أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: علي عمر

باب: محيط الحرم وتفصيلاته
ذكر ما كان عليه المسجد الحرام وجدرانه، وذكر من وسعه وعمارته إلى أن صار إلى ما هو عليه الآن ذكر عمل عمر بن الخطاب، وعثمان -رضي الله عنهما:
حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: كان المسجد الحرام ليس عليه جدرات محاطة، إنما كانت الدور محدقة به من كل جانب، غير أن بين الدور أبوابًا يدخل منها الناس من كل نواحيه فضاق على الناس، فاشترى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، دورًا فهدمها، وهدم على من قرب من المسجد، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن، وتمنع من البيع فوضعت أثمانها في خزانة الكعبة، حتى أخذوها بعد، ثم أحاط عليه جدارًا قصيرًا وقال لهم عمر: إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها، ولم تنزل الكعبة عليكم1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 1/ 359 نقلًا عن المصنف.

 

ج / 2 ص -65-          ثم كثر الناس في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه، فوسع المسجد واشترى من قوم وأبى آخرون أن يبيعوا، فهدم عليهم فصيحوا به فدعاهم فقال: إنما جرأكم على حلمي عنكم فقد فعل بكم عمر هذا، فلم يصح به أحد فاحتذيت على مثاله، فصيحتم بي ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فتركهم1.
ذكر بنيان عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي قال: كان المسجد الحرام محاطًا بجدار قصير غير مسقف، إنما يجلس الناس حول المسجد بالغداة، والعشي يتبعون الأفياء، فإذا قلص الظل قامت المجالس.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن الزبير، وهو جالس على ضفير المسجد الحرام، وهو يقول لابن لعبد الله بن عامر: لقد رأيتني وأباك وما لنا إلا كذا وكذا، وكان أبوك أكبر مني سنًا، قال سفيان: ذكر شيئًا فنسيته.
حدثني جدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة، عن أبيه قال: زاد ابن الزبير في المسجد الحرام، واشترى دورًا من الناس وأدخلها في المسجد، فكان مما اشترى بعض دارنا، يعني دار الأزرق، قال: وكانت لاصقة بالمسجد الحرام، وبابها شارع على باب بني شيبة الكبير على يسار من دخل المسجد الحرام، فاشترى نصفها فأدخله في المسجد الحرام ببضعة عشر ألف دينار2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجامع اللطيف ص 177.
2 الجامع اللطيف 178.

 

ج / 2 ص -66-          قال: وكتب لنا إلى مصعب بن الزبير بالعراق يدفعها إلينا قال: فركب منا رجال فوجدوا مصعبًا يقاتل عبد الملك بن مروان، فلم يلبثوا إلا يسيرًا حتى قتل مصعب، فرجعوا إلى مكة قال: فجعل ابن الزبير يعدنا، حتى جاءه الحجاج فحاصره فقتل، ولم نأخذ شيئًا فكلمنا في ذلك الحجاج بعد مقتل ابن الزبير فقال: أنا أبرد عن ابن الزبير هو ظلمكم فأنتم وهو أعلم.
قال: وكان ابن الزبير قد انتهى بالمسجد إلى أن أشرعه على الوادي، مما يلي الصفا وناحية بني مخزوم والوادي يومئذ في موضع المسجد اليوم، ثم مضى به مصعدًا من وراء بيت الشراب لاصقًا به، وبين جدر بيت الشراب الذي يلي الصفا، وبين جدر المسجد إلا قدر ما يمر الرجل وهو منحرف، ثم أصعد به عن بيت الشراب مصعدًا بقدر سبعة أذرع، أو نحو ذلك ثم رده في العراض.
وكانت زاوية المسجد التي تلي المسعى ونحو الوادي الزاوية الشرقية، ليس بينها وبين زاوية بيت الشراب الشرقية إلا نحوًا من سبعة أذرع، ثم رده عرضًا على المطمار إلى باب دار شيبة بن عثمان، وهي يومئذ أدخل منها اليوم في المسجد الحرام، ثم رد جدار المسجد منحدرًا على وجه دار الندوة، وهي يومئذ داخلة في
المسجد الحرام، وبابها في وسط الصحن.
أشار لي جدي إلى موضع يكون بينه، وبين موضع الصف الأول مثل ما بينه ،وبين الأساطين الأولى من الطاق الأول من المسجد الحرام اليوم، يكون على النصف، أو نحو ذلك من الإسطوانة الحمراء إلى موضع الصف، الأول فضرب جدي برجله في هذا الموضع فقال: كان ههنا باب دار الندوة، وأخبرنيه داود بن عبد الرحمن العطار قال: رأيت ابن هشام المخزومي وهو أمير على مكة يخرج من باب الندوة، وهو يومئذ في هذا الموضع، فأدخل الطواف وأطوف سبعًا قبل أن يصل إلى الركن الأسود قال: يضع يديه على أكبر شيخين من قريش بالباب، ثم يمشي الأطاريح فيمشي قليلًا قليلًا.

 

ج / 2 ص -67-          ويتقهقر أبدًا حتى يبلغ الركن فيستلمه، فلم يزل باب دار الندوة في موضعه هذا، حتى زاد أبو جعفر أمير المؤمنين في المسجد، فأخره إلى ما هو عليه اليوم، وكان هذا بنيان ابن الزبير الذي ذكرت في هذا الكتاب.
قال جدي: لم أسمع أحدًا ممن سألت من مشيخة أهل مكة، وأهل العلم يذكرون غير ذلك، غير أني قد سمعت من يذكر أن ابن الزبير، كان قد سقفه فلا أدري أكله أم بعضه، قال: ثم عمره عبد الملك بن مروان، ولم يزد فيه ولكنه رفع جدرانه وسقفه بالساج وعمره عمارة حسنة.
حدثنا جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن سعيد بن فروة، عن أبيه قال: كنت على عمل المسجد في زمان عبد الملك بن مروان قال: فجعلوا في رءوس الأساطين خمسين مثقالًا من ذهب في رأس كل أسطوانة.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة عن زاذان بن فروخ قال: مسجد الكوفة تسعة أجربة، ومسجد مكة تسعة أجربة وشيء، قال أبو الوليد: قال جدي: وذلك في زمن ابن الزبير.
ذكر عمل الوليد بن عبد الملك:
حدثنا أبو محمد إسحاق بن أحمد، حدثنا أبو الوليد قال: قال جدي: ثم عمر الوليد بن عبد الملك بن مروان المسجد الحرام، وكان إذا عمل المساجد زخرفها قال: فنقض عمل عبد الملك، وعمله عملًا محكمًا، وهو أول من نقل إليه أساطين الرخام، فعمله بطاق واحد بأساطين الرخام، وسقفه بالساج المزخرف وجعل على رءوس الأساطين الذهب على صفائح الشبه من الصفر قال: وأزر المسجد بالرخام من داخله، وجعل في وجه الطيقان في أعلاها الفسيفساء، وهو أول من عمله في المسجد الحرام، وجعل للمسجد

 

ج / 2 ص -68-          شرافات وكانت هذه عمارة الوليد بن عبد الملك1.
عمل أمير المؤمنين أبي جعفر:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: لم يعمر المسجد الحرام بعد الوليد بن عبد الملك من الخلفاء ولم يزد فيه شيئًا، حتى كان أبو جعفر أمير المؤمنين فزاد في شقه الشامي الذي يلي دار العجلة، ودار الندوة في أسفله ولم يزد عليه في أعلاه ولا في شقه الذي يلي الوادي، قال: فاشترى من الناس دورهم اللاصقة بالمسجد من أسفله حتى وضعه على منتهاه اليوم قال: فكانت زاوية المسجد التي تلي أجياد الكبير عند باب بني جمح، عند الأحجار النادرة من جدر المسجد، الذي عند بيت زيت قناديل المسجد، عند آخر منتهى أساطين الرخام من أول الأساطين المبيضة، فذهب به في العرض على المطمار حتى انتهى إلى المنارة، التي في ركن المسجد اليوم عند باب بني سهم، وهو من عمل أبي جعفر، ثم أصعد به على المطمار في وجه دار العجلة حتى انتهى إلى موضع متزاور عند الباب الذي يخرج منه إلى دار حجير بن أبي إهاب، بين دار العجلة ودار الندوة2.
وكان الذي ولي عمارة المسجد لأمير المؤمنين أبي جعفر، زياد بن عبيد الله الحارثي وهو أمير على مكة، وكان على شرطته عبد العزيز بن عبد الله بن مسافع الشيبي جد مسافع بن عبد الرحمن3.
فلما انتهى به إلى الموضع المتزاور، ذهب عبد العزيز ينظر، فإذا هو إن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجامع اللطيف ص 178.
2 إتحاف الورى 2/ 173.
3 إتحاف الورى 2/ 174.

 

ج / 2 ص -69-          مضى به على المطمار أجحف بدار شيبة بن عثمان، وأدخل أكثرها في المسجد، فكلم زياد بن عبيد الله في أن يميل عنه المطمار شيئًا ففعل، فلما صار إلى هذا الموضع المتزاور أماله في المسجد، أمره على دار الندوة فأدخل أكثرها في المسجد1.
ثم صار إلى دار شيبة بن عثمان، فأدخل منها إلى الموضع الذي عند آخر عمل الفسيفساء اليوم في الطاق الداخل من الأساطين، التي تلي دار شيبة ودار الندوة، فكان هذا الموضع زاوية المسجد، وكانت فيه منارة من عمل أمير المؤمنين أبي جعفر، ثم رده في العراض حتى وصله بعمل الوليد بن عبد الملك الذي في أعلى المسجد2.
وانما كان عمل أبي جعفر طاقًا واحدًا، وهو الطاق الأول الداخل اللاصق بدار شيبة بن عثمان، ودار الندوة ودار العجلة ودار زبيدة، فذلك الطاق هو عمل أبي جعفر لم يغير ولم يحرك عن حاله إلى اليوم، وإنما عمل الفسيفساء فيه؛ لأنه كان وجه المسجد، وكان بناء المسجد من شق الوادي من الأحجار، التي وضعت عند بيت الزيت عند أول الأساطين المبيضة، عند منتهى أساطين الرخام، فكان من هذا الموضع مستقيمًا على المطمار، حتى يلصق ببيت الشراب3، على ما وصفت في صدر الكتاب.
وكان عمل أبي جعفر إياه بأساطين الرخام طاقًا واحدًا، وأزر المسجد كما يدور من بطنه بالرخام، وجعل في وجه الأساطين الفسيفساء، فكان هذا عمل أبي جعفر المنصور على ما وصفت، وكان ذلك كله على يدي زياد بن عبيد الله الحارثي4.
وكتب على باب المسجد الذي يمر منه سيل المسجد، وهو سيل باب بني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 174.
2 إتحاف الورى 2/ 174.
3 إتحاف الورى 2/ 174.
4 إتحاف الورى 2/ 175.

 

ج / 2 ص -70-          جمح، وهو آخر عمل أبي جعفر من تلك الناحية بالفسيفساء الأسود في فسيفساء مذهب، وهو قائم إلى اليوم بسم الله الرحمن الرحيم، محمد رسول الله أرسله بالهدى، ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا}، إلى قوله: {غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96، 97].
أمر عبد الله أمير المؤمنين أكرمه الله بتوسعة المسجد الحرام، وعمارته والزيادة فيه نظرًا منه للمسلمين واهتمامًا بأمورهم، وكان الذي زاد فيه الضعف مما كان عليه قبل، وأمر ببنيانه وتوسعته في المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة، وفرغ منه، ورفعت الأيدي عنه في ذي الحجة سنة أربعين ومائة بتيسير أمر الله بأمر أمير المؤمنين، ومعونة منه له عليه، وكفاية منه له وكرامة أكرمه الله بها، فأعظم الله أجر أمير المؤمنين، فيما نوى من توسعة المسجد الحرام، وأحسن ثوابه عليه فجمع الله تعالى له به خير الدنيا، والآخرة وأعز نصره وأيده1.
ذكر زيادة المهدي أمير المؤمنين الأولى:
حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني جدي أحمد بن محمد قال: سمعت عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة يقول: حج المهدي سنة ستين ومائة، فجرد الكعبة مما كان عليها من الثياب، وأمر بعمارة المسجد الحرام، وأمر أن يزاد في أعلاه ويشترى ما كان في ذلك الموضع من الدور، وخلف تلك الأموال، وكان الذي أمر بذلك محمد بن عبد الرحمن بن هشام الأوقص المخزومي، وهو يومئذ قاضي أهل مكة2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 175.
2 إتحاف الورى 2/ 205.

 

ج / 2 ص -71-          قال: فاشترى الأوقص الدور فما كان منها صدقة عزل ثمنه، واشترى هو لأهل الصدقة بثمن دورهم مساكن في فجاج مكة عوضًا من صدقاتهم، تكون لأهل الصدقة على ما كانوا فيه من شروط صدقاتهم قال: فاشترى كل ذراع في ذراع مكسرًا، مما دخل في المسجد بخمسة وعشرين دينارًا، وما دخل في الوادي بخمسة عشر دينارًا1.
قال: فكان مما دخل في ذلك الهدم دار الأزرقي، وهي يومئذ لاصقة بالمسجد الحرام على يمين من خرج من باب بني شيبة بن عثمان الكبير، فكان ثمنها ناحية ثمانية عشر ألف دينار، وذلك إن أكثرها دخل في المسجد في زيادة ابن الزبير حين زاد فيه، قال: واشترى لهم بثمنها مساكن عوضًا من دارهم، فهي في أيديهم إلى اليوم2.
قال: ودخلت أيضًا دار خيرة بنت سباع الخزاعية، بلغ ثمنها ثلاثة وأربعين ألف دينار دفعت إليها، وكانت شارعة على المسعى يومئذ قبل أن يؤخر المسعى3. قال: ودخلت أيضًا دار لآل جبير بن مطعم قال: ودخل أيضًا بعض دار شيبة بن عثمان، فاشترى جميع ما كان بين المسعى، والمسجد من الدور فهدمها، ووضع المسجد على ما هو عليه اليوم شارعًا على المسعى، وجعل موضع دار القوارير رحبة، فلم تزل على ذلك حتى استقطعها جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين فبناها، ثم قبضها حماد البربري بعد ذلك، فبنى باطنها بالقوارير، وبنى ظاهرها بالرخام والفسيفساء4.
وكان الذي زاد المهدي في المسجد في الزيادة الأولى أن مضى بجدره

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 206.
2 إتحاف الورى 2/ 207.
3 إتحاف الورى 1/ 207.
4 إتحاف الورى 2/ 207.

 

ج / 2 ص -72-          الذي يلي الوادي إذ كان لاصقًا ببيت الشراب، حتى انتهى به إلى حد باب بني هاشم الذي يقال له: باب البطحاء على سوق الخلقان، إلى حده الذي يلي باب بني هاشم الذي عليه العلم الأخضر، الذي يسعى منه من أقبل من المروة يريد الصفا، وموضع ذلك بين لمن تأمله فكان ذلك الموضع زاوية المسجد، وكانت فيه منارة شارعة على الوادي والمسعى، وكان الوادي لاصقًا بهما يمر في بطن المسجد اليوم، قبل أن يؤخر المهدي المسجد إلى منتهاه اليوم من شق الصفا والوادي، ثم رده على مطماره، حتى انتهى به إلى زاوية المسجد التي تلي1 الحذاءين، وباب بني شيبة الكبير إلى موضع المنارة اليوم، ثم رد جدر المسجد منحدرًا حتى لقي به جدر المسجد القديم من بناء أبي جعفر، أمير المؤمنين قريبًا من باب دار شيبة، من وراء الباب منحدرًا عن الباب بأسطوانتين من الطاق اللاصق بجدر المسجد إلى منتهى عمل الفسيفساء، من ذلك الطاق الداخل، وذلك الفسيفساء وحده، وجدر المسجد منحدرًا إلى أسفل المسجد، عمل أبي جعفر أمير المؤمنين، فكان هذا الذي زاد المهدي في المسجد في الزيادة الأولى2.
وكان أبو جعفر أمير المؤمنين إنما جعل في المسجد من الظلال طاقًا واحدًا، وهو الطاق الأول اللاصق بجدر المسجد اليوم3.
فأمر المهدي بأساطين الرخام فنقلت في السفن من الشام، حتى أنزلت بجدة ثم جرت على العجل من جدة إلى مكة، فجعلت أساطين لما هدم4 المهدي في أعلى المسجد ثلاثة صفوف، وجعل بين يدي الطاق الذي كان بناه أبو جعفر، مما يلي دار الندوة ودار العجلة، وأسفل المسجد إلى موضع بيت الزيت عند باب بني جمح صفين، حتى صارت ثلاثة صفوف، وهي الطيقان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل: "الذي يلي".
2 إتحاف الورى 2/ 208-209.
3 إتحاف الورى 2/ 209.
4 كذا في الأصل، ومثله في إتحاف الورى، وفي أ، ب: "لما هندم".

 

ج / 2 ص -73-          التي في المسجد اليوم لم تغير1.
قال: ولما وضع الأساطين حفر لها أرباضًا على كل صف من الأساطين جدرًا مستقيمًا، ثم رد بين الأساطين جدرات أيضًا بالعرض، حتى صارت كالصليب2 على ما أصف في كتابي هذا.

جدر المسجد الحرام
فلما أن قرر الأرباض على قرار الأرض، حتى أنبط الماء بناها بالنورة والرماد والجص، حتى إذا استوى بالأرباض على وجه الأرض، وضع فوقها الأساطين على ما هي عليه اليوم3.
ولم يكن حول المهدي في الهدم الأول من شق الوادي، والصفا شيئًا أقره على حاله طاقًا واحدًا، وذلك لضيق المسجد في تلك الناحية، إنما كان بين جدر الكعبة اليماني، وبين جدر المسجد الذي يلي الوادي، والصفا تسعة وأربعون ذراعًا ونصف الذراع، فهذه زيادة المهدي الأولى في عمارته إياه4.
فالذي في المسجد من الأبواب من عمل أبي جعفر، أمير المؤمنين من أسفل المسجد باب بني جمح، وهو ثلاث طيقان ومن تحته يخرج سيل المسجد الحرام كله، ومن بين يديه بلاط يمر عليه سيل المسجد، وفي دار زبيدة بابان كانا يخرجان إلى زقاق، كان بين المسجد والدار التي صارت لزبيدة، وكان ذلك الزقاق طريقًا مسلوكًا ما سد إلا حديثًا، والبابان مبوبان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 209.
2 إتحاف الورى 2/ 210.
3 إتحاف الورى 2/ 210.
4 إتحاف الورى 2/ 210.

 

ج / 2 ص -74-          ومن عمل أبي جعفر المنصور أيضًا، باب بني سهم وهو طاق واحد وباب عمرو بن العاص، وبابان في دار العجلة طاقًا طاقًا كانا يخرجان إلى زقاق، كان بين دار العجلة، وبين جدر المسجد، وكان طريقًا مسلوكًا يمر فيه سيل السويقة، وسيل ما أقبل من جبل شيبة بن عثمان، ولم تزل تلك الطريق على ذلك حتى سدها يقطين بن موسى، حين بنى دار العجلة قدم الدار إلى جدار المسجد، وأبطل الطريق وجعل تحت الدار سربًا مستقيمًا مسقفًا، يمر تحته السيل، وذلك السرب على حاله إلى اليوم، وسد أحد بابي المسجد الذي كان في ذلك الزقاق، وهو الباب الأسفل منهما، وموضعه بين في جدر المسجد، وجعل الباب الآخر بابًا لدار العجلة ضيقه، وبوبه وهو باب دار العجلة إلى اليوم.
ومما جعل أيضًا أبو جعفر الباب الذي يسلك منه إلى دار حجير بن أبي إهاب بين دار العجلة، ودار الندوة وباب دار الندوة، فهذه الأبواب السبعة من عمل أبي جعفر أمير المؤمنين، وأما الأبواب التي من زيادة المهدي الأولى فمنها الباب الذي في دار شيبة بن عثمان، وهو طاق واحد، ومنها الباب الكبير الذي يدخل منه الخلفاء كان يقال له: باب بني عبد شمس، ويعرف اليوم بباب بني شيبة الكبير، وهو ثلاث طيقان، وفيه أسطوانتان وبين يديه بلاط مفروش من حجارة، وفي عتبة الباب حجارة طوال مفروش بها العتبة1.
قال أبو الوليد: سألت جدي عنها فقلت: أبلغك أن هذه الحجارة الطوال كانت أوثانًا في الجاهلية تعبد، فإني أسمع بعض الناس يذكرون ذلك؟ فضحك وقال: لا، لعمري ما كانت بأوثان، ما يقول هذا إلا من لا علم له إنما هي حجارة كانت فضلت مما قلع القسري لبركته، التي يقال لها: بركة البردي بفم الثقبة، وأصل ثبير، كانت حول البركة مطروحة حتى نقلت حين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 210-211.

 

ج / 2 ص -75-          بنى المهدي المسجد فوضعت حيث رأيت1.
ومنها الباب الذي في دار القوارير، كان شارعًا على رحبة في موضع الدار، وهو طاق واحد2.
ومنها باب النبي -صلى الله عليه وسلم، وهو الباب الذي مقابل زقاق العطارين، وهو الزقاق الذي يسلك منه إلى بيت خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها، وهو طاق واحد3.
ومنها باب العباس بن عبد المطلب، وهو الباب الذي عنده العلم الأخضر الذي يسعى منه من أقبل من المروة يريد الصفا، وهو ثلاث طيقان وفيه أسطوانتان، فهذه الخمسة الأبواب التي عملها المهدي في الزيادة الأولى4.
ذكر زيادة المهدي الآخرة في شق الوادي من المسجد الحرام:
قال أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي: قال جدي: لما بنى المهدي المسجد الحرام وزاد الزيادة الأولى، اتسع أعلاه وأسفله وشقه الذي يلي دار الندوة الشامي، وضاق شقه اليماني الذي يلي الوادي والصفا، فكانت الكعبة في شق المسجد، وذلك إن الوادي كان داخلًا لاصقًا بالمسجد في بطن المسجد اليوم، قال: وكانت الدور وبيوت الناس من ورائه في موضع الوادي اليوم، إنما كان موضعه دور الناس، وانما كان يسلك من المسجد إلى الصفا في بطن الوادي، ثم يسلك في زقاق ضيق، حتى يخرج إلى الصفا من التفاف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 211.
2 إتحاف الورى 2/ 211.
3 إتحاف الورى 2/ 211.
4 إتحاف الورى 2/ 211.

 

ج / 2 ص -76-          البيوت فيما بين الوادي والصفا، وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم، وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر، عند حد ركن المسجد الحرام اليوم، عند موضع المنارة الشارعة في نحر1 الوادي، فيها علم المسعى، وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد الحرام اليوم2.
قال أبو الوليد: فلما حج المهدي أمير المؤمنين سنة أربع وستين ومائة، ورأى الكعبة في شق من المسجد الحرام، كره ذلك، وأحب أن تكون متوسطة في المسجد، فدعا المهندسين فشاورهم في ذلك، فقدروا ذلك، فإذا هو لا يستوي لهم من أجل الوادي والسيل، وقالوا: إن وادي مكة له أسيال عارمة، وهو واد حدود، ونحن نخاف إن حولنا الوادي عن مكانه أن لا ينصرف لنا على ما نريد، مع أن وراءه3 من الدور والمساكن ما تكثر فيه المؤنة، ولعله أن لا يتم، فقال المهدي: لا بد لي من أن أوسعه حتى أوسط الكعبة في المسجد على كل حال، ولو أنفقت فيه ما في بيوت الأموال، وعظمت في ذلك نيته، واشتدت رغبته، ولهج بعمله، فكان من أكبر همه، فقدروا ذلك وهو حاضر. ونصبت الرماح على الدور، من أول موضع الوادي إلى آخره، ثم ذرعوه من فوق الرماح، حتى عرفوا ما يدخل في المسجد من ذلك، وما يكون للوادي فيه منه، فلما نصبوا الرماح على جنبتي الوادي وعلم ما يدخل في المسجد من ذلك، وزنوه مرة بعد مرة وقدروا ذلك4.
ثم خرج المهدي إلى العراق وخلف الأموال، فاشتروا من الناس دورهم، فكان ثمن كلما دخل في المسجد من ذلك كل ذراع مكسر بخمسة وعشرين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، ومثله في إتحاف الورى. وفي أ، ب: "نحو".
2 إتحاف الورى 2/ 214.
3 كذا في الأصل، ولدى ابن فهد في إتحاف الورى 2/ 215، وهو ينقل عن المؤلف: "مع إزوراره".
4 إتحاف الورى 2/ 214-215.

 

ج / 2 ص -77-          دينارًا، وكان ثمن كل ما دخل في الوادي خمسة عشر دينارًا، وأرسل إلى الشام وإلى مصر، فنقلت أساطين الرخام في السفن حتى أنزلت بجدة، ثم نقلت على العجل من جدة إلى مكة، ووضعوا أيديهم فهدموا الدور وبنوا المسجد1، فابتدأوا من أعلاه من باب بني هاشم الذي يستقبل الوادي والبطحاء، ووسع ذلك الباب وجعل بإزائه من أسفل المسجد مستقبله بابًا آخر، وهو الباب الذي يستقبل فج خط الحزامية، يقال له: باب البقالين، فقال المهندسون: إن جاء سيل عظيم فدخل المسجد خرج من ذلك الباب، ولم يحمل في شق الكعبة، فابتدأوا عمل ذلك في سنة سبع وستين ومائة، واشتروا الدور وهدموها، فهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العائذي، وجعلوا المسعى والوادي فيهما فهدموا ما كان بين الصفا والوادي من الدور، ثم حرفوا الوادي في موضع الدور حتى لقوا به الوادي القديم، بباب أجياد الكبير بفم خط الحزامية2.
فالذي زيد في المسجد من شق الوادي تسعون ذراعًا من موضع جدر المسجد الأول إلى موضعه اليوم، وإنما كان عرض المسجد الأول من جدر الكعبة اليماني إلى جدر المسجد اليماني، الشارع على الوادي الذي يلي باب الصفا، تسع وأربعون ذراعًا ونصف ذراع، ثم بنى منحدرًا حتى دخلت دار أم هانئ بنت أبي طالب، وكانت عندها بئر جاهلية، كان قصي حفرها، فدخلت تلك البير في المسجد، فحفر المهدي عوضًا منها البئر التي على باب البقالين التي3 في حد ركن المسجد الحرام اليوم، ثم مضوا في بنائه بأساطين الرخام، وسقفه بالساج المذهب المنقوش، حتى توفي المهدي سنة تسع وستين ومائة، وقد انتهوا إلى آخر منتهى أساطين الرخام من أسفل المسجد4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 215.
2 إتحاف الورى 2/ 217-218.
3 كذا في الأصل، ومثله لدى ابن فهد في إتحاف الورى 2/ 218، وهو ينقل عن المصنف، وفي أ، ب: "الذي".
4 إتحاف الورى 2/ 218.

 

ج / 2 ص -78-          فاستخلف موسى أمير المؤمنين، فبادر القوام بإتمام المسجد، وأسرعوا في ذلك، وبنوا أساطينه بحجارة، ثم طليت بالجص، وعمل سقفه عملًا دون عمل المهدي في الإحكام والحسن1.
فعمل المهدي في ذلك الشق من أعلى المسجد إلى منتهى آخر أساطين الرخام، ومن ذلك الموضع، عمل في خلافة موسى إلى المنارة الشارعة على باب أجياد الكبير، ثم منحدرًا في عرض المسجد، إلى باب بني جمح، إلى الأحجار النادرة من بيت الزيت، حتى وصل بعمل أبي جعفر وعمل المهدي في الزيادة الأولى2.
فهذا جميع ما عمر في المسجد الحرام وما أحدث فيه إلى اليوم، وكان في موضع الدار التي يقال لها: دار جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، بين باب البقالين وباب الخياطين، لاصقة بالمسجد الحرام، رحبة بين يدي المسجد، حتى استقطعها جعفر بن يحيى في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين، فبناها ولم يتم أعلاها حتى جاء نعيه، ولم يتم جناحها وأعلاها.
باب ذرع المسجد الحرام:
قال أبو الوليد: ذرع المسجد الحرام مكسرًا مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع، وذرع المسجد طولًا، من باب بني جمح إلى باب بني هاشم، الذي عنده العلم الأخضر مقابل دار العباس بن عبد المطلب، أربعمائة ذراع وأربعة أذرع مع جدر به3 يمر في بطن الحجر لاصقًا بجدر الكعبة، وعرضه من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 218.
2 إتحاف الورى 2/ 219.
3 كذا في الأصل، ومثله لدى الفاسي في شفاء الغرام، وهو ينقل عن المصنف. وفي أ، ب: "مع" جدريه.

 

ج / 2 ص -79-          باب دار الندوة إلى الجدار، الذي يلي الوادي عند باب الصفا لاصقًا بوجه الكعبة ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع، وذرع عرض المسجد الحرام، من المنارة التي عند المسعى إلى المنارة، التي عند باب بني شيبة الكبير، مائتا ذراع وثمانية وسبعون ذراعًا، وذرع عرض المسجد الحرام، من منارة باب أجياد إلى منارة بني سهم، مائتا ذراع وثمانية وسبعون ذراعًا1.
باب عدد أساطين المسجد الحرام:
وعدد أساطين المسجد الحرام من شقه الشرقي، مائة وثلاث أسطوانات، ومن شقه الغربي، مائة أسطوانة وخمس أسطوانات، ومن شقه الشامي، مائة وخمس وثلاثون أسطوانة، ومن شقه اليماني، مائة وإحدى وأربعون أسطوانة، فجميع ما فيه من الأساطين أربعمائة أسطوانة وأربع وثمانون أسطوانة، طول كل أسطوانة عشرة أذرع، وتدويرها ثلاثة أذرع، وبعضها يزيد على بعض في الطول والغلظ، ومنها على الأبواب عشرون أسطوانة، على الأبواب التي تلي المسعى منها ست، ومنها على الأبواب التي تلي الوادي والصفا عشر، ومنها على الأبواب التي تلي باب بني جمح أربع، وذرع ما بين كل أسطوانتين من أساطينه، ستة أذرع وثلاث عشرة إصبعًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 1/ 369 نقلًا عن المصنف.

 

ج / 2 ص -80-          صفة الأساطين:
الأساطين التي كراسيها مذهبة، ثلاثمائة وإحدى وعشرون، منها في الظلال التي تلي دار الندوة، مائة وثلاث وثلاثون، ومنها في الظلال التي تلي باب بني جمح، أربع وخمسون، ومنها في الظلال التي تلي الوادي، اثنتان وأربعون، ومنها في الظلال التي تلي المسعى، اثنتان وتسعون، وفي ثلاث أساطين من العدد، كراسيها حمر وفي الشق الذي يلي الوادي، منها مما يلي بطن المسجد كرسيان، ومنها في الظلال، واحدة، وفوق الكراسي التي على الأساطين، ملابن ساج منقوشة بالزخرف والذهب.
قال أبو الوليد: وفي الأساطين، أربع وأربعون أسطوانة مبنية بالحجارة، ليست برخام مطلي عليها الجص، وهي مما عمل بعد موت المهدي، في خلافة موسى بن المهدي، منها في الظلال التي تلي باب بني جمح، ست وعشرون، ومنها في الظلال التي تلي الوادي، ثمان عشرة، وعلى ست عشرة أسطوانة من أساطين الرخام، كراسيها العليا من حجارة منقوشة بالجص، منها واحدة مما يلي باب بني جمح، ومنها في الشق الذي يلي الوادي خمس عشرة، أربع تلي بطن المسجد، وإحدى عشرة في الظلال، ومن الأساطين من الرخام سبع وعشرون، كراسيها التي تلي الأرض حجارة، وهي من عمل أمير المؤمنين أبي جعفر، منها في شق دار العجلة سبع، ومنها في شق بني جمح عشرون، وعدد الأساطين التي تلي أبواب المسجد الحرام من كل ناحية، مائة وإحدى وخمسون، مما يلي دار الندوة خمس وأربعون، ومما يلي باب بني جمح ثلاثون، ومما يلي الوادي أربع وأربعون، ومما يلي المسعى اثنتان وثلاثون، وفي الأساطين أسطوانتان حمراوان مخططتان ببياض، وأسطوانتان مما يلي بطن المسجد على باب دار الندوة،

 

ج / 2 ص -81-          إحداهما بنفسجية، والأخرى حمراء، وفي شق باب بني شيبة الكبير، أسطوانتان بيضاوان ملونتان مخرزتان مسيرتان، ومما يلي بطن المسجد أيضًا، أسطوانتان عدسيتان برشاوان، وعلى باب المسعى أسطوانتان خضراوان مسيرتان ملونتان، وهما على باب العباس بن عبد المطلب، وأسطوانة غبراء، ومما يلي بطن المسجد على باب الوادي مما يلي المسجد، وهي أغلظ أسطوانة في المسجد، خضراء، ومما يلي بطن المسجد من شق الوادي، أسطوانتان منقوشتان مكتوبتان بالذهب إلى أنصافهما، وهما على باب الصفا، قال إسحاق: إحداهما فيها كتاب من جنس الحجر أصفى من لونها، وهو: الله أولى بالمؤمنين، إلا أنه قد نقر عليه فأفسد، وهو بين من خلقة الحجر، وأسطوانتان أيضًا على باب الصفا بحذاهما مما يلي السوق، منقوشتان مكتوبتان بالذهب، بينهما طريق النبي -صلى الله عليه وسلم، من المسجد إلى الصفا، وفي وجه المسجد مما يلي الصفا أسطوانتان مسيرتان شارعتان في المسجد، إحداهما في أعلى هذا الشق، والأخرى في أسفله.
صفة الطاقات وعددها وكم ذرعها1:
قال أبو الوليد: وعلى الأساطين أربعمائة طاقة وثمان وتسعون طاقة، منها في الظلال التي تلي دار الندوة، مائة واثنتان وأربعون طاقة، ومنها في الظلال التي تلي الوادي، مائة وخمس وأربعون طاقة، ومنها في الظلال التي تلي المسعى، تسع وتسعون طاقة، ومنها في الظلال التي تلي شق بني جمح، مائة واثنتا عشرة طاقة، ومنها في الطيقان التي تلي بطن المسجد الحرام، مائة وإحدى وخمسون، من ذلك مما يلي دار الندوة ست وأربعون،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك شفاء الغرام 1/ 378.

 

ج / 2 ص -82-          ومنها مما يلي باب بني جمح تسع وعشرون، ومنها مما يلي الوادي خمس وأربعون، ومنها مما يلي المسعى إحدى وثلاثون.
وذرع ما بين الركن الأسود إلى مقام إبراهيم عليه السلام، تسعة وعشرون ذراعًا وتسع أصابع، وذرع ما بين جدر الكعبة من وسطها إلى المقام سبعة وعشرون ذراعًا، وذرع ما بين شاذروان الكعبة إلى المقام ستة وعشرون ذراعًا ونصف، ومن الركن الشامي إلى المقام ثمانية وعشرون ذراعًا، وتسع عشرة إصبعًا، ومن الركن الذي فيه الحجر الأسود إلى حد حجرة زمزم، ستة وثلاثون ذراعًا ونصف، ومن الركن الأسود إلى رأس زمزم أربعون ذراعًا، ومن وسط جدر الكعبة إلى حد المسعى مائتا ذراع وثلاثة عشر ذراعًا، ومن وسط جدر الكعبة إلى الجدر الذي يلي باب بني جمح مائة ذراع وتسعة وتسعون ذراعًا، ومن وسط جدر الكعبة إلى الجدر الذي يلي الوادي، مائة ذراع واحد وأربعون ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا، ومن وسط جدر الكعبة الذي يلي الحجر إلى الجدر الذي يلي دار الندوة مائة ذراع وتسعة وثلاثون ذراعًا وأربع عشرة إصبعًا، ومن ركن الكعبة الشامي إلى حد المنارة، التي تلي المروة مائتا ذراع وأربعة وستون ذراعًا، ومن ركن الكعبة الغربي إلى حد المنارة، التي تلي باب بني سهم مائتا ذراع وثمانية أذرع ونصف، ومن الركن اليماني إلى المنارة التي تلي أجياد الكبير مائتا ذراع، وثمانية عشر ذراعًا وست عشرة إصبعًا، ومن الركن الأسود إلى المنارة التي تلي المسعى والوادي مائتا ذراع وثمانية عشر ذراعًا، ومن الركن الأسود إلى وسط باب الصفا مائة ذراع وخمسون ذراعًا وست أصابع، ومن الركن الشامي إلى وسط باب بني شيبة مائتا ذراع، وخمسة وأربعون ذراعًا وخمس أصابع، ومن الركن الأسود إلى سقاية العباس، وهو بيت الشراب خمسة وتسعون ذراعًا، ومن باب بني شيبة إلى المروة ثلاثمائة ذراع وتسعة وتسعون ذراعًا، ومن الركن الأسود إلى الصفا مائتا ذراع واثنان وتسعون ذراعًا، وثماني عشرة إصبعًا، ومن المقام إلى

 

ج / 2 ص -83-          جدر المسجد الذي يلي المسعى مائة ذراع وثمانية وثمانون ذراعًا، ومن المقام إلى الجدر الذي يلي باب بني جمح مائتا ذراع وثمانية عشر ذراعًا، ومن المقام إلى الجدر الذي يلي دار الندوة مائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعًا، ومن المقام إلى الجدر الذي يلي الصفا مائة ذراع، وأربعة وستون ذراعًا ونصف، ومن المقام إلى جدر حجرة زمزم اثنان وعشرون ذراعًا، ومن المقام إلى حرف بئر زمزم أربعة وعشرون ذراعًا وعشرون إصبعًا، ومن وسط سقاية العباس إلى جدر المسجد الذي يلي المسعى مائة ذراع، ومن وسط السقاية إلى الجدر الذي يلي باب بني جمح مائتا ذراع واحد وتسعون ذراعًا، ومن وسط السقاية إلى الجدر الذي يلي دار الندوة مائتا ذراع، ومن وسط السقاية إلى الجدر الذي يلي الوادي خمسة وثمانون ذراعًا.
صفة أبواب المسجد الحرام وعددها وذرعها1:
قال أبو الوليد: وفي المسجد الحرام من الأبواب، ثلاثة وعشرون بابًا، فيها ثلاث وأربعون طاقًا، منها في الشق الذي يلي المسعى وهو الشرقي، خمسة أبواب، وهي إحدى عشرة طاقًا من ذلك، الباب الأول وهو الباب الكبير الذي يقال له: باب بني شيبة وهو باب بني عبد شمس بن عبد مناف، وبهم كان يعرف في الجاهلية والإسلام عند أهل مكة، فيه أسطوانتان وعليه ثلاث طاقات، والطاقات طولها عشرة أذرع، ووجهها منقوش بالفسيفساء، وعلى الباب روشن ساج منقوش مزخرف بالذهب والزخرف، طول الروشن سبعة وعشرون ذراعًا، وعرضه ثلاثة أذرع ونصف، ومن الروشن إلى الأرض سبعة عشر ذراعًا، وما بين جدري الباب أربعة وعشرون ذراعًا، وجدرا الباب ملبسان برخام أبيض وأحمر، وفي العتبة أربع مراقي داخلة، ينزل بها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في صفة أبواب المسجد الحرام وعددها، وذرعها: الفاكهي 2/ 188.

 

ج / 2 ص -84-          في المسجد.
والباب الثاني طاق طوله عشرة أذرع، وعرضه سبعة أذرع، كان فتح في رحبة في موضع دار القوارير، وهو باب دار القوارير.
والباب الثالث طاق واحد طوله عشرة أذرع وعرضه سبعة أذرع، وهو باب النبي -صلى الله عليه وسلم، كان يخرج منه ويدخل فيه من منزله الذي في زقاق العطارين، يقال له: مسجد خديجة ابنة خويلد، يصعد إليه من المسعى بخمسة درجات.
والباب الرابع فيه أسطوانتان وعليه ثلاث طاقات طول كل طاقة ثلاثة عشر ذراعًا، ووجوه الطاقات وداخلها منقوشة بالفسيفساء، وعلى الباب روشن ساج منقوش بالزخرف، والذهب طوله ستة وعشرون ذراعًا وعرضه ثلاثة أذرع ونصف، ومن أعلى الروشن إلى العتبة ثلاثة وعشرون ذراعًا، وما بين جدري الباب أحد وعشرون ذراعًا، والجدران ملبسان رخامًا أبيض وأحمر وأخضر ورخامًا مموهًا منقوشًا بالذهب، ويرتقى إلى الباب بسبع درجات، وهو باب العباس بن عبد المطلب، وعنده علم المسعى من خارج.
والباب الخامس وهو باب بني هاشم وهو مستقبل الوادي، وسعة ما بين جدري الباب أحد وعشرون ذراعًا، وفيه أسطوانتان عليهما ثلاث طاقات طول كل طاقة ثلاثة عشر ذراعًا، ووجوه الطاقات وداخلها منقوش بالفسيفساء، وعارضتا الباب ملبستان صفائح رخام أبيض وأخضر وأحمر ورخامًا منقوشًا مموهًا، وفوق الباب روشن ساج منقوش بالذهب، والزخرف طوله، أربعة وعشرون ذراعًا، وعرضه ثلاثة أذرع ونصف، ومن أعلى الروشن إلى عتبة الباب ثلاثة وعشرون ذراعًا، وفي عتبة الباب سبع درجات إلى بطن الوادي.
وفي الشق الذي يلي الوادي، وهو شق المسجد اليماني، سبعة أبواب وسبعة عشر طاقًا.
منها الباب الأول فيه أسطوانة عليها طاقان طول كل طاقة في السماء ثلاثة

 

ج / 2 ص -85-          عشر ذراعًا ونصف، وما بين جدري الباب أربعة عشر ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا، وفي العتبة اثنتا عشرة درجة إلى بطن الوادي، وهو الباب الأعلى يقال له: باب بني عائذ.
والباب الثاني فيه أسطوانة عليها طاقان طول كل طاقة ثلاثة عشر ذراعًا ونصف، وما بين جدري الباب أربعة عشر ذراعًا ونصف، وفي العتبة اثنتا عشرة درجة في بطن الوادي، وهو باب بني سفيان ابن عبد الأسد.
والباب الثالث، وهو باب الصفا فيه أربع أساطين عليها خمس طاقات، طول كل طاقة في السماء ثلاثة عشر ذراعًا ونصف، والطاق الأوسط أربعة عشر ذراعًا، ووجوه الطاقات وداخلها منقوش بالفسيفساء، وأسطوانةا الطاق الأوسط من أنصافهما منقوشتان مكتوب عليهما بالذهب، وما بين جدر الباب ستة وثلاثون ذراعًا، وجدر الباب ملبس رخامًا منقوشًا بالذهب ورخامًا أبيض، وأحمر وأخضر ولون اللازورد، وفي عتبة الباب اثنتا عشرة درجة، وفي الدرجة الرابعة، إذا خرجت من المسجد حذو الطاق الأوسط، حجر فيه من رصاص، ذكروا أن النبي -صلى الله عليه وسلم، وطئ في موضعها حين خرج إلى الصفا، قال أبو محمد الخزاعي: لما غرق المسجد وما حوله من المسعى والوادي والطريق، في سنة إحدى وثمانين ومائتين، في خلافة المعتضد بالله ظهر من درج الأبواب أكثر مما كان ذكر الأزرقي، فكان عدد ما ظهر من درج أبواب الوادي كله من أعلى المسجد إلى أسفله، اثنتي عشرة درجة لكل باب.
قال أبو الوليد: وكان في موضعه زقاق ضيق يخرج منه من مضى من الوادي يريد الصفا، فكانت هذه الرصاصة في وسط الزقاق يتحرا بها ويحذونها موطأ النبي -صلى الله عليه وسلم، وكان يقال لهذا الباب: باب بني عدي بن كعب كانت دور بني عدي ما بين الصفا إلى المسجد وموضع الجنبذة، التي يسقى فيها الماء عند البركة هلم جرا إلى المسجد، فلما وقعت الحرب بين بني عدي بن كعب وبين بني عبد شمس، تحولت بنو عدي إلى دور بني سهم،

 

ج / 2 ص -86-          وباعوا رباعهم ومنازلهم هنالك جميعًا إلا آل صداد وآل المؤمل، وقد كتبت ذكر ذلك في موضع الرباع من هذا الكتاب، ويقال له اليوم: باب بني مخزوم.
والباب الرابع فيه أسطوانة عليها طاقان طول كل طاق منها ثلاثة عشر ذراعًا ونصف، وما بين جدري الباب خمسة عشر ذراعًا، وفي عتبة الباب اثنتا عشرة درجة في بطن الوادي، ويقال لهذا الباب: باب بني مخزوم.
والباب الخامس فيه أسطوانة عليها طاقان طول كل طاق ثلاثة عشر ذراعًا ونصف، وما بين جدري الباب خمسة عشر ذراعًا، وفي عتبة الباب اثنتا عشرة درجة، وهذا الباب من أبواب بني مخزوم، والباب السادس فيه أسطوانة عليها طاقان طول كل طاق في السماء ثلاثة عشر ذراعًا ونصف، وما بين جدري الباب خمسة عشر ذراعًا، وفي عتبة الباب اثنتا عشرة درجة، وكان يقال لهذا الباب: باب بني تيم، وكان بحذا دار عبد الله بن جدعان، ودار عبد الله بن معمر بن عثمان التيمي، فدخلتا في الوادي حين وسع المهدي المسجد، وقد فضلت من دار ابن جدعان فضلة، وهي بأيديهم إلى اليوم.
والباب السابع فيه أسطوانة عليها طاقان طول كل طاق ثلاثة عشر ذراعًا، واثنتا عشرة إصبعًا، وما بين جدري الباب أربعة عشر ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا، وفي عتبة الباب اثنتا عشرة درجة، وهذا الباب مما يلي دور بني عبد شمس وبني مخزوم، وكان يقال له: باب أم هانيء ابنة أبي طالب، وعلى الأساطين التي على الأبواب كراسي مما يلي الوادي، وباب بني هاشم وباب بني جمح ساج منقوشة بالزخرف والذهب.
وفي الشق الذي يلي بني جمح ستة أبواب وعشر طاقات، الباب الأول وهو يلي المنارة التي تلي أجياد الكبير، فيه أسطوانة عليها طاقان طول كل طاق ثلاثة عشر ذراعًا، وما بين جدري الباب خمسة عشر ذراعًا، وفي عتبة

 

ج / 2 ص -87-          الباب ثماني درجات، وهو يقال: له باب بني حكيم بن حزام، وباب بني الزبير بن العوام، والغالب عليه باب الحزامية يلي الخط الحزامي.
والباب الثاني فيه أسطوانتان عليهما ثلاث طاقات، طول كل طاق في السماء ثلاثة عشر ذراعًا، وما بين جدري الباب أحد وعشرون ذراعًا، وفي عتبة الباب سبع درجات، وهذا الباب يستقبل دار عمرو بن عثمان بن عفان، يقال له اليوم: باب الخياطين.
والباب الثالث فيه أسطوانة عليها طاقان طول كل طاق في السماء عشرة أذرع، ووجه الطاقين منقوش بالفسيفساء، وما بين جدري الباب خمسة عشر ذراعًا، وفي عتبة الباب سبع درجات، وبين يدي الباب بلاط يمر عليه سيل المسجد من سرب تحت هذا الباب، وذلك الفسيفساء من عمل أبي جعفر أمير المؤمنين. وهو آخر عمله في ذلك الموضع، وهو باب بني جمح قال أبو الحسن: قد كان هذا على ما ذكره الأزرقي، حتى كانت أيام جعفر المقتدر بالله أمير المؤمنين، وكان يتولى الحكم بمكة محمد بن موسى، فغير هذين البابين المعروف أحدهما بالخياطين والآخر ببني جمح، وجعل ما بين داري زبيدة مسجدًا، وصله بالمسجد الكبير عمله بأروقة وطاقات وصحن، وجعله شارعًا على الوادي الأعظم بمكة، فاتسع الناس به وصلوا فيه، وذلك كله في سنة ست وسنة سبع وثلاثمائة.
قال أبو الوليد: والباب الرابع طاق طوله في السماء عشرة أذرع وعرضه خمسة أذرع، وعليه باب مبوب كان يشرع في زقاق بين دار زبيدة وبين المسجد، وكان ذلك الزقاق مسلوكًا، وهو باب أبي البختري بن هاشم الأسدي، كان يستقبل داره التي دخلت في دار زبيدة، وفيها بير الأسود بن المطلب بن أسد، وهو الباب الذي يصعد منه اليوم إلى دار زبيدة.
والباب الخامس طاق طوله في السماء عشرة أذرع، وعرضه أربعة أذرع واثنتا عشرة إصبعًا، والباب مبوب يشرع في زقاق دار زبيدة أيضًا، والباب

 

ج / 2 ص -88-          السادس طاق طوله في السماء عشرة أذرع وعرضه سبعة أذرع، وفي العتبة عشر درجات وهو باب بني سهم.
وفي الشق الذي يلي دار الندوة ودار العجلة، وهو الشق الشامي، من الأبواب ستة أبواب.
الباب الأول، وهو يلي المنارة التي تلي بني سهم، طاق طوله في السماء عشرة أذرع وعرضه أربعة أذرع، وفي العتبة ست درجات، وهو باب عمرو بن العاص. والباب الثاني قد سد في دار العجلة، وموضعه بين لمن يقابله، والباب الثالث هو باب دار العجلة، والباب الرابع هو باب قعيقعان طاق طوله في السماء عشرة أذرع وعرضه تسعة أذرع وست أصابع، وفي عتبة الباب من خارج بلاط من حجارة، وينزل منه إلى بطن المسجد بست درجات، ويقال ثماني درجات، ويقال له باب حجير بن أبي إهاب، قال أبو محمد الخزاعي: وهو حجير بن أبي إهاب التيمي، وهي الدار التي بينهما الطريق إلى قعيقعان، كانتا أقطعتا عمرو بن الليث الصفار، ثم صارت إحداهما إصطبلًا للسلطان، والأخرى لاصقة بدار العروس، ودار جعفر بن محمد فيها بيوت تسكن، قال أبو الوليد: وينزل منه إلى بطن المسجد بست درجات، وبين يدي الباب من خارج بلاط من حجارة.
والباب الخامس هو باب دار الندوة.
والباب السادس طاق واحد طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه خمسة أذرع، وفي عتبة هذا الباب ثماني درجات في بطن المسجد، وهو باب دار شيبة بن عثمان، يسلك منه إلى السويقة، وفي هذا الشق درجة يصعد منها إلى دار الإمارة، وهي دار السلامة درجة رخام عليها درابزين، وفي هذا

 

ج / 2 ص -89-          الشق جناح من دار العجلة، كان أشرع للمهدي أيام بنيت في سنة ستين ومائة، فلم يزل ذلك الجناح على حاله حتى جاءت المبيضة، فقطعه حسين بن حسن العلوي، ووضع الجناح لاصقًا بالكواء، التي كانت أبواب الجناح في سنة مائتين في الفتنة فلم يزل على ذلك، حتى أمر أمير المؤمنين المعتصم بالله في سنة إحدى وعشرين ومائتين، بعمارة دار العجلة فأشرع الجناح وجعل شباكه بالحديد، وجعلت عليه أبواب مزررة تطوى وتنشر فهو قائم إلى اليوم.
ذرع جدرات المسجد الحرام:
قال أبو الوليد: ذرع الجدر الذي يلي المسعى، وهو الشرقي ثمانية عشر ذراعًا في السماء، وطول الجدر الذي يلي الوادي، وهو الشق اليماني في السماء اثنان وعشرون ذراعًا، وطول الجدر الذي يلي بني جمح، وهو الغربي، اثنان وعشرون ذراعًا ونصف، وطول الجدر الذي يلي دار الندوة، وهو الشق الشامي، تسعة عشر ذراعًا ونصف.
الشرافات التي في بطن المسجد وخارجه:
قال أبو الوليد: وعدد الشرافات، التي على جدرات المسجد من خارجه مائتا شرافة واثنتان وسبعون شرافة ونصف، منها في الجدر الذي يلي المسعى، ثلاث وسبعون شرافة، ومنها في الجدر الذي يلي الوادي مائة وتسع عشرة، ومنها في الجدر الذي يلي بني جمح خمس وسبعون، ومنها في الجدر الذي يلي دار الندوة خمس شرافات ونصف، وفي جدرات المسجد من خارج،

 

ج / 2 ص -90-          روازن منقوشة بالجص، وطاقات نافذة إلى المسجد ووجهها منقوش بالجص، وعلى الطاقات شباك حديد، ووجوه طاقات الأبواب، ووجوه الشرف منقوش بالجص، وسيل سطح المسجد من الشق الذي يلي المسعى، والشق الذي يلي دار الندوة، يجري سيله في سربين محفورين على جدرات المسجد، ثم يسيل في أسطوانة مبنية على باب بني شيبة الكبير، ثم يصير إلى سقاية مدبولة على باب المسجد بين يدي دار القوارير عليها شباك وباب يغلق، وسيل شق الوادي وشق بني جمح، يسيل في سرب قد جعل في الجدار، كان يسيل في سقاية عند الخياطين، مدلولة كانت الخيزران أم الخليفتين موسى وهارون، قد حفرتها هناك في موضع الرحبة التي استقطعها جعفر بن يحيى، فبنى فيها الدار التي على البقالين والخياطين، ثم صارت بعد لزبيدة، فلما بنيت هذه الدار، صرف سيل المسجد، فصار يجري في سرب عظيم، وهو ميزاب من ساج يسكب على البئر التي على باب البقالين التي حفرها المهدي عوضًا من بئر قصي بن كلاب، التي يقال لها: العجول، دخلت في المسجد الحرام حين وسعه المهدي.
ذكر عدد الشراف التي في بطن المسجد، وما يشرع من الطيقان في الصحن:
وفي شق المسجد الشرقي، الذي فيه المسعى أحد وثلاثون طاقًا فوقها مائة شرفة مجصصة، وفي الشق الذي يلي باب بني شيبة الصغير ودار الندوة ستة وأربعون طاقًا فوقها مائة وأربع وسبعون شرافة، وفي الشق اليماني خمسة وأربعون طاقًا فوقها مائة وخمسون شرفة مجصصة، وفي الشق الغربي تسعة وعشرون طاقًا فوقها أربع وتسعون شرافة، وبين مخرج النبي -صلى الله عليه وسلم، من الصفا

 

ج / 2 ص -91-          وبين الركن الذي فيه منارة المسعى تسعة عشر طاقًا، فهذا ما في بطن المسجد من الشرف البيض، وأما خارج المسجد فبعض الشرف قائم وبعضه داخل في الدور.
ذكر صفة سقف المسجد:
وللمسجد الحرام سقفان أحدهما فوق الآخر، فأما الأعلى منهما فمسقف بالدرم اليماني، وأما الأسفل فمسقف بالساج والسيلج الجيد، وبين السقفين فرجة قدر ذراعين ونصف، والسقف الساج مزخرف بالذهب، مكتوب في دوارات من خشب، فيه قوارع القرآن، وغير ذلك من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم، والدعاء للمهدي.
ذكر الأبواب التي يصلى فيها على الجنائز بمكة المشرفة:
وهي ثلاثة أبواب، منها باب العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه، ويعرف ببني هاشم، فيه موضع قد هندم للجنائز لتوضع فيه، ومنها باب بني عبد شمس وهو باب بني شيبة الكبير، ومنها باب الصفا، وفيه موضع قد هندم أيضًا فوضع فيه الجنائز، وعلى باب الصفا صلي على سفيان بن عيينة حين مات، فهذه الأبواب التي يصلى فيها على الجنائز، وكان الناس فيما مضى من الزمان يصلون على الرجل المذكور في المسجد الحرام1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 1/ 384-385.

 

ج / 2 ص -92-          ذكر منارات المسجد الحرام وعددها وصفتها:
وفي المسجد الحرام أربع منارات يؤذن فيها مؤذنو المسجد، وهي في زوايا المسجد على سطحه، يرتقى إليها بدرج، وعلى كل منارة باب يغلق عليها شارع في المسجد الحرام، وعلى رءوس المنارات شراف، فأولها المنارة التي تلي باب بني سهم، تشرف على دار عمرو بن العاص، وفيها يؤذن صاحب الوقت بمكه، والمنارة الثانية تلي أجياد تشرف على الحزورة وسوق الخياطين، وفيها يسحر المؤذن في شهر رمضان، والمنارة الثالثة تشرف على دار ابن عباد ودار السفيانين على سوق الليل، ويقال لها: منارة المكيين، والمنارة الرابعة بين المشرق والشام وهي مطلة على دار الامارة وعلى الحذائين والردم، وفيها يتعبد أبو الحجاج الخراساني، ويكون فيها بالليل والنهار، ويصلي الصلوات فيها ولا ينحدر منها إلا من جمعة إلى جمعة، وكان رجلًا صالحًا فيما ذكروا.
ذكر قناديل المسجد الحرام، وعددها والثريات التي فيه وتفسير أمرها:
قال أبو الوليد: وعدد قناديل المسجد الحرام أربعمائة قنديل وخمسة وخمسون قنديلًا، والثريات التي يستصبح فيها في شهر رمضان وفي الموسم ثمان ثريات، أربع صغار، وأربع كبار، يستصبح في الكبار منها في شهر رمضان وفي المواسم، ويستصبح منها بواحدة في ساير السنة على باب دار الإمارة، وهذه الثريات في معاليق من شبه، ولها قصب من شبه، تدخل هذه القصبة في حبل، ثم تجعل في جوانب المسجد الأربعة، في كل جانب واحدة

 

ج / 2 ص -93-          يستصبح فيها في رمضان فيكون لها ضوء كثير ثم ترفع في سائر السنة.
ذكر ظلة المؤذنين التي يؤذن فيها المؤذنون يوم الجمعة إذا خرج الإمام:
قال أبو الوليد: أول من عمل الظلة للمؤذنين، التي على سطح المسجد يؤذنون فيها المؤذنون يوم الجمعة، والإمام على المنبر عبد الله بن محمد بن عمران الطلحي، وهو أمير مكة في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين، وكان المؤذنون يجلسون هناك يوم الجمعة في الشمس في الصيف والشتاء، فلم تزل تلك الظلة على حالها، حتى عمر المسجد الحرام في خلافة جعفر المتوكل على الله أمير المؤمنين في سنة أربعين ومائتين، فهدمت تلك الظلة وعمرت وزيد فيها، فهي قائمة إلى اليوم.
ما جاء في منبر مكة:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن عبد الرحمن بن حسن عن أبيه قال: أول من خطب بمكة على منبر، معاوية بن أبي سفيان، قدم به من الشام سنة حج في خلافته، منبر صغير على ثلاث درجات، وكانت الخلفاء والولاة قبل ذلك، يخطبون يوم الجمعة على أرجلهم قيامًا في وجه الكعبة وفي الحجر، وكان ذلك المنبر الذي جاء به معاوية، ربما خرب، فيعمر ولا يزاد فيه، حتى حج الرشيد هارون أمير المؤمنين في خلافته، وموسى بن عيسى عامل له على مصر فأهدى له منبرًا عظيمًا في تسع درجات منقوش،

 

ج / 2 ص -94-          فكان منبر مكة، ثم أخذ منبر مكة القديم فجعل بعرفة، حتى أراد الواثق بالله الحج فكتب، فعمل له ثلاثة منابر: منبر بمكة، ومنبر بمنى، ومنبر بعرفة، فمنبر هارون الرشيد ومنابر الواثق كلها بمكة إلى اليوم.
صفة ما كانت عليه زمزم وحجرتها، وحوضها قبل أن تغير في خلافة المعتصم بالله في سنة تسع عشرة ومائتين، وذلك مما كان عمل المهدي أمير المؤمنين في خلافته1:
قال أبو الوليد: وكان ذرع وجه حجرة زمزم، الذي فيه بابها، وهو مما يلي المسعى اثني عشر ذراعًا وتسع عشرة إصبعًا، وذرع الشق الذي يلي المقام عشرة أذرع واثنتا عشرة إصبعًا، وذرع الشق الذي يلي الكعبة تسعة أذرع وخمس عشرة إصبعًا، وذرع الشق الذي يلي الوادي، والصفا ثلاثة عشر ذراعًا وثلاث أصابع، وذرع طول حجرة زمزم من خارج في السماء خمسة أذرع، من ذلك الحجارة ذراعان واثنتا عشرة إصبعًا، عليها الرخام والساج ذراعان واثنتا عشرة إصبعًا، ويدور في وسط الجدر حوض في جوانب زمزم كلها، طول الحوض في السماء تسع عشرة إصبعًا، وعرضه ثماني عشرة إصبعًا، وطول الجدر من داخل ذراعان، والجدر الذي داخله وخارجه وبطن الحوض، وجدرانه ملبس رخامًا، وعرض الجدر ذراع وأربع أصابع، وعلى الجدر حجرة ساج، من ذلك سقف على الحوض طوله في السماء عشرون إصبعًا، وتحت السقف ستة وثلاثون طاقًا، يؤخذ منها الماء من الحوض، ويتوضأ منها، طول كل طاق عشرون إصبعًا وعرضه أربع عشرة إصبعًا، منها في الوجه الذي يلي المقام اثنا عشر طاقًا، ومنها في الوجه الذي يلي الكعبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: الفاكهي 2/ 77.

 

ج / 2 ص -95-          اثنا عشر طاقًا، وفي الوجه الذي يلي الوادي اثنا عشر طاقًا، وحجرة الساج مشبكة، وذرع سعة باب حجرة زمزم في السماء ثلاثة أذرع، وعرض الباب ذراعان وهو ساج مشبك، وبطن حجرة زمزم مفروش برخام حول البئر، ومن حد البئر إلى عتبة باب الحجرة أربعة أذرع ونصف، وذرع تدوير رأس البئر من خارج خمسة عشر ذراعًا ونصف، وتدويرها من داخل اثنا عشر ذراعًا ونصف، وعلى الحجرة أربع أساطين ساج عليها ملبن ساج مربع، فيه اثنتا عشرة بكرة، يستقى عليها الماء، وفي حد مؤخره مما يلي الوادي، كنيسة ساج يكون فيها القيم، ويقال إنها مجلس عبد الله بن عباس -رضي الله عنه، وفوق الملبن حجرة ساج عليها قبة، خارجها أخضر، ثم غيرت بالفسيفساء، وداخلها أصفر وفي حد حجرة زمزم أسطوانة ساج، مستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فوقها قبة من شبه1، يسرج فيها بالليل لأهل الطواف، وهو الذي يقال له: مصباح زمزم ثم نحاه عمر بن فرج الرخجي، عن زمزم حين غيرت وبنيت، فلما بعث أمير المؤمنين الواثق بالله رحمه الله بعمد مصابيح الشبه، رمي بذلك العمود الذي كان يسرج عليه، وأخرج من المسجد.
ذكر ما غير من عمل زمزم في خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله سنة عشرين ومائتين، وأول من عمل الرخام عليها:
قال أبو الوليد: كان أول من عمل الرخام على زمزم والشباك، وفرش أرضها بالرخام، أبو جعفر أمير المؤمنين في خلافته، ثم عملها المهدي في خلافته، ثم عمره عمر بن فرج الرخجي في خلافة أبي إسحاق المعتصم بالله أمير المؤمنين، في سنة عشرين ومائتين، وكانت مكشوفة قبل ذلك، إلا قبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الشبه، بالتحريك: هو النحاس الأصفر.

 

ج / 2 ص -96-          صغيرة على موضع البئر، ثم غيرها عمر بن فرج فسقف زمزم كلها بالساج المذهب من داخل، وجعل في الجناح كما يدور سلاسل فيها قناديل، يستصبح فيها في الموسم، وجعل على القبة التي بين زمزم وبيت الشراب الفسيفساء، وكانت قبل ذلك تزوق في كل موسم، عمل ذلك كله في سنة عشرين ومائتين.
صفة القبة وحوضها وذرعها1:
قال أبو الوليد: وذرع ما بين حجرة زمزم إلى وسط جدر الحوض الذي قدام السقاية التي عليه القبة، أحد وعشرون ذراعًا ونصف، وذرع سعة الحوض من وسطه اثنا عشر ذراعًا وتسع أصابع في مثله، وذرع تدوير الحوض من داخل تسعة وثلاثون ذراعًا، وذرع تدويره من خارج أربعون ذراعًا، وهو مفروش بالرخام، وجدره ملبس رخامًا، حتى غيره عمر بن فرج الرخجي، فجعل جداره بحجر مفجري منقوش، وفرش أرضه بالرخام، وذرع طول جدره، من داخل في السماء، عشر أصابع وعرضه ثمان أصابع، وفي وسطه رخامة منقوشة يخرج منها الماء في فوارة تخرج من الحوض الذي في حجرة زمزم، إذا دخلت الحجرة على يمينك، ثم يخرج في قناة رصاص حتى يخرج في وسط الحوض من هذه الفوارة، وهو الحوض الذي كان يسقى فيه النبيذ، وبين الحوض الذي في زمزم الذي يخرج منه الماء إلى هذا الحوض الكبير الذي عليه القبة، ثمانية وعشرون ذراعًا، وحول هذا الحوض اثنتا عشرة أسطوانة ساج، طول كل أسطوانة أربعة أذرع، وما بين حد الأساطين ووجه زمزم أربعة عشر ذراعًا، وفوق الأساطين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: الفاكهي 2/ 79.

 

ج / 2 ص -97-          حجرة ساج طولها في السماء ذراعان، وعلى الحجرة قبة ساج خارجها أخضر وداخلها أصفر، طول القبة من وسطها من داخل أربعة عشر ذراعًا، وكانت هذه القبة عملها المهدي في خلافته سنة ستين ومائة، عملها أبو بحر المجوسي النجار، الذي كان جاء به عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس من العراق، يعمل أبواب داره التي على المروة يقال لها: دار مخرمة، ويعمل سقوفها في سنة ستين ومائة. قال أبو الوليد: أخبرني بذلك جدي، وكانت تزوق في كل سنة، حتى أمر بها عمر بن فرج سنة تسع عشرة ومائتين، فجعل عليها الفسيفساء، فثقلت ودقت أساطينها الساج عنها، فقلعها محمد بن الضحاك في سنة عشرين ومائتين، نزع أسطوانة أسطوانة ويدعم ما فوقها، فبدلت أساطين جلالًا، أجل من الأساطين التي كانت قبلها من ساج، وجعل الأساطين من حجارة منقوشة، دفنها حتى لا يأكل الماء الخشب إذا دفن في الأرض، وسكب بين الخشب وبين الحجارة الرصاص، وفي جدر الحوض الذي عليه القبة حجر، بحيال السقاية سقاية العباس بن عبد المطلب، فيه قناة من رصاص إلى الحوض الداخل في السقاية، يصب فيه النبيذ إلى الحوض الذي فيه القبة أيام التشريق وأيام الحج، وبين الحوضين ستة أذرع.
قال أبو محمد الخزاعي: فلما كان في سنة ست وخمسين ومائتين، في خلافة المهتدي بالله، قدم خادم على عمارة المسجد يقال له: بسر، فغير أرض هذه القبة نقض رخامها، ثم كبسها حتى ارتفعت أرضها، وجعل فيها بركة صغيرة يخرج فيها الماء من الفوارة التي في بطنها، وجعل عليها شباكًا من خشب بأبواب تغلق، وكان أول عمل الصحفة المكشوفة، وقد كان قبل ذلك يصلي فيها الناس وينلمون، وقد كان قبل ذلك في زوايا هذه القبة، أربع قباب صغار، في كل ركن قبة، فقلعن في أيام عبد الله بن محمد بن داود، قال أبو الوليد: ومن الحوض الذي عليه القبة إلى الحوض الذي ليس عليه قبة

 

ج / 2 ص -98-          خمسة أذرع، وسعة الحوض الذي ليس عليه قبة من وسطه بين يدي بيت الشراب اثنا عشر ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا في مثله، وتدويره من داخل ثمانية وثلاثون ذراعًا ونصف، وتدويره من خارج أربعون ذراعًا ونصف، وطول جدر الحوض من داخل ثلاثة عشر ذراعًا، وعرض جدره ثماني أصابع، وتدوير حول الحوض خمسون حجرًا، كل حجر طوله أطول من جدر الحوض، وبطن الحوض مفروش بحجارة، ثم فرش بعد برخام، وفي وسط الحوض حجر مثقوب يخرج منه ماء زمزم من الحوض الذي في زمزم، عن يسارك إذا دخلت، وبينهما خمسة وثلاثون ذراعًا وثماني أصابع، يصب الماء فيه أيام الحج للوضوء، ويصب النبيذ من السقاية في الحوض الذي تحت القبة، ثم ترك ذلك فصار يكون الوضوء في حوض آخر من القبة، وعليه شباك يتوضأ منه من كواء في الشباك، وجعل في الحوض الآخر سرب يتوضأ فيه، ويصير ماؤه من السرب الذي يذهب فيه ماء وضوء زمزم إلى الوادي.
صفة سقاية1 العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- وما فيها وفرعها إلى أن غيرت في خلافة الواثق بالله في سنة تسع وعشرين ومائتين:
قال أبو الوليد: وذرع طول سقاية العباس بن عبد المطلب أربعة وعشرون ذراعًا في تسعة عشر ذراعًا، وفيها من الأساطين في جدرانها أربع، وفي وسط جدر وجهها أسطوانة، وفي جدرها في وسطه من مؤخرها أسطوانة، وما بين الأساطين ألواح ساج، وطول جدراتها في السماء ثمانية أدرع، الساج من ذلك ستة أذرع وثماني أصابع، وعلى الأساطين جوايز عليها بناء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في صفة سقاية العباس: الفاكهي 2/ 83.

 

ج / 2 ص -99-          ذراع وست عشرة إصبعًا، وعلى جدرات السقاية ست وأربعون شرافة، منها على الجدر الذي يلي الكعبة ثلاث عشرة شرافة، ومنها على الجدر الذي يلي المسعى ثلاث عشرة، ومنها على الجدر الذي يلي دار الندوة عشر، ومنها على الجدر الذي يلي الوادي عشر. 
وكان ذلك عمل المهدي، غيره حسين بن حسن العلوي سنة مائتين في الفتنة، وهدم شرافها، ونقص من سمكها، وفتح الأبواب والألواح الساج التي بين الأساطين وسقفها، وبطحها بالبطحاء، فكان الناس يصلون فيها، وقال: إذا كان الموسم جعلت عليها الأبواب، وهكذا كانت تكون قبل ذلك.
فلما أن جاء مبارك الطبري، رد الألواح الساج في مكانها، وأغلقها وأخرج البطحاء منها، وكان في السقاية بابان: باب حيال الكعبة، وفيه مصراعان طولهما أربعة أذرع وعشرون إصبعًا، وعرضهما ثلاثة أذرع وعشرون إصبعًا، والباب الثاني في الجدر الذي يلي الوادي، طوله ثلاثة أذرع وأربع أصابع، وعرضه ذراع ونصف، وكان في السقاية ستة أحواض، منها ثلاثة، طول كل حوض منها خمسة أذرع ونصف، وعرض كل حوض منها ذراعان، وطول كل حوض منها في السماء ثلاثة أذرع ونصف، وثلاثة أحواض، طول كل حوض منها ذراع ونصف في السماء، والحياض ساج، في كل حوض منها، حوض من أدم ينبذ فيه نبيذ للحاج، ويصب في الحياض ما يجري في قناة من رصاص، والقناة في حجرة زمزم، إذا دخلت على يسارك تحت الكنيسة، عليها حوض من ساج ذراع عرضًا في ذراع، وطوله في السماء ثماني عشرة إصبعًا، وطول قصبة القناة الرصاص، من بطن حجرة زمزم، أربعة أذرع، وطول قصبة الرصاص، من بطن السقاية إلى أعلى الحوض، ثلاثة أذرع واثنا عشر إصبعًا، ومن الحياض التي فيها النبيذ إلى طرف القناة، وهي في حجرة زمزم، اثنان وخمسون ذراعًا، ومن حد مؤخر حجرة زمزم التي تلي المقام إلى حد السقاية، وبينهما الحوض الذي

 

ج / 2 ص -100-        عليه قبة زمزم، تسعة وثلاثون ذراعًا، ومن حد مؤخر حجرة زمزم، الذي فيه الكنيسة، إلى حد السقاية، وبينهما الحوض الذي ليس عليه قبة، تسعة وأربعون ذراعًا وتسع أصابع.
فلم يزل هذا بناء الصفة، صفة زمزم، وهو بيت الشراب حتى هدمه عمر بن فرج الرخجي، في سنة تسع وعشرين ومائتين وبناه، فبنى أسفله بحجارة بيض منقوشة، مداخلة على عمل الأجنحة الرومية، وبنى أعلاه بآجر، وألبسه رخامًا، وجعل بينه كواء عليها شباك من حديد، وأبواب، وجعلها مكنسة، وفوق الكنيسة ثلاث قباب صغار، وألبس ذلك كله بالفسيفساء، وجعل في بطنها حوضًا كبيرًا من ساج، في بطن الحوض حوض من أدم ينبذ فيه الشراب للحاج أيام الموسم.
ذكر ما عمل في المسجد من البرك والسقايات:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم بن عقبة بن الأزرق عن أبيه، قال: كتب سليمان بن عبد الملك بن مروان إلى خالد بن عبد الله القسري: أن أجر لي عينًا تخرج من الثقبة، من مائها العذب الزلال، حتى تظهر بين زمزم والركن الأسود، ويضاهى بها رغم ماء زمزم، قال: فعمل خالد بن عبد الله القسري البركة التي بفم الثقبة، يقال لها: بركة القسري، ويقال لها أيضًا: بركة البردي ببئر ميمون وهي قائمة إلى اليوم بأصل ثبير، فعملها بحجارة منقوشة طوال، وأحكمها وأنبط ماءها في ذلك الموضع، ثم شق لها عينًا تسكب فيها من الثقبة، وبنى سد الثقبة وأحكمه، والثقبة شعب يفرع فيه وجه ثبير، ثم شق من هذه البركة عينًا تجري إلى المسجد الحرام، فأجراها في قصب من رصاص، حتى أظهرها

 

 

ج / 2 ص -101-        في فوارة تسكب في فسقينة من رخام، بين زمزم والركن والمقام، فلما أن جرت وظهر ماؤها، أمر القسري بجزر فنحرت بمكة وقسمت بين الناس، وعمل طعامًا فدعا عليه الناس، ثم أمر صائحًا فصاح الصلاة جامعة، ثم أمر بالمنبر فوضع في وجه الكعبة، ثم صعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس احمدوا الله تبارك وتعالى وادعوا لأمير المؤمنين الذي سقاكم الماء العذب الزلال النقاح، بعد الماء المالح الأجاج، الماء الذي لا يشرب إلا صبرًا، يعني زمزم.
قال: ثم تفرغ تلك الفسقينة في سرب من رصاص، يخرج إلى وضوء كان عند باب المسجد، باب الصفا، في بركة كانت في السوق، قال: فكان الناس لا يقفون على تلك الفسقينة، ولا يكاد أحد يأتيها، وكانوا على شرب ماء زمزم أرغب ما كانوا فيه، قال: فلما رأى ذلك القسري، صعد المنبر فتكلم بكلام يؤنب فيه أهل مكة، فلم تزل تلك البركة على حالها، حتى قدم داود بن علي بن عبد الله بن عباس مكة، حين أفضت الخلافة إلى بني هاشم، فكان أول من أحدث بمكة، هدمها ورفع الفسقينة وكسرها، وصرف العين إلى بركة كانت بباب المسجد، قال فسر الناس بذلك سرورًا عظيمًا حين هدمت.
ما ذكر من بناء المسجد الجديد الذي كان دار الندوة، وأضيف إلى المسجد الحرام الكبير:
قال أبو محمد إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع الخزاعي: فكانت دار الندوة، على ما ذكر الأزرقي في كتابه، لاصقة بالمسجد الحرام، في الوجه الشامي من الكعبة، وهي دار قصي بن كلاب، وكانت قريش لتبركها بأمر قصي، تجتمع فيها للمشورة في الجاهلية ولإبرام الأمور، وبذلك سميت

 

ج / 2 ص -102-        دار الندوة لاجتماع الندى فيها، فكانت حين قسم قصي الأمور الستة التي كان فيها الشرف والذكر، وهي الحجابة، والسقاية، والرفادة، والقيادة، واللواء، والندوة، بين ابنيه: عبد مناف وعبد الدار، مما صير إلى عبد الدار مع الحجابة واللواء، وكانت السقاية والرفادة والقيادة مما صير إلى عبد مناف بن قصي، فأما عبد مناف بن قصي، فجعل السقاية وهي زمزم، وسقاية العباس والرفادة وهي إطعام الحاج في كل موسم وشرابهم، إلى ابنه هاشم بن عبد مناف، فهي في ولده إلى اليوم، وجعل القيادة إلى ابنه عبد شمس بن عبد مناف، فهي في ولده إلى اليوم، وأما عبد الدار، فجعل الحجابة إلى ابنه عثمان بن عبد الدار، وجعل الندوة إلى ابنه عبد مناف بن عبد الدار، وجعل اللواء لولده جميعًا، فكانوا يلونه حتى كان يوم أحد، فقتل عليه من قتل منهم، وكان لواء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، حتى قتل عليه، ثم كانت الندوة بعد إلى هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، ثم إلى ابنيه عمير: أبي مصعب بن عمير، وعامر، بني هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، ثم ابتاعها معاوية بن أبي سفيان في خلافته من ابن الرهين العبدري، وهو من ولد عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، فطلب شيبة بن عثمان من معاوية الشفعة فيها، فأبى عليه فعمرها معاوية وكان ينزل فيها إذا حج، وينزلها من بعده من الخلفاء من بني أمية إذا حجوا.
وقد دخل بعضها في المسجد الحرام في زيادة عبد الملك بن مروان، وابنيه الوليد وسليمان، ثم دخل بعضها أيضًا في زيادة أبي جعفر المنصور في المسجد، ثم كانت خلفاء بني العباس ينزلونها بعد ذلك إذا حجوا، أبو العباس وأبو جعفر والمهدي وموسى الهادي وهارون الرشيد، إلى أن ابتاع هارون الرشيد دار الإمارة من بني خلف الخزاعيين وبناها، فكان بعد ذلك ينزلها فلم تزل على ذلك حتى خربت وتهدمت.

 

ج / 2 ص -103-        قال أبو محمد الخزاعي: ورأيتها على أحوال شتى، كانت مقاصيرها التي للنساء تكرى من الغرباء والمجاورين، ويكون في مقصورة الرجال دواب عمال مكة، ثم كانت بعد ينزلها عبيد العمال بمكة من السودان وغيرهم، فيعبثون فيها ويوذون جيرانها، ثم كانت تلقى فيها القمائم ويتوضأ فيها الحاج، وصارت ضررًا على المسجد الحرام.
فلما كان في سنة إحدى وثمانين ومائتين، استعمل على بريد مكة رجل من أهلها من جيران المسجد الحرام له علم ومعرفة وحسبة، وفطنة بمصالح المسجد الحرام والبلد، فكتب في ذلك إلى الوزير عبيد الله بن سليمان بن وهب، يذكر أن دار الندوة قد عظم خرابها وتهدمت وكثر ما يلقى فيها من القمائم حتى صارت ضررًا على المسجد الحرام وجيرانه، وإذا جاء المطر سال الماء منها، حتى يدخل المسجد الحرام من بابها للشارع في بطن المسجد الحرام، وأنها لو أخرج ما فيها من القمائم وهدمت، وعدلت وبنيت مسجدًا يوصل بالمسجد الحرام، أو جعلت رحبة له يصلي الناس فيها ويتسع فيها الحاج، كانت مكرمة لم يتهيأ لأحد من الخلفاء بعد المهدي، وشرفًا وأجرًا باقيًا مع الأبد.
وذكر أن في المسجد خرابًا كثيرًا، وأن سقفه يكف إذا جاء المطر، وأن وادي مكة قد انكبس بالتراب، حتى صار السيل إذا جاء يدخل المسجد، وشرح ذلك للأمير بمكة، عج بن حاج مولى أمير المؤمنين والقاضي بها محمد بن أحمد بن عبد الله المقدمي، وسألهما أن يكتبا بمثل ذلك، فرغبا في الأجر، وجميل الذكر وكتبا إلى الوزير بمثل ذلك، فلما وصلت الكتب، عرضت على أمير المؤمنين أبي العباس المعتضد بالله بن أبي أحمد الناصر لدين الله بن جعفر المتوكل على الله، ورفع وفد الحجبة إلى بغداد، يذكرون أن في جدار بطن الكعبة رخامًا قد اختلف وتشعب، في أرضها رخام قد تكسر، وأن بعض عمال مكة كان قد قلع ما على عضادتي باب الكعبة من

 

ج / 2 ص -104-        الذهب فضربه دنانير واستعان به على حرب، وأمور كانت بمكة بعد العلوي الخارجي، الذي كان بها في سنة إحدى وخمسين ومائتين، فكانوا يسترون العضادتين بالديباج، وأن بعض العمال بعده قلع مقدار الربع من أسفل
ذهب بابي الكعبة وما على الأنف، واستعان به على فتنة بين الحناطين والجزارين بمكة، سنة ثمان وستين ومائتين، وجعل على ذلك فضة مضروبة مموهة بالذهب، على مثال ما كان عليها، فإذا تمسح الحاج به في أيام الحج، بدت الفضة، حتى تجدد تمويهها في كل سنة، وأن رخام الحجر قد رث فهو يحتاج إلى تجديد، وأن بلاطًا من حجارة حول الكعبة لم يكن تامًا، يحتاج أن تتم جوانبها كلها، وسألوا الأمير بعمل ذلك.
فأمر أمير المؤمنين كاتبه عبيد الله بن سليمان بن وهب، وغلامه بدر المؤمر بالحضرة، بعمل ما رفع إليه من عمل الكعبة والمسجد الكبير، وبعمارة دار الندوة مسجدًا يوصل بالمسجد الكبير، ويعزق الوادي كله والمسعى وما حول المسجد، وأخرج لذلك مالًا كثيرًا، فأمر بذلك القاضي ببغداد يوسف بن يعقوب، وحمل المال إليه فأنفذ بعضه سفاتج1، وأنفذ بعضه في أيام الحج مع ابنه أبي بكر عبد الله بن يوسف، وكان يقدم في كل سنة على حوائج الخليفة ومصالح الطريق وعمارتها، فقدم عبد الله بن يوسف في وقت الحج، وقدم معه برجل يقال له: أبو الهياج عمير بن حيان الأسدي، من بني أسد بن خزيمة، له أمانة ونية حسنة، فوكله بالعمل وخلف معه عمالًا وأعوانًا لذلك، فعمل ذلك وعزق الوادي عزقًا جيدًا حتى ظهرت من درج أبواب المسجد الشارعة على الوادي اثنتا عشرة درجة، وإنما كان الظاهر منها خمس درجات، ثم أخرج القمائم من دار الندوة، وهدمت ثم أنشئت من أساسها، فجعلت مسجدًا بأساطين وطاقات. وأروقة مسقفة بالساج المذهب المزخرف،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السُّفْتَجَةُ: أن يعطي مالًا، وللآخر مال في بلد المعطي، فيوفيه إياه هناك، فيستفيد أمن الطريق.

 

ج / 2 ص -105-        ثم فتح لها في جدار المسجد الكبير اثنا عشر بابًا، ستة كبار سعة كل باب خمسة أذرع، وارتفاعه في السماء أحد عشر ذراعًا، وجعل بين الستة الأبواب الكبار، ستة أبواب صغار سعة كل كل واحد منها ذراعان ونصف، وارتفاعه في السماء ثمانية أذرع وثلثا ذراع، حتى اختلطت بالمسجد الكبير.
قال أبو الحسن الخزاعي: قد كان هذا الجدار معمولًا على ما ذكره عم أبي أبو محمد الخزاعي إلى أيام الخليفة جعفر المقتدر بالله، ثم غيره القاضي محمد بن موسى، وإليه أمر البلد يومئذ، وجعله بأساطين حجارة مدورة عليها ملابن ساج بطاقات معقودة بالآجر الأبيض، والجص وصله بالمسجد الكبير وصولًا أحسن من العمل الأول، حتى صار من في دار الندوة من مصل، أو غيره يستقبل الكعبة فيراها كلها، عمل ذلك كله في سنة ست وثلاثمائة.
قال أبو محمد: وجعل لها سوى ذلك أبوابًا ثلاثة شارعة في الطريق التي حولها، منها باب بطاقين على أسطوانة بالقرب من باب الطبري، مقابل دار صاحب البريد سعته عشرة أذرع وربع ذراع، وارتفاعه في السماء أحد عشر ذراعًا وثلثا ذراع، وباب في أعلى هذا الطريق طاق واحد سعته خمسة أذرع، وارتفاعه في السماء اثنا عشر ذراعًا، وباب بين دور الخزاعيين، ولد نافع بن عبد الحارث، بطاقين على أسطوانة يستقبل من أقبل من السويقة وقعيقعان، سعته أحد عشر ذراعًا ونصف، وارتفاعه في السماء عشرة أذرع وربع ذراع، وسوا جدرها وسقوفها وشرفها بالمسجد الكبير، وفرغ منها في ثلاث سنين، فصلى الناس فيها واتسعوا بها، وجعل لها منارة، وخزانة في زاويتي مؤخرها.
فكان ذرع طول هذا المسجد من وجهه من جدار المسجد الكبير إلى مؤخره بالأروقة أربعة وثمانون ذراعًا، وعرضه بالأروقة ستة وسبعون ذراعًا، وسعة صحنه تسعة وأربعون ذراعًا في سبعة وأربعين ذراعًا، وعدد ما فيه من الأساطين، سوى ما على الأبواب، اثنتان وعشرون، وعدد الطاقات سوى الأبواب، سبع وستون أسطوانة، وعلى الأبواب اثنتان، وعدد الطاقات سوى الأبواب إحدى وسبعون طاقًا، وعلى الأبواب خمس طاقات، وعدد الشرف التي تلي بطن المسجد، ثماني وستون شرافة وعدد السلاسل التي للقناديل سبع وستون سلسلة  فيها قناديلها، آخر خبر دار الندوة بكماله والحمد لله وحده.