عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 1 ص -385-
غزوة بني قينقاع:
قال ابن
سعد: وكانت يوم السبت للنصف من شوال على رأس
عشرين شهرا من مهاجره. قال ابن إسحاق وكان من
بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال:
"يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا
فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في
كتابكم وعهد الله إليكم"، قالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك ولا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم
لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة أما والله لو
حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس، فحدثني مولى
لآل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عن عكرمة
عن ابن عباس قال ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ
وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ
الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي
فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} -أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش-
{فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ
وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي
الْأَبْصَارِ} قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنهم كانوا أول يهود نقضوا ما
بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحاربوا فيما بين بدر وأحد فحاصرهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه. قال
ابن هشام وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن
مخرمة عن أبي عون قال: كان من أمر بني قينقاع
أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق
بني قينقاع وجلست إلى صائغ فجعلوا يريدونها
على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها
فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوءتها
فضحكوا منها
ج / 1 ص -386-
فصاحت
فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا، وشدت اليهود على
المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فأغضب المسلمين
فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع وتبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشبث به عبد الله بن أبي فيما روينا عن
ابن إسحاق عن أبيه عن عباد بن الوليد بن عباد بن الصامت قال: وفيه وفي
عبد الله نزلت:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ
وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إلى قوله:
{فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، وروينا عن ابن سعد قال: وكانوا قوما من يهود حلفاء لعبد الله بن
أبي بن سلول، وكانوا أشجع يهود وكانوا صاغة فوادعوا النبي صلى الله
عليه وسلم، فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد
والمدة، فأنزل الله تعالى:
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ
عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أنا أخاف من بني قينقاع" فسار إليهم ولواؤه بيد حمزة بن عبد المطلب، وكان أبيض ولم تكن
الرايات يومئذ واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر وحاصرهم
خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة وكانوا أول من غدر من اليهود وحاربوا
وتحصنوا في حصنهم فحاصرهم أشد الحصار حتى قذف الله في قلوبهم الرعب
فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لرسول الله صلى
الله عليه وسلم أموالهم وإن لهم النساء والذرية فأنزلهم فكتفوا،
واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي، فكلم ابن أبي فيهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم وألح عليه فقال: "حلوهم لعنهم الله ولعنه
معهم"، وتركهم من القتل وأمر أن يجلوا من المدينة وتولى ذلك عبادة بن
الصامت فلحقوا بأذرعات فما كان أقل بقاءهم بها وذكر ما تنفل رسول الله
صلى الله عليه وسلم من سلاحهم وسيأتي ذكرنا له، وخمست أموالهم فأخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية الخمس وفض أربعة أخماس على أصحابه.
فكان أول ما خمس بعد بدر. وكان الذي ولي قبض أموالهم محمد بن مسلمة.
انتهى ما وجدته عن ابن سعد. كذا
ج / 1 ص -387-
وقع
صفية الخمس والمعروف أن الصفي غير الخمس. روينا عن الشعبي من طريق أبي
داود قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي قبل
الخمس. وعن عائشة كانت صفية -رضي الله عنها- من الصفي فلا أدري أسقطت
الواو أو كان هذا قبل حكم الصفي والله أعلم. وكانوا أربعمائة حاسر1
وثلاثمائة دارع وكانوا حلفاء الخزرج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحاسر: هو الذي لا درع ولا مغفر عليه.
ج / 1 ص -389-
غزوة السويق:
روينا عن
محمد بن إسحاق قال: ثم غزا أبو سفيان بن حرب في ذي الحجة غزوة السويق.
وذكر ابن سعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس خلون من
ذي الحجة يوم الأحد على رأس اثنين وعشرين شهرا من مهاجره. رجع إلى ابن
إسحاق قال: وكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن
رومان ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك وكان من أعلم الأنصار أن
أبا سفيان حين رجع إلى مكة ورجع فل قريش من بدر نذر أن لا يمس رأسه ماء
من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم، فخرج في مائتي راكب من
قريش ليبر يمينه، فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له:
نيب1 من المدينة على بريد أو نحوه ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير
تحت الليل فأتى حيي بن أخطب فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له بابه وخافه
فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك وصاحب
كنزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس ثم خرج
في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية منها يقال
لها: العريض فحرقوا في أصوار2 من نخل بها ووجدوا رجلا من الأنصار
وحليفا لهم في حرثهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين ونذر بهم الناس، فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم في مائتين من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح النون وسكون الياء وهناك جبل آخر يسمى "تيت".
2 جمع صور وهو النخل المجتمع الصغار.
ج / 1 ص -390-
المهاجرين والأنصار. وهذا العدد عن ابن سعد. واستعمر على المدينة بشير
بن عبد المنذر فيما قال ابن هشام حتى بلغ قرقرة الكدر قال ابن سعد:
وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون للهرب وكان أصحابه مائتين كما قدمنا
وقيل: كانوا أربعين فيلقون جرب السويق وهي عامة أزوادهم فيأخذها
المسلمون فسميت غزوة السويق، ولم يلحقوهم وانصرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم راجعا إلى المدينة وكان غاب خمسة أيام قال ابن إسحاق وقال
المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله
أتطمع أن تكون لنا غزوة قال:
"نعم".
ج / 1 ص -391-
غزوة قرقرة الكدر:
قال ابن
سعد: ويقال: قرارة الكدر للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا من
مهاجره وهي بناحية معذن بني سليم قريب من الأرحضية وراء سد معونة وبين
المعدن وبين المدينة ثمانية برد. وكان الذي حمل لواء رسول الله صلى
الله عليه وسلم علي بن أبي طالب. واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم
وكان بلغه أن بهذا الموضع جمعا من بني سليم وغطفان فسار إليهم فلم يجد
في المحال أحدا وأرسل نفرا من أصحابه في أعلى الوادي واستقبلهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم في بطن الوادي فوجد رعاء منهم غلام يقال له:
يسار فسأله عن الناس فقال: لا علم لي بهم إنما أورد لخمس1 وهذا يوم
ربعي والناس قد ارتفعوا في المياه ونحن عزاب في الغنم فانصرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد ظفر بالنعم فانحدر به إلى المدينة واقتسموا
غنائمهم بصرار على ثلاثة أميال من المدينة وكانت النعم خمسمائة بعير
فأخرج خمسه وقسم أربعة أخماسه على المسلمين فأصاب كل رجل منهم بعيرين
وكانوا مائتي رجل وصار يسار في سهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه
وذلك أنه رآه يصلي وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة.
والقرقرة أرض ملساء والكدر طير في ألوانها كدرة عرف بها ذلك الموضع.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذكر مسيره مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في تلك الغزوة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخمس بكسر الخاء من أظماء الإبل أي ترعى ثلاثة أيام ثم ترد اليوم
الرابع، وقيل: أخمس الرجل أي وردت أبله خمسا. |