عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي

ج / 1 ص -201-       ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب:
أخبرنا محمد بن إبراهيم المقدسي الإمام قراءة عليه وأنا حاضر في الرابعة وعبد الرحيم بن يوسف المزي قراءة عليه وأنا أسمع بالجامع الأزهر قال الأول: أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي بن زيد قراءة عليه وأنا أسمع وقال الثاني: أخبرني أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزذ سماعا عليه في الخامسة قالا: أنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري قال: أنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني قال: أنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق ثنا أبو أحمد إسماعيل بن موسى بن إبراهيم الحاسب ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن عبد الله الأسدي ثنا إسرائيل يعني ابن يونس عن عثمان بن أبي المغيرة الثقفي عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس في الموقف ويقول: "ألا رجل يعرض علي قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي". وأخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه وغازي بن أبي الفضيل بن عبد الوهاب الدمشقي بقراءتي عليه قالا: أنا ابن طبرزذ قال: أنا ابن الحصين قال: أنا ابن غيلان قال: أنا محمد بن عبد الله الشافعي ثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ثنا محمد بن المنكدر أنه سمع ربيعة بن عباد أو عباد الدؤلي يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على الناس في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول: "يأيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا"، قال: ووراءه رجل يقول: يأيها الناس

 

ج / 1 ص -202-       إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم فسألت من هذا الرجل فقيل: أبو لهب. وذكر ابن إسحاق عرضه عليه السلام نفسه على كندة وعلى كلب وعلى بني حنيفة قال: ولم يك أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم وعلى بني عامر بن صعصعة. وذكر الواقدي دعاءه عليه السلام بني عبس إلى الإسلام وأنه أتى غسان في منازلهم وبني محارب كذلك. وذكر قاسم بن ثابت فيما رأيته عنه من حديث عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب في خروجهما هو وأبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك قال علي وكان أبو بكر في كل خير مقدما فقال: ممن القوم؟ فقالوا: من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر في قومهم وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة ومثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالا ولسانا وكانت له غديرتان وكان أدنى القوم مجلسا من أبي بكر رضي الله عنه، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لنزيد على الألف ولن تغلب الألف من قلة، فقال أبو بكر: كيف المنعة فيكم؟ فقال مفروق: علينا الجهد ولكل قوم جد، فقال أبو بكر: فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا أخرى1 لعلك أخو قريش؟ فقال أبو بكر: أوقد بلغكم أنه رسول الله؟ فها هو ذا، فقال مفروق: قد بلغنا أنه يذكر ذلك فإلام تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن تؤوني وتنصروني فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد"، فقال مفروق: وإلاما تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "أخرى" ساقطة من الأصل والتصحيح من الظاهرية.

 

ج / 1 ص -203-       رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، فقال مفروق: وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، فقال مفروق: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وكأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال: هذا هانئ ابن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال: هانئ قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر زلة في الرأى وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكرة أن نعقد عليهم عقدا ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال: وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر وإنا إنما نزلنا بين صريي1 اليمامة والسمامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذان الصريان"، فقال: أنهار كسرى ومياه العرب فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول وأما ما كان من مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت هو مما يكرهه الملوك فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا، فقال رسول الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الصاد تثنية صري وهو الماء الذي يطول استنقاعه.

 

ج / 1 ص -204-       صلى الله عليه وسلم: "ما أسأتم في الرد إذ فصحتم في الصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه؟"، فقال النعمان بن شريك: اللهم لك ذا فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقال يا أبا بكر يا أبا حسن أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض وبها يتجازون فيما بينهم قال ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا صدقا صبرا ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كله يدعو إلى دين الله ويأمر به كل من لقيه ورآه من العرب إلى أن قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف من الأوس فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فلم يبعد ولم يجب ثم انصرف إلى يثرب فقتل في بعض حروبهم. قال ابن إسحاق: فإن كان رجال من قومه ليقولون إنا لنراه قد قتل وهو مسلم. وقدم مكة أبو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه بني عبد الأشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال رجل منهم اسمه إياس بن معاذ وكان شابا: يا قوم هذا والله خير مما قدمنا له فضربه أبو الحيسر وانتهره فسكت ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا إلى بلادهم ومات إياس بن معاذ فقيل: إنه مات مسلما.

 

ج / 1 ص -205-       بدء إسلام الأنصار وذكر العقبة الأولى:
والأنصار بنو الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء ابن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد دراء1 بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ عامر بن يشجب بن يعرب بن يقطن قحطان. قال ابن إسحاق فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا فقال لهم: "من أنتم؟" قالوا: نفر من الخزرج قال: "أمن موالي يهود؟" قالوا: نعم قال: "أفلا تجلسون أكلمكم؟" قالوا: بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل علم وكتاب وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم: إن نبيا مبعوثا الآن قد أظل زمانه نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض: تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا له: إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فإن يجمعهم الله عليك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بكسر الدال المهملة وفتح الراء مهموز ممدود.

 

ج / 1 ص -206-       فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا. وهم فيما ذكر لي ستة نفر من الخزرج ثم من بني النجار وهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وعوف بن الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك بن النجار، وابن سعد يقول: سواد بن مالك بن غنم بن مالك وهو ابن عفراء، ومن بني زريق رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق، ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة: قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد، ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن شاردة بن تزيد بن جشم ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة: عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام، ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة: جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد. قال أبو عمر: ومن أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بن الصامت ويسقط جابر بن رئاب والله أعلم.