أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: علي عمر
ج / 2 ص -106-
باب: السعي وذكر الصفا والمروة
الرمل بالبيت وبين الصفا والمروة، وموضع القيام
عليهما ومخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى
الصفا1:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثني
مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج، قال: قال
عطاء: لما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة
لم يلو، ولم يعرج ولم يبلغنا أنه دخل بيتًا
ولا لوى لشيء، ولا عرج في حجته هذه وفي عمره
كلها حتى دخل المسجد ولم يصنع شيئًا، ولا ركع
حتى بدأ بالبيت فطاف به، وهذا أجمع في حجته
وعمره كلها.
قال عطاء: فمن قدم معتمرًا فدخل المسجد، لأن
يطوف في وقت صلاة لا يمنع فيه الطواف، فلا
يصلي تطوعًا حتى يطوف بالبيت سبعًا، قال: وإن
وجد الناس في المكتوبة فصلى معهم، فلا أحب أن
يصلي بعدها شيئًا حتى يطوف.
قال عطاء: وإن جاء قبل الصلوات كلهن قبيل كل
صلاة، فلا يجلس ولا ينتظرها ليطف، قال: فإن
قطع الإمام عليه طوافه أتم بعده، قلت لعطاء:
ألا أركع قبل تلك الصلاة إن لم أكن ركعت؟ قال:
لا، إلا الصبح، قال: فإن جئت قبلها ولم تكن
ركعت ركعتين فاركعهما، وطف من أجل أنهما أعظم
شأنًا من غيرهما من الركوع قبل كل صلاة، قال
عطاء: وإن جئت مغارب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: الفاكهي 2/ 216.
ج / 2 ص -107-
الشمس طفت ولم أنتظر غيوب الشمس بطوافي، ثم
لم أصل حتى الليل، وهو يشدد في تأخير الطواف بالبيت جدًا، قال: لا
تؤخره إلا لحاجة إما لوجع وإما لحصار، قال: فإذا دخلت المسجد، فساعتئذ
فطف حين تدخل، قلت له: إني ربما دخلت عشية فأحببت أن أؤخره إلى الليل
قال: لا يؤخره إلا أن يمنع إنسان الطواف فيصلي تطوعًا إن بدا له.
قلت لعطاء: المرأة تقدم نهارًا حرامًا إن كانت لا تخرج بالنهار، قال:
ما أبالي إن كانت مستورة إن تؤخر طوافها إلى الليل، قال ابن جريج
أخبرني عطاء قال: طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم لم يزد على
الركعتين في حجته وعمره كلها، قال عطاء: ولا أحب أن يزيد من طاف ذلك
السبع على ركعتين قال: فإن زاد عليهما فلا بأس.
قال ابن جريج: وأخبرني إسماعيل بن أمية قال: قال لي نافع: كان عبد الله
بن عمر إذا قدم مكة، طاف ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم استلم الركن ثم
خرج إلى الصفا، قال ابن جريج: قال عطاء: ومن شاء ركع تينك الركعتين عند
المقام، ومن شاء فحيث شاء، قال: فلا يضرك أين ركعتهما.
قال ابن جريج: أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه، أنه سمع جابر بن عبد الله
يحدث عن حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لما طاف النبي -صلى الله
عليه وسلم- بالبيت، ذهب إلى المقام، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم:
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}
[البقرة: 125]، وصلى ركعتين.
قال ابن جريج: قال عطاء: ومن شاء حين يخرج إلى الصفا استلم الركن، ومن
شاء ترك، قال: وإن استلم أحب إلي، وإن لم يفعل فلا بأس، قال ابن جريج:
وأخبرني جعفر بن محمد عن أبيه، أنه سمع جابرًا يحدث عن حجة النبي -صلى
الله عليه وسلم-، قال: فصلى عند المقام ركعتين حين طاف سبعة، ذلك ثم
رجع فاستلم الركن وخرج إلى الصفا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم:
"إنما نبدأ بما بدأ الله به:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ
مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158].
ج / 2 ص -108-
قال ابن جريج: أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه
أنه سمع جابر بن عبد الله، يخبر عن حجة النبي -صلى الله عليه وسلم،
قال: حتى إذا أتينا البيت، استلم الركن فطاف بالبيت سبعة أطواف رمل، من
ذلك ثلاثة أطواف.
باب أين يوقف من الصفا،
والمروة، وحد المسعى1:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن الزنجي عن ابن جريج، قال: قال
عطاء: فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم، من باب بني مخزوم إلى الصفا،
قال: فبلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم، كان يسند فيهما قليلًا في
الصفا والمروة غير كثير، فيرى من ذلك البيت، قال: ولم يكن حينئذ هذا
البنيان، قلت له: أوصف ذلك لك، وسمى حيث كان يبلغ ذلك؟ قال: لا إلا
كذلك، كان يسند فيهما قليلًا كيف ترى الآن، قال: كذلك أسند فيهما، قلت:
أفلا أسند حتى أرى البيت؟ قال: لا، ثم إلا أن تشاء غير مرة، قال: ذلك
لي فأما أن يكون حقًا عليك فلا، ولم يخبرني أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- كان يبلغ المروة البيضاء قال: كان يسند فيهما قليلًا ولا يبلغ
ذلك.
قال ابن جريج: أسأل إنسان عطاء، أيجزى عن الذي يسعى بين الصفا والمروة،
أن لا يرقى واحدًا منهما، وأن يقوم بالأرض قائمًا؟ قال: أي لعمري وما
له؟.
قال ابن جريج: وكان عطاء يقول: استقبل البيت من الصفا والمروة، لا بد
من استقباله.
قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان لا يدع أن يرقى في
الصفا والمروة، حتى يبدو له البيت منهما، ثم يستقبل البيت، قال ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: الفاكهي 2/ 227.
ج / 2 ص -109-
جريج: أخبرني نافع قال: كان عبد الله بن
عمر، يخرج إلى الصفا فيبدأ به، فيرقى حتى يبدو له البيت، فيستقبله لا
ينتهي فيه، كلما حج أو اعتمر حتى يرى البيت من الصفا والمروة، ثم
يستقبله منهما، فيبلغ من الصفا قراره فيه قدر قدمي الإنسان قط، بل يعجز
عن قدميه حتى يخرج منهما أطراف قدميه، لا يقوم أبدًا إلا فيهما، في كل
ما حج أو اعتمر، قال: أظنه والله رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم
فيهما، قال: وكان يقوم من المروة، قال لا يأتي المروة البيضاء يقوم عن
يمينه حتى يصعد فيها، قال ابن جريج: قال عطاء: فسعى به النبي -صلى الله
عليه وسلم- بطن وادي مكة قط.
حدثنا ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة1، عن أبي هريرة، وعن أبي جابر
البياضي عن سعيد بن المسيب، أنهما قالا: السنة في الطواف بين الصفا
والمروة، أن ينزل من الصفا، ثم يمشي حتى يأتي بطن المسيل، فإذا جاءه
سعى حتى يظهر منه، ثم يمشي حتى يأتي المروة، قال ابن جريج: أخبرني نافع
قال: فينزل ابن عمر من الصفا، فيمشي، حتى إذا جاء باب دار بني عباد،
سعى حتى ينتهي إلى الزقاق الذي يسلك إلى المسجد، الذي بين دار ابن أبي
حسين ودار ابنة قرظة، سعيًا دون الشد وفوق الرملان، ثم يمشي مشيه الذي
هو مشيه، حتى يرقى المروة، فيجعل المروة، البيضاء أمامه ويمينه قال:
ولا يأتي حجر المروة.
قال ابن جريج: أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله، يسأل عن
السعي، فقال: السعي بطن المسيل.
قال بن جريج: وأخبرني جعفر بن محمد عن أبيه، أنه سمع جابر بن عبد الله،
يحدث عن حجة النبي -صلى الله عليه وسلم، قال: ثم نزل عن الصفا، حتى إذا
انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى حتى إذا أصعد من الشق الآخر مشى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح المثناة وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة. قيده ابن حجر في
التقريب ص 215. وفي الأصول: "مولى التومة".
ج / 2 ص -110-
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن
منصور بن المعتمر عن شقيق بن سلمة، عن مسروق بن الأجدع، قال: قدمت
معتمرًا مع عائشة وابن مسعود، فقلت: أيهما ألزم؟ ثم قلت: ألزم عبد الله
بن مسعود ثم آتي أم المؤمنين فأسلم عليها، فاستلم عبد الله بن مسعود
الحجر، ثم أخذ على يمينه فرمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة، ثم أتى المقام
فصلى ركعتين، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه وخرج إلى الصفا فقام على صدع
فيه فلبى، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، إن ناسًا من أصحابك ينهون عن
الإهلال ههنا، قال: ولكني آمرك به، هل تدري ما الإهلال؟ إنما هي
استجابة موسى عليه السلام لربه عز وجل، قال: فلما أتى الوادي رمل وقال:
رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم.
ما جاء في موقف من طاف بين
الصفا والمروة راكبًا:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي، عن
ابن جريج، قال: قال لي عطاء: من طاف بين الصفا والمروة راكبًا، فليجعل
المروة البيضاء في ظهره، ويستقبل البيت، وليدع الطريق طريق المروة،
وليأخذ من دار عبد الله بن عبد الملك، وهي بين دار منارة المنقوشة،
وبين المروة البيضاء في طريق دار طلحة بن داود، حتى يجعل المروة في
ظهره.
ج / 2 ص -111-
ذكر ذرع ما بين الركن الأسود
إلى الصفا، وذرع ما بين الصفا والمروة1:
قال أبو الوليد: وذرع ما بين الركن الأسود إلى الصفا، مائتا ذراع
واثنان وستون ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا، وذرع ما بين المقام إلى باب
المسجد الذي يخرج منه إلى الصفا، مائة ذراع وأربعة وستون ذراعًا ونصف،
وذرع ما بين باب المسجد الذي يخرج منه إلى الصفا إلى وسط الصفا، مائة
ذراع واثنا عشر ذراعًا ونصف، وعلى الصفا اثنتا عشرة درجة من حجارة، ومن
وسط الصفا إلى علم المسعى الذي في حد المنارة مائة ذراع واثنان وأربعون
ذراعًا ونصف.
والعلم أسطوانة طولها ثلاثة أذرع، وهي مبنية في حد المنارة، وهي من
الأرض على أربعة أذرع، وهي ملبسة بفسيفساء، وفوقها لوح طوله ذراع
وثمانية عشر إصبعًا وعرضه ذراع، مكتوب فيه بالذهب، وفوقه طاق ساج.
ذرع ما بين العلم الذي في حد المنارة إلى العلم الأخضر، الذي على باب
المسجد، وهو المسعى، ماية ذراع واثنا عشر ذراعًا، والسعي بين العلمين،
وطول العلم الذي على باب المسجد، عشرة أذرع وأربعة عشر إصبعًا، منه
أسطوانة مبيضة ستة أذرع، وفوقها أسطوانة ولها ذراعان وعشرون إصبعًا،
وهي ملبسة فسيفساء أخضر، وفوقها لوح طوله ذراع وثمانية عشر إصبعًا،
واللوح مكتوب فيه بالذهب.
ذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى المروة، خمسماية ذراع ونصف
ذراع، وعلى المروة خمس عشرة درجة، وذرع ما بين الصفا والمروة، سبعمائة
ذراع وستة وستون ذراع ونصف، وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى
العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: الفاكهي 2/ 242.
ج / 2 ص -112-
وبينهما عرض المسعى، خمسة وثلاثون ذراعًا
ونصف، ومن العلم الذي على باب دار العباس إلى العلم الذي عند دار بن
عباد، الذي بحذاء العلم الذي في حد المنارة، وبينهما الوادي، ماية ذراع
وأحد وعشرون ذراعًا.
باب ذرع طواف سبع بالكعبة1:
ذرع طواف سبع بالكعبة، ثمانمائة ذراع وستة وثلاثون ذراعًا وعشرون
إصبعًا، ومن المقام إلى الصفا مائتا ذراع وسبعة وسبعون ذراعًا، ومن
الصفا إلى المروة، طواف واحد وسبعمائة ذراع وستة وستون ذراعًا ونصف،
يكون سبع بينهما خمسة آلاف وثلاثمائة ذراع وخمسة وستون ذراعًا ونصف،
ومن الركن الأسود إلى المقام، ومن المقام إلى الصفا، ومن الصفا إلى
المروة سبع، ستة آلاف ذراع وخمسمائة وثمانية وثلاثون ذراعًا وسبعة عشر
إصبعًا.
ذكر بناء درج الصفا والمروة2:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي أحمد بن محمد قال: كان الصفا والمروة
يسند فيهما من سعى بينهما، ولم يكن فيها بناء ولا درج، حتى كان عبد
الصمد بن علي في خلافة أبي جعفر المنصور، فبنى درجهما التي هي اليوم
درجهما، فكان أول من أحدث بناءها، ثم كحل بعد ذلك بالنورة في زمن مبارك
الطبري في خلافة المأمون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: الفاكهي 2/ 244.
2 انظر في ذلك: الفاكهي 2/ 245. |