كتاب المغازي للواقدي شَأْنُ
غَزْوَةِ غَطَفَانَ بِذِي أَمَر4
وَكَانَتْ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ
شَهْرًا. خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الْخَمِيسِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ فَغَابَ
أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا.
ـــــــ
4 ذو أمر: واد بطريق فيد إلى المدينة على نحو ثلاث مراحل من المدكينة
بقرية النخيل. "وفاء الوفاء ج2، ص: 249".
(1/193)
حَدّثَنِي
مُحَمّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي هنيدة قال حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي
عَتّابٍ وَحَدّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ الضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ
وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَزَادَ بَعْضُهُمْ [عَلَى بَعْضٍ]1
فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ قَدْ حَدّثَنَا أَيْضًا، قَالُوا: بَلَغَ
رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّ جَمْعًا مِنْ
ثَعْلَبَة وَمُحَارِبٍ بِذِي أَمَرّ قَدْ تَجَمّعُوا يُرِيدُونَ أَنْ
يُصِيبُوا مِنْ أَطْرَافِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَمَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ دُعْثُور بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ مُحَارِبٍ فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَخَرَجَ فِي أَرْبَعِمِائَةِ
رَجُلٍ وَخَمْسِينَ وَمَعَهُمْ أَفْرَاسٌ فَأَخَذَ عَلَى الْمُنَقّى2،
ثُمّ سَلَكَ مَضِيقَ الْخُبَيْتِ3 ثُمّ خَرَجَ إلَى ذِي الْقَصّةِ4
فَأَصَابَ رَجُلًا مِنْهُمْ بِذِي الْقَصّةِ يُقَالُ لَهُ جَبّارٌ مِنْ
بَنِي ثَعْلَبَة، فَقَالُوا: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ أُرِيدُ يَثْرِبَ5.
قَالُوا: وَمَا حَاجَتُك بِيَثْرِبَ ؟ قَالَ أَرَدْت أَنْ أَرْتَادَ
لِنَفْسِي وَأَنْظُرَ. قَالُوا: هَلْ مَرَرْت بِجَمْعٍ أَوْ بَلَغَك
[خَبَرٌ] لِقَوْمِك؟ قَالَ لَا، إلّا أَنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ
دُعْثُورَ بْنَ الْحَارِثِ فِي أُنَاسٍ مِنْ قَوْمِهِ عُزْلٌ.
فَأَدْخَلُوهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَقَالَ يَا مُحَمّدُ إنّهُمْ
لَنْ يُلَاقُوك ; إنْ سَمِعُوا6 بِمَسِيرِك هَرَبُوا فِي رُءُوسِ
الْجِبَالِ وَأَنَا سَائِرٌ مَعَك وَدَالّك عَلَى عَوْرَتِهِمْ7.
فَخَرَجَ بِهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَمّهُ
إلَى بِلَالٍ، فَأَخَذَ بِهِ طَرِيقًا أَهْبَطَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ
كثيب8 وهربت منه
ـــــــ
1 الزيادة عن ب، ت.
2 المنقوى: اسم للأرض التي بين أحد والمدينة. "وفاء الوفاء ج2، ص:
379".
3 الخبيت: على بريد من المدينة. "معجم ما استعجم ص: 306".
4 ذو القصة: موضع على بريد من المدينة تلقاء نجد. "وفاء الوفاء ج2، ص:
362".
5 في ب، ت، ث: "أردت يثرب".
6 في ب، ت: "لو يسمعوا".
7 في ث: "عوراتهم".
8 في ب، ت، ث: "من كثب".
(1/194)
الْأَعْرَابُ
فَوْقَ الْجِبَالِ وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا قَدْ غَيّبُوا سَرْحَهُمْ فِي
ذُرَى الْجِبَالِ وذراريم، فَلَمْ يُلَاقِ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا، إلّا أَنّهُ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ
فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا أَمَرّ وَعَسْكَرَ مُعَسْكَرَهُمْ1
فَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ كَثِيرٌ فَذَهَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ فَأَصَابَهُ ذَلِكَ الْمَطَرُ فَبَلّ
ثَوْبَهُ وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَادِيَ ذِي أَمَرّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ. ثُمّ
نَزَعَ ثِيَابَهُ فَنَشَرَهَا لِتَجِفّ وَأَلْقَاهَا عَلَى شَجَرَةٍ
ثُمّ اضْطَجَعَ تَحْتَهَا2 وَالْأَعْرَابُ يَنْظُرُونَ إلَى كُلّ مَا
يَفْعَلُ فَقَالَتْ الْأَعْرَابُ لِدُعْثُور، وَكَانَ سَيّدَهَا
وَأَشْجَعَهَا: قَدْ أَمْكَنَك مُحَمّدٌ وَقَدْ انْفَرَدَ مِنْ
أَصْحَابِهِ حَيْثُ إنْ غَوّثَ بِأَصْحَابِهِ لَمْ يُغَثْ حَتّى
تَقْتُلَهُ. فَاخْتَارَ سَيْفًا مِنْ سُيُوفِهِمْ صَارِمًا، ثُمّ
أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى السّيْفِ حَتّى قَامَ عَلَى رَأْسِ
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسّيْفِ مَشْهُورًا،
فَقَالَ يَا مُحَمّدُ مَنْ يَمْنَعُك مِنّي الْيَوْمَ؟ قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللّهُ " قَالَ وَدَفَعَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي صَدْرِهِ وَوَقَعَ السّيْفُ مِنْ
يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَامَ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: " مَنْ يَمْنَعُك مِنّي
الْيَوْمَ "؟ قَالَ لَا أَحَدَ. قَالَ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ
إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ وَاَللّهِ لَا أُكْثِرُ
عَلَيْك جَمْعًا أَبَدًا فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ ثُمّ أَدْبَرَ ثُمّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ
فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ لِأَنْتَ خَيْرٌ مِنّي. قَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا أَحَقّ بِذَلِكَ مِنْك ".
فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالُوا: أَيْنَ مَا كُنْت تَقُولُ وَقَدْ
أَمْكَنَك وَالسّيْفُ فِي يَدِك؟ قَالَ وَاَللّهِ كَانَ ذَلِكَ
وَلَكِنّي نَظَرْت إلَى رَجُلٍ أَبْيَضَ طَوِيلٍ دَفَعَ فِي صَدْرِي
فَوَقَعْت لِظَهْرِي، فَعَرَفْت أَنّهُ مَلَكٌ وشهدت
ـــــــ
1 في ب، ت: "معسكره".
2 في ت: "بجنبها".
(1/195)
أَنْ لَا إلَهَ
إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ وَاَللّهِ لَا أُكْثِرُ
عَلَيْهِ وَجَعَلَ يَدْعُو قَوْمَهُ إلَى الْإِسْلَامِ.
وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَنْ
يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} 1
الْآيَةَ. وَكَانَتْ غَيْبَةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً وَاسْتَخْلَفَ النّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ.
ـــــــ
1 سوزرة 5 المائدة 11.
(1/196)
غَزْوَةُ بَنِي
سُلَيْمٍ بِبُحْرَانَ2 بِنَاحِيَةِ الْفُرْعِ
لِلَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى3، عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ
وَعِشْرِينَ شَهْرًا ; غَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَشْرًا.
حَدّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزّهْرِيّ قَالَ لَمّا بَلَغَ
رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّ جَمْعًا مِنْ
بَنِي سُلَيْمٍ كَثِيرًا4 بِبُحْرَان تَهَيّأَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ وَلَمْ يُظْهِرْ وَجْهًا،
فَخَرَجَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَغَذّوا5
السّيْرَ حَتّى إذَا كَانُوا دُونَ بُحْرَانَ بِلَيْلَةٍ لَقِيَ
رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَاسْتَخْبَرُوهُ عَنْ الْقَوْمِ وَعَنْ
جَمْعِهِمْ. فَأَخْبَرَهُ أَنّهُمْ قَدْ افْتَرَقُوا أَمْسِ وَرَجَعُوا
إلَى مَائِهِمْ6 فَأَمَرَ بِهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَحُبِسَ مَعَ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ ثُمّ سَارَ النّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى وَرَدَ بُحْرَانَ ، وَلَيْسَ
بِهِ أَحَدٌ وَأَقَامَ
ـــــــ
2 في الأصل: "بنجران". وما أثبتناه عن سائر النسخ، وفي كل حديث الغزوة
"بحران"
3 في ب: "جمادى الآخرة"
4 في ت: "كبيرا".
5 أغذ السير: أسرع. "القاموس المحيط ج1، ص: 356".
6 في ت: "ماء بهم"
(1/196)
أَيّامًا ثُمّ
رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرّجُلَ. وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَشْرَ
لَيَالٍ.
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُوحٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ
اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
الْمَدِينَة ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ.
(1/197)
شَأْنُ
سَرِيّةِ الْقَرَدَةِ1
فِيهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَهِيَ أَوّلُ سَرِيّةٍ خَرَجَ فِيهَا
زَيْدٌ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَمِيرًا، وَخَرَجَ لِهِلَالِ جُمَادَى
الْآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا.
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ
أَهْلِهِ قَالُوا: كَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ حَذِرَتْ طَرِيقَ الشّامِ
أَنْ يَسْلُكُوهَا، وَخَافُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا قَوْمًا تُجّارًا، فَقَالَ
صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: إنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ قَدْ عَوّرُوا
عَلَيْنَا مَتْجَرَنَا، فَمَا نَدْرِي كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَصْحَابِهِ
لَا يَبْرَحُونَ السّاحِلَ وَأَهْلُ السّاحِلِ قَدْ وَادَعَهُمْ
وَدَخَلَ عَامّتُهُمْ مَعَهُ فَمَا نَدْرِي أَيْنَ نَسْلُك، وَإِنْ
أَقَمْنَا نَأْكُلُ رُءُوسَ أَمْوَالِنَا وَنَحْنُ فِي دَارِنَا هَذِهِ
مَا لَنَا بِهَا نِفَاقٌ2 إنّمَا نَزَلْنَاهَا عَلَى التّجَارَةِ إلَى
الشّامِ فِي الصّيْفِ وَفِي الشّتَاءِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. قَالَ
لَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ فَنَكّبْ3 عَنْ السّاحِلِ وَخُذْ
طَرِيقَ الْعِرَاقِ. قَالَ صَفْوَانُ لَسْت بِهَا عَارِفًا. قَالَ
أَبُو زَمْعَةَ فَأَنَا أَدُلّك عَلَى أَخْبَرِ4 دَلِيلٍ بِهَا
يَسْلُكُهَا وَهُوَ مُغْمَضُ الْعَيْنِ إنْ شَاءَ الله. قال
ـــــــ
1 القردة: من أرض نجد بين الربذة ناحية ذات عرق. "طبقات ابن سعد ج3، ص:
286".
2 في ب، ت: "مكا لنا بها بقاء" وزالنفاق: جمع النفقة. "القاموس المحيط
ج3، ص: 286".
3 في الأصل: "فنكف عن" وما أثبتناه عن ب، ت.
4 في ت: "أجير".
(1/197)
مَنْ هُوَ؟
قَالَ فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ الْعِجْلِيّ، قَدْ دَوّخَهَا وَسَلَكَهَا.
قَالَ صَفْوَانُ فَذَلِكَ وَاَللّهِ فَأَرْسَلَ إلَى فُرَاتٍ فَجَاءَهُ
فَقَالَ إنّي أُرِيدُ الشّامَ وَقَدْ عَوّرَ عَلَيْنَا مُحَمّدٌ
مَتْجَرَنَا لِأَنّ طَرِيقَ عِيرَاتِنَا عَلَيْهِ فَأَرَدْت طَرِيقَ
الْعِرَاقِ . قَالَ فُرَاتٌ فَأَنَا أَسْلُكُ بِك فِي طَرِيقِ
الْعِرَاقِ، لَيْسَ يَطَؤُهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ - إنّمَا
هِيَ أَرْضُ نَجْدٍ وَفَيَافٍ. قَالَ صَفْوَانُ فَهَذِهِ حَاجَتِي،
أَمّا الْفَيَافِي فَنَحْنُ شَاتُونَ وَحَاجَتُنَا إلَى الْمَاءِ
الْيَوْمَ قَلِيلٌ. فَتَجَهّزَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، وَأَرْسَلَ
مَعَهُ أَبُو زَمْعَةَ بِثَلَاثِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَنُقَرِ1
فِضّةٍ وَبَعَثَ مَعَهُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ بِبَضَائِعَ وَخَرَجَ
مَعَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ
الْعُزّى فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ. وَخَرَجَ صَفْوَانُ بِمَالٍ
كَثِيرٍ - نُقَرِ فِضّةٍ وَآنِيَةِ فِضّةٍ وَزْنِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ وَخَرَجُوا عَلَى ذَاتِ عِرْقٍ2.
وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيّ، وَهُوَ
عَلَى دِينِ قَوْمِهِ فَنَزَلَ عَلَى كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ
فِي بَنِي النّضِيرِ فَشَرِبَ مَعَهُ وَشَرِبَ مَعَهُ سَلِيطُ بْنُ
النّعْمَانِ بْنِ أَسْلَمَ - وَلَمْ تُحَرّمْ الْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ -
وَهُوَ يَأْتِي بَنِي النّضِيرِ وَيُصِيبُ مِنْ شَرَابِهِمْ. فَذَكَرَ
نُعَيْمٌ خُرُوجَ صَفْوَانَ فِي عِيرِهِ وَمَا مَعَهُمْ مِنْ
الْأَمْوَالِ فَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي مِائَةِ رَاكِبٍ
فَاعْتَرَضُوا لَهَا فَأَصَابُوا الْعِيرَ. وَأَفْلَتْ أَعْيَانُ
الْقَوْمِ وَأَسَرُوا رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ وَقَدِمُوا بِالْعِيرِ
عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَمّسَهَا،
فَكَانَ الْخُمُسُ يَوْمَئِذٍ قِيمَةَ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
وَقَسَمَ مَا بَقِيَ عَلَى أَهْلِ السّرِيّةِ. وَكَانَ فِي الْأَسْرَى
فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ، فَأُتِيَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ أَسْلِمْ، إنْ
تُسْلِمْ نَتْرُكْكَ مِنْ الْقَتْلِ فَأَسْلَمَ فَتَرَكَهُ مِنْ
الْقَتْلِ.
ـــــــ
1 النقرة: القطعة المذابة من الذهب والفضة. "القاموس المححيط ج2، ص:
147".
2 ذات عرق: مهل أهل العراق. وهو الحد بين نجد وتهامة. "معجم البلدان
ج6، ص: 154".
(1/198)
|