عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 1 ص -151-
ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة:
وكانت
الهجرة إلى أرض الحبشة مرتين فكان عدد
المهاجرين في المرة الأولى اثني عشر رجلا
وأربع نسوة ثم رجعوا عندما بلغهم عن المشركين
سجودهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند
قراءة سورة
{وَالنَّجْمِ}
وسيأتي ذكر ذلك فلقوا من المشركين أشد مما
عهدوا فهاجروا ثانية وكانوا ثلاثة وثمانين
رجلا إن كان فيهم عمار ففيه خلاف بين أهل
النقل وثماني عشرة امرأة إحدى عشرة قرشيات
وسبعا غرباء وبعثت قريشا في شأنهم إلى النجاشي
مرتين الأولى عند هجرتهم والثانية عقيب وقعة
بدر وكان عمرو بن العاص رسولا في المرتين ومعه
في إحداهما عمارة بن الوليد وفى الأخرى عبد
الله بن أبي ربيعة المخزوميان. وروى عبد
الرزاق عن معمر عن الزهري قال: فلما كثر
المسلمون وظهر الإيمان أقبل كفار قريش على من
آمن من قبائلهم يعذبونهم ويؤذونهم ليردوهم عن
دينهم قال: فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لمن آمن به:
"تفرقوا في الأرض فإن الله تعالى سيجمعكم"،
قالوا: إلى أين نذهب؟ قال:
"إلى ههنا"، وأشار
بيده إلى أرض الحبشة فهاجر إليها ناس ذوو عدد
منهم من هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه حتى
قدموا أرض الحبشة فكان أول من خرج عثمان بن
عفان معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم. وقد قيل: إن أول من هاجر إلى أرض
الحبشة حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخو
سهيل بن عمرو وقيل هو سليط بن عمرو وأبو حذيفة
بن عتبة بن ربيعة هاربا عن أبيه بدينه ومعه
امرأته سهلة بنت سهيل مسلمة مراغمة لأبيها
فارة عنه
ج / 1 ص -152-
بدينها
فولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن
عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد ومعه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية وعثمان
بن مظعون وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب ومعه امرأته ليلى بنت أبي
خيثمة بن غانم العدوية وأبو سبرة بن أبي رهم العامري وامرأته أم كلثوم
بنت سهيل بن عمرو -ولم يذكرها ابن إسحاق فهي خامسة لهن- وسهيل بن بيضاء
وهو سهيل بن وهب بن ربيعة الفهري وعبد الله بن مسعود الهذلي فخرجوا
متسللين سرا حتى انتهوا إلى الشعيبة منهم الراكب ومنهم الماشي فوفق
الله لهم سفينتين للتجار حملوهم فيهما بنصف دينار وكان مخرجهم في رجب
من السنة الخامسة من النبوة فخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر من
حيث ركبوا فلم يجدوا أحدا منهم ثم خرج جعفر بن أبى طالب في المرة
الثانية ومعه امرأته أسماء بنت عميس فولدت له هناك بنيه محمدا وعبد
الله وعونا وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ومعه امرأته فاطمة بنت
صفوان ابن أمية بن محرث الكناني وأخوه خالد بن سعيد معه امرأته أمينة
بنت خلف بن أسيد بن عامر بن بياضة الخزاعية فولدت له هناك ابنه سعيدا
وابنته أم خالد واسمها أمة وعبيد الله بن جحش معه امرأته أم حبيبة بنت
أبي سفيان فتنصر هناك ثم توفي على النصرانية وتزوج رسول الله صلى الله
عليه وسلم أم حبيبة كما سيأتي إن شاء الله تعالى وأخوه عبد الله بن جحش
وقيس بن عبد الله حليف لبني أمية بن أمية بن عبد شمس معه امرأته بركة
بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي حليف
لبني العاص بن أمية وعتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل
ويزيد بن زمعة بن الأسود وعمرو بن أمية بن الحارث بن أسد والأسود بن
نوفل بن خويلد بن أسد وكليب بن عمير بن وهب بن أبي كثير بن عبد قصي
وسويبط بن سعد بن حرملة ويقال: حريملة بن مالك العبدري وجهم بن قيس بن
عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار
ج / 1 ص -153-
العبدري معه امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود بن جزيمة من خزاعة وابناه
عمرو بن جهم وخزيمة بنت جهم وأبو الروم بن عمير أخو مصعب بن عمير وفراس
بن النضر بن الحارث بن كلدة وعامر بن أبي وقاص أخو سعد والمطلب بن أزهر
بن عبد عوف معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة السهمية ولدت له هناك
عبد الله بن المطلب وعبد الله بن مسعود الهذلي وأخوه عتبة بن مسعود
والمقداد بن الأسود تبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري وهو حليف له فنسب
إليه وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني والحارث بن خالد بن صخر بن
عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ومعه امرأته ريطة بنت الحارث التيمية
فولدت له هناك موسى وزينب وعائشة وفاطمة وعمرو بن عثمان بن عمرو التيمي
عم طلحة وشماس بن عثمان بن الشريد المخزومي واسمه عثمان بن عثمان وهبار
بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال المخزومي وأخوه عبد الله بن سفيان وهشام
بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وعياش بن أبي
ربيعة بن المغيرة المخزومي ومعتب بن عوف بن عامر الخزاعي وبعض الناس
يقول معتب حليف بني مخزوم والسائب بن عثمان بن مظعون وعماه قدامة وعبد
الله ابنا مظعون وحاطب وحطاب ابنا الحارث بن معمر الجمحي ومع حاطب زوجه
فاطمة بنت المجلل العامري وولدت له هناك محمدا والحارث ابني حاطب ومع
حطاب زوجه فكيهة بنت يسار وسفيان ابن معمر بن حبيب الجمحي ومعه ابناه
جابر وجنادة وأمهما حسنة وأخوهما لأمهما شرحبيل بن حسنة وهو شرحبيل بن
عبد الله بن المطاع الكندي وقيل: إنه من بني الغوث بن مر أخي تميم بن
مر وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح وخنيس بن حذافة بن
قيس بن عدي السهمي وسهم بن عمرو بن هصيص وأخواه عبد الله وقيس ابنا
حذافة ورجل من بني تميم اسمه سعيد بن عمر وكان أخا بشر بن الحارث بن
قيس بن عدي لأمه وهشام بن العاص أخو عمرو وعمير
ج / 1 ص -154-
ابن
رئاب بن حذيفة السهمي وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي وإخوته
الحارث ومعمر وسعيد والسائب وبشر وأخ لهم من أمهم من تميم يقال له:
سعيد بن عمرو ومحمئة بن جزء الزبيدي حليف بني سهم ومعمر بن عبد الله بن
نضلة ويقال: ابن عبد الله بن نافع بن نضلة العدوي وعروة بن عبد العزى
بن حرثان العدوي وعن مصعب الزبيري عروة بن أبي أثاثة بن عبد العزى أو
عمرو بن أثاثة وعدي بن نضلة بن عبد العزى العدوي وابنه النعمان ومالك
بن ربيعة بن قيس العامري وامرأته عمرة بنت أسعد1 بن وقدان بن عبد شمس
العامرية وسعد بن خولة من أهل اليمن حليف لبني عامر بن لؤي وعبد الله
بن مخرمة بن عبد العزى وعبد الله بن سهيل بن عمرو وعماه سليط والسكران
ابنا عمرو العامريون وامرأته سودة بنت زمعة وأبو عبيدة بن الجراح وعمرو
بن أبي سرح بن ربيعة وعياض بن زهير بن أبي شداد وعثمان بن عبد غنم بن
زهير بن أبي شداد وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر الفهريون وعمار بن
ياسر وفيه خلاف بين أهل السير. وقال بعض أهل السير: إن أبا موسى
الأشعري كان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة وليس كذلك ولكنه خرج في طائفة من
قومه من أرضهم باليمن يريد المدينة فركبوا البحر فرمتهم الريح إلى أرض
الحبشة فأقام هناك حتى قدم مع جعفر بن أبي طالب فلما نزل هؤلاء بأرض
الحبشة أمنوا على دينهم، وأقاموا بخير دار عند خير جار، وطلبتهم قريش
عنده فكان ذلك سبب إسلامه. قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم
بن علي الحنبلي بالصالحية أخبركم أبو الحسن علي بن النفيس بن بورنداز2
قال: أنا أبو القاسم محمود بن عبد الكريم قال: أنا أبو بكر بن ماجه
قال: أنا أبو جعفر عن أبي جعفر عن أبي جعفر أحمد بن محمد بن المرزبان
عن محمد بن إبراهيم بن يحيى بن الحكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وعند ابن الجوزي والذهبي "بنت السعدي".
2 بضم الباء وسكون الواو وفتح الراء وسكون النون وفتح الدال وآخره زاي.
ج / 1 ص -155-
الحزوري1 عن محمد بن سليمان لوين2 ثنا حديج3 بن معاوية عن أبي إسحاق عن
عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بعثنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ثمانين رجلا منهم عبد الله بن
مسعود وجعفر وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون رضي الله عنهم، وبعثت
قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية فقدما على النجاشي فدخلا
عليه وسجدا له وابتداره فقعد واحد عن يمينه والآخر عن شماله فقالا: إن
نفرا من بني عمنا نزلوا أرضك فرغبوا عنا وعن ملتنا قال: وأين هم؟
قالوا: بأرضك فأرسل في طلبهم فقال جعفر رضي الله عنه: أنا خطيبكم اليوم
فاتبعوه فدخل فسلم فقال: ما لك لا تسجد للملك؟ قال: إنا لا نسجد إلا
لله عز وجل؛ قالوا: ولم ذاك؟ قال: إن الله تعالى أرسل فينا رسولا
وأمرنا أن لا نسجد إلا لله عز وجل وأمرنا بالصلاة والزكاة، قال عمرو بن
العاص: فإنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه؛ قال: فما تقولون في ابن مريم
وأمه؟ قال: كما قال الله عز وجل روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم
العذراء البتول التي لم يمسها بشر ولم يفرضها4 ولد؛ قال: فرفع النجاشي
عودا من الأرض؛ فقال: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ما تزيدون على
ما يقولون أشهد أنه رسول الله وأنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل والله
لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه
وقال: انزلوا حيث شئتم وأمر بهدية الآخرين فردت عليهما؛ قال: وتعجل عبد
الله بن مسعود فشهد بدرا وقال: إنه لما انتهى إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم موته استغفر له ولعمارة بن الوليد مع عمرو بن العاص في هذا
الوجه خبر مشهور ذكره أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني وغيره. وقال
عمرو يخاطب عمارة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الحاء المهملة وفتح الزاي والواو المشددة.
2 بضم اللام وفتح الواو وسكون الياء.
3 بالتصغير. وفى الأصل بالخاء المعجمة.
4 بكسر الراء وسكون الضاد أي: لم يؤثر فيها.
ج / 1 ص -156-
إذا المرء لم يترك طعاما يحبه
ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما
قضى وطرا منه وغادر سبة
إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
ولم يذكر
ابن إسحاق مع عمرو إلا عبد الله بن أبي ربيعة في رواية زياد. وفى رواية
ابن بكير لعمارة بن الوليد ذكر فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند
النجاشي في أحسن جوار فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ومن النساء ثماني نسوة فمات
منهم رجلان بمكة وحبس بمكة سبعة نفر، وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا
فلما كان شهر ربيع الأول وقيل: المحرم سنة سبع من هجرة رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى المدينة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
النجاشي كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام وبعث به مع عمرو بن أمية الضمري
فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وقال: لو قدرت أن آتيه لأتيته وكتب إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ففعل
وأصدق عنه تسعمائة دينار وكان الذي تولى التزويج خالد بن سعيد بن العاص
بن أمية وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من بقي
عنده من أصحابه ويحملهم ففعل فجاءوا حتى قدموا المدينة فيجدون رسول
الله صلى الله عليه وسلم في خيبر فشخصوا إليه فوجدوه قد فتح خيبر فكلم
رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يدخلوهم في سهمانهم ففعلوا.
وكان سبب رجوع الأولين الاثني عشر رجلا ومن ذكر معهم من النساء فيما
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوما على المشركين
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} حتى بلغ
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ
الْأُخْرَى} ألقى الشيطان كلمتين على لسانه:
"تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى"؛
فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما ثم مضى فقرأ السورة كلها فسجد
وسجد القوم جميعا ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه
وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود ويقال: إن أبا أحيحة سعيد بن
ج / 1 ص -157-
العاص
أخذ ترابا فسجد عليه ويقال: كلاهما فعل ذلك فرضوا بما تكلم به رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق
ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فأما إذ جعلت لها نصيبا فنحن معك
فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم حتى جلس في البيت
فلما أمسى أتاه جبريل فعرض عليه السورة فقال جبريل: ما جئتك بهاتين
الكلمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قلت على الله ما لم يقل" فأوحى الله إليه:
{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} إلى قوله:
{ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} قالوا ففشت تلك السجدة في الناس حتى بلغت أرض الحبشة فقال القوم
عشائرنا أحب إلينا فخرجوا راجعين حتى إذا كانوا دون مكة بساعة من نهار
لقوا ركبانا من كنانة فسألوهم عن قريش فقال الركب: ذكر محمد آلهتهم
بخير فتابعه الملأ ثم ارتد عنها فعاد لشتم آلهتهم وعادوا له بالشر
فتركناهم على ذلك فائتمر القوم في الرجوع إلى أرض الحبشة ثم قالوا: قد
بلغنا مكة1 فندخل فننظر ما فيه قريش ويحدث عهدا من أراد بأهله ثم يرجع
فدخلوا مكة ولم يدخل أحد فيهم إلا بجوار إلا ابن مسعود فإنه مكث يسيرا
ثم رجع إلى أرض الحبشة. قال الواقدي وكانوا خرجوا في رجب سنة خمس
فأقاموا شعبان وشهر رمضان وكانت السجدة في شهر رمضان فقدموا في شوال
سنة خمس. قال السهيلي ذكر هذا الخبر يعني خبر هذه السجدة موسى بن عقبة
وابن إسحاق من غير طريق البكائي وأهل الأصول يدفعون هذا الحديث بالحجة
ومن صححه قال فيه أقوالا: منها أن الشيطان قال ذلك وأشاعه والرسول لم
ينطق به وهذا جيد لولا أن في حديثهم أن جبريل قال لمحمد ما أتيتك بهذا،
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها من قبل نفسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "مكة" ساقطة من الأصل، والتصحيح من النسخة الظاهرية التى يؤيدها
السياق.
ج / 1 ص -158-
وعنى
بها الملائكة أن شفاعتهم ترتجى، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
قالها حاكيا عن الكفرة وأنهم يقولون ذلك فقالها متعجبا من كفرهم قال:
والحديث على ما خيلت غير مقطوع بصحته. قلت بلغني عن الحافظ عبد العظيم
المنذري رحمه الله أنه كان يرد هذا الحديث من جهة الرواة بالكلية وكان
شيخنا الحافظ عبد المؤمن الدمياطي يخالفه في ذلك، والذي عندي في هذا
الخبر أنه جار مجرى ما يذكر من أخبار هذا الباب من المغازي والسير،
والذى ذهب إليه كثير من أهل العلم الترخص في الرقائق وما لا حكم فيه من
أخبار المغازي وما يجري مجرى ذلك وأنه يقبل فيها من لا يقبل في الحلال
والحرام لعدم تعلق الأحكام بها، وأما هذا الخبر فينبغي بهذا الاعتبار
أن يرد إلى ما يتعلق به إلا أن يثبت بسند لا مطعن فيه بوجه ولا سبيل
إلى ذلك فيرجع إلى تأويله.
ج / 1 ص -159-
ذكر إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
قرأت على
عبد الرحيم بن يوسف المزي أخبركم أبو حفص بن طبرزد قال: أنا أبو بكر بن
عبد الباقي قال: أنا أبو علي الحسن بن غالب الحربي ثنا أبو عبد الله
محمد بن أحمد المالكي القاضي ثنا الحسين بن إسحاق ثنا أبو علقمة عبد
الله بن عيسى الفروي ثنا عبد المالك بن الماجشون عن الزنجي بن خالد عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال:
"اللهم
أعز الإسلام بعمر بن الخطاب".
وقرأت على أبي الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو الفراء بسفح
قاسيون أخبركم أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى1
التغلبي فأقر به قال: أنا الشيخان الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن
جعفر الحسيني وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الأسدي
قالا: أنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي العلاء قال: أنا أبو محمد عبد
الرحمن بن عثمان بن أبي نصر التميمي قال: أنا أبو خيثمة بن سليمان ثنا
محمد بن عوف ثنا سفيان الطائي قال: قرأت على إسحاق بن إبراهيم الحنيني
قال: ذكره أسامة بن زيد عن أبيه عن جده أسلم قال: قال لنا عمر بن
الخطاب: أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي قلنا نعم قال: كنت من أشد
الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا في يوم حار شديد
الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقيني رجل من بعض قريش فقال لي: أين
تذهب يابن الخطاب؟ أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك
قال: قلت: وما ذاك قال: أختك قد صبت قال: فرجعت مغضبا وقد كان رسول
الله صلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بصادين مهملتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة على وزن سكرى.
ج / 1 ص -160-
الله
عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلم عند الرجل به قوة فيكونان معه
ويصيبان من طعامه قال: وقد ضم إلى زوج أختي رجلين قال: فجئت حتى قرعت
الباب فقيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب قال: وكان القوم جلوسا يقرءون
صحيفة معهم قال: فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا وتركوا أو نسوا
الصحيفة من أيديهم قال: فقامت المرأة ففتحت لي قال: فقلت لها: يا عدوة
نفسها قد بلغني أنك قد صبوت قال: فأرفع شيئا في يدي فأضربها به قال:
فسال الدم قال: فلما رأت المرأة الدم بكت ثم قالت: يابن الخطاب ما كنت
فاعلا فافعل فقد أسلمت قال: فدخلت وأنا مغضب قال: فجلست على السرير
فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت فقلت ما هذا الكتاب أعطنيه فقالت: لا
أعطيكه لست من أهله أنت لا تغتسل من الجنابة ولا تطهر وهذا لا يمسه إلا
المطهرون قال: فلم أزل بها حتى أعطتنيه فإذا فيه
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت ورميت الصحيفة من يدي قال: ثم رجعت
إلى نفسي فإذا فيها:
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ} قال: فكلما مررت بالاسم من أسماء الله عز وجل ذعرت ثم ترجع إلي
نفسي حتى بلغت:
{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ
مُسْتَخْلَفِينَ فِيه} حتى بلغ إلى قوله:
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فخرج
القوم يتبادرون بالتكبير استبشارا بما سمعوا مني وحمدوا لله عز وجل ثم
قالوا: يابن الخطاب أبشر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم
الاثنين فقال:
"اللهم أعز الإسلام بأحد الرجلين إما أبو جهل بن هشام وإما عمر بن
الخطاب" وإنا
نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فأبشر قال: فلما أن
عرفوا مني الصدق قلت لهم: أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا: هو في بيت في أسفل الصفا وصفوه قال: فخرجت حتى قرعت الباب قيل
من هذا قلت: ابن الخطاب قال: وعرفوا شدتي على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولم يعلموا إسلامي قال: فما اجترأ أحد أن يفتح الباب قال:
ج / 1 ص -161-
فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"افتحوا له فإن
يرد الله به خيرا يهده" قال:
ففتحوا لي وأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي صلى الله عليه وسلم
فقال:
"أرسلوه"
قال: فأرسلوني فجلست بين يديه قال: فأخذ بمجمع قميصي فجذبني إليه ثم
قال:
"أسلم يابن الخطاب اللهم اهده" قال: قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال: فكبر
المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة قال: وقد كان الرجل إذا أسلم استخفى ثم
خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلا إذا أسلم ضرب إلا رأيته قال: فلما رأيت
ذلك قلت لا أحب أن لا يصيبني ما يصيب المسلمين قال: فذهبت إلى خالي
وكان شريفا فيهم فقرعت الباب عليه فقال: من هذا قلت ابن الخطاب قال:
فخرج إلي فقلت له أشعرت أني قد صبوت قال: نعم فقلت: نعم قال: لا تفعل
قال: قلت: بلى قد فعلت قال: لا تفعل فأجاف الباب دوني وتركني قال: قلت
ما هذا بشيء قال: فخرجت حتى جئت رجلا من عظماء قريش فقرعت عليه الباب
قال من هذا قلت عمر بن الخطاب قال: فخرج إلي فقلت له: هل شعرت أني قد
صبوت فقال: أوفعلت؟ قلت: نعم قال: فلا تفعل قلت: قد فعلت قال: لا تفعل،
ثم قام فدخل فأجاف الباب دوني قال: فلما رأيت ذلك انصرفت فقال لي رجل:
تحب أن يعلم إسلامك؟ قال: قلت: نعم قال: فإذا جلس الناس في الحجر
واجتمعوا أتيت فلانا لرجل لم يكن يكتم السر فاصغ إليه فقل له فيما بينك
وبينه: إني قد صبوت فإنه سوف يظهر عليك ذلك ويصيح ويعلنه قال: فلما
اجتمع الناس في الحجر جئت إلى الرجل فدنوت منه فأصغيت إليه فيما بيني
وبينه فقلت: أعلمت أني قد صبوت قال: فقال: أصبوت؟ قلت: نعم قال: فرفع
صوته بأعلاه قال: ألا إن ابن الخطاب قد صبأ قال: فما زال الناس يضربوني
وضربتهم قال: فقال خالي: ما هذا؟ قال: فقيل: ابن الخطاب قال: فقام علي
في الحجر فأشار بكمه فقال: ألا أني قد أجرت ابن أختي قال: فانكشف الناس
عني قال: وكنت لا أشاء أن أرى أحدا من المسلمين يضرب إلا رأيته وأنا لا
أضرب قال: فقلت: ما هذا
ج / 1 ص -162-
بشيء
حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين قال: فأمهلت حتى إذا جلس الناس في
الحجر وصلت إلى خالي فقلت: اسمع فقال: ما أسمع؟ قال: قلت: جوارك عليك
رد قال: فقال: لا تفعل يابن أختي قال: قلت: بلى هو ذاك فقال: ما شئت
قال: فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام. وروينا هذا الخبر من
طريق ابن إسحاق وفيه قال وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة
وكانت عند سعيد بن زيد كانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد وهم مستخفون
بإسلامهم من عمر وكان نعيم النحام رجل من قومه قد أسلم وفيه أن عمر خرج
متوشحا سيفه يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه وهم قريب من
أربعين بين رجال ونساء وأن الذي قال له ما قال نعيم وأن خبابا كان في
بيت أخته يقرئهم القرآن وأن الذي كان في الصحيفة سورة طه، وأن الذي أذن
في دخوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب والرجل
الذي صرح بإسلام عمر عند ما قاله جميل بن معمر الجمحي الذى يقال له: ذو
القلبين وفيه نزلت:
{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} على أحد الأقوال وفيه يقول الشاعر:
وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما
قضى وطرا منها جميل بن معمر
ورويناه من طريق ابن
عائذ قال: أخبرني الوليد بن مسلم قال: حدثني عمر بن محمد قال: حدثني
أبي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر فذكر القصة وفيها فأتيته بصحيفة
فيها "طه" فقرأ فيها ما شاء الله قال عمر فلما بلغ:
{فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
فَتَرْدَى} قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وفيها قالوا:
يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب يستفتح فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"ائذنوا له فإن يرد الله به خيرا يهده وإلا كفيتموه1
بإذن
الله" قال محمد يعني ابن عائذ وهذا وهم وإنما الذي قال: إن يرد الله به
خيرا وإلا كفيتموه حمزة وفي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة "كفيتكموه".
ج / 1 ص -163-
الخبر
عن ابن عائذ قال عمر: فحدثني أبي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر أن
أباه زيد بن عبد الله بن عمر حدثه عن عبيد الله بن عمر قال: فبينا هو
خائف على نفسه إذ جاءه العاص بن وائل عليه حلة وقميص مكفف بالحرير
فقال: مالك يابن الخطاب؛ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني إذا أسلمت قال
العاص: لا سبيل إليك فما عدا أن قالها العاص فأمنت عليه قال عبد الله
بن عمر: فخرج عمر والعاص فإذا الوادي قد سال بالناس فقال لهم: أين
تريدون؟ قالوا: هذا الذي قد خالف دين قومه قال: لا سبيل إليه فارجعوا
فرجعوا. وذكر محمد بن عبد الله بن سنجر الحافظ فيما رأيته عنه بإسناده
إلى شريح بن عبيد قال قال عمر بن الخطاب خرجت أتعرض رسول الله صلى الله
عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح
سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن فقلت: هذا والله شاعر كما
قالت قريش فقرأ:
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ
قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} قال: قلت: كاهن علم ما في نفسي فقرأ:
{وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} إلى آخر السورة قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع. وقد ذكر غير
هذا في خبر إسلام عمر رضي الله عنه أيضا فالله أعلم أي ذلك كان؟ أخبرنا
الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي وأبو العز عبد العزيز بن
عبد المنعم الحراني قراءة عليهما وأنا حاضر في الرابعة قال الأول: أنا
أبو اليمن الكندي قراءة عليه وأنا أسمع وقال الثاني أنا أبو علي بن
الخريف قراءة عليه وأنا حاضر أسمع في الخامسة قالا: أنا أبو بكر محمد
بن عبد الباقي الأنصاري قال: أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حسنون
قال: أنا معافى بن إبراهيم بن زكريا بن طراز قال: أنا عبد الله يعني
البغوي ثنا عبيد الله بن عمر ثنا عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب
عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما أسلم عمر رضي الله عنه نزل جبريل عليه
السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد لقد استبشر أهل
السماء بإسلام عمر رضي الله عنه.
ج / 1 ص -165-
ذكر الخبر عن دخول بني هاشم وبني المطلب:
ابني عبد مناف في الشعب وما لقوا من سائر قريش في ذلك.
قال أبو عمر: أنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا
محمد بن سلمة المرادي قال: أنا ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة عن محمد
بن عبد الرحمن أبي الأسود وأنا عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ
ثنا مطرف بن عبد الرحمن بن قيس ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب وأنا عبد
الله بن محمد ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن إسحاق المسيبي
قالا: ثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب دخل حديث بعضهم في
بعض قال: ثم إن كفار قريش أجمعوا أمرهم واتفق رأيهم على قتل رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقالوا: قد أفسد أبناءنا ونساءنا فقالوا لقومه:
خذوا منا دية مضاعفة ويقتله رجل من غير قريش وتريحوننا وتريحون أنفسكم
فأبى قومه بنو هاشم من ذلك فظاهرهم بنو المطلب بن عبد مناف فأجمع
المشركون من قريش على منابذتهم وإخراجهم من مكة إلى الشعب فلما دخلوا
إلى الشعب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من المؤمنين
أن يخرجوا إلى أرض الحبشة وكان متجرا لقريش فكان يثني على النجاشي بأنه
لا يظلم عنده أحد فانطلق إليها عامة من آمن بالله ورسوله ودخل بنو هاشم
وبنو المطلب شعبهم مؤمنهم وكافرهم فالمؤمن دينا والكافر حمية فلما عرفت
قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منعه قومه أجمعوا على أن لا
يبايعوهم ولا يدخلوا إليهم شيئا من الرفق وقطعوا عنهم الأسواق ولم
يتركوا طعاما ولا أداما ولا بيعا إلا بادروا إليه واشتروه دونهم ولا
يناكحوهم ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا
رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها
ج / 1 ص -166-
في
الكعبة وتمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين فاشتد البلاء على
بني هاشم في شعبهم وعلى كل من معهم فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم قوم
من قصي ممن ولدتهم بنو هاشم ومن سواهم فأجمعوا أمرهم على نقض ما
تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فأكلت
ولحست ما في الصحيفة من ميثاق وعهد وكان أبو طالب في طول مدتهم في
الشعب يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه
من أراد به شرا أو غائلة فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني
عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها فلم يزالوا في الشعب على
ذلك إلى تمام ثلاث سنين ولم تترك الأرضة في الصحيفة اسما لله عز وجل
إلا لحسته وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم فأطلع الله
رسوله على ذلك فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب فقال
أبو طالب: لا والثواقب ما كذبتني فانطلق في عصابة من بني عبد المطلب
حتى أتوا المسجد وهم خائفون لقريش فلما رأتهم قريش في جماعة أنكروا ذلك
وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم
برمته إلى قريش فتكلم أبو طالب فقال: قد جرت أمور بيننا وبينكم نذكرها
لكم فائتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم فلعله أن يكون بيننا وبينكم
صلح وإنما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا
بها فأتوا بصحيفتهم معجبين لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدفع إليهم فوضعوها بينهم وقالوا لأبي طالب قد آن لكم أن ترجعوا عما
أحدثتم علينا وعلى أنفسكم فقال أبو طالب إنما أتيتكم في أمر هو نصف
بيننا وبينكم إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن هذه الصحيفة التي في
أيديكم قد بعث الله عليها دابة فلم تترك فيها اسما له إلا لحسته وتركت
فيها غدركم وتظاهركم علينا بالظلم فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا فلا
والله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا
ج / 1 ص -167-
وإن
كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم فقالوا: قد
رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه
وسلم قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب
عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغيا
وعدوانا. وقال ابن هشام وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لأبي طالب:
"يا عم إن ربي قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما لله إلا
أثبتته ونفت منها القطيعة والظلم والبهتان"،
قال: أربك أخبرك بهذا؟ قال:
"نعم" قال: فوالله ما يدخل عليك أحد، ثم خرج إلى قريش؛ فقال: يا معشر
قريش إن ابن أخي أخبرني وساق الخبر بمعنى ما ذكرناه. وقال ابن إسحاق
وابن عقبة وغيرهما: وندم منهم قوم فقالوا: هذا بغي منا على إخواننا
وظلم لهم فكان أول من مشى في نقض الصحيفة هشام بن عمرو بن الحارث
العامري وهو كان كاتب الصحيفة وأبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن
أسد بن عبد العزى والمطعم بن عدي. إلى هنا انتهى خبر ابن لهيعة عن أبي
الأسود يتيم عروة وموسى بن عقبة عن ابن شهاب. وذكر ابن إسحاق فيهم زهير
بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي وزمعة بن الأسود بن المطلب. وذكر ابن
إسحاق في أول هذا الخبر قال: وقد كان أبو جهل فيما يذكرون لقي حكيم ابن
حزام ومعه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة وهي مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الشعب فتعلق به وقال أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟
فقال له أبو البختري طعام كان لعمته عنده أفتمنعه أن يأتيها بطعامها خل
سبيل الرجل فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ أبو البختري لحي
بعير فضربه به فشجه ووطئه وطئا شديدا. وذكر أبو عبد الله محمد بن سعد
هشام بن عمرو العامري المذكور وقال كان أوصل قريش لبني هاشم حين حصروا
في الشعب أدخل عليهم في ليلة ثلاثة أحمال طعاما فعلمت بذلك قريش فمشوا
إليه حين أصبح فكلموه
ج / 1 ص -168-
في ذلك
فقال إني غير عائد لشيء خالفكم فانصرفوا عنه ثم عاد الثانية فأدخل
عليهم ليلا حملا أو حملين فغالظته قريش وهمت به فقال أبو سفيان بن حرب
دعوه رجل وصل أهل رحمه أما أني أحلف بالله لو فعلنا مثل ما فعل كان
أحسن بنا. وعن ابن سعد وكان الذي كتب الصحيفة بغيض بن عامر بن هاشم بن
عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فشلت يده وحصروا بني هاشم في شعب أبي
طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه
وسلم وكان خروجهم في السنة العاشرة وقيل: مكثوا في الشعب سنتين. |