتمعوا. والرنة: صَوت تَرْجِيع شبه الْبكاء.
(عَن أَبى ذَر) .
[2] النُّطْفَة: المَاء الْقَلِيل الصافي. والشنة: السقاء الْبَالِي، أَي
فيوشك أَن تهراق النُّطْفَة أَو ينخرق السقاء، ضرب ذَلِك مثلا لنَفسِهِ فِي
جسده.
[3] الْعرق: الْعظم الّذي عَلَيْهِ بعض لحم. (عَن أَبى ذَر) .
[4] انتهس: أَخذ مِنْهُ بفمه يَسِيرا. (عَن أَبى ذَر) .
[5] الحطمة: زحام النَّاس وحطم بَعضهم بَعْضًا.
[6] كَذَا فِي الْمَوَاهِب اللدنية والاستيعاب. وَهُوَ ثَابت بن أقرم بن
ثَعْلَبَة بن عدي بن العجلان الْبلوى ثمَّ الْأنْصَارِيّ. وَكَانَ مَقْتَله
سنة إِحْدَى عشرَة فِي الرِّدَّة، وَقيل سنة اثْنَتَيْ عشرَة. وَفِي سَائِر
الْأُصُول: «أَرقم» وَهُوَ تَحْرِيف.
(2/379)
خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ [1] ، فَلَمَّا
أَخَذَ الرَّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ، وَحَاشَى [2] بِهِمْ، ثُمَّ انْحَازَ
وَانْحِيزَ عَنْهُ، حَتَّى انْصَرَفَ بِالنَّاسِ.
(تَنَبُّؤُ الرَّسُولِ بِمَا حَدَثَ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ الرُّومِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا أُصِيبَ الْقَوْمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: أَخَذَ الرَّايَةَ
زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ
أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، قَالَ: ثُمَّ
صَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ
أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ
شَهِيدًا، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رُفِعُوا إلَيَّ فِي الْجَنَّةِ، فِيمَا
يَرَى النَّائِمُ، عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَيْتُ فِي سَرِيرِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا [3] عَنْ سَرِيرَيْ
صَاحِبَيْهِ، فَقُلْتُ: عَمَّ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: مَضَيَا وَتَرَدَّدَ
عَبْدُ اللَّهِ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، ثُمَّ مَضَى.
(حُزْنُ الرَّسُولِ عَلَى جَعْفَرٍ وَوِصَايَتُهُ بِآلِهِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،
عَنْ أُمِّ عِيسَى الْخُزَاعِيَّةِ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرِ بِنْتِ مُحَمَّدِ
بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسَمَاءَ بِنْتِ
عُمَيْسٍ، قَالَتْ:
لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ دَبَغْتُ أَرْبَعِينَ مَنًا [4]-
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى أَرْبَعِينَ مَنِيئَةً- وَعَجَنْتُ
عَجِينِي، وَغَسَلْتُ بَنِيَّ وَدَهَنْتهمْ وَنَظَّفْتهمْ. قَالَتْ:
فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتِينِي
بِبَنِي جَعْفَرٍ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ، فَتَشَمَّمَهُمْ
وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
__________
[1] وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أَبى الْيُسْر قَالَ: أَنا دفعت الرَّايَة
إِلَى ثَابت بن أقرم لما أُصِيب ابْن رَوَاحَة، فَدَفعهَا إِلَى خَالِد
وَقَالَ: أَنْت أعلم بِالْقِتَالِ منى. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .
[2] كَذَا فِي أ: وحاشى بهم (بِالْحَاء الْمُهْملَة) : انحاز بهم، وَهُوَ
من الحشى، وَهِي النَّاحِيَة. وَفِي م، ر: «خاشى» (بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة) . والمخاشاة: المحاجزة، وَهِي مفاعلة من الخشية، لِأَنَّهُ
خشِي على الْمُسلمين لقلَّة عَددهمْ.
[3] ازورارا: ميلًا وعوجا.
[4] فِي الْأُصُول: «منئا» . والتصويب عَن أَبى ذَر، وَهَذَا نَص
عِبَارَته: «المنا» (بِالْقصرِ) :
الّذي يُوزن بِهِ. وَهُوَ الرطل. وتعنى أَرْبَعِينَ رطلا من دباغ. وَمن
روى: «منيئة» فَمَعْنَاه: الْجلد مَا دَامَ فِي الدّباغ. وبهذه الرِّوَايَة
الثَّانِيَة روى الحَدِيث صَاحب (اللِّسَان: منأ) .
(2/380)
بِأَبِي أَنْتُ وَأُمِّي، مَا يُبْكِيكَ؟
أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أُصِيبُوا
هَذَا الْيَوْمَ. قَالَتْ: فَقُمْتُ أَصِيحُ، وَاجْتَمَعَتْ إلَيَّ
النِّسَاءُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: لَا تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا
لَهُمْ طَعَامًا، فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا أَتَى نَعْيُ [1] جَعْفَرٍ عَرَفْنَا فِي
وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُزْنَ.
قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ
النِّسَاءَ عَنَّيْنَنَا وَفَتَنَّنَا، قَالَ: فَارْجِعْ إلَيْهِنَّ
فَأَسْكِتْهُنَّ. قَالَتْ: فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ
ذَلِكَ- قَالَ: تَقُولُ وَرُبَّمَا ضَرَّ التَّكَلُّفُ أَهْلَهُ- قَالَتْ:
قَالَ: فَاذْهَبْ فَأَسْكِتْهُنَّ، فَإِنْ أَبَيْنَ فَاحْثُ فِي
أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ [2] ، قَالَتْ: وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أبعدك
الله! فو اللَّهُ مَا تَرَكْتَ نَفْسَكَ وَمَا أَنْتَ بِمُطِيعٍ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ:
وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْثِيَ فِي أَفْوَاهِهِنَّ
التُّرَابَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ
الْعُذْرِيُّ، الَّذِي كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ الْمُسْلِمِينَ، قَدْ حَمَلَ
عَلَى مَالِكِ بْنِ زَافِلَةَ [3] فَقَتَلَهُ، فَقَالَ قُطْبَةُ بْنُ
قَتَادَةَ:
طَعَنْتُ ابْنَ زافلة بن الإراش ... بِرُمْحٍ مَضَى فِيهِ ثُمَّ انْحَطَمْ
[4]
ضَرَبْتُ عَلَى جِيدِهِ ضَرْبَةً ... فَمَالَ كَمَا مَالَ غُصْنُ السَّلَمْ
[5]
وَسُقْنَا نِسَاءَ بَنِي عَمِّهِ ... غَدَاةَ رَقَوْقَيْنَ سَوْقَ
النَّعَمْ [6]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «ابْنِ الْإِرَاشِ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ.
__________
[1] النعي (بِسُكُون الْعين) : خبر الْمَيِّت الّذي يأتى. والنعي (بِكَسْر
الْعين وَتَشْديد الْيَاء) : هُوَ الرجل الّذي يأتى بِخَبَر مَوته.
[2] يُقَال: حثا الرجل التُّرَاب يحثوه جثوا ويحثيه حثيا، إِذا قَبضه
بِيَدِهِ ثمَّ رَمَاه.
[3] كَذَا فِي أ: وَفِي م ر، هُنَا وَفِيمَا يأتى: «رافلة» بالراء
الْمُهْملَة.
[4] انحطم: انْكَسَرَ.
[5] السّلم: شجر الْعضَاة، الْوَاحِدَة: سَلمَة.
[6] رقوقين: اسْم مَوضِع. ويروى: «رقوفين» (بِالْفَاءِ فِي الثَّانِي) ،
(عَن أَبى ذَر) .
(2/381)
وَالْبَيْتُ الثَّالِثُ عَنْ خَلَّادِ [1]
بْنِ قُرَّةَ، وَيُقَالُ: مَالِكُ بْنُ رَافِلَةَ [2] :
(كَاهِنَةُ حَدَسٍ وَإِنْذَارُهَا قَوْمَهَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَتْ كَاهِنَةٌ مِنْ حَدَسٍ [3] حِينَ
سَمِعَتْ بِجَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُقْبِلًا، قَدْ قَالَتْ لِقَوْمِهَا مِنْ حَدَسٍ، وَقَوْمُهَا بَطْنٌ
يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَنْمٍ- أُنْذِرُكُمْ قَوْمًا خُزْرًا [4] ،
يَنْظُرُونَ شَزْرًا [5] ، وَيَقُودُونَ الْخَيْلَ تَتْرَى [6] ،
ويُهْرِيقُونَ دَمًا عَكْرًا [7] . فَأَخَذُوا بِقَوْلِهَا، وَاعْتَزَلُوا
مِنْ بَيْنِ لَخْمٍ، فَلَمْ تَزَلْ بَعْدُ أَثْرَى [8] حَدَسٍ. وَكَانَ
الَّذِينَ صَلَوْا الْحَرْبَ يَوْمَئِذٍ بَنُو ثَعْلَبَةَ، بَطْنٌ مِنْ
حَدَسٍ، فَلَمْ يَزَالُوا قَلِيلًا بَعْدُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ خَالِدٌ
بِالنَّاسِ أَقْبَلَ بِهِمْ قَافِلًا.
(رُجُوعُ الْجَيْشِ وَتَلَقِّي الرَّسُولِ لَهُ وَغَضَبُ الْمُسْلِمِينَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا دَنَوْا مِنْ
حَوْلِ الْمَدِينَةِ تَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ.
قَالَ: وَلَقِيَهُمْ الصِّبْيَانُ يَشْتَدُّونَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابَّةٍ،
فَقَالَ: خُذُوا الصِّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ، وَأَعْطُونِي ابْنَ
جَعْفَرٍ. فَأَتَى بِعَبْدِ اللَّهِ فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ بَيْنَ
يَدَيْهِ. قَالَ: وَجَعَلَ النَّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التُّرَابَ،
وَيَقُولُونَ يَا فُرَّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ! قَالَ:
فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسُوا
بِالْفُرَّارِ، وَلَكِنَّهُمْ الْكُرَّارُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،
عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ بَعْضِ آلِ
الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: وَهُمْ أَخْوَالُهُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ
__________
[1] كَذَا فِي م، ر، وَفِي أ: «خَالِد» .
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «راقلة» (بِالْقَافِ) .
[3] حدس: قَبيلَة من لخم، ولخم: قَبيلَة من الْيمن. (عَن أَبى ذَر) .
[4] الخزر: جمع أخزر، وَهُوَ الّذي ينظر بمؤخر عينه نظر المتكبر. (عَن أَبى
ذَر) .
[5] الشزر: نظر الْعَدَاوَة.
[6] تترى: متتابعة شَيْئا بعد شَيْء. قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَرْسَلْنا
رُسُلَنا تَتْرا 23: 44. وَمن رَوَاهُ: «تترى» فَهُوَ مصدر، من قَوْلك: نتر
الشَّيْء، إِذا جذبه. (عَن أَبى ذَر) .
[7] الذّكر: المتعكر، يُرِيد دَمًا مختلطا.
[8] «أثرى» : من الثروة، وَهِي الْكَثْرَة. أَي أَكثر مَالا وعددا.
(2/382)
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِامْرَأَةِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ
بن الْمُغيرَة: مَا لي لَا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ؟
قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ، كُلَّمَا خَرَجَ صَاحَ
بِهِ النَّاسُ يَا فُرَّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَتَّى
قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَمَا يَخْرُجُ.
(شِعْرُ قَيْسٍ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَقَهْقُرِ خَالِدٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ
وَأَمْرِ خَالِدٍ وَمُخَاشَاتِهِ بِالنَّاسِ وَانْصِرَافِهِ بِهِمْ، قَيْسُ
بْنُ الْمُسَحَّرِ الْيَعْمَرِيُّ، يَعْتَذِرُ مِمَّا صَنَعَ يَوْمَئِذٍ
وصنع النَّاس
فو الله لَا تَنْفَكُّ نَفْسِي تَلُومُنِي ... عَلَى مَوْقِفِي وَالْخَيْلُ
قَابِعَةٌ قُبْلُ [1]
وَقَفْتُ بِهَا لَا مُسْتَجِيرًا [2] فَنَافِذًا ... وَلَا مَانِعًا مَنْ
كَانَ حُمَّ لَهُ الْقَتْلُ
عَلَى أَنَّنِي آسَيْتُ نَفْسِي بِخَالِدِ ... أَلَا خَالِدٌ فِي الْقَوْمِ
لَيْسَ لَهُ مِثْلُ [3]
وَجَاشَتْ إلَيَّ النَّفْسُ مِنْ نَحْوِ جَعْفَرٍ ... بِمُؤْتَةِ إذْ لَا
يَنْفَعُ النَّابِلَ النَّبْلُ [4]
وَضَمَّ إلَيْنَا حَجْزَتَيْهِمْ كِلَيْهِمَا ... مُهَاجِرَةٌ لَا
مُشْرِكُونَ وَلَا عُزْلُ [5]
فَبَيَّنَ قَيْسٌ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فِي شِعْرِهِ،
أَنَّ الْقَوْمَ حَاجَزُوا وَكَرِهُوا الْمَوْتَ، وَحَقَّقَ انْحِيَازَ
خَالِدٍ بِمَنْ مَعَهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ فِيمَا بَلَغَنَا
عَنْهُ: أَمَّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ،
فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَتَّى قَفَلَ إلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(شِعْرُ حَسَّانَ فِي بكاء قتل مُؤْتَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا بُكِيَ بِهِ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ
حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
__________
[1] قَالَ أَبُو ذَر: «قائعة» من رَوَاهُ بِالْهَمْز فَمَعْنَاه: واثبة،
يُقَال: قأع الْفَحْل على النَّاقة: إِذا وثب عَلَيْهَا. وَمن رَوَاهُ:
«نائعة» بالنُّون، فَمَعْنَاه رَافِعَة رءوسها. وَمن رَوَاهُ: «قابعة»
بِالْبَاء، فَمَعْنَاه منقبضة. وَقبل: جمع أقبل وقبلاء، وَهُوَ الّذي يمِيل
عينه فِي النّظر إِلَى جِهَة الْعين الْأُخْرَى» .
[2] كَذَا فِي (أ) . وَفِي م، ر: «مستحيزا» ، وَمَعْنَاهُ: منحازا إِلَى
نَاحيَة.
[3] آسيت نَفسِي بِخَالِد: اقتديت بِهِ، من الأسوة، وَهِي الْقدْوَة.
[4] جَاشَتْ: ارْتَفَعت. والنابل: صَاحب النبل.
[5] حجزتيهم: ناحيتيهم، يُقَال: بعد حجزة، أَي نَاحيَة، وعزل: جمع أعزل،
وَهُوَ الّذي لَا سلَاح مَعَه
(2/383)
تَأَوَّبَنِي لَيْلٌ بِيَثْرِبَ أَعْسَرُ
... وَهَمَّ إذَا مَا نَوَّمَ النَّاس مسْهر [1]
لذكرى حَبِيبٍ هَيَّجَتْ لِي [2] عَبْرَةً ... سَفُوحًا وَأَسْبَابُ
الْبُكَاءِ التَّذَكُّرُ [3]
بَلَى، إنَّ فِقْدَانَ [4] الْحَبِيبِ بَلِيَّةٌ ... وَكَمْ مِنْ كَرِيمٍ
يُبْتَلَى ثُمَّ يَصْبِرُ
رَأَيْت خِيَار الْمُؤمنِينَ تَوَارَدُوا ... شَعُوبَ وَخَلْفًا بَعْدَهُمْ
يَتَأَخَّرُ [5]
فَلَا يُبْعِدَنَّ اللَّهُ قَتْلَى تَتَابَعُوا ... بِمُؤْتَةَ مِنْهُمْ
ذُو الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ
وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ حِينَ تَتَابَعُوا ... جَمِيعًا وَأَسْبَابُ
الْمَنِيَّةِ تَخْطِرُ [6]
غَدَاةَ مَضَوْا بِالْمُؤْمِنِينَ يَقُودُهُمْ ... إلَى الْمَوْتِ
مَيْمُونُ النَّقِيبَةِ أَزْهَرُ [7]
أَغَرُّ كَضَوْءِ الْبَدْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَبِيٌّ إذَا سِيمَ
الظُّلَامَةَ مِجْسَرُ [8]
فَطَاعَنَ حَتَّى مَالَ غَيْرَ مُوَسَّدٍ ... لِمُعْتَرَكٍ [9] فِيهِ قَنًا
مُتَكَسِّرُ [10]
فَصَارَ مَعَ الْمُسْتَشْهَدِينَ ثَوَابَهُ ... جِنَانٌ وَمُلْتَفُّ
الْحَدَائِقِ أَخْضَرُ
وَكُنَّا نَرَى فِي جَعْفَرٍ مِنْ مُحَمَّدٍ ... وَفَاءً وَأَمْرًا
حَازِمًا حِينَ يَأْمُرُ
فَمَا زَالَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... دَعَائِمُ عِزٍّ لَا
يَزُلْنَ وَمَفْخَرُ
هُمْ جَبَلُ الْإِسْلَامِ وَالنَّاسُ حَوْلَهُمْ [11] ... رِضَامٌ إلَى
طَوْدٍ [12] يروق ويقهر [13]
__________
[1] تأوبنى: عاودني وَرجع إِلَى. وأعسر: عسير. ومسهر: مَانع من النّوم.
[2] فِي ديوَان حسان: ثمَّ.
[3] سفوح: سَائِلَة غزيرة.
[4] فِي ديوَان حسان (بلَاء وفقدان) .
[5] قَالَ أَبُو ذَر: من رَوَاهُ بِضَم الشين، فَهُوَ جمع شعب، وَهِي
الْقَبِيلَة، وَقيل: هُوَ أَكثر من الْقَبِيلَة، وَمن رَوَاهُ بِفَتْح
الشين، فَهُوَ اسْم للمنية، من قَوْلك: شعبت الشَّيْء، إِذا فرقته، وَيجوز
فِيهِ الصّرْف وَتَركه. وخلفا: أَي من يأتى بعد وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر
الْأَخير فِي ديوانه:
شعوب وَقد خلفت فِيمَن يُؤَخر
[6] تخطر: تختال وتهتز.
[7] مَيْمُون النقيبة: مَسْعُود الْجد، وأزهر: أَبيض.
[8] أَبى: عَزِيز الْجَانِب. وسيم: كلف وَحمل (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول
فيهمَا) . والمجسر: الْمِقْدَام الجسور.
[9] المعترك: مَوضِع الْحَرْب.
[10] فِي الدِّيوَان. «فِيهِ القنا يتكسر» .
[11] فِي الدِّيوَان: «حوله» .
[12] الرضام: جمع رضم، وَهِي الْحِجَارَة يتراكم بَعْضهَا فَوق بعض.
والطود: الْجَبَل.
[13] فِي (أ) يقهر.
(2/384)
بهَا ليل مِنْهُمْ جَعْفَرٌ وَابْنُ
أُمِّهِ ... عَلِيٌّ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيَّرُ [1]
وَحَمْزَةُ وَالْعَبَّاسُ مِنْهُمْ وَمِنْهُمْ ... عَقِيلٌ وَمَاءُ
الْعُودِ مِنْ حَيْثُ يُعْصَرُ
بِهِمْ تُفْرَجُ اللَّأْوَاءُ فِي كُلِّ مَأْزِقٍ ... عَمَاسٍ إذَا مَا
ضَاقَ بِالنَّاسِ مَصْدَرُ [2]
هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ أَنْزَلَ حُكْمَهُ ... عَلَيْهِمْ، وَفِيهِمْ ذَا
الْكِتَابُ الْمُطَهَّرُ
(شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى مُؤْتَةَ) :
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
نَامَ الْعُيُونُ وَدَمْعُ عَيْنِكَ يَهْمُلُ ... سَحًّا كَمَا وَكَفَ [3]
الطَّبَابُ الْمُخْضَلُ [4]
فِي لَيْلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيَّ هُمُومُهَا ... طَوْرًا أَحِنُّ [5]
وَتَارَةً أَتَمَلْمَلُ [6]
وَاعْتَادَنِي حُزْنٌ فَبِتُّ كَأَنَّنِي ... بِبَنَاتِ نَعْشٍ
وَالسِّمَاكِ مُوَكَّلُ [7]
وَكَأَنَّمَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَى ... مِمَّا تَأَوَّبَنِي
شِهَابٌ مُدْخَلُ [8]
وَجْدًا عَلَى النَّفَرِ الَّذِينَ تَتَابَعُوا ... يَوْمًا بِمُؤْتَةَ
أُسْنِدُوا لَمْ يُنْقَلُوا
صَلَّى الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فِتْيَةٍ ... وَسَقَى عِظَامَهُمْ
الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ [9]
صَبَرُوا بِمُؤْتَةَ لِلْإِلَهِ نُفُوسَهُمْ ... حَذَرَ الرَّدَى
وَمَخَافَةً أَنْ يَنْكُلُوا [10]
فَمَضَوْا أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ كَأَنَّهُمْ ... فُنُقٌ عَلَيْهِنَّ
الْحَدِيدُ الْمُرْفَلُ [11]
__________
[1] البهاليل: جمع البهلول: وَهُوَ السَّيِّد الوضيء الْوَجْه.
[2] اللأواء: الشدَّة. والعماس: المظلم. يُرِيد ظلامة من كَثْرَة النَّقْع
المثار وَقت الْحَرْب.
[3] همل الدمع: سَالَ، وسحا: صبا، ووكف: قطر.
[4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول وَشرح أَبى ذَر وَالرَّوْض. والطباب: جمع
طبابة، وَهِي سير بَين خرزتين فِي المزادة، فَإِذا كَانَ غير مُحكم وكف
مِنْهُ المَاء. وَفِي (أ) الضباب. والمخضل: السَّائِل الندى.
[5] كَذَا فِي (أ) وأحن (بِالْحَاء الْمُهْملَة) : من الحنين، وَفِي سَائِر
الْأُصُول: «أخن» (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) . والخنين: صَوت يخرج من
الْأنف عِنْد الْبكاء.
[6] أتململ: أتقلب متبرما بمضجعي.
[7] يُرِيد أَنه بَات يرْعَى النُّجُوم طول ليله من طول السهاد.
[8] الْمدْخل: النَّافِذ إِلَى الدَّاخِل.
[9] المسبل: الممطر.
[10] صَبَرُوا نُفُوسهم: حبسوها على مَا يُرِيدُونَ. وينكلوا: يرجِعوا
هائبين لعدوهم.
[11] الفنق: الفحول من الْإِبِل، الْوَاحِد: فنيق. المرفل: الّذي تنجر
أَطْرَافه على الأَرْض، يُرِيد أَن دروعهم سابغة.
25- سيرة ابْن هِشَام- 2
(2/385)
إذْ يَهْتَدُونَ بِجَعْفَرٍ وَلِوَائِهِ
... قُدَّامَ أَوَّلِهِمْ فَنِعْمَ الْأَوَّلُ
حَتَّى تَفَرَّجَتْ الصُّفُوفُ وَجَعْفَرٌ ... حَيْثُ الْتَقَى وَعْثُ
الصُّفُوفِ مُجَدَّلُ [1]
فَتَغَيَّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ ... وَالشَّمْسُ قَدْ
كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ [2]
قَرْمٌ [3] عَلَا بُنْيَانُهُ مِنْ هَاشِمٍ ... فَرْعًا أَشَمَّ
وَسُؤْدُدًا مَا يُنْقَلُ [4]
قَوْمٌ بِهِمْ عَصَمَ الْإِلَهُ عِبَادَهُ ... وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ
الْكِتَابُ الْمُنْزَلُ
فَضَلُوا الْمَعَاشِرَ عِزَّةً وَتَكَرُّمًا ... وَتَغَمَّدَتْ
أَحْلَامُهُمْ مَنْ يَجْهَلُ [5]
لَا يُطْلِقُونَ إلَى السَّفَاهِ حُبَاهُمْ ... وَيُرَى خَطِيبُهُمْ
بِحَقٍّ يَفْصِلُ [6]
بِيضُ الْوُجُوهِ تُرَى بُطُونُ أَكُفِّهِمْ ... تَنْدَى إذَا اعْتَذَرَ
الزّمان الممحل [7]
وبهداهم رضى الْإِلَه الْخلقَة ... وَبِجَدِّهِمْ نُصِرَ النَّبِيُّ
الْمُرْسَلُ [8]
(شِعْرُ حَسَّانَ فِي بُكَاءِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) :
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ:
وَلَقَدْ بَكَيْتُ وَعَزَّ مُهْلَكُ جَعْفَرٍ ... حِبِّ النَّبِيِّ عَلَى
الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا
وَلَقَدْ جَزِعْتُ وَقُلْتُ حِينَ نُعِيتَ لِي ... مَنْ لِلْجِلَادِ لَدَى
الْعُقَابِ وَظِلِّهَا [9]
بِالْبِيضِ حِينَ تُسَلُّ مِنْ أَغْمَادِهَا ... ضَرْبًا وَإِنْهَالِ
الرِّمَاحِ وَعَلِّهَا [10]
__________
[1] وعث الصُّفُوف: التحامها حَتَّى يصعب الْخَلَاص من بَينهَا، تَشْبِيها
بالوعث، وَهُوَ الرمل الّذي تغيب فِيهِ الأرجل، ويصعب فِيهِ السّير. ومجدل:
مطروح على الجدالة، وَهِي الأَرْض.
[2] تأفل: تغيب.
[3] القرم: السَّيِّد.
[4] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي شرح أَبى ذَر: «مَا ينفل: من رَوَاهُ
بِالْفَاءِ فَمَعْنَاه لَا يحْجر، وَمن رَوَاهُ بِالْقَافِ فَهُوَ
مَعْلُوم» .
[5] تغمدت من يجهل: سترت جهل الْجَاهِلين.
[6] إِطْلَاق الحبوة: كِنَايَة عَن النهضة للنجدة. والحبوة (فِي الأَصْل) :
أَن يشبك الْإِنْسَان أَصَابِع يَدَيْهِ بَعْضهَا فِي بعض. ويجعلها على
رُكْبَتَيْهِ إِذا جلس. وَقد يحتبي بحمائل السَّيْف وَغَيرهَا.
[7] الممحل: وَهُوَ الشَّديد الْقَحْط.
[8] كَذَا فِي (أ) وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بحدهم» بِالْحَاء الْمُهْملَة.
قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة فَمَعْنَاه بشجاعتهم
وإقدامهم، وَمن رَوَاهُ «بجدهم» بِالْجِيم الْمَكْسُورَة، فَهُوَ مَعْلُوم»
.
[9] الْعقَاب: اسْم لراية الرَّسُول.
[10] الإنهال: الشّرْب الأول، الشّرْب الثَّانِي، يُرِيد الطعْن بعد
الطعْن.
(2/386)
بَعْدَ ابْنِ فَاطِمَةَ الْمُبَارَكِ
جَعْفَرٍ ... خَيْرِ الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا وَأَجَلِّهَا [1]
رُزْءًا وَأَكْرَمِهَا جَمِيعًا مَحْتِدًا ... وَأَعَزِّهَا مُتَظَلِّمًا
وَأَزَلِّهَا [2]
لِلْحَقِّ حِينَ يَنُوبُ غَيْرَ تَنَحُّلٍ [3] ... كَذِبًا، وَأَنْدَاهَا
يَدًا [4] ، وَأَقَلِّهَا
فُحْشًا، وَأَكْثَرِهَا إذَا مَا يُجْتَدَى [5] ... فَضْلًا، وَأَبْذَلِهَا
نَدَى، وَأَبَلِّهَا [6]
بِالْعُرْفِ غَيْرَ مُحَمَّدٍ لَا مِثْلُهُ ... حَيٌّ مِنْ احْيَاءِ
الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا [7]
(شِعْرُ حَسَّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ حَارِثَةَ وَابْنِ رَوَاحَةَ) :
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ يَبْكِي زَيْدَ بْنَ
حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ:
عَيْنِ جُودِي بِدَمْعِكَ الْمَنْزُورِ ... وَاذْكُرِي فِي الرَّخَاءِ
أَهْلَ الْقُبُورِ [8]
وَاذْكُرِي مُؤْتَةً وَمَا كَانَ فِيهَا ... يَوْمَ رَاحُوا فِي وَقْعَةِ
التَّغْوِيرِ [9]
حِينَ رَاحُوا وَغَادَرُوا ثَمَّ زَيْدًا ... نِعْمَ مَأْوَى الضَّرِيكِ
وَالْمَأْسُورِ [10]
حِبَّ خَيْرِ الْأَنَامِ طُرًّا جَمِيعًا ... سَيِّدَ النَّاسِ حُبُّهُ فِي
الصُّدُورِ
ذَاكُمْ أَحْمَدُ الَّذِي لَا سِوَاهُ ... ذَاكَ حُزْنِي لَهُ مَعًا
وَسُرُورِي
إنَّ زَيْدًا قَدْ كَانَ مِنَّا بِأَمْرٍ ... لَيْسَ أَمْرَ الْمُكَذَّبِ
الْمَغْرُورِ
ثُمَّ جُودِي لِلْخَزْرَجِيِّ بِدَمْعٍ ... سَيِّدًا كَانَ ثَمَّ غَيْرَ
نَزُورِ [11]
__________
[1] فَاطِمَة: هِيَ أم جَعْفَر وعَلى بن أَبى طَالب، وَهِي فَاطِمَة بنت
أَسد بن هَاشم، وَهِي أول هاشمية ولدت لهاشمى. (عَن أَبى ذَر) .
[2] المحتد: الأَصْل.
[3] التنحل: الْكَذِب.
[4] فِي ديوانه: «وأغمرها ندي» .
[5] الاجتداء: طلب الجدوى، وَهِي الْعَطِيَّة.
[6] كَذَا فِي ديوانه. وَفِي الْأُصُول: «وأنداها يدا» .
[7] رَأينَا هَذَا الْبَيْت فِي ديوانه:
عل خير بعد محمّد لَا شبهه ... بشر يعدّ من البريّة جلّها
[8] المنزور: الْقَلِيل، يُرِيد أَنه بَكَى حَتَّى قل دمعه: فَهُوَ يَأْمر
عينه أَن تجود بذلك الْقَلِيل على مَا هُوَ عَلَيْهِ.
[9] التغوير: الْإِسْرَاع إِلَى الْفِرَار.
[10] الضريك: الْفَقِير.
[11] الخزرجي: هُوَ عبد الله بن رَوَاحَة. والنزور: الْقَلِيل الْعَطاء.
وَهَذَا الْبَيْت غير مَذْكُور فِي الدِّيوَان.
(2/387)
قَدْ أَتَانَا مِنْ قَتْلِهِمْ مَا
كَفَانَا ... فَبِحُزْنٍ نَبِيتُ غَيْرَ سُرُورِ
وَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ
مُؤْتَةَ:
كَفَى حَزَنًا أَنِّي رَجَعْتُ وَجَعْفَرٌ ... وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ
فِي رَمْسِ أَقْبُرْ
قَضَوْا نَحْبَهُمْ لَمَّا مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخُلِّفْتُ
لِلْبَلْوَى مَعَ الْمُتَغَبِّرِ [1]
ثَلَاثَةُ رَهْطٍ قُدِّمُوا فَتَقَدَّمُوا ... إلَى وَرْدِ مَكْرُوهٍ مِنْ
الْمَوْتِ أَحْمَرِ
(شُهَدَاءُ مُؤْتَةَ) :
وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ.
(مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) :
مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(مِنْ بَنِي عَدِيٍّ) :
وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ: مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ نَضْلَةَ.
(مِنْ بَنِي مَالِكٍ) :
وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ: وَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ.
(مِنَ الْأَنْصَارِ) :
وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَعَبَّادُ ابْن قَيْسٍ.
وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ: الْحَارِثُ بْنُ
النُّعْمَانِ بْنِ أَسَافَ بْنِ نَضْلَةَ ابْن عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
غَنْمٍ.
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: سُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عَطِيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ.
(مَنْ ذَكَرَهُمُ ابْنُ هِشَامٍ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمَّنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فِيمَا
ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ:
__________
[1] كَذَا فِي الْأُصُول. والمتغبر: الْبَاقِي. قَالَ أَبُو ذَر: وَمن
رَوَاهُ «المتعذر» فَهُوَ مَعْلُوم.
(2/388)
مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: أَبُو كُلَيْبٍ وَجَابِرٌ، ابْنَا
عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولٍ وَهُمَا لِأَبٍ وَأُمٍّ.
وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أَفْصَى: عَمْرٌو وَعَامِرٌ، ابْنَا سَعْدِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
مَالِكِ بْنِ أَفْصَى.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَبُو كِلَابٍ وَجَابِرٌ، ابْنَا عَمْرٍو
[1] . |