عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 1 ص -123-
ذكر أول الناس إيمانا بالله ورسوله صلى الله
عليه وسلم:
وأول الناس
إيمانا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى
بن قصي بن كلاب فيما أتت به الآثار وذكره أهل
السير والأخبار منهم: ابن شهاب وقتادة
وغيرهما. وروينا عن الدولابي ثنا أبو أسامة
الحلبي ثنا حجاج بن أبي منيع ثنا جدي عن
الزهري قال: كانت خديجة أول من آمن برسول الله
صلى الله عليه وسلم وروينا عن الدولابي أيضا
ثنا أحمد بن المقدام أبو الأشعث ثنا زهير بن
العلاء ثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة قال:
كانت خديجة أول من آمن بالنبي صلى الله عليه
وسلم من النساء والرجال وهو قول موسى بن عقبة
وابن إسحاق والواقدي والأموي وغيرهم. قال ابن
إسحاق كانت خديجة أول من آمنت بالله ورسوله
وصدقت ما جاء من عند الله عز وجل ووازرته على
أمره فخفف الله بذلك عن رسوله فكان لا يسمع
شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك
إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته
وتخفف عليه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس حتى
ماتت رضي الله عنها. أخبرنا عبد الرحيم بن
يوسف المزي بقراءة والدي عليه قال: أنا أبو
حفص بن طبرزد قال: أنا محمد بن عبد الباقي
قال: أنا الحسن بن علي الجوهري قال: أنا ابن
الشخير قال: أنا إسحاق يعني ابن موسى الرملي
ثنا سهل بن بحر ثنا عبيد يعني ابن يعيش ثنا
أبو بكر بن عياش عن الشيباني عن عبد الله بن
أبي أوفى رضي الله عنه قال بشر رسول الله صلى
الله عليه وسلم خديجة ببيت في الجنة من ذهب لا
صخب فيه ولا نصب. أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن
الحارثي ويحيى بن أحمد الجرامي في آخرين
قالوا: أنا أبو عبد الله بن أبي المعالي قال:
أنا أبو محمد السعدي قال: أنا علي بن الحسين
ج / 1 ص -124-
المصري
قال: أنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن جعفر العطار قراءة عليه وأنا
أسمع أنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري ثنا أبو عبد الله محمد بن
رزيق بن جامع المديني سنة سبع وتسعين ومائتين قال: ثنا أبو الحسين
سفيان بن بشر الأسدي الكوفي ثنا علي بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد
الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع قال: صلى النبي صلى الله
عليه وسلم أول يوم الاثنين وصلت خديجة رضي الله عنها آخر يوم الاثنين
وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد. الحديث. ثم علي بن أبى طالب رضي الله
عنه واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي
بن كلاب وكان علي أصغر من جعفر بعشر سنين وجعفر أصغر من عقيل بعشر سنين
وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين. قال: أبو عمر وروى عن سلمان وأبي ذر
والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم أن علي بن أبي
طالب أول من أسلم وكذلك قال ابن إسحاق وهو قول ابن شهاب إلا أنه قال:
من الرجال بعد خديجة وهو قول الجميع في خديجة وأسلم أخواه جعفر وعقيل
بعد ذلك وكان يومئذ ابن ثمان سنين وقيل: عشرة، وقيل: اثنتي عشرة وقيل
خمس عشرة. قال ابن إسحاق: وكان مما أنعم الله عليه أنه كان في حجر رسول
الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام وذلك أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة
وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس
عمه وكان من أيسر بني هاشم:
"يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه
الأزمة فانطلق بنا إليه فلنخفف من عياله آخذ من بنيه رجلا وتأخذ أنت
رجلا فنكفهما عنه"؛ قال
العباس: نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من
عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه وقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي
عقيلا فاصنعا ما شئتما ويقال عقيلا وطالبا فأخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم عليا فضمه إليه وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه فلم يزل علي مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم
ج / 1 ص -125-
حتى
بعثه الله نبيا فاتبعه علي وآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى
أسلم واستغنى عنه. روينا من طريق أبي بكر الشافعي بالإسناد المتقدم ثنا
محمد بن بشر بن مطر ثنا محمد بن حميد ثنا سلمة بن الفضل قال: حدثني
محمد بن إسحاق عن يحيى بن أبي الأشعث عن إسماعيل بن إياس بن عفيف
الكندي وكان عفيف أخا الأشعث بن قيس لأمه وكان ابن عمه عن أبيه عن جده
عفيف الكندي قال: كان العباس بن عبد المطلب لي صديقا وكان يختلف إلى
اليمن يشتري العطر ويبيعه أيام الموسم؛ فبينما أنا عند العباس بمنى،
فأتاه رجل مجتمع فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم قام يصلي فخرجت امرأة فتوضأت
ثم قامت تصلي ثم خرج غلام قد راهق فتوضأ ثم قام إلى جنبه يصلي فقلت:
ويحك يا عباس ما هذا الدين قال: هذا دين محمد بن عبد الله ابن أخي يزعم
أن الله بعثه رسولا هذا ابن أخي علي بن أبي طالب قد تابعه على دينه
وهذه امرأته خديجة قد تابعته على دينه فقال عفيف: بعد أن أسلم ورسخ في
الإسلام يا ليتني كنت رابعا.
وذكر ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من
أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها فإذا أمسيا
رجعا كذلك فمكثا ما شاء الله أن يمكثا ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما
وهما يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يابن أخي ما هذا
الدين الذي أراك تدين به قال:
"أي عم هذا دين الله ودين ملائكته ورسله ودين أبينا إبراهيم"، أو كما
قال صلى الله عليه وسلم:
"بعثني الله به
رسولا إلى العباد وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى
وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه" أو
كما قال؛ فقال أبو طالب: أي ابن أخي إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي
وما كانوا عليه ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت. وذكروا
أنه قال لعلي
ج / 1 ص -126-
أي بني
ما هذا الدين الذي أنت عليه فقال: يا أبت آمنت برسول الله وصدقت بما
جاء به وصليت معه لله واتبعته فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا
إلى خير فالزمه. قال ابن إسحاق: ثم أسلم زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب
بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن
عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن
كلب بن وبرة كذا عند ابن هشام الكلبي مولى رسول الله فكان أول ذكر أسلم
وصلى بعد علي بن أبي طالب وكان زيد أصابه سباء في الجاهلية فاشتراه
حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم ثم وهبته خديجة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وتتبع أهله خبره حتى دلوا عليه
فأتوا في طلبه فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المكث عنده أو
الرجوع مع أهله فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام عنده وخبره
بذلك مشهور، ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه واسمه عتيق
وقيل عبد الله وعتيق لقب لحسن وجهه وعتقه وقيل غير ذلك واسم أبي قحافة
عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي
فلما أسلم أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله وكان أبو بكر مألفا
لقومه محببا سهلا وكان أنسب قريش لقريش وأعلمهم بها وبما كان فيها من
خير وشر وكان تاجرا ذا خلق ومعروف فكان رجال قومه يأتونه ويألفونه
لتجارته وحسن مجالسته وغير ذلك فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من
قومه ممن يغشاه ويجلس إليه فأسلم بدعائه فيما بلغني عثمان بن عفان بن
أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة.
والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وعبد الرحمن
بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب ابن مرة، وسعد بن أبي
وقاص واسم أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وطلحة
بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد
ج / 1 ص -127-
ابن
تيم بن مرة فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له
فأسلموا وصلوا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما بلغني ما
دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان
من أبي بكر ابن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه. قال:
فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام فصلوا وصدقوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقوا ما جاءه من عند الله. ثم أسلم أبو
عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح ابن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث
بن فهر، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلالي بن عبد الله بن عمر
بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي، والأرقم بن أبي الأرقم عبد
مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وعثمان بن مظعون بن حبيب بن
وهيب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي وأخواه قدامة وعبد
الله، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، وسعيد
بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن
رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، وعند ابن هشام تقديم عبد الله بن قرط بن
رياح. وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل المذكور، وأسماء ابنة أبي بكر
وعائشة أختها وهي صغيرة، وخباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن
كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم الخزاعي ولاء الزهري حلفا وعمير بن أبي
وقاص أخو سعد، وعبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن
مخزوم بن هالة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة وعند
ابن هشام فيه خلاف ما ذكرناه حليف بني زهرة، ومسعود بن ربيعة القارئ بن
عمرو بن سعد بن عبد العزى بن جمالة بن غالب بن محلم بن عايذة بن سبيع
بن الهون بن خزيمة بن القارة، وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن
نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة
ج / 1 ص -128-
ابن
عبد الله بن عمر بن مخزوم، وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة بن جندل
بن أبير بن نهشل بن دارم الدارمية التميمية، وخنيس بن حذافة بن قيس بن
عدي بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، وعامر بن ربيعة
العنزي بإسكان النون وهو فيما ذكر ابن الكلبي عامر بن ربيعة الأصغر ابن
حجير بن سلامان بن مالك بن ربيعة الأكبر بن رفيدة بن عبد الله وهو عنز
بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن
نزار حكاه الرشاطي، قال: وذكر أبو عمر في نسبه اختلافا كثيرا لا يتحصل
منه شيء وهو حليف آل الخطاب، وعبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة
بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وأخوه أبو أحمد حليفا
بني أمية، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن
كعب بن مالك بن قحافة من خثعم كذا هو عند ابن إسحاق وعند أبي عمر أسماء
بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن
ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران
بن عفرس بن حلف بن أفتل وهو جماعة خثعم بن أنمار على اختلاف في أنمار،
وقيل: أسماء بنت عميس بن مالك بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن
عامر بن زيد بن نسر بن وهب الله، وحاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن
وهب بن حذافة بن جمح، وامرأته فاطمة بنت المجلل بن عبد الله بن أبي قيس
بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وأخوه خطاب وامرأته
فكيهة بنت يسار، ومعمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن
جمح، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن
الحارث بن زهرة، وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن
سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، والنحام نعيم بن عبد الله بن
ج / 1 ص -129-
أسد بن
عبد الله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، وعامر بن فهيرة مولى
أبي بكر، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وامرأته أمينة
بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح بن
عمرو بن خزاعة، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن
حسل بن عامر بن لؤي، وأبو حذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن
عبد مناف، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن
حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم حليف بني عدي، وخالد وعامر وعاقل
وإياس بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة من بني سعد بن ليث بن
بكر بن عبد مناة بن كنانة حلفاء بني عدي، وعمار بن ياسر بن عامر بن
مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوديم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن
عامر الأكبر بن يام بن عنس وهو زيد بن مالك بن أدد ومالك جماع مذحج
حليف بني مخزوم وصهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن
جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أوس مناة بن أسلم بن النمر بن
قاسط كذا هو عند بن الكلبي. وعند أبي عمر سنان بن خالد بن عبد عمرو بن
عقيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد قال إلى هنا نسب
ابن إسحاق ونسبه الواقدي وخليفة وابن لكلبي وغيرهم فقالوا: صهيب بن
سنان بن خالد بن عبد عمرو بن طفيل بن كعب بن سعد ومنهم من يقول: ابن
سفيان بن جندلة بن مسلم بن أوس بن زيد مناة من النمر بن قاسط يقال له:
الرومي وكان مولى لعبد الله بن جدعان. وذكر أبو عمر في السابقين أبا ذر
جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن خمرة بن
بكر بن عبد مناة بن كنانة. وأبا نجيح السلمي عمرو بن عبسة بن منقد بن
خالد بن حذيفة بن عمر بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة بن بهثة بن سليم
ومازن
ج / 1 ص -130-
ابن
مالك أمة بجلة بنت هناءة بن مالك بن فهم وإليها ينسب البجلي بسكون
الجيم ذكره كذلك الرشاطي وحكي عن أبي عمر في نسبه غير ذلك وصحح ما
ذكرناه. وحكى عن أبي عمر في نسبه غاضرة بن عتاب وزعم أنه خطأ وأن
الصواب في ذلك النسب ناضرة بن خفاف قال أبو عمر: ولكنهما يعني أبا ذر
وأبا نجيح رجعا إلى بلاد قومهما وذكر فيهم عتبة بن مسعود أخا عبد الله
بن مسعود؛ وكان سبب إسلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما رويناه من
طريق أبي علي بن الصواف بالسند المتقدم حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل
ورويناه من طريق الطبراني في معجمه الصغير ثنا عمرو بن عبد الرحمن
السلمي قالا: ثنا إبراهيم بن الحجاج الشامي واللفظ للأول قال: ثنا سلام
أبو المنذر ثنا عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال:
كنت في غنم لآل عقبة بن أبي معيط فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعه أبو بكر ابن أبي قحافة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"هل عندك لبن"
قلت: نعم ولكني مؤتمن قال:
"فهل عندك من شاة لم ينز عليها الفحل"
قلت: نعم فأتيته بشاة شصوص قال:
"سلام" وهي
التي ليس لها ضرع فمسح النبي صلى الله عليه وسلم مكان الضرع وما لها
ضرع فإذا ضرع حافل مملوء لبنا قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم
بصخرة منقعرة فاحتلب النبي صلى الله عليه وسلم فسقى أبا بكر وسقاني ثم
شرب ثم قال للضرع:
"اقلص"،
فرجع كما كان؛ قال: فلما رأيت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت: يا رسول الله علمني فمسح رأسي وقال:
"بارك
الله فيك فإنك غلام معلم" قال:
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن عنده على حراء إذ نزلت عليه
سورة المرسلات فأخذتها وإنها لرطبة بفيه أو إن فاه لرطب بها فلا أدري
بأي الآيتين ختم
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} أو
{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}
وأخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وأخذت بقية
القرآن من أصحابه فبينا نحن نيام على حراء أو على الجبل فما نبهنا إلا
صوت النبي صلى الله عليه وسلم:
"منعها منكم الذي منعكم منها" قال: قلت: يا رسول الله وما ذاك؟ قال:
"حية خرجت من ناحية الجبل".
ج / 1 ص -131-
ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وغيرهم إلى الإسلام:
قال ابن
إسحاق ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء حتى فشا ذكر
الإسلام بمكة وتحدث به ثم إن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم
أن يصدع بما جاءه منه وأن ينادي في الناس بأمره ويدعو إليه وكان مدة ما
أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستسر به إلى أن أمره الله
بإظهاره ثلاث سنين فيما بلغني من بعثه ثم قال الله له:
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} ثم قال:
{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ
اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}،
{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما
أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم وعابها فلما
فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته صلى الله عليه وسلم إلا
من عصم الله منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون وحدب على رسول الله صلى
الله عليه وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه ومضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم مظهرا له لا يرده عنه شيء، فلما رأت قريش أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم
ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه ولم يسلمه لهم مشى رجال
من أشرافهم إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا
وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي
بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فقال لهم أبو طالب قولا
رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
على ما هو
ج / 1 ص -132-
عليه
يظهر دين الله ويدعو إليه ثم شرى1 الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال
وتضاغنوا وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا
عليه2 وحض بعضهم بعضا عليه ثم أنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا:
يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من ابن
أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه
أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يملك أحد
الفريقين أو كما قال، ثم انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه
وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
خذلانه. وذكر أن أبا طالب لما قالت له قريش هذه المقالة بعث إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا
لي: كذا وكذا للذي قالوا له فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما
لا أطيق فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء
وأنه خاذله ومسلمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه فقال له:
"يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا
الأمر حتى يظهره الله وأهلك فيه ما تركته"، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، ثم قام فلما ولي
ناداه أبو طالب فقال: أقبل يابن أخي فأقبل عليه فقال: اذهب يابن أخي
فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا
طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه3 وإجماعه
لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا
له: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك
عقله ونصره واتخذه ولدا وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين
آبائك وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: عظم وتفاقم.
2 أي حث بعضهم بعضا عليه.
3 من هنا إلى قوله "وعداوتهم" زيادة من النسخة الظاهرية.
ج / 1 ص -133-
كرجل
قال: والله لبئس ما تسومونني أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني
تقتلونه هذا والله ما لا يكون أبدا فقال: المطعم بن عدي والله يا أبا
طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن
تقبل منهم شيئا فقال له أبو طالب: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت
خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك فحقب الأمر وتنابذ القوم
وبادى بعضهم بعضا قال: ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل
منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا معه فوثبت كل
قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله
تعالى منهم رسوله بعمه أبي طالب وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا يصنعون
ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول
الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه فاجتمعوا اليه وأقاموا معه
وأجابوه إلى ما دعاهم إليه إلا ما كان من أبي لهب: روينا عن أبي بكر
الشافعي ثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي ثنا عبد الله بن رجاء ثنا
سعيد بن سلمة ابن أبي الحسام ثنا محمد بن المنكدر أنه سمع ربيعة بن
عباد أو عياد الدؤلي يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على
الناس في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول يأيها الناس إن الله
يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا قال: ووراءه رجل يقول يأيها الناس
إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم فسألت من هذا الرجل فقيل أبو لهب.
قال ابن إسحاق ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش وكان ذا
سن فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم
وإن وفود العرب ستقدم عليكم وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه
رأيا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل
وأقم لنا رأيا نقول فيه قال: بل أنتم فقولوا أسمع قالوا: نقول: كاهن
قال: والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا
سجعه قالوا: فنقول: مجنون
ج / 1 ص -134-
قال:
والله ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بحنقه ولا تخالجه
ولا وسوسته قالوا: فنقول: شاعر قال: ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله
رجزه وهجزه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر قالوا: فنقول: ساحر
قال: ما هو بساحر قد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده قالوا:
فما تقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق
وإن فرعه لجناة وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا أعرف أنه باطل وإن
أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء
وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته فتفرقوا
عنه بذلك فجعلوا يجلسون لسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد
إلا حذروه إياه وذكروا له أمره وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها. قوله: لعذق
بفتح العين المهملة وسكون الذال استعارة من النخلة التى ثبت أصلها وهو
العذق. ورواية ابن هشام لغدق بغين معجمة وكسر الدال المهملة من الغدق
وهو الماء الكثير. قال السهيلي ورواية ابن إسحاق أفصح لأنها استعارة
تامة يشبه آخر الكلام لأوله.
ج / 1 ص -135-
ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى قومه وصبره وما منَّ
الله به من حمايته له:
أخبرنا
الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي وأبو محمد بن عبد العزيز
بن عبد المنعم الحراني قراءة عليهما وأنا حاضر فالأول قال: أنا أبو
اليمن الكندي والثاني قال: أنا أبو علي بن أبي القاسم البغدادي قالا:
أنا محمد بن عبد الباقي قال: أنا ابن حسنون قال: أنا أبو القاسم السراج
هو موسى بن عيسى بن عبد الله ثنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا أبو طاهر
أحمد بن عمر بن السرح ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني الليث بن سعد عن
إسحاق بن عبد الله عن أبان بن صالح عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه
عن العباس بن عبد المطلب قال: كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال:
إن لله عليّ إن رأيت محمدا أن أطأ على عنقه فخرجت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل فخرج غضبان حتى دخل
المسجد فعجل أن يدخل من الباب فاقتحم من الحائط فقلت هذا يوم شر نبشته
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتى بلغ شأن أبي جهل
{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} قال: فقال: إنسان لأبي جهل يا أبا الحكم هذا محمد فقال أبو جهل:
ألا ترون ما أرى والله لقد سد أفق السماء عليّ فلما بلغ رسول الله صلى
الله عليه وسلم آخر السورة سجد. قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق
إبراهيم بن علي بن أحمد بسفح قاسيون أخبركم أبو البركات داود بن أحمد
بن محمد البغدادي قراءة عليه وأنت تسمع فأقر به قال: أنا أبو الفضل
محمد بن عمر بن يوسف قال: أنا أبو الغنائم عبد
ج / 1 ص -136-
الصمد
بن علي بن محمد بن المأمون قال: أنا الشيخ أبو الحسن علي بن عمر بن
أحمد الدارقطني ثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز ومحمد
بن هارون الحضرمي قالا: ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا أبو أحمد الزبيري
ثنا عبد السلام هو ابن حرب عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال لما نزل
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر رضي
الله عنه فلما رآها قال: يا رسول الله إنها امرأة بذية فلو قمت لا
تؤذيك قال:
"إنها لن تراني"،
فجاءت فقالت: يا أبا بكر صاحبك هجاني قال: لا وما يقول الشعر قالت: أنت
عندي تصدق وانصرفت قلت: يا رسول الله لم ترك قال:
"لا لم يزل ملك يسترني منها بجناحه".
قرأت على أبي عبد الله محمد بن عثمان بن سلامة بدمشق أخبركم أبو القاسم
الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الأسدي قراءة عليه
وأنت تسمع فأقر به قال: أنا جدي قال: أنا القاسم بن أبي العلاء قال:
أنا أبو محمد بن أبي نصر قال: أنا خيثمة ثنا هلال يعني ابن العلاء
الرقي ثنا سعيد بن عبد الملك ثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن
زيد هو ابن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي ثنا عبد
الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد
الحرام ورفقة من المشركين من قريش ونبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي
وقد نحر قبل ذلك جزور وقد بقي فرثه1 وقذره فقال أبو جهل: ألا رجل يقوم
إلى هذا القذر يلقيه على محمد؛ ونبي الله صلى الله عليه وسلم ساجد إذ
انبعث أشقاها فقام فألقاها عليه قال عبد الله: فهبنا أن نلقيه عنه حتى
جاءت فاطمة رضي الله عنها فألقته عنه فقام فسمعته يقول وهو قائم يصلي:
"اللهم اشدد
وطأتك على مضر سنين كسني يوسف عليك بأبي الحكم بن هشام
-وهو أبو جهل-
وعتبة بن ربيعة
وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف ورجل
آخر ثم قال:
رأيتهم من العام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي ما في كرشه.
ج / 1 ص -137-
المقبل
صرعى بالطوي طوي بدر صرعى بالقليب"1.
وأخبرنا ابن الواسطي فيما قرأت عليه قال: أنا ابن ملاعب قال: أنا
الأرموي قال: أنا ابن المأمون ثنا الدارقطني ثنا أبو بكر محمد بن أحمد
بن صالح الأزدي ثنا الزبير بن بكار قال: حدثني أبو يحيى هارون بن بكر
بن عبد الله الزهري عن عبد الله بن سلمة عن عبد الله بن عروة بن الزبير
عن أبيه عن جده عن عروة2 بن الزبير قال حدثني عمرو بن عثمان بن عفان عن
أبيه عثمان بن عفان قال: أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه
وسلم إني رأيت يوما قال: عمرو فرأيت عيني عثمان بن عفان زرفتا من تذكر
ذلك قال عثمان بن عفان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت
ويده في يد أبي بكر وفى الحجر ثلاثة نفر جلوس عقبة بن أبي معيط وأبو
جهل بن هشام وأمية بن خلف فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما
حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره فعرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم
فدنوت منه حتى وسطته فكان بيني وبين أبي بكر وأدخل أصابعه في أصابعي
حتى طفنا جميعا فلما حاذاهم قال أبو جهل: والله لا نصالحك ما بل بحر
صوفة وأنت تنهى أن نعبد ما يعبد آباؤنا، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"أنى ذلك"،
ثم مضى عنهم فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك حتى إذا كان في الشوط
الرابع ناهضوه ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجامع ثوبه فدفعت في صدره
فوقع على استه ودفع أبو بكر أمية بن خلف ودفع رسول الله صلى الله عليه
وسلم عقبة بن أبى معيط ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
واقف ثم قال:
"أما والله لا تنتهون حتى يحل بكم عقابه عاجلا"؛ قال عثمان: فوالله ما منهم رجل إلا أخذه أفكل3 وهو يرتعد فجعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بئس القوم أنتم لنبيكم ثم انصرف
إلى بيته وتبعناه خلفه حتى انتهى إلى باب بيته ووقف على السدة ثم أقبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي البئر.
2 هذا خطأ صريح، والصواب "عن جده عروة".
3 بسكون الفاء وفتح الكاف أي الرعدة.
ج / 1 ص -138-
علينا
بوجهه فقال:
"أبشروا فإن الله عز وجل مظهر دينه ومتم كلمته وناصر نبيه إن هؤلاء
الذين ترون مما يذبح الله بأيديكم عاجلا" ثم انصرفنا إلى بيوتنا فوالله لقد رأيتهم قد ذبحهم الله بأيدينا.
ومن ذلك خبر إسلام حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه؛ روينا عن ابن
إسحاق قال: حدثني رجل من أسلم وكان واعية أن أبا جهل مر برسول الله صلى
الله عليه وسلم عند الصفا فإذا هو شتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب
لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة
لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي
قريش فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا سيفه راجعا
من قنص1 له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له وكان إذا رجع من قنصه لم يصل
إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على نادي قريش إلا
وقف. وتحدث معهم وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة فلما مر بالمولاة
وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له: يا أبا عمارة
لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام وجده ههنا
جالسا فإذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد فاحتمل
حمزة الغضب لما أراد الله من كرامته فخرج يسعى ولم يقف على أحد معدا
لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم
فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة
ثم قال أتشتمه فأنا على دينه أقول ما يقول فرد علي ذلك إن استطعت فقامت
رجال بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة
فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا. وتم حمزة على إسلامه وعلى ما
تبايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله فلما أسلم حمزة علمت
قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه
فكفوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي صيد.
ج / 1 ص -139-
عن بعض
ما كانوا ينالون منه. وروينا عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن أبي زياد
عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا قال يوما
وهو جالس في نادي قريش والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده:
يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل
بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يكثرون ويزيدون فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم
إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة والمكان في
النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم
وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك
أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها قال: فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"قل يا أبا الوليد أسمع" قال:
يابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من
أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى
لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي
يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه
أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه
أو كما قال له؛ حتى إذا فرغ منه عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يسمع منه قال:
"أقد فرغت يا أبا الوليد؟" قال: نعم قال:
"فاسمع مني" قال: أفعل
قال:
"بسم الله الرحمن الرحيم
{حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ
آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، بَشِيرًا
وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}
ثم مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها يقرأها عليه فلما سمعها
عتبة منه أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليها يسمع منه ثم انتهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال:
"قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك"،
فقام عتبة إلى أصحابه فقال
ج / 1 ص -140-
بعضهم
لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس
إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولا والله
ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر
قريش أطيعوني واجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه
فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه
بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به؛
قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه؛ قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما
بدا لكم. وروينا عن الطبراني ثنا القاسم بن عياش بن حماد أبو محمد
الجهني الحذاء الموصلي ثنا محمد بن موسى الحرشي ثنا أبو خلف عبد الله
بن عيسى الخراز ثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن قريشا دعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة
ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا: هذا لك عندنا يا محمد وكف عن شتم
آلهتنا ولا تذكرها بسوء فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ولك
فيها صلاح قال:
"ما هي"؛ قالوا: تعبد آلهتنا سنة اللات والعزى1 ونعبد إلهك سنة؛ قال:
"حتى أنظر ما يأتيني من ربي"؛ فجاء الوحي من عند الله عز وجل من اللوح المحفوظ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} السورة وأنزل الله عز وجل
{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا
الْجَاهِلُونَ}،
{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}. وروينا من طريق الترمذي ثنا عبد بن حميد قال: أنا عبد الرزاق عن
معمر عن عبد الكريم الجزري عن ابن عباس
{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن على عنقه فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"لو فعل لأخذته الملائكة عيانا".
قال: ثنا أبو سعد الأشج ثنا أبو خالد عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن
ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فجاء أبو جهل فقال:
ألم أنهك عن هذا ألم أنهك عن هذا فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم
فزبره فقال أبو جهل إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني فأنزل الله تعالى:
{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش الأصل: "بلغ".
ج / 1 ص -141-
سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}
قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله. وروينا عن ابن
عباس من طريق محمد بن إسحاق اجتماع قريش وعرضهم على النبي صلى الله
عليه وسلم ما عرضوا عليه من الأموال وغير ذلك وقوله عليه السلام:
"ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم
ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا
ونذيرا فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو
حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله
بيني وبينكم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم فقالوا له: فسل ربك أن يسير عنا هذه
الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط علينا بلادنا وليخرق فيها أنهارا
كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا
منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عن ما تقول أحق هو أم باطل.
وفيه وقالوا له: سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك
واسئله فليجعل لنا جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك
تبتغي فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش وذكر قولهم: فأسقط السماء
علينا كسفا كما زعمت أن ربك إن شاء يفعل وقال قائلهم: نحن نعبد
الملائكة وهي بنات الله وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله
والملائكة قبيلا وقال: إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة
يقال له: الرحمن وإنا والله لن نؤمن بالرحمن أبدا، فلما قالوا له ذلك
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ومعه عبد الله بن أبي أمية
المخزومي وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب فقال: والله لا نؤمن بك
أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها
ثم تأتي معك بملك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك كما تقول وايم الله
أن لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك، وقال أبو جهل: يا معشر قريش إني
أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله أو كما قال فإذا سجد في
صلاته فضخت1 به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: شدخت.
ج / 1 ص -142-
فليصنع
بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم قالوا: والله لا نسلمك لشيء أبدا فامض
لما تريد فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف ثم جلس لرسول الله صلى
الله عليه وسلم ينتظره وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو
فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل
نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على
حجره حتى قذف الحجر من يده وقامت إليه رجال قريش فقالوا: ما لك يا أبا
الحكم قال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي
دونه فحل من الإبل لا والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه
بفحل قط فهم بي أن يأكلني. قال ابن إسحاق فذكر لي أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال:
"ذلك جبريل لو دنا لأخذه"1. وذكر في الخبر بعث قريش النضر بن الحارث بن كلدة وبعثوا معه عقبة
بن أبي معيط إلى أحبار يهود وقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته
وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من علم
الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة وسألا أحبار يهود فقالت لهما: سلوه عن
ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول؛ سلوه عن
فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب
وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه وسلوه عن
الروح ما هو وإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي وإن لم يفعل فهو رجل
متقول فأقبل النضر وعقبة فقالا: قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد
فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون فقال عليه السلام:
"أخبركم غدا"
ولم يستثن فانصرفوا ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون خمس
عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل
مكة وقالوا وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا
يخبرنا بشيء مما سألناه عنه حتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث
الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".
ج / 1 ص -143-
أهل
مكة ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف، قال ابن إسحاق فذكر لي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لقد احتبست
عني يا جبريل" فقال:
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} الآية؛ وافتتح السورة بحمده وبذكر نبوة رسوله عليه السلام وفيها
ذكر الفتية الذين ذهبوا وهم أصحاب الكهف وذكر الرجل الطواف وهو ذو
القرنين وقال فيما سألوه عنه من الروح
{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا
أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}
الحديث بطوله وأنا اختصرته. قال وحدثت عن ابن عباس أنه قال لما قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قالت أحبار يهود: يا محمد أرأيت
قولك:
{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} إيانا تريد أم قومك قال: "كلا" قالوا فإنك تتلو فيما جاءنا أنا قد
أوتينا التوراة فيها بيان كل شيء؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنها في علم
الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه" قال: فأنزل الله عليه فيما سألوه عنه من ذلك:
{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ
يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
أي أن التوراة في هذا من علم الله قليل قال: وأنزل الله فيما سأله قومه
لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وبعث من مضى من آبائهم من
الموتى:
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ
بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ
جَمِيعًا} أي لا أصنع من ذلك الأمر إلا ما شئت وأنزل الله عليه فيما سألوه أن
يأخذ لنفسه:
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي
الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ
نَذِيرًا، أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} إلى
{وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} وأنزل الله فيما قال عبد الله بن أبي أمية:
{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ
يَنْبُوعًا، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ} إلى قوله:
{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} وأنزل عليه في قولهم إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن:
{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا
أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ
يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}
وأنزل
ج / 1 ص -144-
عليه
فيما قال أبو جهل وما هم به:
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا إِذَا صَلَّى} حتى آخر السورة وأنزل عليه فيما عرضوا من أموالهم:
{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ
إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فلما جاءهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما عرفوا من الحق حال
الحسد بينهم وبين اتباعه فقال قائلهم:
{لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ
تَغْلِبُونَ}
أي جعلوه لغوا وباطلا واتخذوه هزوا لعلكم تغلبونه بذلك فإنكم إن
ناظرتموه أو خاصمتموه غلبكم. فقال أبو جهل يوما وهو يهزأ برسول الله
صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق يا معشر قريش يزعم محمد إنما
جنود الله الذين يعذبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر وأنتم
الناس كثرة وعددا أفيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم فأنزل الله عز
وجل في ذلك من قوله:
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا
جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} إلى آخر القصة فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالقرآن وهو يصلي يتفرقون عنه ويأبون أن يستمعوا له
فكان الرجل منهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعض ما يتلو من القرآن وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقا منهم فإن رأى
أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية إذا هم فلم يستمع وإن خفض رسول
الله صلى الله عليه وسلم صوته فظن الذي يسمع أنهم لا يسمعون شيئا من
قراءته وسمع هو شيئا دونهم أصاخ له يستمع منه. وروي عن داود بن الحصين
عن عكرمة عن ابن عباس إنما نزلت هذه الآية:
{وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} يعني في ذلك قال أبو عمر: وكان المجاهرون بالظلم لرسول الله صلى
الله عليه وسلم ولكل من آمن به من بني هاشم عمه أبا لهب وابن عمه أبا
سفيان بن الحارث ومن بني عبد شمس عتبة وشيبة ابني ربيعة وعقبة بن أبي
معيط وأبا سفيان بن حرب وابنه حنظلة والحكم بن أبي العاص بن أمية
ومعاوية بن المغيرة بن العاص بن أمية ومن بني
ج / 1 ص -145-
عبد
الدار النضر بن الحارث ومن بني عبد شمس أسد بن عبد العزى الأسود بن عبد
المطلب بن أسد بن عبد العزى وابنه زمعة وأبا البختري العاص بن هشام ومن
بني زهرة الأسود بن عبد يغوث ومن بني مخزوم أبا جهل بن هشام وأخاه
العاص بن هشام وعمهما الوليد بن المغيرة وابنه أبا قيس بن الوليد بن
المغيرة وابن عمه قيس بن الفاكه بن المغيرة وزهير بن أبي أمية بن
المغيرة أخو أم سلمة وأخاه عبد الله بن أبي أمية والأسود بن عبد الأسد
أخا أبي سلمة وصيفي بن السائب ومن بني سهم العاص بن وائل وابنه عمرا
وابن عمه الحارث بن قيس بن عدي ونبيها ومنبها ابني الحجاج ومن بني جمح
أمية وأبيا ابني خلف بن وهب بن حذافة بن جمح وأنيس بن معير أخا أبي
محذورة والحارث بن الطلاطلة الخزاعي وعدى بن الحمراء الثقفي فهؤلاء
كانوا أشد على المؤمنين مثابرة بالأذى ومعهم سائر قريش فمنهم من يعذبون
ممن لا منعة له ولا جوار من قومه ومنهم من يؤذون. ولقي المسلمون من
كفار قريش وحلفائهم من الأذى والعذاب والبلاء عظيما ورزقهم الله من
الصبر على ذلك عظيما ليدخر لهم ذلك في الآخرة ويرفع به درجاتهم في
الجنة. والإسلام في كل ذلك يفشوا في ذلك ويظهر في الرجال والنساء.
وأسلم الوليد بن الوليد بن المغيرة وسلمة بن هشام أخو أبي جهل وأبو
حذيفة بن عتبة بن ربيعة وجماعة أراد الله هداهم. وأسرف بنو جمح على
بلال بالأذى والعذاب فاشتراه أبو بكر الصديق منهم واشترى أمه حمامة
فأعتقهما وأعتق عامر بن فهيرة. وروي أن أبا قحافة قال لابنه أبي بكر يا
بني أراك تعتق قوما ضعفاء فلو أعتقت قوما جلداء يمنعوك فقال يا أبت إني
أريد ما أريد فقيل فيه نزلت:
{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى،
وَمَا لِأَحَدٍ} إلى آخر السورة.
وذكر الزهري أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق
خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من
الليل في
ج / 1 ص -146-
بيته
فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا
يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال
بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم
انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا
يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض ما
قالوا أول مرة ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخد كل رجل منهم
مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال
بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا
فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم ذهب حتى أتى أبا سفيان في بيته
فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا
ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما
عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به ثم خرج من
عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما
سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا
فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجازينا على الراكب وكنا
كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه والله
لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه فقام عنه الأخنس وتركه.
وذكر ابن إسحاق حديث الأراشي الذي ابتاع منه أبو جهل الإبل ومطله
بأثمانها ودلالة قريش إياه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينصفه من
أبي جهل استهزاء لما يعلمون من العداوة بينهما قال: وخرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال: من هذا؟ فقال:
"محمد"؛ فخرج إليه وما في وجهه من رائحة قد انتفع لونه فقال:
"أعط هذا حقه"؛
قال: نعم لا تبرح حتى أعطيه الذي له فدفعه إليه فذكر لهم الأراشي
ج / 1 ص -147-
ذلك
فقالوا لأبي جهل: ويلك ما رأينا مثل ما صنعت؛ قال: ويحكم والله ما هو
إلا أن ضرب علي بابي وسمعت صوته فملئت رعبا ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه
لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط والله
لو أبيت لأكلني.
وذكر الواقدي عن يزيد بن رومان قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
جالسا في المسجد معه رجال من أصحابه أقبل رجل من بني زبيد يقول: يا
معشر قريش كيف تدخل عليكم المادة أو يجلب إليكم جلب أو يحل تاجر
بساحتكم وأنتم تظلمون من دخل عليكم في حرمكم؟ يقف على الحلق حلقة حلقة
حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحبه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
"ومن ظلمك؟"
فذكر أنه قدم بثلاثة أجيال كانت خيرة إبله فسامه بها أبو جهل ثلث
أثمانها، ثم لم يسمه بها لأجله سائم قال: فأكسد علي سلعتي وظلمني قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"وأين أجمالك؟"
قال: هي هذه بالحزورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم معه وقام
أصحابه فنظر إلى الجمل فرأى جمالا فرها فساوم الزبيدي حتى ألحقه برضاه
فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع جملين منها بالثمن وأفضل
بعيرا باعه وأعطى أرامل بني عبد المطلب ثمنه، وأبو جهل جالس في ناحية
من السوق لا يتكلم ثم أقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"يا عمرو
إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى مني ما تكره" فجعل يقول: لا أعود يا محمد لا أعود يا محمد فانصرف رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأقبل عليه أمية بن خلف ومن حضر من القوم فقالوا: ذللت
في يدي محمد فأما أن تكون تريد أن تتبعه وإما رعب دخلك منه قال: لا
أتبعه أبدا إن الذي رأيتم مني لما رأيت معه لقد رأيت رجالا عن يمينه
وشماله معهم رماح يشرعونها إلي لو خالفته لكانت إياها أي لأتوا على
نفسي. قال أبو عمر وكان المستهزئون الذين قال الله فيهم:
{إِنَّا
كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ}
عمه أبا لهب وعقبة بن أبى معيط والحكم بن أبي العاصي والأسود بن المطلب
بن أسد أبا زمعة والأسود بن عبد يغوث والعاص بن وائل والوليد بن
المغيرة والحارث بن الغيطلة السهمي
ج / 1 ص -148-
فكان
جبريل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بهما من المستهزئين الوليد
بن المغيرة والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث والحارث بن الغيطلة
والعاص بن وائل واحدا بعد واحد فشكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى جبريل فقال: كفيتكهم فهلكوا بضروب من البلاء والعمى قبل الهجرة،
وفيما لقي بلال وعمار والمقداد وخباب وسعد بن أبي وقاص وغيرهم ممن لم
تكن له منعة من قومه من البلاء والأذى ما يطول ذكره: قرأت على أبي
النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي بالصالحية أخبركم أبو نصر موسى بن
الشيخ عبد القادر الجيلي قراءة عليه قال: أنا أبو القاسم سعيد بن أحمد
بن البناء قال: أنا أبو نصر الزينبي قال: أنا أبو بكر محمد بن عمر بن
علي بن خلف قال: أنا أبو بكر بن أبي داود ثنا أبو موسى عيسى بن حماد
زغبة عن الليث بن سعد عن هشام عن أبيه أنه قال مر ورقة بن نوفل على
بلال وهو يعذب يلصق ظهره برمضاء البطحاء في الحر وهو يقول: أحد أحد
فقال: يا بلال صبرا يا بلال لم تعذبونه؟ فوالذي نفسي بيده إن قلتموه
لأتخذنه حنانا يقول لأتمسحن به.
ج / 1 ص -149-
ذكر انشقاق القمر:
قال الله
تعالى:
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}. وروينا من طريق البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى عن شعبة وسفيان عن
الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اشهدوا". وذكر القاضي عياض -رحمه الله- قال: ورواه عنه مسروق أنه كان بمكة،
وزاد فقال كفار قريش: سحركم ابن أبي كبشة فقال رجل منهم: إن محمدا إن
كان سحر القمر فإنه لا يبلغ من سحره أن يسحر الأرض كلها فاسألوا من
يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا فسألوا فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك.
وحكى السمرقندي عن الضحاك نحوه وقال: فقال أبو جهل: هذا سحر فابعثوا
إلى أهل الآفاق حتى ينظروا أرأوا ذلك أم لا؟ فأخبر أهل الآفاق أنهم
رأوه منشقا فقالوا: يعني الكفار هذا سحر مستمر. وروينا من طريق الترمذي
ثنا عبد بن حميد قال: أنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: سأل
أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت:
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} إلى قوله:
{سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}
يقول ذاهب. قال الترمذي ثنا عبد بن حميد ثنا محمد بن كثير ثنا سليمان
بن كثير عن حصين عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: انشق القمر على
عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا
الجبل فقالوا: سحرنا محمد فقال بعضهم: لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر
الناس كلهم. وروي عن ابن عباس وابن عمر وحذيفة وعلي رضي الله عنهم. |