تاريخ الخلفاء

ص -3-           بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما شاء من شيء بعد.
نحمده سبحانه وتعالى ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك كله وإليه يرجع الأمر كله، بيده مقاليد السموات والأرض، يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء، وإليه المصير.
وأشهد أن سيدنا وإمامنا وحبيبنا وقائدنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبيه، أول شافع وأول مشفع، وأول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة، صلى الله عليه وسلم وبارك ما تزينت الأرض بتوحيد رب العالمين.
أما بعد....
فإن نبينا المصطفى قد افتتح تاريخ أمتنا الإسلامية، وخط بكفه الشريف أول كلمة في سطور ديوانه وصحائفه الخالدة، بعد هجرته النبوية الشريفة مباشرة، حينما وضع بيده المباركة أول حجر قام عليه مسجده الطاهر الذي أسس سعليه دولته التي امتدت وتوسعت وانتشرت ورفعت راياتها فوق كل بقعة من بقاع أرض الله.
وبعد أن أدى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرسالة وبلغ الأمانة وصعدت روحه الشريفة الطاهرة إلى بارئها، توكل الله بحفظ دينه، وأوكل برفع قواعده رجالاً، حملوا أمر تلك الدولة التي وضع أسسها نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- وأكملوا بكل ما آتاهم الله من قوة كتابة صحائف تاريخ الإسلام، فبلغ أمر الله شرق الأرض وغربها، ثم تحمل رجال آخرون مسئولية تدوين ما حدث في تلك القرون الماضية من خلافة وملك وما طرأ عليها من استقرار واضطراب، وما شهدت من بداية عهد قوم وانتهاء عهد آخرين.
وممن قام بحمل هذه الأمانة الجليلة الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي الذي عنى بحفظ وتدوين تاريخ أمتنا الإسلامية في كتابه هذا الذي يبدأ بخلافة الصديق أبي بكر -رضي الله عنه- وينتهي بعصر تأليف هذا الكتاب الذي سماه: تاريخ الخلفاء، وهو من الكتب الجليلة النافعة في هذا الميدان.

 

ص -4-           ولهذا رأت مكتبة نزار مصطفى الباز أن تعيد طباعة هذا الكتاب القيم فشرفتني بتكليفي بتحقيقه ليعم النفع جموع المسلمين وليزداد من أراد الاطلاع على تاريخ دولتنا الإسلامية معرفة بها وإدراكًا لجوانب قد تخفى عليه.
1- لما لم أقف على مخطوطة لهذا الكتاب، فقد قمت بمطابقة النسخ المطبوعة، واستخلصت منها هذه النسخة التي خرجت بهذه الصورة.
2- قمت بعمل ترجمة للمؤلف، وحرصت أن تكون على لسانه؛ ولذا نقلتها عنه متحدثًا عن نفسه.
3- قمت بتخريج الآيات القرآنية.
4- قمت بتخريج الأحاديث الواردة في الكتاب بعزوها إلى مخرجيها.
5- توضيح معاني الكلمات الغامضة والصعبة التي وردت في الكتاب.
6- عمل فهرس الكتاب.
وأتركك عزيزي القارئ بين يدي الكتاب لتطالع ما أسهمت فيه من جهد متواضع بجانب ما بالكتاب من إبداع للمؤلف في سرد الحوادث التاريخية وترتيبها في إطار مادة علمية غزيرة، ومعرفة تاريخية واسعة.
المحقق: حمدي الدمرداش محمد
المنصورة

 

ص -5-           ترجمة الإمام السيوطي
لم أقف على ترجمة للإمام السيوطي أوفى من ترجمته لنفسه في كتابه: حسن المحاضرة، حيث قال:
"وإنما ذكرت ترجمتي في هذا الكتاب اقتداء بالمحدثين قبلي فقل أن ألف أحد منهم تاريخًا إلا ذكر ترجمته فيه، وممن وقع له ذلك الإمام عبد الغافر الفارسي في: تاريخ نيسابور، وياقوت الحموي في: معجم الأدباء، ولسان الدين ابن الخطيب في: تاريخ غرناطة، والحافظ تقي الدين الفارسي في: تاريخ مكة، والحافظ أبو الفضل بن حجر في: قضاة مصر، وأبو شامة في: الروضتين، وهو أورعهم وأزهدهم فأقول:أما جدي الأعلى همام الدين، فكان من أهل الحقيقية ومن مشايخ الطرق ومن دونه كانوا من أهل الوجاهة والرياسة، منهم من ولي الحكم ببلده، ومنهم من ولي الحسبة بها، ومنهم من كان تاجرًا في صحبة الأمير شيخون، وبنى مدرسة بأسيوط ووقف عليها أوقافًا، ومنهم من كان متمولاً ولا أعلم من خدم العلم حق خدمته إلا والدي.
وأما نسبتنا بالخضيري فلا أعلم ما تكون إليه هذه النسبة إلا الخضيرية، محلة ببغداد، وقد حدثني من أثق به أنه سمع والدي -رحمه الله- يذكر أن جده الأعلى كان أعجميًّا،أو من الشرق، فالظاهر أن النسبة إلى المحلة المذكورة.
وكان مولدي بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة وحملت في حياة أبي إلى الشيخ محمد المجذوب، رجل كان من كبار الأولياء بجوار المشهد النفيسي، فبرك علي، ونشأت يتيمًا فحفظت القرآن ولي دون ثماني سنين، ثم حفظت العمدة، ومنهاج  الفقه والأصول، وألفية ابن مالك، وشرعت في الاشتغال بالعلم، من مستهل سنة أربع وستين فأخذت الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ، وأخذت الفرائض عن العلامة فرضى زمانه الشيخ شهاب الدين الشارمساحي الذي كان يقال: غنه بلغ السن العالية، وجاوز المائة بكثير -والله أعلم بذلك- قرأت عليه في شرحه على المجموع.
وأجزت بتدريس اللغة العربية في مستهل سنة ست وستين، وقد ألفت في هذه السنة، فكان أول شيء ألفته: شرح الاستعاذة والبسملة، وأوقفت عليه شيخنا شيخ الإسلام علم الدين البلقيني، فكتب عليه تقريظًا، ولازمته في الفقه إلى أن مات، فلازمت ولده، فقرأت عليه من أول التدريب لوالده إلى الوكالة، وسمعت عليه من أول الحاوي الصغير إلى العدد، ومن أول المنهاج إلى الزكاة، ومن أول التنبيه إلى قريب من الزكاة، وقطعة من الروضة، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي، ومن إحياء الموات إلى الوصايا أو نحوها.
وأجازني بالتدريس والإفتاء من سنة ست وسبعين، وحضر تصديري، فلما توفي لزمت شيخ الإسلام شرف الدين المناوي، فقرأت عليه قطعة من المنهاج، وسمعته عليه في التقسيم

 

ص -6-           إلى مجالس فاتتني، وسمعت دروسًا في شرح البهجة ومن حاشيته عليها ومن تفسير البيضاوي.
ولزمت في الحديث والعربية شيخنا الإمام العلامة تقي الدين الشبلي الحنفي، فواظبت أربع سنين، وكتب لي تقريظًا على شرح ألفية ابن مالك وعلى جمع الجوامع في العربية تأليفي، وشهد لي غير مرة بالتقدم في العلوم بلسانه وبنانه، ورجع إلى قولي مجردًا في حديث، فإنه أورد في حاشيته على الشفاء حديث أبي الجمرا في الإسراء وعزاه إلى تخريج ابن ماجه، فاحتجت إلى إيراده بسنده، فكشفت ابن ماجه في مظنته فلم أجده فمررت على الكتاب كله فلم أجده فاتهمت نظري، فمررت مرة ثانية فلم أجده، فعدت ثالثة فلم أجده، ورأيته في معجم الصحابة لابن قانع، فجئت إلى الشيخ فأخبرته، فبمجرد ما سمع مني ذلك أخذ نسخته وأخذ القلم فضرب على لفظ: ابن ماجه، وألحق: ابن قانع، في الحاشية، فأعظمت ذلك وهبته لعظم منزلة الشيخ في قلبي واحتقاري في نفسي: فقلت: ألا تصبرون لعلكم تراجعون! فقال: إنما قلدت في قولي: ابن ماجه، البرهان الحلبي، ولم أنفك عن الشيخ إلى أن مات.
ولزمت شيخنا العلامة أستاذ الوجود محيي الدين الكافينجي أربع عشرة سنة، فأخذت عنه الفنون من التفسير والأصول والعربية والمعاني وغير ذلك، وكتب لي إجازة عظيمة، وحضرت عند الشيخ سيف الدين الحنفي دروسًا عديدة في الكشاف والتوضيح وحاشيته عليه وتلخيص المفتاح والعضد.
وشرعت في التصنيف في سنة ست وستين، وبلغت مؤلفاتي ثلاثمائة كتاب، سوى ما غسلته ورجعت عنه، وسافرت بحمد الله تعالى إلى بلاد الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب والتكرور ولما حججت شربت من ماء زمزم لأمور: منها أن أصل في الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر.
وأفتيت من مستهل سنة إحدى وسبعين، وعقدت إملاء الحديث من مستهل سنة اثنتين وسبعين، ورزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع على طريقة العرب والبلغاء، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة، والذي أعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والنقول التي اطلعت عليها، لم يصل إليه ولا وقف عليه أحدمن أشياخي فضلاً عمن دونهم. أما الفقه: فلا أقول ذلك فيه، بل شيخي فيه أوسع نظرًا، وأطول باعًا، ودون هذه السبعة في المعرفة: أصول الفقه والجدل والتصريف، ودونها الإنشاء والترسل والفرائض، ودونها القراءات، ولم آخذها عن شيخ، ودونها الطب.

 

ص -7-           وأما علم الحساب: فهو أعسر شيء علي وأبعده عن ذهني، وإذا نظرت إلى مسألة تتعلق به، فكأنما أحاول جبلاً أحمله.
وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى. أقول ذلك، تحدثًا بنعمة الله علي، لا فخرًا، وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيله بالفخر! وقد أزف الرحيل، وبدا الشيب، وذهب أطيب العمر، ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفًا بأقوالها وأدلتها العقلية والقياسية، ومداركها ونقوضها، والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله، لا بحولي ولا بقوتي، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد كنت في مبادئ الطلب قرأت شيئًا في المنطق، ثم ألقى الله كراهته في قلبي، وسمعت ابن الصلاح أفتى بتحريمه فتركته لذلك فعوضني الله تعالى عنه علم الحديث الذي هو أشرف العلوم.
وأما مشايخي في الرواية سماعًا وإجازة فكثير، أوردتهم في المعجم الذي جمعتهم فيه، وعدتهم نحو مائة وخمسين، ولم أكثر من سماع الرواية؛ لاشتغالي بما هو أهم، وهو قراءة الدراية1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حسن المحاضرة "1: 533-933".

 

ص -9-           خطبةالمؤلف وفيها بيان الداعي إلى تأليف الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد حمد الله الذي وعد فوفى، وأوعد فعفا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الشرفاء، ومسود الخلفاء، وعلى آله وصحبه أهل الكرم والوفاء؛ فهذا تاريخ لطيف ترجمت فيه الخلفاء أمراء المؤمنين القائمين بأمر الأمة، من عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- إلى عهدنا هذا، على ترتيب زمانهم الأول فالأول، وذكرت في ترجمة كل منهم ما وقع أيامه من الحوادث المستغربة، ومن كان في أيامه من أئمة الدين وأعلام الأمة.
منها: أن الإحاطة بتراجم أعيان الأمة مطلوبة، ولذوي المعارب محبوبة، وقد جمع جماعة تواريخ ذكروا فيها الأعيان مختلطين ولم يستوفوا، واستيفاء ذلك يوجب الطول والملال، فأردت أن أفرد كل طائفة في كتاب أقرب إلى الفائدة لمن يريد تلك الطائفة خاصة، وأسهل في التحصيل، فأفردت كتابًا في الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- وكتابًا في الصحابة ملخصًا من: الإصابة، لشيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر1، وكتابًا حافلاً في طبقات المفسرين، وكتابًا وجيزًا في طبقات الحفاظ لخصته من طبقات الذهبي2، وكتابًا جليلاً في طبقات النحاة واللغوين لم يؤلف قبله مثله، وكتابًا في طبقات الأصوليين، وكتابًا جليلاً في طبقات الأولياء، وكتابًا في طبقات الفرضيين، وكتابًا في طبقات البيانيين، وكتابًا في طبقات الكتَّاب -أعني أرباب الإنشاء- وكتابًا في طبقات أهل الخط المنسوب، وكتابًا في شعراء العرب الذين يحتج بكلامهم في العربية. وهذه تجمع غالب أعيان الأمة، واكتفيت في طبقات الفقهاء بما ألفه الناس في ذلك؛ لكثرته والاستغناء به، وكذلك اكتفيت في القراء بطبقات الذهبي، وأما القضاة فهم داخلون فيمن تقدم؛ ولم يبق من الأعيان غير الخلفاء مع تشوق النفوس إلى أخبارهم؛ فأفردت لهم هذا الكتاب، ولم أورد أحدًا مما ادَّعى الخلافة خروجًا ولم يتم له الأمر ككثير من العلويين وقليل من العباسيين.
ولم أورد أحدًا من الخلفاء العبيديين؛ لأن إمامتهم غير صحيحة، لأمور:
منها: أنهم غير قرشيين. وإنما سَمّتهم بالفاطميين جهَلة العوام، وإلا فجدهم مجوسي،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو: شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد الكناني العسقلاني ثم المصري الشافعي، شيخ الإسلام وإمام الحفاظ في زمانه، وحافظ الديار المصرية، قاضي القضاة ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وعانى أولاً الأدب والشعر فبلغ فيه، ثم طلب الحديث من سنة أربع وتسعين وسبعمائة فسمع الكثير، وصنّف التصانيف التي عمّ النف بها كـ "شرح البخاري" و"تهذيب التهذيب" و "تقريب التهذيب" و"الإصابة في معرفة الصحابة". توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
2 هو: الإمام الحافظ المحدث، خاتمة الحفاظ، ومؤرخ الإسلام، وفرد الدهر شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني ثم الدمشقي المقرئ، ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وطلب الحديث وله ثماني عشرة سنة، فسمع الكثير ورحل وعنى بهذا الشأن إلى أن رسخت فيه قدمه وتعب فيه وخدمه. من مؤلفاته: "طبقات الحفاظ" و"مختصر تهذيب الكمال" و"المغني" وغيرها توفي الذهبي يوم الاثنين ثالث ذي القعدة سنة ثمانٍ وأربعين وسبعمائة بدمشق وأضر قبل موته بيسير.

 

ص -10-         قال القاضي عبد الجبار البصري: اسم جد الخلفاء المصريين سعيد، وكان أبوه حدادًا يهوديًّا نشابة، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: القدّاح جد عبيد الله الذي يسمى بالمهدي كان مجوسيًّا، ودخل عبيد الله المغرب، وادّعى أنه علوي ولم يعرفه أحد من علماء النسب، وسَمّاهم جهلة الناس الفاطميين، وقال ابن خَلِّكان: أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدي عبيد الله جد خلفاء مصر، حتى إن العزيز بالله بن المعز في أول ولايته صعد المنبر يوم الجمعة فوجد هناك ورقة فيها هذه الأبيات:

إنا سمعنا نسبًا منكرًا                        يتلى على المنبر في الجامع

إن كنت فيما تدعي صادقًا                   فاذكر أبًا بعد الأب السابع

وإن ترد تحقيق ما قلته                       فانسب لنا نفسك كالطائع

أولاً دع الأنساب مستورة                    وادخل بنا في النسب الواسع

فإن أنساب بني هاشم                      يقصر عنها طمع الطامع

وكتب العزيز إلى الأموي صاحب الأندلس كتابًا سبه فيه وهجاه، فكتب إليه الأموي: "أما بعد: فإنك قد عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك" فاشتد ذلك على العزيز، فأفحمه عن الجواب -يعني أنه دعيٌ لا تعرف قبيلته.
قال الذهبي: المحققون متفقون على أن عبيد الله المهدي ليس بعلوي، وما أحسن ما قاله حفيده المعز صاحب القاهرة -وقد سأله طباطبا العلوي عن نسبهم- فجذب نصف سيفه من الغمد وقال: هذا نسبي، ونثر على الأمراء والحاضرين وقال: هذا حسبي.
ومنها: أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام، ومنهم من أظهر سبّ الأنبياء، ومنهم من أباح الخمر، ومنهم من أمر بالسجود له، والْخَيِّرُ منهم رافضي1 خبيث لئيم يأمر بسب الصحابة -رضي الله عنهم- ومثل هؤلاء لا تنعقد لهم بيعة، ولا تصح لهم إمامة.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: كان المهدي عبيد الله باطنيًّا2 خبيثًا حريصًا على إزالة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هم: الذين كانوا مع زيد بن علي ثم تركوه؛ لأنهم طلبوا إليه أن يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: لقد كانا وزيري جدي فلا أتبرأ منهما، فرفضوه وتفرقوا عنه والزيدية من الشيعة، وقد يطلق بعض الناس اسم الرفض على كل من يتولى أهل البيت.
2 فرق الباطنية من أشد الفرق ضررًا على المسملين بل هي أشد ضررًا من اليهود والنصارى والمجوس وقد أسس دعوة الباطنية جماعة منهم: "ميمون بن ديصان" المعروف بالقدّاح، وكان مولى لجعر بن محمد الصادق، وكان من الأهواز، ومنهم محمد بن الحسين الملقب بدندان وقد اجتمعوا مع ميمون بن ديصان في سجن والي العراق فأسسوا في ذلك السجن مذاهب الباطنية، ثم ظهرت دعوتهم بعد خلاصهم من السجن، وذكر أصحاب التواريخ أن الذين وضعوا أساس دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم، وقد انتشرت دعوتهم، ولم يمكنهم إظهار عبادة النيران فاحتالوا بأن قالوا للمسلمين: ينبغي أن تجمر المساجد كلها، وقد قال عنهم صاحب "الفرق بين الفرق": هم أعظم ضررًا من ضرر الدجال الذي يظهر في آخر الزمان.

 

ص -11-         ملة الإسلام، أعدم العلماء والفقهاء؛ ليتمكن من إغواء الخلق، وجاء أولاده على أسلوبه: أباحوا الخمر والفروج، وأشاعوا الرفض.
وقال الذهبي: كان القائم بن مهدي شرًّا من أبيه، زنديقًا، معلونًا، أظهر سب الأنبياء وقال: وكان العبيديون على ملة الإسلام شرًّا من التتر.
وقال أبو الحسن القابسي: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعبّاد أربعة آلاف رجل ليردوهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت، فياحبذا لو كان رافضيًّا فقط، ولكنه زنديق.
وقال القاضي عياض: سئل أبو محمد القيرواني الكيزاني من علماء المالكية عمن أكرهه بنو عبيد -يعني خلفاء مصر- على الدخول في دعوتهم أو يقتل؟ قال: يختار القتل، ولا يعذر أحد في هذا الأمر، كان أول دخولهم قبل أن يعرف أمرهم، وأما بعد فقد وجب الفرار؛ فلا يعذر أحد بالخوف من إقامته؛ لأن المقام في موضع يطلب من أهل تعطيل الشرائع لا يجوز، وإنما قام من أقام من الفقهاء على المباينة؛ لئلا تخلو للمسلمين حدودهم فيفتنوهم عن دينهم.
وقال يوسف الرعيني: أجمع العلماء بالقيروان على أن حال بين عبيد حال المرتدين والزنادقة؛ لما أظهروا من خلاف الشريعة.
وقال ابن خَلِّكَان: وقد كانوا يدعون علم المغيبات، وأخبارهم في ذلك مشهورة، حتى إن العزيز صعد المنبر يومًا فرأى ورقة فيها مكتوب:

بالظلم والجور قد رضينا                                وليس بالكفر والحماقة

إن كنت أعطيت علم الغيب                           بَيِّن لنا كاتب البطاقة

وكتبت إليه امرأة قصة فيها: بالذي أعز اليهود بميشا، والنصارى بابن نسطورا، وأذل المسلمين بك، إلا نظرت في أمري، وكان ميشا اليهودي عاملاً بالشام، وابن نسطورا النصراني بمصر.
ومنها: أن مبايعتهم صدرت والإمام العباسي قائم موجود سابق البيعة فلا تصح؛ إذ لا تصح البيعة لإمامين في وقت واحد، والصحيح المتقدم.
ومنها: أن الحديث ورد بأن هذا الأمر إذا وصل إلى بني العباس لا يخرج عنهم حتى يسلموه إلى عيسى ابن مريم أو المهدي؛ فعلم أن من تسمَّى بالخلافة مع قيامهم خارج باغ.
فلهذه الأمور لم أذكر أحدًا من العبيديين ولا غيرهم من الخوارج، وإنما ذكرت الخليفة المتفق على صحة إمامته وعقد بيعته، وقد قدمت في أول الكتاب فصولاً فيها فوائد مهمة، وما أوردته من الوقائع الغريبة، والحوادث العجيبة، فهو ملخص من تاريخ الحافظ الذهبي، والعهدة في أمره عليه والله المستعان.

 

ص -12-         فصل: في بيان كونه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وسر ذلك
قال البزار في مسنده: حدثنا عبد الفتاح بن وضاح الكوفي، حدثنا يحيى بن اليماني، حدثنا إسرائيل، عن أبي اليقظان، عن أبي وائل عن حذيفة، قال: قالوا: يا رسول الله ألا تستخلف علينا؟ قال: "إني أستخلف عليكم فتعصون خليفتي ينزل عليكم العذاب" أخرجه الحاكم في المستدرك1، وأبو اليقظان ضعيف.
وأخرج الشيخان عن عمر أنه قال حين طعن: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني -يعني أبا بكر- وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم2.
وأخرج أحمد والبيقهي في دلائل النبوة بسند حسن عن عمرو بن سفيان قال: لما ظهر على يوم الجمل قال: أيها الناس، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئًا، حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقوامًا طلبوا الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها.
وأخرج الحاكم في المستدرك، وصححه البيهقي في الدلائل، عن أبي وائل قال: قيل لعلي: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم3.
قال الذهبي: وعند الرافضة أباطيل في أنه عهد إلى علي -رضي الله عنه- وقد قال هذيل بن شرحبيل: أكان أبو بكر يتأمر على علي وصي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وود أبو بكر أنه وجد عهدًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخزم4 أنفه بخزام؟. أخرجه ابن سعد، والبيهقي في الدلائل5.
وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: قال علي: لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قدم أبا بكر في الصلاة؛ فرضينا لدنيانا عمن رضي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه لديننا؛ فقدمنا أبا بكر.
وقال البخاري في تاريخه: روي عن ابن جمهان عن سفينة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "70/3" عن حذيفة. وقال الحاكم: عثمان بن عمير هذا أبو اليقظان. وقال الذهبي: ضعفوه، وشريك لين الحديث.
2 [متفق عليه] أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، باب الاستخلاف "7218/13"، ومسلم "1823/3".
3 أخرجه الحاكم في المستدرك "79/3"، والبيهقي في دلائل النبوة "223/7" عن أبي وائل. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
4 خزم: البعير بالخزامة وهي حلقة من شعر تجعل في وترة الأنف يشد فيها الزمام، ويقال لكل مثقوب: مخزوم.
5 أخرجه ابن سعد في الطبقات "529/1"، والبيهقي في دلائل النبوة "223/7".

 

ص -13-         وعمر وعثمان: هؤلاء الخلفاء بعدي قال البخاري: ولم يتابع على هذا؛ لأن عمر وعليًّا عثمان قالوا: لم يستخلف النبي -صلى الله عليه وسلم- انتهى.
والحديث المذكور أخرجه ابن حبان قال: حدثنا أبو يعلى، حدثنا يحيى الجماني حدثنا حشرج عن سعيد بن جهمان عن سفينة: لما بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد وضع في البناء حجرًا وقال لأبي بكر:
"ضع حجرك إلى جنب حجري". ثم قال لعمر: "ضع حجرك إلى جنب حجر أبي بكر". ثم قال لعثمان: "ضع حجرك إلى جنب حجر عمر". ثم قال: "هؤلاء الخلفاء بعدي" قال أبو زرعة: إسناده لا بأس به، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك، وصححه البيهقي في الدلائل وغيرها1.
قلت: ولا منافاة بينه وبين قول عمر وعلي: إنه لم يستخلف؛ لأن مرادهما أنه عند الوفاة لم ينص على استخلاف أحد، وهذا إشارة وقعت قبل ذلك؛ فهو كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:
"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"2 أخرجه الحاكم من حديث العرباض بن سارية، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"3 وغير ذلك من الأحاديث المشيرة إلى الخلافة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "13/3"، والبيهقي في دلائل النبوة "553/2" عن سفينة. وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "75/2" عن حذيفة بن اليمان. وقال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي.
3 أخرجه الحاكم في المستدرك "96،95/1" عن العرباض بن سارية. وقال الحاكم: صحيح ليس له علة، ووافقه الذهبي.

فصل: في بيان أن الأئمة من قريش والخلافة فيهم
قال أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا سكين بن عبد العزيز عن سيار بن سلامة عن أبي برزة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"الأئمة من قريش ما حكموا فعدلوا، ووعدوا فوفوا، واسترحموا فرحموا" أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى في مسنديهما والطبراني4.
وقال الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح حدثنا أبو مريم الأنصاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة"5 إسناده صحيح.
وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا الحاكم بن نافع حدثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح عن كثير بن مرة عن عتبة بن عبدان، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"الخلافة في قريش، والحكم في الأنصار، والدعوة في الحبشة"6 رجاله موثقون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 أخرجه أحمد في المسند "421/4"، وأبو يعلى في مسنده "3644/6"، والطبراني في الكبير "725/1".
5 أخرجه الترمذي في كتاب المناقب، باب في فضل اليمن "3936/5" عن أبي هريرة.
6 أخرجه أحمد في المسند "185/4" عن عتبة بن عبدان.

 

ص -14-         وقال البزار: حدثنا إبراهيم بن هانئ حدثنا الفيض بن الفضل حدثنا مسعر عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن ربيعة بن ماجد عن علي بن أبي طالب، قال صلى الله عليه سلم: "الأمراء من قريش، أبرارها أمراء أبرارها، وفجّارها أمراء فجارها"1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البزار في مسنده "759/2" عن علي بن أبي طالب.

فصل: في مدة الخلافة في الإسلام
قال الإمام أحمد: حدثنا بهزّ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا سعيد بن جمهان عن سفينة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"الخلافة ثلاثون عامًا، ثم يكون بعد ذلك الملك2".
أخرجه أصحاب السنن، وصححه ابن حبان وغيره.
قال العلماء: لم يكن في الثلاثين بعده صلى الله عليه وسلم إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن.
وقال البزار: حدثنا محمد بن سكين حدثنا يحيى بن حسان حدثنا يحيى بن حمزة عن مكحول عن أبي ثعلبة عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أول دينكم بدء نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكًا وجبرية"3. حديث حسن.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدسي، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا ابن عون، عن الشعبي عن جابر بن سمرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"لا يزال هذا الأمر عزيزًا، ينصرون على من ناوأهم4 عليه اثنا عشر خليفة كلهم من قريش5". أخرجه الشيخان وغيرهما، وله طرق وألفاظ منها: "لا يزال هذا الأمر صالِحًا"، ومنها: "لا يزال الأمر ماضيًا" رواهما أحمد6، ومنها عند مسلم: "لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلاً"7، ومنها عنده: "إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي له فيهم اثنا عشر خليفة"8، ومنها عنده: "لا يزال الإسلام عزيزًا منيعًا إلى اثني عشر خليفة"9. ومنها عند البزار: "لا يزال أمر أمتي قائمًا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش"10، ومنها عند أبي داود زيادة: "فلما رجع إلى منزله أتته قريش قالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: "ثم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 أخرجه أبو داود "4646/4"، والترمذي "2226/4"، والنسائي في الكبرى "8155/5" عن سفينة.
3 أخرجه البزار في مسنده "1282/4" عن عبيدة بن الجراح.
4 ناوأ: أي عادى وفاخر، وناهض، يقال: ناوأت الرجل نواءً ومناوأة إذا عاديته.
5 أخرجه البخاري "7223،7222/13"، ومسلم "9/3 إمارة".
6 أخرجه أحمد في مسنده "98/5".
7 أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش "6/3 إمارة".
8 أخرجه مسلم في نفس المصدر السابق "1821/3".
9 أخرجه مسلم في نفس المصدر السابق "8/3 إمارة".
10 أخرجه البزار "190/5" مجمع. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجال الطبراني رجال الصحيح.

 

ص -15-         يكون الهرج1"2، ومنها عنده: "لا يزال هذا الدين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع الأمة عليه"3 وعند أحمد والبزار بسند حسن عن ابن مسعود: أنه سئل: كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال: سألنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم فقال: "اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل"4.
قال القاضي عياض: لعل المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة، وقوة الإسلام، واستقامة أموره، والاجتماع على من يقوم بالخلافة، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية، فاستأصلوا أمرهم.
قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري: كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه؛ لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: "كلهم يجتمع عليه الناس"، وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، إلى أن وقع أمر الحكمين5 في صفين فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين أمر، بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك: اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولى نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن، وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك؛ لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فقتله مروان، ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل. ثم كان أول خلفاء بني العباس السفاح، ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في البلاد، بعد أن كان في أيام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الْهَرَج: القتال والاختلاط، وقد هرج الناس يهرجون هرجًا إذا اختلطوا، وقد تكرر في الحديث وأصل الهرج: الكثرة في الشيء والاتساع وفيه: "بين يدي الساعة هرج".
2 أخرجه أبو داود في كتاب المهدي "4281/4".
3 أخرجه أبو داود نفس المصدر السابق "4279/4".
4 أخرجه أحمد في المسند "398/1"، والبزار في مسنده "190/5 مجمع" وقال الهيثمي: وفيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات.
5 هما: عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري.

 

ص -16-         بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض شرقًا وغربًا يمينًا وشمالًا مما غلب عليه المسملون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة.
ومن انفراط الأمر أنه كان في المائة الخامسة بالأندلس وحدها ستة أنفس كلهم يتسمّى بالخلافة، ومعهم صاحب مصر العبيدي والعباسي ببغداد خارجًا عمن كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج1.
قال: فعلى هذا التأويل يكون المراد بقوله: "ثم يكون الهرج" يعني القتل الفاشي عن الفتن وقوعًا فاشيًا، ويستمر ويزداد، وكذا كان.
وقيل: إن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وإن لم تتوال أيامهم، ويؤيد هذا ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير عن أبي الخلد أنه قال: "لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم" وعلى هذا فالمراد بقوله: "ثم يكون الهرج" أي: الفتن المؤذنة بقيام الساعة: من خروج الدّجال، وما بعده، انتهى.
قلت: وعلى هذا فقد وجد من الاثني عشر خليفة الخلفاء الأربعة، والحسن، ومعاوية، وابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم إليهم المهتدى من العباسيين؛ لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية، وكذلك الظاهر لما أوتيه من العدل، وبقي الاثنان المنتظران أحدهما المهدي؛ لأنه من آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخوارج: هم الذين أنكروا على علي -رضي الله عنه- التحكيم وتبرءوا منه ومن عثمان -رضي الله عنه- ومن ذريته وقاتلوه، فإن أطلقوا تكفيره فهم الغلاة منهم. "هدى الساري: 459".

فصل: في الأحاديث المنذرة بخلافة بني أمية
قال الترمذي: حدثنا محمد بن غيلان حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا القاسم بن الفضل المدني عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال: سوَّدت وجوه المؤمنين، فقال: لا تؤنبني رحمك الله؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى بني أمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت:
{إنا أعطيناك الكوثر}[الكوثر:1] ونزلت: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: 1-3] يملكها بعدك بنو أمية يا محمد، قال القاسم: فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد ولا تنقص، قال الترمذي2: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث القاسم، وهو ثقة، ولكن شيخه مجهول، وأخرج هذا الحديث الحاكم في مستدركه، وابن جرير في تفسيره، قال الحافظ أبو الحجاج المزي: وهو حديث منكر، وكذا قال ابن كثير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 أخرجه الترمذي "3350/5".

 

ص -17-         وقال ابن جرير في تفسيره، حدثت عن محمد بن الحسن بن زبالة، حدثت عن المهيمن بن عباس بن سهل حدثني أبي عن جدي، قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بني الحكم بن أبي العاص ينزون1 على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكًا حتى مات، وأنزل الله في ذلك: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاس}[الإسراء: 60] إسناده ضعيف، ولكن له شواهد من حديث عبد الله بن عمر، ويعلى بن مرة، والحسين بن علي، وغيرهم، وقد أوردتها بطرقها في كتاب التفسير والمسند، وأشرت إليها في كتاب أسباب النزول.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينزون: يقال نزوت على الشيء أنزو نزوًا إذا وثبت عليه، والتنزي أيضًا تسرع الإنسان إلى الشر.

فصل: في الأحاديث المبشرة بخلافة بني العباس
قال البزار: حدثنا يحيى بن يعلى بن منصور حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فدَيْك عن محمد بن عبد الرحمن العامري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للعباس: "فيكم النبوة والمملكة"2. العامري ضعيف، وقد أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة، وابن عدي في الكامل، وابن عساكر من طرق عن ابن أبي فدَيْك.
وقال الترمذي: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن ثور بن يزيد عن مكحول عن كريب عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للعباس:
"إذا كان غداة الاثنين فأتني أنت وولدك، حتى أدعو لهم بدعوة ينفعك الله بها وولدك"، فغدا وغدونا معه، وألبسنا كساء ثم قال: "اللهم اغفر للعباس ولولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبًا، اللهم احفظه في ولده"3 هكذا أخرجه الترمذي في جامعه، وزاد رزين العبدري في آخره: "واجعل الخلافة باقية في عقبه"4.
قلت: هذا الحديث والذي قبله أصلح ما ورد في هذا الباب.
وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة حدثنا إسحاق عن إبراهيم بن أبي النضر عن يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رأيت بني مروان يتعاورون5 على منبري، فساءني ذلك، ورأيت بني العباس يتعاورون على منبري، فسرني ذلك"6.
وقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا محمد بن المظفر، حدثنا عمر بن الحسن بن علي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبيد، حدثنا محمد بن صالح العدوي، حدثنا ابن جعفر التميمي،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة "517/6"، وابن عساكر في تاريخه "246/7".
3 أخرجه الترمذي "3762/5" وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
4 باقية في عقبه: العقب: مؤخر القدم، انظر: القاموس المحيط "110/1" عقب.
5 يتعاورون: أي يختلفون ويتناوبون كلما مضى واحد خلفه آخر، وفيه الحديث المذكور.
6 أخرجه الطبراني في الكبير "1425/2".

 

ص -18-         حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العميّ، أخبرني علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتلقّاه العباس، فقال: "ألا أبشرك يا أبا الفضل؟" قال: بلى يا رسول الله، قال: "إن الله افتتح بي هذا الأمر، وبذريتك يختمه"1 إسناده ضعيف.
وقد ورد من حديث علي بإسناد أضعف من هذا: أخرجه ابن عساكر من طريق محمد يونس الكديمي -وهو وضاع- عن إبراهيم بن سعيد الأشقر عن خليفة عن أبي هاشم عن محمد ابن الحنفية عن علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للعباس: "إن الله فتح هذا الأمر بي، ويختمه بولدك".
وورد أيضًا من حيث ابن عباس أخرجه الخطيب في التاريخ ولفظه: "بكم يفتح هذا الأمر، وبكم يختم"2 وسيأتي بسنده في ترجمة المهتدي بالله، وورد أيضًا من حديث عمار بن ياسر أخرجه الخطيب.
وقال في الحلية: حدثنا محمد بن المظفر، حدثنا نصر بن محمد، حدثنا علي بن أحمد السواق، حدثنا عمر بن راشد، حدثنا عبد الله بن محمد بن صالح، عن أبيه عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون من ولد العباس ملوك تكون أمراء أمتي، يعز الله بهم الدين"3 عمر بن راشد ضعيف.
وقال أبو نعيم في الدلائل: حدثنا الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا المنتصر بن نصر بن المنتصر، حدثنا أحمد بن راشد بن خثيم، ثنا عمي سعيد بن خثيم عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: حدثتني أم الفضل -رضي الله عنها- قالت: مررت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:
"إنك حامل بغلام، فإذا ولدت فأتيني به"، فلما ولدته أتيت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، وألبأه4 من ريقه، وسماه عبد الله، وقال: "اذهبي بأبي الخلفاء"، فأخرت العباس -وكان رجلاً لبّاسًا- فلبس ثيابه، ثم أتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما بصر به قام فقبَّل بين عينيه، فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "هو ما أخبرتك، هو ابن الخلفاء حتى يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم عليه السلام".
وقال الديلمي في مسند الفردوس: أخبرنا عبدوس بن عبد الله كتابة، أخبرنا الحسين بن فتحويه حدثنا عبد الله بن أحمد بن يعقوب المقري، حدثنا العباس بن علي النسائي، حدثنا يحيى بن يعلى الرازي، حدثنا سهل بن تمام، حدثنا الحارث بن شبل، حدثنا  أم النعمان عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "315/1".
2 أخرجه الخطيب في تاريخه "117/4".
3أخرجه أبو نعيم في الحلية "316/1".
4 ألبأه من ريقه: أي صب ريقه في فيه، كما يصب اللبأ في فم الصبي، وهو أول ما يحلب عند الولادة، ولبأت الشاة ولدها: أرضعته اللبأ.

 

ص -19-         عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا: "سيكون لبني العباس راية، ولن تخرج من أيديهم ما أقاموا الحق"1.
وقال الدارقطني في الأفراد: حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي، حدثنا محمد بن هارون السعدي، حدثنا أحمد بن إبراهيم الأنصاري، عن أبي يعقوب بن سليمان الهاشمي، قال: سمعت المنصور يقول: حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للعباس: "إذا سكن بنوك السواد، ولبسوا السواد، وكان شيعتهم أهل خراسان، لم يزل الأمر فيهم حتى يدفعوه إلى عيسى ابن مريم"2.
أحمد بن إبراهيم ليس بشيء وشيخه مجهول، و الحديث ضعيف، حتى إن ابن الجوزي ذكره في الموضوعات، وله شاهد أخرجه الطبراني في الكبير عن أحمد بن داود المكي عن محمد بن إسماعيل بن عون النيلي عن الحارث بن معاوية بن الحارث عن أبيه عن جده أبي أمه عن سلمة -رضي الله عنها- مرفوعًا:
"الخلافة في ولد عمي وصنو أبي3 حتى يسلموها إلى المسيح". وأخرجه الديلمي من وجه آخر عن أم سلمة رضي الله عنها.
وقال العقيلي في كتاب الضعفاء: حدثنا أحمد بن محمد النصيبي، حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي، حدثنا أحمد بن سعيد الجبيري، حدثنا عبد العزيز بن بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن جده أبي بكرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "يلي ولد العباس من كل يوم تليه بنو أمية يومين، ومن كل شهر شهرين"4.
هذا حديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات وأعله ببكار، وليس كما قال، فإن بكارًا لم يتهم بكذب ولا وضع، بل قال فيه ابن عدي: هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم، ثم قال: وأرجو أنه لا بأس به، ولعمري فليس معنى الحديث ببعيد؛ فإن دولة العباسيين في حال علوها ونفوذ كلمتها في أقطار الأرض شرقًا وغربًا ما عدا أقصى المغرب، كانت من سنة بضع وثلاثين ومائة إلى سنة بضع وتسعين ومائتين، حتى تولى المقتدر، وفي أيامه انخرم النظام، وخرجت المغرب بأسرها عن أمره، ثم تتابع الفساد والاختلال في دولته وبعده كما سيأتي، فكانت أيام شموخ دولتهم ومملكتهم مائة وبضعًا وستين سنة، وهي ضعف أيام بني أمية الشامخة؛ فإنها كانت اثنتين وتسعين سنة، منها تسع سنين الأمر فيها لابن الزبير، فصفت ثلاثة وثمانين وكسرًا، وهي ألف شهر سواء.
ثم وجدت للحديث شاهدًا، قال الزبير بن بكار في الموفقيات: حدثني علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال لمعاوية: لا تملكون يومًا إلا ملكنا يومين، ولا شهرًا إلا ملكنا شهرين، ولا حولاً إلا ملكنا حولين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الديلمي في مسند الفردوس "ح3442".
2 الموضوعات لابن الجوزي "344/1"
3 صنو أبي: الصنو: المثل، وفي رواية: "العباس صنوي" يريد أن أصل العباس وأصل أبي واحد.
4 أخرج العقيلي في الضعفاء "5/3". وابن الجوزي في الموضوعات "345/1".

 

ص -20-         وقال الزبير في الموفقيات: حدثني علي بن المغيرة عن ابن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: الرايات السود لنا أهل البيت، وقال: لا يجيء هلاكها إلا من قبل المغرب.
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق: أنبأنا أبو القاسم بن بنان، أخبرنا أبو علي بن شاذان، حدثنا جعفر بن محمد الواسطي، حدثنا محمد بن يوسف الكديمي، حدثنا عبد الله بن سوار العنبري، حدثنا أبو الأشهب جعفر بن حيان، عن أبي رجاء العطاردي، عن عبد الله بن عباس، عن أبيه -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له:
"اللهم انصر العباس وولد العباس"، قالها ثلاثًا، ثم قال: "يا عم، أما شعرت أن المهدي من ولدك موفقًا راضيًا مرضيًّا"1 الكديمي وضّاع.
وقال ابن سعد في الطبقات: حدثنا ابن عمر، حدثنا عمر بن عقبة الليثي، عن شعبة مولى ابن العباس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أرسل العباس بن عبد المطلب إلى بني عبد المطلب، فجمعهم عنده، وكان علي عنده بمنزلة لم يكن أحد بها، فقال العباس: يابن أخي، إن قد رأيت رأيًا لم أحب أن أقطع فيه شيئًا حتى أستشيرك، فقال علي: ما هو؟ قال: تدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله: إلى من هذا الأمر من بعده؟ فإن كان فينا لم نسمله والله ما بقي في الأرض منا طارق، وإن كان في غيرنا لم نطلبها بعد أبدًا، قال علي: يا عم، وهل هذا الأمر إلا إليك؟ وهل أحد ينازعكم في هذا الأمر؟2.
فصل
قال الديلمي في مسند الفردوس: أخبرنا أبو منصور بن خيرون، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا بشرى بن عبد الله الرومي، حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر الفامي -يعرف بغندر- قال: قرئ على أبي شاكر مسرة بن عبد الله: حدثنا الحسن بن يزيد، حدثنا ابن المبارك، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم بن جعفر الأنصاري، حدثنا أنس بن مالك مرفوعًا:
"إذا أراد الله أن يخلق خلقًا للخلافة مسح على ناصيته بيمينه".
مسرّة ذاهب الحديث متروك، وقد ورد من حديث أبي هريرة، أخرجه الديلمي من ثلاث طرق، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا، وأخرجه الحاكم في مستدركه3، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن عساكر في تاريخه "237/7".
2 أخرجه ابن سعد في الطبقات "518/1".
3 أخرجه الحاكم في المستدرك "331/3". قال الحاكم: رواة هذا الحديث عن آخرهم كلهم هاشميون معروفون بشرف الأصل. وقال الذهبي ليسوا بمعتمدين.

فصل: في شأن البردة النبوية التي تداولها الخلفاء إلى آخر وقت
أخرج السلفي في الطوريات بسنده إلى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أن كعب بن

 

ص -21-         زهير -رضي الله عنه- لما أنشد النبي -صلى الله عليه وسلم- قصيدته -بانت سعاد- رمى إليه ببردة كانت عليه، فلما كان زمن معاوية -رضي الله عنه- كتب إلى كعب؛ بعنا بردة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعشرة آلاف درهم. فأبى عليه، فلما مات كعب بعث معاوية إلى أولاده بعشرين ألف درهم، وأخذ منهم البردة التي هي عند الخلفاء آل العباس، وهكذا قال خلائق آخرون.
وأما الذهبي فقال في تاريخه: أما البردة التي عند الخلفاء آل العباس فقد قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، في قصة غزوة تبوك: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى أهل أيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أمانًا لهم، فاشتراها أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار.
قلت: فكانت التي اشتراها معاوية فقدت عند زوال دولة بني أمية.
وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في الزهد1، عن عروة بن الزبير رضي الله عنه: أن ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يخرج فيه للوفد رداء حضرمي طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، فهو عند الخلفاء قد خلق وطووه بثياب تلبس يوم الأضحى والفطر. في إسناده ابن لهيعة.
وقد كانت هذه البردة عند الخلفاء يتوارثونها ويطرحونها على أكتافهم في المواكب جلوسًا وركبوا، وكانت على المقتدر حين قتل، وتلوثت بالدم، وأظن أنها فقدت في فتنة التتار فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أحمد بن حنبل في الزهد "ص: 38".

فصل: في فوائد منثورة تقع في التراجم
ولكن ذكرها في موضع واحد أنسب وأفيد
قال ابن الجوزي: ذكر الصولي أن الناس يقولون، إن كل سادس يقوم للناس يخلع، قال: فتأملت هذا فرأيته عجبًا، اعتقد الأمر لنبينا -صلى الله عليه وسلم- ثم قام به بعده أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن فخلع؛ ثم معاوية، ويزيد بن معاوية، ومعاوية بن يزيد، ومروان، وعبد الملك بن مروان، وابن الزبير فخلع؛ ثم الوليد، وسليمان، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد، وهشام، والوليد فخلع، ثم لم ينتظم لبني أمية أمر، فولي السفاح، والمنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين فخلع، ثم المأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل، والمنتصر، والمستعين فخلع، ثم المعتز، والمهتدي، والمعتمد، والمعتضد، والمستكفي، والمقتدر، فخلع مرتين ثم قتل؛ ثم القاهر، والراضي، والمتقي، والمستكفي، والمطيع، والطائع فخلع، ثم القادر، والقائم، والمقتدي، والمستظهر، والمسترشد، والراشد فخلع، هذا آخر كلام ابن الجوزي، قال الذهبي: وما ذكره ينخرم بأشياء:

 

ص -22-         أحدهما: قوله وعبد الملك، وابن الزبير، وليس الأمر كذلك، بل الزبير خامس، وبعده عبد الملك، أوكلاهما خامس، أو أحدهما خليفة، والآخر خارج؛ لأن ابن الزبير سابق البيعة عليه، وإنما صحت خلافة عبد الملك من حين قتل ابن الزبير.
والثاني: تركه لعدّ يزيد الناقص وأخيه إبراهيم الذي خلع ومروان، فيكون الأمين باعتبار عددهم تاسعًا.
قلت: قد تقدم أن مروان ساقط من العدد؛ لأنه باغ، ومعاوية بن يزيد كذلك؛ لأن ابن الزبير بويع له بعد موت يزيد، وخالف عليه معاوية بالشام فهما واحد، وإبراهيم الذي بعد يزيد الناقص لم يتم له أمر؛ فإن قومًا بايعوه بالخلافة، وآخرين لم يبايعوه، وقوم كانوا يدعونه بالإمارة دون الخلافة، ولم يقم سوى أربعين يومًا أو سبعين يومًا؛ فعلى هذا مروان الحمار سادس؛ لأنه الثاني عشر من معاوية، والأمين بعده سادس.
والثالث: أن الخلع ليس مقتصرًا على كل سادس؛ فإن المتعزر خلع، وكذا القاهر، والمتقي، والمستكفي.
قلت: لا انخرام1  بهذا؛ فإن المقصود أن السادس لابد من خلعه، ولا ينافي هذا كون غيره أيضًا يخلع.
ويقال زيادة على ما ذكره ابن الجوزي: ولي بعد الراشد المقتفي، والمستنجد، والمستضيء، والناصر، والظاهر، والمستنصر، وهو السادس فلم يخلع، ثم المستعصم، وهو الذي قتله التتار، وكان آخر دولة الخلفاء، وانقطعت الخلافة بعده إلى ثلاث سنين ونصف ثم أقيم بعده المستنصر فلم يُقم في الخلافة، بل بويع بمصر، وسار إلى العراق، فصادف التتار فقتل أيضًا، وتعطلت الخلافة بعده سنة، ثم أقيمت الخلافة بمصر، فأولهم الحاكم ثم المستكفي، ثم الواثق، ثم الحاكم، ثم المعتضد، ثم المتوكل وهو السادس فخلع، وولي المعتصم، ثم خلع بعده بخمسة عشر يومًا، وأعيد المتوكل ثم خلع، وبويع الواثق، ثم المعتصم، ثم خلع وأعيد المتوكل، فاستمر إلى أن مات، ثم المستعين، ثم المعتضد، ثم المستكفي، ثم القائم، وهو السادس من المعتصم ومن المعتصم الثاني فخلع، ثم المستنجد خليفة العصر، وهو الحادي والخمسون من خلفاء بني العباس.
فوائد
1- يقال: لبني العباس فاتحة، وواسطة، وخاتمة؛ فالفاتحة المنصور، والواسطة المأمون، والخاتمة المعتضد.
2- خلفاء بني العباس كلهم أبناء سرَاري، إلا السفاح، والمهدي، والأمين.
3- ولم يل الخلافة هاشمي ابن هاشمية إلا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وابنه الحسن، والأمين، قاله الصولي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: لا انقطاع.

 

ص -23-         4- ولم يل الخلافة من اسمه علي إلا علي بن أبي طالب، وعلي المكتفي.
5- قال الذهبي: قلت: غالب أسماء الخلفاء أفراد، والمثنى منهم قليل والمتكرر كثير: عبد الله، وأحمد، ومحمد، وجميع ألقاب الخلفاء أفراد إلى المستعصم آخر خلفاء العراقيين. ثم كررت الألقاب في الخلفاء المصريين، فكرر المستنصر، والمستكفي، والواثق، والحاكم، والمعتضد، والمتوكل، والمستعصم، والمستعين، والقائم، والمستنجد، وكلها لم يتكرر غير مرة واحدة إلا المستكفي، والمعتضد فكررا مرة أخرى؛ فتلقب بهما من الخلفاء العباسيين ثلاثة، ولم يتلقب أحد من خلفاء بني العباس بلقب أحد من بني عبيد إلا القائم، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، وأما المهدي والمنصور فسبق التلقب به لبني العباس قبل وجود بني عبيد.
قال بعضهم: وما تلقب أحد بالقاهر فأفلح، لا من الخلفاء ولا من الملوك.
قلت: وكذا المستكفي والمستعين، لقب بكل منهما اثنان من بني العباس فخلعا ونفيا.
والمعتضد من أجلّ الألقاب وأبركها لمن يلقب به.
6- ولم يل الخلافة أحد بعد ابن أخيه إلا المقتفي بعد الراشد، والمستنصر بعد المعتصم، قاله الذهبي.
7- قال: ولم يل الخلافة ثلاثة إخوة إلا أولاد الرشيد: الأمين، والمأمون، والمعتصم، وأولاد المتوكل: المستنصر، والمعتز، والمعتمد، وأولاد المقتدر: الراضي، والمقتفي، والمطيع.
8- قال: وولي الأمر من أولاد عبد الملك أربعة، ولا نظير لذلك إلا في الملوك.
قلت: بل له نظير في الخلفاء بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فولي الخلافة من أولاد المتوكل محمد أربعة، بل خمسة: المستعين، والمعتضد، والمستكفي، والقائم، والمستنجد خليفة العصر.
9- ولم يل الخلافة أحد في حياة أبيه إلا أبو بكر الصديق، وأبو بكر الطائع بن المطيع، حصل لأبيه فالج فنزل لابنه عنها طوعًا.
10- قال العلماء: أول من ولي الخلافة وأبوه حي أبو بكر، وهو أول من عهد بها، وأول من اتخذ من بيت المال، وأول من سمى المصحف مصحفًا، وأول من سمّي بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأول من اتخذ الدرة، وأول من أرّخ من الهجرة، وأول من أمر بصلاة التراويح، وأول من وضع الديوان، وأول من حمى الحمى عثمان، وهو أول من أقطع الإقطاعات أي أكثر من ذلك، وأول من زاد الأذان في الجمعة، وأول من رزق المؤذنين، وأول من أُرتج عليه في الخطبة، وأول من اتخذ صاحب الشرطة، وأول من استخلف وليّ العهد في حياته معاوية، وهو أول من أخذ الخصيان لخدمته، وأول من حملت إليه الرءوس عبد الله بن الزبير، وأول من ضرب اسمه على السكة عبد الملك بن مروان، وأول من منع من ندائه باسمه الوليد بن عبد الملك، وأول ما حدثت الألقاب لبني العباس

 

ص -24-         وقال ابن فضل الله: زعم بعضهم أن لبني أمية ألقابًا مثل ألقاب بني العباس.
قلت: وكذا ذكر بعض المؤرخين أن لقب معاوية الناصر لدين الله، ولقب يزيد المستنصر، ولقب معاوية ابنه الراجح إلى الحق، ولقب مروان المؤتمن بالله، ولقب عبد الملك الموفق لأمر الله، ولقب ابنه الوليد المنتقم بالله، ولقب عمر بن عبد العزيز المعصوم بالله، ولقب يزيد بن عبد الملك القادر بصنع الله، ولقب يزيد الناقص الشاكر لأنعم الله.
11- أول ما تفرقت الكلمة في دولة السفاح، وأول خليفة قرّب المنجمين وعمل بأحكام النجوم المنصور، وهو أول خليفة استعمل مواليه في الأعمال وقدّمهم على العرب، أول من أمر بتصنيف الكتب في الرد على المخالفين المهدي، أول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف والأعمدة الهادي، أول من لعب بالصوالجة في الميدان الرشيد. أول من دعي وكتب للخليفة بلقبه في أيامه الأمين. وأول من أدخل الأتراك الديوان المعتصم. وأول من أمر بتغيير أهل الذمة زيّهم المتوكل. أول من تحكمت الأتراك في قتله المتوكل، وظهر بذلك تصديق الحديث النبوي كما أخرج الطبراني بسند جيد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اتركوا الترك ما تركوكم؛ فإن أول من يسلب أمتي ملكهم وما خولهم الله بنو قنطوراء"1. أول من أحدث لبس الأكمام الواسعة وصغر القلانس2 المستعين. أول خليفة أحدث الركوب بحلية الذهب المعتز. أول خليفة قهر وحجر عليه ووكل به المعتمد. أول من ولي الخلافة من الصبيان المقتدر.
12- آخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش والأموال الراضي، وهو آخر خليفة له شعر مدون، وآخر خليفة خطب وصلى بالناس دائمًا. وآخر خليفة جالس الندماء. وآخر خليفةكانت نفقته وجوائزه وعطاياه وخدمه وجارياته وخزائنه ومطابخه ومشاربه ومجالسه وحجابه وأموره جارية على ترتيب الخلافة الأولية، وهو آخر خليفة سافر بزيّ الخلفاء القدماء.
13- أول ما كررت الألقاب من المستنصر الذي تولى بعد المعتصم.
14- في الأوائل للعسكري: أول خليفة ولي في حياة أمه عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ثم الهادي، ثم الرشيد، ثم الأمين، ثم المتوكل، ثم المنتصر، ثم المستعين، ثم المعتز، ثم المعتضد، ثم المطيع، ولم يل الخلافة في حياة أبيه غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وزيد عليه الطائع.
15- وقال الصولي: لا نعرف امرأة ولدت خليفتين إلا ولادة أم الوليد وسليمان ابني عبد الملك، وشاهين أم يزيد الناقص وإبراهيم ابني الوليد والخيزران أم الهادي والرشيد.
قلت: ويزاد أم العباس، وحمزة، وأم داود وسليمان أولاد المتوكل الأخير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بنو قنطوراء: يقال: إن قنطوراء كانت جارية لإبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- ولدت له أولادًا منهم الترك والصين، انظر: النهاية "113/4" قنطر.
2 القلانس: جمع قلنسوه: بفتح القاف وضم السين أو بضمها وكسر السين تلبس في الرأس.

 

ص -25-         16- فائدة: المتسمون بالخلافة من العبيديين أربعة عشر: ثلاثة بالمغرب: المهدي والقائم، والمنصور، وأحد عشر بمصر: المعز، والعزيز، والحاكم، والظاهر، والمستنصر والمستعلي، والآمر، والحافظ، والظافر، والفائز، والعاضد.
وكان ابتداء أمر مملكتهم سنة بضع وتسعين ومائتين، وانقراضها في سنة سبع وستين وخمسمائة.
قال الذهبي: وهي الدولة المجوسية واليهودية، لا العلوية، والباطنية لا الفاطمية، وكانوا أربعة عشر متخلفًا، لا مستخلفًا. انتهى.
17- فائدة: المتسمون بالخلافة من الأمويين بالمغرب كانوا أحسن حالًا من العبيديين بكثير إسلامًا وسنة وعدلًا وفضلًا وعلمًا وجهادًا وغزوًا، وهم كثير حتى إنه اجتمع بالأندلس في عصر واحد ستة كلهم تسمّى بالخلافة.
18- فائدة: أفرد تواريخ الخلفاء بالتأليف جماعة من المتقدمين: منها تاريخ الخلفاء لنفطويه النحوي، مجلدان، انتهى إلى أيام القاهر. والأوراق للصّوليّ ذكر فيه العباسيين فقط وانتهى إليه.
قلت: وقد وقفت عليه وتاريخ خلفاء بني العباس لابن الجوزي، رأيته أيضًا، انتهى إلى أيام الناصر، وتاريخ الخلفاء لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر المروزي الكاتب أحد فحول الشعراء مات في سنة ثمانين ومائتين، وتاريخ خلفاء بني العباس للأمير أبي موسى هارون بن محمد العباسي.
19- فائدة: أخرج الخطيب في التاريخ بسنده عن محمد بن عبادة قال: لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- والمأمون.
قلت: وهذا الحصر ممنوع، بل حفظه أيضًا الصديق -رضي الله عنه- على الصحيح، وصرح به جماعة منهم النووي في تهذيبه، وعلي -رضي الله عنه- وورد من طريق أنه حفظه كله بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
20- فائدة: قال ابن الساعي: حضرت مبايعة الخليفة الظاهر؛ فكان جالسًا في شباك القبة بثياب بيض، وعليه الطرحة، وعلى كتفه بردة النبي -صلى الله عليه وسلم- والوزير قائم بين يديه على منبر، وأستاء الدار دونه بمرقاة وهو يأخذ البيعة على الناس. ولفظ المبايعة: أبايع سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبا نصر محمدًا الظاهر بأمر الله، على كتاب الله وسنة نبيه واجتهاد أمير المؤمنين، وأن لا خليفة سواه، انتهى.