أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: علي عمر

ما جاء في مسألة إبراهيم الأمن والرزق لأهل مكة -شرفها الله تعالى- والكتب التي وجد فيها  تعظيم الحرم:
حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني موسى بن عبيدة الربذي, عن محمد بن كعب القرظي قال: دعا إبراهيم -عليه السلام- للمؤمنين وترك الكفار لم يدع لهم بشيء, فقال الله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} [البقرة: 126].

 

ج / 1 ص -52-          وقال زيد بن أسلم: سأل إبراهيم -عليه السلام- ذلك لمن آمن به ثم مصير الكافر إلى النار، قال عثمان: وأخبرني محمد بن السائب الكلبي قال: قال إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 126] فاستجاب الله عز وجل له, فجعله بلدًا آمنًا وأمن فيه الخائف, ورزق أهله من الثمرات تحمل إليهم من الأفق.
قال عثمان: وقال مقاتل بن حيان: إنما اختص إبراهيم في مسألته في الرزق للذين آمنوا فقال تعالى: الذين كفروا سأرزقهم مع الذين آمنوا, ولكني أمتعهم قليلًا في الدنيا ثم أضطرهم إلى عذاب النار  وبئس المصير.
قال عثمان: وقال مجاهد: جعل الله هذا البلد آمنًا, لا يخاف فيه من دخله.
وحدثني جدي قال: حدثه إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: حدثني سعيد بن السائب بن يسار قال: سمعت بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم وغيره يذكرون أنهم سمعوا أنه لما دعا إبراهيم لمكة أن يرزق أهله من الثمرات, نقل الله عز وجل أرض الطائف من الشام فوضعها هنالك رزقًا للحرم.
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"لما وضع الله الحرم نقل إليه الطائف من الشام".
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا يحيى بن سليم قال: سمعت عبد الرحمن بن نافع بن جبير بن مطعم يقول: سمعت الزهري يقول: إن الله -عز وجل- نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم خليل الله قوله:
{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}.
حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي, عن ابن جريج, عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: جاء إبراهيم يطالع إسماعيل -عليهما السلام- فوجده غائبًا ووجد امرأته الآخرة، وهي السيدة بنت مضاض بن

 

ج / 1 ص -53-          عمرو الجرهمي، فوقف فسلم فردت عليه السلام واستنزلته وعرضت عليه الطعام والشراب فقال: ما طعامكم وشرابكم؟ قالت: اللحم والماء، قال: هل من حَبّ أو غيره من الطعام؟ قالت: لا قال: بارك الله لكم في اللحم والماء.
قال ابن عباس -رضوان الله عليه: يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"لو وجد عندها يومئذ حبًّا لدعا لهم بالبركة فيه، فكانت تكون أرضًا ذات زرع".
حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن كثير بن كثير, عن سعيد بن جبير مثله وزاد فيه, قال سعيد بن جبير: ولا يخلى1 أحد على اللحم والماء في غير مكة إلا وجع بطنه, وإن أخلي عليهما بمكة لم يجد كذلك أذى.
قال سعيد بن سالم: فلا أدري عن ابن عباس يحدث بذلك سعيد بن جبير أم لا يعني: قوله: ولا يخلى أحد على اللحم والماء بغير مكة إلا وجع بطنه.
حدثني جدي, قال: حدثنا مسلم بن خالد, عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن ابن عباس رضوان الله عليهما قال: وجد في المقام كتاب: هذا بيت الله الحرام بمكة، توكل الله برزق أهله من ثلاث سبل، مبارك لأهله في اللحم والماء واللبن، لا يحله أول من أهله.
ووجد في حجر في الحجر كتاب من خلقة الحجر: "أنا الله ذو بكة الحرام، وضعتها يوم صنعت الشمس والقمر, وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى تزول أخشباها, مبارك لأهلها في اللحم والماء".
وحدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا رشيد بن أبي كريب, عن أبيه عن ابن عباس رضوان الله عليه قال: لما هدموا الكعبة البيت وبلغوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لدى ابن الأثير في النهاية "خلا" ومنه الحديث: "لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه" يعني الماء اللحم أي: ينفرد بهما.

 

ج / 1 ص -54-          أساس إبراهيم وجدوا في حجر من الأساس كتابًا فدعوا له رجلًا من أهل اليمن، وآخر من الرهبان، فإذا فيه: "أنا الله ذو بكة, حرمتها يوم خلقت السموات والأرض والشمس والقمر, ويوم صنعت هذين الجبلين وحففتها بسبعة أملاك حنفاء".
حدثني جدي, عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: وأخبرني ابن جريج قال: أخبرنا مجاهد قال: إن في حجر في الحجر: "أنا الله ذو بكة, صغتها يوم صغت الشمس والقمر, وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، مبارك لأهلها في اللحم والماء، يحلها أهلها ولا يحلها أول من أهلها, وقال: لا تزول حتى تزول الأخشبان" قال أبو محمد الخزاعي: الأخشبان يعني الجبلين.
وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني خصيف بن عبد الرحمن عن مجاهد قال: وجد في بعض الزبور: "أنا الله ذو بكة, جعلتها بين هذين الجبلين, وصغتها يوم صغت الشمس والقمر, وحففتها بسبعة أملاك حنفاء, وجعلت رزق أهلها من ثلاث سبل, فليس يؤتى أهل مكة إلا من ثلاث طرق: أعلى الوادي وأسفله وكدا1, وباركت لأهلها في اللحم والماء".
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان، قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير, عن أبيه عباد أنه حدثه أنهم وجدوا في بئر الكعبة في نقضها كتابين من صفر مثل بيض النعامة, مكتوب في أحدهما: هذا بيت الله الحرام, رزق الله أهله العبادة, لا يحله أول من أهله, والآخر: براءة لبني فلان حي من العرب, من حجه لله حجوها.
حدثني جدي قال: قال عثمان: أخبرني ابن إسحاق أن قريشًا وجدت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تحرف في ب إلى: "كذا".

 

ج / 1 ص -55-          في الركن كتابًا بالسريانية فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من اليهود, فإذا هو: "أنا الله ذو بكة, خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصورت الشمس والقمر, وحففتها بسبعة أملاك حنفاء, لا تزول حتى يزول1 أخشباها, مبارك لأهلها في الماء واللبن".
حدثني جدي قال: قال عثمان: أخبرني محمد بن إسحاق قال: زعم ليث بن أبي سليم أنهم وجدوا حجرًا في الكعبة قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعين حجة, وذلك عام الفيل إن كان ما ذكر لي حقا: من يزرع خيرًا يحصد غبطة، ومن يزرع شرًّا يحصد ندامة, تعملون السيئات وتجزون الحسنات, أجل كما لا يجتنى من الشوك العنب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أ، ب: "حتى تزول".

ذكر ولاية بني إسماعيل بن إبراهيم الكعبة بعده، وأمر جرهم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا مهدي بن أبي المهدي, حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني, عن معمر عن قتادة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال لقريش: إنه كان ولاة هذا البيت قبلكم طسما, فاستخفوا بحقه، واستحلوا حرمته فأهلكهم الله ثم وليته بعدهم جرهم فاستخفوا بحقه فأهلكهم الله, فلا تهاونوا به وعظموا حرمته.
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق قال: وُلِدَ  لإسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام- اثنا عشر رجلًا وأمهم السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي, فولدت له اثني عشر رجلًا: نابت بن إسماعيل، وقيدار بن إسماعيل، وواصل بن إسماعيل، وميَّاس بن إسماعيل، وطيما بن إسماعيل, ويطور بن إسماعيل، ونبش بن إسماعيل،

 

ج / 1 ص -56-          وقيدما بن إسماعيل. وكان عمر إسماعيل -فيما يذكرون- ثلاثين ومائة سنة, فمن نابت بن إسماعيل، وقيدار بن إسماعيل نشر الله العرب, وكان أكبرهم قيدار ونابت ابنا إسماعيل, ومنهما نشر الله العرب.
وكان من حديث جرهم وبني إسماعيل أن إسماعيل لما توفي دفن مع أمه في الحجر، وزعموا أن فيه دفنت حين ماتت فولي البيت نابت بن إسماعيل ما شاء الله أن يليه، ثم توفي نابت بن إسماعيل, فولي البيت بعده مضاض بن عمرو الجرهمي وهو جد نابت بن إسماعيل أبو أمه, وضم بني نابت بن إسماعيل وبني إسماعيل إليه فصاروا مع جدهم أبي أمهم مضاض بن عمرو ومع أخوالهم من جرهم.
وجرهم وقطورا يومئذ أهل مكة, وعلى جرهم مضاض بن عمرو ملكًا عليهم، وعلى قطورا رجل منهم يقال له: السميدع ملكًا عليهم, وكانا حين ظعنا من اليمن أقبلا سيارة، وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم.
فلما نزلا مكة رأيا بلدًا طيبًا وإذا ماء وشجر فأعجبهما ونزلا به؛ فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم أعلى مكة وقعيقعان فحاز ذلك, ونزل السميدع أجيادين وأسفل مكة فما حاز ذلك.
وكان مضاض بن عمرو يعشر من دخل مكة من أعلاها، وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها ومن كدا, وكل في قومه على حياله لا يدخل واحد منهما على صاحبه في ملكه.
ثم إن جرهما وقطورا بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها واقتتلوا بها حتى نشبت الحرب أو شبت الحرب بينهم على الملك, وولاة الأمر بمكة مع مضاض بن عمرو بنو نابت بن إسماعيل وبنو إسماعيل, وإليه ولاية البيت دون السميدع.
فلم يزل بينهم البغي حتى سار بعضهم إلى بعض فخرج مضاض بن عمرو

 

ج / 1 ص -57-          من قعيقعان في كتيبة سائرًا إلى السميدع ومع كتيبته عدتها من الرماح، والدرق، والسيوف, والجعاب تقعقع ذلك معه, ويقال: ما سميت قعيقعان إلا بذلك وخرج السميدع بقطورا من أجياد معه الخيل والرجال ويقال: ما سمي أجياد أجيادًا إلا لخروج الخيل الجياد منه مع السميدع, حتى التقوا بفاضح فاقتتلوا قتالًا شديدًا فقتل السميدع وفضحت قطورا ويقال: ما سمي فاضح فاضحا إلا بذلك. ثم إن القوم تداعوا للصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ شعبًا بأعلى مكة يقال له: شعب عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فاصطلحوا بهذا الشعب وأسلموا الأمر إلى مضاض بن عمرو.
فلما جمع إليه أمر أهل مكة وصار ملكها له دون السميدع نحر للناس وأطعمهم فأطبخ للناس, فأكلوا فيقال: ما سميت المطابخ مطابخ إلا بذلك.
قال: فكان الذي كان بين مضاض بن عمرو والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون, فقال مضاض بن عمرو الجرهمي: هي تلك الحرب يذكر السميدع، وقتله، وبغيه والتماسه ما ليس له:

ونحن قتلنا سيد الحي عنوة                        فأصبح فيها وهو حيران موجع

وما كان يبغي أن يكون سواؤنا                     بها ملكا حتى أتانا السميدع

فذاق وبالا حين حاول ملكنا                         وعالج منا غصة تتجرع

فنحن عمرنا البيت كنا ولاته                         نحامي عنه من أتانا وندفع

وما كان يبغي أن يلي ذاك غيرنا                   ولم يكن حين قبلنا ثم نمنع

وكنا ملوكًا في الدهور التي مضت                 ورثنا ملوكا لا ترام وتوضع

قال ابن إسحاق: وقد زعم بعض أهل العلم إنما سميت المطابخ لما كان تبع نحر بها وأطعم بها وكانت منزله، قال: ثم نشر الله تعالى بني إسماعيل بمكة, وأخوالهم من جرهم إذ ذاك الحكام بمكة وولاة البيت, كانوا كذلك بعد نابت

 

ج / 1 ص -58-          ابن إسماعيل, فلما ضاقت عليهم مكة وانتشروا بها انبسطوا في الأرض وابتغوا المعاش والتفسح في الأرض فلا يأتون قومًا, ولا ينزلون بلدًا إلا أظهرهم الله -عز وجل- عليهم بدينهم فوطئوهم، وغلبوهم عليها حتى ملكوا البلاد ونفوا عنها العماليق ومن كان ساكنًا بلادهم التي كانوا اصطلحوا عليها من غيرهم, وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت, لا ينازعهم إياه بنو إسماعيل لخئولتهم وقرابتهم وإعظام الحرم أن يكون به بغي أو قتال.
حدثني بعض أهل العلم قال: كانت العماليق هم ولاة الحكم بمكة, فضيعوا حرمة الحرم واستحلوا فيه أمورًا عظامًا ونالوا ما لم يكونوا ينالون, فقام رجل منهم يقال له: عموق فقال: يا قوم أبقوا على أنفسكم فقد رأيتم وسمعتم من هلك من صدر الأمم قبلكم قوم هود، وصالح، وشعيب فلا تفعلوا وتواصلوا, فلا تستخفوا بحرم الله وموضع بيته, وإياكم والظلم والإلحاد فيه فإنه ما سكنه أحد قط فظلم فيه وألحد إلا قطع الله دابرهم، واستأصل شأفتهم، وبدل أرضها غيرهم حتى لا يبقى لهم باقية.
فلم يقبلوا ذلك منه وتمادوا في هلكة أنفسهم، قالوا: ثم إن جرهما وقطورا خرجوا سيارة من اليمن وأجدبت بلادهم عليهم فساروا بذراريهم ونعمهم1 وأموالهم وقالوا: نطلب مكانًا فيه مرعى تسمن فيه ماشيتنا, وإن أعجبنا أقمنا فيه, فإن كل بلاد ينزلها أحد ومعه ذريته وماله فهي وطنه, وإلا رجعنا إلى بلدنا.
فلما قدموا مكة وجدوا فيها ماء طيبًا, وعضاهًا ملتفة من سلم وسمر, ونباتًا يسمن مواشيهم, وسعة من البلاد, ودفئا من البرد في الشتاء فقالوا: إن هذا الموضع يجمع لنا ما نريد فأقاموا مع العماليق.
وكان لا يخرج من اليمن قوم إلا ولهم ملك يقيم أمرهم, وكان ذلك سنة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في ب. وفي الأصل: "وأنفسهم" وفي أ: "وألفتهم".

 

ج / 1 ص -59-          فيهم ولو كانوا نفرًا يسيرًا, فكان مضاض بن عمرو ملك جرهم والمطاع فيهم, وكان السميدع ملك قطورا.
فنزل مضاض بن عمرو أعلى مكة وكان يعشر من دخلها من أعلاها, وكان حوزهم وجه الكعبة والركن الأسود والمقام وموضع زمزم مصعدًا يمينًا وشمالًا, وقعيقعان إلى أعلى الوادي.
ونزل السميدع أسفل مكة وأجيادين, وكان يعشر من دخل مكة من أسفلها, وكان حوزهم المسفلة ظهر الكعبة والركن اليماني والغربي وأجيادين والثنية إلى الرمضة, فبنيا فيها البيوت واتسعا في المنازل وكثروا على العماليق.
فنازعتهم العماليق فمنعتهم جرهم, وأخرجوهم من الحرم كله, فكانوا في أطرافه لا يدخلونه فقال لهم صاحبهم عموق: ألم أقل لكم لا تستخفوا بحرمة الحرم فغلبتموني، فجعل مضاض والسميدع يقطعان المنازل لمن ورد عليهما من قومهما, وكثروا وربلوا وأعجبتهم البلاد, وكانوا قومًا عربًا وكان اللسان عربيا.
فكان إبراهيم خليل الله -عليه السلام- يزور إسماعيل -عليه السلام- فلما سمع لسانهم وإعرابهم سمع لهم كلامًا حسنًا ورأى قومًا عربًا, وكان إسماعيل قد أخذ بلسانهم, أمر إسماعيل أن ينكح فيهم, فخطب إلى مضاض بن عمرو ابنته رعلة فزوجه إياها, فولدت له عشرة ذكور وهي أم البيت, وهي زوجته التي غسلت رأس إبراهيم حين وضع رجله على المقام.
قالوا: وتوفي إسماعيل ودفن في الحجر وكانت أمه قد دفنت في الحجر أيضًا, وترك ولدًا من رعلة بنة مضاض بن عمرو الجرهمي فقام مضاض بأمر ولد إسماعيل وكفلهم لأنهم بنو ابنته.
فلم يزل أمر جرهم يعظم بمكة ويستفحل حتى ولوا البيت, وكانوا ولاته وحجابه وولاة الأحكام بمكة فجاء سيل فدخل البيت فانهدم, فأعادته جرهم

 

ج / 1 ص -60-          على بناء إبراهيم -عليه السلام- وكان طوله في السماء تسعة أذرع.
وقال بعض أهل العلم: كان الذي بنى البيت لجرهم أبو الجدرة, فسمي عمرا الجادر وسموا بني الجدرة.
قال: ثم إن جرهمًا استخفوا بأمر البيت والحرم، وارتكبوا أمورًا عظامًا، وأحدثوا فيها أحداثًا لم تكن, فقام مضاض بن عمرو بن الحارث فيهم فقال: يا قوم احذروا البغي1 فإنه لا بقاء لأهله, قد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم فلم يعظموه وتنازعوا بينهم, واختلفوا حتى سلطكم الله عليهم فأخرجتموهم فتفرقوا في البلاد, فلا تستخفوا بحق الحرم وحرمة بيت الله, ولا تظلموا من دخله وجاءه معظمًا لحرمته, أو آخر جاء بائعًا لسلعته أو مرتغبًا في جواركم فإنكم إن فعلتم ذلك تخوفت أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل إلى الحرم, ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز وأمن, والطير يأمن فيه.
قال قائل منهم, يقال له مجدع: من الذي يخرجنا منه؟ ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالًا وسلاحًا؟ فقال مضاض بن عمرو: إذا جاء الأمر بطل ما تقولون, فلم يقصروا عن شيء مما كانوا يصنعون.
وكان للبيت خزانة بئر في بطنه يلقى فيها الحلي والمتاع الذي يهدى له وهو يومئذ لا سقف له فتواعد له خمسة نفر من جرهم أن يسرقوا ما فيه, فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس فجعل الله عز وجل أعلاه أسفله, وسقط منكسًا فهلك وفر الأربعة الآخرون, فعند ذلك مسحت الأركان الأربعة.
وقد بلغنا في الحديث أن إبراهيم خليل الله مسح الأركان الأربعة كلها أيضًا، وبلغنا في الحديث أن آدم مسح قبل ذلك الأركان الأربعة, فلما كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل ب. وفي أ: "النغي".

 

ج / 1 ص -61-          من أمر هؤلاء الذين حاولوا سرقة ما في خزانة الكعبة ما كان, بعث الله حية سوداء الظهر، بيضاء البطن رأسها مثل رأس الجدي فحرست البيت خمسمائة سنة لا يقربه أحد بشيء من معاصي الله إلا أهلكه الله تعالى، ولا يقدر أحد أن يروم سرقة ما كان في الكعبة.
فلما أرادت قريش بناء البيت منعتهم الحية هدمه, فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند المقام ثم دعوا الله تعالى فقالوا: اللهم ربنا إنما أردنا عمارة بيتك, فجاء طير أسود الظهر، أبيض البطن, أصفر الرجلين فأخذها فاحتملها فجرها حتى أدخلها أجياد.
وقال بعض أهل العلم: إن جرهمًا لما طغت في الحرم دخل رجل منهم وامرأة يقال لهما: إساف ونائلة البيت ففجرا فيه فمسخهما الله تعالى حجرين, فأخرجا من الكعبة فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر بهما من رآهما, وليزدجر الناس عن مثل ما ارتكبا, فلم يزل أمرهما يدرس ويتقادم حتى صارا صنمين يعبدان.
وقال بعض أهل العلم: إن عمرو بن لحي دعا الناس إلى عبادتهما وقال للناس: إنما نصبا ههنا ليعبدا,  وإن آباءكم ومن قبلكم كانوا يعبدونهما, وإنما ألقاه إبليس عليه وكان عمرو بن لحي فيهم شريفًا سيدًا مطاعًا ما قال لهم فهو دين متبع.
قال: ثم حولهما قصي بن كلاب بعد ذلك, فوضعهما يذبح عندهما وجاه الكعبة عند موضع زمزم.
وقد اختلف علينا في نسبهما فقال قائل: إساف ابن بغا ونائلة بنت ذئب, فالذي ثبت عندنا من ذلك عمن نثق به منهم عبد الرحمن بن أبي الزناد كان يقول: هو أساف بن سهيل, ونائلة بنت عمرو بن ذئب.
وقال بعض أهل العلم: إنه لم يفجر بها في البيت وإنما قبّلها، قالوا: فلم

 

ج / 1 ص -62-          يزالا يعبدان حتى كان يوم الفتح فكسرا.
وكانت مكة لا يقر فيها ظالم، ولا باغٍ، ولا فاجر إلا نفي منها وكان نزلها بعهد العماليق وجرهم جبابرة فكل من أراد البيت بسوء أهلكه الله, فكانت تسمى بذلك الباسة.
ويروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: سميت بكة؛ لأنها كانت تبكّ أعناق الجبابرة.
وحدثني جدي قال: ويروى عن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول: سمي البيت العتيق؛ لأنه عتق من الجبابرة أن يسلطوا عليه.
وروي عن عطاء بن يسار ومحمد بن كعب القرظي أنهما كانا يقولان: إنما سمي البيت العتيق؛ لقدمه.
حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي قالا: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن خيثم قال: كان بمكة حي يقال لهم: العماليق, فأحدثوا فيها أحداثًا فجعل الله تعالى يقودهم بالغيث ويسوقهم بالسنة، يضع الغيث أمامهم فيذهبون ليرجعوا فلا يجدون شيئًا فيتبعون الغيث حتى ألحقهم بمساقط رءوس آبائهم، وكانوا من حمير, ثم بعث الله -عز وجل- عليهم الطوفان. قال أبو خالد الزنجي: فقلت لابن خيثم: وما الطوفان؟ قال: الموت.
حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي, عن عطاء عن ابن عباس -رضوان الله عليه- أنه كان بمكة حي يقال لهم: العماليق فكانوا في عزة وكثرة، وثروة, وكانت لهم أموال كثيرة من خيل، وإبل، وماشية وكانت ترعى بمكة وما حولها من مر، ونعمان وما حول ذلك، وكانت الخرف عليهم مظلة، والأربعة مغدقة، والأودية نجالا، والعضاه ملتفة, والأرض مبقلة, وكانوا في عيش رخي فلم يزل بهم البغي والإسراف على أنفسهم والإلحاد بالظلم وإظهار المعاصي والاضطهاد لمن قاربهم ولم يقبلوا ما

 

ج / 1 ص -63-          أوتوا بشكر الله حتى سلبهم الله تعالى ذلك, فنقصهم بحبس المطر عنهم، وتسليط الجدب عليهم, فكانوا يكرون بمكة الظل ويبيعون الماء, فأخرجهم الله تعالى من مكة بالذر سلطه عليهم حتى خرجوا من الحرم فكانوا حوله, ثم ساقهم الله بالجدب يضع الغيث أمامهم ويسوقهم بالجدب حتى ألحقهم الله تعالى بمساقط رءوس آبائهم وكانوا قومًا عربًا من حمير, فلما دخلوا بلاد اليمن تفرقوا وهلكوا, فأبدل الله تعالى الحرم بعدهم بجرهم, فكانوا سكانه حتى بغوا فيه واستخفوا بحقه, فأهلكهم الله عز وجل جميعًا.

ما ذكر من ولاية خزاعة الكعبة بعد جرهم، وأمر مكة:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن الكلبي عن أبي صالح قال: لما طالت ولاية جرهم استحلوا من الحرم أمورًا عظاما ونالوا ما لم يكونوا ينالون واستخفوا بحرمة الحرم وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها سرا وعلانية, وكلما عدا سفيه منهم على منكر وجد من أشرافهم من يمنعه ويدفع عنه, وظلموا من دخلها من غير أهلها حتى دخل رجل منهم بامرأته الكعبة فيقال: فجر بها أو قبلها فمسخا حجرين, فرق أمرهم فيها وضعفوا وتنازعوا أمرهم بينهم واختلفوا, وكانوا قبل ذلك من أعز حي في العرب, وأكثرهم رجالًا وأموالًا وسلاحًا وأعز عزة.
فلما رأى ذلك رجل منهم يقال له: مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو, قام فيهم خطيبًا فوعظهم وقال: يا قوم, أبقوا على أنفسكم وراقبوا الله في حرمه وأمنه, فقد رأيتم وسمعتم من هلك من صدر هذه الأمم قبلكم, قوم هود وقوم صالح وشعيب, فلا تفعلوا وتواصلوا, وتواصوا

 

ج / 1 ص -64-          بالمعروف وانتهوا عن المنكر, ولا تستخفوا بحرم الله تعالى وبيته الحرام، ولا يغرنكم1 ما أنتم فيه من الأمن والقوة فيه.
وإياكم والإلحاد فيه بالظلم, فإنه بوار. وايم الله لقد علمتم أنه ما سكنه أحد قط فظلم فيه وألحد إلا قطع الله عز وجل دابرهم، واستأصل شأفتهم، وبدل أرضها غيرهم، فاحذروا البغي فإنه لا بقاء لأهله, قد رأيتم وسمعتم من سكنه قبلكم من طسم وجديس والعماليق ممن كانوا أطول منكم أعمارًا وأشد قوة، وأكثر رجالًا وأموالًا وأولادًا, فلما استخفوا بحرم الله وألحدوا فيه بالظلم أخرجهم الله منها بالأنواع الشتى, فمنهم من أخرج بالذر، ومنهم من أخرج بالجدب، ومنهم من أخرج بالسيف.
وقد سكنتم مساكنهم وورثتم الأرض من بعدهم فوقروا حرم الله, وعظموا بيته الحرام, وتنزهوا عنه وعما فيه, ولا تظلموا من دخله وجاء معظمًا لحرماته, وآخر جاء بائعًا لسلعته أو مرتغبًا في جواركم، فإنكم إن فعلتم ذلك تخوفت أن تخرجوا من حرم الله خروج ذل وصغار, حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل إلى الحرم, ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز وأمن, والطير والوحوش تأمن فيه.
فقال له قائل منهم يرد عليه يقال له مجذَّع: من الذي يخرجنا منه؟ ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالًا وسلاحًا؟ فقال له مضاض بن عمرو: إذا جاء الأمر بطل ما تقولون, فلم يقصروا عن شيء مما كانوا يصنعون.
فلما رأى مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض ما تعمل جرهم في الحرم وما تسرق من مال الكعبة سرا وعلانية, عمد إلى غزالين كانا في الكعبة من ذهب وأسياف قلعية, فدفنها في موضع بئر زمزم وكان ماء زمزم قد نضب وذهب لما أحدثت جرهم في الحرم ما أحدثت حتى غبي مكان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في ب، وفي الأصل: "ولا يغركم" وفي أ: "ولا يغرنك".

 

ج / 1 ص -65-          البئر ودرس, فقام مضاض بن عمرو وبعض ولده في ليلة مظلمة فحفر في موضع زمزم وأعمق, ثم دفن فيه الأسياف والغزالين.
فبينا هم على ذلك إذ كان من أمر أهل مأرب ما ذكر أنه ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له: مزيقياء بن ماء السماء وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وكانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب, وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين, فباع عمرو بن عامر أمواله وسار هو وقومه من بلد إلى بلد لا يطئون بلدًا إلا غلبوا عليه وقهروا أهله حتى يخرجوا منه؛ ولذلك حديث طويل اختصرناه.
فلما قاربوا مكة ساروا ومعهم طريفة الكاهنة, فقالت لهم: سيروا وأسيروا1 فلن تجتمعوا2 أنتم ومن خلفتم أبدًا فهذا لكم أصل وأنتم له فرع, ثم قالت: مه مه, وحق ما أقول ما علمني ما أقول إلا الحكيم المحكم رب جميع الإنس من عرب وعجم.
فقالوا لها: ما شأنك يا طريفة؟ قالت: خذوا البعير فخضبوه بالدم تلون أرض جرهم جيران بيته  المحرم، قال: فلما انتهى إلى مكة وأهلها جرهم وقد قهروا الناس وحازوا ولاية البيت على بني  إسماعيل وغيرهم أرسل إليهم ثعلبة بن عمرو بن عامر: يا قوم إنا قد خرجنا من بلادنا فلم ننزل بلدًا إلا فسح أهلها لنا وتزحزحوا عنا فنقيم معهم حتى نرسل روادنا فيرتادوا لنا بلدًا يحملنا, فافسحوا لنا في بلادكم حتى نقيم قدر ما نستريح ونرسل روادنا إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل: "سيرا".
2 كذا في الأصل، ب. وفي أ: "فلن تجمعوا".

 

ج / 1 ص -66-          الشام وإلى الشرق فحيثما بلغنا أنه أمثل لحقنا به, وأرجو أن يكون مقامنا معكم يسيرًا.
فأبت جرهم ذلك إباء شديدًا واستكبروا في أنفسهم وقالوا: لا والله, ما نحب أن تنزلوا معنا فتضيقوا علينا مراتعنا ومواردنا, فارحلوا عنا حيث أحببتم فلا حاجة لنا بجواركم، فأرسل إليهم ثعلبة أنه لا بد لي من المقام بهذا البلد حولا حتى يرجع إلي رسلي التي أرسلت, فإن تركتموني طوعًا نزلت وحمدتكم وواسيتكم في الرعي والماء، وإن أبيتم أقمت على كرهكم, ثم لم ترتعوا معي إلا فضلًا ولن تشربوا إلا رنقًا.
سئل أبو الوليد عن الرنق فقال: الكدر من الماء, وأنشد لزهير:

كأن ريقتها بعد الكرى اغتبقت                    من طيب الراح لما بعد أن غبقا

سح السقاة على ناجودها شبما               من ماء لينة لا طلقا ولا رنقا

وإن قاتلتموني قاتلتكم, ثم إن ظهرت عليكم سبيت النساء، وقتلت الرجال ولم أترك أحدًا منكم ينزل الحرم أبدًا.
فأبت جرهم أن تتركه طوعًا وتعبت لقتاله, فاقتتلوا ثلاثة أيام وأفرغ عليهم الصبر ومنعوا النصر ثم انهزمت جرهم, فلم ينفلت منهم إلا الشريد.
وكان مضاض بن عمرو بن الحارث قد اعتزل جرهمًا ولم يعن جرهم في ذلك, وقال: قد كنت  أحذركم هذا. ثم رحل هو وولده وأهل بيته حتى نزلوا قنونا وحلى وما حول ذلك فبقايا جرهم بها إلى اليوم وفنيت جرهم, أفناهم السيف في تلك الحرب.
وأقام ثعلبة بمكة وما حولها في قومه وعساكره حولا فأصابتهم الحمى وكانوا في بلد لا يدرون فيه ما الحمى, فدعوا طريفة فأخبروها الخبر1،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في ب، وفي الأصل أ: "فدعوا طريفة الخبر".

 

ج / 1 ص -67-          فشكوا إليها الذي أصابهم, فقالت لهم: قد أصابني بؤس الذي تشكون1 وهو مفرق ما بيننا.
قالوا: فماذا تأمرين؟ فقالت: فيكم ومنكم الأمير وعلي التسيير قالوا: فما تقولين؟ قالت: من كان منكم ذا هم بعيد، وجمل شديد، ومزاد جديد، فليلحق بقصر عمان المشيد, فكان أزد عمان.
ثم قالت: من كان منكم ذا جلد وقصر وصبر على أزمات الدهر, فعليه بالأراك من بطن مر, فكانت خزاعة.
ثم قالت: من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس والخزرج.
ثم قالت: من كان منكم يريد الخمر والخمير، والملك والتأمير، وتلبس الديباج والحرير، فليلحق ببصرى وعوير -وهما من أرض الشام- فكان الذين سكنوهما آل جفنة من غسان.
ثم قالت: من كان منكم يريد الثياب الرقاق, والخيل العتاق، وكنوز الأرزاق، والدم المهراق، فليلحق بأرض العراق, فكان الذين سكنوها آل جذيمة الأبرش ومن كان بالحيرة من غسان وآل محرق, حتى جاءهم روادهم فافترقوا من مكة فرقتين فرقة توجهت إلى عمان وهم أزد عمان.
وسار ثعلبة بن عمرو بن عامر نحو الشام, فنزلت الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر وهم الأنصار بالمدينة, ومضت غسان فنزلوا بالشام ولهم حديث طويل اختصرناه.
وانخزعت خزاعة بمكة فأقام بها ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر وهو لحي, فولي أمر مكة وحجابة الكعبة.
وقال حسان بن ثابت الأنصاري يذكر انخزاع خزاعة بمكة ومسير الأوس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في ب، وفي الأصل: "قد أصابوا الذي يشكون" وفي أ: "قد أصابوا بؤس الذي تشكون".

 

ج / 1 ص -68-          والخزرج إلى المدينة، وغسان إلى الشام:

فلما هبطنا بطن مر تخزعت                         خزاعة منا في حلول كراكر

حموا كل وادٍ من تهامة واحتموا                    بصم القنا والمرهفات البواتر

فكان لها المرباع في كل غارة                      تشنّ بنجد والفجاج العوابر

خزاعتنا أهل اجتهاد وهجرة                         وأنصارنا جند النبي المهاجر

وسرنا فلما أن هبطنا بيثرب                         بلا وهن منا ولا بتشاجر

وجدنا بها رزقًا عدامل بقيت                         وآثار عاد بالحلال الظواهر

فحلت بها الأنصار ثم تبوأت                          بيثربها دارا على خير طاير

بنو الخزرج الأخيار والأوس إنهم                     حموها بفتيان الصباح البواكر

نفوا من طغا في الدهر عنها وذبّبوا                يهودا بأطراف الرماح الخواطر

وسارت لنا سيارة ذات قوة                          بكوم المطايا والخيول الجماهر

 

ج / 1 ص -69-                                 يؤمون نحو الشام حتى تمكنوا         ملوكًا بأرض الشام فوق المنابر

يصيبون فصل القول في كل خطبة                إذا وصلوا أيمانهم بالمحاضر

أولاك بنو ماء السماء توارثوا                        دمشقًا بملك كابرًا بعد كابر

قال: فلما حازت خزاعة أمر مكة وصاروا أهلها, جاءهم بنو إسماعيل وقد كانوا اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة فلم يدخلوا في ذلك فسألوهم السكنى معهم وحولهم فأذنوا لهم, فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن الحارث وقد كان أصابه من الصبابة إلى مكة ما أحزنه, أرسل إلى خزاعة يستأذنها في الدخول عليهم والنزول معهم بمكة في جوارهم ومتّ إليهم برأيه وتوريعه قومه عن القتال وسوء السيرة في الحرم واعتزاله الحرب, فأبت خزاعة أن تقررهم ونفتهم عن الحرم كله ولم يتركوهم ينزلون معهم فقال عمرو بن لحي وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر لقومه: من وجد منكم جرهميا قد قارب الحرم فدمه هدر. فنزعت إبل لمضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي من قنونا تريد مكة فخرج في طلبها حتى وجد أثرها قد دخلت مكة, فمضى على الجبال من نحو أجياد, حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الإبل في بطن وادي مكة فأبصر الإبل تنحر وتؤكل لا سبيل له إليها, فخاف إن هبط الوادي أن يقتل فولى منصرفًا إلى أهله وأنشأ يقول:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا          أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم يتربع واسطا فجنوبه                         إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر

بلى نحن كنا أهلها فأزالنا                       صروف الليالي والجدود العواثر

 

ج / 1 ص -70-                                وبدلنا ربي بها دار غربة        بها الذيب يعوي والعدو المحاصر

فإن تملأ الدنيا علينا بكلها                        وتصبح حال بعدنا وتشاجر

فكنا ولاة البيت من بعد نابت                      نطوف بهذا البيت والخير ظاهر

ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا                        فليس لحي غيرنا ثم فاخر

فأنكح جدي خير شخص علمته                  فأبناؤنا منه ونحن الأصاهر

فأخرجنا منها المليك بقدرة                       كذلك حال الناس تجري المقادر

أقول إذا نام الخلي ولم أنم                        إذا العرش لا يبعد سهيل وعامر

وبدلت منهم أوجها لا أحبها                       وحمير قد بدلتها واليحابر

وصرنا أحاديثًا وكنا بغبطة                           كذلك عضتنا السنون الغوابر

فسحَّت دموع العين تبكي لبلدة                 بها حرم أمن وفيها المشاعر

بوادٍ أنيس ليس يؤذى حمامه                    ولا منفرا يومًا وفيها العصافر

وفيها وحوش لا تراب أنيسة                       إذا خرجت منها فما أن تغادر

فيا ليت شعري هل تعمر بعدنا                   جياد فممضى سيله فالظواهر

فبطن منى وحش كأن لم يسر به               مضاض ومن حبي عدي عماير

وقال أيضًا:

يا أيها الحي سيروا إن قصركم                   أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا

إنا كنا كنتمو كنا فغيرنا                            دهر فسوف كما صرنا تصيرونا

أرجوا المطي وأرخوا من أزمتها                 قبل الممات وقضّوا ما تقضونا

قد مال دهر علينا ثم أهلكنا                     بالبغي فيه وند الناس ناسونا

إن التفكر لا يجري بصاحبه                       عند البديهة في علم له دونا

 

ج / 1 ص -71-                                 قضوا أموركم بالحزم إن لها   أمور رشد رشدتم ثم مسنونا

واستخبروا في صنيع الناس قبلكم              كما استبان طريق عنده الهونا

كنا زمانًا ملوك الناس قبلكم                       بمسكن في حرام اللّه مسكونا

قال: فانطلق مضاض بن عمرو نحو اليمن إلى أهله وهم يتذاكرون ما حال بينهم وبين مكة, وما فارقوا من أمنها وملكها, فحزنوا على ذلك حزنًا شديدًا, فبكوا على مكة وجعلوا يقولون الأشعار في مكة.
واحتازت خزاعة بحجابة الكعبة وولاية أمر مكة, وفيهم بنو إسماعيل بن إبراهيم بمكة وما حولها, لا ينازعهم أحد منهم في شيء من ذلك ولا يطلبونه.
فتزوج لحي وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر, فهيرة بنت عامر بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي ملك جرهم, فولدت له عمرًا وهو عمرو بن لحي, وبلغ بمكة وفي العرب من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده في الجاهلية. وهو الذي قسم بين العرب في حطمة حطموها عشرة آلاف ناقة وكان قد أعور عشرين فحلا وكان الرجل في الجاهلية إذا ملك ألف ناقة فقأ عين فحل إبله, فكان قد فقأ عين عشرين فحلا، وكان أول من أطعم الحاج بمكة سدايف الإبل ولحمانها على الثريد وعم في تلك السنة جميع حاج العرب بثلاثة أثواب من برود اليمن, وكان قد ذهب شرفه في العرب كل مذهب, وكان قوله فيهم دينًا متبعًا لا يخالف, وهو الذي بحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحام وسيب السائبة ونصب الأصنام حول الكعبة، وجاء بهبل من هيت من أرض الجزيرة فنصبه في بطن الكعبة فكانت قريش والعرب تستقسم عنده بالأزلام، وهو أول من غير الحنيفية دين إبراهيم -عليه السلام- وكان أمره بمكة في العرب مطاعًا لا يعصى.

ج / 1 ص -72-          وكان بمكة رجل من جرهم على دين إبراهيم وإسماعيل وكان شاعرًا, فقال لعمرو بن لحي حين غير الحنيفية:

يا عمرو لا تظلم                                     بمكة, إنها بلد حرام

سائل بعاد أين هم                                 وكذاك تحترم الأنام

وبني العماليق الذين                              لهم بها كان السوام

فزعموا أن عمرو بن لحي أخرج ذلك الجرهمي من مكة, فنزل بأطم من أعراض مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو الشام فقال الجرهمي وقد تشوق إلى مكة:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة                     وأهلي1 معًا بالمأزمين حلول

وهل أرين العيس تنفخ في البرا                  لها بمنى والمأزمين ذميل

منازل كنا أهلها لم تحل بنا                        أزمان بها فيما أراه تحول

مضى أولونا راضين بشأنهم                       جميعًا وغالتني بمكة غول

قال: فكان عمرو بن لحي يلي البيت وولده من بعده خمسمائة سنة, حتى كان آخرهم حليل بن  حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو, فتزوج إليه قصي ابنته حبى بنة حليل, وكانوا هم حجابه  وخزانه والقوام به وولاة الحكم بمكة, وهو عامر لم يخرب فيه خراب ولم تبن خزاعة فيه شيئًا بعد جرهم ولم تسرق منه شيئًا علمناه ولا سمعنا به, وترافدوا على تعظيمه والذب عنه, وقال في ذلك  عمرو بن الحارث بن عمرو الغبشاني:

نحن وليناه فلم نغشه                           وابن مضاض قائم يهشه

يأخذ ما يهدى له يفشه                         نترك مال اللّه ما نمشه

حدثني محمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران قال: خرج أبو سلمة بن عبد الأسد  المخزومي قبيل الإسلام في نفر من قريش يريدون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، ب. وفي أ: "وأهل".

 

ج / 1 ص -73-          اليمن, فأصابهم عطش شديد ببعض الطريق وأمسوا على غير الطريق فساروا جميعًا, فقال لهم أبو سلمة: إني أرى ناقتي تنازعني شقا أفلا أرسلها وأتبعها؟ قالوا: فافعل, فأرسل ناقته وتبعها فأصبحوا على ماء وحاضر فاستقوا وسقوا, فإنهم لعلى ذلك إذ أقبل إليهم رجل فقال: من القوم؟ فقالوا: من قريش قال: فرجع إلى شجرة فقام أمام الماء فتكلم عندها بشيء ثم رجع إلينا فقال: لينطلقن أحدكم معي إلى رجل يدعوه. قال أبو سلمة: فانطلقت معه فوقف بي تحت شجرة فإذا وكر معلق قال: فصوَّت به يا أبه يا أبه, قال: فزعزع شيخ رأسه فأجابه، قال: هذا الرجل قال لي: من الرجل؟ قلت: من قريش قال: من أيها؟ قلت: من بني مخزوم بن يقظة قال: أيهم؟ قلت: أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة قال: أيهات منك أنا ويقظة سن, أتدري من يقول:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا                أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنا أهلها فأزالنا                            صروف الدهر والجدود العواثر؟

قلت: لا قال: أنا قائلها, أنا عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي, أتدري لم سمي أجياد أجيادًا؟ قلت: لا قال: جادت بالدماء يوم التقينا نحن وقطورا, أتدري لم سمي قعيقعان "قعيقعان"1؟ قلت: لا قال: لتقعقع السلاح في ظهورنا لما طلعنا عليهم منه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من ب.

 

ج / 1 ص -74-          باب ما جاء في ولاية قصي بن كلاب البيت الحرام, وأمر مكة بعد خزاعة, وما ذكر من ذلك:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن ابن جريج وعن ابن إسحاق -يزيد أحدهما على صاحبه- قالا: أقامت خزاعة على ما كانت عليه من ولاية البيت والحكم بمكة ثلاثمائة سنة, وكان بعض التبابعة قد سار إليه وأراد هدمه وتخريبه, فقامت دونه خزاعة فقاتلت عليه أشد القتال حتى رجع ثم آخر فكذلك, وأما التبع الثالث الذي نحر له وكساه وجعل له غلقًا وأقام عنده أيامًا ينحر كل يوم مائة بدنة, لا يرزأ هو ولا أحد من أهل عسكره شيئًا منها يردها الناس في الفجاج والشعاب, فيأخذون منها حاجتهم ثم تقع عليها الطير فتأكل, ثم تنتابها السباع إذا أمست لا يرد عنها إنسان ولا طير ولا سبع ثم رجع إلى اليمن, إنما كان في عهد قريش.
فلبثت خزاعة على ما هي عليه وقريش إذ ذاك في بني كنانة متفرقة, وقد قدم في بعض الزمان حاج قضاعة فيهم ربيعة بن حرام بن ضبة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد بن زيد, وقد هلك كلاب  بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وترك زهرة وقصيا ابني كلاب مع أمهما فاطمة بنت عمرو بن سعد بن سيل، وسعد بن سيل الذي يقول فيه الشاعر وكان أشجع أهل زمانه:

لا أرى في الناس شخصًا واحدًا                   فاعلموا ذاك كسعد بن سيل

فارس أضبط فيه عسرة                             فإذا ما عاين القرن نزل

فارس يستدرج الخيل كما                         يدرج الحر القطامي الحجل

وزهرة أكبرهما, فتزوج ربيعة بن حرام أمهما وزهرة رجل بالغ وقصي فطيم أو في سن الفطيم,  فاحتملها ربيعة إلى بلادهم من أرض عذرة من

 

ج / 1 ص -75-          أشراف الشام, فاحتملت معها قصيا لصغره وتخلف زهرة في قومه, فولدت فاطمة بنة عمرو بن سعد لربيعة: رزاح بن ربيعة, فكان أخا قصي بن كلاب لأمه, ولربيعة بن حرام من امرأة أخرى ثلاثة نفر: حن، ومحمود، وجلهمة بنو ربيعة.
فبينا قصي بن كلاب في أرض قضاعة لا ينتمي إلا إلى ربيعة بن حرام, إذ كان بينه وبين رجل من قضاعة شيء وقصي قد بلغ فقال له القضاعي: ألا تلحق بنسبك وقومك فإنك لست منا؟ فرجع قصي إلى أمه وقد وجد في نفسه مما قال له القضاعي, فسألها عما قال له فقالت: والله أنت يا بني خير منه وأكرم, أنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة, وقومك عند البيت الحرام وما حوله.
فأجمع قصي للخروج إلى قومه واللحاق بهم, وكره الغربة في أرض قضاعة, فقالت له أمه: يا بني لا تعجل بالخروج حتى يدخل عليك الشهر الحرام فتخرج في حاج العرب, فإني أخشى عليك.
فأقام قصي حتى دخل الشهر الحرام, وخرج في حاج قضاعة حتى قدم مكة, فلما فرغ من الحج أقام بها, وكان قصي رجلًا جليدًا حازمًا بارعًا, فخطب إلى حليل بن حبشية بن سلول الخزاعي ابنته حبى بنة حليل, فعرف حليل النسب ورغب في الرجل فزوجه, وحليل يومئذ يلي الكعبة وأمر مكة.
فأقام قصي معه حتى ولدت حبى لقصي عبد الدار وهو أكبر ولده، وعبد مناف, وعبد العزى، وعبدًا بني قصي.
فكان حليل يفتح البيت, فإذا اعتل أعطى ابنته حبى المفتاح ففتحته, فإذا اعتلت أعطت المفتاح زوجها قصيا أو بعض ولدها فيفتحه.
وكان قصي يعمل في حيازته إليه وقطع ذكر خزاعة عنه، فلما حضرت حليلا الوفاة نظر إلى قصي، وإلى ما انتشر له من الولد من ابنته, فرأى أن

 

ج / 1 ص -76-          يجعلها في ولد ابنته, فدعا قصيا فجعل له ولاية البيت وأسلم إليه المفتاح, وكان يكون عند حبى، فلما هلك حليل أبت خزاعة أن تدعه وذاك, وأخذوا المفتاح من حبى فمشى قصي إلى رجال من قومه من قريش وبني كنانة ودعاهم إلى أن يقوموا معه في ذلك, وأن ينصروه ويعضدوه, فأجابوه إلى نصره.
وأرسل قصي إلى أخيه لأمه رزاح بن ربيعة وهو ببلاد قومه من قضاعة يدعوه إلى نصره, ويعلمه ما حالت خزاعة بينه وبين ولاية البيت, ويسأله الخروج إليه بمن أجابه من قومه, فقام رزاح في قومه فأجابوه إلى ذلك, فخرج رزاح بن ربيعة ومعه إخوته من أبيه: حن ومحمود وجلهمة بنو ربيعة بن حرام فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب, مجتمعين لنصر قصي والقيام معه.
فلما اجتمع الناس بمكة خرجوا إلى الحج فوقفوا بعرفة وبجمع, ونزلوا منى وقصي مجمع على ما أجمع عليه من قتالهم بمن معه من قريش، وبني كنانة، ومن قدم عليه مع أخيه رزاح من قضاعة, فلما كان آخر أيام منى أرسلت قضاعة إلى خزاعة يسألونهم أن يسلموا إلى قصي ما جعل له حليل, وعظموا عليهم القتال في الحرم وحذروهم الظلم والبغي بمكة وذكروهم ما كانت فيه جرهم وما صارت إليه حين ألحدوا فيه بالظلم والبغي, فأبت خزاعة أن تسلم ذلك, فاقتتلوا بمفضى مأزمي منى قال: فسمي ذلك المكان المفجر لما فجر فيه وسفك فيه من الدماء وانتهك من حرمته, فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعًا, وفشت فيهم الجراحات, وحاج العرب جميعًا من مضر واليمن مستكفون ينظرون إلى قتالهم.
ثم تداعوا إلى الصلح ودخلت قبائل العرب بينهم, وعظموا على الفريقين سفك الدماء والفجور في الحرم, فاصطلحوا على أن يحكِّموا بينهم رجلًا من العرب فيما اختلفوا فيه, فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن

 

ج / 1 ص -77-          الليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة, وكان رجلًا شريفًا, فقال لهم: موعدكم فناء الكعبة غدًا فاجتمع إليه الناس وعدوا القتلى فكانت في خزاعة أكثر منها في قريش وقضاعة وكنانة, وليس كل بني كنانة قاتل مع قصي, إنما كانت مع قريش من بني كنانة قلال يسير1، واعتزلت عنها بكر بن عبد مناة قاطبة.
فلما اجتمع الناس بفناء الكعبة قام يعمر بن عوف فقال: ألا إني قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدمي هاتين, فلا تباعة لأحد على أحد في دم, وإني قد حكمت لقصي بحجابة الكعبة وولاية أمر مكة دون خزاعة لما جعل له حليل, وأن يخلى بينه وبين ذلك, وأن لا تخرج خزاعة عن مساكنها من مكة؛ قال: فسمي يعمر من ذلك اليوم الشداخ.
فسلمت ذلك خزاعة لقصي وعظموا سفك الدماء في الحرم, وافترق الناس فولي قصي بن كلاب حجابة الكعبة وأمر مكة وجمع قومه من قريش من منازلهم وإلى مكة يستعز بهم, وتملك على قومه فملكوه، وخزاعة مقيمة بمكة على رباعهم وسكناتهم لم يحركوا ولم يخرجوا منها, فلم يزالوا على ذلك حتى الآن.
وقال قصي في ذلك, وهو يتشكر لأخيه رزاح بن ربيعة2:

أنا ابن العاصمين بني لؤي                      بمكة مولدي وبها ربيت

ولي البطحاء قد علمت معد                     ومروتها رضيت بها رضيت

وفيها وفيها كانت الآباء قبلي                    فما شويت أخي ولا شويت

فلست لغالب أن لم تأثل                        بها أولاد قيدر والنبيت

رزاح ناصري وبه أسامي                          فلست أخاف ضيمًا ما حييت


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، أ. وفي ب: "قبائل يسيرة".
2 الروض الأنف 1/ 237، شفاء الغرام 2/ 110.

 

ج / 1 ص -78-          فكان قصي أول رجل من بني كنانة أصاب ملكًا، وأطاع له به قومه, فكانت إليه الحجابة والرفادة والسقاية والندوة واللواء والقيادة, فلما جمع قصي قريشًا بمكة سمي مجمعًا, وفي ذلك يقول حذافة بن غانم الجمحي يمدحه1:

أبوهم قصي كان يدعى مجمعًا                  به جمع اللّه القبائل من فهر

هم نزلوها والمياه قليلة                           وليس بها إلا كهول بني عمرو

يعني: خزاعة. قال إسحاق بن أحمد: وزادني أبو جعفر محمد بن الوليد بن كعب الخزاعي2:

أقمنا بها والناس فيها قلائل                     وليس بها إلا كهول بني عمرو

هم ملكوا3 البطحاء مجدًا وسؤددا             وهم طردوا عنها غواة بني بكر

وهم حفروها والمياه قليلة                      ولم يستقى إلا بنكد من الحفر

حليل الذي عادى كنانة كلها                    ورابط بيت اللّه في العسر واليسر

أحازم إما أهلكن فلا تزل                         لهم شاكرا حتى توسد في القبر

ويقال: من أجل تجمع قريش إلى قصي سميت قريش قريشًا، قال أبو الوليد: وأنشدني عبد العزيز بن إسماعيل الحلبي في التقرش, وهو الاجتماع4:

أيجدي كثحنا للطعان إذا                      اقترش القنا وتقعقع الحجف


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 2/ 110.
2 شفاء الغرام 2/ 110.
3 كذا في الأصل أ, ومثله في شفاء الغرام 2/ 110. وفي ب "ملئوا" ومثله في الروض الأنف 1/ 234.
4 كذا في الأصل ب, وفي أ: "الإجماع".

 

ج / 1 ص -79-          ولبعضهم:

قوارش بالرماح كان فيها                        شواطن ينتزعن به انتزاعا

والتجمع: التقرش في بعض كلام العرب, ويقال: كان يقال لقصي: القرشي ولم يسم قرشي قبله. ويقال أيضًا: إن النضر بن كنانة كان يسمى القرشي. وقد قيل أيضًا: إنما سميت قريش قريشًا أنها كانت تجارًا تكتسب وتتجر وتحترش, فشبهت بحوت في البحر.
حدثني أبو الحسن الوليد بن أبان الرازي, عن علي بن جعفر بن محمد, عن أبيه قال: قيل لابن عباس: لم سميت قريش قريشًا؟ قال: بأمر بين مشهور بدابة في البحر تسمى قريش, والدليل على ذلك قول تبع حين يقول:

وقريش هي التي تسكن البحر                   بها سميت قريش قريشا

تأكل الغث والسمين ولا                            تترك فيه لذي جناحين ريشا

هكذا في البلاد حتى قريش                       يأكلون البلاد أكلا كشيشا

ولهم آخر الزمان نبي                                يكثر القتل فيهم والخموشا

ثم رجع إلى حديث ابن جريج ومحمد بن إسحاق قال: فحاز قصي شرف مكة وأنشأ دار الندوة, وفيها كانت قريش تقضي أمورها, ولم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصي إلا ابن أربعين سنة للمشورة, وكان يدخلها ولد قصي كلهم أجمعون وحلفاؤهم, فلما كبر قصي ورق كان عبد الدار بكره وأكبر ولده وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب شرفه كل مذهب, وعبد الدار وعبد العزى وعبد بنو قصي بها لم يبلغوا ولا أحد من قومهم من قريش ما بلغ عبد مناف من الذكر والشرف والعز.
وكان قصي وحبى بنة حليل يحبان عبد الدار, ويرقان عليه لما يريان عليه من

 

ج / 1 ص -80-          شرف عبد مناف وهو أصغر منه فقالت له حبى: لا والله لا أرضى حتى تخص عبد الدار بشيء تلحقه بأخيه, فقال قصي: والله لألحقنه به ولأحبونه بذروة الشرف حتى لا يدخل أحد من قريش ولا غيرها الكعبة إلا بإذنه ولا يقضون أمرًا ولا يعقدون لواء إلا عنده, وكان ينظر في العواقب.
فأجمع قصي على أن يقسم أمور مكة الستة التي فيها الذكر، والشرف، والعز بين ابنيه؛ فأعطى عبد الدار السدانة وهي الحجابة, ودار الندوة، واللواء، وأعطى عبد مناف السقاية، والرفادة، والقيادة.
فأما السقاية فحياض من أدم كانت على عهد قصي توضع بفناء الكعبة, ويسقى فيها الماء العذب من الآبار على الإبل, ويسقاه الحاج.
وأما الرفادة فخرج كانت قريش تخرجه من أموالها في كل موسم, فتدفعه إلى قصي يصنع به طعامًا للحاج, يأكله من لم يكن معه سعة ولا زاد.
فلما هلك قصي أقيم أمره في قومه بعد وفاته على ما كان عليه في حياته, وولي عبد الدار حجابة البيت، وولاية دار الندوة، واللواء فلم يزل يليه حتى هلك, وجعل عبد الدار الحجابة بعده إلى ابنه عثمان بن عبد الدار، وجعل دار الندوة إلى ابنه عبد مناف بن عبد الدار.
فلم يزل بنو عبد مناف بن عبد الدار يلون الندوة دون ولد عبد الدار, فكانت قريش إذا أرادت أن تشاور في أمر فتحها لهم عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار أو بعض ولده أو ولد أخيه، وكانت الجارية إذا حاضت أدخلت دار الندوة ثم شق عليها بعض ولد عبد مناف بن عبد الدار درعها ثم درَّعها إياه, وانقلب بها أهلها فحجبوها, وكان عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار يسمى محيضًا، وإنما سميت دار الندوة لاجتماع النداة فيها يندونها, يجلسون فيها لإبرام أمرهم وتشاورهم.
ولم يزل بنو عثمان بن عبد الدار يلون الحجابة دون ولد عبد الدار ثم

 

ج / 1 ص -81-          وليها عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، ثم وليها أبو طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، ثم وليها ولده من بعده حتى كان فتح مكة فقبضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أيديهم وفتح الكعبة ودخلها, ثم خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الكعبة مشتملًا على المفتاح فقال له العباس بن عبد المطلب: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, أعطنا الحجابة مع السقاية, فأنزل الله -عز وجل- على نبيه -صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: فما سمعتها من رسول الله -صلى الله  عليه وسلم- قبل تلك الساعة, فتلاها ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح وقال: "غيبوه" ثم قال: "خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله سبحانه، واعملوا فيها بالمعروف خالدة تالدة, لا ينزعها من أيديكم إلا ظالم".
فخرج عثمان بن طلحة إلى هجرته مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة فلم يزل يحجب هو وولده وولد أخيه وهب بن عثمان, حتى قدم ولد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وولد مسافع بن طلحة بن أبي طلحة من المدينة, وكانوا بها دهرًا طويلًا, فلما قدموا حجبوا مع بني عمهم, فولد أبي طلحة جميعًا يحجبون.
وأما اللواء فكان في أيدي بني عبد الدار كلهم, يليه منهم ذوو السن والشرف في الجاهلية, حتى كان يوم أحد فقُتل عليه من قُتل منهم.
وأما السقاية، والرفادة، والقيادة فلم تزل لعبد مناف بن قصي يقوم بها حتى توفي, فولي بعده هاشم بن عبد مناف السقاية والرفادة, وولي عبد شمس بن عبد مناف القيادة, وكان هاشم بن عبد مناف يطعم الناس في كل موسم بما يجتمع عنده من ترافد قريش, كان يشتري بما يجتمع عنده دقيقًا ويأخذ من كل ذبيحة من بدنة أو بقرة أو شاة فخذها فيجمع ذلك كله ثم يحرز به الدقيق ويطعمه الحاج, فلم يزل على ذلك من أمره حتى أصاب الناس في سنة جدب شديد, فخرج هاشم بن عبد مناف إلى الشام فاشترى بما اجتمع عنده

 

ج / 1 ص -82-          من ماله دقيقًا وكعكًا, فقدم به مكة في الموسم فهشم ذلك الكعك ونحر الجزور1 وطبخه وجعله ثريدًا, وأطعم الناس وكانوا في مجاعة شديدة حتى أشبعهم, فسمي بذلك هاشمًا وكان اسمه عمرا, ففي ذلك يقول ابن الزبعرى السهمي2:

كانت قريش بيضة فتفلقت                           فالمح3 خالصها لعبد مناف

الرايشين وليس يوجد رايش                        والقائلين هلم للأضياف

والخالطين غنيهم بفقيرهم                          حتى يعود فقيرهم كالكاف

والضاربين الكيس تبرق بيضه                        والمانعين البيض بالأسياف

عمرو العلا هشم الثريد لمعشر                     كانوا بمكة مسنتين عجاف

يعني بعمرو العلا: هاشمًا. فلم يزل هاشم على ذلك حتى توفي, وكان عبد المطلب يفعل ذلك فلما توفي عبد المطلب, قام بذلك أبو طالب في كل موسم حتى جاء الإسلام وهو على ذلك، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أرسل بمال يعمل به الطعام مع أبي بكر -رضي الله عنه- حين حج أبو بكر بالناس سنة تسع, ثم عمل في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع, ثم أقام أبو بكر في خلافته ثم عمر -رضي الله عنه- في خلافته, ثم الخلفاء هلم جرا حتى الآن4.
وهو طعام الموسم الذي تطعمه الخلفاء اليوم في أيام الحج بمكة وبمنى, حتى تنقضي أيام الموسم.
وأما السقاية فلم تزل بيد عبد مناف, فكان يسقي الماء من بئر رم، وبئر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل ب, ومثله في شفاء الغرام 2/ 111. وفي أ: "الجزر" والجزور: ما يصلح لأن يذبح من الإبل, وجمعه: جزر.
2 شفاء الغرام 2/ 141.
3 المح: خالص كل شيء, وما في جوف البيضة من صفرة، أو من صفرة وبياض.
4 شفاء الغرام 2/ 141.

 

ج / 1 ص -83-          خم1 على الإبل في المزاد والقرب, ثم يسكب ذلك الماء في حياض من أدم بفناء الكعبة, فيرده الحاج حتى يتفرقوا. فكان يستعذب ذلك الماء, وقد كان قصي حفر بمكة آبارًا وكان الماء بمكة عزيزًا إنما يشرب الناس من آبار خارجة من الحرم, فأول ما حفر قصي بمكة حفر بئرًا يقال لها: العجول, كان موضعها في دار أم هانئ بنت أبي طالب بالحزورة, وكانت العرب إذا قدمت مكة يردونها فيسقون منها ويتراجزون عليها, قال قائل فيها2:

أروى من العجول ثمت انطلق                     إن قصيا قد وفى وقد صدق

بالشبع للحي وري المغتبق

وحفر قصي أيضًا بئرًا عند الردم الأعلى عند دار أبان بن عثمان التي كانت لآل جحش بن رئاب ثم دثرت, فنثلها جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وأحياها, ثم حفر هاشم بن عبد مناف بذّر, وقال حين حفرها: لأجعلنها للناس بلاغًا وهي البئر التي في حق المقوم بن عبد المطلب في ظهر دار الطلوب مولاة زبيدة بالبطحاء, في أصل المستنذر وهي التي يقول فيها بعض ولد هاشم:

نحن حفرنا بذر                   بجانب المستنذر

 

نسقي الحجيج الأكبر3

وحفر هاشم أيضًا سجلة4 وهي البئر التي يقال لها: بئر جبير بن مطعم, دخلت في دار القوارير, فكانت سجلة لهاشم بن عبد مناف, فلم تزل لولده حتى وهبها أسد بن هاشم للمطعم بن عدي حين حفر عبد المطلب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في شفاء الغرام 2/ 141. وفي الأصول: "بئر كرادم وبئر خمّ" ورم: بئر في ضواحي مكة، وكذلك خم: بئران حفرهما عبد شمس بن عبد مناف "ياقوت".
2 شفاء الغرام 2/ 142.
3 شفاء الغرام 2/ 142.
4 سجلة: كانت برباط السدرة, كما ذكر الفاسي.

 

ج / 1 ص -84-          زمزم واستغنوا عنها، ويقال: وهبها له عبد المطلب حين حفر عبد المطلب زمزم واستغنى عنها وسأله المطعم بن عدي أن يضع حوضًا من أدم إلى جانب زمزم يسقى فيه من ماء بئره, فأذن له في ذلك وكان يفعل، فلم يزل هاشم بن عبد مناف يسقي الحاج حتى توفي, فقام بأمر السقاية بعده عبد المطلب بن هاشم فلم يزل كذلك حتى حفر زمزم فعفت على آبار مكة كلها، وكان منها مشرب الحاج، قال: وكانت لعبد المطلب إبل كثيرة, فإذا كان الموسم جمعها ثم يسقي لبنها بالعسل في حوض من أدم عند زمزم, ويشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم ويسقيه الحاج لأن1 يكسر غلظ ماء زمزم, وكانت إذ ذاك غليظة جدا، وكان الناس إذ ذاك لهم في بيوتهم أسقية يسقون فيها الماء من هذه البئار, ثم ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر لأن يكسر عنهم غلظ ماء آبار مكة, وكان الماء العذب بمكة عزيزًا لا يوجد إلا لإنسان يستعذب له من بئر ميمون وخارج من مكة، فلبث عبد المطلب يسقي الناس حتى توفي2.
فقام بأمر السقاية بعده العباس بن عبد المطلب فلم تزل في يده, وكان للعباس كرم بالطائف وكان يحمل زبيبه إليها, وكان يداين أهل الطائف ويقتضي منهم الزبيب فينبذ ذلك كله ويسقيه الحاج أيام الموسم حتى ينقضي في الجاهلية وصدر الإسلام حتى دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة يوم الفتح, فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من عثمان بن طلحة.
فقام العباس بن عبد المطلب فبسط يده وقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجمع لنا الحجابة والسقاية, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"أعطيكم ما ترزءون فيه ولا ترزءون منه". فقام بين عضادتي باب الكعبة فقال: "ألا إن كل دم أو مال أو مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي هاتين إلا سقاية الحاج وسدانة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لدى الفاسي 2/ 143: "لأنه".
2 شفاء الغرام 2/ 143.

 

ج / 1 ص -85-          الكعبة, فإني قد أمضيتهما لأهلهما على ما كانتا عليه في الجاهلية" فقبضها العباس فكانت في يده حتى توفي, فوليها بعده عبد الله بن العباس -رضي الله عنه- فكان يفعل فيها كفعله دون بني عبد المطلب.
وكان محمد بن الحنفية قد كلم فيها ابن عباس فقال له ابن عباس: ما لك ولها؟ نحن أولى بها منك في الجاهلية والإسلام، قد كان أبوك تكلم فيها فأقمت البينة [وشهد لي] طلحة بن عبيد الله، وعامر بن ربيعة، وأزهر بن عبد عوف، ومخرمة بن نوفل أن العباس بن عبد المطلب كان يليها في الجاهلية بعد عبد المطلب وجدك أبا طالب في إبله في باديته بعرنة, وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطاها العباس يوم الفتح دون بني عبد المطلب, فعرف ذلك من حضر1.
فكانت بيد عبد الله بن عباس بعد أبيه ولا ينازعه فيها منازع، ولا يتكلم فيها متكلم حتى توفي  فكانت بيد علي بن عبد الله بن عباس يفعل فيها كفعل أبيه وجده, يأتيه الزبيب من ماله بالطائف وينبده حتى توفي, وكانت بيد ولده حتى الآن2.
وأما القيادة فوليها من بني عبد مناف، عبد شمس بن عبد مناف, ثم وليها من بعده أمية بن عبد شمس، ثم من بعده حرب بن أمية, فقاد بالناس يوم عكاظ في حرب قريش وقيس عيلان، وفي الفجارين: الفجار الأول والفجار الثاني, وقاد الناس قبل ذلك بذات نكيف في حرب قريش وبني بكر بن عبد مناة بن كنانة, والأحابيش يومئذ مع بني بكر تحالفوا3 على جبل يقال له: الحبشي على قريش فسموا الأحابيش بذلك4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 2/ 144, وما بين حاصرتين منه.
2 شفاء الغرام 2/ 144.
3 كذا في الأصل ب, ومثله في شفاء الغرام. وفي أ: "يحالفوا".
4 شفاء الغرام 2/ 144.

 

ج / 1 ص -86-          ثم كان أبو سفيان بن حرب يقود قريشًا بعد أبيه حتى كان يوم بدر فقاد الناس عتبة بن ربيعة بن عبد شمس, وكان أبو سفيان بن حرب في العير يقود الناس, فلما أن كان يوم أحد قاد الناس أبو سفيان بن حرب وقاد الناس يوم الأحزاب, وكانت آخر وقعة لقريش وحرب, حتى جاء الله بالإسلام وفتح مكة1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 2/ 144.