عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي

ج / 2 ص -405-       ذكر سلاحه عليه السلام:
سيف يقال له مأثور ورثه من أبيه وقدم به المدينة. والعضبب أرسل إليه به سعد بن عبادة عند توجهه إلى بدر. وذو الفقار كان في وسطه مثل فقرات الظهر غنمه يوم بدر وكان للعاص بن منبه السهمي وكان ذو الفقار مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد في حروبه كلها، وكانت قائمته وقبيعته وحلقته وعلاقته فضة وهي بكسر الفاء وقيد أيضا بفتحها. والصمصامة سيف عمرو بن معدي كرب وكان مشهورا. وأصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف سيفا قلعيا بفتح اللام نسبة إلى مرج قلعة بالبادية والبتار والحتف، وكان له أيضا الرسوب والمخذم أصابهما مما كان على الفلس صنم طيء وهو بضم الفاء وسكون اللام. والقضيب فتلك عشرة.
وكانت له درع يقال لها: ذات الفضول لطولها أرسل إليه بها سعد بن عبادة حين سار إلى بدر. وذات الوشاح. وذات الحواشي. ودرعان أصابهما من بني قينقاع السغدية وفضتي يقال السغدية كانت درع داود لبسها لقتال جالوت. والبتراء والخرتق فتلك سبع.
وكان له من القسي خمس: الروحاء والصفراء من نبع والبيضاء من شوحط أصابهما من بني قينقاع. والزوراء والكتوم لانخفاض صوتها إذا رمي عنها.

 

ج / 2 ص -406-       وكانت له جعبة وهي الكنانة يجمع فيها نبله، ومنطقة من أديم مبشور ثلاث حلقها، وأبزيمها وطرفها فضة وثلاثة أتراس الزلوق وفتق، وأهدى له ترس فيه تمثال عقاب أو كبش فوضع يده عليه فأذهب الله ذلك التمثال، وخمسة أرماح ثلاثة من بني قينقاع والمثوى والمثني. وكانت له حربة تسمى النبعة ذكرها السهيلي وحربة كبيرة اسمها البيضاء وحربة صغيرة دون الرمح شبه العكاز يقال لها: العنزة، وكان له مغفران الموشح والمسبوغ أو ذو السبوغ وراية سوداء مربعة يقال لها: العقاب وراية بيضاء يقال لها: الزينة وربما جعل فيها الأسود. وروى أبو داود في سننه من حديث سماك بن حرب عن رجل من قومه عن آخر منهم قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء. وروى أبو الشيخ بن حيان من حديث ابن عباس قال: كان مكتوبا بأعلى راياته لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقال الحافظ أبو محمد الدمياطي قال يوسف ابن الجوزي روى أن لواءه أبيض مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان فسطاطه يسمى الكن وكان له محجن قدر ذراع أو أكثر يمشي ويركب به ويعلقه بين يديه على بعيره وكان له مخصرة تسمى العرجون وقضيب يسمى الممشوق من شوحط1 وقدح يسمى الريان وآخر مضبب يقدر أكثر من نصف المدفيه ثلاثة ضبات من فضة وحلقة كانت للسفر. وثالث من زجاج وكان له ثور من حجارة يقال له: المخضب يتوضأ فيه وكان له مخضب من شبه2 يكون فيه الحناء وركوة تسمى الصادرة ومغسل من صفر3 وربعة إسكندرانية من هدية المقوقس يجعل فيها مشطا من عاج ومكحلة ومقراظا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نوع من الشجر، وكذا النبع.
2 أرفع النحاس.
3 الصفر: النحاس.

 

ج / 2 ص -407-       ومسواكا ومرآة. وكانت له أربعة أزواج خفاف أصابها من خيبر ونعلان سبتيتان وخف ساذج أسود من هدية النجاشي وقصعة وسرير وقطيفة. وقد اختلفت الروايات في صفة الخاتم فيحتمل أن تكون خواتم متعددة. وقد كان له خاتم من فضة وخاتم من ذهب لبسه ثم طرحه، وخاتم حديد ملوي بفضة نقشه "محمد رسول الله". وكان يتبخر بالعود ويطرح معه الكافور. وقال ابن فارس ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبي حبرة وإزارا عمانيا وثوبين صحاريين وقميصا صحاريا وآخر سحوليا وجبة يمانية وكساء أبيض وقلانس صغارا لاطئة ثلاثا أو أربعا. وإزارا طوله خمسة أشبار وخميصة وملحفة مورسة، وكان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر ويعتم. وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة يعتم بها يقال لها: السحاب وهبها لعلي وعمامة سوداء ويلبس يوم الجمعة ثوبا غير ثيابه المعتادة كل يوم ولا يخرج يوم الجمعة إلا معتما بعمامة يرسلها بين كتفيه ويديرها ويغرزها. وكان له رداء مربع وكان له فراش من أدم حشوه ليف وكساء أحمر وكساء من شعر وكساء أسود ومنديل يمسح به وجهه. وسئلت حفصة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت مسح يثنيه ثنيتين فينام عليه فلما كان ليلة ثنيته بأربع ثنيات ليكون أوطأ فلما أصبح قال: "ما فرشتم لي؟"، قلنا: هو فراشك ثنيناه أربعا قال: "ردوه لحاله الأول فإنه منعتني وطأته صلاة الليل"، ذكره الترمذي في الشمائل. وكان له قدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه من الليل، رواه أبو داود والنسائي. وكان له سرير بنام عليه قوائمه من ساج بعث به إليه أسعد بن زرارة فكان الناس بعده يستحملون عليه موتاهم تبركا به.

 

ج / 2 ص -408-       ذكر فوائد تتعلق بهذا الفصل سوى ما تقدم:
البتار والمخذم القاطع. والحتف الموت. والرسوب من رسب في الماء إذا غاص فيه لأن ضربته تغوض في المضروب به. ومرج القلعة قريب من حلوان على طريق همدان. والسغد موضع تصنع به الدروع عن ابن القطاع. والخرنق ولد الأرنب. والفسطاط البيت من الشعر. والكن ما يستر من الحر والبرد. والمغفر ما يلبسه الدارع على رأسه من زرد أو نحوه. ورداء مربع طوله أربعة أذرع وإنما اختلف في عرضه فقيل: ذراع وشبر وقيل: ذراعان وشبر. وقدح من عيدان مفتوح العين المهملة ساكن الياء آخر الحروف. والعيدان النخلة السحوق قال الشاعر:

إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت           عيدان نجد ولم يعبأن بالرتم

بنات نعش ونعش لا كسوف لها         والشمس والبدر منها الدهر في الرقم1


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية الأصل: بلغ مقابلة لله الحمد.

 

ج / 2 ص -409-       ذكر خيله عليه أفضل الصلاة والسلام وما له من الدواب والنعم:
السكب وكان اسمه قبل أن يشتريه الضرس اشتراه بعشرة أواق أول ما غزا عليه أحدا ليس للمسلمين غيره. وفرس أبي بردة بن نيار ويسمى ملاوح وكان أغر طلق اليمين محجلا كميتا وقيل: كان أدهم روي ذلك عن ابن عباس، شبه بفيض الماء وانسكابه والضرس الصعب السيئ الخلق، والملاوح الضامر الذي لا يسمن والعظيم الألواح وهو الملواح أيضا. وكان له فرس يقال له: المرتجز سمي بذلك لحسن صهيله كأنه ينشد رجزا وكان أبيض وهو الذي شهد له فيه خزيمة بن ثابت فجعل شهادته شهادة رجلين وقيل: هو الطرف بكسر الطاء المهملة نعت المذكر خاصة وقيل: هو النجيب والطرف والنجيب الكريم من الخيل. وكان له أيضا اللحيف ولزاز والظرب فأما اللحيف فأهداه له ربيعة بن أبي البراء وأما لزاز فأهداه له المقوقس وأما الظرب فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي. اللحيف فعيل بمعني فاعل كأنه يلحف الأرض بذنبه وقيل فيه بضم اللام وفتح الحاء على التصغير. ولزاز من قولهم لاززته أي لاصقته كأنه يلتصق بالمطلوب لسرعته وقيل: لاجتماع خلقه والملزز المجتمع الخلق، والظرب واحد الظراب وهي الروابي الصغار سمي به لكبره وسمنه وقيل: لقوته وصلابته، وفرس يقال له: الورد أهداه له تميم الداري فأعطاه عمر بن الخطاب فحمل عليه في سبيل الله ثم وجده يباع برخص فقال له: لا تشتره، والورد لون بين الكميت والأشقر.

 

ج / 2 ص -410-       وفرس يدعى سبحة من قولهم فرس سابح إذا كان حسن مد اليدين في الجري وسبح الفرس جريه. قال شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي رحمه الله فهذه سبعة متفق عليها: وهي السكب والمرتجز واللحيف ولزاز والظرب والورد وسبحة. وكان الذي يمتطي عليه ويركب السكب. وقيل: كانت له أفراس أخر غيرها: وهي الأبلق حمل عليه بعض أصحابه وذو العقال وذو اللمة والمرتجل والمرواح والسرحان واليعسوب واليعبوب والبحر وهو كميت والأدهم والشحاء والسجل وملاوح والطرف والنجيب. هذه خمسة عشر مختلف فيها. وذكر السهيلي في خيله عليه السلام الضريس وذكر ابن عساكر فيها مندوبا وذو العقال بضم العين وبعضهم يشدد قافه وبعضهم يخففها وهو ظلع1 في قوائم الدواب. واللمة بين الوفرة والجمة فإذا وصل شعر الرأس إلى شحمة الأذن فهي وفرة فإذا زادت حتى ألمت بالمنكبين فهي لمة فإذا زادت فهي جمة. والارتجال خلط الفرس العنق بالهملجة وهما ضربان من السير. والمرواح من الريح لسرعته. والسرحان الذئب وهذيل تسمى الأسد سرحانا. واليعسوب طائر وهو أيضا أمير النحل. والسيد يعسوب قومه واليعسوب غرة تستطيل في وجه الفرس. واليعبوب الفرس الجواد وجدول يعبوب شديد الجري والشحاء من قولهم فرس بعيد الشحوة أي بعيد الخطوة. ومندوب من ندبه فانتدب أي دعاه فأجاب.
وأما البغال والحمر فكانت له بغلة شهباء يقال لها: دلدل أهداها له المقوقس مع حمار يقال له: عفير. وبغلة يقال لها: فضة أهداها له فروة بن عمرو الجذامي مع حمار يقال له: يعفور فوهب البغلة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. وبغلة أهداها له ابن العلماء صاحب أيلة. وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببغلة وجبة من سندس. وقيل: أهدى له كسرى بغلة ولا يثبت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: عرج.

 

ج / 2 ص -411-       وعن ابن عباس أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة فكان يركبها. فهذه ست.
وأما النعم فكانت له ناقة التي هاجر عليها تسمى القصواء والجدعاء والعضباء وكانت شهباء. وعن قدامة بن عبد الله قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يرمي على ناقة صهباء والصهباء الشقراء. وعن نبيط بن شريط قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته على جمل أحمر. وبعث عليه السلام خراش بن أمية يوم الحديبية إلى قريش على جمل يقال له: الثعلب. وكان في هديه عام الحديبية جمل كان لأبي جهل في رأسه برة من فضة غنمه يوم بدر ليغيظ به المشركين وكان مهريا1 وكانت له عشرون لقحة2 بالغابة وهي التي أغار عليها عيينة بن حصن الفزاري وقد سبق خبرها ولقحة غزيرة تحلب كما تحلب لقحتان غزيرتان أهداها له الضحاك بن سفيان. وكانت له خمس عشرة لقحة بذي الجدر3 يرعاها يسار أغار عليها العرنيون. وقد تقدم الخبر عن ذلك. وكانت له بذي الجدر أيضا سبع لقائح. وكانت له لقحة تسمى الحفدة السريعة ومهرية بعث إليه بها سعد بن عبادة من نعم ابن عقيل. وكانت له لقحة تسمى مروة. وكان له صلى الله عليه وسلم من الغنم مائة شاة لا يريد أن تزيد على ذلك كلما ولد الراعي بهمة ذبح مكانها شاة وكانت له شاة تسمى غوثة وقيل: غيثة وشاة تسمى قمر وعنز تسمى اليمن وكانت له سبعة أعنز منائح ترعاهن أم أيمن. وأما البقر فلم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك منها شيئا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نسبة لقبيلة كما تقدم.
2 اللقحة بالفتح والكسر الناقة ذات اللبن.
3 ذو الجدر على ستة أميال من المدينة من ناحية قباء، قاله الضغاني.

 

ج / 2 ص -413-       ذكر صفته صلى الله عليه وسلم:
قد تقدم في حديث أم معبد شيء من ذلك. وقرئ على أبي1 عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصوري وأنا أسمع بدمشق أخبركم الشيخان أبو اليمن زيد ابن الحسن بن زيد بن الحسن الكندي قراءة عليه وأنت تسمع وأبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن سكينة إجازة قالا: أنا أ بو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد سماعًا عليه زاد ابن سكينة والحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي سماعا قالا أنا أبو الحسين بن النقور قال ابن سكينة. وأخبرتنا فاطمة بنت أبي حكيم الخبري قالت: أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن عمر بن المسلمة قالا: أنا أبو القاسم عيسى بن علي ابن عيسى بن الجراح الوزير. قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي فثنا عمر بن زرارة فثنا الفياض بن محمد عن عبد الله بن منصور عن سعد بن طريق عن الأصبغ عن نباتة عن علي قال: كان الحسين بن علي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث سمع بعضها منه وسأله أن يحلي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان فخما مفخما يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر أقصر من المشذب وأطول من المربوع عظيم الهامة رجل الشعر إن انفرقت عقيقته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون واسع الجبين أزج الحاجبين سوابغ في غير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "أبي" ساقطة من الأصل؛ والتصحيح من النسخة الظاهرية.

 

ج / 2 ص -414-       قرن أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم سهل الخدين أشنب مفلج الأسنان دقيق المسربة كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادنا متماسكا سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجرى كالخط عاري الثديين والبطن وما سوى ذلك أشعر الذراعين والمناكب وأعالى الصدر طويل الزندين سائر الأصابع شئن الكفين والقدمين سبط العظام خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء صلى الله عليه وسلم. وقد روينا حديث الحسن بن علي فثنا خالي هند ابن أبي هالة عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق وفيه أزج الحاجبين سوابغ من غير قرن بينهما عرق يدره الغصب. وفيه كث اللحية أدعج سهل الخدين ضليع الفم وفيه إذا زال زال تقلعا ويخطو تكفئا ويمشي هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام. قلت: صف لي منطقه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة ولا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلم فضلا لا فضول فيه ولا تقصير دمثا ليس بالجافي ولا بالمهين يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم شيئا لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها فضرب بإيهامه اليمنى راحته اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام. قال الحسن فكتمتها الحسين بن علي زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأل أباه عن مدخل رسول

 

ج / 2 ص -415-       الله صلى الله عليه وسلم ومخرجه ومجلسه وشكله فلم يدع منه شيئا قال الحسين سألت أبي عليه السلام عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك فكان إذا أوى إلى مجلسه جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءا لله تعالى وجزءا لأهله وجزءا لنفسه ثم جزأ جزآه بينه وبين الناس فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدخر عنهم شيئا فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل ذي الفضل بإذنه قسمته على قدر فضلهم في الدين منهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة في مسألته عنهم وأخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول ليبلغ الشاهد منكم الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجة فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ولا يتفرقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة يعني فقهاء. قلت: فأخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا يفرقهم يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره وخلقه ويتفقد أصحابة ويسأل الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويصوبه ويقبح القبيح ويوهنه معتدل الأمر غير مختلف ولا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه إلى غيره الذين يلونه من الناس خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة. فسألته عن مجلسه عما كان يصنع فيه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ولا يوطن الأماكن وينهي عن إيطانها وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهى به المجلس ويأمر بذلك ويعطى كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من

 

ج / 2 ص -416-       جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه من ساله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول. وقد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء متفاضلين فيه بالتقوى مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم ولا تنثى فلتاته يتعاطفون بالتقوى متواضعين يوفرون فيه الكبير ويرحمون الصغير ويرفدون ذا الحاجة ويرحمون الغريب. فسألته عن سيرته صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه قد ترك نفسه من ثلاث الرياء والإكثار ومالا يعنيه وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤسهم الطير وإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ حديث حديث أولهم. يضحك مما يضحكون منه ويعجب مما يعجبون ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق ويقول: إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فارفدوه ولا تطلبوا الثناء إلا من مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام. قلت: كيف كان سكوته؟ قال: كان سكوته على أربع على الحلم والحذر والتقدير والتفكر فأما تقديره ففى تسوية النظر والاستماع من الناس وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى وجمع له الحلم صلى الله عليه وسلم- في الصبر فكان لا يغضبه شيء يستفزه وجمع له في الحذر أربع أخذه بالحسن ليقتدي به وتركه القبيح لينتهي عنه واجتهاد الرأي بما أصلح أمته والقيام لهم بما جمع لهم من أمر الدنيا والآخرة. قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي رحمه الله بعد إيراده حديث هند بن أبي هالة هذا:

 

ج / 2 ص -417-       فصل في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله:
قوله: المشذب أي البائن الطول في نحافة وهو مثل قوله في الحديث الآخر: ليس بالطويل الممغط. والشعر الرجل الذي كأنه مشط فتكسر قليلا ليس بسبط ولا جعد. والعقيقة شعر الرأس أراد إن انفرقت من ذات نفسها فرقها وإلا تركها معقوصة ويروى عقيصته. وأزهر اللون نيره وقيل: أزهر حسن ومنه زهرة الحياة الدنيا أي زينتها وهذا كما قال في الحديث الآخر ليس بالأبيض الأمهق ولا بالأدم. والأمهق هو الناصع البياض والأدم الأسمر اللون ومثله في الحديث الآخر أبيض مشرب أي فيه حمرة. والحاجب الأزج المقوس الطويل الوافر الشعر. والأقنى السائل الأنف المرتفع وسطه والأشم الطويل قصبة الأنف. والقرن اتصال شعر الحاجبين وضده البلج ووقع في حديث أم معبد1 وصفه بالقرن والأدعج الشديد سواد الحدقة وفي الحديث الآخر أشكل العين وأسجر العين وهو الذي في بياضه حمرة. والضليع الواسع. والشنب رونق الأسنان وماؤها وقيل: رقتها وتحزين فيها كما يوجد في أسنان الشباب والفلج فرق بين الثنايا. ودقيق المسربة خيط الشعر الذي بين الصدر والسرة. بادن ذو لحم مماسك معتدل الخلق يمسك بعضه بعضا مثل قوله في الحديث الآخر لم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم أي ليس بمسترخي اللحم والمكلثم القصير الذقن. وسواء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قصتها مشهورة وقد تقدمت. وفي نسخة "أبي سعيد".

 

ج / 2 ص -418-       البطن والصدر أي مستويهما. ومشيح الصدر إن صحت هذه اللفظة فيكون من الإقبال وهو أحد معاني أشاح أي أنه كان بادي الصدر ولم يكن في صدره قعس وهو تطامن فيه وبه يتضح قوله قبل سواء البطن والصدر أي ليس بمتقاعس الصدر ولا مفاض البطن ولعل اللفظ مسيح بالسين المهملة وفتح الميم بمعنى عريض كما وقع في الرواية الأخرى. وحكاه ابن دريد. و الكراديس رءوس العظام وهو مثل قوله في الحديث الآخر جليل المشاش والكتد والمشاش رءوس المناكب والكند مجتمع الكتفين. وشثن الكفين والقدمين لحيمهما والزندان عظما الذراعين وسائل الأطراف أي طويل الأصابع. وذكر ابن الأنباري أنه روى ساين بالنون وهما بمعنى تبدل اللام من النون إن صحت الرواية بها. وأما الرواية الأخرى وسائر الأطراف فإشارة إلى فخامة جوارحه كما وقعت مفصلة في الحديث. ورحب الراحة أي واسعها وقيل: كنى به عن سعة العطاء والجود. خمصان الأخمصين أي متجافي أخمص القدم. وهو الموضع الذي لا تناله الأرض من وسط القدم. ومسيح القدمين أي أملسهما لهذا قال ينبو عنهما الماء وفي حديث أبي هريرة خلاف هذا قال فيه إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها ليس له أخمص وهذا يوافق معنى قوله مسيح القدمين وبه قالوا: سمي المسيح ابن مريم أي لم يكن له أخمص. وقال السهيلي في المسيح ابن مريم فعيل بمعنى فاعل لأنه كان يؤتى بذوي العاهات فيمسح على مواضعها فتزول والمسيح الدجال بمعنى مفعول أي ممسوح العين كما جاء في الحديث. رجع إلى الأول وقيل: مسيح لا لحم عليهما وهذا أيضا يخالف قوله شثن القدمين. والتقلع رفع الرجل بقوة والتكفؤ الميل إلى سنن المشي وقصده والهون الرفق والوقار. والذريع الواسع الخطو أي أن مشيه كان يرفع فيه رجليه بسرعة ويمد خطوه خلاف مشية المختال ويقصد سمته وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة كما قال كأنما ينحط من صبب. وقوله يفتتح الكلام

 

ج / 2 ص -419-       ويختمه بأشداقه أي لسعة فمه والعرب تتمادح بهذا وتذم بصغر الفم. وأشاح مال وانقبض. وحب الغمام البرد. وقوله فيرد ذلك بالخاصة على العامة أي جعل من جزء نفسه ما يوصل الخاصة إليه فتوصل عنه للعامة وقيل: يجعل منه للخاصة ثم يبذلها في جزء آخر للعامة ويدخلون روادا أي محتاجين إليه. ولا ينصرفون إلا عن ذواق وقيل: عن علم يتعلمونه ويشبه أن يكون على ظاهره أن في الغالب والأكثر. والعتاد العدة والشيء الحاضر المعد والمؤازرة المعاونة. وقوله: لا يوطن المواطن أي لا يتخذ لمصلاه موضعا معلوما وقد ورد نهيه عن هذا مفسرا في غير هذا الحديث. وصابره أي حبس نفسه على ما يريد صاحبه. ولا تؤبن فيه الحرم أي لا يذكرن بسوء ولا تنثى فلتاته أي لا يتحدث بها أي لم يكن فيه فلتة. ويرفدون يعينون، والسخاب الكثير الصياح. وقوله ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ قيل: مقتصد في ثنائه ومدحه وقيل: إلا من مسلم وقيل: إلا من مكافئ على يد سبقت من النبي صلى الله عليه وسلم. ويستفزه يستخفه وفي حديث آخر في وصفه منهوس العقب أي قليل لحمها وأهدب الأشفار أي طويل شعرها.