عيون
الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. دار القلم غَزْوَةُ وَدَّانَ
رُوِّينَا عَنْ أَبِي عَرُوبَةَ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ، ثَنَا
سَعِيدُ بْنُ بَزِيعٍ، ثنا محمد بن
(1/258)
إسحق قال: خرج رسول الله صلى الله عليه
وَسَلَّمَ فِي صَفَرٍ غَازِيًا عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ
مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ
صَفَرٍ، حَتَّى بَلَغَ وَدَّانَ، وَكَانَ يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِي
ضَمْرَةَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الأَبْوَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ،
وَكَانَ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ ابن
هشام. قال ابن إسحق: فَوَادَعَتْهُ فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ، وَكَانَ الَّذِي
وَادَعَهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ، مَخْشِيُّ بْنُ عَمْرٍو الضَّمْرِيُّ،
وَكَانَ سَيِّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ
كَيْدًا.
بَعْثُ حَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الحرث
روينا عن ابن إسحق قَالَ: فَأَقَامَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا بَقِيَّةَ صَفَرٍ وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ
الأَوَّلِ، وَبَعَثَ فِي مَقْدَمِهِ ذَلِكَ عُبَيْدَةَ بن الحرث بْنِ
الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي سِتِّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا
مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَسَارَ
حَتَّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ بِأَسْفَلِ ثَنِيَّةِ الْمرَّةِ،
فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ
قِتَالٌ، إِلَّا أَنَّ سَعْد بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ رَمَى يَوْمَئِذٍ
بِسَهْمٍ، فَكَانَ أَوَّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الإِسْلامِ، ثُمَّ
انْصَرَفَ الْقَوْمُ عَنِ الْقَوْمِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ حَامِيَة، وَفَرَّ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى المسلمين المقداد بن عمرو [البهراني حليف بني
زهرة] [1] وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ [بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيُّ حَلِيفُ
بني نوفل بن عبد مناف] [2] وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَكِنَّهُمَا خَرَجَا
لِيَتَوَصَّلا بِالْكُفَّارِ [3] ، وَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ
بْنُ أَبِي جَهْلٍ.
وَقَالَ ابن هشام: [حدثني ابن أبي عمرو بن العلاء عن أبي عمرو المدني أنه
كان عليهم] [ (4) ] مكرز بن حفص بن الأخيف.
قال ابن إسحق: فكانت راية عبيدة [بلغني] [5] أَوَّلَ رَايَةٍ [عَقَدَهَا
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم لأحد من المسلمين] [6] فِي
الإِسْلامِ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُول الله صلّى الله
عليه وسلّم بعثه
__________
[ (1) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.
[ (2) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.
[ (3) ] أي خرجوا مع الكفار حتى يتسنى لهم الانضمام لجيش المسلمين دون أن
يرتاب بهم أحد.
[ (4) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.
[ (5) ] وردت في الأصل: بلغنا، وما أثبتناه من سيرة ابن هشام.
[ (6) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.
(1/259)
حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الأَبْوَاءِ
قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعَثَ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ
حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ إِلَى سيف البحر من ناحية
العيص فِي ثَلاثِينَ رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ
الأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هشام بذلك الساحل في
ثلاثمائة راكب [من أهل مكة] [1] فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيُّ بْنُ
عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ، وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا،
فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ
قِتَالٌ. فَقَالَ [2] :
وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوَّلَ رَايَةٍ
عَقَدَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [لأحد من
المسلمين] [3] وَذَلِكَ أَنَّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا،
فَشُبِّهَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ [4] .
وَرُوِّينَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ أَوَّلَ الْبُعُوثِ، بَعْثُ
حَمْزَةَ فِي ثَلاثِينَ رَاكِبًا، فَلَقَوْا أَبَا جَهْلٍ فِي ثَلاثِينَ
وَمِائَةِ رَاكِبٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ كَانَتِ الأَبْوَاءُ عَلَى
رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ بَعَثَ َعبُيَدْةَ َفلَقَوْا بَعْثًا
عَظِيمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَاءٍ يُدْعَى الأَحْيَاءَ مِنْ
رَابِغٍ، قَالَ: وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمَ الْتَقَى فِيهِ الْمُسْلِمُونَ
وَالْمُشْرِكُونَ فِي قِتَالٍ.
وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَائِذٍ عَنِ الْوَلِيدِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ
أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ رَايَةَ حَمْزَةَ هِيَ الأُولَى.
وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ
بْنِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، ذَكَرَ بَعْثَ عبيدةُ ثُمَّ بَعْثَ حَمْزَةَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرَ
ابن إسحق.
وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّ أَوَّلَ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ لِوَاءً
أَبْيَضَ، وَكَانَ الَّذِي حَمَلَهُ أَبُو مَرْثَدٍ كَنَّازُ بْنُ
الْحُصَيْنِ الْغَنَوِيُّ فِي ثَلاثِينَ رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ،
قَالَ: وَلَمْ يَبْعَثْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَحَدًا مِنَ الأَنْصَارِ مَبْعَثًا حَتَّى غَزَا بِهِمْ بَدْرًا، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ شَرَطُوا لَهُ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ فِي دَارِهِمْ، وَخَرَجَ
حَمْزَةُ يَعْرِضُ لِعِيرِ [5] قُرَيْشٍ قَدْ جَاءَتْ مِنَ الشَّامِ
تُرِيدُ مَكَّةَ، وفيها أبو جهل بن
__________
[ (1) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.
[ (2) ] أي ابن إسحاق.
[ (3) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.
[ (4) ] انظر سيرة ابن هشام (2/ 241) وما بعدها.
[ (5) ] العير: القافلة التي تحمل الطعام وغيره مما يتجر فيه.
(1/260)
هشام في ثلاثمائة رَجُلٍ، ثُمَّ سَرِيَّة
عُبَيْدَةَ فِي سِتِّينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى بَطْنِ رَابِغٍ، فِي
شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ عَقَدَ لَهُ لِوَاءً أَبْيَضَ
حَمَلَهُ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، فَلَقِيَ أَبَا سُفَيْانَ بْنَ حَرْبٍ
فِي مِائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ أَحْيَا.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أُبْنَى مِنْ بَطْنِ رَابِغٍ، عَلَى عَشَرَةِ
أَمْيَالٍ مِنَ الْجُحْفَةِ وَأَنْتَ تُرِيدُ قَدِيدًا عَنْ يَسَارِ
الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا نَكَبُوا عَنِ الطَّرِيقِ لَيَرْعَوْا
رُكَّابَهُمْ.
(1/261)
سرية سعد بن أبي وقاص إِلَى الْخَرَّازِ
فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، عَقَدَ لَهُ لِوَاءً
أَبْيَضَ حَمَلَهُ المقداد ابن عَمْرٍو وَبَعَثَهُ في عِشْرِينَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ.
ثُمَّ غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأَبْوَاءِ، وَهِيَ غَزْوَةُ
وَدَّانَ، وَكِلاهُمَا قَدْ وَرَدَ، وَبَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ،
وَكَانَتْ عَلَى رَأْسِ اثْنِي عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، وَحَمَلَ
اللِّوَاءَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَكَانَتِ الْمُوَادَعَةُ
عَلَى أَنَّ بَنِي ضَمْرَةَ لَا يَغْزُونَهُ، وَلا يُكْثِرُونَ عَلَيْهِ
جَمْعًا، وَلا يُعِينُونَ عَلَيْهِ عَدُوًّا، ثُمَّ انْصَرَفَ عَلَيْهِ
السَّلامُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ خَمْسَ عشرة ليلة.
غزوة بواط [1]
قال ابن إسحق: ثُمَّ غَزَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا، حَتَّى بَلَغَ
بواطَ مِنْ نَاحِيَةِ رضوَى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ
يَلْقَ كَيْدًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السَّائِبَ بْنَ
مَظْعُونٍ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، وَحَمَلَ اللِّوَاءَ وَكَانَ
أَبْيَضَ، سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ، وَقَالَ:
وَخَرَج فِي مِائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ،
فِيهَا أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ وَمِائَةُ رجل من قريش وألفان
وخمسمائة بعير. |