عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 2 ص -420-
ذكر خاتم النبوة:
عن جابر بن
سمرة قال: رأيت للنبي صلى الله عليه وسلم عند
كتفيه مثل بيضة الحمامة تشبه جسده وفي لفظ مثل
بيضة الحمامة. وقد روي عن أبي رمثة أنه شعر
مجتمع عند كتفيه. وروي عنه أيضا أنه مثل بيض
الحمامة وأنه قال: يا رسول الله ألا أداويك
منها فقال:
"يداويها الذي وضعها". وروي عنه أيضا قال: مثل التفاحة وعن سلمان الفارسي أنه قال: كان
مثل بيضة الحمامة بين كتفيه وقيل: على نغض
كتفه الأيسر وقيل: كانت بضعة لحم كلون بدنه
وقيل: كانت كزر الحجلة وقيل: كانت ثلاث شعرات
مجتمعات وقيل: كانت شامة خضراء محتفرة في
اللحم وقال عبد الله بن سرجس رأيت خاتم النبوة
جمعا عليه خيلان كأنها الثآليل عند ناغض وروي
عند غضروف كتفه اليسرى وفي رواية سود رواه
مسلم وقيل: مثل البندقة وقيل: كأثر المحجم
وقيل: كركبة العنز أسنده أبو عمر عن عباد بن
عمرو وقيل: نور عن ابن عائذ في مغازيه بسنده
إلى شداد بن أوس فذكر حديث الرضاع وشق الصدر.
وفيه وأقبل الثالث يعني الملك وفى يديه خاتم
له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه ووجد برده
زمانا وقيل: ولد وهو به. وذكر الواقدي عن
شيوخه قالوا: لما شكوا في موت النبي صلى الله
عليه وسلم وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنه قد
توفي وقد رفع الخاتم من بين كتفيه. فهذا الذي
عرف به موته عليه السلام.
ج / 2 ص -421-
ذكر جمل من أخلاقه عليه أفضل الصلاة والسلام:
قال الله تعالى:
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن يعني التأدب بآدابه والتخلق
بمحاسنه والالتزام لأوامره وزواجره وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وقال أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وكان عليه
السلام أرجح الناس حلما. وروي أنه لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد
شق ذلك على أصحابه وقالوا: لو دعوت عليهم فقال:
"إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة اللهم اهد قومي فإنهم لا
يعلمون". وكان
صلى الله عليه وسلم أعظم الناس عفوا لا ينتقم لنفسه. ولما تصدى له غورث
بن الحارث ليقتله والسيف بيده وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من
يمنعك مني؟ قال له: "الله"
فسقط السيف من يده فقال له عليه السلام وقد أخذ السيف:
"من يمنعك مني؟"
فقال: كن خير آخذ، فتركه وعفا عنه فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند
خير الناس. وعفا عليه السلام عن اليهودية التي سمته في الشاة بعد
اعترافها على الصحيح، ولم يؤاخذ لبيد بن الأعصم إذ سحره ولا عبد الله
بن أبي وأشباهه من المنافقين بعظيم ما نقل عنهم قولا وفعلا. وكان صلى
الله عليه وسلم أسخى الناس كفا ما سئل شيئا فقال: لا. وأعطى صفوان بن
أمية غنما ملأت واديا بين جبلين فقال: أرى محمدا يعطي عطاء من لا يخشى
الفقر. ورد على هوازن سباياهم وكانت ستة آلاف وأعطى العباس من الذهب ما
لم يطق حمله. وحملت إليه تسعون ألف
ج / 2 ص -422-
درهم
فوضعت على حصير ثم قام إليها يقسمها فما رد سائلا حتى فرغ منها. وذكر
عن معوذ بن عفراء قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب يعني
طبقا واجر زغب يريد قثاء فأعطاني ملء كفه حليا وذهبا. وروينا عن
الشافعي فثنا الحسين بن عبد الله القطان بالرقة فثنا عمر بن حفص فثنا
أبو عبد الصمد العمي فثنا أبو عمراني الجوني عن عبد الله بن الصامت عن
أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا طبخت فأكثر المرق واقسم في أهلك وجيرانك". رواه مسلم عن أبي كامل وإسحاق بن إبراهيم عن عبد العزيز بن عبد
الصمد عن أبي عمران به. وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس سئل البراء
أفررتم يوم حنين قال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر. وفيه
فما رئي يومئذ أحد كان أشد منه. وقال ابن عمر ما رأيت أشجع ولا أنجد
ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أنس كان النبي
صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس لقد فزع أهل
المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عرى
والسيف في عنقه وهو يقول: لن تراعو. وقال عمران بن حصين ما لقي النبي
صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب. وقال علي بن أبي طالب
كنا إذا حمى أو اشتد اليأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله
عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ولقد رأيتني يوم بدر ونحن
نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد
الناس يومئذ بأسا وقيل: كان الشجاع هو الذي يقرب منه صلى الله عليه
وسلم بقربه من العدو وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء وأكثرهم
عن العورات إغضاء قال الله تعالى:
{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ
وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}. وعن أبي سعيد
ج / 2 ص -423-
الخدري
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استحياء من العذراء في خدرها وكان
إذا كره شيئا عرفناه في وجهه؛ الحديث. وعن عائشة كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال فلان يقول كذا
ولكن يقول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا. ينهى عنه ولا يسمي
فاعله. وعن أنس في حديث أنه عليه السلام كان لا يواجه أحدا بما يكره.
وعن عائشة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا
بالأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة. ولكن يعفو ويصفح. وعنها ما رأيت فرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم قط. وروي عنه أنه كان من حيائه لا يثبت
بصره في وجه أحد وأنه كان يكني عن ما اضطره الكلام إليه مما يكره. وكان
صلى الله عليه وسلم أوسع الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وألينهم عريكة
وأكرمهم عشرة، هذا من كلام علي في صفته. وعن قيس بن سعد قال: زارنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارا وطأ
عليه بقطيفة1 فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال سعد: يا قيس
اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قيس: فقال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
"اركب"
فأبيت فقال:
"إما أن تركب وإما أن تنصرف فانصرفت"، وفي رواية
"اركب أمامي فصاحب الدابة أحق بمقدمها".
وعن عائشة في حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما دعاه أحد من أصحابه
ولا أهل بيته إلا قال: لبيك. وقال جرير: ما حجبني رسول الله صلى الله
عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم. وكان صلى الله عليه وسلم يمازح
أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره ويجيب دعوة
الحر والعبد والأمة والمسكين ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر
المعتذر، قال أنس: ما التقم أحد أذن النبي صلى الله عليه وسلم فينحي
رأسه حتى يكون الرجل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي كساء له خمل.
ج / 2 ص -424-
هو
الذي ينحي رأسه، وما أخذه بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخذ. ولم ير
مقدما ركبتيه بين يدي جليس له، وكان يبدأ من لقيه بالسلام ويبدأ أصحابه
بالمصافحة، لم ير قط مادًّا رجليه بين أصحابه حتى يضيق بهما على أحد
يكرم من يدخل عليه وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته ويعزم
عليه في الجلوس عليها إن أبى ويكني أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة
لهم، ولا يقطع على أحد حديثه وروى أنه كان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي
إلا خفف صلاته وسأله عن حاجته فإذا فرغ عاد إلى صلاته، وكان أكثر الناس
تبسما وأطيبهم نفسا ما لم ينزل عليه قرآن أو يعظ أو يخطب، قال عبد الله
بن الحارث ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما شفقته صلى الله عليه وسلم على خلق الله ورأفته بهم ورحمته لهم فقد
قال الله تعالى فيه:
{عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ
رَحِيمٌ} وقال:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} قال بعضهم من فضله عليه السلام أن الله أعطاه اسمين من أسمائه
فقال:
{بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ومن
ذلك تخفيفه وتسهيله عليهم وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم كقوله: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء"، وخبر صلاة الليل ونهيهم عن الوصال وكراهية دخول الكعبة ليلا يعنت
أمته ورغبته لربه أن يجعل سبه ولعنه لهم رحمة وأنه كان يسمع بكاء الصبي
فيتجوز في صلاته، ولما كذبه قومه أتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله
تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد أمر ملك الجبال لتأمره بما
شئت فيهم فناداه ملك الجبال وسلم عليه وقال: مرني بما شئت إن شئت أن
أطبق عليهم الأخشبين1 قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"بل أرجو أن
يخرج الله من أصلابهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأخشبان: الجبلان المطيفان بمكة وهما أبو قبيس والأحمر.
ج / 2 ص -425-
من
يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا". وروى ابن المنكدر أن جبريل عليه
السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله أمر السماء والأرض
والجبال أن تطيعك فقال: "أؤخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم"، قالت عائشة ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا
اختار أيسرهما، وقال ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتخولنا1 بالموعظة مخافة السآمة علينا. وروي أنه عليه السلام قال:
"لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم
وأنا سليم الصدر"،
وكان صلى الله عليه وسلم أوصل الناس لرحم وأقومهم بالوفاء وحسن العهد.
وروينا من طريق أبي داود فثنا محمد بن سنان فثنا إبراهيم بن طهمان عن
بديل عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن أبي
الحمساء قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت
له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه ثم نسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فجئته
فإذا هو في مكانه، فقال:
"يا فتى لقد شققت عليّ أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك". وعن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بهدية قال: اذهبوا
بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة إنها كانت تحب خديجة، ودخلت
عليه امرأة فهش لها وأحسن السؤال عنها فلما خرجت قال: "إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان"، وقال عليه السلام:
"إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء غير أن لي رحما سأبلها ببلالها"2 وعن أبي قتادة وفد وفد للنجاشي فقام النبي صلى الله عليه وسلم
يخدمهم، فقال له أصحابه: نكفيك فقال: إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإني
أحب أن أكافئهم. ولما جيء بأخته من الضاعة الشيماء في سبي هوازن بسط
لها رداءه وخيرها بين المقام عنده والتوجه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يتعاهدنا.
2 أي: أصلهم في الدينا ولا أغني عنهم من الله شيئًا.
ج / 2 ص -426-
إلى
أهلها فاختارت قومها فمتعها، وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعا
على علو منصبه فمن ذلك أن الله خيره بين أن يكون نبيا ملكأ أو نبيا
عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا فقال له إسرافيل عند ذلك فإن الله قد
أعطاك بما تواضعت أنك سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق عنه الأرض
وأول شافع، وخرج على قوم من أصحابه فقاموا له فقال:
"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا"، وقال:
"إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد"، وكان يركب الحمار ويردف خلفه ويعود المساكين ويجالس الفقراء ويجيب
دعوة العبد ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيث ما انتهى به المجلس جلس،
وقال لامرأة أتته في حاجة: اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت
أجلس إليك حتى أقضي حاجتك فجلست وجلس، وكان يدعى إلى خبز الشعير
والإهالة السنخة1 فيجيب، وحج على رحل رث عليه قطيفة ما تساوي أربعة
دراهم، وأهدى في حجه ذلك مائة بدنة، وكان يبدأ من لقيه بالسلام. وروينا
عن أبي بكر الشافعي فثنا أبو جعفر محمد بن حماد بن ماهان فثنا محمد بن
عبد الرحمن بن بكر فثنا محمد بن سواء عن سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مر على صبيان فسلم عليهم، وكان في بيته في
مهنة أهله يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخصف نعله ويخدم نفسه ويعلف ناضحه
ويقم2 البيت ويعقل3 البعير ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من
السوق. وعن أنس: إن كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى
الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت حتى يقضي حاجتها، وكان صلى الله
عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإهالة كل ما يؤتدم، وقيل: هو ما أذيب من الألية. والشحم وقيل:
الدسم الجامد. والنسخة المتغيرة الريح.
2 أي: يكنس.
3 أي يرابط.
ج / 2 ص -427-
وسلم
يسمى الأمين قبل النبوة لما عرفوا من أمانته وعدله. وعن الربيع بن خثيم
كان يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل الإسلام،
وقال النضر بن الحارث لقريش قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم
وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما
جاءكم به قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر. وفي الحديث عنه ما لمست يده
يد امرأة قط لا يملك رقها وقال:
"ويحك فمن يعدل إن لم أعدل". وعن الحسن ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ أحدا بقرف1
أحد ولا يصدق أحدا على أحد، وكان أوقر الناس في مجلسه لا يكاد يخرج
شيئا من أطرافه، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب والرائحة الحسنة
ويستعملها كثيرا ويحض عليها، ومن مروءته صلى الله عليه وسلم نهيه عن
النفخ في الطعام والشراب والأمر بالأكل مما يلي والأمر بالسواك وانقاء
البراجم والرواجب2 واستعمال خصال الفطرة. وأما زهده في الدنيا وعبادته
وخوفه ربه عز وجل فقد توفي ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله، وكان
يدعو:
"اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا".
وعن عائشة قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا
من خبز بر حتى مضى لسبيله، وفي رواية من خبز شعير يومين متواليين،
وقالت عائشة: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما
ولا شاة ولا بعيرا، قالت: ولقد مات وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا
شطر شعير في رف لي، وقال لي:
"إني عرض عليّ أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يارب بل أجوع يوما
وأشبع يوما فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك وأما اليوم
الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك"،
وقال ابن عباس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القرف: التهمة.
2 البراجم هي العقد التي في ظهور الأصابع، يجتمع فيها الوسخ، والرواجب
هي ما بين عقد الأصابع من داخل.
ج / 2 ص -428-
كان
صلى الله عليه وسلم يبيت هو وأهله الليالي المتتابعة طاويا لا يجدون
عشاء. وكان يقول:
"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"، وفي حديث المغيرة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت
قدماه، وقالت عائشة: كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديمة1 وأيكم
يطيق ما كان يطيق، وقالت: كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا
يصوم. وقال عوف بن مالك كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة
فاستاك ثم توضأ ثم قام يصلي فقمت معه فبدأ فاستفتح البقرة فلا يمر بآية
رحمة إلا وقف فسأل ولا بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ثم ركع فمكث بقدر قيامه
يقول:
"سبحان ذي الجبروت والملكوت والعظمة"،
ثم سجد وقال: مثل ذلك ثم قرأ آل عمران، ثم سورة سورة يفعل مثل ذلك، وعن
عائشة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة، وقال صلى
الله عليه وسلم: "إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الديمة: المطر الدائم في سكون، شبهت عمله في دوامه بديمة المطر.
2 في حاشية الأصل: بلغ مقابلة لله الحمد. |