معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -

[من دلائل النبوة] [استسقاؤه عليه السلام رَبَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لِأُمَّتِهِ حِينَ تَأَخَّرَ الْمَطَرُ فأجابه]
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَاتِ السَّمَاوِيَّةِ فِي بَابِ دَلَائِلِ النبوة، استسقاؤه عليه السلام رَبَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لِأُمَّتِهِ حِينَ تَأَخَّرَ الْمَطَرُ فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَالِهِ سَرِيعًا بِحَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ إِلَّا وَالْمَطَرُ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ عليه السلام وَكَذَلِكَ اسْتِصْحَاؤُهُ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ:
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالَ «3» الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو عَقِيلٍ الثقفى عن عمرو بْنِ حَمْزَةَ: ثَنَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي،
__________
(1) نضا ضوؤها: أزال الظلمة.
(2) الدجنة: الظلمة.
(3) الثمال: الذي يقوم بأمر قومه وتدبير شؤونهم.

(1/47)


فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ «1» كُلُّ مِيزَابٍ.
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً للأرامل
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وهذا الَّذِي عَلَّقَهُ قَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فَرَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْأَزْهَرِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدٌ- هُوَ ابْنُ سَلَامٍ- ثَنَا أبو ضمرة، ثنا شريك ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ وُجَاهَ الْمِنْبَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، (اللَّهُمَّ اسْقِنَا) قَالَ أَنَسٌ: وَلَا (وَاللَّهِ) مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قزعة «2» ولا شيئا، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ:
فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قال: والله ما رأينا الشمس ستا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، وَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، ادْعُ الله ينسمها، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا علينا، اللهم على الآكام والجبال (والظراب «3» ) ومنابت الشَّجَرِ، قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ، قال شريك: فسألت أنسا أهو الرجل الذى سأل أولا؟ قال: لا أدرى «4» .
__________
(1) يجيش: يتدفق الماء.
(2) قزعة: سحاب متفرق.
(3) الظراب: التلة والجبل المنبسط.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء (1013) (13/ 530) .

(1/48)


وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شَرِيكٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَدَعَا فَمُطِرْنَا فَمَا كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى مَنَازِلِنَا فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، قَالَ: فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمَالًا يُمْطَرُونَ وَلَا يُمْطَرُ (أَهْلُ) الْمَدِينَةِ «1» ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الوجه.

[حديث أنس]
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابن أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ، فَدَعَا فَمُطِرْنَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ وَهَلَكَتِ المواشى (فادع الله أن يمسكها) فقال: اللهم، على الآكام والظراب والأدوية وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ «2» .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، ثَنَا إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ:
أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةَ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ، وجاع العيال، فادع الله أَنْ يَسْقِيَنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وما (رأينا) فى السماء قزعة فو الذى نفسى بيده ما وضعها حتى ثار سحاب أمثال الجبال ثم
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء (1016) (3/ 541) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء (1033) (3/ 558) .

(1/49)


لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ قَالَ: فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنَ الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ قال غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، قَالَ: فَمَا جَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة فى مثل الجوبة وسال الوادى قناة شهرا، ولم يَجِيءْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجُودِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْجُمُعَةِ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أيوب ابن سلميان: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:
أَتَى (رَجُلٌ) أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ، هَلَكَ الْعِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ يَدْعُو وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله يشق الْمُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ الْأُوَيْسِيُّ- يعنى عَبْدِ اللَّهِ-: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ- هُوَ ابن كثير- عن يحيي ابن سعيد وشديك، سَمِعَا أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ «1» . هَكَذَا عَلَّقَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَلَمْ يُسْنِدْهُمَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قال: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فقام الناس فصلوا فقالوا: يا رسول الله قحط يالمطر، وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللَّهِ ما نرى فى
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء (1029، 1030) (3/ 553) .

(1/50)


السماء قزعة من سحاب، فنشأت سحابة وأمطرت ونزل عن المنبر فصلى فلما انصرف لم تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهَا عَنَّا، قَالَ:
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا، فتكشطت «1» المدينة فجعلت تمطر حولها ولا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الْإِكْلِيلِ «2» ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ فَقَالَ: قِيلَ لَهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ. وَأَجْدَبَتِ الْأَرْضُ، وَهَلَكَ الْمَالُ، قَالَ:
فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إبطيه فاستسقى، ولقد رفع يديه فَاسْتَسْقَى وَلَقَدْ رَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ سَحَابَةً فَمَا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ حَتَّى إِنَّ الشاب قريب الدار لَيَهُمُّهُ الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الَّتِي تَلِيهَا قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ تهدمت البيوت واحتبست الرُّكْبَانُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُرْعَةِ مَلَالَةِ ابْنِ آدَمَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، قَالَ: فَتَكَشَّطَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ «3» .
وَهَذَا إِسْنَادٌ ثُلَاثِيٌّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ ابن مالك وعن يونس بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبينا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْكُرَاعُ، هَلَكَتِ الشاء، فادع الله يسقينا، فمد يده ودعا. قال أنس: وإن السماء
__________
(1) تكشطت: ارتفع الغيم عنها وانكشفت.
(2) البخاري في كتاب الاستسقاء (1021) (3/ 547) .
(3) أحمد في مسنده (3/ 104، 188) .

(1/51)


لمثل الزجاجة، فهاجت الذيح أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حتى أتينا منازلنا فلم يزل تمطر إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتِ البيوت فادع الله يَحْبِسَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَنَظَرْتُ إلى السحاب يَتَصَدَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ، فَهَذِهِ طُرُقٌ متواترة عن أنس بن مالك لأنها تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ إِلَى أَبِي معمر سعيد بن أبى خيثم الْهِلَالِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ أَتَيْنَاكَ، وَمَا لَنَا بَعِيرٌ يبسط ولا صبى يصطبح وَأَنْشَدَ:
أَتَيْنَاكَ وَالْعَذْرَاءُ يَدْمَى لَبَانُهَا «1» ... وَقَدْ شُغِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَنِ الطِّفْلِ
وَأَلْقَى بِكَفَّيْهِ الْفَتَى لا ستكانة ... من الجوع ضعفا قائما وهو لا يخلى
وَلَا شَيْءَ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ عِنْدَنَا ... سِوَى الْحَنْظَلِ الْعَامِيِّ وَالْعِلْهِزِ «2» الْفَسْلِ «3»
وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا إِلَيْكَ فِرَارُنَا ... وَأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلَّا إِلَى الرُّسْلِ
قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مُرِيعًا سَرِيعًا غَدَقًا طِبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ تَمْلَأُ بِهِ الضرع، وتنبت به الزرع، ويحيى بِهِ الْأَرْضَ (بَعْدَ مَوْتِهَا) وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ. قَالَ: فو الله ما رد يده إلى نحره حتى ألقت السماء بأوراقها، وجاء أهل البطانة يصيحون:
يَا رَسُولَ اللَّهِ الْغَرَقَ الْغَرَقَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَانْجَابَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَحْدَقَ بِهَا كالإكليل فضحك رسول
__________
(1) لبانها: صدرها.
(2) العلهز: نبات.
(3) الفسل: الرديء.

(1/52)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ دَرُّ أَبِي طَالِبٍ لو كان حيا قرت عَيْنَاهُ مَنْ يُنْشِدُ قَوْلَهُ؟ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ أردت قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجه ... هثمال الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ
يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
كذبتم وبيت الله يبزى «1» محمد ... وَلَمَّا نُقَاتِلْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
قَالَ: وَقَامَ رجل من بنى كِنَانَةَ فَقَالَ:
لَكَ الْحَمْدُ وَالْحَمْدُ مِمَّنْ شَكَرْ ... سُقِينَا بِوَجْهِ النَّبِيِّ الْمَطَرْ
دَعَا اللَّهَ خَالِقَهُ دَعْوَةً ... إِلَيْهِ وَأَشْخَصَ مِنْهُ الْبَصَرْ
فَلَمْ يَكُ إِلَّا كَلَفِّ الرِّدَاءِ ... وَأَسْرَعَ حَتَّى رَأَيْنَا الدِّرَرْ «2»
رقاق العوالى عمّ البقاع ... أغاث به الله عينا مُضَرْ
وَكَانَ كَمَا قَالَهُ عَمُّهُ ... أَبُو طَالِبٍ أبيض ذو غرر
به الله يسقى بصوب الغمام ... وهذا العيان كذاك الخبر
فمن يشكر الله يلقى الْمَزِيدَ ... وَمِنْ يَكْفُرِ اللَّهَ يَلْقَى الْغِيَرْ
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يَكُ شَاعِرٌ يُحْسِنُ فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ وَلَا يُشْبِهُ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ أَنَسٍ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا مَحْفُوظًا فَهُوَ قِصَّةٌ أُخْرَى غير ما تقدم والله أعلم.
__________
(1) يبزي: يترك دون نصرة.
(2) الدرر: المطر المتساقط، والدر: الحلب.

(1/53)


وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الحارث الأصبهانى، ثنا أبو محمد ابن حبان، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ، ثَنَا عَبْدُ الجبار، ثنا مروان ابن مُعَاوِيَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حاطب الجمحي عن أبى وجرة يزيد بن عبيد السلمى قَالَ: لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَتَاهُ وَفْدُ بنى فزارة فيهم بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن الحصين، وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ- وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ- ابْنُ أَخِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، فَنَزَلُوا فِي دَارِ رَمَلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَدِمُوا عَلَى إِبِلٍ ضِعَافٍ عِجَافٍ وَهُمْ مُسْنِتُونَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ، فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ بلادهم قالوا: يا رسول بالله، أسنتت بلادنا، وأجدبت أحياؤنا، وَعَرِيَتْ عِيَالُنَا، وَهَلَكَتْ مَوَاشِينَا، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يُغِيثَنَا، وَتَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ وَيَشْفَعُ رَبُّكَ إِلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سبحان الله، ويلك هذا ما شَفَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ رَبُّنَا إِلَيْهِ؟ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسِعَ كرسيه السموات وَالْأَرْضَ وَهُوَ يَئِطُّ مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ كَمَا يئط الرجل الْجَدِيدُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِ اللَّهَ يَضْحَكُ مِنْ شَفَقَتِكُمْ وَأَزْلِكُمْ وَقُرْبِ غِيَاثِكُمْ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ:
وَيَضْحَكُ رَبُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَنْ نَعْدَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَرَفَعَ يَدَيْهِ- وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ من الدعاء إلا فى الاستسقاء- ورفع يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، وَكَانَ مِمَّا حفظ من دعائه: الله اسْقِ بَلَدَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا طَبَقًا وَاسِعًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ. اللَّهُمَّ سقيا رحمة ولا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ وَلَا مَحْقٍ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَانْصُرْنَا عَلَى الْأَعْدَاءِ، فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ «1» ، فقال رسول الله: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ التَّمْرُ فِي الْمَرَابِدِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم
__________
(1) المرابد: جمع مربد وهو ما يبسط فيه التمر ويجفف.

(1/54)


اسْقِنَا حَتَّى يَقُومَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا فَيَسُدَّ ثَعْلَبَ «1» مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ، قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي السَّمَاءِ مِنْ قَزَعَةٍ وَلَا سَحَابٍ وَمَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَسَلْعٍ مِنْ بِنَاءٍ وَلَا دَارٍ، فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَاءِ سَلْعٍ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرُسِ، فلما توسطت السماء انتشرت وهو ينطزون ثم أمطرت، فو الله ما رأوا الشمس ستا. وَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بازاره لئلا يخرج التمر منه، فقال رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فصعد النبى ص الْمِنْبَرَ فَدَعَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللهم عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، فَانْجَابَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْمَدِينَةِ كَانْجِيَابِ الثَّوْبِ، وَهَذَا السِّيَاقُ يُشْبِهُ سِيَاقَ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَلِبَعْضِهِ شَاهِدٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَفِي حديث أبى رزين العقيلى شاهد لبعضه وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، أَنَا أَبُو أحمد محمد ابن مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حاتم، ثنا محمد بن حماد الظهرانى، أنا سهل بن عبد الرحمن المعروف بالسدى بْنِ عَبْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله ابن أَبِي أُوَيْسٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:
اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جمعة وقال: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ نَرَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، حَتَّى يَقُومَ أَبُو لُبَابَةَ يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ، فَاسْتَهَلَّتِ السَّمَاءُ وَمَطَرَتْ وَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى (القوم) أبا لُبَابَةَ يَقُولُونَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ إِنَّ السَّمَاءَ وَاللَّهِ لَنْ تُقْلِعَ حَتَّى تَقُومَ عُرْيَانًا فَتَسُدَّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِكَ بِإِزَارِكَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ فَأَقْلَعَتِ السَّمَاءُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحْمَدُ وَلَا أَهْلُ الْكُتُبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ وقع مثل هذا الاستسقاء فى
__________
(1) الثعلب: مخرج الماء من الحوض

(1/55)


غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عتبة ابن أَبِي عُتْبَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بن الخطاب: حدثنا عن شأن ساعة السعرة، فَقَالَ عُمَرُ: خَرَجْنَا إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا وَأَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنْ كَانَ أحدنا ليذهب فيلتمس الرجل فلا يجده حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ رَقَبَتَهُ سَتَنْقَطِعُ حَتَّى إِنَّ الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشر به ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَقَالَ: أو تحب ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت فملأوا مَا مَعَهُمْ ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جِيدٌ قَوِيٌّ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ، وَقَدْ قال الواقدى كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَعِيرٍ وَمَثَلُهَا مِنَ الْخَيْلِ، وَكَانُوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، قَالَ:
وَنَزَلَ مِنَ المطرماء أَغْدَقَ الْأَرْضَ حَتَّى صَارَتِ الْغُدْرَانُ تَسْكُبُ بَعْضُهَا فى بعض وذلك فى حمأة الْقَيْظِ أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ الْبَلِيغِ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عليه، وكم له عليه السلام مِنْ مِثْلِ هَذَا فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمَّا دَعَا عَلَى قُرَيْشٍ حِينَ اسْتَعْصَتْ أَنْ يُسَلِّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا سَبْعًا كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْكِلَابَ وَالْعِلْهِزَ، ثُمَّ أَتَى أَبُو سُفْيَانَ يَشْفَعُ عِنْدَهُ فِي أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُمْ، فَدَعَا لَهُمْ فَرُفِعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أنس ابن مالك أن عمر بن الخطاب كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنا كنا نتوسل إليك بنينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك نعم نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ فَيُسْقَوْنَ «1» ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء (1010) (3/ 524) .

(1/56)