كتاب المغازي للواقدي

سَرِيّةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السّلَمِيّ
فِي ذِي الْحَجّةِ سَنَةَ سَبْعٍ
حَدّثَنِي مُحَمّدٌ عَنْ الزّهْرِيّ، قَالَ: لَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ سَنَةَ سَبْعٍ - رَجَعَ فِي ذِي الْحَجّةِ سَنَةَ سَبْعٍ - بَعَثَ ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ السّلَمِيّ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا، فَخَرَجَ إلَى بَنِي سُلَيْمٍ. وَكَانَ عَيْنٌ لِبَنِي سُلَيْمٍ مَعَهُ فَلَمّا فَصَلَ مِنْ الْمَدِينَةِ خَرَجَ الْعَيْنُ إلَى قَوْمِهِ فَحَذّرَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ فَجَمَعُوا جَمْعًا كَثِيرًا. وَجَاءَهُمْ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَالْقَوْمُ مُعَدّونَ لَهُ فَلَمّا رَآهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَوْا جَمْعَهُمْ دَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَرَشَقُوهُمْ بِالنّبْلِ وَلَمْ يَسْمَعُوا قَوْلَهُمْ وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إلَى مَا دَعَوْتُمْ إلَيْهِ. فَرَامُوهُمْ سَاعَةً وَجَعَلَتْ الْأَمْدَادُ تَأْتِي حَتّى أُحْدِقُوا بِهِمْ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ فَقَاتَلَ الْقَوْمُ قِتَالًا شَدِيدًا حَتّى قُتِلَ عَامّتُهُمْ وَأُصِيبَ صَاحِبُهُمْ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ جَرِيحًا مَعَ الْقَتْلَى، ثُمّ تَحَامَلَ حَتّى بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

(2/741)


إسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
حَدّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: كُنْت لِلْإِسْلَامِ مُجَانِبًا مُعَانِدًا، فَحَضَرْت بَدْرًامَعَ الْمُشْرِكِينَ فَنَجَوْت، ثُمّ حَضَرْت أُحُدًا فَنَجَوْت، ثُمّ حَضَرْت الْخَنْدَقَ 1 فَقُلْت فِي نفسي: كم
ـــــــ
1 في ابن كثير عن الواقدي: "ثم حضرت الخندق ونجوت". [البداية والنهاية، ج4، ص 236].

(2/741)


أُوضِعُ 1 ؟ وَاَللّهِ لَيَظْهَرَنّ مُحَمّدٌ عَلَى قُرَيْشٍ فَخَلّفْت 2 مَالِي بِالرّهْطِ وَأَفْلَتْ - يَعْنِي مِنْ النّاسِ - فَلَمْ أَحْضُرْالْحُدَيْبِيَةَ وَلَا صُلْحَهَا، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصّلْحِ وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ إلَى مَكّةَ، فَجَعَلْت أَقُولُ: يَدْخُلُ مُحَمّدٌ قَابِلًا مَكّةَ بِأَصْحَابِهِ مَا مَكّةُ بِمَنْزِلٍ وَلَا الطّائِفُ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ خَيْرٌ مِنْ الْخُرُوجِ. وَأَنَا بَعْدُ نَاتٍ 3 عَنْ الْإِسْلَامِ أَرَى لَوْ أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ كُلّهَا لَمْ أُسْلِمْ. فَقَدِمْت مَكّةَ فَجَمَعْت رِجَالًا مِنْ قَوْمِي كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي وَيَسْمَعُونَ مِنّي وَيُقَدّمُونَنِي فِيمَا نَابَهُمْ فَقُلْت لَهُمْ كَيْفَ أَنَا فِيكُمْ ؟ قَالُوا: ذُو رَأْيِنَا وَمِدْرَهُنَا4 ، مَعَ يُمْنِ نَفْسٍ وَبَرَكَةِ أَمْرٍ 5. قَالَ [قُلْت] : تَعْلَمُونَ وَاَللّهِ أَنّي لَأَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ أَمْرًا يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوّا مُنْكَرًا، وَإِنّي قَدْ رَأَيْت رَأْيًا. قَالُوا: مَا هُوَ ؟ قَالَ: نَلْحَقُ بِالنّجَاشِيّ فَنَكُونُ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ يَظْهَرُ مُحَمّدٌ كُنّا عِنْدَ النّجَاشِيّ، فَنَكُونُ تَحْتَ يَدِ النّجَاشِيّ أَحَبّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدِ مُحَمّدٍ وَإِنْ تَظْهَرُ قُرَيْشٌ فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا. قَالُوا: هَذَا الرّأْيُ قَالَ: فَاجْمَعُوا مَا تُهْدُونَهُ لَهُ. وَكَانَ أَحَبّ مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمُ. قَالَ: فَجَمَعْنَا أَدَمًا كَثِيرًا، ثُمّ خَرَجْنَا حَتّى قَدِمْنَا عَلَى النّجَاشِيّ، فَوَاَللّهِ إنّا لَعِنْدَهُ إذْ جَاءَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَهُ إلَيْهِ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ إلَيْهِ يُزَوّجُهُ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ فدخل
ـــــــ
1 أوضع البعير راكبه: إذا حلمه على سرعة السير. [النهاية، ج4، ص 216].
2 في ابن كثير عن الواقدي: "فلحقت بمالي بالرهط وأقللت من الناس". [البداية والنهاية، ج4، ص 236].
3 في ابن كثير عن الواقدي: "فأنا نائي". [البداية والنهاية، ج4، ص 236].
4 المدره: السيد الشريف، والمقدم في اللسان واليد عند الخصومة والقتال. [القاموس المحيط، ج4، ص 283].
5 في الأصل: "مع يمن بفيته وبركة". وفي ابن كثير عن الواقدي: "في يمن نفسه وبركة أمر". [البداية والنهاية، ج4، ص236].

(2/742)


عَلَيْهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَقُلْت لِأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ وَلَوْ قَدْ دَخَلْت عَلَى النّجَاشِيّ وَسَأَلْته إيّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَضَرَبْت عُنُقَهُ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ سُرّتْ قُرَيْشٌ وَكُنْت قَدْ أَجْزَأَتْ 1 عَنْهَا حِينَ قَتَلْت رَسُولَ مُحَمّدٍ. قَالَ: فَدَخَلْت عَلَى النّجَاشِيّ فَسَجَدْت لَهُ كَمَا كُنْت أَصْنَعُ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي أَهْدَيْت لِي مِنْ بِلَادِك شَيْئًا ؟ قَالَ: فَقُلْت: نَعَمْ أَيّهَا الْمَلِكُ أَهْدَيْت لَك أَدَمًا كَثِيرًا. ثُمّ قَرّبْته إلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ وَفَرّقَ مِنْهُ أَشْيَاءَ بَيْنَ بِطَارِقَتِهِ وَأَمَرَ بِسَائِرِهِ فَأُدْخِلَ فِي مَوْضِعٍ وَأَمَرَ أَنْ يَكْتُبَ وَيَحْتَفِظُ بِهِ. فَلَمّا رَأَيْت طِيبَ نَفْسِهِ قُلْت: أَيّهَا الْمَلِكُ إنّي قَدْ رَأَيْت رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدَك وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوّ لَنَا ; قَدْ وَتَرَنَا وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا وَخِيَارَنَا فَأُعْطِنِيهِ فَأَقْتُلْهُ فَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفِي ضَرْبَةً ظَنَنْت أَنّهُ كَسَرَهُ وَابْتَدَرَ مِنْخَارِي، فَجَعَلْت أَتَلْقَى الدّمَ بِثِيَابِي، وَأَصَابَنِي مِنْ الذّلّ مَا لَوْ انْشَقّتْ بِي الْأَرْضُ دَخَلْت فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ. ثُمّ قُلْت لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ لَوْ ظَنَنْت أَنّك تَكْرَهُ مَا فَعَلْت مَا سَأَلْتُك. قَالَ: وَاسْتَحْيِي وَقَالَ: يَا عَمْرُو، تَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَك رَسُولَ رَسُولِ اللّهِ - مَنْ يَأْتِيهِ النّامُوسُ الْأَكْبَرُ الّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَاَلّذِي كَانَ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - لِتَقْتُلَهُ ؟
قَالَ عَمْرٌو: وَغَيّرَ اللّهُ قَلْبِي عَمّا كُنْت عَلَيْهِ وَقُلْت فِي نَفْسِي: عَرَفَ هَذَا الْحَقّ الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ وَتُخَالِفُ أَنْتَ ؟ قُلْت: أَتَشْهَدُ أَيّهَا الْمَلِكُ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ أَشْهَدُ بِهِ عِنْدَ اللّهِ يَا عَمْرُو فَأَطِعْنِي وَاتّبَعَهُ وَاَللّهِ إنّهُ لَعَلَى الْحَقّ وَلَيَظْهَرَنّ عَلَى كُلّ 2 دِينٍ خَالَفَهُ. كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ. قُلْت: أَفَتُبَايِعُنِي عَلَى الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَتْهُ على الإسلام،
ـــــــ
1 أجزأت عنها: أي كفيتها. [شرح أبي ذر، ص 327].
2 في ابن كثير عن الواقدي: "على من خالفه". [البداية والنهاية، ج4، ص 237].

(2/743)


وَدَعَا لِي بِطَسْتٍ فَغَسَلَ عَنّي الدّمَ وَكَسَانِي ثِيَابًا، وَكَانَتْ ثِيَابِي قَدْ امْتَلَأَتْ مِنْ الدّمِ فَأَلْقَيْتهَا، ثُمّ خَرَجْت إلَى أَصْحَابِي فَلَمّا رَأَوْا كِسْوَةَ الْمَلِكِ سُرّوا بِذَلِكَ وَقَالُوا: هَلْ أَدْرَكْت مَنْ صَاحِبُك مَا أَرَدْت ؟ فَقُلْت لَهُمْ كَرِهْت أَنْ أُكَلّمَهُ فِي أَوّلِ مَرّةٍ وَقُلْت أَعُودُ إلَيْهِ. قَالُوا: الرّأْيُ مَا رَأَيْت وَفَارَقْتهمْ كَأَنّي أَعْمِدُ لِحَاجَةٍ فَعَمِدْت إلَى مَوْضِعِ السّفُنِ فَأَجِدُ سَفِينَةً قَدْ شُحِنَتْ بِرُقَعٍ 1 فَرَكِبْت مَعَهُمْ وَدَفَعُوهَا حَتّى انْتَهَوْا إلَى الشّعَيْبَةِ2 وَخَرَجْت مِنْ الشّعَيْبَةِ وَمَعِي نَفَقَةٌ فَابْتَعْت بَعِيرًا وَخَرَجْت أُرِيدُ الْمَدِينَةَ حَتّى خَرَجْت عَلَى مَرّ الظّهْرَانِ ، ثُمّ مَضَيْت حَتّى كُنْت بِالْهَدّةِ إذَا رَجُلَانِ قَدْ سَبَقَانِي بِغَيْرِ كَثِيرٍ يُرِيدَانِ مَنْزِلًا، وَأَحَدُهُمَا دَاخِلٌ فِي خَيْمَةٍ وَالْآخَرُ قَائِمٌ يُمْسِكُ الرّاحِلَتَيْنِ فَنَظَرْت وَإِذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقُلْت: أَبَا سُلَيْمَانَ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ: مُحَمّدًا، دَخَلَ النّاسُ فِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ بِهِ طَمَعٌ 3 وَاَللّهِ لَوْ أَقَمْنَا لَأَخَذَ بِرِقَابِنَا كَمَا يُؤْخَذُ بِرِقْبَةِ الضّبُعِ فِي مَغَارَتِهَا. قُلْت: وَأَنَا وَاَللّهِ قَدْ أَرَدْت مُحَمّدًا وَأَرَدْت الْإِسْلَامَ. وَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَرَحّبَ بِي فَنَزَلْنَا جَمِيعًا فِي الْمَنْزِلِ ثُمّ تَرَافَقْنَا 4 حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، فَمَا أَنْسَى قَوْلَ رَجُلٍ لَقِينَاهُ بِبِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ يَصِيحُ: يَا رَبَاحُ! يَا رَبَاحُ! فَتَفَاءَلْنَا بِقَوْلِهِ وَسِرْنَا، ثُمّ نَظَرَ إلَيْنَا فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: قَدْ أَعْطَتْ مَكّةُ الْمَقَادَةَ بَعْدَ هَذَيْنِ فَظَنَنْت أَنّهُ يَعْنِينِي وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، ثُمّ وَلّى مُدْبِرًا إلَى الْمَسْجِدِ سَرِيعًا
ـــــــ
1 في ابن كثير عن الواقدي: "قد شحنت تدفع". [البداية والنهاية، ج4، ص 237]. ورقع: جمع رقعة، كهمزة: شجرة عظيمة. [القاموس المحيط، ج3، ص 31].
2 في ابن كثير عن الواقدي: "الشعبية". [البداية والنهاية، ج4، ص237]. والشعبية: على شاطئ البحر بطريق اليمن. [معجم ما استعجم، ص 184].
3 في ابن كثير عن الواقدي: "طعم". [البداية والنهاية، ج4، ص 337].
4 في ابن كثير عن الواقدي: "ثم اتفقنا". [البداية والنهاية، ج4، ص 238].

(2/744)


فَظَنَنْت أَنّهُ يُبَشّرُ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدُومِنَا، فَكَانَ كَمَا ظَنَنْت. وَأَنَخْنَا بِالْحَرّةِ فَلَبِسْنَا مِنْ صَالِحِ ثِيَابِنَا، وَنُودِيَ بِالْعَصْرِ فَانْطَلَقْنَا جَمِيعًا حَتّى طَلَعْنَا عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنّ لِوَجْهِهِ تَهَلّلًا، وَالْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ قَدْ سُرّوا بِإِسْلَامِنَا. فَتَقَدّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَايَعَ ثُمّ تَقَدّمَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَبَايَعَ ثُمّ تَقَدّمْت، فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ جَلَسْت بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا اسْتَطَعْت أَنْ أَرْفَعَ طَرْفِي إلَيْهِ حِيَاءً مِنْهُ فَبَايَعْته عَلَى أَنْ يَغْفِرَ لِي مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَمْ يَحْضُرْنِي مَا تَأَخّرَ. فَقَالَ: إنّ الْإِسْلَامَ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَالْهِجْرَةُ تَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهَا [قَالَ] : فَوَاَللّهِ مَا عَدَلَ بِي رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي أَمْرٍ حَزَبَهُ 1 مُنْذُ أَسْلَمْنَا، وَلَقَدْ كُنّا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ وَلَقَدْ كُنْت عِنْدَ عُمَرَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ وَكَانَ عُمَرُ عَلَى خَالِدٍ كَالْعَاتِبِ.
قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي رَاشِدٌ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَوْسٍ الثّقَفِيّ عَنْ عَمْرٍو، نَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ فَقُلْت لِيَزِيدَ فَلَمْ يُوَقّت لَك مَتَى قَدِمَ عَمْرٌو وَخَالِدٌ ؟ قَالَ: لَا، إلّا أَنّهُ قُبَيْلَ الْفَتْحِ قُلْت: وَإِنّ أَبِي أَخْبَرَنِي أَنّ عَمْرًا، وَخَالِدًا، وَعُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ، قَدِمُوا الْمَدِينَةَ لِهِلَالِ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ أَبِي حَبِيبَةَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ قَالَ: فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قال: سمعت أبي
ـــــــ
1 في الأصل: "جر به"؛ والتصحيح عن ابن كثير من الواقدي. [البداية والنهاية، ج4، ص 238].

(2/745)


يُحَدّثُ يَقُولُ: قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: لَمّا أَرَادَ اللّهُ بِي مِنْ الْخَيْرِ مَا أَرَادَ قَذَفَ فِي قَلْبِي حُبّ الْإِسْلَامِ وَحَضَرَنِي رُشْدِي، وَقُلْت: قَدْ شَهِدْت هَذِهِ الْمَوَاطِنَ كُلّهَا عَلَى مُحَمّدٍ فَلَيْسَ مَوْطِنٌ أَشْهَدُهُ إلّا أَنْصَرِفُ وَأَنَا أَرَى فِي نَفْسِي أَنّي مُوضَعٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَأَنّ مُحَمّدًا سَيَظْهَرُ. فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْحُدَيْبِيَةِ خَرَجْت فِي خَيْلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَقِيت رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ بِعُسْفَانَ ; فَقُمْت بِإِزَائِهِ وَتَعَرّضْت لَهُ فَصَلّى بِأَصْحَابِهِ الظّهْرَ آمِنًا مِنّا، فَهَمَمْنَا 1 أَنْ نُغِيرَ عَلَيْهِ ثُمّ لَمْ يَعْزِمْ لَنَا - وَكَانَتْ فِيهِ خِيرَةٌ - فَاطّلَعَ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِنَا مِنْ الْهُمُومِ فَصَلّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَوَقَعَ ذَلِكَ مِنّي مَوْقِعًا وَقُلْت: الرّجُلُ 2 مَمْنُوعٌ وَافْتَرَقْنَا 3 وَعَدَلَ عَنْ سَنَنِ 4 خَيْلِنَا وَأَخَذَ ذَاتَ الْيَمِينِ فَلَمّا صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَدَافَعَتْهُ قُرَيْشٌ بِالرّوَاحِ 5 قُلْت فِي نَفْسِي: أَيّ شَيْءٍ بَقِيَ ؟ أَيْنَ الْمَذْهَبُ إلَى النّجَاشِيّ ؟ فَقَدْ اتّبَعَ مُحَمّدًا، وَأَصْحَابُهُ آمِنُونَ عِنْدَهُ فَأَخْرُجُ إلَى هِرَقْلَ ؟ فَأَخْرُجُ مِنْ دِينِي إلَى نَصْرَانِيّةٍ أَوْ يَهُودِيّةٍ فَأُقِيمُ مَعَ عَجَمٍ تَابِعًا، أَوْ أُقِيمُ فِي دَارِي فِيمَنْ بَقِيَ ؟ فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ إذْ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيّةِ، فَتَغَيّبْت فَلَمْ أَشْهَدْ دُخُولَهُ
ـــــــ
1 في الأصل: "فهمينا".
2 في الأًصل: "الرجوع ممنوع"؛ وما أثبتناه من ابن كثير عن الواقدي. [البداية والنهاية، ج 4، ص 239].
3 في ابن كثير عن الواقدي: "فاعتزلنا". [البداية والنهاية،ج4، ص 239].
4 في ابن كثير عن الواقدي: "عن سير خيلنا". [البداية والنهاية، ج4، ص 239] وعن سنن الخيل: أي عن وجهه. [الصحاح، ص 2139].
5 في الأصل: "بالراح"؛ وما أثبتناه عن ابن كثير عن الواقدي. [البداية والنهاية ، ج4، ص 239]، والرواح: نقيض الصباح، وهو اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل. [الصحاح ص 367].

(2/746)


وَكَانَ أَخِي الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ دَخَلَ مَعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيّةِ، فَطَلَبَنِي فَلَمْ يَجِدْنِي فَكَتَبَ إلَيّ كِتَابًا فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ أَمّا بَعْدُ فَإِنّي لَمْ أَرَ أَعْجَبَ مِنْ ذَهَابِ رَأْيِك عَنْ الْإِسْلَامِ وَعَقْلُك عَقْلُك وَمِثْلُ الْإِسْلَامِ جَهِلَهُ أَحَدٌ ؟ وَقَدْ سَأَلَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْك فَقَالَ: "أَيْنَ خَالِدٌ؟" فَقُلْت: يَأْتِي اللّهُ بِهِ. فَقَالَ: "مَا مِثْلُهُ جَهِلَ الْإِسْلَامَ وَلَوْ كَانَ جَعَلَ نِكَايَتَهُ وَجَدَهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَلَقَدّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ". فَاسْتَدْرِكْ يَا أَخِي مَا فَاتَك، فَقَدْ فَاتَتْك مَوَاطِنُ صَالِحَةٌ. قَالَ: فَلَمّا جَاءَنِي كِتَابُهُ نَشِطْت لِلْخُرُوجِ وَزَادَنِي رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ وَسَرّنِي مَقَالَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ خَالِدٌ: وَأَرَى فِي النّوْمِ كَأَنّي فِي بِلَادٍ ضَيّقَةٍ جَدِيبَةٍ فَخَرَجْت إلَى بَلَدٍ أَخَضَرَ وَاسِعٍ فَقُلْت إنّ هَذِهِ لَرُؤْيَا. فَلَمّا قَدِمْت الْمَدِينَةَ قُلْت: لَأَذْكُرَنّهَا لِأَبِي بَكْرٍ. قَالَ: فَذَكَرْتهَا فَقَالَ: هُوَ مَخْرَجُك الّذِي هَدَاك اللّهُ لِلْإِسْلَامِ وَالضّيقِ الّذِي كُنْت فِيهِ مِنْ الشّرْكِ. فَلَمّا أَجَمَعْت الْخُرُوجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت: مَنْ أُصَاحِبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ؟ فَلَقِيت صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ فَقُلْت: يَا أَبَا وَهْبٍ أَمّا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ إنّمَا نَحْنُ أَكَلَةُ رَأْسٍ 1 وَقَدْ ظَهَرَ مُحَمّدٌ عَلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَلَوْ قَدِمْنَا عَلَى مُحَمّدٍ فَاتّبَعْنَاهُ فَإِنّ شَرَفَ مُحَمّدٍ لَنَا شَرَفٌ. فَأَبَى أَشَدّ الْإِبَاءِ وَقَالَ لَوْ لَمْ يَبْقَ غَيْرِي مِنْ قُرَيْشٍ مَا اتّبَعْته أَبَدًا. فَافْتَرَقْنَا وَقُلْت: هَذَا رَجُلٌ مَوْتُورٌ يَطْلُبُ وِتْرًا، قَدْ قُتِلَ أَبُوهُ وَأَخُوهُ بِبَدْرٍ. فَلَقِيت عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فَقُلْت لَهُ مِثْلَ الّذِي قُلْت لِصَفْوَانَ فَقَالَ لِي مثل ما
ـــــــ
1 في ابن كثير عن الواقدي: "إنما نحن كأضراس". [البداية والنهاية، ج4، ص 239]. وقولهم هم أكلة رأس، أي هم قليل يشبعهم رأس واحد، وهو جمع آكل. [الصحاح، ص 1624].

(2/747)


قَالَ صَفْوَانُ قُلْت: فَاطْوِ مَا ذَكَرْت لَك. قَالَ: لَا أَذْكُرُهُ وَخَرَجْت إلَى مَنْزِلِي فَأَمَرْت بِرَاحِلَتِي تُخْرَجُ إلَيّ فَخَرَجْت بِهَا إلَى أَنْ أَلْقَى عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَقُلْت: إنّ هَذَا لِي لَصَدِيقٌ وَلَوْ ذَكَرْت لَهُ مَا أُرِيدُ ثُمّ ذَكَرْت مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِ فَكَرِهْت أُذَكّرُهُ ثُمّ قُلْت: وَمَا عَلَيّ وَأَنَا رَاحِلٌ مِنْ سَاعَتِي فَذَكَرْت لَهُ مَا صَارَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فَقُلْت: إنّمَا نَحْنُ بِمَنْزِلَةِ ثَعْلَبٍ فِي جُحْرٍ لَوْ صُبّ عَلَيْهِ ذَنُوبٌ 1 مِنْ مَاءٍ لَخَرَجَ. قَالَ: وَقُلْت لَهُ نَحْوًا مِمّا قُلْت لِصَاحِبَيْهِ فَأَسْرَعَ الْإِجَابَةَ وَقَالَ: لَقَدْ غَدَوْت الْيَوْمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْدُوَ وَهَذِهِ رَاحِلَتِي بِفَخّ 2 مُنَاخَةٌ. قَالَ: فَاتّعَدْت أَنَا وَهُوَ بِيَأْجَجَ، إنْ سَبَقَنِي أَقَامَ وَإِنْ سَبَقْته أَقَمْت عَلَيْهِ. قَالَ فَأَدْلَجْنَا سَحَرًا فَلَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ حَتّى الْتَقَيْنَا بِيَأْجَجَ، فَغَدَوْنَا حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى الْهَدّةِ، فَنَجِد عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بِهَا فَقَالَ مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ فَقُلْنَا: وَبِك قَالَ: أَيْنَ مَسِيرُكُمْ ؟ قُلْنَا: مَا أَخَرَجَك ؟ قَالَ: فَمَا الّذِي أَخَرَجَكُمْ ؟ قُلْنَا: الدّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ وَاتّبَاعُ مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ: وَذَلِكَ الّذِي أَقْدَمَنِي. قَالَ: فَاصْطَحَبْنَا جَمِيعًا حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَأَنَخْنَا بِظَاهِرِ3 الْحَرّةِ رِكَابَنَا، فَأَخْبَرَ بِنَا رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُرّ بِنَا، فَلَبِسْت مِنْ صَالِحِ ثِيَابِي، ثُمّ عَمِدْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَنِي أَخِي فَقَالَ: اسْرَعْ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُخْبِرَ بِك فَسُرّ بِقُدُومِك وَهُوَ يَنْتَظِرُكُمْ. فَأَسْرَعْت الْمَشْيَ فَطَلَعْت عَلَيْهِ فَمَا زَالَ يَتَبَسّمُ إلَيّ حَتّى وَقَفْت عَلَيْهِ فَسَلّمْت عَلَيْهِ بالنبوة
ـــــــ
1 الذنوب: الدلو العظيمة. [النهاية، ج2، ص 51].
2 في ابن كثير عن الواقدي: "بفج". [البداية والنهاية، ج4، ص 239]. وفخ: واد بمكة. [معجم البلدان، ج6، ص 341].
3 في ابن كثير عن الواقدي: "بظهر الحرة". [البداية والنهاية، ج4، ص 239].

(2/748)


فَرَدّ عَلَيّ السّلَامَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ فَقُلْت: إنّي أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّك رَسُولُ اللّهِ. فَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَاك قَدْ كُنْت أَرَى لَك عَقْلًا رَجَوْت أَلّا يُسَلّمَك إلّا إلَى الْخَيْرِ". قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ رَأَيْت مَا كُنْت أَشْهَدُ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ عَلَيْك مُعَانِدًا عَنْ الْحَقّ فَادْعُ اللّهَ أَنْ يَغْفِرَهَا لِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْإِسْلَامُ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ" قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ عَلَى ذَلِكَ ؟ فَقَالَ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِخَالِدٍ كُلّ مَا أَوْضَعَ فِيهِ مِنْ صَدّ عَنْ سَبِيلِك". قَالَ خَالِدٌ: وَتَقَدّمَ عَمْرٌو، وَعُثْمَانُ فَبَايَعَا رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قُدُومُنَا فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ فَوَاَللّهِ مَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِ أَسْلَمْت يَعْدِلُ بِي أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا حَزَبَهُ 1.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: سَأَلْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ الْكَعْبِيّ: مَتَى كَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خُزَاعَةَ كِتَابَهُ ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنّهُ كَتَبَ لَهُمْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ. وَذَلِكَ أَنّهُ أَسْلَمَ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ كَثِيرٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِهِ بَعْدَ مُقِيمٍ عَلَى شِرْكِهِ وَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يَبْقَ مِنْ خُزَاعَةَ أَحَدٌ إلّا مُسْلِمٌ مُصَدّقٌ بِمُحَمّدٍ قَدْ أَتَوْا بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ فِيمَنْ حَوْلَهُ قَلِيلٌ حَتّى قَدِمَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ وَابْنَا هَوْذَةَ وَهَاجَرُوا، فَذَلِكَ حَيْثُ كَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى خزاعة: "بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ إلَى بُدَيْلٍ وَبِشْرٍ 2 وَسَرَوَاتِ بَنِي عَمْرٍو، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَإِنّي أَحْمَدُ اللّهَ إلَيْكُمْ اللّه لَا إلَهَ إلّا هُوَ أَمّا بَعْدُ فَإِنّي لَمْ آثَمْ بِإِلّكُمْ وَلَمْ أَضَعْ فِي
ـــــــ
1 في الاصل: "خرته".
2 هكذا في الأصل. وفي ابن سعد: "بسر" . [الطبقات، ج1، ص 25].

(2/749)


جَنْبِكُمْ وَإِنّ أَكْرَمَ تِهَامَةَ عَلَيّ أَنْتُمْ وَأَقْرَبُهُمْ 1 رَحَمًا أَنْتُمْ وَمَنْ تَبِعَكُمْ مِنْ الْمُطّيّبِينَ. فَإِنّي قَدْ أَخَذْت لِمَنْ قَدْ هَاجَرَ مِنْكُمْ مِثْلَ مَا أَخَذْت لِنَفْسِي - وَلَوْ هَاجَرَ بِأَرْضِهِ - غَيْرُ سَاكِنٍ مَكّةَ إلّا مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجّا، وَإِنّي لَمْ أَضَعْ فِيكُمْ إذْ سَالَمْت 2، وَإِنّكُمْ غَيْرُ خَائِفِينَ مِنْ قِبَلِي وَلَا مَحْصُورِينَ. أَمّا بَعْدُ فَإِنّهُ قَدْ أَسْلَمَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ وَابْنَاهُ وَتَابَعَا وَهَاجَرَا عَلَى مَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ عِكْرِمَةَ ; أَخَذْت لِمَنْ تَبِعَنِي مِنْكُمْ مَا آخُذُ لِنَفْسِي، وَإِنّ بَعْضَنَا مِنْ بَعْضٍ أَبَدًا فِي الْحِلّ وَالْحَرَمِ، وَإِنّنِي وَاَللّهِ مَا كَذَبْتُكُمْ وَلْيُحِبّكُمْ رَبّكُمْ".
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ بُدَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ مِثْلَ ذَلِكَ.
ـــــــ
1 في الأصل: "وأقر به"؛ وما أثبتناه عن ابن سعد. [الطبقات، ج1، ص 25].
2 في الأصل: "إذ أسلمت". وما أثبتناه عن ابن سعد. [الطبقات، ج1، ص 25].

(2/750)