معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -

[معجزة رد الشمس بعد مغيبها]
فَأَمَّا حَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَقَدْ أَنْبَأَنِي شَيْخُنَا الْمُسْنِدُ الرُّحْلَةُ بَهَاءُ الدِّينِ الْقَاسِمُ بن المظفر ابن تاج الأمناء بن عساكر (إذنا و) قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابن عساكر المشهور بالنسابة، قال:
أخبرنا أبو المظفر ابن الْقُشَيْرِيِّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْمُسْتَمْلِي قَالَا: ثَنَا أَبُو عثمان المحبر أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن الدنايعانى بِهَا، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

(1/30)


أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْقُشَيْرِيِّ: ثنا أبو العباس المحبوبى، ثنا سعيد ابن مَسْعُودٍ ح، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ وَأَنَا أَبُو الْفَتْحِ الْمَاهَانِيُّ، أَنَا شُجَاعُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ منده، أنا عثمان بن أحمد الننسى، أَنَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثَنَا فُضَيْلُ بن مرزوق عن إبراهيم ابن الْحَسَنِ، زَادَ أَبُو أُمَيَّةَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوحى إليه ورأسه في حجر علي فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّيْتَ الْعَصْرَ؟ وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: صَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ نَبِيِّكَ، وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: رَسُولِكَ، فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ.
وقد رواه الشيخ أبو الفرج ابن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ طَرِيقِ أبى جعفر العقيلى: ثنا أحمد ابن دَاوُدَ، ثَنَا عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، ثَنَا فَضِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ فَذَكَرَهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدِ اضْطَرَبَ الرُّوَاةُ فِيهِ فَرَوَاهُ سَعِيدُ ابن مسعود عن عبيد الله ابن مُوسَى عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عن عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ عَنْ أَسْمَاءَ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ فِي الرِّوَايَةِ. قَالَ: وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ قَالَ فِيهِ الْعُقَيْلِيُّ:
كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَنَاكِيرِ «1» ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. قَالَ:
وَفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الموضوعات ويخطىء عن الثقات.
__________
(1) المناكير: الأمور المستهجنة.

(1/31)


وبه قال الحافظ بن عساكر، قال: وأخبرنا أبو محمد عن طاوس، أنا عاصم ابن الحسن أنا أبو عمرو بْنُ مَهْدِيٍّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ فَرَأَيْتُ فِي عُنُقِهَا خَرَزَةً، وَرَأَيْتُ فِي يَدَيْهَا مَسَكَتَيْنِ غَلِيظَتَيْنِ- وَهِيَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ- فَقُلْتُ لَهَا: مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ، ثُمَّ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ حَدَّثَتْهَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فَجَلَّلَهُ بِثَوْبِهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَدْبَرَتِ الشمس يقول: غَابَتْ أَوْ كَادَتْ أَنْ تَغِيبَ، ثُمَّ إِنْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ:
لَا، فقال النبى ص اللهم ردّ على علي الشمس، فرجعت حَتَّى بَلَغَتْ نِصْفَ الْمَسْجِدِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَقَالَ أَبِي حَدَّثَنِي مُوسَى الْجُهَنِيُّ نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَفِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمَجَاهِيلِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ شَاهِينَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بَاطِلٌ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ ابْنُ عُقْدَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا يُحَدِّثُ بِمَثَالِبِ الصَّحَابَةِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ محمد بن نصر، سمعت حمزة ابن يُوسُفَ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ بِجَامِعِ بَرَاثَا «1» يُمْلِي مَثَالِبَ الصَّحَابَةِ أَوْ قَالَ: الشَّيْخَيْنِ فَتَرَكْتُهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ رَجُلَ سُوءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي غَالِبٍ يَقُولُ: ابْنُ عُقْدَةَ لَا يَتَدَيَّنُ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ شُيُوخًا بِالْكُوفَةِ عَلَى الْكَذِبِ فَيُسَوِّي لَهُمْ نُسَخًا وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَرْوُوهَا، وقد بينا كذبه من عند شَيْخٍ بِالْكُوفَةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ فِي كِتَابِهِ «الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ» : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا الْمُطَّلِبُ بن زياد عن إبراهيم بن
__________
(1) براثا: اسم محلة كانت بطرف العراق.

(1/32)


حبان عن عبد الله بن حسن عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، إِبْرَاهِيمُ بْنُ حبان هَذَا تَرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْحَافِظُ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ، قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: وَصَدَقَ ابْنُ نَاصِرٍ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ رَوَاهُ ابن مردويه من طريق حديث داود بن واهج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَسُهُ فِي حَجْرِ عَلِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ حَتَّى صَلَّى ثُمَّ غَابَتْ ثَانِيَةً، ثُمَّ قَالَ:
وَدَاوُدُ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَمِنْ تَغْفِيلِ وَاضِعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَظَرَ إلى صورة فضله وَلِمَ يَتَلَمَّحْ عَدَمَ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ صَارَتْ قَضَاءً فَرُجُوعُ الشَّمْسِ لَا يُعِيدُهَا أَدَاءً، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الشمس لم تُحْبَسْ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا لِيُوشَعَ.
قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَمُنْكَرٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ فَلَا تَخْلُو وَاحِدَةٌ مِنْهَا عَنْ شِيعِيٍّ وَمَجْهُولِ الْحَالِ وَشِيعِيٍّ وَمَتْرُوكٍ وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرٌ وَاحِدٌ إِذَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ بِالتَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى جَنَابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا رُدَّتْ لِيُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ حَاصَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَاتَّفَقَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ يَوْمَ السَّبْتَ فَنَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ وَقَدْ تنصفت لِلْغُرُوبِ فَقَالَ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ، فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحُوهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ جَاهًا وَأَجَلُّ مَنْصِبًا وَأَعْلَى قَدْرًا مِنْ يُوشَعَ ابن نُونٍ، بَلْ مِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَكِنْ لَا نَقُولُ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْدَنَا (عَنْهُ) وَلَا نُسْنِدُ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَوْ صَحَّ لَكُنَّا مِنْ أَوَّلِ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَالْمُعْتَقِدِينَ لَهُ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.

(1/33)


وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ «إِثْبَاتِ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنَ الرَّوَافِضِ: إِنَّ أَفْضَلَ فَضِيلَةٍ لِأَبِي الْحَسَنِ وَأَدَلَّ (دَلِيلٍ) عَلَى إِمَامَتِهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوحى إليه فِي حِجْرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: صَلَّيْتَ؟ قال: لا، فقال رسول الله: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ. قِيلَ له: كيف لنا لو صح هذا الحديث فنحتج على مخالفتنا من اليهود والنصارى، ولكن الحديث ضعيف حدا لَا أَصْلَ لَهُ، وَهَذَا مِمَّا كَسَبَتْ أَيْدِي الرَّوَافِضِ، وَلَوْ رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ لَرَآهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَنَقَلُوا إِلَيْنَا أَنَّ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ. ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّوَافِضِ:
أَيَجُوزُ أَنْ تُرَدَّ الشَّمْسُ لِأَبِي الْحَسَنِ حِينَ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَلَا تُرَدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ وَلِجَمِيعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَعَلِيٌّ فِيهِمْ حِينَ فَاتَتْهُمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ يَوْمَ الخندق؟ قال: وأيضا مرة أخرج عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، فَذَكَرَ نَوْمَهُمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاتَهُمْ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالَ: فَلَمْ يُرَدَّ اللَّيْلُ على رسول الله وَعَلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ هَذَا فَضْلًا أعطيه رسول الله وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَمْنَعَ رَسُولَهُ شَرَفًا وَفَضْلًا- يَعْنِي أُعْطِيَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَقُولُ: رَجَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ؟ فَقَالَ:
مَنْ قَالَ هَذَا فَقَدَ كَذَبَ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ: سَأَلْتُ يَعْلَى بْنَ عُبَيْدٍ الطَنَافِسِيَّ قُلْتُ: إِنَّ نَاسًا عِنْدَنَا يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَتْ عَلَيْهِ الشمس، فقال: كذب هذا كله.
***

(1/34)


فصل «إيراد هذا الحديث من طرق متفرقة»
أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أحمد الحسكاني يصنّف فيه «تَصْحِيحِ رَدِّ الشَّمْسِ وَتَرْغِيمِ النَّوَاصِبِ الشُّمْسِ» وَقَالَ: قَدْ رَوَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وأبى سعيد الخدرى:

[حديث أسماء بنت عميس]
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَنْطَاكِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ داود ثلاثتهم عن محمد بن إسماعيل ابن أَبِي فُدَيْكٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْفِطْرِيُّ الْمَدَنِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ أَيْضًا عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظَّهْرَ بِالصَّهْبَاءِ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فِي حاجة فجاء وقد صلى رسول الله العصر فوضع رأسه فى حجر علي ولم يحركه حتى غربت الشمس فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنَّ عَبْدَكَ عَلِيًّا احْتَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى نَبِيِّهِ فَرُدَّ عَلَيْهِ شَرْقَهَا، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى رُفِعَتْ عَلَى الْجِبَالِ فَقَامَ عَلِيٌّ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ.
وَهَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ مَنْ يَجْهَلُ حَالَهُ فَإِنَّ عَوْنًا هَذَا وَأُمَّهُ لَا يُعْرَفُ أمرهما بعدالة وضبط يقبل بسببهما هبرهما فيما هو دُونَ هَذَا الْمَقَامِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِخَبَرِهِمَا هَذَا الأمر العظيم الذى يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الصِّحَاحِ وَلَا السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1/35)


وَلَا نَدْرِي أَسَمِعَتْ أُمُّ هَذَا مِنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَمْ لَا، ثُمَّ أَوْرَدَهُ هذا المص من طريق الحسين بْنِ الْحَسَنِ الْأَشْقَرِ وَهُوَ شِيعِيٌّ جَلْدٌ وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ إبراهيم بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ من طريق عبد اللَّهِ.
وَقَدْ قَدَّمَنَا رِوَايَتَنَا لَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي أُمَيَّةَ الطَّرْسُوسِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ، وَهُوَ مِنَ الشيعة، ثم أوده هذا المص مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَحْمَدَ ابن دَاوُدَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ فُضَيْلِ بن مرزوق والأغر الرقاشى ويقال الرواس أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَنِي عَنَزَةَ وَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ:
ثِقَةٌ، وَقَالَ مَرَّةً: صَالِحٌ وَلَكِنَّهُ شَدِيدُ التَّشَيُّعِ، وَقَالَ مَرَّةً: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ صَالِحُ الْحَدِيثِ يَهِمُ كَثِيرًا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ:
ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جَدًّا كان يخطىء عَلَى الثِّقَاتِ وَيَرْوِي عَنْ عَطِيَّةَ الْمَوْضُوعَاتِ، وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ. فَمَنْ هذه ترجمته لايتهم بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَتَسَاهَلُ وَلَا سِيَّمَا فِيمَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُ فَيَرْوِي عَمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ يُحْسِنُ بِهِ الظَّنَّ فَيُدَلِّسُ حَدِيثَهُ وَيُسْقِطُهُ وَيَذْكُرُ شَيْخَهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِيهِ وَتَوَقِّي الْكَذِبِ فِيهِ «عَنْ» بِصِيغَةِ التَّدْلِيسِ، وَلَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ التَّحْدِيثِ فَلَعَلَّ بَيْنَهُمَا مَنْ يَجْهَلُ أَمْرَهُ، عَلَى أَنَّ شيخه هذا- إبراهيم بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- ليس بذلك الْمَشْهُورِ فِي حَالِهِ وَلَمْ يَرْوِ لَهُ أَحَدٌ من أصحاب الكتب المتعمدة، ولا روى عنه غير الفضيل ابن مرزوق هذا ويحيى ابن الْمُتَوَكِّلِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيَّانِ ولم يتعرضا لجرح ولا

(1/36)


تعديل.
وأما فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- وَهِيَ أُخْتُ زَيْنِ الْعَابِدِينَ- فَحَدِيثُهَا مَشْهُورٌ رَوَى لَهَا أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَكَانَتْ فِيمَنْ قُدِمَ بِهَا مَعَ أَهْلِ الْبَيْتِ بَعْدَ مَقْتَلِ أَبِيهَا إِلَى دِمَشْقَ، وَهِيَ مِنَ الثِّقَاتِ وَلَكِنْ لَا يُدْرَى أَسَمِعَتْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَسْمَاءَ أم لا؟ فالله أعلم.
ثم رَوَاهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَفْصٍ الكنانى: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْقَاضِي هُوَ الْجِعَابِيُّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَسْكَرِيُّ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سُلَيْمٍ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ (عن أشعث أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ فَاطِمَةَ- يَعْنِي: بِنْتَ الْحُسَيْنِ-) عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لِعَلِيٍّ حَتَّى رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَشَيْخِهِ الثَّوْرِيِّ مَحْفُوظٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ لَا يَكَادُ يُتْرَكُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْمُهِمَّاتِ فَكَيْفَ لَمْ يَرْوِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مثل هذا الحديث العظيم إلا خلف ابن سَالِمٍ بِمَا قَبْلَهُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُمْ فِي الضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ كَغَيْرِهِمْ؟ ثُمَّ إِنَّ أُمَّ أَشْعَثَ مَجْهُولَةٌ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ سَاقَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ: ثَنَا حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ- وَهُوَ شِيعِيٌّ وَضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ- عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الثريد- وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ- عَنْ عبد الرحمن ابن عبد الله بن دينار عن على ابن الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَذَكَرَهُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا يَثْبُتُ.
ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرحمن بن شريك عن أبيه عنعروة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا قَدَّمْنَا إِيرَادَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الصُّوفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن شريك عن

(1/37)


عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ كَانَ وَاهِيَ الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثقات و (قال) : رُبَّمَا أَخْطَأَ، وَأَرَّخَ ابْنُ عُقْدَةَ وَفَاتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ أبا الفرج بن الجوزى قال: إنما أنهم بِوَضْعِهِ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عُقْدَةَ، ثُمَّ أَوْرَدَ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِيهِ بِالطَّعْنِ وَالْجَرْحِ وَأَنَّهُ كَانَ يسوى النسخ للمشايخ فيرويهم إياها والله أَعْلَمُ.
قُلْتُ: فِي سِيَاقِ هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ الشَّمْسَ رَجَعَتْ حَتَّى بَلَغَتْ نِصْفَ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالصَّهْبَاءِ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، وَمِثْلُ هَذَا يُوجِبُ تَوْهِينَ الْحَدِيثِ وَضَعْفَهُ وَالْقَدْحَ فِيهِ.
ثُمَّ سَرَدَهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ القاضى الجعابى: ثنا على ابن العباس بن الوليد، ثنا عبادة بن يعقوب الرواجى، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ صَبَّاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ- أَبِي جَعْفَرٍ- عَنْ حُسَيْنٍ الْمَقْتُولِ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ شُغِلَ عَلِيٌّ لِمَكَانِهِ مِنْ قَسْمِ الْمَغْنَمِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا صَلَّيْتَ؟ قَالَ:
لَا، فَدَعَا الله فارتفعت الشمس حتى توسطت السماء فصلى على، فلما غربت الشمس سمعت لها صريرا كصرير الميشار فِي الْحَدِيدِ.
وَهَذَا أَيْضًا سِيَاقٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مَعَ أَنَّ إِسْنَادَهُ مُظْلِمٌ جِدًّا فَإِنَّ صَبَّاحًا هَذَا لَا يُعْرَفُ وَكَيْفَ يَرْوِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَقْتُولُ شَهِيدًا عن واحد عَنْ وَاحِدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ؟ هَذَا تخبيط إِسْنَادًا وَمَتْنًا، فَفِي هَذَا أَنَّ عَلِيًّا شُغِلَ بمجرد قسم الغنمية، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَلَا ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ تَرْكِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ ذَاهِبٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَوَّزَ بَعْضُ الْعُلَمَّاءِ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِعُذْرِ الْقِتَالِ كَمَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي جَمَاعَةِ من أصحابه، واحتج له الْبُخَارِيُّ بِقِصَّةِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَمْرِهِ عليه السلام أن لا يصلى أَحَدٌ مِنْهُمُ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وذهب

(1/38)


جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَّاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا نُسِخَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَّاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ بِعُذْرِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ حَتَّى يُسْنَدَ هَذَا إِلَى صَنِيعِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ، فَإِنْ كَانَ (هَذَا) ثَابِتًا على ما رواه هؤلاء الجماعة وَكَانَ عَلِيٌّ مُتَعَمِّدًا لِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِعُذْرِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِعُ صَارَ هَذَا وَحْدَهُ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَيَكُونُ أَقْطَعَ فِي الْحُجَّةِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، لِأَنَّ هَذَا بَعْدَ مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَطْعًا، لِأَنَّهُ كَانَ بِخَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَصَلَاةُ الْخَوْفِ شُرِعَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ نَاسِيًا حَتَّى تَرَكَ الصَّلَاةَ إِلَى الْغُرُوبِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى رَدِّ الشَّمْسِ بَلْ وَقْتُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إِذَنْ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضِعْفِ هَذَا الْحَدِيثِ.
ثُمَّ إِنْ جَعَلْنَاهُ قَضِيَّةً أُخْرَى وَوَاقِعَةً غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ، فَقَدْ تَعَدَّدَ رَدُّ الشَّمْسِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعُلَمَّاءِ وَلَا رَوَاهُ أَهْلُ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَتَفَرَّدَ بِهَذِهِ الْفَائِدَةِ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةُ الَّذِينَ لَا يَخْلُو إِسْنَادٌ مِنْهَا عَنْ مَجْهُولٍ ومتروك ومتهم والله أعلم، ثم أورد هذا النص من طريق أبى العباس ابن عُقْدَةَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، ثَنَا يَعْقُوبُ بن سعيد، ثنا عمرو ابن ثَابِتٍ قَالَ:
سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنِ ابن حسين بن على (بن أبى طالب) عن حديث رد الشمس على على ابن أبى طالب: هل يثبت عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ لِي: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَعْظَمَ مِنْ رَدِّ الشَّمْسِ، قُلْتُ: صَدَقْتَ (جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ) وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي- الْحَسَنُ- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: أَقْبَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْصَرَفَ وَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَأَسْنَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ (فَلَمْ يَزَلْ مُسْنِدَهُ إِلَى صَدْرِهِ) حَتَّى أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ الْعَصْرَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: جِئْتُ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْكَ فَلَمْ أَزَلْ مُسْنِدَكَ إِلَى صَدْرِي حَتَّى السَّاعَةِ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ- وَقَدْ غربت الشمس- وقال: اللَّهُمَّ إِنَّ عَلِيًّا كَانَ فِي طَاعَتِكَ فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ، قَالَتْ أَسْمَاءُ:

(1/39)


فَأَقْبَلَتِ الشَّمْسُ وَلَهَا صَرِيرٌ كَصَرِيرِ الرَّحَى حَتَّى كَانَتْ فِي مَوْضِعِهَا وَقْتَ الْعَصْرِ، فَقَامَ عَلِيٌّ مُتَمَكِّنًا فَصَلَّى، فَلَمَّا فَرَغَ رَجَعَتِ الشَّمْسُ وَلَهَا صرير كصرير الرحى، فلما غابت اخْتَلَطَ الظَّلَامُ وَبَدَتِ النُّجُومُ.
وَهَذَا مُنْكَرٌ أَيْضًا إِسْنَادًا وَمَتْنًا وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ السياقات، وعمرو ابن ثَابِتٍ هَذَا هُوَ الْمُتَّهَمُ بِوَضْعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ سَرِقَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ هُرْمُزَ الْبَكْرِيُّ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَكْرِ بن وائل، ويعرف بعمرو بن الْمِقْدَامِ الْحَدَّادِ، رَوَى عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ منصور وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيان، قال: تَرَكَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَقَالَ: لَا تُحَدِّثُوا عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ، وَلَمَّا مَرَّتْ بِهِ جِنَازَتُهُ تَوَارَى عَنْهَا، وَكَذَلِكَ تَرَكَهُ عبد الرحمن بن مهدى، وقال أبو مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلَا مَأْمُونٍ وَلَا يَكْتُبُ حَدِيثَهُ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى هُوَ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ:
كَانَ ضَعِيفًا، زَادَ أَبُو حَاتِمٍ: وَكَانَ رَدِيءَ الرَّأْيِ شَدِيدَ التَّشَيُّعِ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مِنْ شَرَارِ النَّاسِ كان رافضيا خبيثا رجل سوء قال هنا: وَلَمَّا مَاتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَفَرَ النَّاسُ إِلَّا خَمْسَةً، وَجَعَلَ أَبُو دَاوُدَ يَذُمُّهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ (عَنِ الْأَثْبَاتِ) وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَالضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ، وَأَرَّخُوا وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَةَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ وَأَبُوهُ أَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يُحَدِّثَا بِهَذَا الحديث.

[حديث أبي هريرة]
قال هذا المصنف الْمُنْصِفُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَنَا عُقَيْلُ بن الحسن العسكرى، أنا أبو محمد صالح بن الفتح النسائى، ثنا أحمد بن عمير ابن حوصاء، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ فَرَاهِيجَ، وَعَنْ عُمَارَةَ بن برد وعن أبى هريرة

(1/40)


فَذَكَرَهُ. وَقَالَ: اخْتَصَرْتُهُ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ.، وَهَذَا إسناد مظلم ويحيى ابن يَزِيدَ وَأَبُوهُ وَشَيْخُهُ دَاوُدُ بْنُ فَرَاهِيجَ كُلُّهُمْ مُضَعَّفُونَ،. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إِلَى أَنَّ ابْنَ مَرْدَوَيْهِ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ فَرَاهِيجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَضَعَّفَ دَاوُدَ هَذَا شُعْبَةُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مُفْتَعَلٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، أَوْ قد دخل عَلَى أَحَدِهِمْ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) .

[حديث أبي سعيد الخدري]
قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُرْجَانِيُّ كِتَابَةً أَنَّ أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْوَاعِظَ أَخْبَرَهُمْ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُتَيَّمٍ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابن عمر بن على ابن أَبِي طَالِبٍ: (حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ عن أبيه عبد الله عن أبيه عمر قال: (قال الحسين ابن عَلِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ وَقَدْ غَابَتِ الشَّمْسُ فَانْتَبَهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَصَلَّيْتَ الْعَصْرَ؟ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتُ كَرِهْتُ أَنْ أَضَعَ رَأْسَكَ مِنْ حِجْرِي وَأَنْتَ وَجِعٌ، فَقَالَ رسول الله: يا على ادْعُ يَا عَلِيُّ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْكَ الشَّمْسُ، فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ أَنْتَ وأنا أؤمن، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ عَلِيًّا فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ نَبِيِّكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ، قَالَ أَبُو سعيد: فو الله لَقَدْ سَمِعْتُ لِلشَّمْسِ صَرِيرًا كَصَرِيرِ الْبَكْرَةِ حَتَّى رَجَعَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَهَذَا إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ أَيْضًا ومتنه مُنْكَرٌ، وَمُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ السِّيَاقَاتِ، وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ مَصْنُوعٌ مُفْتَعَلٌ يسرقه هؤلاء الرافضة بعضهم مِنْ بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ لَتَلَقَّاهُ عَنْهُ كِبَارُ أَصْحَابِهِ كَمَا أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِهِ حَدِيثَ قِتَالِ الْخَوَارِجِ، وَقِصَّةَ الْمُخْدَجِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ فضائل على.

(1/41)


[حديث على بن أبى طالب]
قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ فَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْفَرْغَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْفَضْلِ الشَّيْبَانِيُّ، ثَنَا رَجَاءُ بْنُ يَحْيَى السَّامَانِيُّ، ثَنَا هَارُونُ بْنِ سَعْدَانَ بِسَامَرَّا سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْكُمَيْتِ عَنْ عَمِّهِ الْمُسْتَهَلِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلْهَبٍ عَنْ جويرية بنت شهر قال: خَرَجْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا جُوَيْرِيَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَهَذَا الْإِسْنَادُ مُظْلِمٌ وَأَكْثَرُ رِجَالِهِ لَا يُعْرَفُونَ وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مَصْنُوعٌ مِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِي الرَّوَافِضِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ وَلَعَنَ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَجَّلَ لَهُ مَا تَوَعَّدَهُ الشَّارِعُ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ الصَّادِقُ فِي الْمَقَالِ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. وَكَيْفَ يَدْخُلُ فِي عَقْلِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أن يكون هذا الحديث يرويه عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لَهُ وَدِلَالَةٌ مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَا يُرْوَى عَنْهُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ الْمُظْلِمِ الْمُرَكَّبِ عَلَى رِجَالٍ لَا يُعْرَفُونَ، وَهَلْ لَهُمْ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) لَا، ثُمَّ هُوَ عَنِ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ الْعَيْنِ وَالْحَالِ فَأَيْنَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ الثِّقَاتُ كَعُبَيْدَةَ السَّلَمَانِيِّ وشريحٍ الْقَاضِي وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَأَضْرَابِهِمْ؟ ثُمَّ فِي تَرْكِ الْأَئِمَّةِ كَمَالِكٍ وَأَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَأَصْحَابِ الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ وَالصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِيدَاعَهُ فِي كُتُبِهِمْ أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ مُفْتَعَلٌ مَأْفُوكٌ بَعْدَهُمْ، وَهَذَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ قَدْ جَمَعَ كِتَابًا فِي خَصَائِصِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْوِهِ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَكُلَاهُمَا يُنْسَبُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّشَيُّعِ وَلَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ مِنَ النَّاسِ الْمُعْتَبَرِينَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَابِ وَالتَّعَجُّبِ، وَكَيْفَ يَقَعُ مِثْلُ هَذَا نَهَارًا جَهْرَةً وَهُوَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي على نقله،

(1/42)


ثُمَّ لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ مُنْكَرَةٍ وَأَكْثَرُهَا مُرَكَّبَةٌ مَوْضُوعَةٌ وَأَجْوَدُ مَا فِيهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْفِطْرِيِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ عَنْ أَسْمَاءَ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ التَّعْلِيلِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ فيما سلف.

[تصحيح أحمد بن صالح للحديث والرد عليه]
وَقَدِ اغْتَرَّ بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَالَ إِلَى صِحَّتِهِ، وَرَجَّحَ ثُبُوتَهُ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلِ الْحَدِيثِ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ سَبِيلُهُ الْعِلْمَ التَّخَلُّفَ عَنْ حِفْظِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ فِي رَدِّ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.
وَهَكَذَا مَالَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا فِيمَا قِيلَ.
وَنَقَلَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسْكَانِيُّ هَذَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ الْمُتَكَلِّمِ الْمُعْتَزِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عَوْدُ الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا آكَدُ حَالًا فِيمَا يَقْتَضِي نَقْلُهُ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فَضِيلَةً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْلَامِ النبوة وهو مقارن لِغَيْرِهِ فِي فَضَائِلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ.
وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَلَ هَذَا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا، وَهَذَا حَقٌّ لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ كَذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فى نفس الأمر والله أعلم.

[اعتراض ابن كثير على تصحيح أحمد بن صالح]
قُلْتُ: وَالْأَئِمَّةُ فِي كُلِّ عَصْرٍ يُنْكِرُونَ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَيَرُدُّونَهُ وَيُبَالِغُونَ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى رُوَاتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الحفاظ، كمحمد ويعلى بن عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّيْنِ، وَكَإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيِّ خَطِيبِ دمش ق وَكَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الْبُخَارِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ زَنْجَوَيْهِ، وَكَالْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرَ والشيخ أبى الفرج ابن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ

(1/43)


وَالْمُتَأَخِّرِينَ.
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ وَالْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ، وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: قَرَأْتُ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْهَاشِمِيِّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ (بْنِ) الْمَدِينِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: خَمْسَةُ أَحَادِيثَ يَرْوُونَهَا وَلَا أَصْلَ لَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ: لَوْ صَدَقَ السَّائِلُ مَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ، وَحَدِيثُ لَا وَجَعَ إِلَّا وَجَعُ الْعَيْنِ وَلَا غَمَّ، إِلَّا غَمُّ الدَّيْنِ، وَحَدِيثُ أَنَّ الشَّمْسَ رُدَّتْ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَحَدِيثُ أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَدَعَنِي تَحْتَ الْأَرْضِ مِائَتَيْ عَامٍ، وَحَدِيثُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ إِنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ.
وَالطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وإن كَانَ قَدِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْكَارُهُ وَالتَّهَكُّمُ بِمَنْ رَوَاهُ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ: ثنا جعفر ابن محمد بن عمير، ثنا سليمان بن عباد سمعت بشار ابن دراع قال: لقى أبو جنيفة مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ فَقَالَ: عَمَّنْ رَوَيْتَ حَدِيثَ رَدِّ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ:
عَنْ غَيْرِ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْهُ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ، فَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ وَهُوَ كوفى لايتهم عَلَى حُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَتَفْضِيلِهِ بِمَا فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَهُوَ مَعَ هذا ينكر على رواية وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ لَهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ بل مجرد معارضة بما لا يجدى، أَيْ أَنَا رَوَيْتُ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَبًا فَهُوَ فِي الْغَرَابَةِ نَظِيرَ مَا رَوَيْتَهُ أَنْتَ فِي فَضْلِ عمر ابن الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ.
وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، فَإِنَّ هذا ليس كذا إِسْنَادًا وَلَا مَتْنًا، وَأَيْنَ مُكَاشَفَةُ إِمَامٍ (قَدْ شهد الشارع له بأنه محّدّث) بأمر خير مِنْ رَدِّ الشَّمْسِ طَالِعَةً بَعْدَ مَغِيبِهَا الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ؟.

(1/44)


وَالَّذِي وَقَعَ لِيُوشِعَ بْنِ نُونٍ لَيْسَ رَدًّا لِلشَّمْسِ عَلَيْهِ. بَلْ حُبِسَتْ سَاعَةً قَبْلَ غُرُوبِهَا بمعنى تَبَاطَأَتْ فِي سَيْرِهَا حَتَّى أَمْكَنَهُمُ الْفَتْحُ وَاللَّهُ تعالى أعلم.
وتقم ما أورده هذا المصرى مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَقَدْ وَقَعَ فِي كِتَابِ أَبِي بِشْرٍ الدُّولَابِيِّ فِي الذرية الطاهرة من حديث الحسين ابن عَلِيٍّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الرَّافِضَةِ جَمَالُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُلَقَّبُ بِابْنِ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْإِمَامَةِ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْخُنَا (الْعَلَّامَةُ) أبو العباس ابن تَيْمِيَةَ قَالَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ: التَّاسِعُ رُجُوعُ الشَّمْسِ مَرَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِيَةُ بَعْدَهُ، أَمَّا الْأُولَى فَرَوَى جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ يَوْمًا يناجيه من عنده اللَّهِ، فَلَمَّا تَغَشَّاهُ الْوَحْيُ تَوَسَّدَ فَخِذَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى عَلِيٌّ الْعَصْرَ بِالْإِيمَاءِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: سَلِ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ الشَّمْسَ فَتُصَلِّيَ قَائِمًا. فَدَعَا فَرُدَّتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الْعَصْرَ قَائِمًا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْبُرَ الْفُرَاتَ ببابل اشتغل كثير من الصحابة بدوابهم وَصَلَّى لِنَفْسِهِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْعَصْرَ وَفَاتَ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَسَأَلَ اللَّهَ رَدَّ الشَّمْسِ فَرُدَّتْ قَالَ وَقَدْ نَظَّمَهُ الْحِمْيَرِيُّ فَقَالَ:
رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لَمَّا فَاتَهُ ... وَقْتُ الصَّلَاةِ وَقَدْ دَنَتْ لِلْمَغْرِبِ
حَتَّى تَبَلَّجَ نُورُهَا فِي وَقْتِهَا ... لِلْعَصْرِ ثُمَّ هَوَتْ هُوِيَّ الْكَوْكَبِ
وَعَلَيْهِ قَدْ رُدَّتْ بِبَابِلَ مَرَّةً ... أُخْرَى وما ردت لخلق مقرب
قال شيخنا أبو العباس (ابن تيمية) رحمه الله: فضل على وولايته وعلو منزلته عن اللَّهِ مَعْلُومٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ بِطُرُقٍ ثَابِتَةٍ أَفَادَتْنَا الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى مَا لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ أَوْ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَحَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ قَدْ ذَكَرَهُ

(1/45)


طَائِفَةٌ كَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّ المحققين مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، ثُمَّ أَوْرَدَ طُرُقَهُ وَاحِدَةً (وَاحِدَةً) كَمَا قَدَّمْنَا وَنَاقَشَ أَبَا الْقَاسِمِ الْحَسْكَانِيَّ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا كُلَّ ذَلِكَ وَزِدْنَا عَلَيْهِ وَنَقَصْنَا مِنْهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَاعْتَذَرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ (هَذَا الْحَدِيثَ) بِأَنَّهُ اغْتَرَّ بِسَنَدِهِ، وَعَنِ الطَّحَاوِيِّ بأنه لم يكن عنده نقل جيد للأسانيد كجهابذة الحفاظ، وقال فى عيوب كَلَامِهِ: وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ كَذِبٌ مُفْتَعَلٌ.
قُلْتُ: وَإِيرَادُ ابْنِ الْمُطَهَّرِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ غَرِيبٌ وَلَكِنْ لَمْ يُسْنِدْهُ وَفِي سِيَاقِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ عَلِيًّا (هُوَ الَّذِي) دَعَا بِرَدِّ الشَّمْسِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَأَمَّا إِيرَادُهُ لِقِصَّةِ بَابِلَ فَلَيْسَ لَهَا إِسْنَادٌ وَأَظُنُّهُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) مِنْ وَضْعِ الزَّنَادِقَةِ مِنَ الشِّيعَةِ وَنَحْوِهِمْ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَدْ غَرَبَتُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ وَلَمْ يَكُونُوا صَلَّوُا الْعَصْرَ بَلْ قَامُوا إلى بطحان وهو واد هناك فتوضئوا وَصَلَّوُا الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ عَلِيٌّ أَيْضًا فِيهِمْ وَلَمْ تُرَدَّ لَهُمْ. وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَاتَتْهُمُ الْعَصْرُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ تُرَدَّ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ لَمَّا نَامَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ صَلَّوْهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ وَلَمْ يُرَدَّ لَهُمُ اللَّيْلُ، فَمَا كان الله عز وجل ليعطى عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا مِنَ الْفَضَائِلِ لَمْ يُعْطِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ. وَأَمَّا نَظْمُ الْحِمْيَرِيِّ فَلَيْسَ (فِيهِ) حُجَّةٌ بَلْ هُوَ كَهَذَيَانِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ هَذَا لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ مِنَ النَّثْرِ وَهَذَا لَا يَدْرِي صِحَّةَ مَا يَنْظِمُ بَلْ كِلَاهُمَا كَمَا قَالَ الشاعر:
إن كنت أدرى فعلىّ بدنهمن ... كَثْرَةِ التَّخْلِيطِ أَنِّي مَنْ أَنَهْ
وَالْمَشْهُورُ عَنْ عَلِيٍّ فِي أَرْضِ بَابِلَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِأَرْضِ بَابِلَ وَقَدْ حَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى جَاوَزَهَا،

(1/46)


وقال: نهانى خليلى ص أَنْ أُصَلِّيَ بِأَرْضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ، وَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الملل والنخل مُبْطِلًا لِرَدِّ الشَّمْسِ عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ رَادًّا عَلَى مَنِ ادَّعَى بَاطِلًا مِنَ الْأَمْرِ فَقَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا لِفَاضِلٍ وَبَيْنَ دَعْوَى الرَّافِضَةِ رد الشمس على علي بن أبي طالب مَرَّتَيْنِ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ حَبِيبَ بْنَ أَوْسٍ قَالَ:
فَرُدَّتْ عَلَيْنَا الشَّمْسُ وَاللَّيْلُ رَاغِمٌ ... بِشَمْسٍ لَهُمْ مِنْ جَانِبِ الْخِدْرِ تَطْلُعُ
نَضَا «1» ضوءها صبغ الدجنّة «2» وانطوى ... لبهجتّها نور السماء المرجّع
فو الله مَا أَدْرِي عَلِيٌّ بَدَا لَنَا فَرُدَّتْ ... لَهُ أَمْ كَانَ فِي الْقَوْمِ يُوشَعُ
هَكَذَا أَوْرَدَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ، وَهَذَا الشِّعْرُ تَظْهَرُ عَلَيْهِ الرَّكَّةُ وَالتَّرْكِيبُ وَأَنَّهُ مَصْنُوعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.