عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 1 ص -207-
ذكر العقبة الثانية:
حتى إذا كان
العام المقبل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر
رجلا منهم خمسة من الستة الذين ذكرناهم أبو
أمامة وعوف بن عفراء ورافع بن مالك وقطبة
وعقبة، وبقيتهم معاذ بن الحارث بن رفاعة وهو
ابن عفراء أخو عوف المذكور، وذكوان بن عبد قيس
بن خلدة بن مخلد1 بن عامر بن زريق الزرقي،
وذكروا أنه رحل إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى مكة فسكنها فهو مهاجري أنصاري قتل
يوم أحد. وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن
فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن
الخزرج. ومن بني سالم بن عوف بن عمر بن عوف بن
الخزرج العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن
العجلان بن زيد بن غنم بن سالم، ومن حلفائهم
يزيد بن ثعلبة بن خزمة -بسكون الزاي والطبري
بفتحها- بن أصرم بن عمرو بن عمارة -بفتح العين
وتشديد الميم- بن مالك من بني فزارة من بلى
ومن الأوس بن حارثة أخي الخزرج ثم من بني جشم
أخي عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج من
يعده مولى لهم ابن عمرو بن مالك بن الأوس أبو
الهيثم مالك بن التيهان -أهل الحجاز يخففون
الياء وغيرهم يشددها- بن مالك بن عمرو بن زيد
بن جشم بن عمرو بن جشم ومن الناس من يعده مولى
لهم من بلى. ومن بني أمية بن زيد بن مالك بن
عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس عويم بن
ساعدة بن عايش بن قيس بن النعمان بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "خلدة" بفتح الخاء وسكون اللام وفتح الدال،
"مخلد" بضم الميم وفتح الخاء وفتح اللام
المشددة.
ج / 1 ص -208-
زيد بن
أمية بن زيد بن أمية بن زيد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء
عند العقبة على بيعة النساء ولم يكن أمر القتال بعد. أخبرنا أحمد بن
يوسف السماوي بقراءة والدي عليه سنة ست وسبعين قال: أنا أبو روح المطهر
بن أبي بكر البيهقي سماعا عليه قال: أنا أبو بكر الطوسي قال: أنا نصر
الله بن أحمد الخشنامي قال: أنا أحمد بن الحسن النيسابوري قال: أنا
محمد بن أحمد ثنا محمد بن يحيى الذهلي ثنا عبد الرزاق قال: أنا معمر عن
الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت قال: بايع رسول الله
صلى الله عليه وسلم نفرا أنا منهم فتلا عليهم آية النساء:
{وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} ثم قال:
"ومن وفى فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو
طهر له" أو قال:
"كفارة ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فأمره إن شاء الله غفر له
وإن شاء عذبه". رواه البخاري. حدثني إسحاق بن منصور قال: أنا يعقوب بن إبراهيم
ثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه فذكره بمعناه فلما انصرفوا بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم معهم ابن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلم1 من أسلم
منهم القرآن ويدعو من لم يسلم إلى الإسلام فنزل مصعب بن عمير على أسعد
بن زرارة وكان مصعب بن عمير يدعى المقرئ والقارئ وكان يؤمهم وذلك أن
الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض فجمع بهم أول جمعة جمعت في
الإسلام. وعند ابن إسحاق أول من جمع بهم أبو أمامة أسعد بن زرارة.
روينا عن أبي عروبة ثنا هاشم بن القاسم ثنا ابن وهب عن يونس عن ابن
شهاب قال: بلغنا أن أول ما جمعت الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول
الله صلى الله عليه وسلم فجمع بالمسلمين مصعب بن عمير بن عبد مناف. وبه
قال ثنا هاشم ثنا ابن وهب قال أخبرني ابن جريج عن سليمان بن موسى أن
النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه يأمره بذلك. وروينا من طريق أبي
داود ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الظاهرية "يعلمان".
ج / 1 ص -209-
محمد
بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك -وكان قائد
أبيه بعد ما ذهب بصره- عن أبيه كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم
الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن
زرارة فقال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في
بقيع يقال له: بقيع الخضمات قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون. بقيع
الخضمات بالباء وقع في هذه الرواية وقيده البكري بالنون1، وقال هزم
النبيت جبل على بريد من المدينة. قال السهيلي تجميع أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم الجمعة وتسميتهم إياها بهذا الاسم هداية من الله
لهم قبل أن يؤمروا بها ثم نزلت سورة الجمعة بعد أن هاجر رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى المدينة فاستقر فرضها واستمر حكمها ولذلك قال عليه
السلام:
"أضلته اليهود والنصارى وهداكم الله له".
وذكر عبد بن حميد ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال جمع
أهل المدينة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقبل أن
تنزل الجمعة. الحديث. وروى الدارقطني عن ابن عباس إذن النبي صلى الله
عليه وسلم بها لهم قبل الهجرة. وقد روينا من طريق أبي عروبة الأثر عن
سليمان بن موسى بذلك2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال في النهاية: نقيع الخضمات هو موضع بنواحي المدينة.
2 هنا في هامش الأصل: بلغ مقابلة لله الحمد.
ج / 1 ص -211-
ذكر إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير على يدي مصعب بن عمير:
قال ابن
إسحاق: وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب وعبد الله بن أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد دار بني
الأشهل ودار بني ظفر فدخل حائطا1 من حوائط بني ظفر فجلسا فيه واجتمع
إليهما رجال ممن أسلم وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما
وكلاهما مشرك على دين قومه فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير:
لا أبا لك انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها
ضعفاءنا فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا فإنه لولا أن أسعد بن
زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما فأخذ
أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد بن زرارة قال: المصعب
هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه ثم قال مصعب: إن يجلس هذا أكلمه
قال: فوقف عليهما متشتما فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟
اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع فإن
رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره؛ قال: أنصفت ثم ركز حربته
وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا فيما يذكر
عنهما والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ثم قال: ما أحسن هذا
وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين قالا له: تغتسل
فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي فقام فاغتسل وطهر ثوبيه
وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما: إن ورائي رجلان إن
اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن وهو سعد بن معاذ
ثم أخذ حربته فانصرف إلى سعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي بستانًا.
ج / 1 ص -212-
وقومه
وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال: أحلف بالله
لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف على
النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما
بأسا وقد نهيتهما؛ فقالا: نفعل ما أحببت وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا
إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك فقام
سعد مغضبا مبادرا تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة فأخذ الحربة من يده
وقال: والله ما أراك أغنيت عنا شيئا ثم خرج إليهما فلما رآهما سعد
مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما فوقف عليهما متشتما
ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا إمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من
القرابة ما رمت مني هذا أتغشانا في دارينا بما نكره، وقد قال أسعد بن
زرارة لمصعب بن عمير أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه من قومه إن يتبعك
لا يتخلف عنك منهم اثنان قال: فقال له مصعب: أوتقعد فتسمع فإن رضيت
أمرا قبلته وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره قال سعد: أنصفت ثم ركز الحربة
وجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن قالا: فعرفنا والله في وجهه
الإسلام قبل أن يتكلم ثم قال لهما كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم
في هذا الدين قالا: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم
تركع ركعتين قال: فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ثم شهد شهادة الحق ثم ركع
ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعهم أسيد بن حضير
فلما رآه قومه مقبلا قالوا نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه
الذي ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف
تعلمون أمري فيكم قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة1 قال: فإن
كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله قال: فوالله ما
أمسى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال أبو عبيد: يقال فلان ميمون النقيبة إذا كان مبارك النفس. وقال
ابن السكيت إذا كان ميمون الأمر ينجح فيما يحاول، وقال ثعلب إذا كان
ميمون المشورة.
ج / 1 ص -213-
في دار
بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة. قال أبو عمر حاشى
الأصيرم وهو عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم
واستشهد ولم يسجد لله سجدة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من
أهل الجنة. رجع إلى ابن إسحاق قال ورجع مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة
فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا
وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة
ووائل وواقف وتلك أوس الله وهم من الأوس بن حارثة، قال أبو عمر وكانوا
سكانا في عوالي المدينة فأسلم منهم قوم وكان سيدهم أبو قيس صيفي بن
الأسلب فتأخر إسلامه وإسلام سائر قومه إلى أن مضت بدر وأحد والخندق ثم
أسلموا كلهم. ورأيت في التاريخ الأوسط للبخاري أن أهل مكة سمعوا هاتفا
يهتف قبل إسلام سعد بن معاذ:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد
بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فحسبوا أنه يريد
القبيلتين سعد هزيم من قضاعة وسعد بن زيد مناة بن تميم حتى سمعوه يقول:
فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا
ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا
على الله في الفردوس منية عارف
في أبيات وقد روينا ذلك
أطول من هذا.
ج / 1 ص -215-
ذكر البراء بن معرور وصلاته إلى القبلة وذكر العقبة الثالثة:
قال ابن
إسحاق ثم أن مصعب بن عمير رجع إلى مكة وخرج من خرج من الأنصار من
المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق فحدثني معبد
بن كعب بن مالك أن أخاه عبد الله وكان من أعلم الأنصار حدثه أن أباه
كعبا حدثه وكان ممن يشهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بها قال: خرجنا من حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا ومعنا
البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا فلما وجهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة
قال البراء لنا: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا والله ما أدري أتوافقوني
عليه أم لا؟ قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: رأيت أن لا أدع هذه البنية مني
بظهر يعني الكعبة وأن أصلي إليها قال: قلنا: والله وما بلغنا أن نبينا
يصلي إلا إلى الشام وما نريد أن نخالفه قال: فقال: إني لمصل إليها قال:
قلنا له: لكنا1 لا نفعل قال: فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام
وصلى إلى الكعبة حتى قدمنا مكة قال: وقد كنا عبنا عليه ما صنع وأبى إلا
الإقامة على ذلك قال: فلما قدمنا مكة قال لي يابن أخي انطلق بنا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا فإنه
والله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه قال:
فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نعرفه ولم نره
قبل ذلك فلقينا رجلا من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة "والله" مكان "لكنا".
ج / 1 ص -216-
أهل
مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تعرفانه؟ قلنا:
لا قال: فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه؟ قلنا: نعم قال: وكنا
نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا قال: فإذا دخلتما المسجد هو
الرجل الجالس مع العباس قال فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله
صلى الله عليه وسلم معه فسلمنا ثم جلسنا إليه فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم للعباس:
"هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟"
قال: نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك قال: فوالله
ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الشاعر؟"؛ قال: نعم قال: فقال له: البراء بن معرور يا نبي الله إني خرجت في
سفري هذا وقد هداني الله للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر
فصليت إليها وخالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا
ترى يا رسول الله؟ قال:
"لقد كنت على
قبلة لو صبرت عليها". فرجع
البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى إلى الشام وأهله
يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات وليس كما قالوا نحن أعلم به منهم ثم
خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من واسط
أيام التشريق فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد
من ساداتنا أخذناه وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا
فكلمناه وقلنا له: يا جابر إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا وإنا
نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ثم دعوناه إلى الإسلام
وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة قال: فأسلم
وشهد معنا العقبة وكان نقيبا فنمنا1 تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى
إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه
وسلم تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة
وسبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة "فمكثنا" مكان "فنمنا".
ج / 1 ص -217-
نسيبة
بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار وأسماء بنت عمرو بن عدي
بن نابي إحدى نساء بني سلمة وهي أم منيع قال: فاجتمعنا في الشعب ننتظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب وهو
يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له فلما
جلس كان أول من تكلم فقال: يا معشر الخزرج وكانت العرب إنما يسمون هذا
الحي من الأنصار الخزرج خزرجها وأوسها إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد
منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه ومنعة في
بلده وأنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم فإن كنتم ترون إنكم
وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك
وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه
فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده قال: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت فتكلم
يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت قال: فتكلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال:
"أبايعكم على
أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم"؛
قال فأخذ البراء ابن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق لمنعنك
مما نمنع منه نساءنا أزرنا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن
والله أهل الحروب وأهل الحلقة1 ورثناها كابرا عن كابر قال فاعترض القول
-والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التيهان
فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها يعني
اليهود فهل عسيت أن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك
وتدعنا قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:
"بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم
من سالمتم"
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أخرجوا إليّ منكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الدروع.
ج / 1 ص -218-
اثني عشر
نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم"
فأخرجوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس فمن الخزرج ثم من بني النجار:
أسعد بن زرارة بن عدس ومن بني مالك: الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج
بن الحارث بن الخزرج عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو
بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر، وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي
زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر، ومن بني زريق: رافع بن مالك
بن العجلان، ومن بني سلمة ثم بني حرام: عبد الله بن عمرو بن حرام بن
ثعلبة بن حرام، ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة: البراء بن
معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد، ومن بني طريف بن الخزرج بن
ساعدة بن كعب بن الخزرج: سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة
بن ثعلبة بن طريف، ومن بني ثعلبة بن الخزرج أخي طريف: المنذر بن عمرو
بن خنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة، ومن بني غنم بن عوف بن
عمرو بن عوف بن الخزرج عبادة بن الصامت، ومن الأوس ثم من بني عبد
الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: أسيد بن
حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، ومن بني
السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس: سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك
بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم، ومن بني أمية بن
زيد رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر1 بن زيد بن أمية. قال ابن هشام: وأهل
العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان بدل رفاعة، وروينا عن أبي بكر
البيهقي بسنده إلى مالك قال: فحدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه
السلام كان يشير له إلى من يجعله نقيبا، وقد قيل إن الذي تولى الكلام
مع الأنصار وشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة.
وروينا من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الزاي وسكون النون وفتح الباء وآخره راء.
ج / 1 ص -219-
طريق
العدني ثنا يحيى بن سليم عن ابن خيثم عن أبي الزبير عن جابر فذكر حديث
العقبة وفيه فأخذ بيده -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- أسعد بن زرارة
وهو أصغر السبعين إلا أنا؛ فقال: رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه
أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة
العرب كافة وقتل خياركم وإن تعضكم السيوف فأما أنتم قوم تصبرون عليها
إذا مستكم بقتل خياركم ومفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله وأما
أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله فقالوا يا
أسعد أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. الحديث. وقيل
بل العباس بن عبادة بن نضلة. روينا عن ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن
عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال العباس بن عبادة بن نضلة: يا معشر الخزرج إنكم تبايعونه على حرب
الأحمر والأسود من الناس فذكر نحو ما تقدم قال: فأما عاصم فقال: والله
ما قال ذلك العباس إلا ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما
عبد الله بن أبي بكر فقال: ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك
الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي بن سلول فيكون أقوى لأمر القوم
فالله أعلم أي ذلك كان. وكانت هذه البيعة على حرب الأسود والأحمر وأخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه واشترط عليهم لربه وجعل لهم على
الوفاء بذلك الجنة فأول المبايعين فيها مختلف فيه؛ فرويناه عن ابن
إسحاق من طريق البكائي ومن طريق أبي عروبة عن سليمان بن سيف عن سعيد بن
بزيع عنه قال: بنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول
من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو عبد الأشهل: مالك بن
النجار سهل بن عتيك بن النعمان بن زيد بن معاوية بن عمرو بن عتيك بن
عمرو بن عامر. ومن بني حديلة1 أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بضم الحاء المهملة وفتح الدال المهملة.
ج / 1 ص -220-
معاوية
بن عمرو بن مالك بن النجار وحديلة أم معاوية بن عمرو وهي ابنة مالك بن
زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ولم
يذكره ابن إسحاق. ومن بني مغالة وهم بنو عدي بن عمرو بن مالك بن
النجار: أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي،
أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام، ومن بني مازن بن النجار: قيس
بن أبي صعصعة، عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن
عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول وابن هشام يقول: هو
غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء، وغيرهما يثبتهما معا. ومن بني الحارث
بن الخزرج: عبد الله بن رواحة، سعد بن الربيع، خارجة بن يزيد بن أبي
زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج،
بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس -بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام
للدارقطني وبكسرها وتخفيف اللام عند غيره- بن زيد1 بن مناة بن مالك
الأغر، خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس بن مالك
الأغر، عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد، الحارث بن الخزرج.
وبعضهم يقول في زيد: زيد مناة وابن عمارة يسقط ثعلبة صاحب الأذان، ومن
بني الأبجر: خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج، عبد الله بن ربيع بن قيس
بن عامر بن عباس الأبجر، ومن بني أخيه: خدارة بن عوف، عقبة بن عمرو بن
ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث أبو مسعود
وكان أحدثهم سنا، وابن إسحاق يسقط منه عطية، وأسيرة عنده بالياء يسيرة
وذكرها الدارقطني وأبو بكر الخطيب عن ابن إسحاق نسيرة بالنون المضمومة
ووهم الأمير وابن عبد البر من قال ذلك، وأما ابن عقبة فقال: أسيرة بفتح
الهمزة وكذلك اختلفوا في تقييد عسيرة فمنهم من يفتح العين ويكسر السين
ومنهم من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة "يزيد" ولعله خطأ.
ج / 1 ص -221-
يفتح
السين ويضم العين، وخدارة منهم من يقولها بالجيم ومنهم من يقولها
بالخاء المعجمة والذين يقولونها بالجيم منهم من يضمها ومنهم من يكسرها،
ومن بني زريق بن عبد حارثة: رافع بن مالك بن العجلان ذكوان بن عبد قيس،
عباد بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق بدل الحارث بن قيس بن
خالد بن مخلد بن عامر بن زريق وعند ابن الكلبي خلدة بدل خالد، ومن بني
بياضة بن عامر بن زريق زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي
بن أمية بن بياضة فروة ابن عمرو بن ودقة بن عبيد بن عامر بن بياضة خالد
بن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة، ومن بني سلمة ثم من بني
عبيد: البراء بن معرور وابنه بشر، سنان بن صيفي بن صخر بن خنساء بن
سنان بن عبيد، الطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان بن عبيد. قال ابن
سعد: لا أحسبه إلا وهما ومعقل ويزيد ابنا المنذر بن سرح بن خناس بن
سنان بن عبيد ومسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد والضحاك
بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد ويزيد بن خدام -وبعضهم يقول حرام- بن
سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد، وجبار1 بن صخر بن أمية بن خنساء بن
سنان بن عبيد ويقال: خناس والطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد،
ومن بني سلمة أيضا ثم من بني سواد ثم من بني كعب بن سواد: كعب بن مالك
بن أبي كعب بن القين، وعند غيره كعب بن أبي كعب بن عمرو بن القين بن
كعب بن سواد رحل، ومن بني غنم بن سواد: قطبة بن عامر بن حديدة وأخوه
يزيد بن عمرو بن حديدة، أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم،
صيفي بن سواد بن عباد المذكور خمسة، ومن بني نابي بن عمرو بن سواد:
ثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي أخوه عمر، وعبس بن عامر بن عدي بن نابي،
خالد بن عمرو بن عدي بن نابي، عبد الله بن أنيس بن أسعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الجيم والباء الموحدة المشددة.
ج / 1 ص -222-
ابن
حرام بن حبيب بن مالك بن غنم بن كعب بن تيم بن بهثة بن ناشزة بن يربوع
بن البرك وبرة، والبرك دخل في جهينة حليف لهم، وعند أبي عمر: تيم بن
نفاثة1 بن إياس بن يربوع؛ خمسة، وعامر بن نابي أبو عقبة المذكور في
العقبة الأولى ذكره ابن الكلبي، وعمير بن عامر بن نابي شهد المشاهد
كلها قاله ابن الكلبي، قال الدمياطي: ولم أر من تابعه على ذكر عمير في
الصحابة، ومن بني سلمة ثم من بني حرام عبد الله بن عمرو بن حرام ابنه
جابر، ثابت بن الجذع2، ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام، عمير وقيل:
عمرو بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن حرام، وابن هشام يقول: لبدة بدل
ثعلبة، عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام ابنه معاذ، ولم يذكر ابن إسحاق
عمر لخديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن كعب بن القراقر بن الضحيان أبو
شبات3 حليف لهم من قضاعة؛ سبعة، ومن بني أدي بن سعد أخي سلمة بن سعد:
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي
عداده في بني سلمة لأنه كان أخا سهل بن محمد بن الجند بن قيس بن صخر بن
سنان بن عبيد لأمه، ومن بني غنم بن عوف أخي سالم الحبلي: عبادة بن
الصامت، العباس بن عبادة بن نضلة، يزيد بن ثعلبة البلوي حليفهم عمرو بن
الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة، مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن
مرضخة بن غنم وأبو معشر ينكر شهوده العقبة؛ خمسة، وهم من القواقل، ومن
بني الحبلي سالم: رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن
سالم وابنه مالك بن رفاعة ذكره الأموي، وعقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد
بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد الله
بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان حليف لهم؛ ثلاثة، ومن بني ساعدة: سعد بن
عبادة، المنذر بن عمرو، والمرأتان من بني مازن بن النجار: نسيبة بنت
كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن أم عمارة، ومن بني
سلمة: أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي. قال أبو عمر: وقد ذكر
بعض أهل السير فيهم: أوس بن عباد بن عدي في بني سلمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بضم النون وثاء مثلثة.
2 بكسر الجيم وسكون الذال.
3 الضحيان بفتح الضاد وسكون الحاء، ابن شباث بضم الشين وفتح الباء.
ج / 1 ص -223-
ذكر فوائد تتعلق بخبر هذه العقبة:
قول البراء
نمنعك مما نمنع منه أزرنا: العرب تكني عن المرأة بالإزار وتكني به أيضا
عن النفس وتجعل الثوب عبارة عن لابسه ويحتمل هنا الوجهين. قاله
السهيلي. قال: ومعرور معناه مقصود ورأيت بخط جدي أبي بكر محمد بن أحمد
رحمه الله. البراء في اللغة ممدود: آخر ليلة من الشهر وبها سمي البراء
بن معرور وكانت العرب تسمي بما تسمعه حال ولادة المولود. قلت وابنه بشر
بن البراء الذي سوده رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني سلمة كما
ذكر ابن إسحاق وكما أنبأنا محمد بن أبي الفتح الصوري بقراءة الحافظ أبي
الحجاج المزي عليه وأنا أسمع أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني قراءة
عليه وأنتم تسمعون فأقر به قال: أنا أبو الحسن بن قبيس قال: أنا أبو
الحسن بن أبي الحديد قال: أنا جدي أبو بكر قال: أنا أبو بكر محمد بن
جعفر الخرائطي ثنا أبو بكر أحمد بن منصور الرماري ثنا عبد الرزاق قال:
أنا معمر عن الزهري عن أبي بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لبني ساعدة:
"من سيدكم؟" قالوا: جد
بن قيس قال:
"بم سودتموه"،
ج / 1 ص -224-
قالوا:
إنه أكثرنا مالا وإنا على ذلك لنزنه1 بالبخل فقال النبي صلى الله عليه
وسلم:
"وأي داء أدوأ من البخل"؛ قالوا: فمن؟ قال:
"سيدكم بشر بن البراء بن معرور"،
وكان أول من استقبل القبلة2 حيا وميتا وكان يصلي إلى الكعبة ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس فأطاع النبي صلى الله عليه
وسلم فلما حضره الموت قال لأهله: استقبلوا بي الكعبة كذا روينا في هذا
الخبر، وروينا عن عمرو بن دينار ومحمد بن المنكدر والشعبي من طريق ابن
سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح". وذكره السهيلي عن الزهري، والذي وقع لنا عن الزهري كرواية ابن
إسحاق وأنشد أبو عمر3 في ذلك لشاعر الأنصار:
وقال رسول الله والحق قوله
لمن قال منا من تعدون سيدا
فقلنا له جد بن قيس على التي
نبخله فيها وما كان أسودا
فسود عمرو بن الجموح لجوده
وحق لعمرو بالندى أن يسودا
في أبيات ذكرها.
وقد بقي علينا في الخبر الذي أسندناه آنفا موضعان ينبغي التنبيه عليهما
أحدهما: قوله لبني ساعدة وليس بشيء ليس في نسب هؤلاء ساعدة هم بنو سلمة
ابن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج. والثاني:
قوله في بشر بن البراء وكان أول من استقبل الكعبة حيا وميتا وإنما ذلك
أبو البراء غير شك. كذلك رويناه فيما سلف وكذلك رويناه عن أبي عروبة
ثنا ابن شبيب ثنا عبد الرزاق قال: أنا معمر قال: قال الزهري: البراء بن
معرور أول من استقبل القبلة حيا وميتا، وذكر يزيد بن خزام هو عند ابن
إسحاق وعند موسى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: نتهمه.
2 في نسخة "الكعبة".
3 في الأصل "أبو عمرو".
ج / 1 ص -225-
ابن
عقبة يزيد بن خدارة وعند أبي عمر يزيد بن حرام ويزيد بن خزمة -بسكون
الزاي عند ابن إسحاق وابن الكلبي وفتحها الطبري- وهو يزيد بن ثعلبة بن
خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة -بفتح العين وتشديد الميم- وفروة بن
عمرو بن وذقة عند ابن إسحاق بالذال المعجمة وقال ابن هشام بالدال
المهملة ورجحه السهيلي فسر الودقة بالروضة الناعمة. وقال وإنما جعل
النبي صلى الله عليه وسلم النقباء اثني عشر اقتداء بقوله سبحانه في قوم
موسى:
{وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} وقوله:
"يا أهل الجباجب" يعني منازل
منى،
"وأزب العقبة شيطان"، وقوله:
"بل الدم الدم والهدم الهدم"؛
قال ابن هشام: الهدم بفتح الدال، وقال ابن قتيبة كانت العرب تقول عند
عقد الحلف والجوار دمي دمك وهدمي هدمك أى ما هدمت من الدماء هدمته أنا،
قال: ويقال أيضا: بل اللدم اللدم والهدم الهدم وأنشد:
ثم الحقي بهدمي ولدمي
فاللدم جمع لادم وهم
أهله الذين يلتدمون عليه إذا مات وهو من لدمت صدره إذا ضربته. والهدم:
قال ابن هشام: الحرمة وإنما كني عن حرمة الرجل وأهله بالهدم لأنهم
كانوا أهل نجعة وارتحال ولهم بيوت يستخفونها يوم ظعنهم فكلما ظعنوا
هدموها، والهدم بمعنى المهدوم كالقبض ثم جعلوا الهدم وهو البيت المهدوم
عبارة عما حوى ثم قالوا: هدمي هدمك أي رحلتي رحلتك.
ج / 1 ص -227-
ذكر الهجرة إلى المدينة:
قال ابن
إسحاق فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة
العقبة وكانت سرا عن كفار قومهم وكفار قريش أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم من كان معه بالهجرة إلى المدينة فخرجوا أرسالا أولهم فيما
قيل: أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وحبست عنه امرأته أم سلمة هند بنت
أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بمكة نحو سنة ثم أذن
لها بنو المغيرة الذين حبسوها في اللحاق بزوجها فانطلقت وحدها مهاجرة
حتى إذا كانت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار وكان
يومئذ مشركا فشيعها حتى أوفى على قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال لها:
هذا زوجك في هذه القرية ثم انصرف راجعا إلى مكة فكانت تقول: ما رأيت
صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن أبي طلحة. وقد قيل: إن أول المهاجرين
مصعب بن عمير. روينا عن أبي عروبة ثنا ابن بشار وابن المثنى قالا: ثنا
محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: كان أول من
قدم المدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ثم عامر
بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم.
قال أبو عمر وهي أول ظعينة دخلت من المهاجرات المدينة. وقال موسى بن
عقبة وأول امرأة دخلت المدينة أم سلمة ثم عبد الله بن جحش بن رئاب
بأهله وأخيه عبد بن جحش أبي أحمد وكان ضريرا وكان منزلهما ومنزل أبي
سلمة وعامر على مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بقباء في بني عمرو بن عوف.
قال أبو عمر: وهاجر
ج / 1 ص -228-
جميع
بني جحش بنسائهم فعدا أبو سفيان على دارهم فتملكها وكانت الفارعة بنت
أبي سفيان بن حرب تحت أبي أحمد بن جحش، وزاد غير أبي عمر فباعها من
عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي فذكر ذلك عبد الله بن جحش لما بلغه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا ترضى يا
عبد الله أن يعطيك الله بها دارا في الجنة خيرا منها" قال: بلى قال:
"فذلك لك"، فلما
افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كلمه أبو أحمد في دارهم فأبطأ
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس لأبي أحمد: يا أبا أحمد
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شيء أصيب منكم في
الله فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. رجع إلى خبر ابن
إسحاق: وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد أوعبوا1 إلى المدينة مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساءهم عكاشة بن محصن بن
حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة أبو محصن
حليف بني أمية وأخوه عمرو بن محصن وشجاع وعقبة ابنا وهب بن ربيعة بن
أسد بن صهيب بن مالك بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وأربد بن
جميرة -وقال ابن هشام حميرة بالحاء وهو عند ابن سعد حمير- ومنقذ بن
نباتة بن عامر بن غنم بن دودان2 وسعيد بن رقيش ومحرز بن نضلة بن عبد
الله بن مرة بن كبير بن غنم وزيد بن رقيش وقيس بن جابر ومالك بن عمرو
وصفوان بن عمرو وثقف بن عمرو حليف بني عبد شمس وربيعة بن أكتم بن سخبرة
ابن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد والزبير بن عبيدة
وتمام بن عبيدة وسخبرة بن عبيدة ومحمد بن عبد الله بن جحش. ومن نسائهم
زينب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: خرجوا جميعهم.
2 في نسخة زيادة "ابن أسد".
ج / 1 ص -229-
بنت
جحش وأم حبيبة بنت جحش وجدامة بنت جندل وأم قيس بنت محصن وأم حبيبة بنت
ثمامة وآمنة بنت رقيش وسخبرة بنت تميم وحمنة بنت جحش. وقال أبو عمر: ثم
خرج عمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة في عشرين راكبا فقدموا المدينة
فنزلوا في العوالي في بني أمية بن زيد وكان يصلي بهم سالم مولى أبي
حذيفة وكان أكثرهم قرآنا وكان هشام بن العاص بن وائل قد أسلم وواعد عمر
بن الخطاب أن يهاجر معه وقال تجدني أو أجدك عند إضاءة بني غفار ففطن
لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة. ثم إن أبا جهل والحارث بن هشام -ومن
الناس من يذكر معهما أخاهما العاصي بن هشام- خرجا حتى قدما المدينة
ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فكلما عياش بن أبي ربيعة وكان
أخاهما لأمهما وابن عمهما وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها ولا
تستظل حتى تراه فرقت نفسه وصدقهما وخرج راجعا معهما فكتفاه في الطريق
وبلغا به مكة فحبساه بها إلى أن خلصه الله تعالى بعد ذلك بدعاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم له في قنوت الصلاة:
"اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة". قال ابن إسحاق فحدثني بعض آل عياش بن أبي ربيعة أنهما حين دخلا
مكة دخلا به نهارا موثقا ثم قالا: يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم
كما فعلنا بسفيهنا هذا. قال ابن هشام وحدثني من أثق به أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة:
"من لي بعياش
بن أبي ربيعة وهشام بن العاص" فقال
الوليد بن الوليد بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما فخرج إلى مكة
فقدمها مستخفيا فلقي امرأة تحمل طعاما فقال لها: أين تريدين يا أمة
الله قالت: أريد هذين المحبوسين تعنيهما فتبعها حتى عرف موضعهما وكانا
محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما ثم أخذ مروة فوضعها
تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فكان يقال: السيف ذو المروة لذلك
ثم حملهما على بعيره وساق بهما فعثر فدميت أصبعه فقال:
ج / 1 ص -230-
هل أنت إلا أصبع دميت
وفى سبيل الله ما لقيت
ثم قدم بهما على رسول
الله صلى الله عليه وسلم المدينة. قال ابن إسحاق ونزل عمر بن الخطاب
حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه وأخوه زيد بن الخطاب وعمرو
وعبد الله ابنا سراقة ابنا المعتمر بن أنس بن أداة بن رياح بن عبد الله
بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب وخنيس بن حذافة السهمي وكان صهره على
ابنته حفصة بنت عمر بن الخطاب خلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعده وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وواقد بن عبد الله التميمي حليف لهم
وخولى بن أبي خولى ومالك بن أبي خولى واسم أبي خولى عمرو بن زهير قيل:
جعفي وقيل: عجلي وقيل: غير ذلك حليفان لهم وبنو البكير أربعتهم إياس
وعاقل وعامر وخالد حلفاؤهم من بني سعد بن ليث على رفاعة بن عبد المنذر
بن زنبر في بني عمرو بن عوف بقباء وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه
عليه حين قدما المدينة ثم تتابع المهاجرون فنزل طلحة بن عبد الله وصهيب
بن سنان على خبيب ابن إساف ويقال: بل نزل طلحة على سعد بن زرارة أخي
بني النجار كذا قال ابن سعد وإنما هو أسعد. قال ابن هشام وقد ذكر لي عن
أبي عثمان النهدي أنه قال: بلغني أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار
قريش أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت ثم تريد أن
تخرج بمالك ونفسك لا والله لا يكون ذلك فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت
لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم فقال: فإني قد جعلت لكم فبلغ ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"ربح صهيب ربح صهيب".
قال ابن إسحاق ونزل حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وأبو مرثد كناز
بن الحصين بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف بن جلان
بن غنم بن غني بن يعصر الغنوي كذا ذكره أبو عمر عن ابن إسحاق. وأما ابن
الرشاطي فقال حصين بن عمرو بن يربوع بن طريف بن خرشة بن
ج / 1 ص -231-
عبيد
بن سعد بن عوف بن كعب بن جبلان بن غنم بن غني وابنه مرثد وأنسة وأبو
كبشة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن هدم أخي بني
عمرو بن عوف بقباء ويقال بل نزلوا على سعد بن خيثمة ويقال: بل نزل حمزة
بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة ونزل عبيدة بن الحارث وأخواه الطفيل
والحصين ومسطح بن أثاثة واسمه عمرو بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد
مناف بن قصي وسويبط بن سعد بن حرملة وطليب بن عمير وخباب مولى عتبة بن
غزوان على عبد الله بن سلمة أخي بني العجلان بقباء ونزل عبد الرحمن بن
عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع ونزل الزبير بن العوام
وأبو سبرة بن أبي رهم على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح
ونزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ ونزل أبو حذيفة بن عتبة وسالم مولى
أبي حذيفة وعتبة بن غزوان على عباد بن بشر بن وقش ونزل عثمان بن عفان
على أوس بن ثابت أخي حسان ويقال: بل نزل الأعراب من المهاجرين على سعد
بن خيثمة وذلك أنه كان عزبا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة
بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه أحد
من المهاجرين إلا من حبس أو افتتن إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر، وكان
أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول
له:
"لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا" فيطمع أبو بكر أن يكون هو1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هنا في هامش الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".
ج / 1 ص -233-
ذكر يوم الزحمة:
قال ابن
إسحاق: ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت له شيعة
وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم
عرفوا أنهم قد نزلوا دارا وأصابوا منعة فحزروا خروج رسول الله صلى الله
عليه وسلم إليهم وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة
وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها يتشاورون
فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه: فحدثني
من لا أتهم من أصحابنا عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أبي
الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس قال: لما اجتمعوا لذلك
واتعدوا أن يدخلوا دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له وكان ذلك اليوم يسمى يوم
الزحمة فاعترضهم إبليس لعنه الله في هيئة شيخ جليل عليه بت1 له فوقف
على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من
أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون؟ وعسى أن لا
يعدمكم منه رأيا ونصحا قالوا: أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها
أشراف قريش من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان
بن حرب. ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي وجبير بن مطعم والحارث
بن عمرو بن نوفل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الباء الموحدة هو الكساء الغليظ المربع، وقيل الطيلسان من خز
ونحوه، وقيل كساء من الصوف.
ج / 1 ص -234-
ومن
بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة. ومن بني أسد بن عبد
العزى: أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام. ومن بني
مخزوم: أبو جهل بن هشام. ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج. ومن بني
جمح: أمية بن خلف أو من كان منهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش فقال بعضهم
لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم وإنا والله ما نأمنه
على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأيا قال:
فتشاوروا ثم قال قائل منهم: احبسوه في الحديد واغلقوا عليه بابا ثم
تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير والنابغة
ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم قال الشيخ النجدي: لا
والله ما هذا لكم برأي والله لو حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من
وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلا وشكوا أن يثبوا عليكم
فينتزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم
برأي فانظروا إلى غيره فتشاوروا ثم قال قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا
فننفيه من بلادنا فإذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع
إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت، قال الشيخ
النجدي: والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته
على قلوب الرجال بما يأتي به؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على
حي من العرب فيغلب بذلك عليهم من قوله وحديثه حتى يبايعوه ثم يسير بهم
إليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد أدبروا
فيه رأيا غير هذا قال: فقال: أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما
أراكم وقعتم عليه بعد؛ قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن تأخذوا
من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا وسيطا ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما
ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فإنهم
إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على
حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل فعقلناه
ج / 1 ص -235-
لهم
قال: يقول الشيخ النجدي: القول ما قال هذا الرجل هذا الرأي ولا أرى
غيره فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له فأتى جبريل رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال:
فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون
عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي
طالب:
"نم على فراشي
وتسج1
ببردي هذا
الحضرمي الأخضر فنم عليه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام.
فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: لما اجتمعوا وفيهم أبو
جهل بن هشام فقال وهم على بابه: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على
أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان
كجنان الأردن وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم
فجعلت لكم نار تحرقون فيها قال: وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال:
"نعم أنا أقول ذلك وأنت أحدهم"
وأخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم
وهو يتلو هذه الآيات:
{يس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
إلى قوله:
{فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق
منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب
فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: وما تنتظرون ههنا قالوا: محمدا قال:
قد خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد
وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته أفما ترونها بكم؟ قال: فوضع كل رجل
منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على
الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: والله إن
هذا لمحمد نائما عليه برده فلم يزالوا كذلك حتى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: تغط.
ج / 1 ص -236-
أصبحوا
فقام علي على الفراش فقالوا والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا فكان مما
أنزل الله من القرآن في ذلك:
{وَإِذْ
يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ
يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ} وقول الله تعالى:
{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ، قُلْ
تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}.
ج / 1 ص -237-
ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار:
قوله بقباء1
هو مسكن بني عمرو بن عوف على فرسخ من المدينة ويمد ويقصر ويؤنث ويذكر
ويصرف ولا يصرف. وذكر في مهاجري بني دودان بن أسد بنات جحش بن رئاب وهن
زينب وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب وهي
التي كانت عند زيد بن حارثة ونزلت فيها:
{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} وحمنة بنت جحش وهي التى كانت تحت عبد الرحمن بن عوف وأم حبيبة،
وقال السهيلي أم حبيب، وحكاه أبو عمر وقال هو قول أكثرهم، وكان شيخنا
الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي -رحمه الله- يقول أم حبيب
حبيبة، وأما الحافظ أبو القاسم بن عساكر فعنده أم حبيبة واسمها حمنة
فهما اثنتان على هذا فقط ولم أجد في جمهرة ابن الكلبي وكتاب أبي محمد
بن حزم في النسب غير زينب وحمنة، والسهيلي يقول كانت زينب عند زيد بن
حارثة وأم حبيب تحت عبد الرحمن بن عوف وحمنة تحت مصعب بن عمير. قال
ووقع في الموطأ وهم أن زينب كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ولم يقله أحد
والغلط لا يسلم منه بشر غير أن شيخنا أبا عبد الله محمد بن نجاح أخبرنا
أن أم حبيب كان اسمها زينب فهما زينبان غلبت على إحداهما الكنية فعلى
هذا لا يكون في حديث الموطأ وهم. وذكر جدامة بنت جندل وهي بالدال
المهملة ومن أعجمها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بضم القاف.
ج / 1 ص -238-
فقد
صحف - قال السهيلي وأحسبها جدامة بنت وهب. قلت جدامة بنت جندل غير
معروفة والذي ذكره أبو عمر جدامة بنت وهب أسلمت بمكة وهاجرت مع قومها
إلى المدينة لا يعرف غير ذلك. وذكر في المهاجرين محرر بن نضلة وابن
عقبة يقول فيه محرز بن وهب. وذكر في خبر يوم الزحمة تشاور قريش في أمره
عليه السلام ولم يسم المشيرين وكان الذي أشار بحبسه أبو البختري بن
هشام والذي أشار بإخراجه ونفيه هو أبو الأسود ربيعة بن عمير أخو بني
عامر بن لؤي ذكره السهيلي عن ابن سلام.
ج / 1 ص -239-
أحاديث الهجرة وتوديع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة:
قرأت على
أبي حفص عمر بن عبد المنعم بعربيل من غوطة دمشق أخبركم أبو القاسم عبد
الصمد بن محمد الأنصاري حضورا في الرابعة قال: أنا أبو الحسن السلمي
قال: أنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن طلاب الخطيب قال: أنا ابن
جميع ثنا إبراهيم بن معاوية ثنا عبد الله بن سليمان ثنا نصر بن عاصم
ثنا الوليد ثنا طلحة عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"والله إني
لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمها على الله
تعالى ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك".
وكان أبو بكر يستأذنه عليه السلام في الهجرة فيثبطه ليكون معه من غير
أن يصرح له بذلك كما أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم
المقدسي بقراءة والدي عليه وأنا حاضر في الرابعة وأبو عبد الله محمد بن
عبد المؤمن بقراءتي عليه بظاهر دمشق قالا أخبرنا أبو ملاعب قال: أنا
الأرموي قال: أنا يوسف بن محمد بن أحمد قال: أنا أبو عمر بن مهدي قال:
أنا ابن مخلد ثنا ابن كرامة ثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها قالت: استأذن أبو بكر في الخروج من مكة حين اشتد عليه
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أقم"، فقال يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك فيقول:
"إني لأرجو ذلك"،
فانتظره أبو بكر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم آت يوم ظهرا
فناداه فقال:
"اخرج من عندك"،
فقال: يا رسول الله إنما هنا ابنتاي قال:
"شعرت أنه قد أذن لي في الخروج"، فقال: يا رسول الله الصحبة فقال:
"الصحبة"،
قال: يا رسول الله عندي ناقتان قد
ج / 1 ص -240-
أعدتهما للخروج فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أحداهما وهي الجدعاء
فركبها فانطلقا حتى أتيا الغار وهو بثور فتواريا فيه وكان عامر بن
فهيرة غلاما لعبدة بن الطفيل وهو أخو عائشة لأمها وكانت لأبي بكر منحة1
فكان يروح بها ويغدو عليها ويصبح فيدلج إليهم ثم يسرح ولا يفطن له أحد
من الرعاء فلما خرجا خرج معهما يعقبانه حتى قدم المدينة فقتل عامر بن
فهيرة يوم بئر معونة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: غنم. |