عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 2 ص -277-
وفود العرب:
وفي سنة تسع قدمت وفود العرب على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكانت تسمى بذلك ففيها قدم
وفد بني تميم الذي تقدم ذكره. وفيها قدم وفد
بني عامر فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس بن
جزء بن خالد بن جعفر وجبار بن سلمى بن مالك بن
جعفر. قاله ابن إسحاق قال: وكان هؤلاء الثلاثة
رؤساء القوم وشياطينهم فقدم عامر بن الطفيل
عدو الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يريد الغدر به وقد قال له قومه: يا عامر
إن الناس قد أسلموا فأسلم، قال: والله لقد كنت
آليت لا أنتهي حتى يتبع العرب عقبي فأنا أتبع
عقب هذا الفتى من قريش ثم قال لأربد: إذا
قدمنا على الرجل فإني شاغل عنك وجهه فإذا فعلت
ذلك فاعْلُهُ بالسيف فلما قدموا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل: يا
محمد خالني قال:
"لا والله حتى تؤمن بالله وحده"، قال: يا محمد خالني، وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به
فجعل أربد لا يجير شيئا فلما رأى عامر ما يصنع
أربد قال: يا محمد خالني، قال:
"لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له"، فلما أبى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما والله
لأملأنها عليك خيلا ورجالا، فلما ولى قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"اللهم اكفني عامر بن الطفيل"، فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لأربد:
ويلك يا أربد أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما
كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف
ج / 2 ص -278-
عندي
على نفسي منك وايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا قال: لا أبا لك لا
تعجل علي والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين
الرجل حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف. وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى
إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه
فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول: يا بني عامر أغدة كغدة
البكر في بيت امرأة من بني سلول ثم خرج أصحابه حين واروه التراب حتى
قدموا أرض بني عامر فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا: ما وراءك يا أربد
قال: لا شيء والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه
بالنبل حتى أقتله فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه
فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما.
ج / 2 ص -279-
قدوم ضمام بن ثعلبة:
قرأت على أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بسفح قاسيون أخبركم أبو
اليمن الكندي قراءة عليه وأنتم تسمعون سنة سبع وستمائة وأبو محمد عبد
العزيز بن الأخضر إجازة من بغداد قالا: أنا الحافظ أبو القاسم بن
السمرقندي سماعا قال: أنا أبو الحسين بن النقور قال: أنا أبو القاسم
عيسى بن علي بن الجراح الوزير قراءة عليه وأنا أسمع فثنا أبو القاسم
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي فثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي
قال: حدثني أبو عمارة حمزة بن الحارث بن عمير وهو أبو عمير قال سمعت
أبي يذكر عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال:
بينما النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه متكئا -أو قال جالسا- جاءهم
رجل من أهل البادية فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ قالوا: هذا الأمغر
المرتفق قال حمزة: الأمغر الأبيض مشرب حمرة، والمرتفق مثل المتكئ، قال:
فدنا منه وقال: إني سائلك فمشتد عليك في المسألة فقال:
"سل عما بدا
لك"، فقال: أنشدك برب من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك؟ قال:
"اللهم نعم"،
قال: وأنشدك بالله آلله أمرك أن تصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة؟ قال: "اللهم نعم"،
قال: وأنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على
فقرائنا؟ قال:
"اللهم نعم"،
قال: وأنشدك بالله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهرا؟ قال:
"اللهم نعم"،
قال: فأنشدك
ج / 2 ص -280-
بالله
آلله أمرك أن يحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلا؟ قال:
"اللهم نعم"، قال: فإني
قد آمنت وصدقت وأنا ضمام بن ثعلبة وأما هذه الهناة فوالله إن كنا
لنتنزه عنها في الجاهلية. قال حمزة: فسمعت أبي يقول: الهناة الفواحش
قال: فلما أن ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"فقه الرجل".
قال: فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ما رأيت أحدا أحسن مسألة
ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة. وذكر ابن إسحاق هذا الخبر وقال فيه: إن
ضماما قال لقومه عندما رجع إليهم: إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه
كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما أمركم به
وما نهاكم عنه قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا
امرأة إلا مسلما قال: يقول عبد الله بن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان
أفضل من ضمام بن ثعلبة. ذكره عن محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن
ابن عباس1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية الأصل: بلغ مقابلة لله الحمد.
ج / 2 ص -281-
قدوم الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبد القيس وكان نصرانيا:
قال ابن إسحاق فحدثني من لا أتهم عن الحسن قال: لما انتهى إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم كلمه فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإسلام ودعاه إليه ورغبه فيه فقال: يا محمد إني قد كنت على دين وإني
تارك ديني لدينك أفتضمن لي ديني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه"، قال: فأسلم وأسلم أصحابه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحملان فقال:
"والله ما عندي
ما أحملكم عليه"، فقال: يا
رسول الله فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس أفنتبلغ عليها إلى
بلادنا قال: لا إياك وإياها فإنما تلك حرق النار. فخرج من عنده الجارود
راجعا إلى قومه وكان حسن الإسلام صليبا على دينه حتى هلك وقد أدرك
الردة فلما رجع قومه من كان أسلم منهم إلى دينه الأول مع المغرور بن
المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود فتشهد شهادة الحق ودعا إلى
الإسلام فقال: أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأن محمدا عبده ورسوله وأكفر من لم يشهد. وقد روينا خبر قدومه من حديث
سليمان بن علي عن علي بن عبد الله عن عبد الله بن العباس وفيه إنشاده
النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه في قومه:
ج / 2 ص -282-
يا نبي الهدى أتتك رجال
قطعت فدفدا1 وآلا فالآ2
وطوت نحوك الضحاضح2 طرا
لا تخال الكلال فيه كلالا
كل دهناء2 يقصر الطرف عنها
أرقلتها قلاصنا2 إرقالا
وطوتها الجياد تجمع فيها
بكماة كأنجم تتلالا
تبتغي دفع بؤس يوم عبوس
أوجل القلب ذكره ثم هالا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفدفد: الفلاة من الأرض.
2 الآل السراب.
3 الضحضاح هو مارق من الماء على وجه الأرض.
4 الدهناء الفلاة.
5 أي قطعتها نوقنا.
ج / 2 ص -283-
قدوم بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب:
قال ابن إسحاق: وكان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الأنصار ثم من
بني النجار فحدثني بعض علمائنا من أهل المدينة أن بني حنيفة أتت به
رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ورسول الله صلى الله عليه
وسلم جالس في أصحابه معه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات فلما انتهى
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه". قال ابن إسحاق: وقد حدثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة أن
حديثه كان على خلاف هذا: أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا: يا
رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وفي ركابنا يحفظها لنا
قال: فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم وقال:
"أما إنه ليس بشركم مكانا"،
أي لحفظه ضيعة أصحابه ذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوه بما أعطاه
فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم وقال: إني قد
أشركت في الأمر معه وقال لوفده الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين
ذكرتموني له:
"أما إنه ليس بشركم مكانا"،
ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد
ج / 2 ص -284-
أشركت
في الأمر معه ثم جعل يسجع لهم ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: لقد
أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا. وأحل لهم
الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه نبي فأصفقت معه حنيفة على ذلك فالله أعلم أي ذلك كان.
قلت: كان مسيلمة صاحب نيروجات يقال: إنه أول من أدخل البيضة في
القارورة وأول من وصل جناح الطائر المقصوص وكان يدعي أن ظبية تأتيه من
الجبل فيحلب منها. قتله زيد بن الخطاب رضي الله عنه يوم اليمامة وقال
رجل من نبي حنيفة يرثيه:
لهفي عليك أبا ثمامه
لهفي على ركني شمامه
كم آية لك فيهم
كالشمس تطلع من غمامه
حكاه السهيلي وقال: كذب
بل كانت آياته منكوسة يقال: إنه تفل في بئر قوم سألوه ذلك تبركا فملح
ماؤها ومسح رأس صبي فقرع قرعا فاحشا ودعا لرجل في ابنين له بالبركة
فرجع إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في البئر والآخر قد أكله الذئب ومسح
على عيني رجل استشفى بمسحه فابيضت عيناه.
ج / 2 ص -285-
قدوم زيد الخيل بن مهلهل الطائي في وفد طيئ:
قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ فيهم
زيد الخيل وهو سيدهم فلما انتهوا إليه كلمهم وعرض عليهم الإسلام
فأسلموا وحسن إسلامهم. وقال عليه السلام:
"ما ذكر لي رجل
من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما قيل فيه إلا زيد الخيل فإنه
لم يبلغ كل ما فيه". ثم سماه زيد الخير وقطع له فيد وأرضين معه وكتب له بذلك فخرج من
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى قومه، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
"إن ينج زيد من
حمى المدينة" فإنه قال:
قد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى وغير أم ملدم1
فلم يثبته فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له: فردة
أصابته الحمى بها فمات فلما أحس زيد بالموت قال:
أمرتحل قومي المشارق غدوة
وأترك في بيت بفردة منجد
ألا رب يوم لو مرضت لعادني
عوائد من لم يبر منهن يزهد
فلما مات عمدت امرأته
إلى ما كان من كتبه التي أقطعها له رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأحرقتها بالنار. قال أبو عمر: وقيل: بل مات في آخر خلافة عمر وكان قد
أسر عامر بن الطفيل قبل إسلامه وجز ناصيته. وكان له ابنان مكنف وبه كان
يكنى وحريث أسلما وصحبا النبي صلى الله عليه وسلم وشهدا قتال أهل الردة
مع خالد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بكسر الميم وقيل: تفتح والدال المهملة، وتعجم.
ج / 2 ص -286-
قدوم عدي بن حاتم الطائي:
قال ابن إسحاق: وكان يقول فيما بلغني ما رجل من العرب كان أشد كراهية
لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني أما أنا فكنت امرأ شريفا
وكنت نصرانيا وكنت أسير في قومي بالمرباع1 فكنت في نفسي على دين وكنت
ملكا في قومي لما كان يصنع بي فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم
كرهته فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبلي أعزل لا أبا لك أعزل لي
من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحبسها قريبا مني فإذا سمعت بجيش لمحمد قد
وطئ هذه البلاد فآذني ففعل ثم إنه أتاني ذات غداة فقال: يا عدي ما كنت
صانعا إذا غشيك محمد فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسألت عنها
فقالوا: هذه جيوش محمد قال: فقلت: فقرب لي أجمال فقربها فاحتملت بأهلي
وولدي ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام وخلفت بنتا لحاتم في
الحاضر فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلى الله
عليه وسلم في سبايا من طيئ وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي
إلى الشام فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها
فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه وكانت امرأة جزلة2
فقالت: يا رسول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يأخذ الربع من الغنيمة دون أصحابه.
2 أي: عاقلة.
ج / 2 ص -287-
الله
هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليَّ منَّ الله عليك وقال:
"من وافدك؟"،
قالت: عدي بن حاتم، فقال:
"الفار من
الله ورسوله؟"، ثم مضى
وتركني حتى إذا كان من الغد مر بي، فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال
بالأمس حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست فأشار إلى رجل من خلفه أن
قومي فكلميه قالت: فقمت إليه فقلت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب
الوافد1 فامنن عليَّ منَّ الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"قد فعلت
فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك
ثم آذنيني". فسألت عن الرجل الذي أشار إليّ: أن كلميه فقيل: هو علي بن أبي
طالب فأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة قالت: وإنما أريد أن آتي أخي
بالشام قالت: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد
قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ قالت: فكساني رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام قال عدي:
فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلي تؤمنا قال: فقلت:
ابنة حاتم قال: فإذا هي هي فلما وقفت عليّ انسجلت تقول: القاطع الظالم
احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والديك عورتك قال: قلت: أي أخية لا
تقولي إلا خيرا فوالله ما لي من عذر لقد صنعت ما ذكرت قال: ثم نزلت
فأقامت عندي فقلت لها وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين في أمر هذا الرجل
قالت: أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه
فضله وإن يك ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت قال: قلت: والله إن هذا
للرأي قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
فدخلت عليه فقال:
"من الرجل؟"، فقلت: عدي
بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بي إلى بيته فوالله
إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيأتي تفسير الغريب.
ج / 2 ص -288-
ضعيفة
كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال: قلت في نفسي:
والله ما هذا بملك، قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا
دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها إلي فقال:
"اجلس على
هذه"، قال: فقلت: بل أنت فاجلس عليها قال:
"بل أنت"،
فجلست عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض قال: قلت في
نفسي: والله ما هذا بأمر ملك ثم قال: "إيه يا عدي
بن حاتم ألم تك ركوسيا1؟"، قال:
قلت: بلى، قال:
"أولم تكن تسير في قومك بالمرباع؟"، قال: قلت: بلى، قال:
"فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك"، قال: قلت: أجل والله قال: وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم
قال:
"لعلك يا عدي
إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن
المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول
فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة
تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف، ولعلك إنما
يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم وايم الله
ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم"، قال: فأسلمت قال: فكان عدي يقول: مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله
لتكونن قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم وقد رأيت
المرأة تخرج من القادسية على بعيرها ولا تخاف حتى تحج هذا البيت وايم
الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه. الركوسية قوم
لهم دين قوله: وغاب الوافد بالواو وقال بعض الناس: لا معنى له إلا على
وجه بعيد. قال: ووجدت الرقام ذكره في كتابه الرافد بالراء وهو أشبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الراء وضم الكاف فرقة لهم دين أخذ من النصرانية والصابئين.
ج / 2 ص -289-
قدوم فروة بن مسيك المرادي:
قال ابن إسحاق وقدوم فروة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقا
لملوك كندة وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة أصابت فيها
همدان من مراد ما أرادوا حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له: الردم فكان
الذي قاد إلى مراد همدان الأجدع بن مالك في ذلك اليوم -وابن هشام يقول:
مالك بن خزيم وعن الدارقطني وابن ماكولا فيه حريم بفتح الحاء مكسور
الراء المهملتين قيل: هو والد مسروق بن الأجدع. حكاه الدارقطني وتبعه
ابن ماكولا وهو مما أنكره الوقشي وقال: ليس مالك بن حريم جد مسروق كما
زعم لأن مالكا من بني دالان بن سابقة بن ناشح بن ذافع بن مالك بن جشم
بن خيوان بن نوف بن همدان ومسروقا من بني معمر بن الحارث بن سعد بن عبد
الله بن وداعة بن عمرو بن عامر بن ناشح رأيته بخط الأستاذ أبي على
الشلوبين وقد أسقط بين جشم بن خيوان حاشد بن جشم. كذا هو عند الرشاطي
جشم بن حاشد بن جشم بن خيوان بن نوف. ولما توجه فروة إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال:
لما رأيت ملوك كندة أعرضت
كالرجل خان الرجل عرق نسائها
قربت راحلتي أؤم محمدا
أرجو فواضلها وحسن ثرائها
ج / 2 ص -290-
وقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"هل ساءك
ما أصاب قومك يوم الردم"، قال:
يا رسول الله من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ولا يسوءه
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أما إن ذلك لم
يزد قومك في الإسلام إلا خيرا"،
واستعمله على مراد وزبيد ومذحج كلها وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص
على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية الأصل: بلغ مقابلة لله الحمد.
ج / 2 ص -291-
قدوم عمرو بن معدي كرب:
وقدم عمرو بن معدي كرب في أناس من بني زبيد قدم عمرو فأسلم وكان قد قال
لقيس بن مكشوح المرادي وقيس ابن أخته يا قيس إنك سيد قومك وقد ذكر لنا
أن رجلا من قريش يقال له: محمد قد خرج بالحجاز يقول: إنه نبي فانطلق
بنا إليه حتى نعلم علمه فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفى علينا إذا
لقيناه اتبعناه وإن كان غير ذلك علمنا علمه فأبى عليه قيس ذلك وسبقه
رأيه فركب عمرو حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وصدقه
وآمن به فلما بلغ ذلك قيسا أوعد عمرا فقال عمرو في ذلك شعرا أوله:
أمرتك يوم ذي صنعا
ء أمرا باديا رشده
وأقام عمرو في قومه من
بني زبيد وعليهم فروة بن مسيك فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ارتد عمرو. قاله ابن إسحاق. وذكر أبو عمرو من طريق ابن عبد الحكم فثنا
الشافعي قال: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وخالد
بن سعيد بن العاص إلى اليمن قال:
"إذا اجتمعتما فعلي الأمير وإذا افترقتما فكل واحد منكم أمير"، فاجتمعا
وبلغ عمرو بن معدي كرب مكانهما فأقبل في جماعة من قومه فلما دنا منهما
قال: دعوني حتى آتي هؤلاء
ج / 2 ص -292-
القوم
فإني لم أسم لأحد قط إلا هابني. فلما دنا منهما نادى أنا أبو ثور أنا
عمرو بن معدي كرب فابتدره علي وخالد وكلاهما يقول لصاحبه خلني وإياه
ويفديه بأبيه وأمه فقال عمرو إذ سمع قولهما: العرب تفزع بي وأراني
لهؤلاء جزرة. فانصرف عنهما وكان عمرو فارس العرب مشهورا بالشجاعة وكان
شاعرا محسنا فمما يستجاد من شعره قوله:
أعادل عدتي يزني1 ورمحي
وكل مقلص سلس القياد
أعادل إنما أفنى شبابي
إجابتي الصريح إلى المنادي
مع الأبطال حتى سل جسمي
وأقرح عاتقي حمل النجاد2
ويبقى بعد حلم القوم حلمي
ويفنى قبل زاد القوم زادي
تمنى أن يلاقيني قييس
وددت وأينما مني ودادي
فمن ذا عاذري من ذي سفاه
يرود بنفسه شر المراد
أريد حباءه3 ويريد قتلي
عذيرك من خليلك من مراد
يريد قيس بن مكشوح.
وأسلم قيس بعد ذلك وله ذكر في الصحابة وقيل: كان إسلامه بعد وفاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم. وكان شجاعا فارسا شاعرا. وكان يناقض عمرا وهو
القائل لعمرو:
فلو لاقيتني لاقيت قرنا4
وودعت الحبائب بالسلام
لعلك موعدي ببنى زبيد
وما قامعت من تلك اللئام
ومثلك قد قرنت له يديه
إلى اللحيين يمشي في الخطام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الاستيعاب "بدني".
2 بكسر النون حمائل السيف.
3 بالكسر والمد العطاء. وفي رواية "حياته".
4 القرن الكفء.
ج / 2 ص -293-
قدوم الأشعث بن قيس:
وقدم الأشعث
بن قيس في ثمانين راكبا من كندة فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم مسجده وقد رجلوا جممهم وتكحلوا وعليهم جبب الحبرة قد كففوها
بالحرير فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ألم
تسلموا؟"، قالوا: بلى، قال:
"فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟"،
قال: فشقوه منها فألقوه وقالوا: يا رسول الله نحن بنو آكل المرار1 وأنت
ابن آكل المرار. قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
"نحن -بني النضر بن كنانة- لا نقفو أمنا ولا ننتفى من أبينا". كان
الأشعث رئيسا مطاعا في الجاهلية وجيها في قومه في الإسلام إلا أنه كان
ممن ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم راجع الإسلام في خلافة أبي
بكر الصديق وشهد بعد ذلك مع سعد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند
ومات سنة أربعين أو اثنين وأربعين بالكوفة. وآكل المرار الحارث بن عمرو
بن حجر بن عمرو بن معاوية بن كندة وقيل: جده حجر بن عمر أكل هو وأصحابه
في غزوة شجرا يقال له: المرار وللنبي صلى الله عليه وسلم جدة من كندة
مذكورة هي أم كلاب بن مرة فذلك أراد الأشعث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بضم الميم.
ج / 2 ص -294-
قدوم صرد به عبد الله الأزدي:
وقدم صرد بن عبد الله الأزدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد
من الأزد فأمره على من أسلم من قومه وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان
يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن فخرج حتى نزل بجرش وهي يومئذ مدينة
مغلقة وبها قبائل من قبائل اليمن. وقد ضوت1 إليهم خثعم فدخلوها معهم
حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم فحاصروهم فيها قريبا من شهر وامتنعوا
فيها منه. ثم إنه رجع عنهم قافلا حتى إذا كان ببلد يقال له: شكر2 ظن
أهل جرش أنه إنما ولى عنهم منهزما فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه عطف
عليهم فقتلهم قتلا شديدا. وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران فبينما هما عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد العصر إذ قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"بأي بلاد الله شكر؟"، فقام الجرشيان فقالا: يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له: كشر
وكذلك تسميه أهل جرش فقال:
"إنه ليس بكشر ولكنه شكر".
قالا: فما شأنه يا رسول الله؟ قال:
"إن بدن الله
لتنحر عنده الآن"، قال: فجلس
الرجلان إلى أبي بكر أو إلى عثمان فقال لهما ويحكما إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لينعى الآن لكما قومكما فقوما إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: انضموا إليهم.
2 بفتح الشين وسكون الكاف جبل باليمن.
ج / 2 ص -295-
قومكما
فقاما إليه فسألاه ذلك فقال:
"اللهم ارفع
عنهم"، فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما
فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد الله في اليوم الذي قال
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال وفي الساعة التي ذكر فيها ما
ذكر فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا
وحمى لهم حمى حول قريتهم. وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب
ملوك حمير ورسولهم إليه بإسلامهم الحارث بن كلال ونعيم بن عبد كلال
والنعمان قيل: ذي رعين ومعافر وهمدان وبعث إليه زرعة ذو يزن بإسلامهم
فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بسم الله الرحمن الرحيم؛ من محمد رسول الله النبي إلى الحارث بن عبد
كلال وإلى النعمان
-قيل: ذى رعين-
ومعافر وهمدان
أما بعد: فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه وقع
بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به
وخبر ما قبلكم وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين وأن الله قد هداكم
بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة
وأعطيتم من المغانم خمس الله تعالى وسهم النبي وصفيه وما كتب على
المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء وما سقى
الغرب نصف العشر وأن في الإبل الأربعين ابنة لبون وفي ثلاثين من الإبل
ابن لبون ذكر وفي كل خمس من الإبل شاة وفي كل عشر من الإبل شاتان وفي
كل أربعين من البقر بقرة وفي كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة وفي
كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة أنها فريضة الله التي فرض على
المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له ومن أدى ذلك وأشهد على
إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه
ما عليهم ولهم ذمة الله وذمة رسوله وأنه من أسلم من يهودي
ج / 2 ص -296-
أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم ومن كان على
يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عليها وعليه الجزية على كل حالم ذكر
أو أنثى حر أو عبد دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا فمن أدى
ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن له ذمة الله وذمة رسوله ومن
منعه فإنه عدو لله ولرسوله، أما بعد فإن محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي
يزن أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد
ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرارة وأصحابهم وأن اجمعوا ما
عندكم من الصدقة والجزية من محالفيكم وأبلغوها رسلي وأن أميرهم معاذ بن
جبل فلا ينقلبن إلا راضيا أما بعد فإن محمدا شهد أن لا إله إلا الله
وأنه عبده ورسوله. ثم إن مالك بن مرارة الرهاوي قد حدثني أنك قد أسلمت
من أول حمير وقتلت المشركين فأبشر بخير وآمرك بحمير خيرا ولا تخونوا
ولا تخاذلوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مولى غنيكم وفقيركم
وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته إنما هي زكاة يزكي بها على
فقراء المسلمين وابن السبيل وأن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وآمركم
به خيرا فإنه منظور إليهم والسلام عليكم ورحمة الله".
ج / 2 ص -297-
إسلام فروة بن عمرو:
قال ابن إسحاق وبعث فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي رسولا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء. وكان فروة عاملا
للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معاون وما حولها من أرض الشام
فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه أخذوه فحبسوه عندهم ثم ضربوا عنقه وصلبوه
على ماء لهم يقال له عفراء فلسطين فزعم الزهري ابن شهاب أنهم لما قدموا
ليقتلوه قال:
أبلغ سراة المسلمين بأنني
سلم لربي أعظمي ومقامي
ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر إلى
بني الحارث بن كعب بنجران وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم
ثلاثا فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم فخرج خالد حتى
قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام ويقولون
أيها الناس أسلموا تسلموا فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه فأقام
فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبل ويقبل معه وفدهم فأقبل
وأقبل معه وفدهم منهم قيس بن الحصين ذي القصة ويزيد بن عبد المدان
ويزيد بن المحجل وعبد الله بن قراد الزيادي وشداد بن عبد الله الضبابي
وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟"، قالوا: لم نكن نغلب أحدا، قال:
"بلى"،
قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرق ولا نبدأ أحدا بظلم، قال:
"صدقتم"،
وأمر عليهم قيس بن الحصين فرجعوا إلى قومهم في بقية من شوال أو في ذي
القعدة فلم يمكثوا إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم. وذو القصة لقب لأبي قيس قيل له ذلك لقصة كانت بحلقه لا يكاد يبين
منها.
ج / 2 ص -298-
قدوم رفاعة الجذامي:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة
الحديبية قبل خيبر رفاعة بن زيد الجذامي وأهدى لرسول الله صلى الله
عليه وسلم غلاما وأسلم فحسن إسلامه وكتب له رسول الله صلى الله عليه
وسلم كتابا إلى قومه:
"بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد إني
بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله وإلى رسوله فمن أقبل
منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر فله أمان شهرين". فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا وأسلموا ثم ساروا إلى الحرة حرة
الرجلاء فنزلوها.
ج / 2 ص -299-
وفد همدان:
وقدم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد همدان منهم مالك بن نمط ومالك بن
أيفع وضمام بن مالك السلماني وعميرة بن مالك الخارفي1 فلقوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم
العدنية على الرواحل المهرية2 والأرحبية ومالك بن نمط يرتجز بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:
إليك جاوزن سواد الريف
في هبوات الصيف والخريف
مخطمات بحبال الليف
وذكروا له كلاما كثيرا
حسنا فصيحا فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا أقطعهم فيه ما
سألوه وأمر عليهم مالك بن نمط واستعمله على من أسلم من قومه وأمره
بقتال ثقيف فكان لا يخرج لهم سرح إلا أغار إليه، وكان مالك بن نمط
شاعرا محسنا فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خارف بطن من همدان.
2 بفتح الميم نسبة إلى مهرة.
ج / 2 ص -300-
ذكرت رسول الله في فحمة الدجى
ونحن بأعلى رحرحان وصلدد
وهن بنا خوص قلائص تغتلي
بركبانها في لأحب متمدد
على كل فتلاء الذراعين جسرة
تمر بنا مر الهجف الخفيدد
حلفت برب الراقصات إلى منى
صوادر بالركبان من هضب قردد
بأن رسول الله فينا مصدق
رسول أتى من عند ذي العرش مهتد
فما حملت من ناقة فوق رحلها
أشد على أعدائه من محمد
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه
وأمضى بحد المشرفي المهند
الهجف الظليم المسن.
والخفيدد الطويل الساقين من الظلمان1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".
ج / 2 ص -301-
وفد تجيب:
وقدم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد تجيب وهم من السكون ثلاثة عشر رجلا
قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم فسر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بهم وأكرم منزلهم وقالوا: يا رسول الله سقنا إليك حق
الله في أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ردوها فاقسموها على فقرائكم" قالوا: يا رسول الله ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا. فقال
أبو بكر: يا رسول الله ما وفد علينا وفد من العرب مثل ما وفد به هذا
الحي من تجيب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الهدى بيد الله عز وجل فمن أراد به خيرًا شرح صدره للإيمان"، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء فكتب لهم بها وجعلوا
يسألونه عن القرآن والسنن فازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم
رغبة وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم فأقاموا أياما ولم يطلبوا اللبث فقيل
لهم: ما يعجلكم فقالوا: نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكلامنا إياه وما رد علينا؛ ثم جاءوا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم يودعونه فأرسل إليهم بلالا فأجازهم بأرفع ما كان
يجيز به الوفود قال: "هل بقي منكم أحد؟"، قالوا: غلام خلفناه على رحالنا هو أحدثنا سنا قال:
"فأرسلوه إلينا"،
فلما رجعوا إلى رحالهم قالوا للغلام: انطلق إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاقض حاجتك منه فإنا قد قضينا حوائجنا منه وودعناه فأقبل
الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني
امرؤ من بني أبذى1. قال الواقدي: هو أبذى بن عدي وأم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 على وزن أعمى، من ولده جماعة من أهل العلم.
ج / 2 ص -302-
عدي
تجيب بنت ثوبان بن سليم بن مذحج وإليها ينسبون. يقول الغلام من الرهط
الذين أتوك آنفا فقضيت حوائجهم فاقض حاجتي يا رسول الله قال:
"وما حاجتك؟"، قال: إن
حاجتي ليست كحاجة أصحابي وإن كانوا قدموا راغبين في الإسلام وساقوا ما
ساقوا من صدقاتهم وإني والله ما أعملني من بلادي إلا أن تسأل الله عز
وجل أن يغفر لي وأن يرحمني وأن يجعل غناي في قلبي فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأقبل إلى الغلام:
"اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه". ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه فانطلقوا راجعين إلى
أهليهم ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم بمنى سنة عشر
فقالوا: نحن بنو أبذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟"، قالوا: يا رسول الله والله ما رأينا مثله قط ولا حدثنا بأقنع منه
بما رزقه الله لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت
إليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعا"
فقال رجل منهم أوليس يموت الرجل جميعا يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
"تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا فلعل أجله أن يدركه في بعض تلك
الأودية فلا يبالي الله عز وجل في أيها هلك" قالوا: فعاش ذلك الرجل فينا على أفضل حال وأزهده في الدنيا وأقنعه
بما رزق. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من رجع من أهل
اليمن عن الإسلام قام في قومه فذكرهم الله والإسلام فلم يرجع منهم أحد.
وجعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه يذكره ويسأل عنه حتى بلغه حاله وما
قام به فكتب إلى زياد بن لبيد يوصيه به خيرا.
ج / 2 ص -303-
وفد بني ثعلبة:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني ثعلبة سنة ثمان مرجعه
من الجعرانة أربعة نفر فنزلوا دار رملة بنت الحارث وجاءهم بلال بجفنة1
من ثريد بلبن وسمن فأكلوا وشهدوا الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم
وقالوا له: إنه لا إسلام لمن لا هجرة له فقال عليه السلام:
"حيثما كنتم واتقيتم الله فلا يضركم".
ثم لما جاءوا يدعونه قال لبلال:
"اجزهم"،
فأعطى كل رجل منهم خمس أواقي فضة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: قصعة، وفي الأصل بالحاء المهملة وهو غلط.
وفد بني سعد هذيم:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو سعد هذيم من قضاعة في سنة
تسع. ذكره الواقدي عن ابن النعمان منهم عن أبيه قال: قدمت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم وافدا في نفر من قومي وقد أوطأ رسول الله صلى
الله عليه وسلم البلاد غلبة وأذاخ1 العرب والناس صنفان إما داخل في
الإسلام راغب فيه وإما خائف من السيف فنزلنا ناحية من المدينة ثم خرجنا
نؤم المسجد حتى انتهينا إلى بابه فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي على جنازة في المسجد فقمنا خلفه ناحية ولم ندخل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: قهرها.
ج / 2 ص -304-
مع
الناس في صلاتهم حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبايعه ثم
انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلينا فدعا بنا فقال:
"من أنتم" فقلنا من
بني سعد هذيم فقال:
"أمسلمون أنتم"
قلنا نعم قال: "فهلا صليتم
على أخيكم"
قلنا: يا رسول الله ظننا
أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أينما أسلمتم فأنتم مسلمون" قال: فأسلمنا وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيدينا على
الإسلام ثم انصرفنا إلى رحالنا وقد كنا خلفنا عليها أصغرنا فبعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم في طلبنا فأتى بنا إليه فتقدم صاحبنا فبايعه
على الإسلام فقلنا يا رسول الله إنه أصغرنا وإنه خادمنا فقال:
"أصغر القوم خادمهم بارك الله عليه"، قال: فكان والله خيرنا وأقرأنا للقرآن لدعاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم له ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فكان يؤمنا.
ولما أردنا الانصراف أمر بلالا فأجازنا بأواقي من فضة لكل رجل منا
فرجعنا إلى قومنا فرزقهم الله الإسلام.
ج / 2 ص -305-
وفد بني فزارة:
قال أبو الربيع بن سالم في كتابه المسمى بالاكتفاء في مغازي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومغازي الثلاثة الخلفاء: ولما رجع رسول الله صلى
الله عليه وسلم من تبوك قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا فيهم
خارجة بن حصن والحر بن قيس بن حصن ابن أخي عيينة بن حصن وهو أصغرهم
فنزلوا في دار بنت الحارث وجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرين
بالإسلام وهو مسنتون1 على ركاب عجاف2 فسألهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن بلادهم فقال أحدهم: يا رسول الله أسنتت بلادنا وهلكت مواشينا
وأجدب جنابنا وغرث3 عيالنا فادع لنا ربك يغثنا واشفع لنا إلى ربك
وليشفع لنا ربك إليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"سبحان الله ويلك هذا أنا أشفع إلى ربي عز وجل فمن ذا الذي يشفع ربنا
إليه لا إله إلا هو العلي العظيم وسع كرسيه السموات والأرض فهي تئط من
عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد" وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله عز
وجل ليضحك من شفقكم وأزلكم4
وقرب غياثكم"،
فقال الأعرابي يا رسول الله ويضحك ربنا عز وجل قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: أجدبوا وقحطوا.
2 أي هزيلة.
3 أي جاع.
4 الأزل الضيق.
ج / 2 ص -306-
نعم
قال الأعرابي لن يعدمك من رب يضحك خير فضحك النبي صلى الله عليه وسلم
من قوله وصعد المنبر فتكم بكلمات وكان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء
إلا رفع الاستسقاء1 فرفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه وكان مما حفظ من
دعائه:
"اللهم اسق بلادك وبهائمك وانشر رحمتك واحيي بلدك الميت اللهم اسقنا
غيثا مريحا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم اسقنا
رحمة ولا تسقنا عذابا ولا هدما ولا غرقا ولا محقا اللهم اسقنا الغيث
وانصرنا على الأعداء"، فقام أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري فقال: يا رسول الله التمر
في المرابد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب2 مربده بإزاره" قالوا: لا
والله ما في السماء سحاب ولا قزعة3 وما بين المسجد وبين سلع من شجر ولا
دار فطلت من وراء سلع سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم
أمطرت فوالله ما رأينا الشمس سبتا وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب
مربده بإزاره لئلا يخرج التمر منه فجاء ذلك الرجل أو غيره فقال: يا
رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فصعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم المنبر فدعا ورفع يديه مدا حتى رؤي بياض إبطيه ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب4
وبطون
الأودية ومنابت الشجر"، قال
فانجابت السحابة السحاب عن المدينة انجياب الثوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نفي لرفع خاص وهو الرفع بظهر الكفين كما في مسلم وأبي داود، وأمد في
سائر الدعاء فقد كان يرفع بطونهما.
2 مخرج ماء المطر من جرين التمر.
3 قطعة غيم.
4 أي الروابي الصغار.
ج / 2 ص -307-
وفد بني أسد:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني أسد عشرة رهط فيهم
وابصة بن معبد وطليحة بن خويلد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في
المسجد مع أصحابه فسلموا وتكلموا فقال متكلمهم: يا رسول الله إنا شهدنا
أن الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله وجئناك يا رسول الله ولم
تبعث إلينا بعثا ونحن لمن ورائنا. قال محمد بن كعب القرظي فأنزل الله
على رسوله عليه السلام:
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ
إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ
لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
وكان مما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه يومئذ العيافة1
والكهانة وضرب الحصى فنهاهم عن ذلك كله فقالوا: يا رسول الله إن هذه
أمور كنا نفعلها في الجاهلية قال رأيت خصلة بقيت قال: "وما
هي؟" قالوا: الخط2، قال:
"علمه نبي من الأنبياء فمن صادف مثل علمه علم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العيافة معرفة الأمور بالتقفي. والكهانة المعرفة بخبر الجن.
2 علم الرمل.
ج / 2 ص -308-
وفد بهراء:
وذكر
الواقدي عن كريمة بنت المقداد قالت: سمعت أمي ضباعة بنت الزبير بن عبد
المطلب تقول قدم وفد بهراء من اليمن وهم ثلاثة عشر رجلا فأقبلوا يقودون
رواحلهم حتى انتهوا إلى باب المقداد ونحن في منازلنا ببني حديلة فخرج
إليهم المقداد فرحب بهم وأنزلهم وجاءهم بجفنة من حيس1 كنا قد هيأناها
قبل أن يحلوا لنجلس عليها فحملها أبو معبد المقداد وكان كريما على
الطعام فأكلوا منها حتى نهلوا وردت إلينا القصعة وفيها أكل فجمعنا تلك
الأكل في قصعة صغيرة ثم بعثنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع
سدرة مولاتي فوجدته في بيت أم سلمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضباعة أرسلت بهذا" قالت سدرة: نعم يا رسول الله قال:
"ضعي"
ثم قال:
"ما فعل ضيف أبي معبد" قلت: عندنا فأصاب منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلا هو ومن
معه في البيت حتى نهلوا وأكلت معهم سدرة ثم قال:
"اذهبي بما بقي إلى ضيفكم"، قالت: سدرة فرجعت بما بقي في القصعة إلى مولاتي قالت: فأكل منها
الضيف ما أقاموا نرددها عليهم وما تغيض حتى جعل الضيف يقولون: يا أبا
معبد إنك لتنهلنا من أحب الطعام إلينا وما كنا نقدر على مثل هذا إلا في
الحين وقد ذكر لنا أن بلادكم قليلة الطعام إنما هو العلق2 أو نحوه ونحن
عندك في الشبع فأخبرهم أبو معبد بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
أكل منها أكلا وردها فهذه بركة أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجعل القوم يقولون: نشهد أنه رسول الله وازدادوا يقينا وذلك الذي أراد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلموا الفرائض وأقاموا أياما ثم جاءوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعوه وأمر لهم بجوائزهم ثم انصرفوا إلى
أهليهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن.
2 جمع علقة وهي ما يتبلغ به من العيش.
ج / 2 ص -309-
وفد بني عذرة:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عذرة في صفر سنة تسع
اثنا عشر رجلا فيهم جمرة بن النعمان فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"من القوم"
فقال متكلهم: من لا تنكر نحن بنو عذرة إخوة قصي لأمه نحن الذين عضدوا
قصيا وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر ولنا قرابات وأرحام قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"مرحبا بكم وأهلا ما أعرفني بكم" فأسلموا وبشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الشام وهرب هرقل
إلى ممتنع بلاده ونهاهم عن سؤال الكاهنة وعن الذبائح التي كانوا
يذبحونها وأخبرهم أن ليس عليهم إلا الأضحية فأقاموا أياما بدار رملة ثم
انصرفوا وقد أجيزوا.
ج / 2 ص -310-
وفد بلي:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بلي في ربيع الأول سنة تسع
فأنزلهم رويفع بن ثابت البلوي عنده وقدم بهم على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال له هؤلاء قومي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مرحبا بك وبقومك" فأسلموا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الحمد لله الذي هداكم للإسلام فكل من مات منكم على غير الإسلام فهو في
النار". وقال
له أبو الضبيب شيخ الوفد: يا رسول الله إن لي رغبة في الضيافة فهل لي
في ذلك أجر؟ قال:
"نعم وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة" قال: يا رسول الله ما وقت الضيافة؟ قال:
"ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل للضيف أن يقيم عندك
فيحرجك"، قال:
يا رسول الله أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض؟ قال:
"لك أو لأخيك أو للذئب" قال: فالبعير؟ قال:
"مالك وله؟ دعه حتى يجده صاحبه"،
قال رويفع: ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي، فإذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأتي منزلي يحمل تمرا فقال:
"استعن بهذا
التمر"، فكانوا يأكلون منه ومن غيره، فأقاموا ثلاثا ثم ودعوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأجازهم ورجعوا إلى بلادهم.
ج / 2 ص -311-
"وفد بني مرة:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني مرة ثلاثة عشر رجلا
رأسهم الحارث بن عوف فقال: يا رسول الله إنا قومك وعشيرتك نحن قوم من
بني لؤي بن غالب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للحارث:
"أين تركت أهلك؟"،
قال: بسلاح وما والاها قال:
"فكيف البلاد" قال والله
إنا لمسنتون وما في المال مخ فادع الله لنا قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"اللهم اسقهم الغيث"، فأقاموا أياما ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم فجاءوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم مودعين له فأمر بلالا أن يجيزهم فأجازهم بعشر أواقي
عشر أواقي فضة وفضل الحارث بن عوف أعطاه اثنتي عشرة أوقية ورجعوا إلى
بلادهم فوجدوا البلاد مطيرة فسألوا متى مطرتم فإذا هو ذلك اليوم الذي
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وأخصبت بعد ذلك بلادهم.
ج / 2 ص -312-
وفد خولان:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة عشر وفد خولان وهم
عشرة، فقالوا: يا رسول الله نحن على من وراءنا من قومنا ونحن مؤمنون
بالله عز وجل مصدقون برسوله قد ضربنا إليك آباط الإبل وركبنا حزون1
الأرض وسهولها والمنة لله ولرسوله علينا وقدمنا زائرين لك فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"أما ما ذكرتم من مسيركم إلي فإن لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة،
وأما قولكم: زائرين لك فإنه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم
القيامة" قالوا: يا
رسول الله هذا السفر الذي لا توى2 عليه، ثم قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"ما فعل عم أنس؟"
وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه قالوا: بشرٍّ؛ بدلنا الله ما جئت به،
وقد بقيت منا بعد بقايا من شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسكون به، ولو قد
قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله؛ فقد كنا منه في غرور وفتنة، فقال لهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"وما أعظم ما رأيتم من فتنته" قالوا: لقد رأيتنا وأسنتنا حتى أكلنا الرمة، فجمعنا ما قدرنا عليه
وابتعنا مائة ثور ونحرناها لعم أنس قربانا في غداة واحدة وتركناها
تردها السباع ونحن أحوج إليها من السباع فجاءنا الغيث من ساعتنا، ولقد
رأينا العشب يواري الرجال ويقول قائلنا: أنعم علينا عم أنس. وذكروا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقتسمون لصنمهم هذا من أنعامهم
وحروثهم وأنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءا له وجزءًا لله بزعمهم قالوا:
كنا نزرع الزرع فنجعل له وسطه فنسميه له أو نسمي زرعا آخر حجرة لله
فإذا مالت الريح فالذي سميناه لله جعلناه لعم أنس وإذا مالت الريح
فالذي جعلناه لعم أنس لم نجعله لله. فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن الله عز وجل أنزل عليه في ذلك
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ
نَصِيبًا} الآية؛ قالوا: وكنا نتحاكم إليه فنكلم، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "تلك الشياطين
تكلمكم". وسألوه عن فرائض الدين فأخبرهم وأمرهم بالعهد وأداء الأمانة وحسن
الجوار لمن جاوروا وأن لا يظلموا أحدا قال: "فإن الظلم ظلمات يوم القيامة". ثم ودعوه بعد أيام وأجازهم ورجعوا إلى قومهم فلم يحلوا عقدة حتى
هدموا عم أنس. الحجرة الناحية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأمكنة الوعرة.
2 أي: لا ضياع ولا خسارة وهو من التوى: الهلاك.
ج / 2 ص -313-
وفد بني محارب:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني محارب عام حجة الوداع
وهم كانوا أغلظ العرب وأفظه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك
المواسم أيام عرضه نفسه على القبائل يدعوهم إلى الله فجاءه رسول الله
صلى الله عليه وسلم منهم عشرة نائبين عن من وراءهم من قومهم فأسلموا
وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء إلى أن جلسوا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوما من الظهر إلى العصر فعرف رجلا منهم فأمده النظر فلما رآه
المحاربي يديم النظر إليه قال: كأنك يا رسول الله توهمني قال:
"لقد رأيتك"
فقال المحاربي: أي والله لقد رأيتني وكلمتني بأقبح الكلام ورددتك بأقبح
الرد بعكاظ وأنت تطوف على الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"نعم"
ثم قال المحاربي يا رسول الله ما كان في أصحابي أشد عليك يومئذ ولا
أبعد عن الإسلام مني فاحمد الله الذي أبقاني حتى صدقت بك ولقد مات
أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إن هذه القلوب بيد الله عز وجل" فقال المحاربي: يا رسول الله استغفر لي من مراجعتي إياك فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الإسلام يجب ما كان قبله من الكفر"
ثم انصرفوا إلى أهليهم1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية الأصل: بلغ مقابلة لله الحمد.
ج / 2 ص -314-
وفد صداء:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد صداء في سنة ثمان وذلك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الجعرانة بعث بعوثا إلى
اليمن وهيأ بعثا استعمل عليهم قيس بن سعد بن عبادة وعقد له لواء أبيض
ودفع إليه راية سوداء وعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين وأمره
أن يطأ ناحية من اليمن كان فيها صداء فقدم على رسول الله صلى الله عليه
وسلم رجل منهم وعلم بالجيش فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا
رسول الله جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش وأنا لك بقومي فرد رسول
الله صلى الله عليه وسلم قيس بن سعد من صدور قناة وخرج الصدائي إلى
قومه فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا منهم فقال
سعد بن عبادة يا رسول الله دعهم ينزلوا علي فنزلوا عليه فحباهم وأكرمهم
وكساهم ثم راح بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام
وقالوا: نحن لك على من وراءنا من قومنا فرجعوا إلى قومهم ففشا فيهم
الإسلام فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة رجل في حجة
الوداع. ذكر هذا الواقدي عن بعض بني المصطلق. وذكر من حديث زياد بن
الحارث الصدائي أنه الذي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
له: اردد الجيش وأنا لك بقومي فردهم قال: وقدم وفد قومي عليه
ج / 2 ص -315-
فقال
لي: يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك قال: قلت: بلى من الله عز وجل ومن
رسوله. وكان زياد هذا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره
قال: فاعتشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سار ليلا واعتشينا معه
وكنت رجلا قويا، قال: فجعل أصحابه يتفرقون عنه ولزمت غرزه1 فلما كان في
السحر قال:
"أذن يا أخا صداء"، فأذنت على
راحلتي ثم سرنا حتى نزلنا فذهب لحاجته ثم رجع فقال:
"يا أخا صداء هل معك ماء"،
قلت: معي شيء في إداوتي2 قال:
"هاته"، فجئت به فقال:
"صب"، فصببت ما في الإداوة في القعب وجعل أصحابه يتلاحقون ثم وضع كفه
على الإناء فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينا تفور، ثم قال:
"يا أخا صداء لولا أني أستحيي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا"
ثم
توضأ وقال
"أذن في أصحابي من كانت له حاجة بالوضوء فليرد"
قال: فوردوا من آخرهم ثم جاء بلال يقيم، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"إن أخا صداء
أذن ومن أذن فهو يقيم"، فأقمت ثم
تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا وكنت سألته قبل أن يؤمرني
على قومي ويكتب إلي بذلك كتابا ففعل فلما سلم يريد من صلاته قام رجل
يتشكى من عامله فقال: يا رسول الله إنه أخذنا بذحول3 كانت بيننا وبينه
في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا خير في الإمارة لرجل مسلم"، ثم قام رجل فقال: يا رسول الله اعطني من الصدقة، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
"إن الله
لم يكل قسمها إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى جزأها على ثمانية أجزاء
فإن كنت جزءا منها أعطيتك وإن كنت غنيا عنها فإنما هو صداع في الرأس
وداء في البطن"، فقلت: في نفسي هاتان خصلتان حين سألت الإمارة وأنا رجل مسلم
وسألته من الصدقة وأنا غني عنها فقلت: يا رسول الله هذان كتاباك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: كتابه.
2 الإداوة بالكسر إناء صغير من جلد.
3 أي عدوات وضغائن.
ج / 2 ص -316-
فاقبلهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إني سمعتك تقول:
"لا خير في الإمارة لرجل مسلم وأنا مسلم" وسمعتك تقول:
"من سأل من الصدقة وهو عنها غني فإنما هو صداع في الرأس وداء في البطن"، وأنا غني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أما إن الذي قلت كما قلت" فقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
"دلني على رجل من قومك أستعمله"، فدللته على رجل منهم فاستعمله قلت: يا رسول الله إن لنا بئرا إذا
كان الشتاء كفانا ماؤها وإذا كان الصيف قل علينا فتفرقنا على المياه
والإسلام اليوم فينا قليل ونحن نخاف فادع الله عز وجل لنا في بئرنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ناولني سبع
حصيات" فناولته فعركهن بيده ثم دفعهن إليّ وقال:
"إذا انتهيت إليها فألق فيها حصاة حصاة وسم الله" قال: ففعلت فما أدركنا لها قعرا حتى الساعة.
وفد غسان:
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد غسان في شهر رمضان سنة عشر
ثلاثة نفر فأسلموا وقالوا: لا ندري أيتبعنا قومنا أم لا وهم يحبون بقاء
ملكهم وقرب قيصر فأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوائز وانصرفوا
راجعين فقدموا على قومهم فلم يستجيبوا لهم وكتموا إسلامهم حتى مات منهم
رجلان على الإسلام وأدرك الثالث منهم عمر بن الخطاب عام اليرموك فلقي
أبا عبيدة فخبره بإسلامه فكان يكرمه.
ج / 2 ص -317-
وفد سلامان:
وقدم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد سلامان سبعة نفر فيهم حبيب بن عمرو
السلامي فأسلموا وقال حبيب: فقلت: أي رسول الله ما أفضل الأعمال قال:
"الصلاة في وقتها" ثم ذكر حديثا طويلا وصلوا معه يومئذ الظهر والعصر قال: فكانت صلاة
العصر أخف في القيام من الظهر ثم شكوا له جدب بلادهم فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيده: "اللهم اسقهم
الغيث في دارهم" فقلت: يا
رسول الله ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب فتبسم رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه ثم قام وقمنا عنه فأقمنا ثلاثا
وضيافته تجري علينا ثم ودعناه وأمر لنا بجوائز فأعطينا خمس أواقي لكل
رجل منا واعتذر إلينا بلال وقال: ليس عندنا اليوم مال فقلت: ما أكثر
هذا وأطيبه ثم رحلنا إلى بلادنا فوجدناها قد مطرت في اليوم الذي دعا
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة. قال الواقدي: وكان
مقدمهم في شوال سنة عشر.
ج / 2 ص -318-
وفد بني عبس:
وقدم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عبس فقالوا: يا رسول الله قدم
علينا قراؤنا فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواش
وهي معايشنا فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له فلا خير في أموالنا
بعناها وهاجرنا من آخرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اتقوا الله
حيث كنتم فلن يلتكم1
من أعمالكم شيئا"
وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خالد بن سنان: "هل له عقب"،
فأخبروه أنه لا عقب له كانت له ابنة فانقرضت وأنشأ رسول الله صلى الله
عليه وسلم يحدث أصحابه عن خالد بن سنان فقال:
"نبي ضيعه قومه".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينقصكم.
ج / 2 ص -319-
وفد غامد:
قال
الواقدي: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غامد سنة عشر وهم
عشرة فنزلوا في بقيع الغرقد وهو يومئذ أثل وطرفاء1 ثم انطلقوا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا عند رحلهم أحدثهم سنا فنام عنه وأتى
سارق وسرق عيبة2 لأحدهم فيها أثواب له. وانتهى القوم إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فسلموا عليه وأقروا له بالإسلام وكتب لهم كتابا فيه
شرائع من شرائع الإسلام وقال لهم:
"من خلفتم في رحالكم"
قالوا: أحدثنا يا رسول الله قال: فإنه قد نام عن متاعكم حتى أتى آت
فأخذ عيبة أحدكم فقال أحد القوم: يا رسول الله ما لأحد من القوم عيبة
غيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قد أخذت وردت إلى موضعها"، فخرج القوم سراعا حتى أتوا رحلهم فوجدوا صاحبهم فسألوه عما خبرهم
به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فزعت من نومي ففقدت العيبة فقمت
في طلبها فإذا رجل قد كان قاعدا فلما رآني ثار يعدو مني فانتهيت إلى
حيث انتهى فإذا أثر حفر وإذا هو قد غيب العيبة فاستخرجتها فقالوا: نشهد
أنه رسول الله فإنه قد أخبرنا بأخذها وأنها قد ردت فرجعوا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فأخبروه وجاء الغلام الذي خلفوه فأسلم. وأمر النبي
صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب فعلمهم قرآنا وأجازهم صلى الله عليه
وسلم كما كان يجيز الوفود وانصرفوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نوعان من الشجر متشابهان.
2 العيبة مستودع الثياب.
ج / 2 ص -320-
وفد النخع:
وقدم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد النخع وهم آخر وفد. قدموا للنصف من
المحرم سنة إحدى عشرة في مائتي رجل فنزلوا دار الأضياف ثم جاؤوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم مقرين بالإسلام وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل
فقال رجل منهم يقال له: زرارة بن عمرو: يا رسول الله إني رأيت في سفري
هذا عجبا قال:
"وما رأيت؟"، قال: رأيت
أتانا تركتها في الحي كأنها ولدت جديا أسفع أحوى1 فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
"هل تركت أمة لك مصرة على حمل؟"، قال: نعم، قال:
"فإنها قد ولدت غلاما وهو ابنك"،
قال: يا رسول الله فما باله أسفع أحوى قال:
"ادن مني"، فدنا منه
فقال: "هل بك من برص تكتمه؟"، قال: والذي بعثك بالحق ما علم به أحد ولا اطلع عليه غيرك. قال:
"فهو ذلك"،
قال: يا رسول الله ورأيت النعمان بن المنذر عليه قرطان ودملجان
ومسكتان2؟ قال:
"ذلك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته"، قال: يا رسول الله ورأيت عجوزا شمطاء خرجت من الأرض؟ قال:
"تلك بقية الدنيا"، قال: ورأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بيني وبين ابن لي يقال له:
عمرو وهي تقول لظى لظى بصير وأعمى أطعموني أكالكم أهلكم ومالكم؟ قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تلك فتنة
تكون في آخر الزمان"، قال: يا
رسول الله وما الفتنة؟ قال: "يقتل الناس
إمامهم ويشتجرون اشتجار أطباق الرأس
-وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه-
يحسب المسيء فيها أنه محسن ويكون دم المؤمن عند المؤمن أحل من شرب
الماء وإن مات ابنك أدركت الفتنة وإن مت أنت أدركها ابنك"،
قال: يا رسول الله ادع الله أن لا أدركها، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "اللهم لا يدركها" فمات وبقي ابنه وكان ممن خلع عثمان. والمسك مفتوح الميم والسين
المهملة الذبل والمسك الأسورة والخلاخل من الذبل والقرون والعاج واحدته
مسكة. قاله ابن سيدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أسفع أي أسود مشربا حمرة. والأحوى الذي سواده ليس بخالص.
2 القرط الذي يعلق في شحمة الأذن. والدملج المعضد من الحلي. والمسكة
السوار.
ج / 2 ص -321-
ذكر بعثه صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام:
بعث دحية
الكلبي إلى قيصر ملك الروم. وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك
فارس. وعمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة. وحاطب بن أبي
بلتعة إلى المقوقس صاحب الأسكندرية. وعمرو بن العاص إلى جيفر وعبد ابني
الجلندي ملكي عمان، وسليط بن عمرو العامري إلى ثمامة بن أثال وهوذة بن
علي الحنفيين ملكي اليمامة، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي
العبدي ملك البحرين. وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر
الغساني ملك تخوم الشام ويقال: بعثه إلى جبلة بن الأيهم الغساني،
والمهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك
اليمن.
ج / 2 ص -323-
ذكر كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر وما كان من خبر دحية معه:
ذكر الواقدي
من حديث ابن عباس ومن حديثه خرج في الصحيحين أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه مع دحية الكلبي
وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر فدفعه عظيم بصرى إلى
قيصر وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرا
لله عز وجل فيما أبلاه من ذلك فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: التمسوا لنا ههنا من قومه أحدا نسألهم عنه. قال ابن
عباس: فأخبرني أبو سفيان بن حرب أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا
تجارا وذلك في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين
كفار قريش قال: فأتانا رسول قيصر فانطلق بنا حتى قدمنا إيلياء فأدخلنا
عليه فإذا هو جالس في مجلس ملكه عليه التاج وحوله عظماء الروم فقال
لترجمانه: سلهم أيهم أقرب نسبا بهذا الذي يزعم أنه نبي، قال أبو سفيان:
فقلت: أنا أقربهم نسبا وليس في الركب يومئذ رجل من بني عبد مناف غيري
قال قيصر: أدنوه مني ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري ثم قال لترجمانه
قل لأصحابه إنما قدمت هذا أمامكم لأسأله عن هذا الرجل الذي يزعم أنه
نبي وإنما جعلتكم خلف كتفيه لتردوا عليه كذبا إن قاله. قال أبو سفيان:
فوالله لولا الحياء يومئذ أن يأثروا علي كذبا لكذبت عليه ولكني
ج / 2 ص -324-
استحييت فصدقت وأنا كاره ثم قال لترجمانه: قل له: كيف نسب هذا الرجل
فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب قال: قل له: هل قال هذا القول أحد منكم
قبله؟ قلت: لا قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت:
لا قال: هل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا قال: فأشراف الناس يتبعونه أم
ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم قال: فهل يزيدون أو ينقصون؟ قلت: بل يزيدون
قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا قال: فهل
يغدر؟ قلت: لا ونحن الآن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها؟ قال: فهل
قاتلتموه؟ قلت: نعم قال: فكيف حربكم وحربه؟ قلت: دول وسجال ندال عليه
مرة ويدال علينا أخرى قال: فما يأمركم به؟ قلت: يأمرنا أن نعبد الله
وحده لا نشرك به شيئا وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ويأمرنا بالصلاة
والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة فقال لترجمانه: قل له:
إني سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب
قومها وسألتك: هل قال هذا القول منكم أحد قبله؟ فزعمت أن لا فلو كان
أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتم بقول قيل قبله وسألتك: هل
كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا فقد عرفت أنه لم
يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك: هل كان من آبائه ملك؟
قلت: لا فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه وسألتك:
أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت: ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل وسألتك:
هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك:
هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا وكذلك الإيمان
حين يخالط بشاشة القلوب لا يسخطه أحد وسألتك: هل قاتلتموه؟ فقلت: نعم
وأن حربكم وحربه دول وسجال يدال عليكم مرة وتدالون عليه أخرى وكذلك
الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة وسألتك:
ج / 2 ص -325-
ماذا
يأمركم به؟ فزعمت أن يأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد
وأداء الأمانة وهو نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أظن أنه فيكم وإن
كان ما أتاني عنه حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ولو أعلم أني أخلص
إليه لتجشمت لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه. قال أبو سفيان: ثم دعا
بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم
سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم
وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم اليريسيين ويا أهل
الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا
نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا
اشهدوا بأنا مسلمون". قال أبو سفيان: فلما قضى مقالته وفرغ من الكتاب علت أصوات الذين
حوله وكثر لغطهم فلا أدري ما قالوا: وأمر بنا فأخرجنا فلما خرجت أنا
وأصحابي وخلصنا قلت لهم: قد أمر أمر ابن أبي كبشة هذا ملك بني الأصفر
يخافه قال: فوالله ما زلت ذليلا مستيقنا أن أمره سيظهر حتى أدخل الله
علي الإسلام. ويروى في خبر أبي سفيان أنه قال لقيصر لما سأله عن النبي
صلى الله عليه وسلم أيها الملك ألا أخبرك عنه خبرا نعرفه به أنه قد كذب
قال: وما هو؟ قلت: إنه زعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة
فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء1 ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح
قال: وبطريق إيلياء عند رأس قيصر فقال: صدق قال: وما علمك بهذا؟ قال:
إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة
أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه عمالي ومن يحضرني
فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول جبلا فدعوت النجارين فنظروا إليه
فقالوا هذا باب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي بيت المقدس.
ج / 2 ص -326-
سقط
عليه التحاف والبنيان فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى
فرجعت وتركت البابين مفتوحتين فلما أصبحت غدوت عليهما فإذا الحجر الذي
في زاوية المسجد منقوب وإذا فيه أثر مربط الدابة فقلت لأصحابي ما حبس
هذا الباب الليلة إلا على نبي وقد صلى الليلة في مسجدنا هذا فقال قيصر
لقومه يا معشر الروم ألستم تعلمون أن بين عيسى وبين الساعة نبيا بشركم
به عيسى بن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم قالوا: بلى قال: فإن الله قد
جعله في غيركم في أقل منكم عددا وأضيق منكم بلدا وهي رحمة الله عز وجل
يضعها حيث يشاء. اليريسيون دهاقين القرى وكانوا إذ ذاك مجوسا.
ج / 2 ص -327-
ذكر توجه عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى بكتاب النبي صلى الله عليه
وسلم:
ذكر الواقدي من حديث الشفاء بنت عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعث عبد الله بن حذافة السهمي منصرفه من الحديبية إلى كسرى وبعث
معه كتابا مختوما فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام
على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بداعية الله فإني أنا رسول الله
إلى الناس كافة لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم
فإن أبيت فعليك إثم المجوس". قال عبد الله بن حذافة: فانتهيت به إلى بابه فطلبت الإذن عليه حتى
وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه
فأخذه ومزقه فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مزق ملكه".
وذكر أيضا من حديث أبي هريرة وغيره أن كسرى بينا هو في بيت كان يخلو
فيه إذا رجل قد خرج إليه وفى يده عصا فقال: يا كسرى إن الله قد بعث
رسولا وأنزل عليه كتابا فأسلم تسلم واتبعه يبق لك ملكك قال كسرى: أخر
هذا عني آثرا ما فدعا حجابه وبوابيه فتواعدهم وقال: من هذا الذي دخل
علي؟ قالوا: والله ما دخل عليك
ج / 2 ص -328-
أحد
وما ضيعنا لك بابا، ومكث حتى كان العام المقبل أتاه فقال له: مثل ذلك
وقال: إلا تسلم أكسر العصا قال: لا تفعل أخر ذلك آثرا ما ثم جاء العام
المقبل ففعل مثل ذلك وضرب بالعصا على رأسه فكسرها وخرج من عنده ويقال:
إن ابنه قتله في تلك الليلة وأعلم الله بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم
لحدثان كونه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك رسل باذان إليه
وكان باذان عامل كسرى على اليمن فلما بلغه ظهور النبي صلى الله عليه
وسلم ودعاءه إلى الله كتب إلى باذان أن ابعث إليّ هذا الرجل الذي خالف
دين قومه فمره فليرجع إلى دين قومه فإن أبى فابعث إلي برأسه -ويروى
وإلا فليواعدك يوما تقتتلون فيه- فلما ورد كتابه إلى باذان بعث بكتابه
مع رجلين من عنده فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهما
وأمرهما بالمقام فأقاما أياما ثم أرسل إليهما رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذات غداة فقال: انطلقا إلى باذان فأعلماه أن ربي عز وجل قد قتل
كسرى في هذه الليلة فانطلقا حتى قدما على باذان فأخبراه بذلك فقال: إن
يكن الأمر كما قال فوالله إن الرجل لنبي وسيأتي الخبر بذلك إلى يوم كذا
فأتاه الخبر بذلك فبعث باذان بإسلامه وإسلام من معه إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم. ويقال: إن الخبر أتاه بمقتل كسرى وهو مريض فاجتمعت
إليه أساورته1 فقالوا: من تؤمر علينا فقال لهم: ملك مقبل وملك مدبر
فاتبعوا هذا الرجل وادخلوا في دينه وأسلموا. ومات باذان فبعث رءوسهم
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدهم يعرفونه بإسلامهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأساورة للفرس جمع أسوار وهم الفرسان.
ج / 2 ص -329-
ذكر إسلام النجاشي: كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه مع عمرو بن
أمية الضمري
ذكر ابن إسحاق: أن عمرا قال له: يا أصحمة إن علي القول وعليك الاستماع
إنك كأنك في الرقة علينا منا وكأنا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك
خيرا قط إلا نلناه ولم نخفك على شيء قط إلا أمناه وقد أخذنا الحجة عليك
من فيك الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجور وفى ذلك الموقع
الحز وإصابة المفصل وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى ابن
مريم وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى الناس فرجاك لما لم
يرجهم له وأمنك على ما خافهم عليه لخير سالف وأجر ينتظر فقال النجاشي:
أشهد بالله أنه للنبي الذي تنتظره أهل الكتاب وأن بشارة موسى براكب
الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل وأن العيان ليس بأشفى من الخبر. وذكر
الواقدي أن ذلك الكتاب: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة
سلم أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام
المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى
مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق
آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن
تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله
عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى".
ج / 2 ص -330-
فكتب
إليه النجاشي: بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله من النجاشي
أصحمة سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته والله الذي لا
إله إلا هو أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر
عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى ابن مريم لا يزيد على ما ذكرت ثفروقا
إنه كما ذكرت. وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقد قربنا ابن عمك وأصحابه
فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على
يديه لله رب العالمين. الثفروق علاقة ما بين النواة والقمع. وتوفي
النجاشي سنة تسع بالحبشة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته
يومه وخرج بالناس إلى المصلى فصلى عليه والناس خلفه صفوف وكبر عليه
أربعا
ج / 2 ص -331-
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس مع حاطب بن أبي بلتعة:
"بسم الله الرحمن الرحيم من
محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى أما
بعد فإني أدعوك بداعية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين
فإن توليت فإن عليك إثم القبط ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء
بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا
بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون". وختم
الكتاب فخرج به حاطب حتى قدم عليه الإسكندرية فانتهى إلى حاجبه فلم
يلبثه أن أوصل إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال حاطب
للمقوقس لما لقيه إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فأخذه الله
نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثم انتقم منه واعتبر بغيرك ولا يعتبر
بك. قال: هات قال: إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه وهو الإسلام
الكافي به الله فقد ما سواه إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس
فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما
بشارة موسى بعيسى ابن مريم إلا كبشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم
وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل وكل
نبي أدرك قوما فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا
النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به فقال المقوقس: إني قد
نظرت
ج / 2 ص -332-
في أمر
هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى إلا عن مرغوب عنه ولم
أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه آلة النبوة بإخراج
الخبي والأخبار بالنجوى وسأنظر. وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم
فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له ثم دعا كاتبا له يكتب
بالعربية فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام أما بعد فقد قرأت كتابك
وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه وقد علمت أن نبيا بقي وكنت أظن أنه
يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط
عظيم وبكسوة وأهديت لك بغلة لتركبها والسلام عليك". ولم يزد على هذا.
ولم يسلم. الجاريتان: مارية وسيرين والبغلة: دلدل بقيت إلى زمن معاوية
وكانت شهباء. وذكر الواقدي في هذا الخبر أن المقوقس وصف لحاطب أشياء من
صفة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: القبط لا يطاوعوني في اتباعه ولا
أحب أن تعلم بمحاورتي إياك وأنا أضن بملكي أن أفارقه وسيظهر على البلاد
وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده حتى تظهر على من ههنا فارجع إلى
صاحبك فقد أمرت له بهدايا وجاريتين أختين وبغلة من مراكبي وألف مثقال
ذهبا وعشرين ثوبا وغير ذلك وأمرت لك بمائة دينار وخمسة أثواب فارحل من
عندي ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا فرحلت من عنده وقد كان لي مكرما في
الضيافة وقلة اللبث ببابه ما أقمت عنده إلا خمسة أيام. وإن الوفود وفود
العجم ببابه منذ شهر وأكثر. قال حاطب: فذكرت قوله لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال:
"ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه".
قال الدارقطني: اسمه جريج بن ميناء أثبته أبو عمر في الصحابة ثم أمر
بأن يضرب عليه. وقال يغلب على الظن أنه لم يسلم. وكانت شبهته في إثباته
إياه في الصحابة أولا رواية رواها ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة قال: أخبرني المقوقس أنه أهدى لرسول الله صلى الله
عليه وسلم قدحا من قوارير فكان يشرب فيه.
ج / 2 ص -333-
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى العبدي مع
العلاء بن الحضرمي بعد انصرافه من الحديبية:
ذكر الواقدي
بإسناد له عن عكرمة قال: وجدت هذا الكتاب في كتب ابن عباس بعد موته
فنسخته فإذا فيه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي
إلى المنذر بن ساوى وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا
يدعوه فيه إلى الإسلام فكتب المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين فمنهم من أحب
الإسلام وأعجبه ودخل فيه ومنهم من كرهه وبأرضى مجوس ويهود فأحدث إلي في
ذلك أمرك فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام
عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله
وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح
فإنما ينصح لنفسه فإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم
فقد نصح لي وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا وإني قد شفعتك في قومك فاترك
للمسلمين ما أسلموا عليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم وإنك مهما
تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية".
أسلم المنذر هذا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه ومات
قبل ردة أهل البحرين. وذكر ابن قانع أنه وفد على النبي صلى الله عليه
وسلم. قال أبو الربيع بن سالم ولا يصح ذلك.
ج / 2 ص -334-
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جيفر وعبد ابني الجلندي الأزديين
ملكي عمان مع عمرو بن العاص:
"بسم الله
الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي. سلام
على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوكما بداعية الإسلام أسلما تسلما
فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على
الكافرين. وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما أن تقرا
بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيل تحل بساحتكما وتظهر نبوتي على
ملككما". وكتب أبي
بن كعب وختم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب. قال عمرو ثم خرجت
حتى انتهيت إلى عمان فلما قدمتها عمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين
وأسهلهما خلقا فقلت: إني رسول رسول الله إليك وإلى أخيك فقال: أخي
المقدم عليّ بالسن والملك وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك ثم قال لي:
وما تدعو إليه؟ قلت: أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وتخلع ما عبد من
دونه وتشهد أن محمدا عبده ورسوله قال يا عمرو إنك ابن سيد قومك فكيف
صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة فقلت مات ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم
ووددت أنه كان أسلم وصدق به وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله
للإسلام قال: فمتى تبعته قلت: قريبا فسألني أين كان إسلامي؟ فقلت: عند
النجاشي وأخبرته أن النجاشي قد أسلم قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ قلت:
أقروه واتبعوه قال: والأساقفة والرهبان اتبعوه؟ قلت: نعم قال: انظر يا
عمرو ما تقول
ج / 2 ص -335-
إنه
ليس من خصلة في رجل أفضح له من كذب قلت: ما كذبت وما نستحله في ديننا.
ثم قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي قلت: بلى قال: بأي شيء علمت
ذلك؟ قلت: كان النجاشي يخرج له خرجا فلما أسلم وصدق بمحمد صلى الله
عليه وسلم قال: لا والله ولو سألني درهما واحدا ما أعطيته فبلغ هرقل
قوله فقال له: يناق أخوه أتدع عبدك لا يخرج لك خرجا ويدين دينا محدثا
قال هرقل: رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما أصنع به والله لولا الضن
بملكي لصنعت كما صنع. قال: انظر ما تقول يا عمرو قلت: والله صدقتك. قال
عبد: فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه قلت: يأمر بطاعة الله عز وجل
وينهى عن معصيته ويأمر بالبر وصلة الرحم وينهى عن الظلم والعدوان وعن
الزنا وشرب الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب فقال: ما أحسن هذا
الذي يدعو إليه لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به
ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا قلت: إنه إن أسلم ملكه رسول
الله صلى الله عليه وسلم على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على
فقيرهم. قال: إن هذا الخلق حسن وما الصدقة فأخبرته بما فرض رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل فقال:
يا عمرو تؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه قلت: نعم
فقال: والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا. قال:
فمكثت ببابه أياما وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري. ثم إنه دعاني يوما
فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعي فقال: دعوه فأرسلت فذهبت لأجلس فأبوا أن
يدعوني أجلس فنظرت إليه فقال: تكلم بحاجتك فدفعت إليه الكتاب مختوما
ففض خاتمه فقرأه حتى انتهى إلى آخره ثم دفعه إلي فقرأه مثل قراءته إلا
أني رأيت أخاه أرق منه. ثم قال ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت:
تبعوه إما راغب في الدين وإما مقهور
ج / 2 ص -336-
بالسيف
قال: ومن معه؟ قلت: الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره
وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم إنهم كانوا في ضلال فما أعلم أحدا
بقي غيرك في هذه الحرجة وأنت إن تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل ويبيد
خضراءك فأسلم تسلم ويستعملك على قومك ولا تدخل عليك الخيل والرجال. قال
دعني يومي هذا وارجع إلي غدا فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو إني لأرجو
أن يسلم إن لم يضن بملكه حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي
فانصرفت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه فأوصلني إليه فقال: إني فكرت
فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا
تبلغ خيله ههنا، وإن بلغت خيله ألفت قتالا ليس كقتال من لاقى. قلت:
وأنا خارج غدا فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال: ما نحن فيما قد ظهر
عليه وكل من أرسل إليه قد أجابه فأصبح فأرسل إلي فأجاب إلى الإسلام هو
وأخوه جمعيا وصدقا النبي صلى الله عليه وسلم وخليا بيني وبين الصدقة
وبين الحكم فيما بينهم. وكانا لي عونا على من خالفني.
ج / 2 ص -337-
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة مع
سليط بن عمرو العامري:
"بسم الله الرحمن الرحيم من
محمد رسول الله إلى هوذة بن علي سلام على من اتبع الهدى واعلم أن ديني
سيظهر إلى منتهى الخف والحافر أسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يديك". فلما قدم عليه سليط بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم مختوما أنزله
وحباه وقرأ عليه الكتاب فرد ردا دون رد وكتب إلى النبي صلى الله عليه
وسلم: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهاب
مكاني فاجعل إلي بعض الأمر أتبعك. وأجاز سليطا بجائزة وكساه أثوابا من
نسج هجر فقدم بذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. وقرأ النبي
صلى الله عليه وسلم كتابه وقال: "لو سألني سبابة1
من الأرض ما فعلت باد وباد ما في يديه". فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الفتح جاءه جبريل عليه
السلام بأن هوذة قد مات فقال صلى الله عليه وسلم:
"أما إن اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبأ يقتل بعدي"، فقال قائل: يا رسول الله من يقتله فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"أنت وأصحابك"، فكان كذلك. وفيما ذكر الواقدي أن أركون دمشق عظيم من عظماء
النصارى كان عند هوذة فسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: جاءني
كتابه يدعوني إلى الإسلام فلم أجبه قال الأركون: لم لا تجيبه؟ فقال:
ضننت بديني وأنا ملك قومي ولئن تبعته لم أملك قال: بلى والله لئن
اتبعته ليملكنك وإن الخيرة لك في اتباعه. وإنه للنبي العربي الذي بشر
به عيسى ابن مريم وإنه لمكتوب عندنا في الإنجيل محمد رسول الله. وذكر
باقي الخبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السبابة: البلحة.
ج / 2 ص -338-
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني مع شجاع
بن وهب:
ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث شجاعا إلى الحارث بن
أبي شمر وهو بغوطة دمشق فكتب إليه مرجعه من الحديبية:
"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر سلام
على من اتبع الهدى وآمن به وصدق وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا
شريك له يبقى لك ملكك".
فختم الكتاب وخرج به شجاع بن وهب قال: فانتهيت إلى حاجبه فأجده يومئذ
وهو مشغول بتهيئة الإنزال والألطاف لقيصر وهو جائي من حمص إلى إيلياء
حيث كشف الله عنه جنود فارس شكرا لله تعالى. فأقمت على بابه يومين أو
ثلاثة فقلت لحاجبه إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال
حاجبه: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا. وجعل حاجبه وكان روميا اسمه
مرى يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه فكنت أحدثه
فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول: إني قرأت في الإنجيل وأجد صفة هذا النبي
صلى الله عليه وسلم بعينه فكنت أراه يخرج بالشام فأراه قد خرج بأرض
القرظ فأنا أؤمن به وأصدقه وأنا أخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني
قال شجاع فكان -يعني هذا الحاجب- يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني عن
الحارث باليأس منه ويقول: هو يخاف قيصر قال: فخرج الحارث يوما وجلس
فوضع التاج على رأسه فأذن لي عليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقرأه ثم رمى به. وقال من ينتزع مني ملكي أنا سائر
ج / 2 ص -339-
إليه
ولو كان باليمن جئته؛ علي بالناس فلم يزل جالسا يعرض حتى الليل. وأمر
بالخيل أن تنعل ثم قال: أخبر صاحبك بما ترى وكتب إلى قيصر يخبره خبري
فصادف قيصر بإيلياء وعنده دحية الكلبي وقد بعثه إليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه ألا تسر إليه واله
عنه ووافني بإيلياء. قال: ورجع الكتاب وأنا مقيم فدعاني وقال: متى تريد
أن تخرج إلى صاحبك؟ قلت: غدا فأمر لي بمائة مثقال ذهبا ووصلني مري
بنفقة وكسوة وقال: اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام
وأخبره أني متبع دينه. قال شجاع: فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبرته فقال:
"باد ملكه"،
وأقرأته من مري السلام وأخبرته بما قال: فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"صدق".
وابن هشام يقول بأن المرسل إليه جبلة بن الأيهم بدل الحارث بن أبي شمر.
وقد تقدم فيما ذكرناه عن ابن إسحاق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى
الحارث بن عبد كلال ومن معه باليمن.
ج / 2 ص -340-
سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن:
قال ابن سعد: يقال مرتين إحداهما في شهر رمضان سنة عشر من مهاجره وعقد
له لواء وعممه بيده وقال: امض ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم
حتى يقاتلونك. فخرج في ثلاثمائة فارس وكانت أول خيل دخلت إلى تلك
البلاد وهي بلاد مذحج ففرق أصحابه فأتوا بنهب غنائم وأطفال ونساء وشاء
وغير ذلك وجعل علي على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي فجمع إليه ما
أصابوا ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة
فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي ثم حمل عليهم علي
بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا وانهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم
إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا وتابعه نفر من رؤسائهم على الإسلام
وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله
وجمع علي الغنائم فجزأها على خمسة أجزاء فكتب في سهم منها لله وأقرع
عليها فخرج أول السهام سهم الخمس وقسم علي على أصحابه بقية الغنم ثم
قفل فوافى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وقد قدمها للحج سنة عشر. قال
الرشاطي: وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي
طالب في سرية إلى اليمن وذلك في شهر رمضان سنة عشر من الهجرة فأسلت
همدان كلها في يوم واحد وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما قرأ كتابه خر لله ساجدا ثم جلس فقال: السلام على همدان وتتابع أهل
اليمن على الإسلام. انتهى كلام الرشاطي ويشبه أن تكون هذه هي السرية
الأولى وما في الأصل هو السرية الثانية والله أعلم. |