كتاب المغازي للواقدي

سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أُسَيْرِ بْن زَارِمَ
فِي شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ
قال الْوَاقِدِيّ: حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ سَمِعْت عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ قَالَ غَزَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ خَيْبَرَ مَرّتَيْنِ بَعَثَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَعْثَةَ الْأُولَى إلَى خَيْبَرَ فِي رَمَضَانَ فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَنْظُرُ إلَى خَيْبَرَ ، وَحَالِ أَهْلِهَا وَمَا يُرِيدُونَ وَمَا يَتَكَلّمُونَ بِهِ فَأَقْبَلَ حَتّى أَتَى نَاحِيَةَ خَيْبَرَ فَجَعَلَ يَدْخُلُ الْحَوَائِطَ وَفَرّقَ أَصْحَابَهُ فِي النّطَاةِ، وَالشّقّ، وَالْكَتِيبَةِ 1، وَوَعَوْا مَا سَمِعُوا مِنْ أُسَيْرٍ وَغَيْرِهِ. ثُمّ خَرَجُوا بَعْدَ إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ فَرَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَخَبّرَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلّ مَا رَأَى وَسَمِعَ ثُمّ خَرَجَ إلَى أُسَيْرٍ فِي شَوّالٍ.
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: كَانَ أُسَيْرٌ رَجُلًا شُجَاعًا، فَلَمّا قُتِلَ أَبُو رَافِعٍ أَمّرَتْ الْيَهُودُ أُسَيْرَ بْنَ زَارِمَ فَقَامَ فِي الْيَهُودِ فَقَالَ: إنّهُ وَاَللّهِ مَا سَارَ مُحَمّدٌ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْيَهُودِ إلّا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَصَابَ مِنْهُمْ مَا أَرَادَ وَلَكِنّي أَصْنَعُ مَا لَا يَصْنَعُ أَصْحَابِي. فَقَالُوا: وَمَا عَسَيْت أَنْ تَصْنَعَ مَا لَمْ يَصْنَعْ أَصْحَابُك ؟ قَالَ: أَسِيرُ فِي غَطَفَانَ فَأَجْمَعُهُمْ. فَسَارَ فِي غَطَفَانَ فَجَمَعَهَا، ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، نَسِيرُ إلَى مُحَمّدٍ فِي عُقْرِ دَارِهِ فَإِنّهُ لَمْ يُغْزَ أَحَدٌ فِي دَارِهِ إلّا أَدْرَكَ مِنْهُ عَدُوّهُ بَعْضَ مَا يُرِيدُ. قَالُوا: نِعْمَ مَا رَأَيْت.
فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ: وَقَدِمَ عَلَيْهِ خَارِجَةُ بْنُ حُسَيْلٍ الْأَشْجَعِيّ، فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَرَاءَهُ فقال: تركت
ـــــــ
1 النطاة والشق والكتيبة من آطام خيبر. [وفاء الوفا، ج2، ص330، 364، 383].

(2/566)


أُسَيْرَ بْنَ زَارِمَ يَسِيرُ إلَيْك فِي كَتَائِبِ الْيَهُودِ. قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاسَ فَانْتُدِبَ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: فَكُنْت فِيهِمْ فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ. قَالَ فَخَرَجْنَا حَتّى قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَأَرْسَلْنَا إلَى أُسَيْرٍ إنّا آمِنُونَ حَتّى نَأْتِيَك فَنَعْرِضَ عَلَيْك مَا جِئْنَا لَهُ ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَلِي مِثْلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا: إنّ رَسُولَ اللّهِ بَعَثَنَا إلَيْك أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ فَيَسْتَعْمِلَك عَلَى خَيْبَرَ وَيُحْسِنَ إلَيْك. فَطَمِعَ فِي ذَلِكَ وَشَاوَرَ الْيَهُودَ فَخَالَفُوهُ فِي الْخُرُوجِ وَقَالُوا: مَا كَانَ مُحَمّدٌ يَسْتَعْمِلُ رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَقَالَ بَلَى، قَدْ مَلِلْنَا الْحَرْبَ. قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ مَعَ كُلّ رَجُلٍ رَدِيفٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ فَسِرْنَا حَتّى إذَا كُنّا بِقَرْقَرَةِ ثِبَارٍ 1 نَدِمَ أُسَيْرٌ حَتّى عَرَفْنَا النّدَامَةَ فِيهِ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: وَأَهْوَى بِيَدِهِ إلَى سَيْفِي فَفَطِنْت لَهُ. قَالَ فَدَفَعْت بَعِيرِي فَقُلْت: غَدْرًا أَيْ عَدُوّ اللّهِ ثُمّ تَنَاوَمْت فَدَنَوْت مِنْهُ لِأَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ فَتَنَاوَلَ سَيْفِي، فَغَمَزْت بَعِيرِي وَقُلْت: هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَنْزِلُ فَيَسُوقُ بِنَا ؟ فَلَمْ يَنْزِلْ أَحَدٌ، فَنَزَلْت عَنْ بَعِيرِي فَسُقْت بِالْقَوْمِ حَتّى انْفَرَدَ أُسَيْرٌ فَضَرَبْته بِالسّيْفِ فَقَطَعْت مُؤَخّرَةَ الرّجْلِ وَأَنْدَرْت 2 عَامّةَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَسَقَطَ عَنْ بَعِيرِهِ وَفِي يَدِهِ مِخْرَشٌ مِنْ 3 شَوْحَطٍ فَضَرَبَنِي فَشَجّنِي مَأْمُومَةً 4 وَمِلْنَا عَلَى
ـــــــ
1 في مغازي موسى بن عقبة: "قرقرة تيار". [وفاء الوفا، ج2، ص 361]. وثبار: موضع على ستة أميال من خيبر. [وفاء الوفا، ج2، ص 273].
2 أندره: أسقطه، ويقال ضرب يده بالسيف فأندرها. [الصحاح، ص 835].
3 في الأصل: "مخرش من سوط"؛ وما أثبتناه من ابن سعد. [الطبقات، ج2، ص 67] والمخرش: عصا معوجة الرأس. [النهاية، ج1، ص 388]. والشوحط: ضرب من شجر الجبال. [الصحاح، ص 1136].
4 يقال: شجة مأمومة، أي بلغت أم الرأس. [القاموس المحيط، ج4، ص 76].

(2/567)


أَصْحَابِهِ فَقَتَلْنَاهُمْ كُلّهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَعْجَزَنَا شَدّا، وَلَمْ يُصَبْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ، ثُمّ أَقْبَلْنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدّثُ أَصْحَابَهُ إذْ قَالَ لَهُمْ: تَمَشّوْا بِنَا إلَى الثّنِيّةِ نَتَحَسّبُ مِنْ أَصْحَابِنَا خَبَرًا. فَخَرَجُوا مَعَهُ فَلَمّا أَشْرَفُوا عَلَى الثّنِيّةِ فَإِذَا هُمْ بِسَرَعَانِ أَصْحَابِنَا. قَالَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ. قَالَ: وَانْتَهَيْنَا إلَيْهِ فَحَدّثْنَاهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ نَجّاكُمْ اللّهُ مِنْ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ!
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: فَدَنَوْت إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَفَثَ فِي شَجّتِي، فَلَمْ تَقِحْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَمْ تُؤْذِنِي، وَقَدْ كَانَ الْعَظْمُ فُلّ وَمَسَحَ عَلَى وَجْهِي وَدَعَا لِي، وَقَطَعَ قِطْعَةً مِنْ عَصَاهُ فَقَالَ أَمْسِكْ هَذَا مَعَك عَلَامَةً بَيْنِي وَبَيْنَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْرِفُك بِهَا، فَإِنّك تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَخَصّرًا 1. فَلَمّا دُفِنَ جُعِلَتْ مَعَهُ تَلِي جَسَدَهُ دُونَ ثِيَابِهِ.
فَحَدّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْت أُصْلِحُ قَوْسِي. قَالَ فَجِئْت فَوَجَدْت أَصْحَابِي قَدْ وُجّهُوا إلَى أُسَيْرِ بْنِ زَارِمَ. قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أَرَى أُسَيْرَ بْنَ زَارِمَ !". أَيْ اُقْتُلْهُ.
ـــــــ
1 أي يأخذ بيده مخصرة، وهي العصا. [النهاية، ج1، ص 296].

(2/568)


سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ
لَمّا أُغِيرَ عَلَى لِقَاحِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْجَدْرِ فِي شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ وَهِيَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أميال من المدينة 1 .
ـــــــ
1 قال ابن سعد: الجدر ناحية قباء قريباً من عير على ستة أميال من المدينة. [الطبقات، ج2، ص 67].

(2/568)


حَدّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قَالَ: قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ ثَمَانِيَةٌ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا، فَاسْتَوْبَأُوا 1 الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ بِهِمْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى لِقَاحِهِ وَكَانَ سَرْحُ الْمُسْلِمِينَ بِذِي الْجَدْرِ فَكَانُوا بِهَا حَتّى صَحّوا وَسَمِنُوا. وَكَانُوا اسْتَأْذَنُوهُ يَشْرَبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَأَذِنَ لَهُمْ فَغَدَوْا عَلَى اللّقَاحِ فَاسْتَاقُوهَا 2، فَيُدْرِكُهُمْ مَوْلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ فَقَاتَلَهُمْ فَأَخَذُوهُ فَقَطَعُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَغَرَزُوا الشّوْكَ فِي لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتّى مَاتَ. وَانْطَلَقُوا بِالسّرْحِ فَأَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى حِمَارٍ لَهَا حَتّى تَمُرّ بِيَسَارٍ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَمّا رَأَتْهُ وَمَا بِهِ - وَقَدْ مَاتَ - رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا وَخَبّرَتْهُمْ الْخَبَرَ، فَخَرَجُوا نَحْوَ يَسَارٍ حَتّى جَاءُوا بِهِ إلَى قُبَاءَ مَيّتًا. فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرِهِمْ عِشْرِينَ فَارِسًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمْ حَتّى أَدْرَكَهُمْ اللّيْلُ فَبَاتُوا بِالْحَرّةِ وَأَصْبَحُوا فَاغْتَدَوْا لَا يَدْرُونَ أَيْنَ يَسْلُكُونَ فَإِذَا هُمْ بِامْرَأَةٍ تَحْمِلُ كَتِفَ بَعِيرٍ فَأَخَذُوهَا فَقَالُوا: مَا هَذَا مَعَك ؟ قَالَتْ مَرَرْت بِقَوْمٍ قَدْ نَحَرُوا بَعِيرًا فَأَعْطَوْنِي. قَالُوا: أَيْنَ هُمْ ؟ قَالَتْ: هُمْ بِتِلْكَ الْقِفَارِ مِنْ الْحَرّةِ، إذَا وَافَيْتُمْ عَلَيْهَا رَأَيْتُمْ دُخَانَهُمْ. فَسَارُوا حَتّى أَتَوْهُمْ حِينَ فَرَغُوا مِنْ طَعَامِهِمْ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يَسْتَأْسِرُوا، فَاسْتَأْسَرُوا بِأَجْمَعِهِمْ لَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إنْسَانٌ فَرَبَطُوهُمْ وَأَرْدَفُوهُمْ عَلَى الْخَيْلِ حَتّى قَدِمُوا بِهِمْ الْمَدِينَةَ ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَابَةِ ، فَخَرَجُوا نَحْوَهُ.
قَالَ خَارِجَةُ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ قَالَ حَدّثَنِي أنس بن مالك
ـــــــ
1 استوبأوا المدينة: أي وجدوها وبئة. [الصحاح، ص 79].
2 وقد كفروا بعد إسلامهم.ش

(2/569)


قَالَ: فَخَرَجْت أَسْعَى فِي آثَارِهِمْ مَعَ الْغِلْمَانِ حَتّى لَقِيَ بِهِمْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزّغَابَةِ بِمَجْمَعِ السّيُولِ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ وَصُلِبُوا هُنَاكَ. قَالَ أَنَسٌ إنّي لَوَاقِفٌ أَنْظُرُ إلَيْهِمْ.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: فَحَدّثَنِي إسْحَاقُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوَمَه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمّا قَطَعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْدِي أَصْحَابِ اللّقَاحِ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنّمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتّلُوا أَوْ يُصَلّبُوا أَوْ تُقَطّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ...} 1 الْآيَةَ. قَالَ: فَلَمْ تُسْمَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنٌ.
قَالَ فَحَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ مَا بَعَثَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْثًا إلّا نَهَاهُمْ عَنْ الْمُثْلَةِ.
وَحَدّثَنِي ابْنُ بِلَالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ: لَمْ يَقْطَعْ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَانًا قَطّ، وَلَمْ يَسْمُلْ عَيْنًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ وَالرّجْلِ.
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ: أَمِيرُ السّرِيّةِ ابْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ.
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى، قَالَ: لَمّا ظَفِرُوا بِاللّقَاحِ خَلّفُوا عَلَيْهَا سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَمَعَهُ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيّ، وَكَانَتْ اللّقَاحُ خَمْسَ عَشْرَةَ لِقْحَةً غِزَارًا. فَلَمّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الزّغَابَةِ وَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا اللّقَاحُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إلَيْهَا فَتَفَقّدَ مِنْهَا لِقْحَةً
ـــــــ
1 سورة المائدة 33.

(2/570)


لَهُ يُقَالُ لَهَا الْحِنّاءُ 1 فَقَالَ: أَيْ سَلَمَةُ أَيْنَ الْحِنّاءُ ؟ قَالَ: نَحَرَهَا الْقَوْمُ وَلَمْ يَنْحَرُوا غَيْرَهَا. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُنْظُرْ مَكَانًا تَرْعَاهَا فِيهِ". قَالَ: مَا كَانَ أَمْثَلَ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ بِذِي الْجَدْرِ. قَالَ: فَرَدّهَا إلَى ذِي الْجَدْرِ. فَكَانَتْ هُنَاكَ وَكَانَ لَبَنُهَا يُرَاحُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّ لَيْلَةٍ وَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ.
قَالَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ فَحَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنّهُ أَخْبَرَهُ أَنّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ أَخْبَرَهُ بِعِدّةِ الْعِشْرِينَ فَارِسًا فَقَالَ: أَنَا، وَأَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيّ، وَأَبُو ذَرّ وَبُرَيْدَةُ بْنُ الْخُصَيْبِ وَرَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ وَجُنْدُبُ بْنُ مَكِيثٍ وَبِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ، وَجُعَالُ بْنُ سُرَاقَةَ وَصَفْوَانُ بْنُ مُعَطّلٍ وَأَبُو رَوْعَةَ مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ بَدْرٍ، وَسُوَيْدُ بْنُ صَخْرٍ، وَأَبُو ضُبَيْسٍ الْجُهَنِيّ.
ـــــــ
1 في الأصل: "الحيا"؛ وما أثبتناه من الزرقاني، يروى عن الواقدي. [شرح على المواهب اللدنية، ج2، ص 211]. ومن ابن سعد. [الطبقات، ج2، ص 68].

(2/571)