عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي

ج / 2 ص -359-       ذكر نبذة من معجزاته عليه السلام:
وإن كان أكثر ما نورده هنا قد سبق إيراده لكن مفرقا والغرض الآن ذكره مجموعا كما فعلنا في الباب الذي قبله. فمن ذلك: القرآن وهو أعظمها، وشق الصدر وإخباره عن البيت المقدس وانشقاق القمر وأن الملأ من قريش تعاقبوا على قتله فخرج عليهم فخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم وأقبل حتى قام على رءوسهم فقبض قبضة من تراب وقال:
"شاهت الوجوه"، وحصبهم فما أصاب رجلا منهم شيء من ذلك الحصى إلا قتل يوم بدر ورمي يوم حنين بقبضة من تراب في وجوه القوم فهزمهم الله تعالى ونسج العنكبوت عليه في الغار وما كان من أمر سراقة بن مالك بن جعشم إذ تبعه في خبر الهجرة فساخت قوائم فرسه في الأرض الجلد ومسح على ضرع عناق1 ولم ينز عليها الفحل فدرت وقصة شاة أم معبد ودعوته لعمر أن يعز الله به الإسلام ودعوته لعلي أن يذهب الله عنه الحر والبرد وتفل في عينيه وهو أرمد فعوفي من ساعته ولم يرمد بعد ذلك ورد عين قتادة بن النعمان بعد أن سالت على خده فكانت أحسن عينيه ودعا لعبد الله بن عباس بالتأويل والفقه في الدين ودعا لجمل جابر فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا ودعا لأنس بطول العمر وكثرة المال والولد ودعا في تمر حائط جابر بالبركة فأوفى غرماءه وفضل ثلاثة عشر وسقا واستسقى عليه السلام فمطروا أسبوعا ثم استسقى لهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأنثى من أولاد المعز.

 

ج / 2 ص -360-       فانجابت السحابة، ودعا على عتيبة بن أبي لهب فأكله الأسد بالزرقاء من الشام وشهدت له الشجر بالرسالة في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام فقال: هل من شاهد على ما تقول؟ فقال: "نعم هذه السمرة1"، ثم دعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلاثا ثم رجعت إلى منبتها وأمر شجرتين فاجتمعتا ثم افترقتا وأمر أنسا أن ينطلق إلى نخلات فيقول لهن أمركن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجتمعن فاجتمعن فلما قضى حاجته أمره أن يأمرهن بالعود إلى أماكنهن فعدن ونام فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه فلما استيقظ ذكرت له فقال: "هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم عليّ"، فأذن لها وسلم عليه الحجر والشجر ليالي بعث: السلام عليك يا رسول الله وقال: "إني لأعرف حجرا كان بمكة يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن"، وحن إليه الجذع وسبح الحصى في كفه وسبح الطعام بين أصابعه وأعلمته الشاة بسمها وشكا إليه البعير قلة العلف وكثرة العمل وسألته الضبية أن يخلصها من الحبل لترضع ولديها وتعود فخلصها فعادت وتلفظت بالشهادتين وأخبر عن مصارع المشركين يوم بدر فلم يعد واحد منهم مصرعه وأخبر أن طائفة من أمته يغزون في البحر وأن أم حرام بنت ملحان منهم فكان كذلك وقال لعثمان بن عفان تصيبه بلوي شديدة فأصابته وقتل وقال للأنصار: "إنكم ستلقون بعدي أثرة"، فكانت زمن معاوية وقال في الحسن: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، فصالح معاوية وحقن دماء الفئتين من المسلمين وأخبر بقتل الأسود العنسي الكذاب وهو بصنعاء ليلة قتله وبمن قتله وقال لثابت بن قيس: "تعيش حميدا وتقتل شهيدا"، فقتل يوم اليمامة وارتد رجل ولحق بالمشركين فبلغه أنه مات فقال: "إن الأرض لا تقبله"، فكان كذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نوع من الشجر. وفي نسخة "الشجرة".

 

ج / 2 ص -361-       وقال لرجل يأكل بشماله: "كل بيمينك"، فقال: لا أستطيع، فقال له: "لا استطعت"، فلم يطق أن يرفعها إلى فيه بعد. ودخل مكة عام الفتح والأصنام حول الكعبة معلقة وبيده قضيب فجعل يشير به إليها ويقول جاء الحق وزهق الباطل وهي تتساقط. وقصة مازن بن الغضوبة وخبر سواد بن قارب وأمثالها كثير وشهد الصب بنبوته وأطعم ألفا من صاع شعير بالخندق فشبعوا والطعام أكثر مما كان وأطعمهم من تمر يسير أيضا بالخندق وجمع فضل الأزواد على النطع فدعا لها بالبركة ثم قسمها في العسكر فقامت بهم وأتاه أبو هريرة بتمرات قد صفهن في يده وقال: ادع لي فيهن بالبركة ففعل قال أبو هريرة فأخرجت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل منه ونطعم حتى انقطع في زمن عثمان ودعا أهل الصفة لقصعة ثريد قال أبو هريرة فجعلت أتطاول ليدعوني حتى قام القوم وليس في القصعة إلا اليسير في نواحيها فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار لقمة فوضعها على أصابعه وقال لي: "كل بسم الله"، فوالذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت ونبع الماء من بين أصابعه حتى شرب القوم وتوضئوا وهم ألف وأربعمائة وأتى بقدح فيه ماء فوضع أصابعه في القدح فلم تسع فوضع أربعة منها وقال: "هلموا فتوضئوا أجمعين وهم من السبعين إلى الثمانين وورد في غزوة تبوك على ماء لا يروي واحدا والقوم عطاش فشكوا إليه فأخذ سهما من كنانته وأمر بغرسه فيه ففار الماء وأرتوى القوم وكانوا ثلاثين ألفا وشكا إليه قوم ملوحة في مائهم فجاء في نفر من أصحابه حتى وقف على بئرهم فتفل فيه فتفجر بالماء العذب المعين وأتته امرأة بصبي لها أقرع فمسح على رأسه فاستوى شعره فذهب داؤه وانكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدر فأعطاه جذلا من حطب فصار في يده سيفا ولم يزل بعد ذلك عنده وكذلك وقع لعبد الله

 

ج / 2 ص -362-       ابن جحش يوم أحد وعزت كدية1 بالخندق عن أن يأخذها المعول فضربها فصارت كثيبا أهيل2 ومسح على رجل ابن عتيك في خبر أبي رافع وقد انكسرت فكأنه لم يشتكها قط. ومعجزاته صلى الله عليه وسلم أكثر من أن يجمعها كتاب أو يحصرها ديوان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي صخرة.
2 أي: رملا سائلا.

 

ج / 2 ص -363-       ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم:
روينا عن ابن سعد قال: أنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان أول من ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة القاسم وبه كان يكنى ثم ولدت له زينب ثم رقية ثم فاطمة ثم أم كلثوم ثم ولد له في الإسلام عبد الله فسمي الطيب الطاهر وأمهم جميعا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي فكان أول من مات من ولده القاسم. ثم مات عبد الله بمكة، فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع ولده فهو أبتر فأنزل الله {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر} وقيل: بل الطيب والطاهر ابنان سواه وقيل: كان له الطاهر والمطهر ولدا في بطن وقيل: كان له الطيب والمطيب ولدا في بطن أيضا وقيل: إنهم كلهم ماتوا قبل النبوة وقال الزبير بن بكار: ولد له القاسم ثم زينب ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد الله هكذا رأيته بخط شيخنا الحافظ أبي محمد الدمياطي رحمه الله قال: وفيه نظر. وأما أبو عمر فحكى عن الزبير غير ذلك قال: ولد له القاسم وهو أكبر ولده ثم زينب ثم عبد الله وكان يقال له: الطيب ويقال له: الطاهر ولد بعد النبوة ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية هكذا الأول فالأول ثم مات القاسم بمكة وهو أول ميت مات من ولده ثم عبد الله مات أيضا بمكة. وقال ابن إسحاق: ولدت له خديجة زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم وبه كان يكنى والطاهر

 

ج / 2 ص -364-       والطيب فهلكوا في الجاهلية. وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام وأسلمن وهاجرن معه. قال أبو عمر وقال علي بن عبد العزيز الجرجاني: أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم وهو أكبر ولده ثم زينب. وقال ابن الكلبي زينب ثم القاسم ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد الله وكان يقال له الطيب والطاهر. قال: وهذا هو الصحيح وغيره تخليط وكانت سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب تقبل خديجة في أولادها وكانت تعق عن كل غلام بشاتين وعن الجارية بشاة. وكان بين كل ولدين لها سنة وكانت تسترضع لهم وتعد ذلك قبل ولادها. فأما زينب فتزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف أمه هالة بنت خويلد فولدت له عليّا أردفه النبي صلى الله عليه وسلم وراءه يوم الفتح. ومات مراهقا وأمامة تزوجها علي بعد خالتها فاطمة زوجها منه الزبير بن العوام، وكان أبوها أبو العاص أوصى بها إلى الزبير فلما قتل علي رضي الله عنه وأمت أمامة منه قالت أم الهيثم النخعية:

أشاب ذؤابتي وأذل ركني                      أمامة حين فارقت القرينا

تطيف به لحاجتها إليه                          فلما استيأست رفعت رنينا

ثم تزوجها بعد علي المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فولدت له يحيى بن المغيرة وهلكت عنده وقد قيل إنها لم تلد لعلي ولا للمغيرة. ولدت زينب سنة ثلاثين من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وماتت سنة ثمان من الهجرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها وكان زوجها أبو العاص محبا فيها وهو القائل في بعض أسفاره إلى الشام:

ذكرت زينب لما وركت أرما               فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما

 

ج / 2 ص -365-                           بنت الأمين جزاها الله صالحة  وكل بعل سيثني بالذي علما

وأما رقية فتزوجها عثمان بن عفان فولدت له عبد الله مات بعدها وقد بلغ ست سنين. وتوفيت رقية يوم قدوم زيد بن حارثة بشيرا بقتلى بدر وقيل: كان مولدها سنة ثلاث وثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم. وأما أم كلثوم فتزوجها عثمان بعد موت رقية وماتت سنة تسع من الهجرة ولم تلد له. وأما فاطمة فتزوجها علي وبنى بها مرجعهم من بدر فولدت له حسنا وحسينا ومحسنا مات صغيرا وأم كلثوم وزينب وماتت فاطمة بعد أبيها بثلاثة أشهر وقيل بستة وقيل بثمانية وكذلك اختلف في مولدها. قال المدائني: قبل النبوة بخمس سنين. وقال ابن السراج: سمعت عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي يقول: ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو عمر وذكر الزبير أن عبد الله بن حسن بن حسن دخل على هشام بن عبد الملك وعنده الكلبي فقال هشام لعبد الله بن حسن يا أبا محمد كم بلغت فاطمة من السن؟ فقال: ثلاثين سنة فقال هشام للكلبي: كم بلغت من السن؟ فقال: خمسا وثلاثين سنة فقال هشام لعبد الله بن حسن: اسمع الكلبي يقول ما تسمع وقد عنى بهذا الشأن فقال عبد الله بن حسن يا أمير المؤمنين سلني عن أمي وسل الكلبي عن أمه وكان علي رضي الله عنه قد خطب عليها ابنة أبي جهل فأنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا"، قال: فترك علي الخطبة. روينا من طريق مسلم حدثنا أحمد بن حنبل فثنا يعقوب بن إبراهيم فثنا أبي عن الوليد بن كثير قال: حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الدولي أن ابن شهاب حدثه أن علي بن الحسين حدثه أنهم حين قدموا المدينة لقيه المسور بن

 

ج / 2 ص -366-       مخرمة فذكر حديثا وفيه أن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم وفيه قوله عليه السلام: "والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا". قلت: كذا وقع في هذا الحديث قوله عن المسور وأنا يومئذ محتلم وهو وهم فإن المسور ممن ولد في السنة الثانية من الهجرة بعد مولد ابن الزبير بأربعة أشهر فلم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا نحو الثمانية أعوام ولا يعد من كانت هذه سنه محتلما. وقد روى الإسماعيلي في صحيحه هذا الحديث من هذا الوجه عن أحمد بن الحسن بن عبد الجبار فثنا يحيى بن معين عن يعقوب فذكره بسنده وفيه عن المسور: وأنا يومئذ كالمحتلم؛ يعني في ثبته وحفظه ما يسمعه فبينت هذه الرواية الصواب ودار الحمل فيه على من دون يعقوب بين أحمد ومسلم ووجدت الطبراني في معجمه الكبير قد رواه عن عبد الله بن أحمد عن أبيه كرواية مسلم فبرئ مسلم من عهدته أيضا كما برئ يعقوب ومن فوقه وقد رواه البخاري عن سعيد بن محمد الجرمي عن يعقوب كرواية مسلم عن أحمد فهو حديث اختلف فيه على يعقوب جوده يحيى بن معين. ثم ولدت له صلى الله عليه وسلم مارية بنت شمعون القبطية إبراهيم وعق عنه بكبش يوم سابعه وحلق رأسه حلقه أبو هند فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر بشعره فدفن في الأرض وسماه يومئذ فيما قال الزبير والصحيح أنه سماه ليلة مولده وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته أنها قد ولدت له غلاما فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا وكان مولده في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة ومات في ربيع الأول سنة عشر وقد بلغ ستة عشر شهرا. وقد قيل في سنه ووفاته غير ذلك مات في بني مازن عند ظئره أم بردة خولة بنت المنذر

 

ج / 2 ص -367-       ابن زيد بن لبيد وغسلته وحمل من بيتها على سرير صغير وصلى عليه وكبر أربعا ودفن بالبقيع ورش عليه الماء وقال الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وقال: "إن له ظئرا1 تتم رضاعه في الجنة"، وقال: "لو عاش لوضعت الجزية عن كل قبطي". وقال: "لو عاش إبراهيم ما رق له خال2".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الظئر المرضعة.
2 في حاشية الأصل: بلغ مقابلة لله الحمد.

 

ج / 2 ص -369-       ذكر أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم:
أبو طالب عبد مناف والزبير وعبد الكعبة وأم حكيم وعاتكة وبرة وأروى وأميمة وأمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم وعبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيق هؤلاء وقد تقدم ذكره وحمزة والمقوم وجحل واسمه المغيرة وصفية وزاد بعضهم العوام وأمهم هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة بنت عم آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس وضرار وأمهما نتلة وقيل نتيلة بنت جناب بن كلب من النمر بن قاسط والحارث وهو أكبر ولد عبد المطلب وبه كان يكنى وشقيقة قثم وهلك قثم صغيرا وأمهما صفية بنت جندب بن حجير بن زياب بن حبيب بن سواءة وأبو لهب عبد العزى وأمه لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول من خزاعة والغيداق واسمه مصعب وقيل: نوفل ولقب الغيداق لجوده وأمه ممنعة بنت عمرو بن مالك من خزاعة فأعمامه عليه السلام اثنا عشر ومن الناس من يعدهم عشرة فيسقط عبد الكعبة ويقول: هو المقوم ويجعل الغيداق وحجلا واحدا ومن الناس من يعدهم تسعة فيسقط قثم.
وأما عماته فست لا خلاف في ذلك وكلهن بنات فاطمة المخزومية إلا صفية فهي من هالة الزهرية هذا هو المشهور عند أهل النسب. وقد ذكر أن أروى لفاطمة المخزومية. ولم يسلم من أعمامه عليه السلام إلا حمزة والعباس على الصحيح. وقد

 

ج / 2 ص -370-       حكي إسلام أبي طالب وقد سبق ذكره. وأما العمات فإسلام صفية معروف محقق وفي أروى خلاف. ذكرها العقيلي في الصحابة قال أبو عمر وأبى غيره من ذلك وذكر الواقدي في خبر أنها أسلمت وكذلك اختلف في إسلام عاتكة والمشهور عندهم أن عاتكة لم تسلم هي صاحبة الرؤيا يوم بدر. فأما أبو طالب فولده طالب وعقيل وجعفر وعلي وكان كل من هؤلاء أكبر من الذي يليه بعشر سنين وأختهم أم هانئ فاختة أسلموا ويقال: هند قيل: وحمانة بنت أبي طالب أخت ثانية لهم قسم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقا من خيبر وهي أم عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أسلموا كلهم إلا طالبا. وأما الزبير فولده عبد الله شهد يوم حنين مع النبي صلى الله عليه وسلم وثبت معه وكان فارسا مشهورا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ابن عمي وحبي ومنهم من يروي أنه كان يقول ابن أمي وحبي قال أبو عمر لا أحفظ له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روت أختاه ضباعة وأم الحكم وكانت سنه يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من ثلاثين سنة وقتل شهيدا بأجنادين في خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة بعد أن أبلى بها بلاء حسنا. وضباعة وصفية وأم الحكم وأم الزبير بنات الزبير لهن صحبة ولا عقب لعبد الله بن الزبير هذا. وأما حمزة فأسلم قديما وعز به الإسلام وكفت قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض ما كانوا ينالون منه خوفا من حمزة رضي الله عنه وعلما منهم أنه سيمنعه وكان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخاه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة الأسلمية وكان أسن منه بيسير وأم كل منهما ابنة عم لأم الآخر شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأحدا وبها مات شهيدا قتله وحشي بن حرب قيل كان يقاتل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بسيفين ويقول: أنا أسد الله. ذكره الحاكم وروى بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فأخبرني أن

 

ج / 2 ص -371-       حمزة مكتوب في أهل السموات أسد الله ورسوله". وروي أن حمزة قتل جنبا فغسلته الملائكة، وقال: صحيح الإسناد. وكان له من الولد يعلى وعمارة وقال مصعب ولد لحمزة خمسة رجال لصلبه وماتوا ولم يعقبوا وقال الزبير: ولم يعقب أحد من بني حمزة إلا يعلى وحده فإنه ولد له خمسة رجال لصلبه وماتوا ولم يعقبوا. ومن أولاد حمزة أمامة ويقال أمة الله. وكان الواقدي يقول فيها عمارة قال أبو بكر الخطيب: انفرد الواقدي بهذا القول وإنما عمارة ابنه لا ابنته وقد تقدم ذكره. وله أيضا ابنة تسمى أم الفضل وابنة تسمى فاطمة ومن الناس من يعدهما واحدة وفاطمة هذه إحدى الفواطم التي قال عليه السلام لعلي: "وقد بعث الله حلة: "تشقها خمرًا بين الفواطم"، وهن: فاطمة بنت أسد أم علي وفاطمة بنت محمد زوجه عليه السلام وفاطمة ابنة حمزة هذه وفاطمة ابنة عتبة. وأما العباس فيكنى أبا الفضل بابنه وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث وكان رئيسا في قريش وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية شهد العقبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشترط له على الأنصار وشهد بدرا مع المشركين مكرها وفدى يومئذ نفسه، وعقيلا ونوفلا ابني أخويه أبي طالب والحارث وأسلم قبل فتح خيبر وكان يكتم إسلامه إلى يوم فتح مكة فأظهره وقيل أسلم قبل يوم بدر وكان يكتم ذلك وشهد يوم حنين وثبت. وهو القائل:

ألا هل أتى عرسي مكري ومقدمي               بوادي حنين والأسنة تشرع

وكيف رددت الخيل وهي مغيرة                     بزوراء تعطي في اليدين وتمنع

نصرنا رسول الله في الحرب سبعة                 وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا

وثامننا لاقى الحمام بسيفه                        بما مسه في الله لا يتوجع

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: "العباس أجود قريش كفا وأوصلها". وروي أن

ج / 2 ص -372-       العباس لم يمر بعمر ولا بعثمان وهما راكبان إلا نزلا حتى يجوز إجلالا له وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجله واستسقى به عمر عام الرمادة سنة سبع عشرة فسقوا ففي ذلك يقول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب:

بعمي سقى الله الحجاز وأهله                عشية يستسقى بشيبته عمر

توجه بالعباس في الجدب راغبا               فما كرَّ حتى جاء بالديمة المطر

وكان من دعاء العباس وهو يستسقي: اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكبير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الشكوى فأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون. وفضائل العباس كثيرة ومناقبه مشهورة توفي سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه عثمان وقيل في وفاته غير ذلك. وولد العباس سبعة لأم الفضل لبابة بنت الحارث وسيأتي ذكر نسبها عند ذكر أختها ميمونة في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهم: الفضل وعبد الله وعبيد الله ومعبد وقثم وعبد الرحمن وأم حبيبة شقيقتهم وتمام وكثير لأم ولد والحارث وأمه من هذيل وعون بن العباس قال أبو عمر: لم أقف على اسم أمه قال: وكل بني العباس لهم رواية وللفضل وعبد الله وعبيد الله سماع ورواية. وكان الفضل أكبرهم وتمام أصغرهم وقد روى تمام عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا علي قلحا1 استاكوا". وكان الفضل جميلا وعبد الله عالما وعبيد الله سخيا جوادا وكان تمام من أشد الناس بطشا وكان العباس يحمل تماما ويقول:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القلح: صفرة تعلو الأسنان ورسخ يركبها، وهو حث على استعمال السواك.

 

ج / 2 ص -373-                          تموا بتمام فصاروا عشره         يا رب فاجعلهم كراما برره

واجعل لهم ذكرا وأنم الثمره

ويقال: ما رؤيت قبور أشد تباعدا بعضها من بعض من قبور بني العباس بن عبد المطلب. استشهد الفضل بأجنادين ومات معبد وعبد الرحمن بإفريقية وعبد الله بالطائف وعبيد الله باليمن وقثم بسمرقند وكثير بالينبع وقد يقع في ذلك خلاف ليس هذا موضعه. وأما الحارث وهو أكبر ولد عبد المطلب وبه كان يكنى: قال الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى لم يدرك الإسلام وأسلم من أولاده أربعة نوفل وربيعة وأبو سفيان وعبد الله فكان نوفل أسن إخوته وأسن من أسلم من بني هاشم ولم يذكر المغيرة فيهم وقد ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتابه في الصحابة فيكون خامسا لهم غير أنه قال ومنهم من يجعل المغيرة اسم أبي سفيان والصحيح الأول يعني أنه غيره. وأما أبو لهب فأبوه كناه بذلك لحسن وجهه. قال السهيلي كني بأبي لهب مقدمة لما يصير إليه من اللهب وكان بعد نزول السورة فيه لا يشك مؤمن أنه من أهل النار بخلاف غيره من الكفار -يعني الموجودين- فإن الأطماع لم تنقطع من إسلامهم. وامرأته أم جميل بنت حرب بن أمية اسمها العوراء فولد أبو لهب عتبة ومعتبا شهدا حنينا وثبتا فيه وأختهما درة لها صحبة وأخوهم عتيبة قتله الأسد بالزرقاء من أرض الشام بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم عليه وبعضهم يجعل عتبة المكبر عقير الأسد وعتيبة الصحابي والمشهور الأول. وأما ضرار فإنه مات أيام أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم وكان من فتيان قريش جمالا وسخاء. وأما الغيداق فكان أكثر قريش

 

ج / 2 ص -374-       مالا وكان جوادا. وأما المقوم وجحل فولد لهما وانقطع العقب منهما. وأما عبد الكعبة فلم يدرك الإسلام ولم يعقب. وأما قثم فهلك صغيرا كما تقدم. وأما أم حكيم وهي البيضاء فكانت عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف فولدت له عامرا وبنات منهن أروى أم عثمان بن عفان وهي توأمة عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلاف في ذلك. وهي التي وضعت جفنة الطيب للمطيبين في حلقهم، وكانت تقول إني لحصان1 فما أكلم وصناع2 فما أعلم. وأما عاتكة فكانت عند أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ولدت له عبد الله له صحبة وزهيرا وقريبة مختلف في صحبتهما وهم إخوة أم سلمة لأبيها وهي صاحبة الرؤيا بمكة يوم بدر وقد تقدمت. وأما برة فكانت عند أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فولدت له أبا سبرة له صحبة شهد بدرا والمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلف عليها عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وقيل: بل كانت عنده قبل أبي رهم فولدت لعبد الأسد أبا سلمة عبد الله زوج أم سلمة صحابي مشهور توفي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة زوجه. وأما أميمة فكانت عند جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة فولدت له عبد الله المجدع في الله بدعائه المقتول يوم أحد شهيدا رضي الله عنه وأبا أحمد الشاعر الأعمى وعبيد الله أسلما أيضا وهاجروا إلى أرض الحبشة ثم تنصر هنالك عبيد الله. وزينب أم المؤمنين وحمنة وكانت عند مصعب بن عمير ثم خلف عليها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: عفيفة.
2 يقال امرأة صناع إذا كان لها صنعة تعملها بيديها وتكسب بها.

 

ج / 2 ص -375-       طلحة بن عبيد الله فولدت له محمدا وعمران وكانت تستحاض وكانت ممن خاض في حديث الإفك وجلد فيه إن صح أنهم جلدوا وتكنى حمنة هذه أم حبيبة عند قوم وعند الأكثرين أم حبيبة غيرها وكانت أم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف وكانت تستحاض. حديثها في صحيح مسلم وكان شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي رحمه الله يقول: هن زينب وحمنة وأم حبيب ويعد ماعدا ذلك وهما وقيده بخطه على صحيح مسلم في الفوائد التي كتبها على نسخته وقد علقت عنه هذه الفوائد. وأما أروى فمختلف في إسلامها كما تقدم. وحكاه أبو عمر عن الواقدي في خبر يسنده أن ابنها طليب بن عمير حملها على ذلك فوافقته وأسلمت وكانت بعد ذلك تعاضد النبي صلى الله عليه وسلم وتحض ابنها على نصرته. وقد رواه الحاكم وزعم أنه على شرط البخاري. وكانت تحت عمير بن وهب بن عبد الدار بن قصي فولدت له طليب بن عمير كان بدريا من فضلاء الصحابة وقتل بأجنادين شهيدا ولا عقب له ثم خلف عليها كلدة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي -وهو عند أبي عمر كلدة بن عبد مناف والصحيح الأول- فولدت له فاطمة. ورأيته في كتاب أبي عمر أروى وليس بشيء. فولدت فاطمة هذه زينب بنت أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم المذكور آنفا فولدت زينب كيسة بنت الحارث بن كريز بن ربيعة زوج مسيلمة بن حبيب الكذاب. ثم خلف على كيسة ابن عمها عبد الله بن عامر بن كريز ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعوذه وتفل في فيه فجعل يتسوغ ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام إنه لمسقى فكان له يعالج أرضا إلا ظهر له الماء وهو الذي عمل السقايات بعرفة وشق نهر البصرة، جمع له عثمان بين ولاية البصرة وفارس وهو ابن أربع وعشرين سنة وكان سخيا جوادا وفيه يقول زياد الأعجم:

أخ لك لا تراه الدهر إلا                       على العلات مبتسما جوادا

 

ج / 2 ص -376-                           أخ لك ما مودته بمذق1          إذا ما عاد فقر أخيه عادا

سألناه الجزيل فما تلكى                        وأعطى فوق منيتنا وزادا

وأحسن ثم أحسن ثم عدنا                     فأحسن ثم عدت له فعادا

مرارا ما رجعت إليه إلا                            تبسم ضاحكا وثنى الوسادا

وأما صفية فأسلمت وهاجرت وكانت عند الحارث بن حرب أخي أبي سفيان بن حرب فولدت له صيفي بن الحارث ثم خلف عليها العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي فولدت له الزبير والسائب صحابيين مشهورين وعبد الكعبة وأم حبيب تزوجها خالد بن جزام فولدت له أم حسين لا عقب لها. توفيت صفية رضي الله عنها سنة عشرين ودفنت بالبقيع ولها ثلاث وسبعون سنة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: صافية غير مدخولة.

ج / 2 ص -377-       ذكر فوائد تتعلق بهذا الفصل سوى ما تقدم:
جحل بتقديم الجيم على الحاء المهملة. وهو السقاء الضخم قال ابن دريد: واسمه مصعب وجحل لقب وغيره يقول: اسمه المغيرة كما سبق والجحل نوع من اليعاسيب عن صاحب العين وقال أبو حنيفة: كل شيء ضخم فهو جحل ذكره السهيلي وكان الدارقطني يقول: هو حجل بتقديم الحاء ويفسر بالخلخال أو القيد. وقثم قد ذكرنا أنه شقيق الحارث وكان ابن قدامة يقول: الحارث لا شقيق له والذي رواه ابن سعد يسنده عن ابن الكلبي أن قثم شقيق العباس وضرار. قال ابن سيدة: قثم الشيء يقثمه قثما جمعه ويقال: قثام أي أقثم مطرد عند سيبويه وموقوف عند أبي العباس وقثم له من العطاء قثما أكثر وقثم اسم رجل مشتق منه. وقثام من أسماء الضبع وقثم الذكر من الضباع وكلاهما معدول عن فاعل وفاعلة وقد تكرر هذا الاسم لابن عبد المطلب ولابن عباس. وكان قثم بن العباس واليا لعلي على مكة أردفه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له واستشهد بسمرقند. قال ابن عبد البر: وقال الزبير في الشعر الذي أوله:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته                     والبيت يعرفه والحل والحرم

أنه قاله بعض شعراء المدينة في قثم بن العباس، وزاد الزبير في الشعر بيتين أو ثلاثة منها قوله:

كم صارخ بك مكروب وصارخة                    يدعوك يا قثم الخيرات يا قثم

 

ج / 2 ص -378-       قال: ولا يصح في قثم بن العباس وذلك شعر آخر على عروضه وقافيته. وما قاله الزبير فغير صحيح ثم قال أبو عمر: وفي قثم بن العباس هذا يقول داود بن أسلم:

عتقت من حلي ومن رحلتي                   يا ناق إن بلغتني من قثم

إنك إن أدنيت منه غدا                            خالفني البؤس ومات العدم

في كفه بحر وفي وجهه                         بدر وفى العرنين1 منه شمم

أصم عن قيل الخنا سمعه                       وما عن الخير به من صمم

لم يدر ما لا وبلى قد درى                       فعافها واعتاض منها نعم

كذا قال أبو عمر وإنما الشعر في قثم بن العباس بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب كان واليا على اليمامة لأبي جعفر المنصور وكان داود بن أسلم من شعراء الدولة العباسية فأين هو من ذلك الزمان. وتقدم ذكر أبي سفيان بن الحارث وكان عليه السلام يقول: "أبو سفيان خير أهلي"، أو "من خير أهلي"، وفيه كان يقول عليه السلام: "كل الصيد في جوف الفرا". وقيل في أبي سفيان بن حرب: وكان أبو سفيان بن الحارث أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وابن عمه وكان فارسا مشهورا وشاعرا مطبوعا أنشد له أبو عمر:

لقد علمت قريش غير فخر                        بأنا نحن أجودهم حصانا

وأكثرهم دروعا سابغات                            وأمضاهم إذا طعنوا سنانا

وأدفعهم لدى الضراء عنهم                        وأبينهم إذا نطقوا لسانا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الآنف. والشمم ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه.

 

ج / 2 ص -379-       قال أبو عمرو كان أحد الخمسة المشبهين بالنبي صلى الله عليه وسلم وهم جعفر بن أبي طالب والحسن بن علي وقثم بن العباس وأبو سفيان بن الحارث والسائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. ولم يزد على ذلك وإلى السائب هذا ينسب الإمام الشافعي قال المؤلف: فقلت في ذلك شعرا:

بخمسة شبه المختار من مضر           يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن

بجعفر وابن عم المصطفى قثم            وسائب وأبي سفيان والحسن

قلت: وممن كان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم أيضا عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرا فقال هذا شبهنا. وروى أنه عليه السلام قال: إذا رآه يا بني عبد شمس هذا أشبه بنا منه بكم. وأبو لهب اسمه لبني كذا هو عند الجماعة وفسره السهيلي بشيء يتميع من بعض الشجر عن أبي حنيفة قال: ويقال لبعضه: الميعة. والذي ذكره أبو عمر في اسم أمه لبى على وزن فعلى من اللب على قياس قول ابن دريد في حبى من الحب وقال السهيلي: بنت هاجر بكسر الجيم1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية الأصل: بلغ مقابلة لله الحمد.

 

ج / 2 ص -381-       ذكر أزواجه وسراريه سلام الله عليه وعليهن:
روى عبد الملك بن محمد النيسابوري بسنده عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تزوجت شيئا من نسائي ولا زوجت شيئا من بناتي إلا بوحي جاءني به جبريل عن ربي عز وجل. فأول من تزوج صلى الله عليه وسلم خديجة وقد تقدم ذكرها. ثم سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بعد خديجة على الصحيح ومن الناس من يقول تزوج عائشة قبلها، وأصدق النبي صلى الله عليه وسلم سودة أربعمائة. وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أم عبد المطلب وكانت قبله عند السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخي سهل وسهيل وسليط وحاطب ولكلهم صحبة، وهاجر بها السكران إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ثم رجع بها إلى مكة فمات عنها فلما حلت تزوجها عليه السلام في السنة العاشرة من النبوة وقيل: في الثامنة وماتت بعده بالمدينة في آخر خلافة عمر بن الخطاب هذا هو المشهور في وفاتها وابن سعد يقول عن الواقدي توفيت سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية وكانت قد كبرت عنده فأراد طلاقها فوهبت يومها لعائشة فأمسكها وقيل: بل طلقها وراجعها والصحيح الأول قال الدمياطي: وقال أبو عمر: أسنت عند

 

ج / 2 ص -382-       النبي صلى الله عليه وسلم فهم بطلاقها فقالت: لا تطلقني وأنت في حل من شأني فإنما أريد أن أحشر في أزواجك وإني قد وهبت يومي لعائشة وإني لا أريد ما تريد النساء فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها.
ثم عائشة بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله اكتنت بابن أختها عبد الله بن الزبير بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بذلك وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر وقيل: بنت عمير بن عامر من بني دهمان بن الحارث. كانت تسمى لجبير بن مطعم فسلها أبو بكر منهم وزوجها النبي صلى الله عليه وسلم. روى أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت سبع سنين وبنى بي وأنا بنت تسع وقبض عني وأنا بنت ثمان عشرة. رويناه من طريق النسائي عن أبي كريب وأحمد بن حرب عن أبي معاوية. وتزوجها عليه السلام بمكة في شوال سنة عشر من النبوة. فلما هاجر إلى المدينة بعث زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة يأتيان بعياله سودة وأم كلثوم وفاطمة وأم أيمن وابنها أسامة وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر أم رومان وعائشة وأسماء فقدموا المدينة فأنزلهم في بيت لحارثة بن النعمان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبني مسجده فلما فرغ من بنائه بنى بيتا لعائشة وبيتا لسودة وأعرس بعائشة في شوال على رأس ثمانية أشهر من مهاجره وقيل: سبعة أشهر وقيل: ثمانية عشر.
وكان مقامه في بيت أبي أيوب إلى أن تحول إلى مساكنه سبعة أشهر وقبض عنها وهي بنت ثمان عشرة ومكثت عنده تسع سنين وخمسة أشهر ولم يتزوج بكرا غيرها يقال: إنها أتت من النبي صلى الله عليه وسلم بسقط ولا يثبت وكانت فضائلها جمة ومناقبها كثيرة قال عليه السلام:
"فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".

 

ج / 2 ص -383-       وقيل له: أي النساء1 أحب إليك؟ قال: "عائشة"، قيل: فمن الرجال؟ قال: "أبوها". ونزلت براءتها في القرآن وقبض عليه السلام ورأسه في حجرها ودفن في بيتها وقال أبو الضحى عن مسروق ورأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض. وقال عطاء بن أبي رباح كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة. وقال هشام بن عروة عن أبيه ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة. وقال الزهري: لو جمع علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل. وفيها يقول حسان يمدحها ويعتذر إليها:

حصان رزان2 ما تزن بريبة                     وتصبح غرثى من لحوم الغوافل3

عقيلة4 أصل من لؤي بن غالب              كرام المساعي مجدهم غير زائل

مهذبة قد طيب الله خيمها                    وطهرها من كل بغي وباطل

فإن كان ما قد قيل عني قلته                فلا رفعت سوطي إلي أناملي

وكيف وودي ما حييت ونصرتي                لآل رسول الله زين المحافل

توفيت سنة ست وقيل: سنة سبع وقيل: سنة ثمان وخمسين وصلى عليها أبو هريرة ودفنت بالبقيع ليلا. ونزل في قبرها القاسم بن محمد وابن عمه عبد الله بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة "أي الناس" وهو غلط.
2 أي: عفيفة رزينة.
3 الغرث الجوع وهو إستعارة عن كتفها عن الغيبة.
4 أي: كريمة. بكسر الخاء أي طبيعتها وسجيتها.

 

ج / 2 ص -384-       عبد الرحمن وعبد الله بن أبي عتيق وعبد الله وعروة ابنا الزبير وقد قاربت سبعا وستين سنة ومولدها سنة أربع من النبوة.
تم حفصة بنت عمر بن الخطاب وأمها قدامة بنت مظعون وهي شقيقة عبد الله بن عمر وأسن منه. مولدها قبل النبوة بخمس سنين كانت تحت خنيس بن حذافة السهمي فتوفي عنها من جراحات أصابته ببدر وقيل: بأحد والأول أشهر. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من مهاجره على القول الأول أو بعد أحد على الثاني. وكان عمر قد عرضها على أبي بكر قبل أن يتزوجها عليه السلام فلم يرجع إليه أبو بكر كلمة فغضب من ذلك ثم عرضها على عثمان حين ماتت رقية فقال ما أريد أن أتزوج اليوم فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه عثمان وأخبره بعرض حفصة عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تتزوج حفصة خيرا من عثمان ويتزوج عثمان خيرا من حفصة"، ثم تزوج عليه السلام حفصة وزوج ابنته أم كلثوم عثمان وطلق عليه السلام حفصة تطليقة ثم راجعها وذلك أن جبريل نزل عليه، فقال له: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة ومن حديث عقبة بن عامر قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة فبلغ ذلك عمر فحثا1 على رأسه التراب وقال ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم من الغد وقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر ثم أراد أن يطلقها ثانية فقال له جبريل: لا تطلقها فإنها صوامة قوامة؛ الحديث. توفيت في شعبان سنة خمس وأربعين بالمدينة وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة وحمل سريرها بعض الطريق ثم حمله أبو هريرة إلى قبرها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: رمى.

 

ج / 2 ص -385-       ونزل في قبرها عبد الله وعاصم ابنا عمر وسالم وعبد الله وحمزة بنو عبد الله بن عمر وقد بلغت ثلاثا وستين سنة وقيل: ماتت سنة إحدى وأربعين وأوصت إلى عبد الله أخيها بما أوصى إليها عمر وبصدقة تصدقت بها بمال وقفته بالغابة.
ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان كانت تدعى أم المساكين لرأفتها بهم كانت عند الطفيل بن الحارث فطلقها فتزوجها أخوه عبيدة فقتل يوم بدر شهيدا كما سبق فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة ومكثت عنده ثمانية أشهر وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر على رأس تسعة وثلاثين شهرا من الهجرة وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنها بالبقيع وقد بلغت ثلاثين سنة أو نحوها. ولم يمت من أزواجه في حياته إلا هي وخديجة وفي ريحانة خلاف وقال أبو عمر: كانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند عبد الله بن جحش حكاه عن ابن شهاب قال: وقتل عنها يوم أحد فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث ولم تلبث عنده إلا يسيرا شهرين أو ثلاثة. وحكي عن علي بن عبد العزيز الجرجاني أنها كانت أخت ميمونة لأمها قال: ولم أر ذلك لغيره ولما خطبها عليه السلام جعلت أمرها إليه فتزوجها وأشهدوا صداقها اثنتي عشرة أوقية ونشا1 وأرادت أن تعتق جارية لها سوداء فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا تفدين بها بني أخيك أو أختك من رعاية الغنم".
ثم أم سلمة واسمها هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح النون وتشديد الشين وهو عشرون درهمًا.

 

ج / 2 ص -386-       وكانت قبله عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد وهما أول من هاجر إلى أرض الحبشة ولدت له برة سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب وسلمة وعمر ودرة شهد أبو سلمة بدرا وأحدا ورمى بها بسهم في عضده فمكث شهرا يداويه ثم برأ الجرح وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجره وبعث معه مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار إلى قطن وهو جبل بناحية فيد فغاب تسعا وعشرين ليلة ثم رجع إلى المدينة فانتفض جرحه فمات منه لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة أربع فاعتدت أم سلمة وحلت لعشر بقين من شوال سنة أربع فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال بقين من شوال المذكور وأبو عمر يقول: تزوجها في شوال سنة اثنتين وليس بشيء لأنه قال في وفاة أبي سلمة: أنها في جمادى الآخرة سنة ثلاث وهو لم يتزوجها إلا بعد انقضاء عدتها من أبي سلمة بالوفاة وقال لها: "إن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي وإن شئت ثلثت ودُرْت" فقالت: بل ثلث. وخطبها عليه السلام فقالت: إني مسنة، وذات أيتام، وشديدة الغيرة فقال: "أنا أسن منك، وعيالك عيال الله ورسوله، وأدعو الله لك فيذهب عنك الغيرة"، فدعا لها فكان كذلك. توفيت في خلافة يزيد بن معاوية سنة ستين على الصحيح. وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة بن فراس وقد قيل في اسم أم سلمة رملة وليس بشيء.
ثم زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وكان اسمها برة فسماها زينب. أمها أميمة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت قبله عند زيد بن حارثة مولاه ثم طلقها فلما حلت زوجه الله إياها من السماء سنة أربع وقيل: سنة ثلاث وقيل: سنة خمس وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة وأولم عليها وأطعم المسلمين خبزا ولحما وفيها نزل الحجاب

 

ج / 2 ص -387-       وهي التي قال الله في حقها: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} ولما تزوجها تكلم في ذلك المنافقون وقالوا: حرم محمد نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} الآية وقال: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} فدعى زيد بن حارثة وكان يدعى زيد بن محمد وكانت تفخر على نسائه عليه السلام تقول: آباؤكن أنكحوكن وأن الله تعالى أنكحني إياه من فوق سبع سموات وغضب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولها لصفية بنت حيى تلك اليهودية فهجرها لذلك ذا الحجة والمحرم وبعض صفر ثم أتاها وكانت كثيرة الصدقة والإيثار وهي أول نسائه لحوقا به توفيت سنة عشرين أو إحدى وعشرين وكانت عائشة تقول: هي التي تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة. وقال عليه السلام لعمر بن الخطاب في حقها: "إنها لأواهة" قال رجل: أي رسول الله وما الأواه قال: "الخاشع المتضرع، و: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}".
ثم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك بن جذيمة وهو المصطلق بن سعيد بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء سباها يوم المريسيع في غزوة بني المصطلق. وقد تقدم ذكرها وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس كاتبها على تسع أواقي فأدى عليه السلام عنها كتابتها وتزوجها وقال الشعبي: كانت جويرية من ملك اليمين فأعتقها عليه السلام وتزوجها وقال الحسن: منّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على جويرية وتزوجها وقيل: جاء أبوها فافتداها ثم أنكحها رسول الله بعد ذلك. وكان اسمها برة فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماها جويرية. وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

ج / 2 ص -388-       عند مسافع بن صفوان المصطلقي. وكانت جميلة قالت عائشة: كانت جويرية عليها ملاحة وحلاوة لا يكاد يراها أحد إلا وقعت بنفسه وعندما تزوجها عليه السلام قال الناس: صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم من سبايا بني المصطلق قالت عائشة: فلم نعلم امرأة كانت أكثر بركة على قومها منها. توفيت بالمدينة في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو أمير المدينة وقد بلغت سبعين سنة لأنه تزوجها وهي بنت عشرين سنة. وقيل توفيت سنة خمسين وهي بنت خمس وستين سنة ولأبيها الحارث بن أبي ضرار صحبة وكان قد قدم في فداء ابنته جويرية بأباعر فاستحسن منها بعيرين فغيبهما بالعقيق في شعب ولم يعترف بهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم عنهما فقال: والله لم يطلع على ذلك أحد أشهد أنك رسول الله وأسلم. ذكره ابن إسحاق والواقدي.
ثم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة بن شمعون بن زيد من بني النضير وبعضهم يقول من بني قريظة وكانت متزوجة فيهم رجلا يقال له: الحكم وكانت جميلة وسيمة وقعت في سبي بني قريظة فكانت صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخيرها بين الإسلام ودينها فاختارت الإسلام فأعتقها وتزوجها وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا وأعرس بها في المحرم سنة ست في بيت سلمى بنت قيس النجارية بعد أن حاضت حيضة وضرب عليها الحجاب فغارت عليه غيرة شديدة فطلقها تطليقة فأكثرت البكاء فدخل عليها وهي على تلك الحال فراجعها. ولم تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع سنة عشر. وقيل كانت موطوءة له بملك اليمين والأول أثبت عند الواقدي وأما أبو عمر فقال: ريحانة سرية النبي صلى الله عليه وسلم. لم يزد على ذلك ووالدها شمعون يأتي ذكره في موالي النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ج / 2 ص -389-       ثم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموية. أمها صفية بنت أبي العاص بن أمية عمة عثمان بن عفان هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية فولدت له حبيبة وبها كانت تكنى وتنصر عبيد الله هناك وثبتت هي على الإسلام وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فزوجه إياها والذي عقد عليها خالد بن سعيد بن العاص وأصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار على خلاف محكي في الصداق والعاقد من كان وبعثها مع شرحبيل بن حسنة وجهزها من عنده كل ذلك في سنة سبع. وقد قيل في اسمها هند وزوجها من النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان وكان الصداق مائتي دينار وقيل أربعة آلاف درهم وقد عقد عليها النجاشي وكان قد أسلم وقيل: إنما تزوجها عليه السلام بالمدينة مرجعها من الحبشة والأول أثبت في ذلك كله وكان أبو سفيان في حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: إن محمدا قد نكح ابنتك فقال: هو الفحل لا يقدع أنفه وكان أبو عبيدة يقول: تزوجها عليه السلام سنة ست وليس بشيء وقد وقع في الصحيح1 قول أبي سفيان يوم الفتح للنبي صلى الله عليه وسلم أسألك ثلاثا فذكر منهن أن تتزوج يا رسول الله أم حبيبة يعني ابنته فأجابه عليه السلام لما سأل. وهذا مخالف لما اتفق عليه أرباب السير والعلم بالخبر وقد أجاب عنه الحافظ المنذري جوابا يتساوك2 هزلا فقال: يكون أبو سفيان ظن أن بما حصل له من الإسلام تجددت له عليها ولاية فأراد تجديد العقد يوم ذلك لا غير. توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين وبعد موتها استلحق معاوية زيادا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي صحيح مسلم. قال العز بن جماعة في سيرته: وقد عد هذا من أوهام مسلم.
2 التساوك: السير الضعيف.

 

ج / 2 ص -390-       وقال قبله: والأول أشبه تحرجا من دخوله عليها وكان الذي جسره على استلحاقه إياه الأبيات التي لأبي سفيان يخاطب بها عليا:

أما والله لولا خوف واش                           يراني يا علي من الأعادي

لأظهر أمره1 صخر بن حرب                       وإن تكن2 المقالة عن زيادِ

فقد طالت مجاملتي ثقيفا                       وتركي فيهم ثمر الفؤادِ3

ثم صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران عليه السلام كان أبوها سيد بني النضير فقتل مع بني قريظة. وأمها برة بنت شموال أخت رفاعة بن شموال القرظي وكانت عند سلام بن مشكم. ثم خلف عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق الشاعر النضري فقتل عنها يوم خيبر ولم تلد لأحد منهما شيئا فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها. وبعض العلماء يعد ذلك من خصائصه عليه السلام. وكانت جميلة لم تبلغ سبع عشرة سنة. روى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية بنت حيي بسبعة أرؤس وخالفه عبد العزيز بن صهيب وغيره عن أنس فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جمع سبي خيبر جاءه دحية الكلبي فقال: أعطني جارية من السبي فقال: "اذهب فخذ جارية"، فأخذ صفية بنت حيي فقيل: يا رسول الله إنها سيدة قريظة والنضير وإنها لا تصلح إلا لك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في النسخة الظاهرية "شره".
2 في نسخة "ولم يكن".
3 في هامش الأصل: بلغ مقابلة لله الحمد.

 

ج / 2 ص -391-       "خذ جارية من السبي غيرها". وقال ابن شهاب: كانت مما أفاء الله عليه فحجبها وأولم عليها بتمر وسويق وقسم لها ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على صفية وهي تبكي فقال لها: "ما يبكيك"، قالت: بلغني أن عائشة وحفصة تنالان مني وتقولان: نحن خير من صفية نحن بنات عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، قال: "أفلا قلت لهن كيف تكن خيرا مني وأبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم؟"، وكانت صفية حليمة عاقلة فاضلة، قال أبو عمر: روينا أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن صفية تحب السبت وتصل اليهود فبعث إليها عمر فسألها، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به يوم الجمعة وأما اليهود فإن لي فيهم رحما فأنا أصلها ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت قالت: الشيطان قالت: اذهبي فأنت حرة وكانت صفية قد رأت قبل ذلك أن قمرا وقع في حجرها فذكرت ذلك لأبيها فضرب وجهها ضربة أثرت فيه وقال إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب فلم يزل الأثر بها حتى أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فأخبرته الخبر. وماتت صفية سنة خمسين في رمضان وقيل: سنة اثنتين وخمسين. ودفنت بالبقيع وورثت مائة ألف درهم بقيمة أرض وعرض وأوصت لابن أختها بالثلث وكان يهوديا. ثم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة وكان اسمها برة فسماها ميمونة زوجه إياها العباس عمه وكانت خالة ابن عباس وهي أخت لبابة الكبرى أم بني العباس ولبابة الصغرى أم خالد بن الوليد وعصماء وعزة وأم حفيد هزيلة لأب وأم وأخواتهن لأمهن أسماء وسلمى وسلامة بنات عميس. وزاد بعضهم زينب بنت خزيمة وأمهن هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة الحميرية وكانت ميمونة في الجاهلية عند مسعود بن عمرو بن عمير الثقفي ففارقها وخلف عليها أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس

 

ج / 2 ص -392-       ابن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فتوفي عنها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة سبع وفيها اعتمر عمرة القضية في ذي القعدة وقد اختلفت الرواية هل تزوجها عليه السلام وهو محرم أو وهو حلال فلما قدم مكة أقام بها عليه السلام ثلاثا فجاءه سهيل بن عمرو في نفر من أصحابه من أهل مكة فقال يا محمد: اخرج عنا اليوم آخر شرطك فقال: "دعوني أبتني بامرأتي وأصنع لكم طعاما"، فقال: لا حاجة لنا بك ولا بطعامك اخرج عنا، فقال سعد: يا عاضَّ بظر أمه أرضك وأرض أمك دونه لا يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يشاء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهم فإنهم زارونا لا نؤذيهم"، فخرج فبنى بها بسرف حيث تزوج بها وهنالك ماتت في حياة عائشة سنة إحدى وخمسين وقد بلغت ثمانين سنة وقد قيل في وفاتها غير ذلك وهي آخر من تزوج عليه السلام وقال ابن شهاب: هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. وقال السهيلي: لما جاءها الخاطب وكانت على بعير رمت بنفسها من على البعير وقالت: البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهؤلاء نساؤه المدخول بهن اثنتا عشرة امرأة منهن ريحانة وقد ذكرنا الخلاف فيها ومات عليه السلام عن تسع منهن.
قال الحافظ أبو محمد الدمياطي: وأما من لم يدخل بها ومن وهبت نفسها له ومن خطبها ولم يتفق تزويجها فثلاثون امرأة على اختلاف في بعضهن والله أعلم.
قال المؤلف ولنذكر من تيسر لنا ذكره منهن فمنهن أسماء بنت الصلت السلمية وأسماء بنت النعمان بن الجون بن شراحيل. وقيل: بنت النعمان بن الأسود بن حارثة بن شراحيل من كندة. وأسماء بنت كعب الجونية ذكرها ابن إسحاق من رواية

 

ج / 2 ص -393-       يونس بن بكير عنه ولا أراها والتي قبلها إلا واحدة. وجمرة بنت الحارث الغطفاني خطبها عليه السلام لأبيها فقال: إن بها سوءا ولم يكن فرجع فوجدها قد برصت. وأميمة بنت شراحيل لها ذكر في صحيح البخاري. وحبيبة بنت سهل الأنصارية التي اختلعت من ثابت بن قيس كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتزوجها ثم تركها فتزوجها ثابت قاله ابن الأثير. وخولة بنت الهذيل بن هبيرة بن قبيصة بن الحارث بن حبيب التغلبية ذكرها أبو عمر عن الجرجاني. وخولة أو خويلة بنت حكيم السلمية كانت امرأة صالحة فاضلة تكنى أم شريك قيل: هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وقد يكونا اثنتين فالله أعلم. وسنا بنت الصلت وهي عند أبي عمر بنت أسماء بنت الصلت وقيل: أسماء أخ لها وقيل: تزوجها ثم طلقها وقيل: ماتت قبل أن تصل إليه وقيل: لما علمت أنه تزوجها عليه السلام ماتت من الفرح. وسودة القرشية كانت مصبية خطبها عليه السلام فاعتذرت ببنيها وكانوا خمسة أو ستة فقال لها خيرا. وشراف بنت خليفة أخت دحية الكلبي تزوجها فهلكت قبل دخوله بها. وصفية بنت بشامة بن نضلة أخت الأعور بن بشامة أصابها سباء فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن شئت أنا وإن شئت زوجك؟"، قالت: زوجي فأرسلها إليه فلعنتها بنو تميم. والعالية بنت ظبيان بن عمر بن عوف بن عبد بن أبي بكر بن كلاب تزوجها عليه السلام وكانت عنده ما شاء الله ثم طلقها قاله أبو عمر وقال: قل من ذكرها. وعمرة بنت يزيد بن الجون الكلابية تزوجها فبلغه أن بها برصا فطلقها ولم يدخل بها وقيل: هي التي تعوذت منه فقال لها: "لقد عذت بمعاذ"، فطلقها وأمر أسامة فمتعها بثلاثة أثواب. وعمرة بنت معاوية الكندية ذكرها ابن الأثير. وأم شريك العامرية قال ابن عبد البر اسمها غزية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رفاعة بن حجر ويقال: حجير بن عبد

 

ج / 2 ص -394-       ابن معيص بن عامر بن لؤي يقال: هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل ذلك في جماعة سواها. أم شريك بنت جابر الغفارية ذكرها أحمد بن صالح في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. فاخته بنت أبي طالب بن عبد المطلب خطبها عليه السلام لأبيها عمه أبي طالب وخطبها هبيرة بن أبي وهب فزوجها أبو طالب من هبيرة. فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي تزوجها وخيرها حين نزلت آية التخيير فاختارت الدنيا ففارقها فكانت بعد ذلك تلفظ البعر وتقول: أنا الشقية اخترت الدنيا. حكاه أبو عمر ورده وقيل: التي تقول أنا الشقية هي المستعيذة منه وقيل: غير ذلك. فاطمة بنت شريح قال ابن الأمين ذكرها أبو عبيدة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. قتيلة بنت قيس بن معدي كرب أخت الأشعث تزوجها قبل موته بيسير ولم تكن قدمت عليه ولا رآها قيل: وأوصى أن تخير فإن شاءت ضرب عليها الحجاب وحرمت على المؤمنين وإن شاءت طلقت ونكحت من شاءت فاختارت النكاح فتزوجها بعد عكرمة بن أبي جهل. وليلى بنت الخطيم أخت قيس الأنصارية عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم فتزوجها ثم رجعت فقالت: أقلني فقال: "قد فعلت". مليكة بنت داود ذكرها ابن حبيب. مليكة بنت كعب الليثي تزوجها وقيل: دخل بها وقيل: لم يدخل بها. هند بنت يزيد بن البرصاء من بني أبي بكر بن كلاب. ذكرها أبو عبيدة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقال أحمد بن صالح هي عمرة بنت يزيد قال أبو عمر فيه نظر لأن الاضطراب فيه كثير جدا.
وأما سراريه فكن أربعة مارية بنت شمعون القبطية أم ولده إبراهيم وكانت من جفنى من كورة أنصنا من صعيد مصر أهداها إليه المقوقس ومعها أختها سيرين وألف مثقال وعشرون ثوبا من قباطي مصر والبغلة الشهباء دلدل وحمار أشهب يقال له: يعفور أو عفير وخصي يسمى مابور وقيل: إنه ابن عمها ومن عسل بنها1 فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم العسل ودعا في عسل بنها بالبركة فولدت له عليه السلام مارية إبراهيم. وقد تقدم ذكره. وريحانة بنت يزيد النضرية وقد سبق ذكرها. وقال أبو عبيدة: كان له أربع مارية وريحانة وأخرى جميلة أصلبها في السبي وجارية وهبتها له زينب بنت جحش. وقال قتادة: كان للنبي صلى الله عليه وسلم وليدتان مارية وريحانة وبعضهم يقول: ربيحة القرظية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قرية في مصر على النيل.

 

ج / 2 ص -395-       ذكر خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنس بن مالك الأنصاري وهند وأسماء ابنا حارثة الأسلميان. وربيعة بن كعب الأسلمي. وكان عبد الله بن مسعود صاحب نعليه كان إذا قام ألبسه إياهما وإذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم. وكان عقبة بن عامر الجهني صاحب بغلته يقود به في الأسفار. وأسلع بن شريك صاحب راحلته. وبلال بن رباح المؤذن. وسعد مولى أبي بكر الصديق. وأبو الخمراء قيل: اسمه هلال بن الحارث وقيل: هلال بن ظفر حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمر ببيت علي وفاطمة فيقول: السلام عليكم أهل البيت؛
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وذو مخمر ابن أخي النجاشي ويقال: ابن أخته ويقال: ذو مخبر. وبكير بن شداخ الليثي. ويقال: بكر وأبو ذر الغفاري ورزينة امرأة حديثها عن النبي صلى الله عليه

 

ج / 2 ص -396-       وسلم في فضل يوم عاشوراء عند أهل البصرة. وأربد كذا وجدته فيهم غير منسوب وقد ذكر إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق فيمن هاجر إلى المدينة أربد بن حمير فلا أدري أهو هو أم لا والأسود بن مالك الأسدي اليماني وأخوه الحدرجان بن مالك وجزء بن الحدرجان ذكرهم ابن مندة وثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاري له حديث حسن طويل من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر قال: كان فتى من الأنصار يحف برسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثه أنه مر بباب رجل من الأنصار فاطلع فيه فوجد امرأة الأنصاري تغتسل فكرر النظر، وذكر باقي الحديث بطوله في سبب توبته. ذكره أبو محمد الرشاطي وقال أغفله أبو عمر ولم ينبه عليه ابن فتحون وقد رأيت عن أبي حاتم البستي قال في ثعلبة هذا مات خوفا من الله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو إشارة إلى هذا الحديث. وسالم خادمه عليه السلام وبعضهم يقول مولاه ومنهم من يقول أبو سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر بعضهم سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: هو سالم المذكور. وسابق ذكره أبو عمر وقال وقد روى عنه حديث واحد من حديث الكوفيين اختلف فيه على شعبة ومسعر والصحيح فيه عنهما ما رواه هشيم وغيره عن أبي سفيان عن سابق بن ناجية عن أبي سلام خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا يصح سابق في الصحابة والله أعلم. والحديث الذي أشار إليه عن أبي سلام خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يقول حين يمسي وحين يصبح ثلاث مرات رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا إلا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة"، قال أبو عمر ومن قال في أبي سلام هذا أبو سلامة فقد أخطأ. هو أبو سلام الهاشمي ذكره في الصحابة وفى خدم النبي صلى الله عليه وسلم خليفة بن خياط. وصفية خدمت النبي

 

ج / 2 ص -397-       صلى الله عليه وسلم روت عنها أمة الله بنت رزينة في الكسوف مرفوعا قاله ابن عبد البر. ومهاجر مولى أم سلمة روى أبو عمر من حديثه قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس سنين لم يقل لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟ ونعيم بن ربيعة بن كعب ذكر عن ابن مندة. وأبو نعيم وأبو عبيدة قال أبو عمر قيل خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: مولاه لا أقف له على اسم. ومن النساء سوى ما تقدم: أمة الله بنت رزينة وقد تقدم ذكر أمها. وخولة جدة حفص بن سعيد ذكرها أو عمر وقال لها حديث في تفسير قوله تعالى: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. ليس إسناده مما يحتج به. ومارية جدة المثنى بن صالح لها حديث عند الكوفيين. ومارية أم الرباب لها حديث عند البصريين ذكرهما أبو عمر وذكر حديثيهما، وقال في الثانية لا أدري أهي التي قبلها أم لا.

ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وابنه أسامة بن زيد وأخوه لأمه أيمن ابن عبيد بن أم أيمن، استشهد أيمن يوم حنين وكان على مطهرة النبي صلى الله عليه وسلم. وأسلم بن عبيد. وأبو رافع واسمه أسلم وقيل: إبراهيم وقيل: هرمز وكان للعباس بن عبد المطلب وقيل: كان لسعيد بن العاص أبي أحيحة. وأبو رافع أيضا والد البهي بن أبي رافع وقيل: كان اسمه رافعا كان لأبي أحيحة سعيد بن العاص فمات فورثه بنوه فعتق بعضهم وبعضهم وهب نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأول عند ابن أبي خيثمة والبخاري ومصعب الزبيري

 

ج / 2 ص -398-       ومنهم من يقول هما اثنان. وأبو أثيلة رأيته بخط شيخنا الحافظ أبي محمد الدمياطي ولم يسمه ولم ألق له ذكرا أكثر من أن أبا عمر قال في الصحابة أبو أثيلة قيل اسمه راشد حجازي له صحبة. وكذلك قال أبو أحمد الحاكم وكناه أبا أثيلة مصغرا. وأبو كبشة واسمه سليم شهد بدرا. وأنسة يكنى أبا مشرح. وثوبان ويكنى أبا عبد الله. وشقران واسمه صالح، ورباح أسود كان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، ويسار نوبي، وفضالة وأبو السمح قيل: اسمه إياد ضل فلا يدري أين مات، و أبو مويهبة، ورافع وكان لسعيد بن العاص. وأفلح ومابور ومدعم أسود وهبه له رفاعة بن زيد الجذامي، وكركرة كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم. وزيد جد بلال بن يسار بن زيد. وعبيد وطهمان وكيسان وذكوان ومروان وواقد وأبو واقد وسندر وهشام وحنين وسعيد وأبو عسيب واسمه أحمر وأبو لبابة وأبو لقيط وسفينة واسمه مهران بن فروخ مولى أم سلمة. وأبو عبيد وسعد وضميرة بن أبي ضميرة جد الحسين بن عبد الله بن ضميرة. وأبو هند وأبو بكرة نفيع وأخوه نافع وأبو كندير سعيد وسلمان الفارسي وسالم وسابق. وقد تقدم في الخدم ذكر شيء من ذلك. وعبيد الله بن أسلم ونبيه وهشام ووردان وأنجشة وكان حاديا وهو الذي قال له: رفقا بالقوارير. وباذام ذكره النووي عن أبي موسى ونقل له حديثا. وحاتم ذكره ابن الأثير عن أبي موسى. وزيد بن بولا ودوس ورفيع وأبو ريحانة شمعون وتقدم ذكر ريحانة هذه. وعبيد بن عبد الغفار وغيلان وقفيز غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره عبد الغني بن سعيد والدارقطني في المؤتلف والمختلف من طريق أنس بن مالك. وكريب ومحمد بن عبد الرحمن. ومحمد غير منسوب ومكحول وذكر أنه عليه السلام وهبه أخته من الرضاعة الشيماء، ونبيل وهرمز وأبو البشير وأبو صفية وكان يسبح بالنوى. ومن النساء أم أيمن الحبشية واسمها

 

ج / 2 ص -399-       بركة، وسلمى أم رافع، ومارية وريحانة وربيحة. وقد تقدم ذكرهن، وخضرة ورضوى وميمونة بنت سعد وميمونة بنت أبي عسيب، وأم ضميرة وأم عياش وأميمة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها جبير بن نفير قاله أبو عمر وقيسر القبطية أهداها له المقوقس مع مارية وسيرين قيل: إنه عليه السلام وهبها لأبي جهم بن حذيفة وقيل: وهبها لجهم بن قيس العبدي وذكر ابن يونس أن زكرياء بن الجهم بن قيس لقيسر أخت مارية هذه وأما سيرين فوهبها لحسان بن ثابت فولده عبد الرحمن منها. وقد ذكرنا في هذا الفصل ميمونة بنت سعد وميمونة بنت أبي عسيب ذكرهما أبو عمر. وذكر معهما ميمونة ثالثة وقال في كل منهن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينسب الثالثة غير أنه فرق بينهن بروايتهن. وذكر لكل واحدة حديثا غير الآخر.