كتاب المغازي للواقدي
المجلد الثالث
شَأْنُ هَدْمِ العزى
قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
عَمْرٍو الْهُذَلِيّ قَالَ:قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ
بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَبَثّ السّرَايَا فِي كُلّ وَجْهٍ أَمَرَهُمْ
أَنْ يُغِيرُوا عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَخَرَجَ
هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ فِي مِائَتَيْنِ قَبْلَ يَلَمْلَمَ1 ، وَخَرَجَ
خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فِي ثَلَثِمِائَةٍ قَبْلَ
عُرَنَةَ. وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى الْعُزّى
يَهْدِمُهَا، فَخَرَجَ خَالِدٌ فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا مِنْ
أَصْحَابِهِ حَتّى انْتَهَى إلَيْهَا وَهَدَمَهَا. ثُمّ رَجَعَ إلَى
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:"هَدَمْت" ؟
قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "هَلْ رَأَيْت شَيْئًا مَا" ؟ قَالَ:لَا .
قَالَ: "فَإِنّك لَمْ تَهْدِمْهَا، فَارْجِعْ إلَيْهَا فَاهْدِمْهَا".
فَرَجَعَ خَالِدٌ وَهُوَ مُتَغَيّظٌ فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهَا جَرّدَ
سَيْفَهُ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عُرْيَانَةٌ
نَاشِرَةُ الرّأْسِ فَجَعَلَ السّادِنُ يَصِيحُ بِهَا. قَالَ: خَالِدٌ
وَأَخَذَنِي اقْشِعْرَارٌ فِي ظَهْرِي، فَجَعَلَ يَصِيحُ:
أَيَا عُزّ شُدّي2 شَدّةً لَا تُكَذّبِي ... عَلَى خَالِدٍ3 أَلْقِي
الْقِنَاعَ وَشَمّرِي
أَيَا عُزّ إنْ لَمْ تَقْتُلِي الْمَرْءَ خَالِدًا ... فَبُوئِي4
بِذَنْبٍ عاجل أو تنصري
ـــــــ
1يلملم: موضع على ليلتين من مكة. وقال المرزوقي: هو جبل من الطائف على
ليلتين أو ثلاث، وقيل هو واد هناك."معجم البلدان،ج8،ص514"
2 في الأصل:"أعزي شددت شدة"، ولا يستقيم به الوزن. وما أثبتناه عن ابن
إسحاق
3 في الأصل:" أعزي" وما أثبتناه عن ابن إسحاق ."السيرة النبوية،
ج4،ص79"
4 فبوئي: أي ارجعي. "شرح أبي ذر، ص384".
(3/873)
قَالَ:
وَأَقْبَلَ خَالِدٌ بِالسّيْفِ إلَيْهَا وَهُوَ يَقُولُ:
يَا عُزّ كُفْرَانَك لَا سُبْحَانَك1 ... إنّي وَجَدْت2 اللّهَ قَدْ
أَهَانَك
قَالَ: فَضَرَبَهَا بِالسّيْفِ فَجَزّلَهَا3 بِاثْنَيْنِ ثُمّ رَجَعَ
إلَى رَسُولِ اللّهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "نَعَمْ تِلْكَ الْعُزّى
وَقَدْ يَئِسَتْ أَنْ تُعْبَدَ بِبِلَادِكُمْ أَبَدًا". ثُمّ قَالَ:
خَالِدٌ أَيْ رَسُولَ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَكْرَمَنَا
وَأَنْقَذَنَا مِنْ الْهَلَكَةِ إنّي كُنْت أَرَى أَبِي يَأْتِي إلَى
الْعُزّى بِحِتْرِهِ4 مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ
فَيَذْبَحُهَا لِلْعُزّى، وَيُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمّ
يَنْصَرِفُ إلَيْنَا مَسْرُورًا، فَنَظَرْت إلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ
أَبِي، وَذَلِكَ الرّأْيُ الّذِي كَانَ يُعَاشُ فِي فَضْلِهِ كَيْفَ
خُدِعَ حَتّى صَارَ يَذْبَحُ لِحَجَرٍ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ
وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَعُ. فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنّ هَذَا الْأَمْرَ إلَى اللّهِ فَمَنْ يَسّرَهُ
لِلْهُدَى تَيَسّرَ وَمَنْ يَسّرَهُ لِلضّلَالَةِ كَانَ فِيهَا".
وَكَانَ هَدْمُهَا لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ
ثَمَانٍ. وَكَانَ سَادِنُهَا أَفْلَحَ بْنَ نَضْرٍ الشّيْبَانِيّ مِنْ
بَنِي سُلَيْمٍ فَلَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ
حَزِينٌ فَقَالَ: لَهُ أَبُو لَهَبٍ مَا لِي أَرَاك حَزِينًا ؟ قَالَ:
أَخَافُ أَنْ تَضِيعَ الْعُزّى مِنْ بَعْدِي. قَالَ: لَهُ أَبُو لَهَبٍ
فَلَا تَحْزَنْ فَأَنَا أَقُومُ عَلَيْهَا بَعْدَك. فَجَعَلَ كُلّ مَنْ
لَقِيَ قَالَ: إنْ تَظْهَرَ الْعُزّى كُنْت قَدْ اتّخَذْت يَدًا
عِنْدَهَا بِقِيَامِي عَلَيْهَا، وَإِنْ يَظْهَرَ مُحَمّدٌ عَلَى
الْعُزّى - وَلَا أَرَاهُ يَظْهَرُ - فَابْنُ أَخِي فَأَنْزَلَ اللّهُ
عَزّ وَجَلّ: {تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 5"وَيُقَالُ: إنّهُ قَالَ:
هَذَا فِي اللّاتِي. وَقَالَ: حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ
ـــــــ
1 في الأصل:" كفرا بك لا سبحانك"، ومل أثبتناه عن ابن كثير، يروى عن
الواقدي."البداية والنهاية،ج4ص316
2 في ابن كثير، عن الواقدي: "إني رأيت" البداية والنهاية،ج4 ص316
3 في الأصل "فجد لها" والمثبت من ابن سعد "الطبقات، ج2 صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 105" وجزل: أي قطع. "شرح على المواهب الدنية، ج2
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 415"
4 الحتر، بالكسر: العطية اليسيرة، وبالفتح : المصدر. " الصحاح، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 622"
5 سورة 111[المسد:1]
(3/874)
بَابُ ذِكْرِ
مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الفتح
رَجُلَانِ أَخْطَآ الطّرِيقَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ،
وَخَالِدٌ الْأَشْعَرُ مِنْ بَنِي كَعْبٍ. وَقُتِلَ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ صَبْرًا بِالسّيْفِ ابْنُ خَطَلٍ، قَتَلَهُ أَبُو
بَرْزَةَ وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ1 قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، قَتَلَهُ
نُمَيْلَةُ. وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِالْخَنْدَمَةِ أَرْبَعَةٌ
وَعِشْرُونَ قَتِيلًا.
ـــــــ
1 في الأصل: "نفير" وما أثبتناه عن ابن سعد. "الطبقات، ج2، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 98" وعن البلاذري أيضا. "أنساب الأشراف، ج
1، ص 357
(3/875)
|